logo

logo

logo

logo

logo

الإفرنجي

افرنجي

Syphilis - Syphilis

الإفرنجي

 

الإفرنجي أو السفلس syphilis مرض خمجي مديد السير، يصيب الجلد وسائر الأعضاء، ينجم عن عامل نوعي هو «اللولبية الشاحبة» Treponema pallidum، وهو مُعدٍ، وتنتقل عدواه غالباً بالاتصالات الجنسية.

انتشرت جائحات الإفرنجي في القرن الخامس عشر الميلادي في أوربة وسمّي بالسفْلس، وقد أشار إليه الأطباء العرب يومئذ فذكره داود الأنطاكي (المتوفى عام 1008هـ/ 1599م) في تذكرته ودعاه «الحبّ الإفرنجي».

ومايزال الإفرنجي منتشراً في معظم بقاع العالم، وماتزال الجهود العالمية والمحلية تبذل في مكافحته، ولا يوجد إحصاء دقيق متاح لحوادثه في الوطن العربي، وقد بلغت حوادثه المسجلة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1981 نحو 799، 72 حادثة. يعدّ الإفرنجي في طليعة الأمراض الزهرية التي أصبحت تدعى حديثاً «الأمراض المنتقلة جنسياً»، ولا ينافسه من أمراضها في إثارة الرهبة والهلع سوى «متلازمة عوز المناعة المكتسب» [ر] (الإيدز).

تحدث العدوى بالإفرنجي في معظم الحالات بالاتصالات الجنسية بشتى أشكالها، ولا بدّ من الإشارة إلى شيوع اللواطة (الجنسية المثلية) في العقدين الأخيرين وأثرها في نشر الداء الإفرنجي بين الذكور. وقد تحدث العدوى بطرق غير جنسية، كنقل الدم وتلوث الجلد المتسحج (المتقشر)، ويطلق على الإصابة الإفرنجية بالطرق السابقة اسم «الإفرنجي المكتسب».

وقد تنتقل الإصابة من أم حامل مصابة بالإفرنجي المكتسب إلى جنينها، ويأتي الطفل مصاباً «بالإفرنجي الولادي».

العامل الممرض ومسيرة الإفرنجي

العامل الممرض: هو «اللولبية الشاحبة»، من زمرة اللولبيات، وهي لولبية دقيقة تبلغ مابين 5-20 مكرومتر (مكرون) طولاً، و0.1-0.2 مكرومتر عرضاً، ويراوح عدد التواءاتها مابين 4 و14 التواءً، وتبدي بنيتها المستدقة بالمجهر الإلكتروني أسطوانة وليفاً محورياً وغشاءً خارجياً وتحوي حبيبات وسياطاً جانبية. وهي ذات حركة بطيئة إلا أنها مستمرة وعلى ثلاثة أنماط: حركة دورانية حول محورها، وحركة التوائية على جانبيها، وحركة تقدمية طولية. وهي تتكاثر «بالانشطار»، وقد أخفق زرع اللولبية الشاحبة في الزجاج.

مسيرة الإفرنجي: يتميز الإفرنجي بسير مديد يعدّ بالسنوات إذا لم يعالج، تتخلله سورات للداء وهدآت، وقد يتوقف لذاته أحياناً.

تبلغ «مدة الحضانة» في الإفرنجي ـ وهي مابين بدء العدوى وظهور أول عرض مرئي ـ وسطياً ثلاثة أسابيع، وقد تقلّ عن ذلك أو تزيد (من 9 إلى 90 يوماً). وقد وضع التصنيف التالي تسهيلاً للإحاطة بمراحل داء الإفرنجي وسير الإصابة:

أ ـ الإفرنجي الباكر: ومدّته دون السنتين، وتظاهراته الرئيسة آفات جلدية. وتشمل مراحله بالتتابع ما يلي: الإفرنجي الأولي ـ وفيه القَرْح ويظهر بعد ثلاثة أسابيع ثم يغيب. والإفرنجي الثانوي ـ وفيه الطفحات الإفرنجية المنتشرة، وتظهر بعد تسعة أسابيع من العدوى، وتدوم بضعة أشهر. والإفرنجي الكامن الباكرـ وتزول فيه جميع الأعراض الظاهرة.

ب ـ الإفرنجي الآجل أو المتأخر: ويتلو الإفرنجي الباكر وقد يمتد سنين عدة. وهو يشمل الإفرنجي الكامن الآجل، وهو امتداد للإفرنجي الكامن الباكر والإفرنجي الثالثي، ويتميز بتوضع الإصابة الإفرنجية في أحد الأعضاء كالجلد وجهاز الدوران والجهاز العصبي، وبأن هذه الإصابات عادة غير معدية.

المظاهر السريرية

عُرف الإفرنجي «بالمقلِّد الأكبر» لكثرة أعراضه ومشابهتها لكثير من الأعراض الجلدية والحشوية. وفيما يلي الأعراض الرئيسة وتشخيصها التفريقي بحسب المراحل المذكورة آنفاً.

طفحات إفرنجية في الساقين

الإفرنجي الأولي: وفيه عرضان أساسيان: القرح، وضخامة العقد اللمفية. أما القرح الإفرنجي فيبدو بشكل لطخة احمرارية مرتشحة مستديرة، سطحها متسحج، ويتميز بالصلابة (القرح الصلب) وبأنه غير مؤلم، يظهر في النواحي التناسلية غالباً (90% من الحالات)، تليها الناحية الشرجية فالناحية الفموية فالنواحي الأخرى، وقد يتوضع القرْح في مكان  خفي كعنق الرحم أو باطن الشرج. يبقى القرح بضعة أسابيع ثم يأخذ بالزوال. وينبغي في التشخيص التفريقي للقرح أن يفرق عن: الحلأ التناسلي الناجم عن فيروسات الحلأ herpes والقروح الأخرى كالقُريح الذي تسببه مستدميات دوكري Ducrey والقروح الرضحية traumatic والجرب[ر].

وأما ضخامة العقد اللمفية المرافقة للقرح فتتوضع في ناحيته وتكون متعددة ومتفاوتة الحجم وغير مؤلمة.

الإفرنجي الثانوي: وهو يتميز بالبوادر العامة وبالطفحات الجلدية.

أما البوادر العامة فتشمل ارتفاع الحرارة البسيط وفرط التعرق والصداع والآلام المفصلية والعظمية، كما ترافقها ضخامة العقد اللمفية المنتشرة.

وأما الطفحات الإفرنجية الثانوية فتتميز بانتشارها، وبإصابتها الجلد والأغشية المخاطية، وبشدة عدواها، وبتتابع سوراتها، وتكون هذه الطفحات عادة غير حاكة ولا مؤلمة إلا بالضغط أحياناً، كما أنها قد تأخذ أشكال معظم الآفات الجلدية ماعدا الفقاعية منها. وأهم أشكال الطفحات الثانوية هي: الطفحات البقعية macular وتأخذ شكلاً حصبوياً وتعرف «بالوردية الإفرنجية» وتنتشر على الجذع والأطراف ولاترافقها حكة أو وسوف. والطفحات المخاطية ـ وتصيب الأغشية المخاطية الفموية والتناسلية وتبدو بشكل لطخات مؤتكلة وهي شديدة العدوى. والطفحات الحطاطية papular وهي من الأشكال الرئيسة وتبدو كحطاطات مرتشحة ووسفية، صدافية الشكل psoriasiform وأحياناً متحلّقة وتظهر في أماكن متعددة ولاسيما في الراحتين والأخمصين، وإذا ماظهرت في الأماكن الرطبة كالثنيات والنواحي التناسلية والشرجية فإنها تأخذ أشكالاً متنبتة يطلق عليها اسم «الورم اللقمي المنبسط» condyloma.

طفحات إفرنجية في أسفل القدم

يعقب الطفحات الثانوية أو يرافقها اضطراب في التصبغ يُسمى «الوَضَح الإفرنجي»، وإصابة في الأظافر والأشعار (الحاصّة الخلالية  alopecia).

أما التشخيص التفريقي للطفحات الثانوية فيشمل عدداً كبيراً من الأمراض الجلدية منها: الصدف وهو مرض جلدي مجهول السبب سيره مزمن ويتصف بسطح حُمامي erythema تغطيه وسوف متراكم بعضها فوق بعض. والنخالية الوردية pityriasis rosea: وهو مرض جلدي حاد أكثر مايصيب الأطفال والشباب واندفاعاته حمر دائرية عليها وسوف خفيفة ودقيقة والفطارات الجلدية والآفات والأخماج الجلدية والمخاطية المختلفة.

الإفرنجي الكامن: وهو إفرنجي لاعرضي مختبئ، يشخص بإيجابية الفحوص المصلية والمخبرية الخاصة وبسلبية فحص السائل الدماغي الشوكي وبسلامة الأحشاء. ويقسم الإفرنجي الكامن إلى باكر فيما دون السنتين وآجل فيما بعدهما. والإفرنجي الكامن ولاسيما الباكر قابل للعدوى بنقل الدم وبالحمل.

الإفرنجي الثالثي: وهو من الإفرنجي الآجل ويظهر عادة بعد سنوات من بدء الإصابة، تميل الإصابة الإفرنجية في هذا الدور إلى التوضع في أماكن محدّدة ومحصورة، وإلى تخريب الأنسجة التي تصيبها. وأهم توضعاتها الآفات الدورانية، وأهمها إصابة الأبهر فيسبب قصور الأبهر وأم الدم الأبهرية، والآفات العصبية، كالآفات السحائية والدماغية (التابس tabes والخَزَل paresis، وإصابة الأعصاب القحفية والصمم والاضطرابات العينية والشلول)، والآفات الجلدية كالصمغة الإفرنجية في الجلد والأغشية المخاطية، وآفات مرتشحة وتقرحية في الجلد، وآفات في الأغشية المخاطية.

الإفرنجي الولادي: تنتقل اللولبيّات الشاحبة من الأم الحامل المصابة بالإفرنجي المكتسب الباكر إلى الجنين، عبر المشيمة، وذلك بعد الشهر الرابع من الحمل. تظهر أعراض الإفرنجي الولادي إما باكراً في الوليد وفي أشهره الأولى، أو تتأخر شهوراً وسنوات لتظهر في الطفولة الباكرة أو المتأخرة.

وتكون أعراض الإفرنجي الولادي مشابهة في مراحلها ومظاهرها السريرية لأعراض الإفرنجي المكتسب ماعدا أعراض الإفرنجي الأولي فلا تشاهد عادة.

     منظر اللولبية الشاحبة في المجهر ذي الساحة المظلمة

يكون الوليد المصاب ضعيفاً وتبدو عليه بعض الأعراض الخاصة كسيلان الأنف الإفرنجي، وبعض الطفحات الجلدية النوعية كالفُقاع الإفرنجي pemphigus في اليدين والقدمين، والطفحات الجلدية المخاطية التي تصيب الفوهات وقد تؤدي إلى حدوث ندبات وتغضنات فيها.

ويُحدث الخمج الإفرنجي الولادي آفاتٍ مختلفة في الأحشاء ولاسيما في الكبد والطحال والعظام والمفاصل، على أنه لا يصيب عادة القلب والدوران.

تنجم عن الإصابات الإفرنجية الولادية أحياناً تشوهات دائمة تعرف «بالسِمات الإفرنجية» منها: التشوهات السنّية (أسنان هتشتسون)، والإصابات العينية (التهاب القرنية الخلالي)، والإصابات العصبية (الشلول والصمم والتخلف العقلي)، والإصابات العظمية (الأنف السرجي والظنبوب بشكل نصل السيف وضخامة النهاية الإنسية للترقوة)، والإصابات المفصلية (مفاصل كلاتون) وغيرها.

التشخيص المخبري

يشمل فحوصاً مخبرية كثيرة، أهمها مايلي:

كشف اللولبية الشاحبة: ويجرى عادة في الإفرنجي الأولي، وتستخدم فيه عدة طرائق منها: الفحص المباشر بالمجهر ذي الساحة المظلمة وترى فيه اللولبية الشاحبة بشكلها وحركاتها الوصفية، وبطريقة التألق المناعي بالمجهر ذي الإشعاع فوق  البنفسجي، وبطرائق التلوينات الخاصة. وينبغي في هذه الفحوص تمييز اللولبية الشاحبة من اللولبيات الكثيرة المشابهة، ولعل أفضل الطرائق في كشف اللولبية الشاحبة هو تحريها في بزالة العقد اللمفية المتضخمة.

الدراسات المصلية: تبدأ إيجابيتها عادة بعد الأسبوع السادس من بدء العدوى، وتفيد في تشخيص الإفرنجي الثانوي وفي متابعة المرض وتطوره واستجابته للمعالجة وذلك باتباع المعايرات الكمية فيها. والاختبارات المصلية على نوعين:

أ ـ اختبارات لانوعية: وهي تعتمد على وجود «الرواجن» reagin ونحوها في مصل المرضى، وتستخدم فيها طرائق التحوصب flocculation وطرائق تثبيت المتممة، ومن هذه الاختبارات الشائعة والمتعارف عليها: اختبارات واسرمان وكان وكلاين، واختبار مخبر أبحاث الأمراض الزهرية VDRL، وهذه الاختبارات جيدة واقتصادية. على أنه ينبغي الإشارة إلى «الاختبارات الحيوية ذات الإيجابية الكاذبة» التي قد تصادف في هذه الاختبارات فهي تعطي نتائج إيجابية من دون أن يكون لدى المريض إصابة لولبية ما وإنما قد يكون مصاباً ببعض الآفات الأخرى كأمراض المناعة الذاتية أو بعض الأخماج الحادة والمزمنة الأخرى.

ب ـ اختبارات نوعية: وهي اختبارات تقوم أسسها على تفاعل اللولبيات تجاه الأضداد الموجودة في المصل المصاب، وأهم هذه الاختبارات: اختبار تثبيت اللولبية الشاحبة TPI واختبار نلسون، وهو اختبار دقيق إلا أنه صعب الإجراء وباهظ التكاليف، واختبارات التألق المناعي مثل FTA وهي دقيقة وسهلة الإجراء عند توافر الأجهزة، واختبار تراص الحمر تجاه اللولبية الشاحبة TPHA وهو دقيق وسهل وقليل التكلفة.

فحص السائل الشوكي: وهو مهم في الإفرنجي الآجل ولا سيما في الإفرنجي العصبي والإفرنجي الولادي الآجل.

تُجرى فيه الاختبارات المصلية ومعايراتها الكمية ويجري فيه تعداد الخلايا ومعايرة البروتين.

المعالجة

العلاج الأمثل والمنتخب لمعالجة الإفرنجي هو «البنسلين»، ولم تعرف بعد مقاومة تذكر للولبيات الشاحبة تجاهه. يوصى بإعطاء البنسلين زرقاً داخلياً وبمقادير تضمن وجوده في الدم، وينتخب لهذا الغرض عادة البنسلين المديد (بانزاتين البنسلين) أو نصف المديد (بروكائين البنسلين).

أما المقادير فيحددها الطبيب بحسب مرحلة الإصابة وتوضعها، وفي الحالات التي تحول دون استعمال البنسلين، كما في حال التحسس المؤكد تجاهه، يُعْدَل عن استعمال البنسلين إلى صادّات أخرى كالتتراسكلين والإريتروميسين، ويُعطيان بطريق الفم.

ينبغي أن يشرف الطبيب على المعالجة لما قد يرافقها من تفاعلات جانبية، وللتأكد من كفايتها، ولمتابعة المريض بالفحوص السريرية والمخبرية لمدة سنة في الإفرنجي الباكر، ولمدة سنتين في الإفرنجي الآجل.

الإفرنجي المتوطن أو «البَجَل»

البجل هو إفرنجي متوطن غير زهري، عامله لولبية مماثلة تماماً للولبية الشاحبة ولا يمكن تفريقها عنها مخبرياً.

عُرف البجل بانتشاره في عدد من الأقطار العربية ولاسيما في بلاد الشام والعراق (حوضي الفرات ودجلة) وفي شبه الجزيرة العربية، وكان انتشاره واسعاً بين أفراد القبائل (90% من الأفراد) إلا أن حوادثه أصبحت نادرة بفضل انتشار استعمال البنسلين ومكافحة الحكومات ومنظمة الصحة العالمية للبجل.

للبجل الصفات والخصائص التي وردت في الإفرنجي ذاتها ماعدا بعض الصفات التي يمكن إجمالها في النقاط التالية:

ـ تتم العدوى بالبجل بالتماس العادي والمعايشة، ويساعد على ذلك تدني المستوى الحياتي والمعيشي.

ـ لايشاهد في البجل القرحُ الأولي أو إنه قل أن ينتبه إليه.

ـ تكثر في البجل الباكر الآفات المخاطية والآفات التنبتية وهي شديدة العدوى.

ـ تكثر في البجل الآجل الصمغة وتخريباتها الواسعة في الفم والوجه والأطراف.

ـ الإصابات الآجلة للبجل في الأحشاء نادرة ولاسيما إصابات الجهاز الدوراني والعصبي، وكذلك الإصابات الولادية فهي نادرة أيضاً.

يعالج البجل بالبنسلين أيضاً، ولكن بمقادير تختلف عن المقادير التي تعطى للإفرنجي.

مأمون الجلاد

 

مراجع للاستزادة

ـ أندروز، أمراض الجلد، ترجمة أعضاء الهيئة التدريسية في قسم الأمراض الجلدية بجامعة دمشق (وزارة التعليم العالي، دمشق 1987).


التصنيف : طب بشري
النوع : صحة
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 848
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1074
الكل : 40439490
اليوم : 114158

انقراض الحيوانات

انقراض الحيوانات   انقراض الحيوانات Animal Extinction هو اختفاؤها عن سطح الأرض لسبب أو لآخر. ويشير استعراض تاريخ الحياة على الكرة الأرضية إلى اختفاء عدد كبير من الحيوانات وظهور حيوانات أخرى، في فترات متباينة. وتدل وقائع علم المستحاثات على حدوث أربع فترات انطفاء رئيسية خلال عمر الحياة الحيوانية على الكرة الأرضية الذي يقدر بقرابة 600 مليون سنة. وكان أبرز حادثات الانطفاء ما وقع منذ نحو 65 مليون سنة، أي في أواخر العصر الكريتاسي ومطلع الحقب الثالث الذي قضى على الدَّيْناصور الهائل. مما دعا علماء الحياة إلى الاهتمام بهذا الإنطفاء أكثر من غيره، وأدى ذلك إلى ظهور عدد من التفسيرات. فقد رَدَّ بعض الباحثين انطفاء الديناصور إلى تعرض الأرض إلى إشعاعات خطرة نتجت عن انفجار أحد النجوم المجاورة. وعزا آخرون انطفاءه إلى الاختلاف في شدة الحقل المغنطيسي الأرضي الذي أدى إلى حدوث طَفَرات غَيَّرَت عالم النبات، وانتشار بعض السموم والأمراض في عالم الحيوان الذي يتغذى به الديناصور. ويعتقد لويس ولتر ألفاريز Lois walter Alvarez وفرانك آزارو F.Azaro وهيلين مايكل (1980) H.Mickel أن نيزكاً اصطدم بالأرض في أواخر الكريتاسي وأوائل الحقب الثالث أدى إلى زيادة عنصر الإيريديوم المتوافر عادة بغزارة في النيازك. وقد اعتمد هذا الافتراض على ارتفاع نسبة وجود عنصر الإيريديوم في الغضار المكوِّن لصخور تلك الحقبة من الزمن في بعض مناطق إيطالية والدنمارك ونيوزيلنده، والتي بلغت فيها على التوالي 30 و160 و20 مرة بالمقارنة مع المناطق الأخرى من الكرة الأرضية. ويتصور هؤلاء تَشَكُّل سحابة غبار نتجت عن هذا الاصطدام دامت عدداً من السنين حُجبت فيها الشمس عن الأرض، فتدهور العالمُ النباتي، وتبعه العالمُ الحيواني، ومنه الديناصور. لذلك تعد ظاهرة انقراض الحيوانات حادثة طبيعية، فاختفت بعض الأنواع الحيوانية وظهرت أنواع أخرى أكثر تكيفاً مع الشروط البيئية حلت محلها. ولئن كانت الكوارث الطبيعية قد حددت في الماضي طرائق انطفاء العالم الحيواني على اختلاف الآراء في تفسير الحادثات، لقد أجمع الدارسون للعصر الحديث على أن الإنسان العارف Homo sapiens الذي انطلق على هذه الأرض منذ بضع مئات الآلاف من السنين، هو المسؤول الأول عن الإخلال بالتوازن البيئي وعن انقراض عدد من الحيوانات. وهكذا قضى صيادو العصر الحجري في المغرب منذ نحو 12000 سنة على 60% من الثدييات الكثيرة التي عاشت في تلك الرقعة. وكذلك قضى الهنود الحمر في أمريكة الشمالية على قطعان كبيرة من الماموت[ر] والبيزون القديم Bison antiquus عن طريق تخويفها بالنار وقيادتها إلى حفر أو خنادق حُفرت لهذا الغرض. ويعد الصيد في أقدم الأسباب التي أدت إلى انقراض الكثير من الحيوانات. فلقد اعتمد الإنسان على الصيد مدة طويلة من الزمن لتوفير حاجاته الغذائية وخاصة البروتينية. كما اعتُمد على الصيد للتخلص من أخطار الحيوانات من ناحية أخرى. وتحول الصيد إلى عامل انقراض واضح بعد أن تسلح الإنسان بأدوات التخريب الفعالة كالبارود وغيره، وبعد أن تزايد عدد الصيادين زيادة كبيرة. وهكذا تحول الصيد إلى هواية تستمتع بتعقب الحيوان وقتله. ويرجع دور الإنسان الحديث في انقراض الحيوان إلى تخريبه الكَنَف الحيواني، بقَطْعِهِ الغابات وحرقها وتحويلها إلى أراض زراعية أو سهوب رعوية، وبتجفيف المستنقعات لاستصلاحها، الأمر الذي يحرم الحيوانات من مسكنها الطبيعي. وهناك عامل آخر يسهم الإنسان به في تدهور أعداد الحيوانات وانقراضها، هو الثورة الصناعية الحديثة وما نشأ عنها من ملوِّثات، وكان أشدها ضرراً المبيدات الكيمياوية السامة التي استخدمت للتخلص من الآفات الزراعية، والتي تنتقل إلى الحيوانات عن طريق السلسلة الغذائية. فلقد أدت هذه المبيدات إلى انخفاض أعداد الحيوانات انخفاضاً ملحوظاً ولاسيما الطيور والأسماك وبعض الحشرات النافعة. وإذا استُعْرضت الأنواع الحيوانية التي انقرضت أو في طريقها إلى الانقراض، يُواجَه الإنسان بكثرتها نوعاً وكماً. لهذا سيُقْتَصَر على ذكر بعض الأنواع المهمة. ففي سورية مثلاً تشير الدراسات إلى انقراض عدد من الأنواع الحيوانية البرية. إذ يُعْتقد أن الفيل السوري Elephas Syriaca اختفى قبل الميلاد. أما الدب السوري البني Ursus Syriaca فقد بقي موجوداً في سورية ولبنان حتى عام 1954، وكذلك اليحمور وأيّل الرافدين Diam mesopotanica. في حين أن الغزال العربي Gazella arabica هو اليوم في طور الانقراض، إذ لم تبق منه إلا أعداد محدودة. ويتعرض هذا الحيوان إلى الإبادة بأحدث وسائل الصيد، إضافة إلى إبادة حمار الوحش السوري. أما ما يتعلق بالطيور في سورية فمع عدم وجود إحصائيات عن الأنواع التي انقرضت فيها أو المهددة بالانقراض يلحظ انخفاض أنواعها وأعدادها انخفاضاً واضحاً. وفي آسيا يعد الأسد Felis leo في طريقه إلى الانقراض. ففي حين كان يعيش الكثير منه في تركية والبلاد العربية في بداية القرن العشرين، لا يوجد منه اليوم سوى 200 فرد تعيش في جزيرة كاتياوار Kathiawar غرب الهند. وفي هذا المجال لابد من الإشارة إلى البنده Panda العملاقة التي لم يُعْرف وجودها إلا في نهاية القرن التاسع عشر، والتي باشرت السلطات الصينية بحمايتها رسمياً، حتى إنها أصبحت شعاراً للصندوق الدولي من أجل حماية الطبيعة الذي يتخذ سويسرة مقراً له. كما يعد نمر الثلج الذي يعيش في المنحدرات السفلى لجبال الألب ضحية من ضحايا الصيادين، وكذلك نمر صنعاء من شمالي شبه الجزيرة العربية ونمر الجنوب العربي من المملكة العربية السعودية. ومن أهم الثدييات التي انقرضت في آسيا البقرة البحرية Sea Cow (من رتبة الخلانيات [ر] Sirenia من الثدييات) التي كانت تعيش في الجزء الشمالي من المحيط الهادي في قطعان كبيرة في المياه القليلة العمق وتتغذى بالطحالب البحرية. وقد انقرضت عام 1768 بسبب بطء حركتها وطيب مذاق لحمها. وفي إفريقية يمكن عد مختلف أنواع الكركدن[ر] (وحيد القرن) في الطريق إلى الانقراض. وكذلك الفيل الإفريقي الذي لم تبق منه إلا أعداد محدودة. كما يهدد الانقراض أيضاً الدب والحمار الوحشي الجزائري والضبع البربري من المغرب، وكذلك الفهد البربري. وفي فرنسة انقرض الأُرخُص Aurochs (وهو ثور بري ضخم يشبه البيزون) منذ أواخر القرن السادس بعد أن قاوم طويلاً في غابات الفوج، وكان سبب اختفائه الصيد المفرط من قبل الغاليين. وقد طاردته الشعوب الأوربية الأخرى، ويتفق المختصون على أن آخر أُرخُص تم قتله عام 1927 في بولندة. وانقرض الذئب [ر] من فرنسة عام 1930، وكذلك الوَشَق (الأَوْس) Lynx، ولم يبق من الدببة في جبال البيرينيه إلا نحو 30 فرداً. وتسعى السلطات المختصة في كل مكان من أوربة إلى حماية الذئب والدب والقُضاعة Otter والبيزون والوَشَق. وفي أمريكة الجنوبية تعتبر لامة جزر الهند (الفَيْكونة Vicuna)، وهو حيوان يشبه الخروف، في طريقه إلى الانقراض. أما في أمريكة الشمالية فقد أشرف البيزون على الاختفاء، إذ كان يوجد منه ما يقارب 75 مليون رأس قبيل الغزو لأمريكة، لم يبق منه في عام 1890 إلا ما يقارب 500 رأس، تم إنقاذها بفضل إنشاء الحديقة الوطنية في ييِلُوسْتُون Yellowstone. أما في البحار فتعد حيتان البَلينة من بين الأنواع المهددة بالانقراض. ويعد الحوت الأزرق في القطب الجنوبي أكثرها عرضة له.   محمد النعمة   الموضوعات ذات الصلة:   البقريات، الحوتيات.   مراجع للاستزادة:   - Alvarez, L.W., Alarez ,W.,Asaro, F., and Mickelm H.V. Extraterrestrial caus for the cretaceaus - tertiary extinction Science. 208 (4448): 1095 - 1108. (1980) - Jastrow, R. The dinosaur masracre: Adouple - barrelled nystry. Science. a (a): 50 - 54. (1983).
المزيد »