logo

logo

logo

logo

logo

البحار (قانون-)

بحار (قانون)

Law of the sea - Droit de la mer

البحار (قانون ـ)

 

قانون البحار The Law of the Sea هو مجموعة القواعد القانونية العرفية والاتفاقية التي تنظم وضع البحار بأجزائها وتفرعاتها من مياه إقليمية Territorial Waters ومناطق متاخمة contegious zones ومناطق اقتصادية خالصة Exclusive Economic Zones وجرف قاري Continental  Shelf وبحر عام High Sea وممرات مائية دولية  International Straits وقنوات Canals وخلجان دولية International Bays and Gulfs وخلجان تاريخية وقاع البحر واستخدام هذا القاع وما تحته وما فوقه من مياه ومن ذلك الملاحة والصيد والثروات الطبيعية.

قانون البحار

تشكل الاتفاقيات الدولية التالية القواعد الاتفاقية لقانون البحار في أيامنا إضافة إلى القواعد العرفية:

ـ اتفاقية البحر الإقليمي والمنطقة المتاخمة المبرمة في 29/4/1958.

ـ اتفاقية أعالي البحار المبرمة بتاريخ 29/4/1958.

ـ اتفاقية الجرف القاري المبرمة بتاريخ 29/4/1958.

ـ اتفاقية المصايد والصيد البحري والبروتوكول الاختياري الخاص بتسوية النزاعات.

وفي 10/12/1982 شهدت مدينة مونتيغرباي في جمايكة التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي قصد منها تحسين الاتفاقيات السابقة والتفريع على أصولها وتطوير قواعدها بما يناسب نهاية القرن العشرين. وقد وقع الاتفاقية التي تعرف «باتفاقية جمايكة» مندوبو مئة وسبع عشرة دولة ومندوبا إقليمين. فكانت بذلك أول اتفاقية دولية تحظى بمثل هذا العدد من التوقيعات في اليوم الأول لفتح باب التوقيع عليها من قبل دول تنتمي إلى كل المجموعات الإقليمية والتكتلات السياسية التي يعرفها عالم اليوم. ودخلت اتفاقية جمايكة حيز التنفيذ في عام 1994 بين الدول التي أودعت وثائق تصديقها عليها أصولاً لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، فعدت الاتفاقية ملزمة لهذه الدول ولكل دولة أخرى تودع وثائق تصديقها لاحقاً. أما في العلاقة بين الدول المصدقة على اتفاقيات جنيف لعام 1958 وغير المصدقة على اتفاقية جمايكة، فتبقى هذه الاتفاقيات تحكم علائقها التعاقدية عملاً بالقانون الدولي للمعاهدات. وتعدّ اتفاقية جمايكة ـ على ما قد يؤخذ عليها ـ تقنيناً شاملاً لقانون البحار فهي تقع في 320 مادة وستة ملاحق بالبيان الختامي لمؤتمر قانون البحار الذي عمل على دورات مدة عشرين عاماً حتى خرج بهذه الاتفاقية الشارعة المهمة. وفيما يلي أهم قواعد قانون البحار. 

أولاً ـ أعالي البحار (البحر العام) وتوابعها 

1) أعالي البحار

تشمل أعالي البحار جميع المياه المحيطة باليابسة، وتستثنى منها تلك المنطقة الضيقة التي يتصل فيها البحر بالأرض والتي تعرف بالمياه الساحلية أو الإقليمية. ويسميها الجغرافيون المياه الدولية أو الحرة. ولا تدخل أعالي البحار في ملكية أحد، ولا تخضع لسيادة دولة أو دول معينة دون غيرها، وللجميع، دولاً وأفراداً، حق الانتفاع الحر بها على السواء. وفيما يلي القواعد القانونية الخاصة بأعالي البحار والمنظمة للانتفاع بها.

مبدأ حرية أعالي البحار: لم يستقر مبدأ حرية أعالي البحار قاعدة من قواعد القانون الدولي العام إلا في منتصف القرن التاسع عشر، أما قبل ذلك فقد كانت كل من الدول البحرية تدعي السيادة على الأجزاء من البحار المقابلة لشواطئها، وأحياناً على بعض المناطق الممتدة لمسافات بعيدة عنها؛ فادعت رومة السيادة على البحر المتوسط، وادعت البندقية السيادة على البحر الأدرياتيكي، وادّعت البرتغال السيادة على بحار غربي إفريقية وحرَّمت الملاحة فيها على السفن الأجنبية، وكانت تطارد من تحاول منها الوصول إلى الهند عن هذا الطريق، وتشنق بحارتها. وادعت إسبانية السيادة على القسم الجنوبي من المحيط الأطلسي، وادعت بريطانية سيادتها على القسم الشمالي منه وعلى بحر المانش، في حين ادعت الدانمرك والسويد السيادة على بحر البلطيق.

وكان كشف أمريكة وما تبعه من نشاط التجارة والملاحة البحرية من العوامل التي دفعت الدول إلى المغالاة في ادعاءاتها هذه. فأعلنت كل من إسبانية والبرتغال منع المراكب الأجنبية منعاً باتاً من المرور في البحار التي كانت تدعي السيادة عليها، وطلبت إنكلترا من المراكب الأجنبية التي تريد الملاحة في البحار المحيطة بها أو في المحيط الأطلسي الحصول على إذن مسبق منها، وفرضت عليها أن تبدأ سفنها بالتحية البحرية كما أعطت لنفسها حق تولي أعمال الشرطة مع جميع المراكب التي تمر في هذه البحار. وقد أثارت هذه الأوضاع اهتمام المشتغلين بالقانون الدولي فهب بعضهم ينادي بفكرة حرية البحار ونشر«غروشيوش» كتابه الشهير في البحر الحر Mare Liberum وهاجم فيه ما كانت تدعيه الدول المتقدمة من السيادة على البحار، وأعلن ضرورة أن تكون البحار حرة مباحاً استعمالها لجميع الدول على السواء. ولم ترق أفكار العالم الهولندي لإنكلترة. فطلبت من دولته محاكمته وحرق كتابه، ولكن هولندة لم تجبها إلى ذلك فاضطرت إنكلترة إلى الاكتفاء بمناهضة ما نادى به غروشيوش بتكليف فقهائها الرد عليه، فكتب «جون سلدن» كتابه المعروف في البحر المغلق Mare Clausum ودافع فيه عن فكرة إمكان تملك البحار، وعمّا لبريطانية من حق في بسط سيادتها على البحار المحيطة بها حتى شواطئ الدول الأخرى. وقد نشر هذا الكتاب بأمر من ملك إنكلترة شارل الأول سنة 1636 ليدعم به وجهة نظر إنكلترة في مقابلة آراء غروشيوش.

على أن الأفكار كانت قد تهيأت لما نادى به «غروشيوش»، وحذا حذوه أغلب الكتاب الذين تلوه، وبدأ فقهاء القرن الثامن عشر وعلى رأسهم «بينكر شوك» يفرقون بين البحر الإقليمي وأعالي البحار منادين بحرية هذه. وأخذت الدول تخفف تدريجياً من المغالاة في دعواها السيادة على البحار. وقد تبين لها أن مصلحتها المشتركة تقضي أن تكون الملاحة فيها حرة من كل قيد. ولم ينتصف القرن التاسع عشر حتى كان مبدأ حرية أعالي البحار قد استقر وأصبح قاعدة من قواعد القانون الدولي العام المسلم بها عالمياً.

وقد سجلت اتفاقية أعالي البحار التي أقرتها جماعة الدول في مؤتمر جنيف سنة 1958 هذه القاعدة فنصت في صدر المادة الثانية على أنه «لما كانت أعالي البحار مفتوحة لكل الأمم، فإنه لا يحق لأي دولة أن تحاول فرض سيادتها على أي جزء منها. وتمارس حرية أعالي البحار وفق الشروط الواردة في هذه الاتفاقية ووفق مبادئ القانون الدولي الأخرى» وجاءت اتفاقية جمايكة بالمبدأ نفسه في المادة 86 منها.

نتائج مبدأ حرية أعالي البحار: أهم هذه النتائج وفق اتفاقيات جنيف لعام 1958 هي: حرية الملاحة، حرية الصيد، حرية مد الأسلاك البرقية والأنابيب تحت الماء، حرية الطيران. وقد أثبتتها اتفاقية جمايكة لعام 1982 وأضافت إليها بندين آخرين هما حرية إقامة الجزر الصناعية وحرية البحث العلمي (المادة 87).

ـ حرية الملاحة: لمراكب جميع الدول الحق في الملاحة الحرة في أعالي البحار من دون أن تخضع في ذلك لغير ما تفرضه على كل منها قوانين الدول التابعة لها من إجراءات أو شروط. إنما لابد أن يكون لكل سفينة علم يدل على جنسيتها، حتى تسهل معرفة الدولة التي تتبعها والرجوع إليها عند الاقتضاء، إما لحماية السفينة إذا كانت محل اعتداء، وإمّا لمطالبتها بالتعويض إذا كانت معتدية. ولا تتعارض حرية الملاحة مع تنظيم بعض المسائل المتصلة بها تنظيماً دولياً بغرض ضمان سلامة السفن وصيانة الأرواح في البحار. وقد بدأ هذا التنظيم بتوافق الدول على اتباع قواعد معينة لاستعمال الأضواء والإشارات من سفن كل منها، وصار هناك مجموعة قواعد دولية للإشارات تأخذ بها الدول البحرية جميعها. وأبرمت عدة اتفاقيات دولية لتنظيم المساعدة والإنقاذ البحريين أولها اتفاقية بروكسل للمساعدة والإنقاذ في 23 أيلول سنة 1910، ثم اتفاقيتا لندن للإنقاذ البحري في 20 كانون الثاني سنة 1914 وفي 13 أيار سنة 1929.

ـ حرية الصيد: الصيد في أعالي البحار مباح للجميع اعتماداً على حرية هذه البحار، ولا يحق لأي دولة أن تمنع مراكب غيرها من الصيد فيما وراء مياهها الإقليمية ومنطقتها الاقتصادية الخالصة (وفق اتفاقية جمايكة لعام 1982) استناداً إلى أي سبب، غير أنّ على مراكب كل دولة عند ممارستها الصيد في البحر العام ألا تثير صعوبات في وجه مراكب الدول الأخرى التي تقوم بالصيد في المنطقة نفسها، وألا تستخدم وسائل من شأنها أن تؤدي إلى انقراض الأسماك في هذه المنطقة. وقد أبرمت اتفاقيات دولية بقصد تنظيم الصيد في أعالي البحار أهمها اتفاقية جنيف للصيد والمحافظة على الموارد الحية لأعالي البحار في عام 1958.

ـ مد الأسلاك والأنابيب: يقضي مبدأ حرية البحار أن يكون لكل دولة الحق في مد أسلاك التلغراف والهاتف وأنابيب البترول عبر أعالي البحار. ويشترط المحافظة على هذه الأسلاك من العبث بها أو إتلافها (المواد 112-115 من اتفاقية جمايكة ).

ـ حرية الطيران: للطائرات التابعة لأي دولة، سواء في ذلك الطائرات العامة أو الطائرات التجارية والخاصة، أن تطير فوق أعالي البحار وأن تحلق في أجوائها، ما شاءت وعلى أي ارتفاع تستطيع الوصول إليه، دون أن تتقيد في ذلك إلا بأنظمة الدولة التي تتبعها وبتعليماتها، وما تفرضه عليها الاتفاقيات الدولية العامة التي أبرمت بغرض ضمان الطيران وسلامته.

ـ حرية إقامة الجزر الصناعية وغيرها من المنشآت المسموح بها بموجب القانون الدولي العام (المادة 121 من اتفاقية جمايكة).

ـ حرية البحث العلمي (المواد 238-265 من اتفاقية جمايكة ).

مركز الدول غير الساحلية: (الدول المغلقة أو الحبيسة) Land-Locked States (كأفغانستان مثلاً) هل تحرم من استعمال البحر ومن الاستفادة من موارده؟ إن مبدأ المساواة بين الدول في الحقوق لا يمكن أن يقرر هذا الحرمان، والتعاون بين الشعوب يقتضي أن تيسر كل دولة لزميلاتها كلما كان ذلك مرتبطاً بها، استعمال حقوقها القانونية. وعلى ذلك فالدولة التي لا يتصل إقليمها بالبحر تنتظر من الدول المحيطة بها التي لها منفذ إلى شواطئه أن تسمح لها بالمرور عبر إقليمها للوصول إلى البحر، وأن تسمح لسفنها التجارية بالرسو في موانيها بناء على اتفاقات خاصة تبرم بين الطرفين إذا لم يكن لها الاستفادة من الاتفاقيات العامة المبرمة لتنظيم مرور الدول في أقاليم غيرها سواء عن طريق النقل بالسكك الحديدية أو عن طرق النقل الأخرى.

وقد تعرضت اتفاقية أعالي البحار التي أقرها مؤتمر جنيف سنة 1958 لهذا الموضوع بما يتفق مع ما تقدم. ونصت اتفاقية جمايكة على المبادئ نفسها فيما يتصل بحقوق الدول الحبيسة أو غير المشاطئة أو المغلقة (المواد 124-133).

مهمة الشرطة والقضاء في أعالي البحار: إن عدم خضوع أعالي البحار لسيادة دولة ما يتبعه أنه ليس لدولة أن تتولى فيها أعمال الشرطة والقضاء دون غيرها، وان الدول سواء من هذه الناحية بمعنى أن كلاً منها هي صاحبة الاختصاص القضائي فيما يتعلق بالمراكب التي ترفع علمها ولا شأن لها بالسفن التابعة لغيرها.

فالقاعدة إذن أن كل ما يقع من أعمال أو تصرفات على مركب ما أو منه أثناء وجوده في أعالي البحار يخضع لقوانين الدولة التابع لها، وإنه ليس لدولة حق الشرطة أو القضاء فيما يتعلق بالمراكب الأجنبية الموجودة في هذه البحار احتراماً لسيادة الدول التي ترفع هذه المراكب علمها. وهذه القاعدة مطلقة فيما يتعلق بالمراكب الحربية أو التي تقوم بأعمال السلطة العامة كمراكب المطاردة والشرطة وما شابهها. لكنها فيما يتصل بالسفن الأخرى تحتمل بعض استثناءات تجيز في حالات معينة تعرض الدولة لسفينة لا تتبعها وإخضاعها لإجراءاتها البوليسية أو لقضائها. وهذه الحالات هي حالة الحرب وحالة الاشتباه في العلم وحالتا الإتجار بالرقيق والقرصنة، وذلك على التفصيل الآتي:

ـ حالة الحرب: يسمح قانون الحرب[ر] للدول المحاربة بأن تتولى أعمال الشرطة إزاء السفن التجارية المحايدة في كل ما يتصل بواجبات الحياد. وللمراكب الحربية لهذه الدول أن تعترض أي سفينة تجارية محايدة تلتقي بها في عرض البحر وأن تقوم بتفتيشها للتحقق من أنها لا تحمل للعدو مهربات حربية أو معونات من أي نوع، ولها في حالة ظهور العكس أن تقبض عليها وتقودها إلى إحدى موانيها ـ مواني الدولة المحاربة ـ لتقديمها للمحاكمة وفقاً لما تقضي به قواعد الحياد في الحرب.

 ـ الاشتباه في العَلَم: لكل مركب حربي، ضماناً لسلامة الملاحة في أعالي البحار، أن يتحقق من جنسية السفن التي يلتقي بها في هذه البحار، ويستدل على جنسية السفينة كما تقدم بالعلم الذي ترفعه. فإن لم تكن السفينة ترفع علماً كان للمركب الحربي أن يكلفها ذلك بإشارة منه حتى يتعرف جنسيتها. فإن امتنعت أو رفعت علماً اشتبه قائد المركب الحربي في أنّه لا حق لها في رفعه طالبها بالوقوف، وبعث إليها أحد رجاله للاطلاع على أوراقها والتحقق من جنسيتها الحقيقية والغرض من رحلتها. واتخاذ هذه الإجراءات حق ثابت للدول المحاربة وقت الحرب، لكنه يثير اعتراضاً شديداً في وقت السلم لما فيه من مساس بمبدأ حرية الملاحة في أعالي البحار، وباستقلال الدولة وكرامتها التي قد تكون السفينة المشتبه فيها تابعة لها. والمعمول به اليوم أنه لا يجوز لمركب حربي في غير حالة الحرب أن يتعرض لسفينة أجنبية لمجرد الاشتباه فيها، وكل ما يملكه هو أن يبلغ أمرها إلى السلطات التابع لها، وتتولى هذه بالطريق الدبلوماسي مخابرة الدولة التي تتبعها أو ترفع علمها السفينة المشتبه فيها لتتخذ ما تراه بشأنها. هذا ما أقرته اتفاقية جنيف لعام 1958 وأكدته اتفاقية جمايكة لعام 1982 (المادتان 96 و102).

ـ الاتجار بالرقيق: لما كان الاتجار بالرقيق شائعاً حتى أوائل القرن التاسع عشر، فقد أخذت الدول تعمل جدياً على محاربته بكل الوسائل وعلى الأخص أثناء نقل الرقيق عبر البحار، وأبرمت لذلك عدة معاهدات خولت فيها المراكب الحربية الحق في ضبط كل سفينة تلتقي بها في أعالي البحار مشتغلة بتجارة الرقيق وفي تقديم رجالها للمحاكمة، وكانت هذه المحاكمة بادئ الأمر تجري أمام قضاء الدولة التي تتبعها السفينة المضبوطة، وفي سنة 1841 أبرمت في لندن اتفاقية عامة تأيد فيها حق المراكب الحربية لكل من الدول التي اشتركت فيها في تفتيش أو ضبط أي سفينة تصادفها في أعالي البحار تشتغل بتجارة الرقيق، كما تقرر أن تكون محاكمة رجال السفينة المضبوطة ـ خلافاً لما كان متبعا من قبل ـ أمام قضاء الدولة التي قامت بضبطها أسوة بسفن القرصنة.

ولما كانت تجارة الرقيق قد آلت إلى الزوال مع أوائل القرن العشرين فقد انتهى الأمر بإلغاء الاتفاقات الناظمة لمكافحتها في البحر وذلك بمقتضى اتفاقية سان جرمان لعام 1919، مع أن الاتجار بالرقيق مازال محرماً في القانون الدولي ويعدّ تحريمه من النظام العام الدولي بمقتضى (المادة99).

ـ القرصنة Piracy: هي كل اعتداء مسلح يقوم به في عرض البحر مركب يعمل لحسابه الخاص، لذا يعد القرصان عدوا عاماً للجنس البشري، وتعد القرصنة جريمة دولية تخضع لقضاء أي دولة تضع يدها على المركب القائم بها. وقد استقرت هذه الأحكام وصارت على مر الزمن في حكم القانون مع عدم جواز توقيع العقوبة على القرصان إلا بعد محاكمته أمام الهيئة القضائية المختصة. وتقع مهمة ضبط مركب القرصنة على عاتق البحرية الحربية الدولية، وواجبها الأول وقت السلم حماية سفن الدولة التابعة لها وضمان الملاحة في أعالي البحار. فإذا التقت سفينة حربية بمركب اشتبهت لأسباب جدية في اشتغاله بالقرصنة، كان لها أن تستوقفه وتطلع على أوراقه. فان اتضح لها أن الاشتباه في غير محله أخلت سبيله، وفي هذه الحالة يكون للدولة التي يرفع المركب علمها أن تطالب بتعويض الضرر الذي يصيبها من اتخاذ هذه الإجراءات. أما إذا ثبت للسفينة الحربية أن المركب يشتغل فعلاً بالقرصنة فتلقي القبض عليه وتقوده إلى أحد مواني دولتها لمحاكمة رجاله، ويرجع في تحديد العقوبة التي يقضى بها على القرصان وفي تقرير مصير المركب إلى قانون الدولة التي قبضت عليه. وتراوح هذه العقوبة عادة بين الإعدام والأشغال الشاقة، ومصادرة المركب بما عليه من بضائع، إلا إذا تبين أن هذه البضائع منهوبة من مراكب أخرى وتثبت ملكية أصحابها لها فترد إليهم.

ويجب عند ذكر مراكب القرصنة أن لا يخلط بينها وبين نوع آخر من المراكب المعتدية تعرف «بمراكب التصدي» Corsaines فالأولى تعتدي لحسابها الخاص أي لتحقيق مغانم أو أغراض شخصية؛ فتفقد بذلك حماية الدولة التي كانت تتبعها، في حين تقوم الثانية باسم دولة محاربة تتبعها بالتصدي للمراكب التجارية التابعة لدولة العدو أو لدول محايدة فتأسرها أو تغرقها لأغراض تتصل بالحرب القائمة. وقد كان استعمال «مراكب التصدي» في أثناء الحروب من الأمور الشائعة المباحة فيما مضى. وكان رجالها يعاملون، إذا وقعوا في الأسر على أنهم قراصنة. غير أنه منذ إبرام اتفاقية باريس لتنظيم الحرب البحرية سنة 1856 صار التصدي معدوداً من الأعمال غير المشروعة.

وجريمة القرصنة الدولية لا تقع إلا في عرض البحار. فإذا حصل اعتداء من مركب على آخر في البحر الإقليمي لدولة ما، أو من مركب على شواطئ دولة من الدول، كان العقاب على هذا الاعتداء من اختصاص الدولة التي وقع في مياهها أو شواطئها دون غيرها. وهذه المبادئ مقرة في اتفاقية جنيف لعام 1958(المادتان 15 و16) وجمايكة لعام 1982 (المواد 101-103).

2) الجرف القاري

الامتداد القاري، أو العتبة القارية، أو الإفريز القاري وغيرها.

وكلها مرادفات أو مصطلحات تقابل مصطلح Continental Shelf أوPlateau Continental أي الجرف القاري. وهو التعبير الذي استخدمته اتفاقية جمايكة لعام 1982 من دون التعبيرات الأخرى المرادفة، وذلك للدلالة على منطقة  تدخل في نطاق البحر العام، ولكنّ للدول الساحلية حق مباشرة مجموعة من الحقوق عليها.

ويحسن التفريق هنا بصدد الجرف القاري بين اتفاقية جنيف لعام 1958 واتفاقية جمايكة لعام 1982 وذلك للإلمام بالتطور الذي طرأ على النظام القانوني لهذه المنطقة.

1ـ الجرف القاري في ظل اتفاقية جنيف لعام 1958: وفقاً لهذه الاتفاقية عرف الجرف القاري بأنه مناطق قاع البحر وما تحته من طبقات متصلة بالشاطئ تمتد خارج البحر الإقليمي إلى عمق مئتي متر أو إلى ما يتعدى هذا الحد إلى حيث يسمح عمق المياه باستغلال الموارد الطبيعية لهذه المنطقة (المادة1).

إن إفراد النظام القانوني لمنطقة الجرف القاري جاء لمواجهة حقيقة اشتمالها على مساحة تقدر بنحو مليون كم2 تحوي ثروات هائلة من الغاز والبترول والماس والمنغنيز... وغيرها.

ومع أن اتفاقية جنيف لعام 1958 بشأن الجرف القاري كانت أول تنظيم قانوني دولي عالمي لهذه المنطقة فإن الاتفاقية المذكورة لم تحل جميع الإشكالات المتعلقة بهذه المساحات وبالذات تلك الخاصة بتحديد مداه. فالعمق المحدد بمئتي متر غير كاف من ناحية، والسماح باستثمار ما وراء هذا المدى معناه من ناحية أخرى منح الامتياز بموارد المنطقة المذكورة لأكثر الدول تقدماً من الناحيتين التقنية والعلمية من دون بقية الدول. ومع هذه الثغرات فإن الاتفاقية المذكورة وضعت تحديداً لحقوق الدول الشاطئية مع الاحتفاظ بالطبيعة القانونية للمنطقة المزمع تنظيمها والتي هي أصلاً جزء من البحر العام. وهكذا فإن للدولة الشاطئية حق اكتشاف الثروات الطبيعية التي قد تكون في منطقة الجرف القاري واستغلالها، ولها في سبيل تحقيق هذا الهدف تشييد المنشآت وإقامة مناطق أمن تمارس داخلها الاختصاصات المختلفة التي ترتبط بهدف الاكتشاف والاستغلال المشار إليه. ولكن يجب مراعاة الطبيعة القانونية لمنطقة الجرف القاري لكونها جزءاً من البحر العام. لذا يجب أن تتمتع الدول الأخرى بالحق في ممارسة حريات الملاحة والصيد والبحث العلمي والطيران وغيرها، فالنظام القانوني للمياه والفضاء الذي يعلو الامتداد القاري لا يجوز المساس به.

2ـ موقف اتفاقية جمايكة لعام 1982 من الجرف القاري (المواد 76-85): توسعت هذه الاتفاقية في تحديد نطاق الامتداد القاري بأن طرحت جانباً معيار العمق حتى مئتي متر وإمكانية الاستغلال. فوفقاً للمادة 76 من الاتفاقية المذكورة يشمل الامتداد القاري ما وراء بحر الدولة الإقليمي في جميع أنحاء الامتداد الطبيعي لإقليم تلك الدولة البري حتى الطرف الخارجي للحافة القارية أو إلى مسافة 200 ميل بحري من خطوط الأساس التي يقاس فيها عرض البحر الإقليمي إذا لم يكن الطرف الخارجي للحافة القارية Outer edg of the continental margin يمتد إلى تلك المسافة.

أما الدول المتقابلة أو المتجاورة فإنه وفقاً لنص المادة 83 من اتفاقية جمايكة يتم التوصل إلى تعيين حدود الجرف القاري لها عن طريق الاتفاق على أساس القانون الدولي توصلاً إلى حل منصف.

ويتبين مما تقدم أن الامتداد القاري في ظل اتفاقية جمايكة لن يوجد فعلياً إلا في الأحوال التي يمتد فيها إلى مسافات تتجاوز امتداد المنطقة الاقتصادية. أي في الحالات التي يمتد فيها إلى أكثر من مئتي ميل بحري من خطوط الأساس التي يقاس ابتداء منها البحر الإقليمي. وفيما عدا هذا التحديد الذي ورد في اتفاقية جمايكة فإن النظام القانوني لمنطقة الجرف القاري يبقى كما كان سائداًً في ظل اتفاقية جنيف لعام 1958 فلا مساس بالطبيعة القانونية للمياه التي تعلو الجرف (الامتداد) القاري باعتبارها جزءاً من البحر العام.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن مفهوم الجرف القاري حديث نسبياً، إذ يعود إلى إعلان الرئيس الأميركي ترومان الصادر في 28/9/1945 سياسة بلاده تجاه الموارد الطبيعية الكائنة في قاع البحر وما تحته من طبقات أرضية محاذية للشاطئ وواقعة وراء حدود الثلاثة أميال؛ وهو عرض المياه الإقليمية في الولايات المتحدة وتؤلف الجرف القاري لها. وتضمن اعتبار الجرف القاري امتداداً لكتلة الأرض للدولة الساحلية، وقد صدر هذا الإعلان ـ على ما يبدوـ خشية المزاحمة التي بدأها الصيادون اليابانيون بوصولهم إلى خليج البريستول في ألاسكة وتجنباً لخطر افتقار الولايات المتحدة إلى المواد الهيدروكروبونية الذي بدا ممكناً إبّان الأزمة التي عرفها العالم نتيجة نفاد مخزون المواد الأولية خلال الحرب العالمية الثانية.

وأعقبت هذه النزعة شبه التملكية من قبل واشنطن للمناطق البحرية نزعات مماثلة أشد لدى بعض الدول التي اتخذت منفردة مجموعة من القواعد والتشريعات المتعلقة بالجرف القاري، يُذكر منها البيرو (1947)، والتشيلي (1949)، والدومنيكان (1949) والكويت والسعودية (1949).

3) قاع أعالي البحر العام

أتت اتفاقية جمايكة لعام 1982 بمجموعة مبادئ تشكل نظاماً قانونياً جديداً كل الجدة يحكم قاع أعالي البحر Sea Bed وباطن تربته فيما وراء حدود الولاية الإقليمية للدول الساحلية. إن هذا النظام يتصدى لمحاولات الاستيلاء على هذه المنطقة واستخدامها من جانب الدول، إما لأغراض اقتصادية بالنظر إلى ما يحتويه قاع البحر العالي وباطن تربته من ثروات، وإمّا لأغراض عسكرية بفرض الوجود العسكري للدول المختلفة وما يجلبه ذلك من أوضاع متميزة استراتيجياً، لذلك كله جاء النظام القانوني الجديد لهذه المنطقة ليوفر قدراً من التوافق بين المصالح المتعارضة لشتى الدول. وقد كرست اتفاقية جمايكة موادها من 132 إلى 191 لتفصيل هذا النظام.

ـ نطاق النظام القانوني: يتم إعمال النظام القانوني لقاع البحر والمحيطات وباطن أرضه في المنطقة التي تجاوز حدود الولاية الإقليمية لكل دولة من دون المساس بالطبيعة القانونية لما يعلو قاع البحر والمحيطات وباطن أرضه من مسطحات بحرية. ويترتب على ذلك نتيجتان:

أولاهما: أن استغلال موارد المنطقة المذكورة لا يمس بحقوق الدول الساحلية وسلطاتها على الموارد الكامنة في مناطق تدخل في ولايتها؛ المنطقة الاقتصادية الخالصة والجرف القاري، لذلك لابد من اتخاذ التدابير اللازمة لمنع التعارض بين النظام الدولي لقاع البحر ومصالح الدول الساحلية المقررة وفقاً للاتفاق.

وثانيهما: أن الاستغلال الدولي لهذه المنطقة لا يمس الحريات التقليدية المقررة في هذا النطاق فيبقى قائماً مبدأ حرية أعالي البحار وما يتفرع عنه من ضرورة تمتع كل دولة بحرياتها المعروفة. ولدى وجود أي تعارض ينبغي التنسيق بين النظام القانوني لقاع البحر العالي والنظام القانوني لما يعلوه من مسطحات مائية.

ـ الهدف من النظام القانوني الجديد: يُنَظَّم استغلال منطقة قاع البحار والمحيطات وباطن تربته على أنها ميراث مشترك للإنسانية كافة A commen heritage of mankind وإن مبدأ التراث المشترك جديد في إطار القانون الدولي العام. وهو يعني أن الاستغلال الدولي للمنطقة المذكورة لمصلحة البشرية جميعها، بصرف النظر عن الموقع الجغرافي للدول، ساحليةً كانت أو غير ساحلية، بل تتمتع بهذا النظام الشعوبُ التي لم تنل بعد استقلالها الكامل أو غيره من أوضاع الحكم الذاتي. ويترتب على إقرار مبدأ التراث المشترك للبشرية انتفاء أي ادعاء بالسيادة على منطقة قاع البحار والمحيطات وما تحت قاعها. وكذلك يسقط أي دفع باكتساب أي حقوق على موارد المنطقة المذكورة؛ فتتساوى الدول والشعوب كافة في الانتفاع بالقواعد المقررة في هذا الشأن.

ومع إقرار مبدأ التراث المشترك للبشرية الذي يؤيد فكرة المساواة وعدم التفريق بين الدول فإن اتفاقية جمايكة راعت مصالح كل من الدول النامية والدول المتقدمة.

فأما بخصوص الدول النامية فقد ربطت الاتفاقية بين استغلال موارد المنطقة التي هي موضع التنظيم وبين التنمية الاقتصادية. وللمشكلات المتعددة التي تواجه الدول النامية فإن الاتفاقية حاولت أن تكفل لهذه الدول المشاركة في ثروات قيعان البحار والمحيطات من خلال مبدأ التراث المشترك وذلك بالعمل على ضمان حصول هذه الدول على نصيب من تلك الثروات والحيلولة دون إطلاق يد الدول الغنية في استغلالها؛ وضمان معاملة تفضيلية للدول النامية إلى جانب ضمان عدم إلحاق الضرر باقتصاديات تلك الدول (مثلاً المواد 150 -144/2- 148-150).

وأما ما يتصل بالدول المتقدمة فإن اتفاقية جمايكة لعام 1982 أخذت بمبدأ الاستثمار الرائد لحماية الاستثمارات التي بدأت فعلاً في قيعان البحار وما في حكمها وذلك بالسماح للدول التي كانت قد باشرت نشاطها في تلك المناطق بمتابعة ما بدأت به بوصفها من الرواد في هذا المجال. وأهم شروط التمتع بفكرة «الاستثمار الرائد» أن يكون قد تم إنفاق مبلغ 30 مليون دولار على الأقل في هذه النشاطات قبل أول كانون الثاني 1983 وأن يتم التوقيع على الاتفاقية المذكورة من قبل الدول المعنية. إن هذا الامتياز ينطبق انطباقاً رئيسياً على الدول المتقدمة، وإن كان هذا لا يمنع من إفادة بعض الدول النامية ـ إذا توافرت لها الشروط ـ من هذا الامتياز، مع تأكيد استخدام المنطقة المذكورة في الأغراض السلمية حصراً؛ وأيا كانت مراعاة أوضاع بعض الدول فإنه يبقى أن اتفاقية جمايكة لعام 1982 قد استهدفت استغلال قاع البحار والمحيطات وباطن التربة لمصلحة البشرية بوصفها تراثاً مشتركاً لكل الإنسانية وأوجدت لتحقيق ذلك وسيلة فعالة هي إنشاء جهاز دولي يباشر الاستغلال المذكور.

4) الجهاز الدولي أو السلطة

 أنشأت الاتفاقية الجديدة جهازاً دولياً يعرف بالسلطة الدولية لقاع البحار، يتكفل باستكشاف ثروات التراث المشترك واستغلالها بوضع القواعد المناسبة في هذا الشأن. فهذا الجهاز يدير لدى تشكيله موارد المنطقة، ويمنح تراخيص الاستغلال والدخول في مشروعات استغلال مشتركة. وتضم السلطة في عضويتها جميع الدول الأطراف في الاتفاقية وتتألف من ثلاثة أجهزة:

ـ الجمعية وتضم جميع أعضاء السلطة.

ـ المجلس ويضم 36 من أعضاء السلطة تقوم الجمعية بانتخابهم.

ـ الأمانة وهي الجهاز الإداري للسلطة.

ـ المؤسسة وهي الهيئة التي تقوم بمباشرة النشاطات من نقل المعادن في المنطقة وإعدادها وتسويقها أي مباشرة النشاط المادي.

ويلاحظ أنه بسبب إقرار مبدأ التراث المشترك للبشرية ولأسباب أخرى، تمنعت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بعض الدول الأخرى المهمة عن التصويت والتوقيع على اتفاقية جمايكة، وهذا ما قد يعرقل سريانها ويحد من الفعالية المطلوبة لها. ذلك أن الاتفاقية أوردت نصا يمنع التحفظات عليها فإما أن تقبلها الدول كلها وإما أن ترفضها (المادة 309).

ثانياً ـ البحر الإقليمي (المياه الإقليمية) والمياه المجاورة

1) المياه الإقليمية

يطلق مصطلح المياه الإقليمية أو البحر الإقليمي على الجزء من البحر الذي يجاور إقليم كل دولة وتمتد إليه سيادتها. وخضوع المياه المجاورة لإقليم الدولة لسيادتها قديم ظهر في القرون الوسطى واستقر في القرن السادس عشر، سنده أن لكل دولة بحرية تجاه سواحلها مصالح حيوية يجب أن تتولى حمايتها من الأخطار التي تتعرض لها من جهة البحر. فالسواحل حدود للدولة في عرف كل الدول. فهي بذلك منطقة هجوم محتمل يجب أن تجهز بوسائل دفاع دائمة، ولا يكون هذا الدفاع فعالاً إلا إذا سيطرت الدولة على مسافة معينة من المياه المتاخمة لسواحلها. وليست هذه السيطرة ضرورة استراتيجية فحسب، وإنما هي أيضاً ضرورة اقتصادية وصحية؛ فهي أمر ضروري من الناحية الاقتصادية لمراقبة أعمال التهريب ومنعه، وللمحافظة على مصالح السكان في الصيد الساحلي، وجعل هذا الصيد وقفاً عليهم دون غيرهم. وهو أمر ضروري من الناحية الصحية لمنع اقتراب السفن الموبوءة أو التي يخشى منها على الصحة العامة من الاتصال بشواطئ الدولة تجنباً لانتقال العدوى منها إلى إقليمها. وهذا يفسر رغبة كل دولة بحرية في السيطرة على أكبر جزء ممكن من المياه المجاورة لإقليمها وإخضاعها لسيادتها وسلطاتها.

على أن استقرار فكرة المياه الإقليمية لم يتبعه استقرار القواعد القانونية التي تتصل بها، ومردّ ذلك إلى اختلاف وجهات النظر بشأن الكثير من هذه القواعد، والتطور المستمر في وسائل الهجوم والدفاع. وقد كان هذان الاعتباران سبباً في إخفاق الجهود التي بذلت في لاهاي سنة 1930 لإنجاز تقنين دولي خاص بالبحر الإقليمي، وظلا عقبة في سبيل وضع نظام ثابت لهذه البحار تتحدد فيه كل القواعد الخاصة به وتقبله الدول جميعاً وتلتزمه. صحيح أن مؤتمر البحار الذي عقد في جنيف سنة 1958 أقر اتفاقية خاصة بالبحر الإقليمي، لكن هذه الاتفاقية أغفلت المسائل التي كانت محل خلاف بين الدول وتركتها على حالتها، واكتفت بتدوين القواعد المستقرة التي لا خلاف بشأنها، فضلاً عن أن كثيراً من الدول التي أقرتها لم تصدق عليها، ولعل أهم ما يثيره موضوع البحر الإقليمي من نقاش هو أولاً تحديد طبيعة حق كل دولة على بحرها الإقليمي، وثانياً تعيين حدود هذا البحر ومداه. ولذا جاءت اتفاقية جمايكة لعام 1982 لتحل ما كان عالقاً من إشكالات قدر الإمكان (المواد 2-33).

طبيعة حق الدولة على البحر الإقليمي: ينقسم الشرّاح في تحديد طبيعة حق الدولة على بحرها الإقليمي إلى فريقين، فريق يرى للدولة على هذا الجزء من البحر جميع الحقوق التي تمارسها على إقليمها ويعدّه امتداداً للإقليم داخلاً في ملكيتها وخاضعاً لكامل سيادتها. وفريق يرى أن البحر الإقليمي لا يدخل في ملكية الدولة كبقية أجزاء إقليمها، وإنما لها عليه فقط بعض الحقوق التي تقتضي سلامتُها ومصالحُها الدفاعية والاقتصادية والصحية مباشرتَها في هذا الجزء الملاصق لها من البحر.

ولعل هذا الرأي الأخير أكثر اتفاقاً من سابقه مع أصل فكرة البحر الإقليمي، فالغرض من إخضاع جزء من البحر لسلطان الدولة المجاور لها هو حماية إقليمها وشواطئها من الأخطار التي قد تهددها من جهة البحر، ويجب أن يكون سلطان الدولة على هذا الجزء من البحر بقدر ما يلزم لهذه الحماية ولا يتعداه، فالبحر الإقليمي لا يخرج عن كونه جزءاً من البحر العام، فالأصل أن يسري عليه ما يسري على البحار، وإخضاعه لسيادة الدولة المجاورة للاعتبارات المتقدمة استثناء من مبدأ حرية البحار، وهذا الاستثناء لا يجوز التوسع فيه إلى حد القول بتملك الدولة للبحر الإقليمي كأي جزء آخر من إقليمها. ويؤيد وجهة النظر هذه أن الدولة لا يحق لها أن تمنع المراكب الأجنبية من المرور في بحرها الإقليمي سواء في ذلك المراكب التجارية والمراكب البحرية، وأن هذه المراكب تظل خاضعة لقضاء دولتها في كل ما يقع على سطحها في أثناء هذا المرور، وليس للسلطات المحلية أن تتعرض لها خاصة في غير حالات محددة تتصل بالمحافظة على أمن الدولة أو سلامتها أو بسلامة الملاحة في مياهها، وهذه القواعد ثابتة متفق عليها بين جماعة الدول، وواضح أنه لا تستقيم معها فكرة اختصاص الدولة بالبحر الإقليمي، وعدها إياه جزءاً من إقليمها لها عليه من الحقوق ما ليس لغيرها.

ومع ذلك فإن حكومات أغلب الدول البحرية كانت تميل إلى إقرار الرأي الأول أو ما يقاربه تعزيزاً لسيادتها على البحر الإقليمي، وقد تبين اتجاهها هذا في مؤتمر لاهاي سنة 1930. حين وافقت الدول الممثلة في هذا المؤتمر بالإجماع على نص المادة الأولى من مشروع التقنين الخاص بالبحر الإقليمي؛ وقد جاء فيها أن «يشمل إقليم الدولة منطقة من البحر يطلق عليها اسم البحر الإقليمي تمارس فيها الدولة جميع أعمال السيادة وفقاً لقواعد القانون الدولي». إنما أقر هذا المشروع بعد ذلك حق المرور البريء Innocent Passage لسفن جميع الدول في البحر الإقليمي لكل منها، وهذا يؤيد من جديد ما سبق أن قيل من أن طبيعة الأمور تقتضي الاعتراف بأن سيادة الدولة على بحرها الإقليمي أقل مدى من سيادتها على إقليمها.

ويبدو أن جماعة الدول وجدت أخيراً أن من الأوفق التمشي مع طبيعة الأمور هذه، فصيغت المادة الأولى من اتفاقية البحر الإقليمي التي أقرتها في مؤتمر جنيف سنة 1958 في صورة أكثر اعتدالاً من نص مشروع لاهاي وأقرب إلى الحقيقة والواقع، إذ تقول: «تمتد سيادة الدولة وراء إقليمها ومياهها الداخلية إلى نطاق من البحر يجاور ساحلها يطلق عليه وصف البحر الإقليمي، وتكون ممارسة هذه السيادة في حدود أحكام هذه الاتفاقية الأخرى للقانون الدولي». وقد تناولت النصوص التالية بعد ذلك بيان الحدود التي تمارس الدولة الساحلية في نطاقها سيادتها على البحر الإقليمي على ما سيرد تالياً، ولاشك أن هذه النصوص وضعت حداً للجدل الذي كان يثور بشأن مدى سيادة الدولة على بحرها الإقليمي وأبرزت القواعد المستقرة في هذا الشأن في شكل واضح لا مكان معه لأي تأويل. وجاءت المادة الثامنة من اتفاقية جمايكة لعام 1982 تؤكد مبدأ سيادة الدولة المشاطئة على بحرها الإقليمي على نحو ما ذهبت إليه اتفاقية جنيف السالفة الذكر.

نتائج سيادة الدولة على البحر الإقليمي: لكل دولة بحرية استناداً إلى ما لها من السيادة على بحرها الإقليمي الحقوق الآتية:

ـ حق القيام بأعمال الشرطة في هذا الجزء من البحر، ويشمل حقها في وضع نظام للملاحة فيه ونظام للمسائل الجمركية والشؤون الصحية، كما يشمل حقها في أن تقيم فيه المنشآت اللازمة لضمان الملاحة وإرشاد السفن والمساعدة في أعمال الإنقاذ وغير ذلك.

 ـ حق قصر التجارة الساحلية والصيد في حدود البحر الإقليمي على رعاياها.

 ـ حق تحديد المراسم البحرية التي يجب على السفن التجارية مراعاتها في أثناء وجودها في البحر الإقليمي.

ـ حق القضاء في بحرها الإقليمي على السفن التجارية الأجنبية في كل ما يمس أمن الدولة الساحلية وسلامتها أو ما يطلب إليها التدخل بشأنه فحسب.

ـ حقها في حالة قيام حرب ليست طرفاً فيها أن تطلب، من الدول المتحاربة عدم القيام بأعمال حربية في مياهها الإقليمية احتراماً لحيادها.

قاع البحر الإقليمي: يسلم الفقهاء عموماً بجواز تملك الدولة لقاع بحرها الإقليمي وطبقات الأرض الواقعة تحته، ويرى أصحاب الرأي القائل بملكية الدولة البحر الإقليمي أن تملكها لقاع البحر هو نتيجة لملكيتها للبحر ذاته، في حين يرى أصحاب الرأي الآخر، القائل بسيادة الدولة المحددة على البحر الإقليمي، أن ملكية الدولة للقاع تستند إلى حقها في البقاء والدفاع عن كيانها، لأن مصالحها وسلامتها تتعارض مع أن تضع دولة غيرها يدها على قاع البحر الملاصق لشواطئها. وعلى أي حال فالنتيجة التي ينتهي إليها كل من الرأيين ـ كما هو ظاهرـ واحدة، وهي أن للدولة على قاع بحرها الإقليمي من الحقوق ما لها على إقليمها ذاته، وأنّها تستطيع استغلال القاع بجميع الوسائل مادام ذلك لا يؤدي إلى عرقلة المرور في مياهها الإقليمية. وقد نصت اتفاقية جنيف الخاصة بالبحر الإقليمي في مادتها الثانية على أن «تمتد سيادة الدولة الساحلية إلى النطاق الجوي الذي يعلو البحر الإقليمي وكذا قاع هذا البحر وما تحته من طبقات» وهذا ما أكدته اتفاقية جمايكة لعام 1982.

مدى البحر الإقليمي: لم يكن تحديد مدى البحر الإقليمي في بادئ الأمر خاضعاً لقاعدة معينة؛ فمن قائل بجعله ستين ميلاً، ومن قائل بجعله مئة، ومن قائل بشموله لكل الجزء من البحر الملاصق للإقليم الذي يمكن الوصول إلى قاعه، ومن قائل بامتداده حتى الأفق، وكل هذه الأقوال جزافية لا تستند إلى أساس يسوغها.

وقد انتهى الرأي بداية، إلى الأخذ بما قال به العالم الهولندي «بنكر شوك» من امتداد البحر الإقليمي إلى النقطة التي تستطيع الدولة حمايتها أي إلى آخر المرمى الذي تصل إليه المدافع المقامة على الساحل. ووجاهة هذا الرأي ظاهرة، إذ لم يكن في إمكان الدولة أن تحمي من البحر ما وراء أقصى مرمى مدافعها المنصوبة على الشاطئ. كما لم يكن في إمكان سفن العدو أن تصيب بقذائفها إقليم الدولة من وراء هذه المسافة. ولما كانت أقصى نقطة تصل إليها قذيفة وقتئذ هي ثلاثة أميال بحرية، فقد رؤي تحديد عرض البحر الإقليمي بهذا القدر، واستقر هذا التحديد مدة من الزمن ونصت عليه القوانين الداخلية لبعض الدول، كما أقرته بعض المعاهدات والاتفاقات الدولية مثل اتفاقية تنظيم الصيد في بحر الشمال سنة 1882.

على أن تحديد مدى البحر الإقليمي بثلاثة أميال بحرية لم يكتسب صفة القاعدة القانونية الملزمة إلا لأنه الحد الأدنى، بمعنى أن لكل دولة بحرية أن تلزم الدول الأخرى باحترام حقوقها المتصلة بالبحر الإقليمي في حدود هذه المسافة. أما الحد الأقصى لما يمكن اعتباره بحراً إقليمياً فقد ظل محل اختلاف. لذا لم يوفق مؤتمر جنيف سنة 1958 للوصول إلى حل لهذه المشكلة مع أن الدول التي كانت تتمسك بالأخذ بقاعدة الأميال الثلاثة أبدت استعداداً لإعادة النظر في هذا الأمر في ضوء الأحوال الجديدة. وعند مناقشة الموضوع بدا الخلاف شديداً بين الدول والاتفاق متعذراً. وكانت النتيجة أن أقر المؤتمر المذكور اتفاقية البحر الإقليمي خالية من أي تحديد لعرض هذا البحر، على أن يعاد النظر في الموضوع في مؤتمر تال عقد في عام 1960 لكنه لم يكن أوفر حظاً من سابقه. وهكذا ظل اتساع البحر الإقليمي متفاوتاً بين مجموعة وأخرى من الدول إلى أن جاءت اتفاقية جمايكة فحسمت الأمر في مادتها الثانية إذ نصت على أنه: «لكل دولة الحق في أن تحدد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلاً بحرياً بدءاً من خطوط الأساس المقررة وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية».

يحتسب عرض البحر الإقليمي من آخر نقطة تنحسر عنها المياه وقت الجزر لما يتصل بالشواطئ الطبيعية، ومن وراء الحواجز والأرصفة التي تحيط بالموانئ أو الأحواض البحرية في قبالة هذه الموانئ والأحواض. أما الخط الذي يعد فاصلاً بين البحر الإقليمي والبحر العام فقد اختلف في تحديده، فمن قائل إنه يوازي الشاطئ في تعاريجه، ومن قائل إنه يحدد بخطوط مستقيمة تقابل الخطوط الممتدة بين الرؤوس البارزة من الساحل، ومن قائل إنه يحدد بخط منحنٍ يقاس من أجزاء مختلفة من الساحل ومنها الأجزاء البارزة وغيرها.

ويفضل أغلب الشرّاح الرأي الأخير لأنه أيسر تحديداً لنطاق البحر الإقليمي من سابقه عند ملاحي السفن. وقد جمعت اتفاقية جنيف الخاصة بالبحر الإقليمي بين الطريقتين الأخيرتين فأشارت باتباع طريقة الخطوط المستقيمة التي تصل بين الرؤوس البارزة من الساحل حيث تكثر التعاريج وعُدّت هذه الخطوط الحد الأساسي الذي يبدأ منه البحر الإقليمي. ثم نصت على أن يكون الحد الخارجي للبحر الإقليمي الخط الذي تبعد كل نقطة منه عن أقرب نقطة من الحد الأساسي بما يساوي عرض البحر الإقليمي. أما المياه الواقعة بين الحد الأساسي المعدود بداية البحر الإقليمي والساحل فتعد جزءاً من المياه الداخلية للدولة؛ مع احتفاظها بحق المرور البريء للدول الأخرى إذا كانت أصلاً قبل التحديد على الوجه المتقدم معدودة جزءاً من البحر الإقليمي أو من أعالي البحار.

وفي حالة وجود نهر يصب مباشرة في البحر، تعد بداية البحر الإقليمي في مواجهته خطاً مستقيماً يمتد عبر فتحة النهر بين آخر نقطة من كل من ضفتيه تنحسر عنها المياه وقت الجزر. وإذا وجدت في حدود البحر الإقليمي جزيرة، فإنها تعد جزءاً من الإقليم ويتقرر للدولة حولها منطقة إقليمية إضافية من البحر وتتبع القاعدة نفسها لمجموعات الجزر أو الأرخبيل.

ولو كان على شاطئ الدولة خليج، فيحتسب البحر ابتداءً من الخط الواصل بين طرفي فتحة الخليج إن كان معدوداً من المياه الوطنية، في حين يتماشى مع الشاطئ الداخلي للخليج إذا كان معتبرا من البحار العامة، على ما سيبيّنه الكلامُ عن الخلجان.

وفي حالة تقابل سواحل دولتين أو تجاورهما، لا يكون لأي منهما أن تدعي امتداد بحرها الإقليمي لأكثر من الخط الأوسط بينهما، ويحدد بالقياس بالتساوي من أقرب نقط الخط الأساسي الذي يعد ابتداء المياه الإقليمية لكل منهما، وذلك ما لم تتفقا على خلاف ذلك، أو تكون هناك اعتبارات تاريخية أو شروط خاصة اقتضت تحديد البحر الإقليمي الخاص بكل منهما على وجه آخر. وقد جاءت اتفاقية جمايكة لعام 1982 تؤكد ما سلف من مبادئ.

الملاحة في البحر الإقليمي: لعل مسألة الملاحة في البحر الإقليمي أكثر المسائل المتصلة بهذا البحر استقراراً من حيث القواعد التي تخضع لها، فلا خلاف بشأنها كما هي الحال في تحديد مدى البحر الإقليمي أو طبيعة حق الدولة عليه.

مبدأ حرية المرور البريء: استقر العرف الدولي على أن تكون البحار الإقليمية مفتوحة للمرور البريء لمراكب جميع الدول، وتأيد هذا العرف بالنص عليه في بعض المعاهدات الكبرى التي أبرمت بعد الحرب العالمية الأولى مثل «اتفاقية برشلونة للنقل والمرور» المبرمة في 20 نيسان سنة 1921، ثم تدعم بتدوين جميع الأحكام المتصلة به في اتفاقية البحر الإقليمي التي أقرها مؤتمر جنيف لشؤون البحار في 27 نيسان سنة 1958، وقد جاء في الفقرة الأولى من المادة 14 من هذه الاتفاقية أنه: «مع مراعاة أحكام نصوص هذه الاتفاقية، تتمتع سفن جميع الدول سواء في ذلك الدول الساحلية وغير الساحلية بحق المرور البريء داخل البحر الإقليمي».

وتنصرف حرية المرور إلى عبور البحر الإقليمي للتوجه إلى أحد موانئ الدولة أو التوجه منها إلى أعالي البحار، كما تنصرف إلى مجرد المرور في المياه الإقليمية في محاذاة الشاطئ للتوجه إلى مياه دولة أخرى مجاورة أو في الطريق إلى عرض البحر. ويشمل المرور إمكان الوقوف أو الرسو في المياه الإقليمية في الحدود التي تستلزمها الملاحة العادية، أو إذا اقتضت ذلك قوة قاهرة أو حالة خطرة. وهذا كله أكدته اتفاقية جمايكة لعام 1982 في موادها 18 وما يليها.

وكان من رأي بعض الشراح أن حرية المرور البريء لا تثبت إلا للسفن التجارية، أما فيما يتصل بالسفن الحربية فيجوز للدولة أن تضع بعض القواعد الخاصة يتعين على هذه السفن مراعاتها عند مرورها في مياهها الإقليمية، وذلك لدرء الأخطار التي قد تتعرض لها الدولة من وجود سفن حربية أجنبية بقرب شواطئها. على أن العمل جرى على عدم التفرقة في وقت السلم بين المراكب التجارية والمراكب الحربية من حيث المرور البريء إلا إذا تطلبت ذلك أحوال خاصة تسوغ هذه التفرقة.

وقد جاء في اتفاقية جنيف لعام 1958 أن المرور البريء حق لسفن جميع الدول بوجه عام من دون أن يقتصر على السفن التجارية، وتطلبت الاتفاقية فقط أن يكون مرور الغواصات فوق سطح الماء، وهذا هو موقف اتفاقية جمايكة لعام 1982.

ويقتضي المرور البريء عدم قيام السفينة أثناء وجودها في البحر الإقليمي بأعمال من شأنها أن تمس سلامة الدولة صاحبة الإقليم المجاور أو نظامها العام أو مصالحها المالية أو الجمركية. ولهذه الدولة أن تتخذ جميع الوسائل اللازمة لمنع وقوع هذه الأعمال في مياهها الإقليمية ولضمان الملاحة في هذه المياه. وعلى السفن الأجنبية التي تستعمل حقها في المرور أن تراعي القوانين واللوائح التي تضعها الدولة صاحبة الإقليم في هذا الشأن تطبيقاً لما جرى عليه العرف الدولي، ولاسيما في المسائل الآتية: ضمان المرور وصيانة العلامات الخاصة به، صيانة المياه الإقليمية من التلوث الذي قد تسبّبه السفن، والمحافظة على الثروة الطبيعية للبحر الإقليمي، وعلى حقوق الصيد وما شابهها من الحقوق الخاصة بالدولة صاحبة الإقليم. وقد أكدت اتفاقية جمايكة لعام 1982 في مادتها 19 ما تقدم وفصلت فيه تفصيلاً دقيقا كما أضافت إليه إضافات ملحوظة.

وعلى الدولة صاحبة الإقليم مقابل ما تقدم ألا تعيق المرور البريء للسفن الأجنبية في مياهها الإقليمية أو تقيم في وجهه عقبات لا مقتضى لها، وألا تفرق في المعاملة من حيث الإجراءات التي تضعها لذلك بين سفن الدول المختلفة، وألا تفرض على مجرد المرور البريء أي رسم إلا مقابل خدمة فعلية تؤديها. وهنا أيضاً جاءت المادة 24 من اتفاقية جمايكة بخاصة تؤكد وتفصل فيه وتضيف إليه.

سلطان الدولة على السفن المارة في بحرها الإقليمي: قد يقال إن سيادة الدولة على بحرها الإقليمي تقتضي إخضاع التصرفات والأفعال التي تقع من سفينة أجنبية أو عليها في أثناء مرورها في ذلك البحر للقضاء الإقليمي أسوة بالسفن الراسية في الموانئ، وفي الحدود التي أقرها القانون الدولي بالنسبة لهذه السفن.

لكن هذا القول تواجهه اعتراضات ثلاثة، الأول أنه ليس للدولة صاحبة الإقليم أن تعيق مرور السفن الأجنبية في مياهها بالتدخل في شؤونها ما لم يكن في الأمر مسائل تتصل بسلامة الدولة أو بسلامة الملاحة. والثاني أنه ليس للدولة صاحبة الإقليم مصلحة في التدخل بالنسبة لما يقع على سفينة أجنبية في أثناء مرورها في مياه تلك الدولة مادام لا يمسها في شيء. والثالث أنه لا يتيسر دائماً للسلطات الإقليمية أن تحاط علماً بما يجري على مركب أجنبي وقت مروره في بحرها، وأن تتدخل في الوقت المناسب ما لم يطلب إليها ذلك. وقد جرى العمل دولياً على ما يأتي:

ـ السفن العامة: لا تخضع بتاتاً في أي شأن من شؤونها لاختصاص الدولة صاحبة الإقليم، فيما عدا واجبها في أن تراعي القواعد التي وضعتها السلطات الإقليمية للمرور في بحرها الإقليمي. ولهذه السلطات في حالة مخالفة السفينة لهذه القواعد أن تطلب منها مراعاتها، فإن لم تستجب السفينة لهذا التكليف فإنها تأمرها بالخروج من المياه الإقليمية.

ـ السفن الخاصة: لا تخضع أصلاً للاختصاص الإقليمي في الشؤون المدنية، سواء ما يتصل منها بتصرفات ركابها أو التي تصدر لحساب السفينة ذاتها، إنما يجوز أن يتخذ بحقها قبل إبحارها إجراءات تحفظية حول بعض الأفعال أو التصرفات المتصلة مباشرة بمرورها في البحر الإقليمي. لكن السفينة التجارية في أثناء مرورها في المياه الإقليمية تخضع لاختصاص القضاء الإقليمي إذا كان لذلك علاقة بمخالفات نظام المرور أو الأفعال المتصلة بهذا النظام، وللسلطات المحلية أن توقع عليها الجزاء المترتب على تلك المخالفات والأفعال إذا كان ذلك في مقدورها.

أما الجرائم العادية التي تقع على ظهر السفينة في أثناء مرورها ولا علاقة لها بهذا المرور، فلا اختصاص للسلطات الإقليمية عليها، حتى لو كان الجاني أو المجني عليه من رعاياها، إلا في حالات ثلاث:

ـ أن تتعدى نتائج الجريمة حدود السفينة.

ـ أن يكون من شأن الجريمة تعكير الأمن العام للدولة.

ـ أن يطلب إلى السلطات الإقليمية التدخل إما من جانب قائد السفينة وإمّا من جانب قنصل الدولة التي ترفع علمها.

وقد تقررت هذه الأحكام في مشروع سنة 1930 على أساس ماهو معمول به في  أغلب الدول. وقد أضافت اتفاقية جنيف سنة 1958 إلى هذه الحالات الثلاث حالة رابعة وهي حالة ما إذا كان التدخل ضرورياً للقضاء على إتجار غير مشروع بالمواد المخدرة. وهذا ما عادت اتفاقية جمايكة لعام 1982 لتأكيده بلغتها الخاصة (المواد 26-28).

حق التتبع والمطاردة الحثيثة Hot Persuit: هو أداة الدولة في ممارسة شؤون السيادة على بحرها الإقليمي فيما يتصل بالسفن الأجنبية، فإذا وقع من إحدى هذه السفن في أثناء مرورها في المياه الإقليمية فعل من الأفعال التي تخضع فيها لسلطان تلك الدولة ثم حاولت الإفلات من البحر الإقليمي بعد أن طلبت منها السلطات الإقليمية المختصة التوقف، كان لمراكب هذه السلطات أن تتبعها إلى عرض البحر وأن تطاردها حتى تتمكن من إيقافها إذا استطاعت، واتخاذ الإجراءات التي تقتضيها الأحوال.

وحق التتبع أو المطاردة قاعدة ثابتة لا نزاع فيها، استقرت من زمن عن طريق العرف. وقد أقر هذا العرف شروطاً لا تكون من دونها المطاردة في عرض البحر مشروعة، وهذه الشروط هي:

ـ أن تكون هناك قرينة قوية على وقوع جريمة أو فعل مخل من جانب السفينة الأجنبية في أثناء وجودها في المياه الإقليمية. وأن تكون هذه الجريمة أو هذا الفعل مما يخضع لسلطان الدولة صاحبة الإقليم.

ـ أن توجد السفينة أو إحدى القطع التابعة لها في المياه الإقليمية وقت صدور الأمر لها بالتوقف.

ـ أن تكون المطاردة مستمرة غير متقطعة تتولاها سفن الدول الساحلية وطائراتها.

وتتحمل الدولة التي تقوم مراكبها بالمطاردة كل النتائج التي تترتب على تلك المطاردة إذا اتضح أنها لم تكن محقة فيها، أو كانت محقة ولكنها أتت من التصرفات أو أعمال العنف نحو السفينة المطاردة ما لا مسوغ له ولا تقتضيه الأحوال. هذا وقد أقر مؤتمر البحار الذي اجتمع في جنيف سنة 1958 جميع الأحكام المتقدمة وضمنها المادة 33 من اتفاقية أعالي البحار. وجاءت اتفاقية جمايكة لعام 1982 لتعيد تأكيد ما تقدم من مبادئ بخصوص ما أسمته  المطاردة الحثيثة (المادتان 110-111).

2) المنطقة الملاصقة أو المتاخمة

أدى اختلاف الدول بشأن تحديد مدى البحر الإقليمي إلى ظهور فكرة جديدة هي فكرة المنطقة التكميلية أو المجاورة أو الملاصقة كما يسميها بعض رجال القانون، ومؤداها أن يظل تحديد البحر الإقليمي كما هو عليه من قبل، إنما يكون للدولة، فيما وراء مياهها الإقليمية، منطقة أخرى معينة من أعالي البحار يحق لها بها ممارسة بعض اختصاصات محددة تتصل بالشؤون الجمركية أو المالية أو الصحية أو شؤون الهجرة. ويلاحظ أن سلطان الدولة على المنطقة التكميلية دون سلطتها على البحر الإقليمي بكثير.

ويبدو أن الرأي قد استقر في الخمسينات بين جماعة الدول على اعتماد مبدأ موحد، فأفردت القسم الثاني من اتفاقية البحر الإقليمي التي أقرتها في جنيف سنة 1958 لموضوع المنطقة المجاورة ودونت فيه في مادة واحدة (المادة 24) الأحكام المتقدم ذكرها على الوجه الآتي:

ـ للدولة الساحلية أن تمارس على منطقة في أعالي البحار مجاورة لبحرها الإقليمي الإشراف اللازم: لمنع الإخلال بقوانينها الجمركية أو المالية أو الخاصة بالمهاجرة أو الصحية داخل إقليمها أو في بحرها الإقليمي. ولمعاقبة من يخل بهذه القوانين داخل إقليمها أو بحرها الإقليمي.

ـ لا يجوز أن تمتد المنطقة المجاورة إلى أكثر من اثني عشر ميلاً ابتداء من الخط الأساسي الذي يبدأ منه قياس عرض البحر الإقليمي.

ـ في حالة تقابل أو تجاور سواحل دولتين، لا يكون لأي منهما أن تدعي، ما لم يكن هناك اتفاق بينهما يقر خلاف ذلك، امتداد منطقتها التكميلية إلى أكثر من الخط الأوسط. وجاءت اتفاقية جمايكة لتؤكد الفكرة مع مد المنطقة التكميلية إلى 24 ميلاً بحرياً من خطوط الأساس التي يقاس منها البحر الإقليمي (المادة 33).

3) المنطقة الاقتصادية الخالصة

هي تلك المنطقة التي تمتد إلى مئتي ميل بحري من خطوط الأساس التي يقاس منها عرض البحر الإقليمي (المادة 55 و57 من اتفاقية جمايكة). وتعد المنطقة الاقتصادية أهم تطور لحق بالقانون الدولي للبحار من حيث التوفيق بين اتجاهين:

ـ أولهما نادى بامتداد السيادة الإقليمية إلى مسافات مترامية الأطراف من البحار.

ـ وثانيهما رأى أن مقتضيات استغلال هذه المنطقة لا تمنع من ضرورة كفالة ممارسة حرية أعالي البحار. وفقاً لما أقرته اتفاقية جمايكة لعام 1982 فإن المنطقة الاقتصادية الخالصة تعد جزءاً لا يتجزأ من أعالي البحار (البحر العام) ولا تملك الدولة المشاطئة لها إلا مجموعة من الاختصاصات لا تؤثر على الطبيعة القانونية لهذه المنطقة. أي أن المنطقة الاقتصادية الخالصة لا تخضع لسيادة الدولة الساحلية.

لابد هنا من التعرض لمسألتين: حقوق الدولة المشاطئة والتزاماتها، وحقوق الدول الأخرى، والتزاماتها.

حقوق الدول المشاطئة والتزاماتها: للدولة الساحلية حق في الموارد الطبيعية الحية وغير الحية في قاع البحر وباطن أرضه ومياهه العلوية مع العمل على صيانة هذه الموارد.

ـ للدولة الساحلية حق في إقامة الجزر الصناعية والمنشآت الأخرى واستخدامها. وتنفرد الدولة الساحلية بهذا الحق من دون سواها.

ـ حق مباشرة البحث العلمي وصيانة البيئة البحرية والحفاظ عليها؛ إذ يحق للدولة أن تمارس رقابة على الأبحاث التي تجري في البحر وأن تنظمها وأن تصدر التراخيص الخاصة بذلك.

وبالمقابل تلتزم هذه الدول المشاطئة بما يلي:

ـ الإعلان عما يتم إنشاؤه من جزر صناعية أو منشآت أخرى ووضع علامات للتحذير من وجودها وإلا وجبت إزالتها كاملة.

ـ منح الموافقة على مشاريع البحث العلمي التي تقوم بها الدول الأخرى، والمنظمات الدولية بوضع القواعد والإجراءات المناسبة، مع الاحتفاظ بحقها في المشاركة في هذه المشاريع.

ـ التعاون من أجل حظر الاستغلال المفرط للموارد الحية.

ـ العمل على تشجيع الانتفاع الأمثل بهذه الموارد.

ـ الاتفاق على تعيين حدود المنطقة الاقتصادية مع الدول الساحلية المقابلة أو المتجاورة وفقاً للمادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية [ر.الأمم المتحدة (منظمة ـ)].

حقوق الدول الأخرى والتزاماتها: وهي تتأسس على مبدأ حرية أعالي البحار فتتمتع كل الدول بحرية الملاحة والتحليق ومد الكبول البحرية والأنابيب، وعلى هذه الدول لدى ممارستها لحقوقها احترام حقوق الدول الساحلية على المنطقة الاقتصادية.

ويلاحظ أن للدول الأخرى الحق في المشاركة المنصفة في استغلال جزء مناسب من فائض الموارد الحية للمناطق الاقتصادية الخالصة للدولة الساحلية الواقعة في المنطقة ذاتها. ويتم تحديد ذلك عن طريق إبرام الاتفاقيات الثنائية أو الإقليمية. ويترتب على ما تقدم أن الموارد غير الحية لا تدخل في نطاق هذا الانتفاع المقرر للدول الأخرى؛ حيث أن حق استغلالها قاصر على الدولة المشاطئة المعنية. وفي مقابل هذه الحقوق تلتزم الدول الأخرى بما يلي:

ـ احترام قوانين الدول المشاطئة بخصوص ممارسة حق الصيد.

ـ التعاون من أجل إعادة ترحيل بعض الموارد الحية إلى دول الأصل.

ـ الاتفاق على التدابير اللازمة لحفظ الموارد الحية في القطاع الملاصق للمنطقة الاقتصادية.

ـ التعاون مع الدولة المشاطئة بقصد الحفاظ على الموارد الحية القابلة للترحيل بحفظها والانتفاع بها.

ـ عدم أحقية الدول غير المشاطئة في استغلال الموارد الحية إلا في المناطق الاقتصادية الخالصة للدول المشاطئة المتقدمة وفقاً لترتيبات مناسبة تتم بينهما.

ـ عدم أحقية الدول غير المشاطئة في نقل الحقوق الممنوحة لها من دون موافقة صريحة من الدول الساحلية.

4) المياه الداخلية Internal waters

يقصد بالمياه الداخلية تلك الأجزاء من البحر التي تتغلغل في إقليم الدولة وتتداخل فيه، والتي بحكم موقعها تخضع لقواعد خاصة غير القواعد التي سبق ذكرها ولها علاقة بأعالي البحار والبحر الإقليمي. وتشمل المياه الداخلية، خلاف التعاريج الساحلية الواقعة بين الشاطئ وبين الخطوط المستقيمة التي تعد بداية للبحر الإقليمي: الموانئ والأحواض البحرية والخلجان والبحار الداخلية.

الموانئ والأحواض البحرية: الموانئ والأحواض البحرية على شاطئ الدولة هي الأماكن المعدة لاستقبال السفن، وتعد الموانئ والأحواض البحرية داخلة ضمن إقليم الدولة وجزءاً من أملاكها العامة، وللدولة استناداً إلى ملكيتها هذه أن تنظم دخول المراكب الأجنبية إليها، وأن تضع الإجراءات التي ترى مراعاتها لدخول تلك المراكب وأن تخضعها للوائحها الصحية والجمركية وتفرض عليها الرسوم المالية وما شابه ذلك.

ولكن ليس للدولة استناداً إلى سيادتها أن تقفل موانئها عموماً، ومن دون سبب مشروع في وجه المراكب الأجنبية، لأن ذلك يتنافى مع الغرض الذي أعدت له الموانئ، ولأن في ذلك إخلالاً بمبدأ حرية الملاحة البحرية وعرقلة للتجارة الدولية. وقد سارت الدول على فتح موانئها عامة للسفن التجارية الأجنبية، واستقر العرف الدولي على ذلك، وتأيد بما تقرر في اتفاقية جنيف سنة 1921 الخاصة بالنظام الدولي للموانئ البحرية، والتي نصت على حق جميع الدول الموقعة عليها في اتصال سفنها بالموانئ البحرية لكل منها وفي الحصول على التسهيلات والمساعدات اللازمة مع المساواة بينها في المعاملة.

لكن هذا الحكم لا ينطبق على السفن الحربية التي تقوم بأعمال السلطة العامة، إذ للدولة أن تخضع دخولها في موانئها لبعض القيود التي تتطلبها سلامتها وأمنها. كما أن لها أن تمنع دخولها عند الاقتضاء، إلا في الأحوال القاهرة، كأن يكون التجاؤها إلى الميناء للاحتماء من عاصفة أو لعطب أصابها، ولا تستطيع معه مواصلة طريقها في عرض البحر، ففي مثل هذه الحالات يتحتم على الدولة إيواء تلك المراكب من دون مراعاة للقيود التي قد تكون وضعتها على دخولها في موانئها.

والتزام الدولة فتح موانئها للمراكب الأجنبية ينصرف إلى الموانئ التجارية، أما الموانئ الحربية فللدولة أن تقفلها في وجه جميع السفن الأجنبية من تجارية وحربية محافظةً على مصالحها وأسرارها الحربية. كذلك للدولة، لأسباب خاصة تسوغ ذلك، أن تقفل بعض موانئها التجارية في وجه السفن الأجنبية، مادامت تفتح أمامها موانئ أخرى.

وغني عن البيان أنَّ للدولة أنْ تمنع دخول المراكب الأجنبية إطلاقاً إلى موانئها إذا اضطرتها لذلك حوادث تتعلق بسلامتها أو بمصالحها الحيوية، على أن يكون هذا المنع مؤقتاً وأن يزول بزوال السبب الذي أدى إليه. كذلك للدولة أن تمنع من الدخول مركباً بعينه لأسباب تتعلق بالصحة العامة أو بالأمن أو ما شابه ذلك. أما سلطان الدولة على السفن الراسية في موانئها فقد سبق الكلام عنه عند دراسة ممارسة الدولة للقضاء في إقليمها.

ثالثاً ـ الخلجان والبحار الداخلية والممرات المائية  

1) الخلجان

الخلجان جغرافياً هي تلك المناطق من البحر التي تتداخل في الأرض نتيجة التعرجات الطبيعية للساحل. ومن وجهة نظر القانون الدولي، لكي يكون التعرج خليجاً يجب أن يكون قدر تغلغله في الأرض مناسباً إلى سعة فتحته، بحيث تصبح مياهه محصورة بالأرض ويصبح أكثر من مجرد انحناء عادي للساحل. وقد أشارت إلى ذلك اتفاقية جنيف للبحر الإقليمي فوضعت في مادتها السابعة تعريفاً للخليج على هذا النحو، واشترطت كي تعد تعرج ما خليجاً تطبق عليه القواعد التي تضمنتها أن تكون مساحته مساوية على الأقل نصف دائرة  قطرها الخط الواصل بين فتحتي هذا التعرج. وهذا ما تبنته المادة العاشرة من اتفاقية جمايكة لعام 1982 التي أضافت: «أنه في حال وجود بعض الجزر بشكل تجعل للخليج عدة مداخل يكون قطر نصف الدائرة مجموع الخطوط المستقيمة التي تغلق هذه المداخل». ويختلف حكم الخليج تبعاً لما إذا كان داخلاً بأكمله في إقليم دولة واحدة أو كان واقعاً في أراضي أكثر من دولة.

الخليج الواقع في إقليم دولة واحدة: إذا كان الخليج داخلاً في إقليم دولة واحدة فالعبرة في تحديد صفته بسعة الفتحة التي توصله بالبحر العام. بمعنى أنه إذا لم تتعد هذه الفتحة قدراً معيناً عُدَّ الخليج في حكم المياه الداخلية، وكان ملكاً للدولة صاحبة الإقليم، أما إذا تعدت الفتحة هذا القدر فيعد جزءاً من أعالي البحار، فيما عدا المنطقة المتاخمة لشواطئ الدولة، وتخضع لسيادتها بوصفها بحراً إقليمياً في الحدود التي سبقت دراستها.

أما الاتساع الذي يجب أن لا تتعداه فتحة الخليج كي يعد وطنياً فقد حدده بعضهم بستة أميال بحرية أي ضعف عرض البحر الإقليمي المتفق عليه قديماً. وحدده آخرون باثني عشر ميلاً، لكن الغالب كان تحديده بعشرة أميال بحرية. وقد اتبعت دول كثيرة هذا التحديد في معاهدات الصيد التي أبرمتها فيما بينها. كما أقره مجمع القانون الدولي في اجتماع ستوكهولم سنة 1928 وأخذ به مشروع تقنين لاهاي سنة 1930.

على أن هناك خلجاناً  تجاوز العمل بشأنها التحديد السابق وعدت بكاملها داخلة في ملكية الدولة الواقعة فيها رغم زيادة فتحتها عن العشرة الأميال، لاعتبارات تتعلق بسلامة تلك الدولة أو لتغلغل الخليج في إقليمها؛ فيكون من الخطر عليها عدّه جزءاً من أعالي البحار، أو لاعتبارات تاريخية لاستمرار الدولة بوضع اليد على ذلك الخليج مدة طويلة على أنه ملك لها، مع إقرار الدول الأخرى بهذا الوضع صراحة أو ضمنياً. ومن هذه الخلجان التاريخية خليج كرويفل في فرنسة، وخليج بريستول في إنكلترة وخليج هدسون في كندا وخليج دي لابلاتة في الأرجنتين وخليج تونس وقابس في تونس وخليج سرت في ليبية وهو بطول 300 ميل وعرض 100 ميل لكنه خليج داخلي تاريخي كما يؤكد الفقهاء الدوليون وعلى رأسهم روسو الفرنسي، حتى بعد منازعة الولايات المتحدة ليبية عليه.

ولقد ذهبت إنكلترة في وقت ما إلى أكثر من ذلك، فكانت تدعي ملكية جميع المياه التي تقع بين أي رأسين على طول الأراضي التابعة لها أيا كانت المسافة بينهما، وكانت تطلق على هذه المياه اسم King's Chamber «غُرف الملك» على أن هذا الادعاء، ولاشك مغالاة لا مسوغ لها، وهي لا تجد في الوقت الحاضر من يقرها عليه بمفهومه المطلق.

وقد كانت اتفاقية جنيف للبحر الإقليمي أكثر سخاء عما جرت عليه الدول من قبل في تحديد الاتساع الذي على أساسه تتقرر صفة الخليج، فعدت كل خليج يقع في إقليم دولة واحدة ولا يزيد اتساع فتحته على أربعة وعشرين ميلاً في حكم المياه الداخلية للدولة. ثم أضافت إلى ذلك أنه في حالة زيادة المسافة بين نقطتي فتحة الخليج على هذا القدر، يُمدّ خطٌ طولُه أربعة وعشرون ميلاً داخل الخليج بين أي موضعين من شواطئه يحصران أكبر مساحة ممكنة من المياه وراء هذا الخط لتكون مياهاً داخلية. ولا تخضع لهذا التحديد الخلجان المعروفة بالخلجان التاريخية التي سبقت الإشارة إليها، وذلك بنص المادة ذاتها، وبذا تظل هذه الخلجان أياً كان اتساع فتحتها في المركز الذي استقرت عليه الأوضاع قبل الاتفاقية. وقد أخذت اتفاقية جمايكة لعام1982 بالمبادئ ذاتها (المادة 10).

ويترتب على عد الخليج في حكم المياه الداخلية للدولة خضوعه لسيادتها كأي جزء من أجزاء الإقليم، فلها ألا تسمح للمراكب الأجنبية بدخوله أو تقيد دخولها فيه. ما لم يكن فيه ميناء مفتوح للتجارة الدولية فتلتزم تبعاً لذلك فتحه للمراكب التجارية، كما تلتزم السماح للمراكب الحربية التي يهددها خطر البحر بالجنوح إليه، حكمه في ذلك حكم الموانئ الواقعة فيه.

الخليج الواقع في عدة دول: إذا كان الخليج واقعاً في أراضي أكثر من دولة عُدَّ من أعالي البحار، فيما عدا المنطقة التي تعد بحراً إقليمياً لسيادة كل من الدول المحيطة بالخليج، إذا كان اتساعه يزيد على ضعف البحر الإقليمي المتعارف عليه. فإن كان اتساعه يقل عن ذلك امتدت السيادة الإقليمية لكل من الدول الواقعة على جوانبه إلى منتصف سطح مياهه أو إلى منتصف المجرى الرئيسي لتيار المياه  فيه بحسب الأحوال، مع مراعاة حق المرور البريء للسفن كافة سواء في ذلك سفن الدول الواقعة على الخليج نفسه والسفن الأجنبية المتجهة نحو أي ميناء من موانئ هذه الدول في ذلك الخليج والخارجة منها.

2) البحار الداخلية 

البحار الداخلية (ويسميها البعض البحار المقفلة وشبه المقفلة) هي التي يحيط البرّ بها من جميع جهاتها، وهي نوعان: بحار مقفلة وبحار غير مقفلة، ولكل من النوعين حكم خاص رقم 122 من اتفاقية جمايكة لعام 1982.

البحار المقفلة: وهي التي لا اتصال لها بالبحر العام، كالبحر الميت في فلسطين وبحر قزوين وبحر آرال في سيبيرية. وتلحق البحار المقفلة في الحكم بالبحيرات ومثلها بحيرة كومو في إيطالية وبحيرة زوريخ في سويسرة وبحيرة مانيتوبا في كندا.

إذا كان البحر المقفل يقع بأكمله في أرض دولة واحدة فهو جزء من إقليمها وداخل في ملكيتها الخاصة. أما إذا كان البحر المقفل واقعاً في أراضي دولتين أو أكثر فمن رأي بعضهم أن يقسم بينها من حيث الملكية على أن يظل الانتفاع بمياهه مشاعاً لها جميعاً، ومن رأي آخرين أن يكون لكل دولة السيادة على الجزء الملاصق لها في حدود البحر الإقليمي وأن يعتبر الجزء الأوسط منه في حكم أعالي البحار لكل منها. والواقع أن هذه الأمور تحددها عادة اتفاقات تعقد بين الدول صاحبة الشأن. فمثلا كان بحر قزوين قبل سنة 1921 خاضعا لسيطرة روسية وحدها بمقتضى اتفاقات أبرمتها مع إيران سنتي 1813 و1820 ، ثم تغير الوضع بناء على اتفاق موسكو سنة 1921 وصار للدولتين حقوق متساوية من حيث حرية الملاحة في هذا البحر ومن حيث السيادة عليه، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي أصبح لروسية وتركمانستان وأذربيجان وإيران حقوق متساوية على بحر قزوين.

البحار غير المقفلة: وهي التي تتصل بأعالي البحار بمضيق أو قناة. كبحر آزوف في جنوب روسية والبحر الأسود وبحر مرمرة وبحر البلطيق. وحكم هذه البحار إذا كان البحر واقعاً برمته في دولة واحدة عُدَّ جزءاً من الإقليم و للدولة عليه كامل السيادة. مثل بحر آزوف. إنما يلاحظ أنه لكي يكون البحر غير المقفل خاضعا لسيادة الدولة التي يقع في إقليمها يجب أن تكون الفتحة التي توصله بأعالي البحار داخلة أيضاً في الإقليم نفسه، وأن لا يتعدى اتساعها ضعف عرض البحر الإقليمي، أو على الأكثر القدر المقرر للخلجان الوطنية. فإن تجاوزت الفتحة هذا القدر، أو كانت تقع في إقليم دولة أخرى عد البحر الداخلي جزءاً من أعالي البحار، فيما عدا ما يدخل منه في حدود البحر الإقليمي.

وكذلك الحال إذا كان البحر غير المقفل واقعاً في إقليم أكثر من دولة، فإنه لا تكون له صفة البحر الخاص وإنما يعد جزءاً من أعالي البحار ويكون مفتوحاً للملاحة الحرة. وهذا هو وضع بحر البلطيق وبحر الأدرياتيك والبحر الأسود.

3) الممرات المائية

الممرات المائية Waterways هي تلك الفتحات التي توصل بين بحرين، وهي إما طبيعية وتشمل المضائق، وإما صناعية وتشمل القنوات البحرية.

أ ـ المضائق: يختلف حكم المضيق تبعاً لما إذا كان يؤدي إلى بحر داخلي، أو يصل بين بحرين عاليين.

المضيق المؤدي إلى بحر داخلي: إذا كان المضيق يصل بين البحر العام وبحر داخلي وكان واقعاً برمته في إقليم الدولة الكائن في أرضها المضيق، كانت مياهه وطنية أي داخلة في ملكية هذه الدولة من دون سواها، على ألا يتجاوز اتساعه القدر السابق الذكر المتعارف عليه بالنسبة للخلجان والبحار الداخلية لاعتبارها مياهاً وطنية. ومثل المضايق التي من هذا القبيل مضيق «كيرش» المؤدي إلى بحر آزوف الروسي، ومضيقا الدردنيل والبوسفور وقت أن كان البحر الأسود تابعاً لتركية وحدها. أما إذا زاد اتساع المضيق الواقع في إقليم دولة واحدة على القدر المتقدم، وعُدَّ البحر الداخلي الموصل إليه جزءاً من أعالي البحار، كان حكم المضيق من حيث ملكيته والملاحة فيه ما سيرد ذكره خاصاً بالمضائق التي تصل بين بحرين عاليين.

أما إذا كان المضيق المؤدي إلى بحر داخلي واقعاً بين أراضي دولتين، فإن مياهه إقليمية لا وطنية، بمعنى أنها لا تدخل في ملكية إحداهما، وإنما يكون لكل منهما من الحقوق على الجزء المجاور لها من مياهه ما للدولة من حقوق على بحرها الإقليمي. ويتحدد هذا الجزء بالخط الأوسط للمجرى الرئيسي إن كان اتساع المضيق أقل من ضعف البحر الإقليمي.

أما إن كان اتساع المضيق أكثر من ذلك فيعد الجزء الأوسط من المضيق بين حدي المياه الإقليمية لكل من الدولتين في حكم البحر العام، إنما يجوز لهما تحريم مرور المراكب الحربية الأجنبية فيه إلى البحر الداخلي محافظة على سلامتهما.

المضيق الموصل بين بحرين عاليين: إذا كان المضيق يصل بين بحرين عاليين وكان كلا جانبيه في أرض دولة واحدة ولا  يتعدى اتساعه ستة أميال فمياهه إقليمية. وإن كان اتساعه أكثر من ذلك فلا يعد منه إقليمياً سوى ثلاثة أميال من كل ناحية، ما لم يُعمل أو يُتفق على خلاف ذلك. على أنه في جميع الحالات يجب أن يكون المرور في المضيق حراً لمراكب جميع الدول، وليس للدولة صاحبة الإقليم أن تمنع المرور فيه من دون داع، إنما لها أن تفرض على هذا المرور من الإجراءات ما تقتضيه سلامتها وسلامة الملاحة، كأن تنظم الملاحة في المضيق وتوجب الإرشاد على السفن التي تمر فيه وتحصل رسوماً على المرور مقابل نفقات الصيانة والإرشاد والإبقاء على المضيق صالحاً دائماً للملاحة. كذلك ليس للدولة صاحبة الإقليم أن تمنع مرور المراكب الحربية من هذا المضيق منعاً باتاً في وقت السلم، أو وقت الحرب ما لم تكن طرفاً فيها. إنما لها أن تنظم مرور هذه المراكب في المضيق، وأن تضع على مرورها بعض القيود كتحديد عدد ما يمر منها في وقت واحد، والمدة التي يمكن أن تبقاها في المضيق وما شابه ذلك.

وإذا كان المضيق الواصل بين بحرين حرّين واقعاً في أراضي دولتين كان لكل منهما السيادة على الجزء المجاور لها في حدود البحر الإقليمي أو إلى الخط الأوسط لمجرى المياه حسب اتساع المضيق. مع بقائه في كلتا الحالتين مفتوحاً للمرور الحر لمراكب جميع الدول. وقد أفردت اتفاقية جمايكة الجزء الثالث منها للمضائق المستخدمة في الملاحة الدولية، وجاءت فيها بنظام جديد يرقى إلى حد التقنين الإنشائي الذي لا يصبح نافذاً إلا حين دخول الاتفاقية حيز النفاذ بين المتعاقدين.

ومن المضائق التي تنطبق عليها الأوضاع والأحكام المتقدمة مضيق كاليه بين فرنسة وإنكلترة، ومضيق موزامبيق بين مدغشقر وجنوبي إفريقية، ومضيق باب المندب بين الجزيرة العربية وأفريقية. وهناك من المضائق الواصلة بين بحرين عاليين ما كان موضع اتفاقات خاصة بين الدول طبقت فيها الأحكام السابقة على وجه روعي فيه الموقع الجغرافي لتلك المضائق وما لها من أهمية اقتصادية أو حربية، وتشمل هذه المضائق البوسفور والدردنيل، وجبل طارق، ومضيق سوند عند مدخل بحر البلطيق، ومضيق ماجلان جنوبي أمريكة الوسطى.

ب ـ القنوات البحرية: القنوات البحرية هي مضائق صناعية حفرت لتصل بين بحرين عاليين تسهيلاً للملاحة والمواصلات الدولية. ولا نزاع في أن هذه القنوات تدخل في الملكية الإقليمية للدول التي تخترق أرضها وتخضع لسيادتها كأي جزء من إقليمها. وكل ما تثيره من هذه الناحية هو مسألة الملاحة فيها. ولما كان الغرض من حفر القنوات البحرية تيسير الملاحة الدولية وتقصير طرق المواصلات وتكاليفها، فإن هذه القنوات يجب أن تُفتح للسفن التجارية لجميع الدول، مع إعطاء الحق للدولة أو الشركة التي قامت بحفر القناة والتي تتولى صيانتها في أن تُحصِّل من السفن التي تمر فيها رسوماً مقابل نفقات أعمال الحفر وصيانة القناة وجعلها صالحة للملاحة.

أما السفن الحربية فالأصل أن للدولة صاحبة القناة أن تمنع مرورها فيها، حتى في وقت السلم، محافظة منها على سلامتها وتجنباً لأي اعتداء محتمل من جانب هذه السفن. ولما كان مثل هذا المنع يضر بمصالح بعض الدول، وعلى الأخص الدول التي كان لها مستعمرات وراء البحار، وقد يكون سبباً للاحتكاك وتوتر العلاقات بينها وبين الدولة صاحبة الإقليم، فقد استقر الرأي على أن تسمح الدولة صاحبة القناة، من باب حُسن السياسة وتحقيقاً للتعاون الدولي، بمرور المراكب الحربية الأجنبية، على شرط ألا تقوم هذه المراكب بأي عمل حربي في القناة أو على إحدى ضفتيها وألا تتخذ منها قاعدة لعملياتها العسكرية.

وتوجد اليوم أربع قنوات بحرية مهمة دولياً هي قناة السويس وتنظم الملاحة فيها اتفاقية القسطنطينية لعام 1888، وقناة بنما وتخضع اليوم لاتفاقية 1977، وقناة كيل وتحكمها المواد 380-386 من معاهدة فرنسة لعام 1919، وقناة كورنثة وتقع كلها في الأراضي اليونانية.

 

محمد عزيز شكري

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

البحر ـ الحرب (قانون ـ) ـ القانون الدولي العام ـ قناة السويس ـ القانون الدولي الإنساني.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ صلاح الدين عامر، القانون الدولي الجديد للبحار، دراسة لأهم أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، (القاهرة، دار النهضة 1983).

ـ رفعت محمد عبد المجيد، المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحار، رسالة دكتوراه (جامعة القاهرة 1982).

ـ علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام، (منشأة المعارف، الاسكندرية 1981).

ـ محمد طلعت الغنيمي، الاتجاهات الحديثة في القانون الدولي للبحار، (منشأة المعارف، الاسكندرية).


التصنيف : القانون
المجلد: المجلد الرابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 710
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 995
الكل : 56800533
اليوم : 30681

بتي (مونغو)

بتي (مونغو ـ) (1932 ـ)   مونغو بتي Mongo Beti روائي وُلد في بلدة مبالامايو Mbalamayo القريبة من ياوندي في الكاميرون، اسمه الحقيقي ألكسندر بييدي أوالا Alexandre Biyidi Awala وقد اختار لنفسه اسماً مستعاراً عند الكتابة هو إزا بوتو Eza Boto، غيّره فيما بعد إلى مونغو بتي. بدأ تعليمه في المدارس التبشيرية الكاثوليكية ثم انتقل إلى المدارس الفرنسية في ياوندي. وسافر في عام 1957 إلى فرنسة حيث درس الأدب في جامعة إكس أُن بروفانس Aix-en- Provence.
المزيد »