logo

logo

logo

logo

logo

البوسنة والهرسك

بوسنه وهرسك

Bosnia and Herzegovina - Bosnie-Herzégovine

البوسنة والهرسك

 

دولة أوربية اسمها الرسمي جمهورية البوسنة والهرسكRepublika Bosna i Hercegovina، ذكرت في اتفاقية دايتون للسلام (1995) باسم البوسنة فقط. تقع في غربي شبه جزيرة البلقان بين خطي العرض 42 درجة و28 دقيقة، و45 درجة و15 دقيقة شمالاً، وبين خطي الطول 15 درجة و38 دقيقة و19 درجة و37 دقيقة غرباً. ولها شكل مثلث محصور بين وادي نهر السافا Sava في الشمال وإقليم دلماسية والبحر الأدرياتي في الجنوب الغربي، ووادي نهر درينة Drina في الشرق. أما حدودها الدولية فهي مع جمهورية كرواتية [ر] في الشمال والغرب، يقطعها لسان بوسني ينتهي بساحل على البحر الأدرياتي طوله 20 كم في الجنوب الغربي. وبقية حدودها برية تفصلها عن جمهورية الجبل الأسود وجمهورية صربية (يوغوسلافية) في الشرق. وتبلغ مساحة البوسنة والهرسك 51129 كم2، وعاصمتها سرايفو[ر] Sarajvo، وتتألف من إقليم البوسنة في الشمال، منسوباً إلى نهر بوسنة (باللغة الإليرية) أحد روافد نهر سافا، وإقليم الهرسك في الجنوب، نسبة إلى كلمة هرتسوغ Herzog، باللغة الألمانية المأخوذة من لقب الحاكم المحلي «الدوق» في القرن الخامس عشر الميلادي.

الأوضاع الجغرافية الطبيعية   

التضاريس: يتألف معظم سطح جمهورية البوسنة والهرسك من سلاسل جبلية، هي جبال الألب الدينارية الالتوائية التي تمتد من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي على طول حدودها الجنوبية الغربية مع كرواتية. وترسم قمم هذه الجبال خط تقسيم المياه بين شبكة أنهار تابعة لنهر الدانوب، تنتهي مياهها إلى البحر الأسود في الشرق، وشبكة أنهار ووديان تنتهي مياهها في البحر الأدرياتي في الغرب. من أبرز هذه السلاسل الجبلية جبال غرمتش (1604م) في الشمال الغربي، وفيتروغ (2006م) Viterog، وبرني (2155م) Pernj في الجنوب الشرقي، وتأخذ الارتفاعات بالتناقص باتجاه الشرق والشمال إلى حدود 800-1200م فوق سطح البحر. وتغطي الجبال والهضاب معظم الداخل البوسني. أما غرب جبال الألب الدينارية فتنتهي أغلب السفوح القصيرة الشديدة الانحدار في كرواتية والبحر الأدرياتي. وتتصف التضاريس الجبلية والهضبية في الجمهورية بانتشار المظاهر والأشكال التضريسية الكارستية الناشئة من تحلل الصخور الكلسية الكريتاسية والجوراسية، فتكثر فيها الأحواض المغلقة التي تسمى بولييه Polje، وتغطي سطوحها الجرداء الحفر الكارستية والخدوش اللابية. كذلك تشاهد فيها الأودية «العمياء» التي تغيب المياه فجأة في بطونها لتعود فتظهر في مكان آخر بعيد، وأشهرها وادي نهر تربسنيتشة الأعمى. شمالي الألب الدينارية ـ اليوليانية، وحفرت الأنهار في هذه التضاريس أودية عميقة وضيقة جزأتها إلى وحدات جبلية وبقاع وعرة جداً. أما في الشمال فتنخفض التضاريس إلى أقل من 100-200م  فوق سطح البحر في سهل وادي نهر سافا المساير للحدود مع كرواتية. ويتكون هذا السهل من طمي النهر وروافده ورسوبياتها الغرينية.

المناخ والميـاه: ينتمي مناخ البوسنة والهرسك إلى المناخ فوق المداري الرطب القاري والمتوسطي، يصبح جبلياً ألبياً فوق ارتفاع 1500-1700م فوق سطح البحر. ويكون الشتاء بارداً وبارداً جداً في الجبال حيث يسقط الثلج ويتشكل الجليد، وتكون معدلات درجات الحرارة بحدود الصفر. أما في الشمال فيكون الشتاء بارداً جافاً، ويكون صيف الأحواض والأودية الجبلية دافئاً، وفي المرتفعات بارداً، وفي الشمال المنخفض حاراً. ومتوسطات درجات الحرارة تراوح في شهر تموز بين 20 - 26درجة مئوية، وتنخفض درجات الحرارة في شهر كانون الثاني إلى دون الصفر المئوي.

تهطل الأمطار في الجمهورية على مدار السنة تقريباً، وتراوح بين 1000-3000مم في الجبال الغربية التي يكثر فيها تساقط الثلوج، وبين 600- 1000مم في الداخل والشرق. وتتعرض البلاد وخاصة مناطقها الغربية، لهبوب رياح البورا الباردة والجافة القادمة من القارة باتجاه البحر الأدرياتي.

 

جمهورية البوسنة والهرسك غنية بالمياه السطحية والجوفية، أهم أنهارها نهر درينة وطوله 346كم، ونهر بوسنة (271كم)، ونهر فرباس (70كم) Vrbas، ونهر أونة (214كم) Una. وهي كلها روافد يمنى لنهر سافا (945كم) الذي يرفد نهر الدانوب في مدينة بلغراد[ر]. وتقتصر أنهار شبكة البحر الأدرياتي في جنوب غربي البلاد على نهر نِرِتفة Neretva ونهر تربسنيتشة Trebisnjica وعدد من السيول. وفي البلاد كثير من البحيرات المؤقتة في الأحواض الكارستية المغلقة التي تمتلئ بالمياه شتاءً وتجف صيفاً لتصبح حقولاً زراعية، إضافة إلى عدد من بحيرات السدود على الأنهار، وبحيرات دائمة قليلة أهمها بحيرات رامسكو وبوشكو وبليديني وبيليتشكو. كذلك تمتلك البوسنة والهرسك ثروة مائية جوفية ضخمة تضمها خزانات الصخور الكلسية وشبكات المياه الجوفية الكارستية. وهي غنية بنباتها المؤلف من غابات واسعة الانتشار، تتألف من أشجار الزان والصنوبر والبلوط وغيرها من أشجار نفضية، إضافة إلى غابات مخروطية في الجبال تؤلف ثروة قومية مهمة. كذلك تقدم المروج الواسعة الانتشار مراعي غنية لتربية الحيوانات. وفي الجنوب الغربي توجد مساحات من أشجار وشجيرات الغابة المتوسطية وأعشابها.

السكان

يعود سكان البوسنة والهرسك في معظمهم إلى العنصر السلافي الجنوبي الذي جاءت منه تسمية «يوغسلافية» وهم قبائل وقوميات سلافية أهمها البوسنيون (البوشناق) والصرب والكروات الذين يؤلفون 90- 93٪ من المجموع، إضافة إلى السلوفينيين والمونتنغريين (سلاف الجبل الأسود) والمقدونيين، وأقليات من الألبان والغجر والأوكرانيين وغيرهم. وتبين الإحصاءات اضطراباً في أعداد السكان ونسب القوميات والطوائف الدينية منذ مطلع تسعينات القرن العشرين، بسبب الحرب الأهلية وتغير البنية السكانية وإعادة توزع أتباع القوميات. ويبين الجدول 1 الوضع السكاني قبل الحرب وفي التسعينات:

 

السنة عدد السكان البوسنيون (مسلمون) الصرب (أرثوذكس) الكروات (كاثوليك) غيرهم
1981 4124256 39.5٪ 32٪ 18.3٪ 10.2٪
1991 4364574 43.7٪ 31.3٪ 17.2٪ 7.8٪
1994 4200000 42.3٪ 31.4٪ 18.1٪ 8.2٪

الجدول (1)

تبين أرقام 1994 تناقص عدد السكان وتراجع نسبة السكان البوسنيين لصالح الصرب، كما تشير التقديرات إلى أن 1.3مليون نسمة تقريباً من السكان لعام 1994 هم لاجئون هاربون أو مهجَّرون. ويقدر عدد السكان لعام 1996 بنحو 4510000 نسمة منهم قرابة  1357400 نسمة لاجئون خارج البلاد أو خارج ديارهم في الجمهورية. ويتوزع اللاجئون بحسب معطيات مطلع عام 1998 على يوغسلافية (241000 لاجئ) وألمانية (220000 لاجئ) وكرواتية (47000 لاجئ) ثم على إيطالية والنمسة وهولندة وغيرها من دول أوربة. ويقدر عددهم الإجمالي بنحو 557400 لاجئ خارج البلاد، و800000 لاجئ مهجر داخلها، وهذا يعني أن نحو 30٪ من سكان البوسنة والهرسك هم في عداد اللاجئين أو المهجَّرين ومعظمهم من المسلمين. وبغض النظر عن تباين أرقام أعداد السكان، فإن المنحى العام يشير إلى نمو سكاني قدره 1 بالألف سنوياً، أما العمر المتوسط فهو 73سنة.

تصل الكثافة السكانية في البوسنة والهرسك إلى أكثر من 88 نسمة/كم2، لكنها تزيد على 100- 150 نسمة/كم2 في الشمال والشمال الشرقي وفي أودية الأنهار وخاصة في وديان أنهار بوسنة وأونة ونرتفة، وفي منطقة بيهاتش في الشمال الغربي، وتنخفض إلى أقل من 50 ن/كم2 في الجبال والهضاب الجرداء، وتعد منطقة سرايفو أكثر أنحاء البلاد كثافة بالسكان. ويتكلم السكان اللغتين البوسنية والكرواتية، وتكتبان بالأحرف اللاتينية، وكذلك اللغة الصربية التي تكتب بالحروف الكيريلية، وكلها لغات رسمية في الجمهورية. وتدين غالبية السكان بالإسلام (44٪) وجلهم من البوسنيين والألبان وغيرهم، ويليهم المسيحيون الأرثوذكس من الصرب (31٪)، ثم الكاثوليك من الكروات (17٪)، ويبدو أن أثر الفروق الدينية والمذهبية في التوزيع والتقسيم الجغرافي للسكان كبير وأساسي، لأن الأصول العرقية للقوميات الثلاث واحدة هي السلافية الجنوبية. وقد برز ذلك جلياً في التقسيمات الإقليمية للجمهورية في مفاوضات حل الأزمة البوسنية والحرب الأهلية (1992- 1995) فيها. فمع اختلاط أفراد هذه القوميات في المدن والبلدات وتداخل القرى الخاصة بكل قومية قبل الحرب، كان السكان البوسنيون المسلمون يعيشون في المدن والمناطق الحضرية ووسط البلاد وفي مدن سرايفو وزينيتسه وتوزله ودوبوي وبيهاتش وترافنيك وماغلاي وأولوفو، والصربيون الأرثوذكس في الشرق والجبل الأسود والشمال الغربي، والكروات الكاثوليك في الجنوب الغربي وجيوب في الشمال. وقد أُعيد توزيع أفراد القوميات بحسب اتفاقية دايتون للسلام عام 1995، فتركزت كل قومية في وحدة جغرافية ـ إدارية شبه خالية من ممثلين لقوميات أخرى. ويعيش السكان في الريف بنسبة أعلى (52٪) من نسبة سكان المدن والحضر (48٪). والمدن البوسنية كثيرة يراوح عدد سكانها بين 400000 نسمة و100000 نسمة أوأقل، أهمها العاصمة سرايفو (400000 نسمة) وتوزلة (240000 نسمة) وبيهاتش (210000 نسمة) وزنيتسة (150000 نسمة) وبانيه لوكة (140000 نسمة) وموستار (130000 نسمة) وغيرها لعام 1995.

نظام الحكم والإدارة

البوسنة والهرسك دولة مستقلة منذ عام 1992 نظام الحكم فيها جمهوري، وتعتمد دستور عام 1995. ويتألف برلمانها من مجلسين الأول مجلس النواب وعدد أعضائه 42 عضواً (28 عضواً من الاتحاديين البوسنيين ـ الكرواتيين، و14 عضواً صربياً) والثاني مجلس القوميات وعدد أعضائه 15 عضواً خمسة لكل قومية. وينتخب أعضاء المجلسين لمدة أربع سنوات، كذلك ينتخب ثلاثة أعضاء لمجلس رئاسة الجمهورية واحد لكل قومية من أعضاء مجلس الرئاسة المؤلف من تسعة أعضاء، ثلاثة لكل قومية، وينتخب رئيس الجمهورية دورياً لمدة سنتين. ويتناوب على رئاسة الحكومة أسبوعياً ممثلو الكتلتين القوميتين البوسنية ـ الكرواتية، والصربية. ولكل من القوميات أحزابها السياسية، مثل حزب الحركة الديمقراطية البوسني والحزب الديمقراطي الصربي وحزب التجمع الديمقراطي الكرواتي، إضافة إلى أحزاب صغيرة أخرى.

الأوضاع الاقتصادية

جمهورية البوسنة والهرسك غنية بالمصادر الاقتصادية والموارد الطبيعية، أهمها ثروتها الكبيرة من المياه والغابات والمراعي والتربة المتنوعة، وكذلك ثرواتها الباطنية من الفحم الحجري في مناجمه الغنية في منطقتي سرايفو وموستار، وفلزات الحديد بالقرب من فاريس Vares وليوبية Ljubija، والنحاس في منطقة غورني فاكوف Gornji  Vakuf، إضافة إلى  المنغنيز والرصاص والزئبق والفضة والبوكسيت والزنك. أما الطاقة الكهربائية فتحصل عليها البلاد من المحطات الكهرمائية الكثيرة على الأنهار الجبلية إضافة إلى توليدها من الفحم الحجري.

الزراعة: تعد الزراعة وتربية الحيوان القطاع الاقتصادي الأول في البوسنة، والزراعة فيها تقليد تاريخي متوارث، إذ يعمل نحو ثلثي القوة العاملة فيها في الزراعة، ومنتجاتها من أهم ركائز الاقتصاد البوسني. وأبرز المزروعات هي القمح والذرة الصفراء والبطاطا والفواكه، ولاسيما الكرمة في الهرسك خاصة، وكذلك الخوخ والرجاص في البوسنة الوسطى والشمالية، ثم الكرز والشوندر السكري والتبغ والكتان وفول الصويا والجوز وأنواع شتى من الخضر. وتزدهر الزراعة في أودية الأنهار، وخاصة في حوض وادي سافا وروافده في الشمال، وفي الأحواض والسهول الجبلية. أما تربية الحيوانات فتشتمل على تربية الأبقار في المراعي الجبلية والهضبية، وتربية الضأن الذي يدخل لحمه في وجبات الطعام البوسنية والأطباق اليوغسلافية بنسبة عالية. إضافة إلى تربية الدواجن، والخنازير في المناطق غير الإسلامية.

الصناعة: يعتمد القطاع الصناعي في البوسنة والهرسك على الموارد الطبيعية المحلية والمواد الخام والطاقة المحلية أيضاً. وتشتهر البوسنة والهرسك بصناعاتها الثقيلة في منطقة زنيتسة، حيث مركز صناعة الصلب والحديد، وبصناعة الأسلحة التي كانت تشكل نحو 60٪ من صناعة الأسلحة اليوغسلافية سابقاً. كذلك تعد صناعة الآلات والتجهيزات الكهربائية وغيرها في منطقة سرايفو في أهم صناعات البلاد، يضاف إلى ذلك الصناعة الخشبية وصناعة التبغ والجلود والسكر والصناعات الغذائية المختلفة والصناعات الكيمياوية وإنتاج الطاقة من الفحم والماء. وقد تأثر الاقتصاد البوسني إبان الحرب الأهلية، إذ ما كادت الجمهورية تستقل حتى داهمتها الحرب التي أوقفت عمليات النمو والتقدم ودمرت معظم المنشآت الاقتصادية، وضربت الحقول والقنوات والطرقات، كذلك توقفت الرحلات الجوية في مطاري سرايفو وموستار، وتوقف معظم القطارات فانقطعت خطوط التجارة الداخلية والخارجية، ورافق ذلك تدمير البنية التحتية للبلاد التي لم تستعد عافيتها بعد، إذ ما زالت البوسنة والهرسك في طور إزالة آثار الحرب وإعادة البناء تحت حماية قوات حفظ السلام وحلف شمال الأطلسي.

تاريخ البوسنة والهرسك

إن تاريخ جمهورية البوسنة والهرسك، هو جزء من التاريخ الطويل الغني بالأحداث لشبه جزيرة البلقان والاتحاد اليوغوسلافي منذ نحو 3000سنة حتى اليوم. وتعد المنطقة في المواطن الأولى التي استوطنها إنسان العصر الحجري القديم، وعُثر على آثاره عند مصب نهر أوسوره  Usora، وكذلك على آثار العصر الحجري الحديث في أكثر من موقع، أغناها وأهمها موقع بوتمير Butmir في سرايفو، واستمر استيطان المنطقة في عصري البرونز والحديد حتى العصر الإليري قبل 3000سنة، ثم العصر الروماني الذي صارت فيه منطقة البوسنة والهرسك الراهنة جزءاً من الامبراطورية الرومانية، وعرفت باسم إليرية، والإليريون شعب هندي ـ أوربي قديم عاش في غربي البلقان وانتشر جنوباً حتى ألبانية ومقدونية، ويعتقد أنهم الأسلاف القدماء للألبان[ر].

تعرضت شبه جزيرة البلقان منذ القرن السادس الميلادي لغزو استيطاني قادم من الشمال الشرقي، قامت به قبائل سلافية وأخرى أفارية ـ بلغارية الأصل قادمة من جنوبي روسية وآسيا الوسطى، وانتشرت بين جبال الألب ونهر الدانوب شمالاً وألبانية واليونان جنوباً. وسيطرت على المنطقة لقلة سكانها الأصليين وضعفهم، منذ ثمانينات القرن السادس الميلادي في الشرق، وأواسط القرن السابع الميلادي في الغرب، وفيما هو اليوم منطقة البوسنة والهرسك قاومت بيزنطة الغزو السلافي، وخاصة في مناطق موسية Mocia ومقدونية، لكنها تراجعت أمام السلاف في النصف الثاني من القرن السابع. وتمكن هؤلاء من إقامة كيانات تشبه الدويلات في البلقان، وأخذ البلقان يتحول إتنياً إلى غلبة العنصر السلافي، وطبع المنطقة كلها بطابعه. وكانت البوسنة إحدى هذه الكيانات، لكنها انفصلت عن باقي صربية السلافية بعد عام 960 وصارت كياناً سياسياً مستقلاً.

كان السلافيون وثنيين يقدسون آلهة عدة مثل بيرون Peroun ودازبوغ Dazbog وفولوس Volos ولادة Lada ثم اعتنقوا المسيحية، وانتشر بينهم المذهبان الأرثوذكسي والكاثوليكي، فعاشوا صراعاً طائفياً بين أنصار المذهبين، مما أدى إلى ظهور مذهب البوغوميل Bogomil المسيحي المانوي الطبيعة الذي تبناه البوسنيون في القرون الوسطى. وصار هذا المذهب المذهب الرسمي للبوسنة، وأسهم في تكوين الكيان القومي والإقليمي البوسني الذي تميزت به الكنيسة البوسنية حينئذٍ. وكانت دولة البوسنة التي نشأت في القرن الحادي عشر تعترف بسلطة بيزنطة الاسمية عليها، لكنها تعرضت للغزو المجري وخضعت لحكم المجر في أوائل القرن الحادي عشر في عهد ملكها كولومان (1091- 1116)، وتحررت، ثم صارت ملكية في القرن الرابع عشر في عهد تفرتكو (1353- 1391) Tvrtko الذي اتخذ لنفسه لقب ملك البوسنة وصربية عام 1377. ويعد هذا الملك المؤسس الفعلي لمملكة البوسنة التي عاشت حتى عام 1463، عام اقتسامها بين المجريين والعثمانيين. ودامت السلطة المزدوجة فيها حتى عام 1528، حين تمكن العثمانيون من اجتياح المجر، والاستيلاء على قسم كبير من شبه جزيرة البلقان وعلى البوسنة والهرسك، التي ظلت جزءاً من السلطنة العثمانية مدة ثلاثة قرون ونصف القرن.

اتصف العهد العثماني في البوسنة والهرسك بدخول الحضارة الشرقية الإسلامية مع الجيوش الفاتحة إلى المنطقة، واعتنق البوسنيون الدين الإسلامي إبان الحكم العثماني وخاصة بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر، فانتشر في البوسنة أولاً سنة 867هـ/1462م، ثم في الهرسك سنة 887هـ/ 1472م، أي في زمن الحكم العثماني ـ المجري المزدوج. وقد ميز الإسلام البوسنيين من بقية السكان ومتّن موروثهم القومي وشخصيتهم المنفردة تجاه الصرب والكروات، لكنه زاد في عداء هؤلاء لهم، وفي سعيهم لاستئصال شأفة البوسنيين كلما سنحت الفرصة. وكان آخر تلك الفرص حرب تسعينات القرن العشرين.

كانت البوسنة وعاصمتها بوسنة سراي (سرايفو) في بداية العهد العثماني مقاطعة على رأسها بك، ومن أبرز حكامها غازي خسرو بك (1506-1512) و(1520-1542)، ثم سميت ولاية عام 1850 فباشوية عام 1853، وألحق بها سنجق الهرسك الذي صار ولاية عام 1833 ثم أعيد سنجقاً. وصار متصرف الهرسك وزيراً منذ عام 1846، وعاصمتها موستار.

دام الحكم العثماني للبوسنة والهرسك حتى عام 1878 حين تقرر في مؤتمر برلين انسحاب العثمانيين من المنطقة التي ألحقت بالمملكة النمسوية ـ المجرية. ونشط الصرب بعد خروج العثمانيين، وعملوا على بناء دولة جديدة تضم جميع البقاع البلقانية التي ينتشر فيها الصرب. وبعد الحرب العالمية الأولى صارت صربية نواة مملكة عُرفت بيوغسلافية، وضمت البوسنة والهرسك إليها. وفي عام 1941 انهارت يوغسلافية وانفصل عنها الكروات الذين أقام لهم الألمان دولة عرفت باسم دولة كرواتية المستقلة، كذلك احتل الألمان البوسنة وبسطت إيطالية سلطتها على الهرسك. وسعى الكروات في ظل الحكم الألماني النازي إلى استمالة مسلمي البوسنة، لكسب تأييدهم في عمليات الإبادة التي استهدفت الصرب والغجر بتشجيع من النازيين.

مع انتهاء الحرب العالمية الثانية وهزيمة ألمانية عام 1945، قامت جمهورية يوغسلافية الاتحادية، وصارت البوسنة والهرسك واحدة من جمهورياتها الست. ومع ذلك فقد اعترفت الحكومة الاتحادية اليوغسلافية بالمسلمين الذي كانوا يؤلفون نحو 12.3٪ من مجموع سكان يوغسلافية (سابقاً)، وعدتهم جزءاً من المجتمع اليوغسلافي، وخففت من القيود التي كانت مفروضة عليهم. وقد عانت البلاد أحداث الحقبة الشيوعية وحكم الحزب الواحد حتى عام 1990، حين انهار الاتحاد اليوغوسلافي وتفكك. فانفصلت سلوفينية وكرواتية ومقدونية وأعلنت كل منها استقلالها عام 1991، وتبعتها البوسنة والهرسك فأجرت استفتاءً عاماً في 15 تشرين الثاني من عام 1991، كانت نتيجته الانفصال عن يوغسلافية وإعلان استقلالها دولة ذات سيادة في 7 نيسان 1992، واعترفت بها دول المجموعة الأوربية ثم قبلت عضواً في هيئة الأمم المتحدة في 22 أيار من العام نفسه، على الرغم من المعارضة الصربية. وقد سبب انفصال البوسنة عن يوغسلافية اندلاع الحرب البوسنية التي انتهت بتقسيم البلاد إلى وحدتين إداريتين هما الاتحاد البوسني ـ الكرواتي ويمتد على 51٪ من المساحة، والجمهورية الصربية وتشغل 49٪ من المساحة.

 

عادل عبد السلام

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

صربية ـ العثمانيون ـ يوغسلافية.

 

مراجع للاستزادة:

 

- ABirken, Die  Provinzen  des  Osmanischen  reiches (Wiesbaden 1976).

- Fischer Weltalmanach 1994, 1997, 1998  Frankfurt 1993, 1996, 1997.

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 536
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 560
الكل : 29602144
اليوم : 57060

الثدن

المزيد »