logo

logo

logo

logo

logo

الجبرتي (عبد الرحمن-)

جبرتي (عبد رحمن)

Al-Gaberti (Abd al-Rahman-) - Al-Gaberti (Abd al-Rahman-)

الجَبَرْتي (عبد الرحمن ـ)

(1167 ـ 1237هـ/1754 ـ 1822م)

 

عبد الرحمن بن حسن الجبرتي، مؤرخ مصري. ولد في القاهرة، وينتسب إلى أسرة مسلمة، حنفية المذهب، ترجع في أصولها الأولى إلى بلاد جَبَرْت، وتعتقد أنها تعود في جذورها، مع كثير من سكان جَبَرْت إلى مُسْلِم بن عقيل بن أبي طالب، ولذلك يلقب أيضاً بـ العُقيلي. وجَبَرْت كما عرّفها الجَبَرْتي نفسه، هي بلاد زَيْلَع في الحبشة وأهلها من المسلمين الأتقياء.

كان والده حسن بن إبراهيم عالماً وفقيهاً، متعمقاً في العلوم الدينية واللغوية، وغيرها، درّس في رواق «الجَبَرْتية» الفقه والفلك وعلوماً أخرى، وله كتاب «العقد الثمين فيما يتعلق بالموازين»، وحصل على ثروة كبيرة من عمله في التجارة وقد رزق بنيف وأربعين ولداً ذكوراً وإناثاً، ماتوا كلهم دون سن البلوغ، ولم يتبق منهم سوى عبد الرحمن المؤرخ.

ولا يُعرف شيء ذو بال عن طفولة عبد الرحمن وصباه، إلا أنه من الثابت أنه عاش وسط أسرة ثرية، وكان تلميذاً لوالده في مختلف المعارف، وفي الوقت ذاته تابع دروس مشايخ عصره في الأزهر، وهو يذكر عدداً منهم في سياق كتابه، وعقد صداقات مع زملاء شاركوه الدراسة، وغدوا فيما بعد من العلماء والأدباء، ومنهم إسماعيل الخشّاب (ت1230هـ/1818م)، واستفاد منه في تأريخه فيما بعد، بحكم عمل هذا الصديق كاتباً في المحكمة الشرعية، ثمّ في الديوان الذي أنشأه الفرنسيون، وحسن العطار الفقيه والمؤرخ (ت1250هـ/1835م)، وقد يكون أبرز من لازمهم من مشايخ زمنه، وترك أثراً كبيراً فيه، العالم اللغوي الكبير محمد ابن محمد المعروف بمرتضى الزبيدي (1145- 1205هـ/1732-1790م)، صاحب كتاب «شرح القاموس» المسمى بـ «تاج العروس»، ومؤلفات كثيرة أخرى. ويبدو أن الزبيدي كان يثق به ويعتمد عليه، فطلب إليه أن يعاونه في جمع تراجم أعيان مصر في القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي، وكان كلَّفه ذلك صديقه مفتي الشام، ونقيب أشرافها ومؤرخها الدمشقي محمد خليل المرادي (1173- 1206هـ/1760-1791م) لإدراجها في كتابه «سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر».

فقام الجبرتي بالمهمة، ولكن الزبيدي توفي سنة 1205هـ/1790م، فطلب المرادي من الجبرتي موافاته بما جمعه هو وأستاذه، إلا أن المرادي توفي سنة 1206هـ/1791م، فثبّط ذلك همة الجبرتي وكادت الأوراق المجموعة تضيع وتتناثر، لولا أن حصل عنده باعث من نفسه على جمعها، مع ضم الوقائع، والحوادث، والمتجددات، على النسق الذي قدم فيه كتابه التاريخي الذي اشتهر به، وهو «عجائب الآثار في التراجم والأخبار». وأكّد في مقدمته، بأنه تصدى فيه لكتابة التاريخ الذي أهمله معاصروه، مع أهميته، وقيمته العلمية والأخلاقية، وأنّ تدوينه له أخرجه من انزوائه في زوايا الخمول، وشغله في أوقات خلواته وسلّى وحدته. ولعلّ مجيء الحملة الفرنسية إلى مصر بقيادة نابليون بونابرت، سنة 1213هـ/1798م، كانت ذلك الباعث لكتابة تاريخه، وتتبع ما كان يجري من أحداث.

إن كتاب «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» هو أهم مؤلفات الجبرتي التي لم تكن في الواقع كثيرة. وفيه يتحدث عن تاريخ مصر في القرن الثاني عشر الهجري، حتى آخر الثلاثينات تقريباً من القرن الثالث عشر، أي حتى أواخر 1236هـ/ أواخر آب 1821م. وهي مرحلة مضطربة من تاريخ مصر، وغنية بالأحداث الجديدة ؛ فمصر هي تحت الحكم العثماني رسمياً، إلا أن المماليك هم الحكام الفعليون فيها، وتفاقمت الأطماع الأوربية، وقد أثمرت تلك الأطماع الحملة الفرنسية على مصر، والصراع الفرنسي ـ الإنكليزي عليها، الذي انتهى بخروج الحملة، وعودة سيادة الدولة العثمانية فظهور الوالي محمد علي باشا، الذي جاء لينتهج نهجاً استقلالياً عن الدولة، وليحقق تجديداً حضارياً في حياة مصر من جميع النواحي.

تفاعل الجبرتي مع تلك الأحداث، ومع أنه رأى في مجيء الحملة الفرنسية حادثاً جسيماً، ونازلة هائلة، فإنه لم يُخْفِ إعجابه بما حملته من تنظيم ومعرفة، وعلم، بل عمل معها كاتباً في الديوان الذي أنشأته. ومع أنه لم يستسغ التجديدات التي قام بها محمد علي، بل هاجم بعضها، لأنه كان بعقليته المحافظة، لا يحب التغيير، ويرغب في استقرار الأحوال على ما هي عليه، فإنه لم يتورع عن العمل مؤِّقتاً إماماً للصلاة في بلاط محمد علي ومفتياً للحنفية.

اتبع الجبرتي في تاريخه الطريقة نفسها التي اتبعها كثير من المؤرخين العرب السابقين، وهي طريقة الحوليات وما يرافقها من تراجم الشخصيات التي توفيت في تلك السنين. ويلاحظ أنه لم يدخل في تفصيل الحوادث وضبطها تماماً إلا من أواخر القرن الثاني عشر للهجرة، من عام 1190هـ/1776م، أي منذ أن أخذ يعي الأحداث مباشرةً؛ أمّا المرحلة التي سبقت فيبدو أن معلوماته ومصادره عن أحداثها قليلة.

كتب الجبرتي كتابه في أربعة أجزاء، وانتهى من الثلاثة الأولى في مطلع (1220هـ/1805-1806م)، ودوَّن الرابع والأخير في أثناء المرحلة نفسها التي يتحدث عنها (1221-1236هـ/1806-1821م). وكان ينوي المتابعة بعد ذلك التاريخ إلا أن المنية على ما يبدو عاجلته.

قدّم الجبرتي لحولياته وتراجمه بمقدمة طويلة، ومتنوعة المضمون؛ ففيها أوضح منهجه الحولي في العمل وغايته منه، ثم انتقل إلى تعريف المحتوى العام للتاريخ وفوائده، واستطرد إلى نشأته في الإسلام، وعدّد المصنفات الوافرة للمؤرخين المسلمين وأنهى حديثه هذا بملاحظة متشائمة وإن كان فيها بعض حقيقة، وتقول: «وهذه -أي المؤلفات التاريخية- صارت أسماء من غير مسميات فإنا لم نرفق ذلك كله إلا بعض أجزاء بقيت في بعض خزائن كتب الأوقاف بالمدارس مما تداولته أيدي الصحفيين، وباعها القومة والمباشرون، ونقلت إلى بلاد المغرب والسودان، ثم ذهبت البقايا في الفتن والحروب، وأخذ الفرنسيس ما وجدوه إلى بلادهم». ومن ثم فعندما أراد وصل المرحلة التي كتب في عصره بما سبق، لم يجد إلا بضع كراريس مشوهة وناقصة.

وابتدأ الجبرتي كتابه باستعراض سريع جداً ومقتضب لتاريخ مصر، من فتح العرب المسلمين لها حتى الدولة العثمانية. ويقفز مباشرة إلى حوادث القرن الثاني عشر بعد فقرة عن انقسام المماليك والمصريين إلى «قاسمية» و«فقارية».

يقدم كتاب الجبرتي لوحة حقيقية ودقيقة لتاريخ مصر إبّان المرحلة التي أحاط بها ومن جميع النواحي: الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والفكرية، وهو أفضل مصدر لها، ولاسيما الحملة الفرنسية، وما تلاها ومطالع حكم محمد علي باشا. ويبدو أن ما دونه الجبرتي عن حكم محمد علي ونقده له، لم يحظ بإعجاب محمد علي وأسرته، ولذا فقد مُنع نشر الكتاب في مصر مدة طويلة نسبياً، وكان هناك نية لإتلافه، ولم يُرفع الحظر إلا في آخر السبعينات من القرن التاسع عشر، عندما قام الأديب اللبناني الأصل أديب إسحاق (ت1302هـ/1885م) بنشر الجزء الخاص بالاحتلال الفرنسي لمصر تحت عنوان «تاريخ الفرنساوية في مصر» وفي سنة 1297هـ/1879-1880م، طبع الكتاب كاملا في مطبعة بولاق. وفي (1302هـ /1884-1885م) نشرته المطبعة الأزهرية على هامش كتاب «الكامل» لابن الأثير. وبعد عشرين عاماً وفي (1322هـ/1904-1905م) نشرته المطبعة الأشرفية في القاهرة، وصدرت ترجمة فرنسية له في القاهرة أيضاً، في السنوات

(1888-1896م)، إلا أنها كانت ترجمة رديئة. ثم صدر بعد ذلك للجبرتي كتاب تاريخ آخر صغير، هو «مُظْهِر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس»، ويتحدث فيه عن بضع سنوات من الاحتلال الفرنسي لمصر. وفيه يظهر الجبرتي عداءه للفرنسيين، وتعاطفه مع الدولة العثمانية.

وإضافة إلى الكتابين التاريخيين السابقين، قام الجبرتي بدراسة لـ «تذكرة الألباب» التي كان قد ألفها داود الأنطاكي المتوفى (1008هـ/1599م) في الطب والحكمة.

ويذكر المستشرق الإنكليزي إدوار وليم لين (1801-1876م) Lane الذي ترجم كتاب «ألف ليلة وليلة» إلى الإنكليزية، أن الجبرتي أعاد النظر في هذا الكتاب، وأخرجه بلغة أكثر نقاءً، وأضاف إليه نكاتاً وأدبيات أخرى. إلا أن النسخة على ما يبدو قد ضاعت.

ويضيف عمر رضا كحالة في كتابه «معجم المؤلفين»، إلى مؤلفات الجبرتي كتاب «دستور تقويم الكواكب السبعة».

توفي الجبرتي  مخنوقاً بطريق شبرا، وهو عائد إلى القاهرة. ويحمّل الباحثون مسؤولية الحادث لمحمد علي باشا، لأنه كان غير راض عما دونه وعن حكمه، ونظامه، إلا أن المؤرخ المعاصر إيالون D.Ayalon الذي قام بدراسة للجبرتي وعصره، يؤكد أن وفاته كانت سنة 1825م، أو 1826م، دون أن يبين مصدره، أو شيئاً عن طريقة وفاته.

ليلى الصباغ

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ محمد أنيس، «الجبرتي بين مُظْهِر التقديس وعجائب الآثار»، مجلة كلية الآداب، العدد 18 (القاهرة 1956).

ـ عبد الرحمن الجبرتي ، عجائب الآثار في التراجم والأخبار (دار الجيل، بيروت).

ـ محمود الشرقاوي، دراسات في تاريخ الجبرتي، مصر في القرن الثامن عشر (القاهرة 1955-1956).

ـ خليل شيبوب، عبد الرحمن الجبرتي (سلسلة اقرأ، رقم 70، القاهرة 1948).

 


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد السابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 468
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 539
الكل : 29593088
اليوم : 48004

الأكورديون

الأكورديون   الأكورديونaccordion  آلة موسيقية من آلات النفخ الهوائية اليدوية يعزف عليها وهي معلقة على الصدر بحمالتين توضعان على الكتفين وتعمل بوساطة منفاخ يدفعه العازف ويسحبه بيده اليسرى. وعلى الجانب الأيمن من الأكورديون لوحة ملامس بيانو أو أزرار يستخدمها العازف بيده اليمنى وهي مخصصة للألحان الرئيسة. أما الجانب الأيسر فهو مخصص لليد اليسرى ويحتوي على لوحة أزرار للأصوات المنخفضة والاتفاقات [ر.الانسجام] الصوتية chords الأساسية.
المزيد »