logo

logo

logo

logo

logo

الجزائري (عبد القادر-)

جزايري (عبد قادر)

Al-Jazairi (Abdelkader-) - Al-Jazaïri (Abdelkader-)

الجزائري (عبد القادر ـ)

(1223ـ1300هـ/1808ـ1883م)

 

عبد القادر بن محيي الدين بن مصطفى بن محمد، ويصل نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب. مناضل جزائري ولد في قرية القيطنة من إقليم وهران وظهر نبوغه في سن مبكرة، فقد تلقى أول تعليمه في مدرسة القيطنة التي أسَّسها أبوه وحفظ القرآن الكريم وأقبل على دراسة الحديث والفقه والتاريخ والفلسفة. وأتيح له بعد ذلك أن يتابع دراسته في وهران وفي تونس. كان عبد القادر محباً للفروسية ومن أمهر الناس بفنونها حتى إنه كان يقف على سرج فرسه وهي في أقصى سرعتها، ويطلق النار ويصيب الهدف بسرعة.

تزوَّج عبد القادر من ابنة عمه وهو في الخامسة عشرة من عمره، ورافق أباه في رحلة لتأدية فريضة الحج عام 1241هـ/1825م، واستمرَّت هذه الرحلة أكثر من سنتين زارا فيها دمشق، وتلقى عبد القادر دروساً على أيدي بعض علمائها ومنهم الشيخ عبد الرحمن الكزبري، وحضر دروساً في الجامع الأموي، كما زار مع أبيه بغداد ووقفا أمام قبر عبد القادر الجيلاني، شيخ الطريقة القادرية، وهي الطريقة الصوفية التي حملها محيي الدين وابنه عبد القادر إلى الجزائر وانتشرت على أيديهما هناك.

كانت هذه الرحلة ذات أثر كبير في حياة عبد القادر إذ اطَّلع أثناءها على أحوال الأقطار العربية التي مرَّ بها ومنها تونس ومصر والحجاز والشام والعراق، وتلقى دروساً على أيدي بعض علمائها، كما تأثَّر من الناحيتين الفكرية والروحية بالطريقة الصوفية القادرية، ثم عاد إلى وطنه الجزائر يحمل هذه التأثيرات التي بقيت ترافقه حتى آخر حياته. واستقر بعد عودته من رحلة الحج في القيطنة واقفاً معظم وقته للعبادة والدراسة واهتم بجمع الكتب حتى صارت لديه مكتبة ضخمة.

احتلَّ الفرنسيون الجزائر عام 1246هـ/1830م، وانتهت بسرعة المقاومة الرسمية، باستسلام الداي حسين، وأُنزلت الراية العثمانية في مدينة الجزائر ورُفعتْ الرَّاية الفرنسية، وبدأت مرحلة المقاومة الوطنية، وفي هذه المرحلة شارك عبد القادر في أعمال الجهاد، وقاد مجموعات من المجاهدين، وواجه الفرنسيين في معارك أكسبته مزيداً من الشهرة والخبرة، منها معركة «خنق النطاح الأولى» عند وهران في أيار 1248هـ/1832م، وقد أحرز فيها انتصاراً عظيماً، ومنها معركة «خنق النطاح الثانية»، ومعركة «برج رأس العيَّن» فعظمت منزلته وشهرته في ميدان الجهاد وازدادت تجاربه وخبراته العسكرية، وظهرت مواهبه الحربية.

لجأ زعماء القبائل في الجزائر أمام خطر الاحتلال الفرنسي إلى الاستنجاد بسلطان المغرب لكنَََََََََََََََّّّّّه تراجع عن تأييده لهم أمام التهديد الفرنسي، فعمد الزعماء إلى عرض المبايعة على السيد محيي الدين، لكنَََََََََََََََّّّّّه لكبر سنّه، قدم لهم نيابة عنه ابنه عبد القادر ليكون أميراً للقبائل في وحدتها وقائداً للجهاد. وكان يوم البيعة يوماً مشهوداً في تاريخ الجزائر وذلك يوم 3 رجب 1248هـ/ 27 تشرين الثاني 1832م، وشارك في مبايعته أبوه وأخوته وجميع أفراد أسرته، وزعماء القبائل من عرب وبربر والعلماء والأعيان، وجرت البيعة في سهل اغريس، وكان عمر الأمير 24 سنة ولقَّبه أبوه بلقب «ناصر الدين» واكتفى عبد القادر بلقب «أمير» الذي لازمه بقية حياته، وورث هذا اللقب أبناؤه وأحفاده من بعده. وجرت مكاتبة زعماء القبائل الغائبين ليعلنوا تأييدهم لهذه البيعة.

بدأ الأمير عبد القادر تنظيم أمور دولته، واتّخذ من الإسلام وتشريعاته أساساً لإدارة الدولة، وقسَّم البلاد إلى ثماني مقاطعات، وعيَّن ولاة كفاة لإدارتها، وكان كلما حرَّر منطقة عيَّن عليها والياً، وأنشأ مجلس شورى، وعمل على إخضاع المتمردين وبعض القبائل التي تثير الفتن وتعبث بالأمن والاستقرار.

بدأ الأمير جهاده بمحاولة الاستيلاء على مدينتي وهران ومستغانم فعرض عليه قائد منطقة وهران الجنرال ديميشيل Desmichels الصلح فقبله الأمير وكانت حاجته إلى هدنة لا تقل عن حاجة عدوِّه لها وذلك عام 1250هـ/1834م. ثم نقض هذه المعاهدة الجنرال تريزل Trezel الذي خلف ديميشيل في حكم وهران ـ فأنزل الأمير به هزيمة منكرة في معركة المقطع، ثم قام الفرنسيون بتوجيه حملة عسكرية بقيادة المارشال كلوزيل Clauzel دمّرت عاصمة الأمير «معسكر» عام 1251هـ/1835م، فاستعادها الأمير وأنزل بهم هزيمة عند مصب وادي تافنا في نيسان عام 1252هـ/1836م وحاصر مدينة تلمسان، لكن الجنرال بوجو Bugeaud فك هذا الحصار، وعقد مع الأمير صلحاً في معاهدة تافنا في20 أيار عام 1253هـ/ 1837م، ونال الأمير بموجبها مكاسب كبيرة، وصار مسيطراً على ثلثي الجزائر، واتسعت سمعته وشهرته.

اهتمَّ الأمير عبد القادر بالجيش النظامي، وأقام له معامل للأسلحة والذخائر، ولا تزال في بعض متاحف باريس نماذج من مدافع نقش عليها أنها صنعت في تلمسان في عهد إمارة ناصر الدين عبد القادر بن محيي الدين. وشيَّد الأمير عدداً كبيراً من القلاع والحصون لحماية البلاد من الزحف الفرنسي.

أنشأ الأمير عاصمة متنقلة، ربما كانت أول مدينة من نوعها سميت «الزمالة» بلغ عدد سكانها 200 ألف نسمة، وهي مدينة من الخيام تنتقل من مكان إلى آخر بحسب الضرورات العسكرية. وكان الأمير يستدعي الأطباء من تونس والمغرب فيقومون بتدريس المتفوقين من الطلاب الجزائريين، ويشارك الجميع في أعمال الإسعاف والمعالجة والمداواة.

واجه الأمير عبد القادر أخطر أيام جهاده حين تعاون سلطان المغرب -عبد الرحمن بن هاشم الضلالي- مع الفرنسيين، وانضمَّت إليهما بعض القبائل وكان ذلك عام 1264هـ/1847م، وكان سلطان المغرب قد تعهد لفرنسة بمعاهدة طنجة (1844م) بقطع المساعدات والمؤن عن الأمير عبد القادر ومساعدة فرنسة بالقضاء عليه أو اعتقاله، كما أرسل إلى زعماء بعض القبائل يحذرهم من تأييد الأمير ويحرضهم على التمرد عليه. ونتيجة لذلك أصبح موقف الأمير في غاية الخطورة، فالأعداء يحيطون به من كل جانب ولم يبق معه إلا نحو ألفين من المشاة وألف ومئتين من الفرسان.

وجد الأمير نفسه مع قواته في أواخر سنة 1264هـ/1847م محاصراً من قبل قوات فرنسية وقوات مغربية ورجال القبائل المتعاونة معهم، فتشاور مع رجاله فكان الرأي أن يفاوض الفرنسيين وأن يعرض عليهم وقف القتال مقابل أن يسمحوا له بالهجرة إلى بلد عربي مسلم مثل عكا أو الإسكندرية. قبلت فرنسة شروط الأمير وتعهدت بعدم التعرض بسوء للسكان وللمجاهدين ومنحهم الأمان على أموالهم وأنفسهم ودينهم، وعدم منع من يريد الهجرة معه من العسكريين وغيرهم فضلاً عن السماح للأمير بالهجرة إلى بلد عربي مسلم.

غدر الفرنسييون بالأمير، فلم ينفذوا ما اتفق عليه، فلم يسمحوا له بالهجرة إلى عكا أو الإسكندرية بل أبحرت به السفينة أسمودوس Asmodeus برفقة أهله وعدد من رجاله بلغوا نحو 88 شخصا متجهة إلى ميناء طولون وذلك في سنة 1264هـ/ أواخر كانون الأول 1847م، وتم نقلهم إلى قلعة لامالق Lamalgue. وحين احتجَّ الأمير على نقض الشروط قيل له إنه تدبير مؤقت ريثما يأتي جواب الدولة العثمانية بالنسبة لسفره إلى عكا، أو رأي حكومة مصر بالنسبة لسفره إلى الإسكندرية. وفي اليوم التالي جاءه الجنرال دوما Daumas يعرض عليه التخلي عن الشروط المتفق عليها بما يتعلق بهجرته مقابل إقامة في فرنسة ضمن ظروف محترمة ومرموقة وفي قصر يليق بمكانته كأمير وحاشية وحرس. لكنَّ الأمير رفض هذا العرض بإصرار شديد.

حدثت ثورة في فرنسة في شباط 1848م أطاحت بالملكية وأعلنت الجمهورية، فكتب الأمير عبد القادر رسالة إلى الحكومة المؤقتة يطالبها بتنفيذ المواثيق الفرنسية وإنقاذ شرف فرنسة وتنفيذ ما كانت قد تعهدت به من السماح بهجرته إلى بلد عربي مسلم. وجاء الجواب بأن الجمهورية غير ملزمة بمواثيق الحكومة الملكية السابقة وأنه يعتبر أسيراً عندها. ونقل الأمير ومن معه من الأهل والرجال إلى قلعة بو Pau وذلك في سنة 1265هـ/1848م وبعد عدة أشهر نقلوا إلى قلعة أمبواز Amboise.

قضى الأمير عبد القادر خمس سنوات في الأسر إلى أن كان شهر تشرين أول سنة 1269هـ/1852م حيث قام الامبراطور الفرنسي نابليون الثالث بزيارته في معتقله، وأبدى أسفه لعدم الوفاء له بما اتفق عليه، ووعده بتنفيذ ذلك قريباً وقدم له سيفاً نقش عليه اسم نابليون الثالث ووجه له دعوة لزيارة باريس، وقد تمت هذه الزيارة وقوبل الأمير ومرافقوه في كل مدينة مر بها باستقبالات تدل على كل تقدير وإعجاب واحترام وكانت زيارته لباريس في سنة 1269هـ/1852م وقد أكرمه لويس نابليون أعظم إكرام وتناول معه العشاء مرتين وأهداه فرساً عربياً أبيض.

أطلق الامبراطور نابليون الثالث سراح الأمير ومرافقيه في كانون أول 1269هـ/1852م وأقلتهم السفينة الفرنسية «لابرادور» في 21 كانون أول، وتوقفت في جزيرة صقيلة حيث قام الأمير وصحبه بزيارة لبعض مدنها ومعالمها ثم تابعت سيرها إلى الآستانة فوصلتها في 7 كانون الثاني 1269هـ/1853م حيث قابل الأمير سلطان الدولة العثمانية عبد المجيد الذي رحب به وعرض عليه اختيار المدينة التي يريد الإقامة فيها، وتم الاتفاق على الإقامة في مدينة بروسه (بورصه) فانتقل إليها وصارت الوفود تأتي لزيارته والسلام عليه. وبقي مقيماً في هذه المدينة حتى سنة 1272هـ/1855م حيث حدثت زلازل في المنطقة فسمح السلطان للأمير بالانتقال إلى بلاد الشام.

سافر الأمير وصحبه بحراً إلى بيروت فوصلها في تشرين الثاني 1273هـ/1856م فاستقبله أعيان لبنان، وبعد إقامة قصيرة، تابع الأمير سفره بالعربات إلى دمشق حيث استقبله الوالي محمود نديم باشا وقدَّم له حصاناً عربياً، وكان الاستقبال الرسمي والشعبي استقبالاً يليق بمكانته وسمعته.

تفرَّغ الأمير في دمشق للناحية العلمية، وغدت داره ملتقى العلماء، وكانت له دروس وندوات علمية يقيمها في داره وفي الجامع الأموي وفي المدرسة الجقمقية. وكان الأمير ميالاً إلى التصوف ومعجباً بالمتصوف الشيخ محيي الدين بن عربي، وقد دافع الأمير عن آراء ابن عربي في كتاب ألفه باسم «المواقف». وله كتاب آخر باسم «ذكرى العاقل وتنبيه الغافل» وكان الأمير ينظم الشعر في المناسبات المختلفة خاصَّةً في التصوُّف والحكمة والحرب والفروسية.

ومن أهم ما قام به الأمير عبد القادر في أثناء إقامته في دمشق، منعه اشتعال فتنة طائفية امتد لهيبها من لبنان عام 1277هـ/1860م وقد جند الأمير رجاله الذين كانوا قد هاجروا من الجزائر، ومنحهم رخصاً لحمل أسلحتهم وكانت الرخصة تحمل العبارة التالية: (حامل تذكرة الأسلحة من عساكر المغاربة المهاجرين) وممهورة بخاتمه باسم «عبد القادر بن محيي الدين». وفتح الأمير بيته وبيوت أفراد أسرته وبعض جيرانه ـ في زقاق النقيب في حي العمارة ـ لإقامة النصارى الذين يخشون الاعتداء عليهم، وعندما ازداد عدد الملتجئين إليه وضع يده على قلعة دمشق حيث آوى إليها الآلاف من أولئك النصارى بحراسة رجاله المسلحين، وقد زاد عددهم على خمسة عشر ألفاً بينهم قناصل الدول الأوربية وأفراد أسرهم الذين استنجدوا بالأمير لحمايتهم. ولم يعرف الأمير خلال أيام الفتنة طعم الراحة والنوم خشية أن تصل يد الاعتداء والأذى إلى هؤلاء، خاصة وأن الوالي التركي أحمد باشا وجنوده ما كان يؤمن جانبهم لمشاركتهم في مؤامرة تلك الفتنة.

انتهت أحداث الفتنة وانهالت على الأمير عبد القادر كتب الشكر ورسائل التقدير والثناء من معظم ملوك العالم وحكام الدول لما قام به من عمل إنساني عظيم وامتلأ صدره بالأوسمة تقديراً لموقفه النبيل، كما أرسلت إليه الهدايا بهذه المناسبة. ومن الدول التي أرسلت إليه الأوسمة والهدايا ورسائل الشكر فرنسة وروسية وبروسية وإنكلترة والولايات المتحدة الأمريكية والدولة العثمانية واليونان.

قام الأمير عبد القادر بزيارة إلى مصر بدعوة من الخديوي إسماعيل لحضور الاحتفال بافتتاح قناة السويس عام 1286هـ/1869م، فكان أحد عظماء العالم الذين دعوا إلى حضور هذا الحدث العظيم.

أنجب الأمير عبد القادر 16 مولوداً عشر من البنين وباقيهم من الإناث. وتوفي في دمشق 19 رجب، وشيَّعته دمشق بما يتناسب مع مكانته المرموقة، ودفن على سفح جبل قاسيون إلى جانب ضريح المتصوف الكبير الشيخ محيي الدين بن عربي.

وفي عام 1382هـ/1962م تحقَّقت آمال الأمير عبد القادر باستقلال الجزائر بعد نجاح ثورتها الكبرى، وتم نقل رفات بطل الجزائر الأمير عبد القادر من دمشق إلى وطنه الأول عام 1386هـ/1966م باحتفال كبير رسمي وشعبي يليق بجهاده ومكانته.

هاني المبارك

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد توفيق المدني، الجزائر، المطبعة العربية (الجزائر1350هـ).

ـ محمد بن  عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر (بيروت 1964م).

ـ يحيى بو عزيز، الأمير عبد القادر رائد الكفاح الجزائري، دار الكتاب الجزائري (الجزائر 1384هـ/1964م).

ـ شارل هنري تشرشل، حياة الأمير عبد القادر، ترجمة: أبو القاسم سعد الله، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع (الجزائر 1982).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد السابع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 587
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1086
الكل : 40489303
اليوم : 19118

المقطعات (فن-)

المقطعات (فن ـ)   المُقطَّعة إحدى أشكال الشعر العربي القديمة، فقد نُظم الشعر على ثلاثة أشكال: القصيدة [ر] بمنهجها المعروف، والأرجوزة بمنهجها وضوابطها وخصائصها، والمقطعة وهي ردة فعل آنية، وتعبير سريع عما يفيض في النفس من مشاعر الحب أو الكره أو الرضا أو الغضب أو الفرح أو الحزن أو الحقد والتهديد والوعيد أو الشكر أو غير ذلك مما تجيش به نفس الشاعر فيبوح به مباشرة، إما لأن الموقف لا يحتمل الانتظار حتى يُنشئ الشاعر قصيدة، لما تتطلبه من أناة وروية وأبيات كثيرة وموضوعات مختلفة يقوم عليها بناؤها الفني، وإما لأن الموضوع لا يحتاج إلى قصيدة ويمكن أن تقوم الأبيات القليلة بما يريد الشاعر أن يعبِّر عنه.

المزيد »