تيبستي (جبال)

أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي

تيبستي (جبال)

تيبستي (جب)

Tibesti Mountains - Tibesti

تيبستي (جبال ـ)

تيبستي Tibesti كتلة جبلية عالية في الصحراء الإفريقية الكبرى، تقع في الجزء الأوسط الشرقي منها، بين دائرتي عرض 24 و19 درجة شمالاً وخطي طول 15 درجة و30 دقيقة، و20 درجة شرقاً، تمتد على مساحة كبيرة قدرها 110 آلاف كم² في الأراضي التشادية والليبية. ولها شكل مثلث ضخم، تتفرع منه أذرع ثلاثة: ذراع باتجاه الشمال الشرقي، فيدخل ليبية في جبل دهون (2286م) وجبل نقي (1650م)، وذراع غربي، تشمخ فيه قمة بركان توسيدِه إلى 3265م، وذراع ثالث يمتد إلى الجنوب، الجنوب-الشرقي، ترتفع فوقه أعلى قمم تيبستي في جبل إيمي كوسي (3415م). وتحد هذا المثلث الجبلي منبسطات الصحراء الحصوية لسرير تيبستي من الشمال، وهضاب وفيافي يَردي وجفجف الكبير من الشرق، وسهول بوركو من الجنوب، ثم هضبة تشيغاي في النيجر من جهة الغرب. وتبرز جبال تيبستي فوق سطح الصحراء الكبرى بعنف، لانحدارات جوانبها الشديد، ولارتفاعها المفاجىء والكبير إلى أعلى من 2000م فوق مساحات تقع دون ارتفاع 500-600 فوق سطح البحر، إذ يصل الارتفاع المتوسط لجبال تيبستي إلى 2500م فوق سطح البحر. وهي غنية بمظاهر تضريسية كثيرة متنوعة وعجيبة.

نشأت جبال تيبستي فوق ركيزة صخرية قديمة من الصفيحة الإفريقية التي تظهر صخورها على السطح في شمالي الجبال، تكونت فوقها هضاب واسعة وضخمة من الحجر الرملي الغني بالشقوق والأخاديد، تعود إلى الحقب الأول وأدنى الحقب الثاني الجيولوجي. وقد ظهرت فوق هذه وتلك، تضاريس بركانية-اندفاعية تتألف من أغشية لابية ومخاريط جبلية بركانية كبيرة وصغيرة، نشأت عن نشاط بركاني من الحقبين الثالث والرابع الجيولوجيين، ومازالت آثاره واضحة في منطقة المياه الحارة والفوارات الغازية في منطقة سوبورم. وفي أعالي جبل توسيده، حيث توجد فوهتان بركانيتان درجة الحرارة فيهما بحدود 30 درجة مئوية على ارتفاع يزيد على 3200م، تخرج غازات بركانية، دليل عدم خمود النشاط البركاني. أما بنائياً (تكتونياً) فقد تحكمت ثلاث وحدات بنائية في تكوين جبال تيبستي وجنوبي ليبية، هي: وحدة حوض مرزوق في الغرب، ووحدة حوض الكفرة في الشرق والشمال، ثم وحدة نهوض تيبستي-سرت بينهما، وبتقاطع هذا النهوض مع نهوض تيبستي-طرابلس يزداد تعقيد بناء وبنية الجبال وتاريخ تطورها منذ حقب ما قبل الكمبري وإبان الحقبين الأول والثاني الجيولوجيين، اللذين ترسبت في أحواضهما طبقات صخرية مهمة، إضافة إلى تأثرها بالحركات البنائية الكاليدونية ذات المحاور الشمالية، الشمالية-الغربية، والحركات الهرسينية ذات المحاور الشمالية، الشمالية-الشرقية. أما في الحقبين الثالث والرابع، فقد رسمت التضاريس البركانية معالم جبال تيبستي الراهنة، إذ غطتها الحمم والمقذوفات البركانية والأغشية المكونة من صخور البازلت والتراخيت والإغنمبريت. وقد تعرضت التضاريس البركانية القديمة نسبياً لعملية الحت والتعرية، حتى ظهرت حشوات مداخنها بارزة على شكل مسلات بركانية، كما في بركان ووبو، في حين حافظت البراكين الحديثة على أشكالها البنيوية الأصلية، ومن أبرزها براكين إيمي كوسي، وتوسيدِه، وتيمي، وسوسو، وعشرات البراكين الصغيرة، إضافة إلى انتشار الكالديرات الانفجارية (الكلدير بركان تعرضت فوهته لانفجار لاحق أو خسف خلّف حلبة واسعة) [ر.البركان]. وأغلب كالديرات تيبستي كبيرة ومن أصل انفجاري متعدد الثورانات. وتكثر في تيبستي الجدران (القواطع) والسدات البازلتية، ولاسيما في منطقة أوزو والشمال، كما تؤلف الأغشية البازلتية هضبات عالية تنمو عليها بعض الأعشاب فتصلح مراعيَ موسمية.

تظهر الصخور الرسوبية المكونة من الحجر الرملي على السطح في الهوامش الجنوبية والجنوبية-الغربية، والشمالية الشرقية للتضاريس البركانية-الاندفاعية. وتنتشر فيها أشكال تضريسية مختلفة، إذ تكثر فيها التضاريس المرافقة للالتواءات والصدوع والشقوق الصخرية من جروف وضلوع وتلال شاهدة ونجود مرفوعة وأغوار خاسفة. أما الأحواض الجبلية فأغلبها نتاج حركات بنائية (تكتونية). ولِقِدم الصخور الرملية عملت فيها التعرية والحت المائي الجاري في حقب ماضية، ائتكالاً وتخديداً وحتاً، وكذلك نشأت موائد وتلال شاهدة.

وتختلف تضاريس صخور الشيست والغرانيت القاعدية القديمة جداً عن ما تقدم، إذ تنتشر في شمالي تيبستي مكونة منبسطات هادئة متموجة وواطئة، تلتحم بسرير تيبستي في جنوبي ليبية، تبرز على سطحها بعض التلال الشاهدة التي نجت من الحت والتعرية.

تكثر في جبال تيبستي الأودية الناشئة عن الحت المائي الجاري سابقاً، فتظهر في الكتل البركانية، راسمة شبكة مجار شعاعية مؤلفة من أودية ضيقة وعميقة وخوانق غنية بالدرجات والجنادل. أما خارج نطاق المخاريط البركانية فتصبح شبكة الأودية موجهة بالشقوق الصخرية والخطوط البنيوية ـ البنائية ومحاور الانحدارات. وهي ضيقة وعميقة في مجاريها العليا، تصبح عريضة وغنية بالرواسب في المجاري الدنيا، حيث تظهر فيها مصاطب تشهد على ماض مطير، ودورات مناخية في الحقبين الثالث والرابع، وخاصة في الأودية الكبيرة، مثل وادي برادغِه، ويبيغِه وور، وزواركِه وشِردا ورافده الأعلى تيغاهام.

وعلى الرغم من تنوع تضاريس تيبستي وانتمائها إلى ماض رطب ومطير، فإنها تصنف في زمرة الأشكال التضاريسية الصحراوية الجبلية، إذ يغلب عليها تأثرها بعمليات الحت والتعرية والنقل والترسيب الصحراوية، التي تظهر جلية بانتشار الرمال والكثبان والأخاديد والحزوز الريحية والدلتات الجافة التي تكثر على الهوامش، ودون ارتفاع 800م فوق سطح البحر.

مناخ تيبستي صحراوي جبلي بارد ليلاً وشتاءً وحار نهاراً وصيفاً، تنخفض فيه درجات الحرارة إلى أقل من الصفر كل ليلة تقريباً، في المستويات الأعلى من 1800م وخاصة في الشتاء. ويبلغ المتوسط الصيفي للحرارة 28 درجة مئوية والشتوي 10 درجات، ومتوسط الفروق السنوية نحو 17-18 درجة. أما الأمطار فنادرة وقليلة جداً لا تزيد على 20مم في السنوات المطيرة. وبالتالي فإن تيبستي جرداء، إلا من أعشاب قليلة هزيلة في الهضاب، وبقايا شجيرات الطلح والسنط والدوم في الأودية الكبيرة وحول الواحات، وكذلك خالية من المياه الجارية، إلا من سيول تسببها أمطار مفاجئة، لا تدوم سوى ساعات، وبعض العيون الصغيرة والقلتات (القلتة: النقرة في الجبل تمسك الماء) وكثير من الآبار، كما أن حيوان تيبستي قليل العدد والأنواع، إذ تعيش فيها بعض الغزلان والوعول والهررة البرية وقليل من النعام، ولاسيما على هوامش الجبال حيث تعيش الخراف البرية، الأروية (الموفلون). وتكثر الحمير البرية العادية في الجبال.

يتألف سكان جبال تيبستي من نحو 45000 نسمة من التوبو، يعيشون في عدد من واحات الأودية والأحواض الجبلية، يعتمدون في معيشتهم على الزراعة المحدودة، ولاسيما زراعة نخيل التمر الذي ينمو على ارتفاع يصل إلى 2800م فوق سطح البحر، وكذلك على تربية الحيوانات. وأهم قراهم وواحاتهم هي برداي وزوار وأوزو. وتُظهر اللقى ورسوم الصخور استيطاناً قديماً للجبال يرجع إلى الألف الرابع ق.م. وقد عاشت المنطقة أحداث الصراع على الحكم في تشاد، كما كانت مسرحاً للنزاع الليبي-التشادي حول شريط آوزو الحدودي، في الربع الأخير من القرن العشرين.

عادل عبد السلام

الموضوعات ذات الصلة:

البركان ـ تشاد ـ ليبية.