logo

logo

logo

logo

logo

سان بطرسبرغ

سان بطرسبرغ

Saint Petersburg - Saint Pétersbourg

سان بطرسبرغ

 

مدينة روسية اسمها الرسمي سان بطرسبرغ Saint Petersburg، الذي استعادته عام 1991، بعدما سُميت بتروغراد  بين عامي 1914ـ1924، ثم لينينغراد بين عامي 1924ـ1991. وهي ثاني مدن روسيا بعد موسكو[ر] وأول مرفأ بحري فيها، وأغنى مدن روسيا بالمعالم التراثية والثقافية والتاريخية، ونواتها مصنفة في قائمة التراث الإنساني العالمي لدى اليونسكو.

تقع مدينة سان بطرسبرغ شمال غربي روسيا على دلتا نهر نيفا Neva الذي ينتهي في خليج فنلندة أحد أذرع بحر البلطيق، عند تقاطع خط العرض 59درجة و55دقيقة شمالاً مع خط الطول 30درجة و19دقيقة شرقاً، أي إنها تبعد عن الدائرة القطبية الشمالية قرابة سبع درجات عرض. ينتشر عمران المدينة على نحو 42جزيرة منبسطة، وعلى ضفتي الخليج ومصب النهر وسهله الفيضي في أرض واطئة معرضة لغمر مياه الفيضانات في الخريف والربيع.

يخضع مناخ المدينة لتأثير موقعها الجغرافي القريب من الدائرة القطبية الشمالية، ولتأثير الكتل الهوائية القادمة من المحيط الأطلسي التي تعدل من حدة حرارتها المنخفضة، ومع ذلك يراوح معدل حرارة كانون الثاني حول - 8 ْم، وحرارتها الدنيا المطلقة تنخفض إلى -40 ْم، فتتجمد مياه نهر نيفا وقنواته بين شهري تشرين الثاني ونيسان. أما في الصيف فتعتدل الحرارة فيصل متوسط حرارة تموز إلى 18 ْم. كذلك يكثر الهطل الذي يبلغ معدله السنوي نحو 584مم في فصل الصيف، الذي يتمتع فيه سكان المدينة بـ(الليالي البيضاء) المضيئة، مقابل ليالي الشتاء الطويلة والباردة حين تغطي الثلوج الأرض مدة 132يوماً في السنة.

عُرف التجمع السكاني الروسي الأول لموقع سان بطرسبرغ اليوم بـ: إنغريا Ingria التي نشأت في أواخر القرن الثامن أو بدايات القرن التاسع للميلاد، وكانت تابعة لمدينة نوفغورود Novgorod الواقعة جنوب شرقيها. ثم أصبحت تابعة لإمارة موسكو في القرن الخامس عشر، لكنها سقطت بيد السويديين عام 1617، فأقاموا فيها عدداً من الحصون والقلاع على امتداد النهر. وفي عام 1703 هاجم بطرس الكبير (1700ـ1721) القلاع السويدية واحتلها وسيطر على دلتا النهر، وأقام قلعة بطرس على جزيرة زاياتشي. ويعد هذا العام البداية الفعلية لقيام مدينة سان بطرسبرغ، إذ أنشئت فيها قلعة كرونشتات وحوض سفن الأميرالية وحولهما مبان كثيرة، وتم التخطيط للمدينة لتكون عاصمة، بدلاً من موسكو عام 1712، على الرغم من بقاء بطرسبرغ تابعة رسمياً للسيادة السويدية، حتى عقد معاهدة السلام بين البلدين عام 1721.

وقد أجبر بطرس الكبير التجار والنبلاء والقواد والعاملين في الدولة على الانتقال إلى العاصمة الجديدة وإعمارها، فأُنشئت فيها الأبنية والمساكن والمؤسسات المختلفة والقصور، ونُظمت بنيتها التحتية والقنوات والجسور التي زاد عددها على 365جسراً، كذلك ربطت المدينة بالداخل الروسي بطرق ملاحية نهرية عن طريق قناة فيشنفولوتسكي Vyshnevolotsky، ونمت فيها الصناعات مثل صناعة السفن والبارود والورق والمواد الغذائية والألبسة وغيرها. وما حلت نهاية القرن الثامن عشر حتى أصبح عدد سكان سان بطرسبرغ 220000نسمة ثلثهم من القوات المسلحة والعاملين في الدولة.

قلعة بطرس ـ بول وكاتدرائيتها في سان بطرسبورغ

استمر نمو المدينة وتطورها عاصمة ومركزاً صناعياً وتجارياً حتى أصبح فيها أكثر من 100مصنع للمعادن وورشات لصنع السفن، وافتتح ميناؤها الجديد (1885)، وانتشرت فيها المصارف والمؤسسات المالية والاقتصادية الروسية والأجنبية أواخر القرن التاسع عشر.

شهدت سان بطرسبرغ أحداثاً سياسية مهمة في التاريخ الروسي أبرزها ثورة الديسمبريين (كانون الأول 1825) التي فجرها الصراع حول التاج القيصري، ثم ثورة كانون الثاني من عام 1905 وزحف الجماهير على القصر الامبراطوري الشتوي، والمذبحة التي حصلت حين فتح الحرس الامبراطوري النار على الجماهير فيما عرف بيوم «الأحد الدامي». لكن أهم الأحداث، هو انطلاق ثورة عام 1917 التي جاءت بالبلاشفة إلى الحكم، إذ كانت المدينة مسرحاً لأكثر أحداث قيام روسية الشيوعية حتى انتقال العاصمة منها إلى مدينة موسكو عام 1918، من دون بقائها بعيدة عن تطورات بناء الاتحاد السوڤييتي السابق. وفي المدة بين 1941ـ1944 عانت سان بطرسبرغ الكثير من الحرب العالمية الثانية، إذ حاصرتها القوات الألمانية (باستثناء ممر واحد) وقطعت عن سكانها التموين والإمدادات، كما قصفت المدينة ودمرت نحو 10000مبنى فيها، وقُدر عدد من مات جوعاً ومرضاً وقتلاً من سكان المدينة بنحو مليون نسمة. وقد عملت الدولة على إعادة بناء ما خربته الحرب، حتى داهمت البلاد أحداث التحول من الشيوعية إلى الرأسمالية وانهيار الاتحاد السوڤييتي قبل إزالة آثار الدمار كلياً. وتعيش سان بطرسبرغ بعد عام 1991 المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الأخلاقية المتردية، وكذلك التلوث الناجم عن الصناعة وارتفاع أعداد السيارات والمركبات وازدياد الازدحام، إضافة إلى الفيضانات المتكررة على الرغم من إجراءات التخفيف من حدتها.

يغلب الروس على سكان المدينة، إضافة إلى بقايا جاليات أجنبية كانت تقطنها قبل ثورة عام 1917 من البولنديين والبلطيقيين والألمان والتتار والصينيين، وجاليات قصدتها بعد الثورة من الأوكرانيين والبيلوروسيين وقوميات الاتحاد السوفييتي السابق، وكانت مقصد الريفيين الروس ومازالت منتهى هجرة أعداد كبيرة منهم، لدرجة فاقت معها أعدادهم أعداد السكان الأصليين، ويعمل أكثر من 52% من العاملين من السكان في القطاع الصناعي، الذي يستأثر بمعظم النشاطات الاقتصادية في المدينة. وتشير الإحصاءات إلى تراجع أعداد السكان نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العقد الأخير (1991ـ2000). ويقدر عدد سكان سان بطرسبرغ بنحو 4837000نسمة عام 1997، وبنحو 5149689نسمة مع سكان الضواحي. ويدين السكان بالنصرانية على المذهب الأرثوذكسي إضافة إلى قلة من الكاثوليك واليهود، وفيها جالية إسلامية مهمة نسبياً، أغلب أفرادها من التتار.

سان بطرسبرغ مدينة متنوعة الوظائف فهي إدارياً وسياسياً وريثة عاصمة روسيا القيصرية لقرنين (1712ـ1918) وموطن أحداث سياسية تاريخية مهمة. وهي ثقافياً وفكرياً مركز جامعة عريقة (1819)، ونحو 200معهد علمي وتقني و40كلية وعدة مكتبات أهمها المكتبة الروسية الوطنية (1795) ومكتبة أكاديمية العلوم (1789)، وهي مقر الأكاديمية بذاتها. وللمدينة دور عريق في نشر الثقافة، ظهر فيها كُتّاب كبار وأدباء ذوو أعمال عالمية أمثال دوستويفسكي وغوغول وتورجنيف، ولها إسهام مميز في تطور الفنون من رقص وموسيقى ومسرح، تشهد عليه أعمال تشايكوفسكي وشوستاكوفتش وغيرهم، وفيها كذلك المسارح والمتاحف التي يتصدرها متحف الأرميتاج (1764)، وهي مقصد الباحثين عن المتعة السياحية التاريخية والثقافية والمعمارية ومنجزات أعلام أوربا في الفن والعمارة في العهد القيصري المتأخر (1700ـ1917). وعلى الرغم من أهمية هذه الوظائف، فإن الوظيفة الاقتصادية، ولاسيما الصناعية منها، هي أهم وظائف سان بطرسبرغ، فهي عريقة في صناعاتها المتنوعة التي بدأت مع بناء حوض السفن في العقد الأول من القرن الثامن عشر، وتحول مساحات مهمة من وسط المدينة إلى منشآت صناعية. وكان معمل البورسلان البطرسبرغي (1744) المشهور أحدها. وفي المدينة اليوم صناعات رائدة أهمها صناعة الآلات الثقيلة والعنفات والمولدات والجرارات والحفارات، وكذلك الصناعات الإلكترونية والنسيجية والكيمياوية وصناعة الأدوية والأثاث والورق والتبغ إضافة إلى صناعة السفن والناقلات ومحطمات الجليد وسفن الصيد. كذلك تمارس المذينة وظيفة تجارية، وهي ملتقى خطوط المواصلات مع الداخل الروسي والعالم الخارجي، عن طريق مينائها البحري والنهري الذي يتصل بالبحر الأسود وآزوف وبحر الخزر وبالبحر الأبيض في الشمال بوساطة القنوات النهرية التي تنتشر في أنحاء روسيا الأوربية. وفي سان بطرسبرغ تلتقي خمسة خطوط حديدية رئيسية، وطرق جيدة للسيارات، وفيها شبكة قطار أنفاق (مترو) منذ عام 1955، إضافة إلى وسائط النقل العامة الأخرى، كما تتصل بأنحاء روسيا والعالم جواً عن طريق مطار بولكوف الواقع جنوبها.

تأثر مخطط المدينة وعمرانها بجغرافية المنطقة وتضاريسها ومياهها، إذ سمح السطح المنبسط والسهلي بامتداد العمران بسهولة. لكن المياه متمثلة بالنهر والخليج والمستنقعات والجزر عند الدلتا فرضت على المدينة مخططاً ينسجم مع محاور النهر وعشرات القنوات المتفرعة عنه، فأخذ مع توسع المدينة ونموها شكل حدوة فرس تحيط بالخليج من الشمال والشرق والجنوب، ويعبرها النهر والقنوات الكثيرة التي كانت وراء تسمية المدينة «بندقية الشمال».

تقسم المدينة إلى 21وحدة إدارية تضم خمس ضواح، تنتشر على مساحة نحو 1500كم2، تؤلف أربعة أحياء رئيسية هي: الأميرالية، وجزيرة فاسيليفسكي، وبتروغراد، وفيبورغ، أهمها حي الأميرالية الواقع جنوب نهر نيفا، الذي يعد النواة الأولى الفعلية للمدينة، وتكثر فيه المعالم والصروح التاريخية والثقافية، ففيها القصر الشتوي مقر القياصرة والقصر الصيفي المبني على نمط الباروك، وحوله الحديقة الصيفية بتماثيلها الـ250، ومتحف الأرميتاج الضخم والغني بمحتوياته، وفي هذا الحي ساحة الديسمبريين وتمثال القيصر بطرس الكبير ممتطياً الحصان، ومنه يتفرع أهم شارع في المدينة، شارع نفسكي الغني بمبانيه الفخمة وقصوره وكنائسه ومؤسساته التجارية ومخازنه ومطاعمه ومسرح بوشكين، وفيه مجمع سمولني المعماري.

أما حي فاسيليفسكي في الجزء الشمالي الغربي من وسط المدينة ففيه الكثير من المنشآت الثقافية والعلمية مثل الجامعة وأكاديمية العلوم وأكاديمية الفنون ومتحف الآداب ويُعرف ببيت بوشكين، والمتحف البحري وغيره. ويضم حي بتروغراد معالم تاريخية أهمها قلعة بطرس ـ بول وكاتدرائيتها التي تضم مدافن معظم القياصرة. ويقوم شمال شرقي المدينة حي فيبورغ الذي تطور إلى منطقة صناعية، ومن أبرز معالمه محطة فنلندة للقطارات، وشارع كارل ماركس الذي يضم كاتدرائية سان سامبسون.

وتنتشر حول سان بطرسبرغ عدة ضواح، يبتلعها توسع المدينة، أشهرها ضاحية بترودفورتس ذات الحدائق والمدرجات، وتضم القصر الكبير الباروكي الطراز (1714ـ1728) المطل على الشلال الكبير وتمثال شمشون والأسد. ثم ضاحية بوشكين وفيه قصر كاترين (1717ـ1723) والقرية الصينية والليسية، ثم ضاحية بافلوفسك وقصورها وحدائقها، وضاحية غوتشينا وفيها قصر وحديقة غنية بالتماثيل والمنحوتات الجميلة. ويقصد سكان المدينة ضواحيها للراحة والاستجمام، ولكثيرين من أغنياء القوم بيوت استجمام (داتشا) فيها.

عادل عبد السلام

الموضوعات ذات الصلة:

 

الاتحاد السوفييتي ـ روسيا.

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد العاشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 613
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1098
الكل : 40544100
اليوم : 73915

التعزيز في علم النفس

التعزيز في علم النفس   التعزيز reinforcement مصطلح في علم النفس استخدمه أول مرة إيفان بافلوف[ر] وتبناه جيمس واطسن[ر]، مؤسس المدرسة السلوكية في علم النفس، وتوسع به بورس فردرك سكنر[ر] في «علم التعلم وفن التعليم» لضبط السلوك بأساليب جذابة بدلاً من الأساليب القهرية. وطبّق مفهومه إدوارد ثورندايك[ر] في علم النفس الربطي، كما طبقه أصحاب المدرسة الغشتالتية في علم النفس، والمدرسة المعرفية الحديثة في مفهوم التغذية الراجعة feedback الشائع أيضاً في نظرية النظم الشمولية في التربية، والمعلوماتية والسبرانية الحاسوبية، وهناك أبحاث حديثة في علم الأحياء كشفت عن أثر هرمون الدوبامين[ر] dopamine الذي يفرزه الدماغ في زيادة المتعة واللذة من ثم في التعزيز للتحكم بسلوك الكائنات الحية، وأثره أيضاً في إدمان الخمر والتدخين والمخدرات وغيرها. ولابد من استعراض موجز لدور التعزيز الإيجابي والسلبي أو التغذية الراجعة الإيجابية والسلبية في التحكم بسلوك الحيوان والإنسان، ولكن الإنسان القديم استخدم دور التعزيز بالطعام والشراب واللمس في تهجين الحيوانات وتدريبهاعن طريق الغذاء والماء والجنس، وفقاً للفروق النوعية بين الحيوانات وهي معززات أولية، وهناك معززات أخرى بديلة تسمى ثانوية، كما أن هناك معززات تقوي السلوك في كل موقف وتسمى المعززات المعممة مثل المال الذي يلبي حاجات الإنسان الأساسية والثانوية. وهكذا يتناوب على التحكم بسلوك الإنسان قطبان من المعززات الإيجابية والسلبية يعبر عنها بعبارات التعزيز والتعزير، والثواب والعقاب، والجنة والنار وما شابه ذلك من التحكم بالسلوك عن طريق الرحمة والرفق والإحسان مقابل النقمة ونظيرتها من المصطلحات السلبية، واستخدمت هذه المصطلحات متوازنة بالسلوك في الديانات اليهودية والمسيحية والإسلامية، وفي الأمثال والحكم الشائعة بين الشعوب. والمهم هو في تنويع المعززات واستخدامها في جداول زمنية وعملية.ويستخدم التعزيز في علم النفس المرضي لمعالجة الشذوذ النفسي والاضطرابات النفسية[ر] كالفصام [ر] والاكتئاب النفسي[ر]، وظهر هذا واضحاً في استخدام الدوبامين في اللذة والألم النفسي[ر] وإدمان الخمور والتدخين والمخدرات في الأبحاث الحديثة في علم النفس المرضي والعلاج السلوكي المعرفي. ولذلك يميل المعالجون الطبيون والنفسيون إلى الجمع بين تقنيات التعزيز في الطب وعلم النفس السلوكي والمعرفي معاً في منظومة جامعة شاملة موحدة، وضمن وصفات دقيقة في العلاج الطبي النفسي. ويقصد بالتعزيز الإيجابي كل ما يزيد من احتمال السلوك الذي يحدث بعد إعطائه في زيادة حدوث السلوك نفسه بالمستقبل. والتعزيز السلبي كل ما يزيد من احتمال السلوك الذي يحدث بعد سحبه في زيادة حدوث السلوك نفسه بالمستقبل. والعقاب الإيجابي هو إعطاء الأشياء الكريهة أو (المعزز السلبي) التي تؤدي إلى الهروب من المشكلة أو تجنبها أو الوقاية منها، أو خشية الوقوع بها في المستقبل. والعقاب السلبي هو حرمان الكائن الحي من أشياء ممتعة أو لذيذة كالحرمان من الطعام والشراب والكساء والجنس وغيرها من الأشياء الممتعة لكل إنسان. ويتحول العقاب الإيجابي والسلبي، الذي يهرب منه الكائن الحي من معزز سلبي إلى تعزيز سلبي يتقيه الإنسان لتجنب المكاره. ونتائج التعزيز قد تكون مباشرة فورية أو مؤجلة. وقد يكون الخمر والقمار والمخدرات ذات نتائج لذيذة مباشرة، لكنها مؤلمة على المدى البعيد، ولذلك لا تكون جميع نتائج التعزيز الإيجابي إيجابية دائماً. وقد يحتاج تطبيقها إلى دراسات معمقة ومعقدة، وفق الفروق الفردية التابعة لتاريخ التعزيز لدى الفرد. وتتوجه اليوم مؤسسات التعليم والعدلية والأمن والشرطة إلى الوقاية أكثر من العلاج، وإلى تخفيف العقاب لأغراض إنسانية وحضارية، وللتحكم بالسلوك بتقنيات جذابة أكثر منها نابذة، واستخدام جداول التعزيز الموزعة حسب الزمان وعدد الأعمال. دور التعزيز في التحكم بسلوك الحيوان والإنسان تدريب الحيوان: قامت محاولات عدة لتدجين الحيوانات وتدريبها. فحوّل الإنسانُ الذئابَ الشرسة إلى كلاب تخدم أغراضه، وهجّن حيوانات كثيرة شرسة ونباتية كالنمر إذ حوّله إلى هر، والحصان البري إلى أليف والبقر الجاموس والجمل والفيل والحمار، واستخدمها لأغراضه الخاصة، ودرّب حيوانات عدة لأغراض عروض السيرك والألعاب البهلوانية، أو للتمثيل بالسينما والتلفزيون والفيديو. وتتم آلية التدريب بمراقبة سلوك الحيوان وإعطاء التعزيز أو المكافأة فور قيام الحيوان بالعمل المرغوب فيه، ويزداد احتمال حدوث العمل، ويتعقد سلوكه وفق البرنامج التدريبي، وهذا ما طبقته مدرسة دورف Dorov في تدريب الحيوان في روسية، ومدرسة سكنر وغيره في تدريب الحيوان بألعاب السيرك وأعمال أخرى مفيدة يمكن متابعة تجاربها في برامج التلفزيون والفيديو المتعددة. تدريب الأطفال: يمكن تدريب الأطفال بالتعزيز (وقد يتم بعضها وهو جنين في بطن أمه كالتدريب على الطرب للموسيقى) والقيام بالإشارة المطلوبة بتعزيزها أو النطق المناسب للغة الأطفال والكبار، وكذلك تدريب الأطفال على أعمال يومية مثل ضبط البول والتبرز، والقيام بالنظافة الجسمية والبيئية في المنزل والمدرسة والحي. ويتدرج التدريب بالتعزيز في برامج يعدها الكبار للأطفال أو من خلال لعب الأطفال ضمن برامج الحاسوب. ويتم التدريب بالتعزيز في الروضة والتعليم الابتدائي على التحكم بسلوك القراءة والكتابة والحفظ والمطالعة والمناقشة وعصف الدماغ والإبداع، وكذلك تعلم العلوم اللغوية والإنسانية والرياضيات والعلوم الطبيعية والاجتماعية والمعلوماتية لجميع الأطفال، وخاصة المعوقين، والحرجين والمنطويين. ويفضل بتدريب الحيوان والأطفال استخدام المعززات فوراً بعد العمل في بداية التدريب، ثم تأجيلها إلى جداول تعزيزية تضبط السلوك بتوابع التعزيز. التعلم يعد التعزيز أهم مكون في عمليات التعلم في مختلف الأعمال والمستويات، سواء بتعلم بسيط لضبط سلوك الغدد والعضلات الملساء في الكائنات الحية ونشاطها، بالتعلم الإشاري أو بتعلم إجرائي متسلسل يتناول العضلات المخططة والعقل، يطور فيها الإنسان بيئته الطبيعية والاجتماعية. ويؤكد التعزيز بالتعلم سلاسل الأعمال المعقدة التي يعزز كل سلوك لاحق فيها بالسلوك السابق له، سواء في المعلومات أم المهارات المعقدة، وكذلك يستخدم في طريقة التعلم الذاتي المبرمج بالكتاب والحاسوب لمواد متعددة. العلاج السلوكي المعرفي والطبي يستخدم التعزيز العضوي (الدوبامين) وفي تنبيه مراكز اللذة عند الحيوان والإنسان مما يزيد من احتمال السلوك الذي يأتي بعد التعزيز مباشرة، أو يتوقع حدوثه في المستقبل. وقد أمكن، باستخدامه في شروط مضبوطة وجيدة، التحكم في علاج أمراض نفسية عدة مثل العقد النفسية والفصام والاكتئاب ونسيان الكبار أو الخرف في مرض الزهايمر)، وأمراض عضوية كالارتعاش (مرض باركنسون)، ومازالت الأبحاث جارية لمعالجة أمراض أخرى. التعزيز في المشكلات المعقدة يستخدم التعزيز في معالجة المشكلات المعقدة بالتقدم التدريجي خطوة خطوة في حل المشكلات السياسية أو الاجتماعية المعقدة كما يستخدم في الحروب الكونية، ولهذا لجأت اليونسكو في ميثاقها الأساسي إلى محاولة تجنب الحروب بالتربية الإنسانية والعالمية، والتعاون بين الدول. كما لجأت الدول الكبرى إلى استخدام المال والمعلومات والسلاح لضبط سلوك الدول الصغيرة. وقد يستخدم في معالجة مشكلات طارئة خطرة كالعمليات الإرهابية في خطف الطائرات والسيارات والأشخاص وفي المفاوضات السياسية على المشكلات المعقدة، ولذلك لا يعطى التعزيز إلا بعد قيام الجانب الآخر من المفاوضات بإرضاء وتعزيز الجانب المفاوض الأول بتلبية مطالبه، وعندما تتوازن الظروف يتفق المفاوضان والوسطاء بينهما على التزامن في الحلول لينال كل جانب المعززات المناسبة له، وغالباً ما تكون هذه الحلول تنازلاً عن بعض المنافع، لنيل منافع أخرى يراها كل جانب مناسبة له. وتستخدم جداول التعزيز أيضاً في عمليات المغامرات والمقامرات الاحتمالية أو المحسوبة. ويبدو من مختلف النظريات والتطبيقات المستخدمة في التعزيز أنه صار تقانة لضبط سلوك الإنسان والتحكم به في حالات السلوك السوي والشاذ، ولذلك لابد من التعمق في دراسته للاستفادة منه في الحياة اليومية.   فخر الدين القلا   الموضوعات ذات الصلة:   بافلوف ـ ثورندايك ـ دوبامين ـ واطسن.   مراجع للاستزادة:   ـ ب. ف. سكنر، «تكنولوجية السلوك الإنساني»، ترجمة عبد القادر يوسف، سلسلة عالم المعرفة 32 (آب 1980، الكويت). ـ فخر الدين القلا، أصول التدريس (مديرية الكتب الجامعية، جامعة دمشق).
المزيد »