logo

logo

logo

logo

logo

التطور الحيوي

تطور حيوي

Biological evolution - Biologie de l'évolution

التطور الحيوي

 

يلاحظ المتأمل في الطبيعة، الترتيب التدريجي المتسلسل بين الكائنات الحية، سواء من النواحي البنيوية أو الوظيفية. وقد تساءل الإنسان منذ القدم عن هذا التسلسل وإمكان نشوء الكائنات بعضها من بعض. إن هذا الموضوع قد عالجه الكثير من الفلاسـفة وعلماء التاريخ الطبيعي، بدءاً من الصينيين القدماء (كونفوشـيوس Confucius)، ومن ثم اليونانييـن في القرون الوسـطى مثل أرسـطو (384- 322 ق م) Aristotle، لكن الحديث آنذاك كان يتطرق إلى أصل الحياة، أما فكرة التطور فكانت مجرد تخمينات وتساؤلات وتلميحات من بعيد.

شواهد التطور

لاحظ الكثير من العلماء بعض المشاهدات، وعدّوها شواهد على ما يمكن عدّه تطوراً قد حدث في العصور الغابرة، من هذه ماينتمي إلى علم المستحاثات (الحفريات)، ومنها ماينتمي إلى علم الجنين[ر] أو التشريح المقارن أو الكيمياء الحيوية.

ـ شواهد علم المستحاثات: لاحظ بعض العلماء تسلسل أشكال الكائنات الحية عبر العصور المختلفة، وارتباط المجموعات الحيوانية بعضها مع بعض بأشكال متوسطة. فعدّوا ذلك شاهداً على حدوث التطور، من أشهر الأمثلة على هذا التسلسل المجنح القديم Archeopteryx (الشكل-1) الذي عدّ جسراً بين الزواحف والطيور، ومثال سلسلة أجداد الحصان الحالي، التي تزودنا بأفضل الأمثلة عن التكون السلالي phylogeny الذي بني بكامله استناداً إلى السجلات المستحاثة في الطبقات الرسوبية في شمالي أمريكة، منذ بدايات حقبة الأيوسين حتى اليوم، إذ تعود أقدم المستحاثات المعروفة الشبيهة بالحصان إلى جنس Hyracotheriumالذي انتشر كثيراً في شمال أمريكة وأوربة في بداية الإيوسين، وقد انقرض في بداية الأوليغوسين، إلا في شمالي أمريكة. وكان صغير الحجم خفيف البنية متكيفاً مع الجري وذا أطراف قصيرة أسطوانية الشكل متطاولة الأقدام، وكانت لـه أربعة أصابع في الطرفين الأماميين وثلاثة في الطرفين الخلفيين.

تصور علماء المستحاثات أن المسار التطوري للأحصنة من الـ Hyracotherium إلى الحصان الحالــي Equu، يتضمن اثني عشر جنساً وعدة مئات من الأنواع. ويبين الشكل 2جنس واحد، ساد في كل حقبة من الزمن الحديث. ويبدو أن جميع الأحصنة الحديثة قد انحدرت من الـ Pliohyppus. ونشأ الجنس الحالي Equus في شمال أمريكة في عصر البليستوسين، وهاجر إلى أوربة وآسيا وأفريقية، حيث أعطى الحمير وحمير الوحش بالإضافة إلى الحصان الحديث. والغريب في الأمر أن الحصان الذي عاش في شمالي أمريكة ملايين السنين انقرض من هناك منذ آلاف السنين، في وقت تصادف مع وصول الإنسان، حتى أعيد إدخاله من الإسبان منذ 500 سنة تقريباً.

ـ شواهد علم الجنين: وَضَّح علم الجنين أيضاً كثيراً من الوقائع التي تسهم في تأييد التطور، فقد لوحظ تشابه كبير في مراحل التطور الجنيني التي تمر بها الفقاريات، ويبين الشكل 3 مراحل التشكل الجنيني التي تمر بها ثلاثة صفوف فقارية هي الزواحف والطيور والثدييات، الأمر الذي يعزوه بعضهم إلى أن التكون الجنيني الفردي يكرر التاريخ التطوري للمجموعات الفقارية المختلفة. مثال آخر يستمد التطور شواهده منه، هو تطور قلب الثدييات، فقلب الثدييات له بنية قلب الأسماك؛ إذ يكون أولاً مجهزاً بأذينة واحدة وبطين واحد، ثم تظهر أذينة ثانية ليصبح شبيهاً بقلب الضفادع، ثم يظهر في البطين غشاء يقسمه بشكل غير كامل إلى بطينين، كما في قلب الزواحف، لا يلبث هذا الغشاء الفاصل أن يكتمل لدى الطيور والثدييات، ليتشكل بطينين كاملي الانفصال، بالشكل الذي يشاهد الآن لدى هذه الحيوانات. فكأن قلب الثدييات يمر، قبل وصوله إلى شكله المعروف في الحيوان البالغ، بمرحلة قلب السمك ثم الضفادع ثم الزواحف، مكرراً تاريخ تطور أسلافه في الأزمان الغابرة.

ويمكن مشاهدة تدرج التشكل الجنيني لمختلف المجموعات ضمن المملكة النباتية أيضاً، لكن الأمثلة هنا أقل توثيقاً مما هي عليه في المملكة الحيوانية، فالنبات العرسي المشيجي gametophyte الأول للطحالب والسراخس، ممثلة بالخيط الابتدائي protonemaالناتج عن إنتاش البوغة، مماثلة من حيث البنية والفيزيولوجيا ونمط النمو، لما نجده في الطحالب الخضراء الخيطية، التي يعتقد لذلك أنها تشكلت منها، كما يمكن أن يعد مبدأ تعاقب الأجيال في دورات حياة النباتات والتنوعات المتماثلة المتعلقة بها والتي تعكس تكيفات مع ظروف بيئية متنوعة، أمثلة للتماثل، وتقدم شواهد إضافية على العلاقات التطورية بين المجموعات النباتية. 

ـ الشواهد التشريحية: طَرَحَ تشريح الكائنات الحية أمام علماء الحياة عدة مسائل ما كانت لتحل لولا المعطيات التطورية، إذ تَظهر المادة الخلوية في البدء  في أجنة الصفوف المختلفة من الحيوانات بأشكال متقاربة. ولكن بعد مرحلة معينة تتطور بأشكال مختلفة، لتقوم بوظائف مختلفة، كجناح الطائر والطرف الأمامي للإنسان، وأطراف الثدييات المختلفة التي يختلف شكلها بحسب الوظيفة التي تنجزها، وعنق الزرافة الطويل المؤلف من سبع فقرات فقط، الذي يماثل عنق فرس النهر الذي يتكون أيضاً من سبع فقرات، الأمر الذي يشير إلى التكيفات لظروف البيئة المختلفة التي تحققها هذه الأعضاء.

وفي الوقت نفسه يمكن أن نتكلم عن اختفاء بعض الأعضاء أو توقفها عن التشكل أو بقائها بشكل أثري في الفرد البالغ. فعند الحيّات يمكن ذكر الأطراف الأثرية، وغيرها، وكذلك أجنة الحشرات التي تحمل زوائد تُذَكِّر كثيراً بأرجل كثيرات الأرجل وتختفي في الحيوان البالغ.

ـ شواهد الكيمياء الحيوية: تشترك الكائنات الحية، مهما كان نوعها، بعدد كبير من المركبات الكيميائية كالحموض النووية[ر] والحموض الأمينية والبروتينات والسكريات والأملاح المعدنية وغيرها. وعدّ التماثل الكيميائي في هذه المواد في الكائنات المختلفة شاهداً على تماثل أصلها التطوري. وعدّ بعضهم تشابه البنية الكيميائية شاهداً على وجود صلة قربى بين المتعضيتين المعنيتين، وبالعكس تمثل الفروق الكبيرة في البنية الجزيئية قرابة أقل. وبعد أن تطورت تقنيات التحاليل الكيميائية الحيوية، وُظِّفَت هذه التقنيات لتسليط الأضواء على الأفكار التطورية وشَرحِ مدى تأييدها لها. تضمنت معظم البحوث في هذا المجال تحليل جزيئات الحموض النووية وخاصة الـدنا D.N.A، وبيان مدى التشابه في تسلسل عناصره في المتعضيات المختلفة.

كما قدمت البحوث المناعية شواهد على إمكانية وجود روابط تطورية سلالية بين الكائنات، من خلال عمل المستضدات antigens والأضداد antibodies. ووَضّحَ ذلك الكثير من نقاط الغموض السلالية الموجودة لدى الثدييات، منها التفريق بين الشعب الحيوانية، مثلاً، بين ذوات الجوف  العام التقسمي Schisocoelomata (الحلقيات والرخويات ومفصليات الأرجل) وذوات الجوف العام المعوي Enterocoelomata (شوكيات الجلد والحبليات) بتحليل جزيئات الـ(أ.ت.ب.A.T.P) التي تحوي في ذوات الجوف العام التقسمي فسفات الأرجينين،  بينما تحوي في ذوات الجوف العام المعوي فسفات الكرياتين.

فرضيات التطور

1ـ التطور بحسب «لامارك» Lamarck: اقترح البيولوجي الفرنسي لامارك عام 1809 فرضيته عن التطور على أساسين اثنين: استخدام الأعضاء وعدم استخدامها، وتوريث الصفات المكتسبة؛ فالتبدلات في الوسط المحيط، بحسب لامارك، يمكن أن تؤدي إلى تبدلات في السلوك، الذي يحتم استخداماً جديداً لبعض الأعضاء أو استخداماً متزايداً لها، أو عدم استخدامها. فالاستخدام المتزايد، يؤدي، بحسب لامارك، إلى زيادة في الحجم والكفاءة، بينما يؤدي عدم الاستخدام إلى الضمور وعدم النمو. واعتقد لامارك أن هذه الصفات المكتسبة في أثناء حياة الفرد يمكن توريثها بحيث تنتقل إلى الذرية.

وطبقاً للاماركية، كما عرفت الفرضية بهذا الاسم، فإن الرقبة الطويلة للزرافة الحديثة كانت نتيجة أجيال من أسلافٍ قصيرة الرقبة والأطراف، تتغذى بأوراق أشجار تتدرج في الارتفاع، وأن الرقبات والأطراف الأطول بقليل الناتجة في كل جيل انتقلت إلى الجيل التالي، حتى وصل الأمر إلى الحجم الحالي في الزرافة الحالية.

ومع أن فرضية لامارك ساعدت في تمهيد الطريق لقبول مفهوم التطور، فإن آراءه في آلية التبدل لم تلق قبولاً واسعاً على الإطلاق.

«داروين» و«والاس» وأصل الأنواع والانتخاب الطبيعي: جمع «داروين» أثناء رحلته المشهورة بين عامي 1831 و1836 على السفينة H.M.S.Beagle لأمريكة الجنوبية، كمية كبيرة من المعطيات المتعلقة بالتنوع القائم بين الكائنات فيها، أقنعته بأن الأنواع متغيرة وليست ثابتة، وأن التنافس الشديد بين الأفراد هو الذي يُبقي الأصلح ويحذف الأقل تلاؤماً. الأمر الذي يبقي عدد الأفراد ضمن الجماعة ثابتاً نسبياً.

وفي الوقت نفسه خَلُصَ عالم الطبيعة «والاس»، الذي قام برحلات استطلاعية إلى جنوب أمريكة وأرخبيل الهند الشرقي، إلى استنتاجات داروين نفسها فيما يتعلق بالانتخاب الطبيعي. وفي عام 1859 نشر «داروين» أفكاره وأفكار «والاس» في كتابه «حول أصل الأنواع بالانتخاب الطبيعي» On the Origin of Species by Natural Selection، إذ ذكر فيه أن الانتخاب الطبيعي هو الآلية التي تنشأ بها أنواع جديدة بدءاً من أنواع كانت موجودة سابقاً. وهكذا يعتقد «داروين»:

1ـ أن الكثير من الأفراد تخفق في البقاء أو التكاثر بسبب وجود «معركة من أجل البقاء» ضمن تلك الجماعة.

2ـ أن في هذه المعركة لا يبقى إلا الأفراد التي تُبدي تكيفاً مع الوسط أكثر من غيرها، وتنتج ذرية أكثر عدداً من تلك الأقل تكيفاً. بكلمة أخرى إن الحياة، بحسب داروين، يتدخل فيها الوسط، الذي ينتقي الصفات المتلائمة معه ويبقيها، ويُزيل الصفات غير المتلائمة، فالتنافس هو الذي يتدخل ليبقي الأصلح دوماً.

3ـ وجهات النظر الحديثة في التطور: توسعت فرضية  تطور الأنواع التي اقترحها «داروين»، وذلك بشرحها آلية توريث الصفات الجديدة من خلال أعمال ماندل Mendel وملاحظاته حول وراثة الصفات وآلية التوريث. ففي نهاية القرن التاسع عشر درس الراهب النمسوي ماندل نمو ضروب مختلفة من البازلاء، واكتشف، نتيجة ذلك، أسس علم الوراثة، وفسر آلية انتقال الصفات من السلف إلى الخلف.

وفي عام 1892 قدم عالم النبات الهولندي هوغو دوفريس Hugo De Vries فكرة الطفرات mutations التي تظهر فجأة في الكائنات الحية نتيجة تغير مفاجيء في بعض الجينات (المورثات).

وهكذا أُدخِلَت الأفكار الوراثية إلى نظرية داروين، فكان مايعرف الآن باسم «الداروينية الحديثة» Neo-Darwinism، التي تعني ضمناً التطور العضوي عن طريق الانتخاب الطبيعي لصفات محددة وراثياً.

على أي حال تعتمد فرضيات التطور على شواهد تقدمها مجموعة من المصادر والملاحظات غير المباشرة، ويشكِّل ذلك عند الكثير من العلماء أدلة تدعم صحة الفرضيات، وتلاقي قبولاً واسعاً بين العلماء، لكن ما يزال هناك الكثير مما يجب القيام به لتأكيد هذه الفرضيات. لذلك لامناص من القول إن جميع الروايات والفرضيات والنظريات العلمية الخاصة بتاريخ الحياة ليست قاطعة، إن بعض الحوادث المقدمة دلائل على نظرية التطور يمكن أن تجري مرة واحدة في ظروف تجريبية، ولكن ذلك لا يدل ولا يؤكد حدوث ذلك في الماضي. إنها تشير بكل بساطة إلى أنه من الممكن أن تكون هذه الحوادث قد حدثت بهذه الطريقة، والنقاش الحالي المتعلق بالتطور لا يهتم بأمر حدوث التطور بل يهتم بحدوثه طبقاً لانتخاب طبيعي كطفرات تولدت عشوائياً. يقول داروين في كتابه «أصل الأنواع»: «عندما ننظر إلى الحياة بقواها المختلفة، فإننا نتلمس عظمة لا حدود لها تذكرنا بعظمة صنعة الخالق الذي أنشأها في أشكالها المختلفة. وعلى هذا الكوكب، وهو ماض في دورته حسبما تقتضي قوانين الطبيعة، ومن بداية غاية في البساطة، ظهرت وما تزال تظهر أشكال لا حصر لها ولا حدود لروعتها الأخاذة والمدهشة».

 

حسن حلمي خاروف

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ علم البيولوجيا -الجزء الثاني، ترجمة مجموعة من أساتذة جامعة دمشق (المركز العربي للتعريب والترجمة والتأليف والنشر، دمشق 1997).

- C.VILLEE, Biology (Saunders Co 1977).


التصنيف : علم الحياة( الحيوان و النبات)
النوع : علوم
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 571
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1083
الكل : 40526270
اليوم : 56085

سولوموس (ديونيسيوس-)

سولوموس (ديونيسيوس ـ)  (1798ـ1857)   ديونيسيوس سولوموس Dionysios Solomos هو شاعر اليونان الحديثة القومي. ولد في جزيرة زاكينثوس Zakinthos غرب البيلوبونيز، وتوفي في جزيرة كورفو Korfu شمال غربي اليونان. ينحدر سولوموس من عائلة إقطاعية ثرية، أمنت له فرصة الدراسة في إيطاليا، حيث درس الأدب والقانون وانخرط في أجواء المثقفين، فاحتك بالأفكار الليبرالية الجديدة، وتعمق في دراسة دانتي[ر] وبتراركا[ر].
المزيد »