logo

logo

logo

logo

logo

الأجر

اجر

Salary - Salaire

الأجر

 

الأجر salaire في اللغة هو الثواب والمكافأة، وكلمة الأجر تدل على معنيين متقاربين: معنى ديني يفيد الجزاء على العمل الصالح أو الثواب والمكافأة، على نحو ما جاء في القرآن الكريم: )إنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِين( (الأعراف - 170)، ومعنى اقتصادي يعني الجزاء على العمل فهو بهذا المعنى قيمة قوة العمل البشري أو بدلها مادياً كان أم غير مادي.

وكلمة الأجر وجمعها أُجور تبدو دخيلة على اللغة العربية وتعود، على الأرجح، إلى أصل أَكَدي دخلت العربية عن طريق الأكدية منذ العصر الجاهلي، وخضعت لأحكام العربية في الاشتقاق والتصريف، بدخولها القرآن الكريم في أكثر من موضع وآية.

والأجر بالمفهوم الاقتصادي هو المبلغ الذي يدفع للعامل مقابل قيامه بعمل ما أو عند تنفيذ هذا العمل لحساب شخص آخر. ويتوسع بعضهم في مفهوم الأجر حتى يشمل جزءاً من دخل صاحب المشروع الذي يقوم بإدارته بنفسه وذلك لقاء قيامه بالعمل تنظيماً أو إدارةً. وذهب بعض فقهاء المسلمين إلى عدم جواز انفصال الملكية عن العمل وعدّوا العمل فريضة وواجباً يمليه الشرف معتمدين على قول الرسول e «ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده» وقوله: «لأن يحتطب أحدكم حزمةً على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه» وقوله: «أفضل الكسب بيع مبرور وعمل الرجل بيده».

المنظور التاريخي للأجر

العمل، بالمفهوم الاقتصادي، هو النشاط الإنساني المبذول للحصول على منفعة بتحويل المواد إلى سلعة تشبع حاجة الإنسان. والعمل بهذا المعنى نافع ومؤلم في آن واحد، فهو يتضمن عنصر الألم، أي الجهد الذي يكون العامل ملزماً ببذله، وعنصر المردود أو المنفعة، وهو ما يحصل عليه العامل سواء عمل لنفسه وحصل على النتيجة مباشرة أو عمل لحساب غيره وحصل مقابل ذلك على أجر. قديماً كانت الخيرات متوافرة بكثرة في الطبيعة وكان عدد السكان على الكرة الأرضية قليلاً جداً فكان الإنسان يستطيع العيش ببذل كمية ضئيلة من العمل، ولم يكن قد حدث الانفصال بين ملكية وسائل الإنتاج والعمل، ولم تكن قد برزت الحاجة إلى العمل المأجور، ولذلك كان الاهتمام مركزاً على الربط بين العمل والمعيشة، ولم تكن هناك أية مسوّغات للبحث في الأجر ومستواه. وبعد ظهور الملكية الخاصة وانقسام المجتمعات البشرية إلى طبقات يختلف موقعها من ملكية وسائل الإنتاج، وما ترتب على ذلك من ظهور طبقة لا تملك سوى قدرتها على العمل، وطبقة أخرى تملك وسائل إنتاج أكثر من طاقتها على التشغيل، برز العمل المأجور ضرورة اقتصادية، وظهرت الحاجة إلى دراسة ظاهرة الأجر وعوامل تحديد مستواه، وبدأ العلماء والمفكرون يهتمون بدراسة مفهوم الأجر ومستواه وعدالة تحديده، وصار مفهوم الأجر العادل والحد الأدنى للأجور وغيرهما من المقولات موضوعات لاقتصاد العمل [ر] وعلم الاقتصاد. ومن الجدير بالذكر أن الاهتمام بالأجر وعدالته كان من الموضوعات التي عنيت بها الديانتان السماويتان الإسلام والمسيحية قبل ظهور علم الاقتصاد. فقد اهتم المفكرون المسلمون والمسيحيون انطلاقاً من تعاليم هاتين الديانتين بحقوق العمال، ويمكن تلمس شبه تطابق بين موقفي الديانتين ومواقف المفكرين من أتباعهما من هذه المسألة. فالإسلام الحنيف يقدس العمل ويرفعه إلى مستوى العبادة. فقد امتدح قوم رجلاً إلى رسول الله e بالاجتهاد في العبادة والغنى عن العمل وقالوا: صحبناه في سفرنا فما رأينا بعدك، يا رسول الله، أعبد منه. كان لا ينتقل من صلاة ولا يفطر من صيام فقال لهم: فمن كان يمونه ويقوم به؟ فقالوا: كلنا يا رسول الله. قال e: «كلكم أعبد منه». ويوجب الإسلام أن يكون أجر العامل عادلا وفوريا فالرسول يقول: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه».

كذلك يحث موقف الكنيسة المسيحية على أن يعطى العامل أجره العادل فقد كان القديس توما الإكويني, وهو يعد الممثل الرسمي للمذهب الكنسي, يؤكد ضرورة حصول العامل على أجر عادل يوفر له ولأفراد عائلته أسباب العيش. وقد كرر البابوات هذا الحكم في رسائلهم الكنسية. ومع مرور الزمن وتطور علم الاقتصاد برز فرع خاص حول اقتصاد العمل, وتطور البحث في موضوعات العمل والأجر لتشمل مفاهيم الأجر الأساسي والإضافات الملحقة به, والأجور النقدية والمزايا العينية المتممة للأجر,والحد الأدنى للأجور, وطرق تحديد الأجر وطرق دفع الأجور وغيرها.

نظريات الأجور

تعد نظرية الأجور أهم موضوعات علم الاقتصاد فمنذ بداية القرن التاسع عشر, أي منذ نشأة علم الاقتصاد كانت المدرسة الاقتصادية التقليدية Classique الإنكليزية (دافيد ريكاردو وآدم سميث[ر. سميث (آدم-)]) تسعى لتقرير حد توازن ثابت يستقر عنده مستوى الأجر في تقلباته في مدة قصيرة. وقد ذهب دافيد ريكاردو[ر. ريكاردو (ديفيد-)] David Ricardo إلى أنّ مستوى توازن الأجور يتعادل مع الحد الأدنى الضروري للحياة. وانطلاقاً من نظرية ريكاردو هذه صاغ لاسال. F. Lassalle قانون الأجور الحديدي وطور ماركس نظريته في العمل والأجر، إذ فرق بين العمل الضروري الذي ينتج العامل في أثنائه قيمة قوة عمله ويتقاضى مقابله أجراً، والعمل الزائد الذي يعود إنتاجه إلى الرأسمالي مالك وسائل الإنتاج [ر. القيمة]. وتقسم نظريات الأجور إلى مجموعتين: مجموعة النظريات الليبرالية البرجوازية في الأجور والنظرية الماركسية في الأجور.

النظريات الليبرالية في الأجور: تنطلق النظريات الليبرالية في الأجور من مبدأ الحرية الاقتصادية القائم على أساس أن آلية السوق هي المنظم الوحيد للأسعار والمحدد للنشاط الاقتصادي [ر. السوق (اقتصاد -)]. وتقوم هذه النظريات على عدم التفريق بين العمل وقوة العمل، وهي تعالج الأجر على أنه ثمن العمل الذي يبيعه العامل من صاحب العمل، وهكذا يرى الاقتصاديون الليبراليون أنصار الحرية الاقتصادية أن العامل يبيع كمية معينة من العمل، أي عدداً من ساعات العمل اليومية، مقابل أجر نقدي أو عيني يتفق عليه فردياً أو جماعياً مع صاحب العمل بحرية تامة أو بتدخل من الحكومة أو المنظمات الأخرى ورعايتها.

ويختلف الاقتصاديون الليبراليون فيما بينهم حول عوامل تحديد الأجر، فقد ظهرت عدة نظريات في هذا الشأن منها:

نظرية الحد الأدنى لمستوى المعيشة: يرى أنصار هذه النظرية أن مستوى الأجور يتحدد بما يعادل قيمة المواد والحاجات الضرورية لمعيشة العامل في الحد الأدنى. ويقولون إن حركة العرض والطلب في سوق العمل كفيلة بالمحافظة على الأجور مدة طويلة في مستوى الحد الأدنى للمعيشة اللازم للمحافظة على حياة العامل. وواضع أسس هذه النظرية هو الاقتصادي الفرنسي تورغو Turgot وتبناها في منتصف القرن التاسع عشر الاقتصادي والزعيم العمالي الألماني لاسال ودافع عنها وسماها «القانون الحديدي للأجور». وبحسب هذا القانون إذا ارتفع مستوى الأجور عن الحد الأدنى  الضروري للحياة وتحسنت الحالة المعيشية للعمال فإنهم يميلون إلى التزاوج فتكثر بذلك الولادات، ويزداد عدد العمال ويزداد بالتالي عرض العمل في السوق، مما يقود إلى انخفاض مستوى الأجور إلى الحد الأدنى الضروري للمعيشة أو حتى إلى أدنى منه مؤقتاً. ولكن الأجور لا يمكن أن تبقى مدة طويلة في مستوى أقل من الحد الأدنى الضروري للمعيشة لأن العمال، في هذه الحالة لا يستطيعون إعالة أسرهم فيحجمون عن الزواج وتقل الولادات فينخفض عرض العمل في السوق وترتفع الأجور إلى مستواها السابق أو إلى أعلى منه. وهكذا فإن حركة العرض والطلب في سوق العمل تجعل الأجور، في رأي أنصار هذه النظرية، تراوح في حركتها حول مستوى الحد الأدنى الضروري للمعيشة، أي ما يعادل قيمة المواد والحاجات الضرورية لمعيشة العامل.

نظرية إنتاجية العمل: تنبثق هذه النظرية من النظرية العامة لتوزيع الدخل القومي في الاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق، إذ تنطلق نظرية التوزيع من فرضية أثمان عوامل الإنتاج،  التي تزعم أن كل من يشترك في الإنتاج يحصل على نصيب منه يعادل إنتاجيته، أي بمقدار إسهامه في تكوين ذلك الإنتاج. لما كان الأجر، بحسب أنصار هذه النظرية، هو ثمن العمل، فإن العامل يحصل على الثمن الكامل للعمل الذي يقدمه، ويتحدد مستوى الأجر مباشرة بإنتاجية العمل. وقد وضع الاقتصادي الفرنسي جان باتيست ساي Jean- Baptiste Say أساس نظرية إنتاجية العمل، إذ رأى في الأجر مكافأة على الخدمة الإنتاجية التي يقدمها العامل، وبالتالي فإن العامل يحصل على أجر يعادل إسهامه في تكوين الإنتاج. وفي أواخر القرن التاسع عشر حلت نظرية «القيمة - المنفعة» محل نظرية «القيمة - التكلفة»، وترتب على ذلك فهم جديد بأنه ليست للسلعة قيمة إلا إذا كانت تحمل قيمة استعمالية نافعة ومطلوبة في السوق. وليس لعوامل الإنتاج - والعمل أحد عوامل الإنتاج - إلا قيمة مشتقة من قيمة السلع التي تسهم في إنتاجها. وبالتالي فإن ما يحدد الأجور هو إنتاجية العمل، أي ما يعادل نصيب العمل في تكوين الإنتاج. وفي بداية القرن العشرين طور عدد من الاقتصاديين ج.ب. كلارك J.B. Clark وفون فيزر Von Wieser وهانس ماير Hans Mayer هذه النظرية فقالوا: إن ما يحدد الأجر ليس إنتاجية العمل بصورة مطلقة بل إنتاجية وحدة العمل الأخيرة أو الإنتاجية الحدية [ر.الإنتاجية] ويقول كلارك إنه في كل فروع الإنتاج يمارس قانون المردود المتناقص [ر. المردود] عمله إذ يتزايد الإنتاج بمعدلات أقل من تزايد العمل الحي المصروف في إنتاجه، وإنتاجية وحدة العمل الأخيرة هي الإنتاجية الحدية للعمل، وهي التي تحدد مستوى الأجر فيميل الأجر إلى التطابق مع الإنتاجية الحدية للعمل.

النظرية الاجتماعية للأجور: يرى أنصار هذه النظرية أن الأجور أداة من أدوات توزيع الدخل القومي وبالتالي فإن مستوى الأجور في أي بلد يتحدد بعاملين اثنين: الأول إنتاجية العمل الاجتماعي التي تحدد الناتج  الإجمالي الذي يتم اقتسامه بين الطبقات الاجتماعية من جهة، والثاني الوزن الاجتماعي للطبقة العاملة الذي يحدد نصيب العمال من الناتج من جهة ثانية.ولا تختلف هذه النظرية في جوهرها عن نظرية الأجور المنظمة أو نظرية الأجور التفاوضية فكلتاهما تفسران مستوى الأجور بمدى قدرة التنظيم النقابي على ممارسة الضغط سواء على منظمات أرباب العمل أو على الحكومات والأحزاب السياسية.

نظرية الأجور المنظمة: إن جميع نظريات الأجور السابقة لم تستطع بيان الأساس الحقيقي لتحديد الأجور، وقد بينت أحداث القرنين التاسع عشر والعشرين تزايد قوة الطبقة العاملة السياسية وتأثيرها الكبير في الحياة السياسية والاقتصادية في كل البلدان الصناعية المتقدمة، كما شهدت مستويات الأجور بالمقابل قفزات لا يمكن تفسيرها بتحسن الإنتاجية أو بتغير الحد الأدنى الضروري للمعيشة، مما أفسح في المجال أمام تطوير النظرية الاجتماعية للأجور إلى نظرية الأجور التفاوضية (اتفاقيات الأجور الجماعية) أو نظرية الأجور المنظمة. وبحسب هذه النظرية يتحدد الأجر بطريق التفاوض الفردي بين العامل ورب العمل. ولأن العامل الفرد في موقف تفاوضي ضعيف، وبسبب زيادة دور المنظمات النقابية العمالية، فقد أصبح مستوى الأجور يتحدد بالمفاوضات بين منظمات أرباب العمل والنقابات العمالية. وبسبب أهمية كتلة الأجور وتأثيرها في حسن سير الاقتصاد الوطني، ودورها المتزايد في تنشيط الاستهلاك وتحقيق التوازن على مستوى الاقتصاد الكلي، إضافة إلى الأضرار الكبيرة التي تلحقها الإضرابات العمالية في حال عدم الاتفاق بين النقابات وأرباب العمل على مستوى الأجور فقد راحت السلطات العامة تتدخل في المفاوضات وتقوم بدور المنظم لمستويات الأجور في كثير من الأحيان.

النظرية الماركسية في الأجور

الماركسية نظرية فلسفية اقتصادية يؤلف الاقتصاد السياسي جزءاً رئيساً فيها، ويعد نظرية اقتصادية متكاملة تعالج آلية التطور والتوازن الاقتصاديين، وتعد نظرية القيمة الزائدة (فضل القيمة) حجر الزاوية في النظرية الاقتصادية الماركسية. يقسم ماركس عمل العامل إلى قسمين: العمل الضروري وهو الوقت الذي يصرفه العامل في العمل كي ينتج قيمة المواد الضرورية اللازمة لمعيشته ومعيشة أفراد أسرته، أي لتجديد قوة عمله، والعمل الزائد وهو الوقت الذي يمضيه العامل في العمل زيادة على وقت العمل الضروري وفيه ينتج القيمة الزائدة أو فضل القيمة التي تعود إلى صاحب العمل مالك وسائل الإنتاج. من هنا فإن النظرية الماركسية على الرغم من التقارب الملاحظ بينها وبين بعض النظريات الليبرالية في ربط الأجور بالحد الأدنى الضروري اللازم لمعيشة العامل فإنها تختلف عنها في تفسير مستوى الأجور وفي تفسير النتائج المترتبة على ذلك.

تنطلق النظرية الماركسية الاقتصادية من أن التبادل (البيع والشراء) يتم بين سلع متساوية القيمة وأن الأجر هو قيمة السلعة التي يبيعها العامل إلى صاحب العمل وهو قوة عمله أو قدرته وأهليته للعمل. وهكذا فإن العامل لا يبيع الرأسمالي عمله بل يبيعه قدرته على العمل، أي قوة عمله، لأن العامل بذاته ليس سلعة قابلة للتبادل للأسباب التالية:

ـ إن لكل سلعة قيمة، والعمل ليست له قيمة بذاته ذلك أن القيمة هي العمل المجرد المتجسد في السلعة، والذي يظهر في عملية التبادل. وهكذا يكون من غير المقبول الحديث عن قيمة العمل بذاته، وهو ليس سلعة منفصلة قائمة بذاتها.

ـ إن السلعة موجودة فعلاً قبل دخولها عملية التبادل أما العمل فهو غير موجود في لحظة عملية البيع والشراء وإنما الموجود بحوزة العامل هو قدرته على العمل وهي التي يبيعها إلى صاحب العمل.

ـ إن عملية بيع العمل وشرائه تتناقض بالضرورة مع القوانين الاقتصادية الفاعلة في الاقتصاد الحر. فإذا عُدّ العمل سلعة، يجب أن يدفع ثمنه كاملاً بحسب قوانين التبادل السلعي. وإذا حدث ذلك فلا يستطيع صاحب العمل الحصول على أية قيمة إضافية. وهذا يتناقض مع سعي الرأسمالي وراء الربح. لذلك ترى الماركسية أن ما يبيعه العامل هو قوة عمله التي تتحدد قيمتها وفقاً لقانون القيمة. وبذلك يكون الأجر شكلاً متحولاً لقيمة قوة العمل. وتتحدد قيمة قوة العمل، كقيمة أية سلعة أخرى، بكمية العمل الاجتماعي اللازم لإنتاجها [ر. القيمة]. ولما كانت قوة العمل سلعة ذات صفات خاصة وإنتاجها وتجديد إنتاجها مرتبطين بوجود الشخص الذي يحملها وحياته ويتحققان بإشباع حاجات العامل فإن قيمة قوة العمل هي قيمة جميع السلع والخدمات اللازمة لإشباع حاجات العامل من أجل معيشته وتجديد قوة عمله، ويكون أجر العامل معادلاً لثمن جميع السلع والخدمات اللازمة لتجديد قوة عمله، ويكون الأجر شكلاً متحولاً لقيمة قوة العمل.

وعلى الرغم من التشابه بين النظرية الماركسية في الأجور ونظرية الحد الأدنى لمستوى المعيشة فهما تختلفان فيما بينهما، فالأخيرة تقصر حاجات العامل على السلع المادية في حين تدخل النظرية الماركسية في حساب قيمة قوة العمل، في مكونات الأجر، العنصر التاريخي والأخلاقي، إذ يجب أن يتطور مستوى الأجور بما يتفق مع مستوى النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي. وقد عارض ماركس صراحة في كتابه «نقد برنامج غوته»  قانون الأجور الحديدي الذي طرحه لاسال. فهو يرى أن قيمة قوة العمل ترتفع مع الزمن بسبب التقدم الاقتصادي وارتفاع المستوى الثقافي ومستوى الرفاه، وكذلك بسبب إدخال سلع استهلاكية جديدة، وبسبب تزايد شدة العمل ووتيرته نتيجة إدخال أساليب جديدة في تنظيم العمل، مما يجعل العامل مضطراً إلى صرف مجهود عضلي وذهني أكبر، وبالتالي حاجته إلى الراحة والاستجمام، وكل ذلك ينعكس زيادة في قيمة قوة العمل، وفي الأجر الذي يجب أن يكون معادلاً لها.

تحديد الأجور

تعرض نظريات الأجور العوامل التي تسهم في تقرير مستوى الأجر. وتميز هذه النظريات بين الأجر ثمناً للعمل يتحدد كما يتحدد ثمن أية سلعة أخرى بعوامل العرض والطلب مع ضرورة أخذ عنصر التكلفة بالحسبان، وبين كونه شكلاً متحولاً لقيمة قوة العمل اللازم اجتماعياً لإنتاجها، وفي كلتا الحالتين لم تستبعد أي من النظريات إمكانية انحراف الأجر الفعلي عما يجب أن يكون عليه بفعل عوامل العرض والطلب أو بفعل عوامل أخرى. لهذا فإن تحديد الأجور فعلاً وواقعياً لا يتفق تماماً مع مضمون نظريات الأجور، وإن كان يعتمد على بعض مبادئها وأسسها. فالأصل في تحديد أجر العامل هو قبوله بالأجر الذي يعرضه عليه رب العمل في ضوء المفاوضات الفردية بينهما. وبسبب عدم التكافؤ بين الطرفين تتدخل المنظمات المهنية والسلطات العامة، أحياناً، لتحديد الحد الأدنى للأجور. وفي بعض الأحيان تكون مستويات الأجور موضوعاً لمفاوضات جماعية بين أرباب العمل والنقابات العمالية وقد تتدخل السلطات العامة أحياناً في فرض الحد الأدنى للأجور لكل مهنة أو للأجور بوجه عام، ويكون الحد الأدنى الذي تقرره السلطات العامة مرتبطاً  غالباً بمستوى أسعار المستهلك، وتلجأ هذه السلطات إلى تحريك الحد الأدنى كلما رأت أن أسعار المستهلك قد ارتفعت إلى الحد الذي يخل بالتوازن بين الأسعار والأجور. وفي بعض الدول ولاسيما المتقدمة منها تلزم التشريعات النافذة أرباب العمل زيادة الرواتب والأجور لعمالهم بنسبة ارتفاع المؤشر العام لأسعار المستهلك لكي يبقى مستوى الأجور الفعلية مستقراً. وسواء تحدد مستوى الأجور بالمفاوضات الفردية أو بالاتفاقيات الجماعية، بتدخل من السلطات العامة أو بدونه، فإن هذا التحديد يأخذ بالحسبان عدداً من العوامل مثل العرض والطلب في سوق العمل، إذ ترتفع الأجور كلما كان العرض متدنياً، ويتضح ذلك أكثر ما يمكن في التمايز الواضح لأجور بعض المهن عندما يزداد الطلب عليها، ويكون عدد العاملين المتوافر غير كاف. ويقوم عامل العرض والطلب بدور كبير في تحديد القوة التفاوضية للعمال وأرباب العمل، كما يؤثر في مواقف السلطات العامة من تحديد الحد الأدنى للأجور. يقوم كذلك مستوى الأسعار بدور مهم في تحديد مستوى الأجور. فمن غير الطبيعي ألا يستطيع العامل الأجير توفير الحد الأدنى الضروري للمعيشة بالأجر الذي يتقاضاه، وإن حدث هذا لمدة قصيرة فلا يمكن أن يستمر على المدى الطويل، وإلا حدثت اضطرابات اجتماعية. وقد تسوء أوضاع العمال الصحية فيتناقص عددهم فيعود التوازن إلى سوق العمل. ولا شك في أن مستوى المعيشة العام والوضع الاقتصادي في البلد ومستوى التقدم ودرجة النمو، تؤثر كلها في تحديد مستويات الأجور، فلا يعقل أن يكون مستوى الأجور في بلد متقدم مزدهر اقتصادياً كمثيله في بلد نام أو متخلف فقير. وإن نظرة على مستويات الأجور في البلدان العربية تؤكد ذلك، بصرف النظر عن طبيعة الأنظمة الاجتماعية القائمة في هذه البلدان، سواء تدخلت السلطات العامة في تحديد الأجور أم لم تتدخل. ويكون، لمستوى التنظيم النقابي وقوة الطبقة العاملة سياسياً واجتماعياً، دور أيضاً في تحديد مستوى الأجور، ويلاحظ ذلك بوضوح عند موازنة الوضع في الدول الصناعية المتقدمة بالأوضاع في الدول النامية. فنمو الحركة النقابية العمالية وزيادة وعيها التنظيمي حوَّل سوق العمل من سوق تنافسية إلى سوق شبه احتكارية. فمنذ أواخر القرن التاسع عشر تم الاعتراف قانوناً في الدول الصناعية المتقدمة بحق الإضراب، ومنذ مطلع القرن العشرين أصبحت التنظيمات النقابية منظمات وطنية بحكم القوانين، وأصبحت الاتحادات العمالية قوة كبيرة لها دورها في الحياة السياسية، وتتبع لها معاهد ومراكز بحوث ودراسات لتقصّي مستويات الدخول والأسعار وتوزيع الناتج القومي وبيان نصيب العمال منه، كما أن لها دورها الواضح في إعداد التشريعات العمالية. وتبين الأرقام الإحصائية المتوافرة بأن نسبة حصة العمال من الدخل القومي في الدول الصناعية المتقدمة أعلى من مثيلتها في الدول النامية، كما أن هناك علاقة طردية بين نصيب العمال من الدخل القومي ومستوى النمو الاقتصادي من جهة وبين هذا النصيب ومستوى التنظيم النقابي من جهة ثانية.

أشكال الأجور

يتقاضى العاملون أجورهم بأشكال مختلفة وتبعاً لطرق وأساليب متباينة تحددها الاتفاقيات أو عقود العمل، وغالباً ما يرغب كل من العمال وأصحاب العمل في اللجوء إلى شكل للأجور يلبي رغبتهم المشتركة. وتختلف رغبات الطرفين بحسب ظروف العمل وشروط السوق. إذ يميل العمال عادة إلى الحصول على أجر مضمون في حالة الركود الاقتصادي، ويرغبون بربط الأجر بالإنتاج في حالة الرواج، وكذلك أرباب العمل. ولكن قد لا تتفق رغبات الطرفين دائماً وفي مختلف الظروف، وقد تدفع الأجور نقداً أو عيناً، أسبوعياً أو شهرياً. وقد دأب رجال الأعمال وعلماء الإدارة على السعي المتواصل إلى ابتكار أشكال للأجور تحقق أرباحاً أكبر لأصحاب العمل، وترفع في الوقت نفسه أجور العمل أيضاً. وحدثت تطورات مهمة على سوق العمل في كل الدول الصناعية المتقدمة حققت ضمانات أكبر للعاملين ما يزال عمال كثيرون يطمحون إلى تحقيقها في بلدان أوربة الشرقية والعالم الثالث. وتتخذ الأجور في الوقت الراهن أحد الأشكال الثلاثة التالية:

أجر الوقت: يُعد أجر الوقت أفضل تعبير عن ثمن العمل أو عن قيمة قوة العمل إذ يضع العامل نفسه بتصرف رب العمل للقيام بأعمال محددة في مدة زمنية معينة (وقت العمل) لقاء أجر محدد، ويتم تحديد أجر ساعة العمل، ثم يحسب أجر العامل بقدر الوقت المتفق على بقائه في العمل، وهذا الأسلوب يلائم أصحاب العمل من عدة نواح، فهو يمكّنهم من التحكم بالوقت الذي يدفعون مقابله أجراً بحسب حاجتهم، كما يمكّنهم من إطالة يوم العمل إذا أرادوا، وقد يرغب العمال في الحصول على دخل أعلى فيضطرون إلى العمل ساعات أكثر. وغالباً ما يتم تحديد سعر متدنٍ لساعات العمل العادية، وسعر أعلى لوقت العمل الإضافي. وقد لجأ المشرّع السوري إلى تحديد الأجور على أساس عدد ساعات عمل يومية محددة، ألزم بعدها أصحاب الأعمال دفع أجور زائدة مقابل ساعات العمل الإضافية، قد تصل إلى ضعف الأجور العادية. كما حرص المشرّع السوري على حماية قوة العمل من الاستنفاد السريع، فوضع حداً أعلى لعدد ساعات العمل الإضافي اليومية التي يجوز تشغيل العامل فيها. ويسمح هذا الشكل من الأجر بتحقيق التكيف مع مقتضيات الإنتاج وظروف السوق، إذ يتمكن صاحب العمل من تقليص ساعات العمل عند الضرورة بما يتلاءم مع الحاجة إلى الإنتاج ويخفض أعباء مؤسسته في أوقات الركود.

أجر القطعة: لاحظ أصحاب العمل وعلماء الإدارة أن أجر الوقت لا يعطي العامل أي حافز لزيادة وتيرة العمل وزيادة الإنتاجية، وغالباً ما يحتاج صاحب العمل إلى تطبيق نظام دقيق للرقابة من أجل تحقيق هذا الهدف، مما يزيد في أعبائه المالية لضمان الاستغلال الكامل لوقت العمل. لهذا أدخل أسلوب جديد لحساب الأجر وهو أجر القطعة. وفي مرحلة معينة حل أسلوب أجر القطعة محل أجر الوقت، أما اليوم فقد تمت العودة إلى التوسع في أسلوب أجر الوقت لأن إدخال التقنيات العصرية والآلات ذاتية الحركة جعل وتيرة العمل وشدته محددتين مسبقاً بمتطلبات الآلة وليس بالعامل نفسه.

ولهذا الأسلوب الذي يتحدد به الأجر على أساس عدد القطع التي ينتجها العامل أو على عدد المراحل التي تقوم بها عملية إنتاج السلعة مزايا متعددة منها:

ـ يخفف من شعور العامل بأن صاحب العمل يستغله، إذ يبدو العامل كأنه يتقاضى دخلاً مرتبطاً ارتباطاً مباشراً بكمية الإنتاج والعمل الذي يقوم به.

ـ يساعد في زيادة وتيرة العمل والاستخدام المجدي لوقت العمل. فالعامل يسعى إلى الحصول على أجر أكبر، ولهذا فإنه يعمل بكل قدرته لزيادة عدد القطع المنتجة، ويحقق بذلك نفعاً له (زيادة الأجر)، ولصاحب العمل (زيادة الإنتاج وزيادة الأرباح) وكذلك للاقتصاد الوطني (زيادة إنتاجية العمل ورقم الإنتاج).

ـ يساعد في تخفيض العمل غير الإنتاجي (المراقبة) لمصلحة زيادة الأعمال المنتجة، ويسهل عملية ربط الأجر بالإنتاج فيحقق عدالة أكبر في توزيع الأجور بين العاملين.

أجر الحوافز: على الرغم من مزايا أجر القطعة، فإن تدخل السلطات العامة وكذلك موقف النقابات من ضرورة تحديد أجر مضمون أو حد أدنى من الأجر للعاملين، قاد رجال الأعمال وعلماء الإدارة إلى استنباط شكل آخر من أشكال الأجور وهو أجر الحوافز، الذي يتلافى المساوئ التي تنجم عن أجر الوقت أو أجر القطعة. إن أجر الحوافز شكل معدّل من أجر الوقت أو أجر القطعة يؤدي في الوقت نفسه إلى زيادة الإنتاج وتحسين أجور العمل، إضافة إلى زيادة أرباح أصحاب العمل وزيادة مرونة العمل في مؤسساتهم. والقواسم المشتركة بين أجر الحوافز، بمختلف أساليبه، والأنظمة المعمول بها، على تنوعها، تكمن في أنها تنطلق من تحديد معدل أداء متوسط للعمال، ومن تحديد أجر أساسي للعمل (بحسب الوقت أو بحسب القطعة)، فيبدو نظام المكافأة بمنزلة أجر إضافي عن الإنتاج الذي يتجاوز معدل الأداء المتوسط المحدد.

ولابد من الإشارة إلى أنه مهما يكن أسلوب الحفز المتبع فإن حساب مكافأة العامل الذي يتجاوز حد الأداء يضمن أن تكون زيادة الأجر التي يحصل عليها العامل أقل من زيادة الإنتاج التي يحققها. فيبقى للمؤسسة فائض من الإنتاج الزائد الذي يحققه العامل.

يقوم أسلوب أجر الحوافز على أساس تحديد أجر ثابت مع تقديم مكافآت (حوافز إنتاجية) تكون مرتبطة دائماً بتحسن الأداء والمردود. وأسلوب أجر الحوافز يشتمل على عدد من الأنظمة، تختلف فيما بينها في طريقة الحفز مع حفاظها على الجوهر ذاته ومنها:

مشاركة العمال مباشرة في النتائج المالية للمؤسسة: وتتخذ هذه المشاركة أشكالاً مختلفة أولها الأجور النسبية أو ما يسمى بنظام شولر Schuller الذي يقوم على أساس إعطاء العاملين في المؤسسة مكافآت إضافية بنسبة ثابتة من رقم أعمال المؤسسة. وهكذا يصبح العمال معنيين عناية مباشرة بتقدم المؤسسة وزيادة الإنتاج لأنهم يشاركون باقتسام النتائج. وثانيها المشاركة بالأسهم، أي يمنح العمال حق الاكتتاب بما يسمى أسهم العمل action de travail فيصبح العمال شركاء في ملكية رأس المال، ويحصلون، إضافة إلى أجورهم، على عوائد من أسهمهم تتناسب مع نتائج عمل المؤسسة كما يشاركون في إدارة المؤسسة عن طريق إسهامهم في الهيئة العامة للمساهمين، وثالث أشكال المشاركة المساهمة العمالية copartnership وهو أسلوب مطبق في إنكلترة، ويكون فيه العمال مشاركين في أرباح الشركات مع حقهم في تحويل حصتهم من الأرباح إلى أسهم أو تقاضيها نقداً.

نظام مكافأة الإنتاجية: يحصل العمال في هذا النظام على زيادة في أجورهم إضافة لقاء تحسين الإنتاجية من دون أن يؤدي ذلك إلى مشاركتهم في رأس المال.

وهناك أنظمة مبتكرة كثيرة تهدف إلى توفير الشروط التي تجعل العمال يبذلون جهداً أكبر لزيادة الإنتاج وتحسين فعالية الموارد المتاحة للمؤسسة مثل نظام تايلور ونظام روفان وغيرهما، ومثل هذه الأساليب تحقق ربحاً إضافياً للمؤسسة وتقود في الوقت نفسه إلى زيادة أجور العمال وتحسين أوضاعهم كما تؤدي إلى زيادة الإنتاج وتحسين الإنتاجية مما ينعكس إيجابياً على النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.

التنظيم الحكومي للأجور (سياسة الأجور)

تشكل كتلة الأجور أحد المتغيرات الاقتصادية المهمة المؤثرة في حسن سير الاقتصاد الوطني. فقد رأى الاقتصادي ج.م. كينز J. M. Keynes أن من الضروري في حالة الركود الاقتصادي أن تلجأ السلطات العامة إلى توسيع قاعدة الإنفاق العام لتوزيع مزيد من الأجور مما يتسبب في زيادة الطلب الفعال demande efficace يسهل عملية الخروج من الأزمة الاقتصادية. لهذا السبب ولأسباب اجتماعية وسياسية تولي الحكومات في الدول الصناعية المتقدمة اهتماماً كبيراً لمسألة الأجور وتنظيمها إذ تفسح في المجال أمام النقابات وأرباب العمل لعقد اتفاقيات الأجور الجماعية وترعى مثل هذه الاتفاقيات وتتدخل أحياناً في إقرارها. كما تتدخل الحكومات في إقرار نظام الحد الأدنى للأجور الذي يتحدد في ضوء مرونة الطلب وأسعار المواد الاستهلاكية.

ومن الجدير بالذكر أن نظام الحد الأدنى للأجور لا يضمن تشغيل العمال ولا مدة عملهم ويتحدد عادة بِناءً على رأي لجنة عليا لاتفاقيات الأجور الجماعية تضم في عضويتها مندوبين عن نقابات العمال وأرباب العمل بالإضافة إلى ممثلين حكوميين. وتتدخل الحكومات في تطبيق سلم متحرك على نظام الحد الأدنى للأجور فتتغير الأجور بعلاقة ثابتة مع الرقم القياسي لأسعار المستهلك الذي يمثل تطور مستوى المعيشة.

وقد حرصت جميع الدول الصناعية المتقدمة على تطبيق أنظمة الضمان الاجتماعي sécurité sociale  في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وتكفل أنظمة الضمان الاجتماعي المطبقة بدرجات متفاوتة تغطية أجر الضمان وهو الأجر الذي يحصل عليه العامل المتعطل عن العمل إضافة إلى تغطية الأخطار المهنية التي يتعرض لها العمال كحوادث العمل والأمراض المهنية وحالات العجز والأمومة والشيخوخة والوفاة. كما يتقاضى العامل عن طريق إعادة توزيع الدخل الضريبي، إضافة إلى أجره المباشر تعويضات ملحقة منها التعويضات العائلية، وهي غير مرتبطة بالعمل وإنما تعطى في ضوء عدد الأولاد الذين يعيلهم العامل لمساعدته في تحمل نفقاتهم. وكذلك تعويضات الأجر الوحيد الذي تمنحه في بعض الدول الصناعية المتقدمة صناديق الضمان الاجتماعي تعويضاً للأسر التي تعتمد في معيشتها على دخل فرد واحد، ويرتبط مستوى هذا التعويض بعدد الأولاد في الأسرة أيضاً. وتعويضات الولادة والأمومة التي تغطي، بدرجات متفاوتة، نفقات الولادة، كما تغطي الالتزامات المترتبة على الحمل. وتعويضات السكن التي تمنحها بعض الدول للأسر ذات الدخل المتدني لمساعدتها في إيجاد السكن الملائم.

وهكذا يتضح أن التدخل الحكومي في تنظيم الأجور يهدف إلى تحقيق أهداف اقتصادية كتوزيع الدخل بما يضمن تحقيق التوازن بين العرض والطلب في السوق، وتنشيط الاقتصاد وحمايته من الأزمات والهزات الاقتصادية، إضافة إلى تحقيق أهداف اجتماعية مثل تخفيف الاضطرابات والمشكلات وتحقيق الاستقرار السياسي. كما قد تهدف الحكومات من تدخلها في تنظيم الأجور إلى تحقيق أهداف سياسية لكسب العمال والمنظمات النقابية إلى جانبها. ولابد من الإشارة إلى أن أنظمة الأجور ومتمماتها المطبقة في الدول الصناعية المتقدمة قد جاءت أصلاً نتيجة زيادة وعي الطبقة العاملة ونجاح الثورات الاشتراكية في بعض الدول، ومحاولة تلافي مثل هذه الثورات في الدول الصناعية الأخرى. وقد حققت هذه الأنظمة فعلاً استقرار الطبقة العاملة وقادت إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في هذه البلدان.

تطور المستوى العام للأجور

يرتبط المستوى العام للأجور بعوامل متعددة ويتغير هذا المستوى تبعاً لتأثير تلك العوامل، ولكن من المهم جداً الإشارة إلى أن حركة الأجور، حتى تكون فعلية من جهة، وإيجابية في تأثيرها على الاقتصاد الوطني من جهة أخرى، يجب أن تنسجم مع حركة إنتاجية العمل من ناحية ومع حركة الأسعار من ناحية أخرى. إذ لابد من التفريق بين الأجر الاسمي salaire nominal والأجر الفعلي salaire réel. فالأجور الاسمية هي مجموع المبالغ النقدية التي تدفع إلى العمال لقاء الأعمال التي يقومون بها. ولكن كمية النقود التي يتقاضاها العمال لا تعطي أي مؤشر عن استهلاكهم الفعلي. في حين تدل الأجور الفعلية، في ضوء مستوى الأسعار، على كمية السلع والخدمات التي يمكن للعمال الحصول عليها مقابل أجورهم الاسمية، وبتعبير آخر إن الأجر الاسمي يقيس كمية النقد أما الأجر الفعلي فيقيس القوة الشرائية pouvoir ďachat والمهم للعامل وللاقتصاد الوطني حركة الأجر الفعلي، لأنها تحدد الطلب الاستهلاكي الفعال الذي يتوقف عليه تصريف الإنتاج في الأسواق، وتجديد الإنتاج الاجتماعي. ومن نافلة القول إن جميع العوامل المؤثرة في تحديد مستوى الأجور تسهم أيضاً في تطور المستوى العام للأجور، فكلما ارتفعت تكاليف المعيشة مثلاً يتحرك الحد الأدنى للأجور ليتلاءم مع ارتفاع التكاليف ويكون فعل «القانون الحديدي للأجور» مؤثراً أيضاً.

ثم إن ازدياد قوة الطبقة العاملة وتحسن مستوى تنظيمها النقابي يجعلها أكثر قدرة على زيادة نصيبها من الناتج القومي، إضافة إلى أن ارتفاع مستوى النمو الاقتصادي وزيادة الدخل القومي يعملان في اتجاه حركة الأجور نحو الأعلى لتكون كتلة الأجور متوافقة مع التحسن الذي يطرأ على مستوى الرفاه من جهة، وقادرة على امتصاص السلع الاستهلاكية التي يزداد إنتاجها من جهة ثانية.

تجدر الإشارة إلى أن قياس المستوى العام للأجور يجري بعدة مقاييس أهمها نسبة كتلة الأجور إلى الدخل القومي، وبالطبع كلما كانت هذه النسبة مرتفعة دل ذلك على تحسن المستوى العام للأجور. ولكن يجب الأخذ بالحسبان أيضاً تغير نسبة العاملين بأجر إلى مجموع عدد العاملين في الاقتصاد الوطني ليكون القياس أكثر دقة. كما يمكن قياس تطور المستوى العام للأجور بمقارنة متوسط الأجر أو الحد الأدنى للأجور المقرر مع مستوى المعيشة [ر]. وكلما كان متوسط  الأجر أو الحد الأدنى مرتفعاً قياساً بمستوى المعيشة دل ذلك على تحسن في مستوى الأجور لصالح العمال. وتدل الإحصاءات المتوافرة على أن المستوى العام للأجور يتطور في الدول الصناعية المتقدمة نحو التحسن في مصلحة زيادة حصة الأجور من الدخل القومي من جهة ونحو تحسن النسبة بين متوسط الأجور ومستوى المعيشة من جهة ثانية، مما يخلق وضعاً مستقراً من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية في هذه البلدان. في حين يلاحظ اتجاه معاكس في البلدان النامية على الرغم من تزايد نسبة العاملين بأجر إلى مجموع العاملين في هذه البلدان.

أما في سورية فلا تتوافر دراسات عن توزيع الدخل القومي، غير أنه من الملاحظ أن أوضاع العاملين بأجر في تراجع وتسعى الدولة إلى حماية مصالحهم عن طريق تحريك سلم الرواتب والأجور من جهة ورفع الحد الأدنى للأجور من جهة ثانية، كما تسعى دائماً إلى تعديل سلم الرواتب والأجور في مصلحة ذوي الأجور المتدنية، فقد اتبعت حكومة الجمهورية العربية السورية مبدأ زيادة رواتب العاملين وأجورهم بنسب متناقصة على شرائح الدخل العليا في العقدين الماضيين وذلك بقصد تقليص الفروق في الأجور بين العاملين من مختلف الأصناف والدرجات. كما تسعى الحكومة من الزيادات المتعاقبة على الرواتب والأجور إلى تخفيف أثر تآكل الأجور من جهة وتحسين نسبة الأجور إلى الدخل الوطني من جهة ثانية.

 

مطانيوس حبيب

الموضوعات ذات الصلة:

ـ اقتصاد العمل - مستوى المعيشة.

مراجع للاستزادة

ـ مطانيوس حبيب، الاقتصاد السياسي (منشورات جامعة دمشق 1990ـ1991).

- RENÉMAURY, Economie politique (Ed. Sirey 1974).

- R. MOSSÉ, Les salaires (Ed Rivière).


التصنيف : الاقتصاد
النوع : دين
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 404
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 559
الكل : 29605093
اليوم : 60009

جيفونس (وليم ستانلي-)

جيفونس (وليم ستانلي ـ) (1835ـ1882م)   وليم ستانلي جيفونس William Stanley Jevons عالم منطق واقتصادي إنكليزي، ولد في أيلول في ليفربول عام 1835م في إنكلترة، وتوفي قرب هاستينغر. أسهم مع ليون فالراس Leon Walras في النمسة وكارل منجر Karl Menger في سويسرة، في وضع نظرية القيمة-المنفعة التي ترى أن قيمة أية سلعة تتحدد بالمنفعة التي يحصل عليها المستهلك من هذه السلعة. وكان لجيفونس دور واضح في تطوير هذه النظرية بإدخال مفهوم «منفعة الوحدة الأخيرة»، لتصبح «نظرية المنفعة الحدية». فقد شرح في كتابه «نظرية الاقتصاد السياسي» (1871) نظرية المنفعة الحدية أو منفعة الوحدة الأخيرة للمستهلك التي تحدد قيمة السلعة عنده. لقد ترك جيفونس بصمات في تطوير علم الاقتصاد إذ يعد مؤسس حقبة جديدة في تاريخ الأفكار الاقتصادية.
المزيد »