logo

logo

logo

logo

logo

الدنماركي (الأدب-)

دنماركي (ادب)

Denmark - Danemark

الأدب الدنماركي

 

لعل الكتابة الرونية[ر. الجرمانية (اللغات - )] Runskrift التي استخدمتها قبائل الفايكنغ[ر] في النصف الثاني من الألفية الأولى للميلاد، من أقدم المظاهر الحضارية في الدنمارك وشبه الجزيرة الاسكندنافية. ومع حلول الألفية الثانية وانتشار الديانة المسيحية في ذلك الجزء من العالم كان للغة اللاتينية[ر] دو ر بارز في التعبير عن هذه المظاهر الحضارية. وقد يبدو غريباً الدخول في موضوع بدايات الأدب الدنماركي عن طريق الأدب الإنكليزي[ر]، إلا أن في هذا الأخير عملين لا يمكن إغفال أصولهما الدنماركية؛ أولهما ملحمة «بيوولف» Beowulf، التي عالجت الأساطير الاسكندنافية التي حملتها معها القبائل الأنكلوسكسونية - الجوتية Anglo-Saxon-Jute، التي كانت تقطن الدنمارك وشمالي الأراضي المنخفضة، حين غزوها لإنكلترا في القرنين الخامس والسادس الميلاديين، وثانيهما مسرحية شكسبير[ر] «هاملت» التي استقى موضوعها من حوليات «أعمال الدنماركيين» Gesta Danorum للمؤرخ الدنماركي ساكسو غراماتيكوس Saxo Grammaticus. وقد كتبت تلك الحوليات باللغة اللاتينية نحو عام 1200م، إلا أنها ترجمت إلى اللغة الدنماركية غير مرة، أهمها تلك التي قام بها الأسقف والمفكر نقولاي غرونتفيغ[ر] N.Grundtvig عام 1814، حين فقدت الدنمارك سيطرتها على النروج، وكانت معيناً لا ينضب من الأساطير والحكايات يرجع إليها الدنماركيون في أوقات الشدة.

لا يتوافر الكثير من الإنتاج الأدبي في الدنمارك قبل عصري النهضة والإصلاح الديني، إلا أن الشكل الغالب عليه كان الشعر الديني المكتوب باللغة اللاتينية، و«الأغاني الشعبية الدنماركية القديمة» Danmarks gamle Folkeviser المكتوبة باللغة المحلية، واستُمر في جمعها ونشرها في اثني عشر مجلداً مدة تجاوزت القرن من الزمن (1853-1976).

   
 
  نموذج من الكتابة الرونية منقوش على
   حجر خارج كنيسة يلنغ في الدنمارك
   

بدأت الكتابة باللغة الدنماركية تأخذ شكلاً مميزاً مع حلول عصر النهضة ومع حركة الإصلاح الديني في شمالي أوربة حوالي منتصف القرن السادس عشر. وكان من أبرز خصائصها التوجه نحو العقيدة اللوثرية، إذ تمت ترجمة الإنجيل إلى الدنماركية في عام 1550، ثم كتب أندرس آريبو Anders Arrebo قصيدته الدينية «الخلق» Hexaëmeron عام (1661). أما توماس كينغو Thomas Kingo فقد كتب مجموعة من المزامير بعنوان «جزء الشتاء» Vinterdelen عام (1689)، وصارت من أكثر الأعمال تأثيراً في الأدب الدنماركي.

كان لودفيغ هولبرغ[ر] L.Holberg أبرز أدباء عصر التنوير[ر] في بلاده، ويعد بحق مؤسس الأدب الدنماركي، إذ كتب في الكثير من الأجناس الأدبية، فحاكى «الإنيادة»[ر] في ملحمته البطولية التهكمية «بيدر بارس» Peder Paars عام (1720)، كما حذا في المسرح حذو الملهاة الإيطالية وموليير[ر] في مسرحياته التي منها «يبِّه على الجبل»Jeppe paa Bjerget  و«إراسموس مونتانوس» عام (1722) Erasmus Montanus عام (1731). أما في النصف الثاني من القرن الثامن عشر فقد كان يوهانِس إيفالد[ر] J.Ewald أبرز الشعراء الغنائيين إذ أرسى قواعد المسرح الغنائي الدنماركي.

أخذت بوادر الحركة الإبداعية[ر] (الرومنسية) بالظهور في الأدب الدنماركي بعد أن بشر بها الفيلسوف النروجي هنريك ستِفنز Henrik Steffens الذي كان ملهم الشاعر الشاب آدم أولنشليغر Adam Oehlenschläger في ديوانه «قصائد»Digte  عام (1803) وفي أعمال أخرى في جنس الساغا[ر] مثل «علاء الدين»Aladdin عام (1805) وأخرى تستلهم الأساطير المحلية مثل «قصائد اسكندنافية» Nordiske digte عام (1807) ومسرحية «هاكون يارل» Hakon Jarl عام (1808)، مبتعداً عن المبالغات التي صبغت الإبداعية خارج الدنمارك. وكان غرونتفيغ قد دعا إلى التمسك بالتراث المحلي الاسكندنافي، وكتب «أغانٍ إلى الكنيسة الدنماركية» Sangvœrk til den danske Kirke. أما المسرحي يوهان لودفيغ هَيبرغ Johan Ludvig Heiberg فقد كتب عدداً كبيراً من المسرحيات للمسرح الملكي في كوبنهاغن.

   
 
  تمثال «حورية البحر الصغيرة»
  في ميناء كوبنهاغن، وقد أقيم تكريماً 
  لهانس كريستيان أندرسن

حفل الأدب الدنماركي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بغنى وتنوع كبيرين إذ ظهرت كتابات هانس كريستيان أندرسن[ر] H.C.Andersen الذي لم تكن قصصه الخرافية «حورية البحر الصغيرة» و«الحذاء الأحمر» و«ثياب الامبراطور الجديدة» مجرد حكايات للأطفال بل أضحت من درر الأدب العالمي. أما في مجال الفكر والفلسفة فقد أسهمت كتابات سورِن كيركِغارد[ر] Søren Kierkegaard في التمهيد للفلسفة الوجودية[ر]. وكتب ينس بيتر ياكوبسن Jens Peter Jacobsen الشعر الغنائي، متأثراً بشعر إدغار آلن بو[ر] E.A.Poe وكتاباته، وبالمدرسة الطبيعية[ر] في روايتيه الكبيرتين «السيدة ماري غروبِّه» Fru Marie Grubbbe عام (1876) و«نيلس لينِه» Niels Lyhne عام         (1880). وكان ذلك نتيجة لمطالبة الناقد غيورغ براندِس G.Brandes بأن يكون الأدب واقعياً ويعالج مشكلات العصر، مما ترك أثراً في كتابات العديد من المؤلفين الاسكندنافيين أمثال إبسن[ر] وسترندبرغ[ر]، وعلى وجه الخصوص في النثر الشعري في روايات هنريك بونتوبيدان[ر] H.Pontoppidan الحائز جائزة نوبل في الأدب لعام 1917 مشاركة مع أديب دنماركي آخر هو كارل يلّروب[ر] K.Gjellerup.

 

بدأت مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كتابات ماركس[ر] وداروين[ر] وفرويد[ر] تؤثر في الفكر والأدب الدنماركيين. ولاشك أن أحد أبرز روائيي هذه الفترة هو مارتن أندرسن نِكسو[ر] M.A.Nexø الذي طور النقد الاجتماعي إلى أبعد حدوده، ووقف في رواياته «بيليه الفاتح» Pelle Erobreren ت(1906-1910) و«ديتّه بنت الإنسان» Ditte Menneskebarn ت(1917-1921) إلى جانب الإنسان المستضعف في وجه الإقطاعي الجائر. أما يوهانِس ينسن[ر] Johannes Jensen، الحائز جائزة نوبل للأدب لعام 1944، فقد كتب «الرحلة الطويلة» Den lange Rejse ت(1908-1921) من وجهة نظر داروينية، ثم كتب توم كريستنسن Tom Kristensen روايته الكبيرة «الفناء» Hærvœrk عام (1930)، حول الضياع الذي عانى منه جيل ما بعد الحرب الكبرى، من وجهة نظر فرويدية. وكان كريستنسن شاعراً أيضاً كتب بأسلوب تعبيري غني بالصور والألوان، وحاكاه في أسلوبه هنريك ستانغِروب H.Stangerup في سبعينات وثمانينات القرن. أما كارين بلكسِِن [ر. دينسِن] K.Blixen فقد كتبت رواياتها بأسلوب جمع بين الواقع والخيال والأسطورة، مما حقق لأعمالها شعبية كبيرة لدى قرائها في أوربا والولايات المتحدة.

بدأت مرحلة الحداثة[ر] في الأدب الدنماركي بعد الحرب العالمية الثانية حين شكلت مجموعة من الشعراء الغنائيين الشباب، الملتفين حول المجلة الدورية «هيريتِكا» Heretica التي صدرت بين عامي 1948-1953، الاتجاه الطليعي في الأدب الدنماركي، وتمحورت أفكارهم حول التشاؤم من الواقع الإنساني والشك والبحث عن الإيمان المفقود. وكان من هؤلاء فرانك ييغر Frank Jæger، وأولِه سارفيغ Ole Sarvig، وتوركيلد بيورنفيغ Thorkild Bjørnvig الذي نشر ديوانه «أشباح ونار»Figur og ild  عام (1959) وأصبح رمزاً للدفاع عن البيئة. وأخذ النثر في الوقت ذاته منحى مشابهاً في أعمال كتّاب مثل هانس كريستيان برانر H.C.Branner المتأثر بكتابات جيمس جويس[ر] J.Joyce، وفي روايات مارتن هانسن M.Hansen التجريبية «كريستوفر السعيد» Lykelige Kristoffer عام (1945) و«الكاذب» Løgneren عام (1950) التي بحث فيها في القيم والمسائل الدينية والفلسفية، وكذلك في مؤلفات بول لاكور Paul La Cour، الذي كان شاعراً أيضاً، في بيانه الشعري «مقتطفات من يوميات» Fragmenter af en dagbog عام (1948).

كان معظم كتّاب النصف الثاني من القرن العشرين متعددي المواهب، إذ كتبوا في كل الأجناس الأدبية، كما كان حال فيلي سورنسن Villy Sørensen الذي جمع بين الأدب والنقد والفلسفة وطرح الأسـئلة الوجودية الأسـاسـية في «قصص نادرة» Sære historier عـام (1953) و«حكايات الوصاية» Formynder fortællinger عام (1964)، وظهرت في كتاباته كل خصائص التراث المأخوذ عن هانس كريستيان أندرسن وكارين بلكسِن، مضيفاً إلى ذلك أسلوبه الخاص في طرح مشكلات مجتمعه، وأهمها تأثير الأدب والفن والفلسفة في أصحاب صنع القرار السياسي (الأوصياء). وكذلك كان حال كلاوس ريفبيرغ Klaus Rifbjerg شاعر المواجهة على كل الجبهات وفي الوقت نفسه شاعر النرجسية والبحث عن الذات، وبير هويهولت Per Højholt بشعره التجريدي المكثف وروحه المرحة في ديوانه «مونولوغات غيتّه» Gittes monologer عام (1981). ومن أبرز مسرحيي هذه المرحلة كاي مونك Kaj Munk الذي بحث في الصراع بين الديمقراطية والدكتاتورية وفي معضلة الإيمان، وشيلد آبِل Kjeld Abell الذي كان تلميذاً لجان جيرودو[ر]، وكارل سويا Carl Soya.

شهد الربع الأخير من القرن العشرين تزايداً في عدد الكاتبات الدنماركيات. فقد مهدت كارين بلكسِن الطريق لمن تلاها منهن، وكانت إنغر كريستنسن Inger Christensen شاعرة المتاريس إبان ثورة الطلاب في أواخر الستينات، وخاصة في ديوانها «الشيء» (1969) Det، وعادت بالشعر إلى التقاليد والتراث المحلي العريق. كذلك كانت فيتا أندرسن Vita Andersen مبدعة في شعرها الذاتي المحبب في ديوانها «مدمني الأمان» Tryghedensnarkomaner عام (1977). وتابعت بيّا تافدروب Pia Tafdrup مسيرة إنغر كريستنسن بتمردها وتطرفها. ولعل سفيند أوغِه مادسن Svend Åge Madsen، الذي أبدع في روايته «حكاية البشر» At fortælle menneskene عام (1989) عالماً كاملاً، من أبرز كتّاب هذه الحقبة، إلى جانب بيتر هوغ Peter Høeg وروايته «إحساس سميلاّ بالثلج» (1993) التي شهرته عالمياً، وسوزان بروغر Suzanne Brøgger التي استمدت أصالتها من ذلك النبع الثر الذي نهلت منه، فكتبت في الرواية النفسية والفلسفية «طريق المحبة الصحيح والخاطئ»  Kærlighedens veje & vildveje عام (1975) في سبر أغوار الذات وكشف أعمق خفاياها.

تتوافر في اللغة العربية ترجمات للعديد من المؤلفين الدنماركيين الكبار، أهمها ترجمات أعمال هانس كريستيان أندرسن ومارتن أندرسن نكسو وسورِن كيركِغارد.

طارق علوش

 

 


التصنيف : الآداب الجرمانية
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 371
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 560
الكل : 31511917
اليوم : 28322

الانتحاء

الانتحاء   الانتحاء tropism هو إحدى الحركات النباتية المرتبطة بالنمو، والمُوجّهُ بمحرِّض خارجي، كالجاذبية الأرضية التي تحرِّض على الانتحاء الأرضي geotropism، والضوء الجانبي الذي يحرِّض على الانتحاء الضوئي phototropism، والرطوبة التي تحرِّض على الانتحاء المائي hydrotropism.
المزيد »