logo

logo

logo

logo

logo

الحرفية (الفنون-)

حرفيه (فنون)

Handicraft - Artisanat

الحرفية (الفنون-)

 

كان الفن ومازال، مرتبطاً بالحرفة والصنعة والتقانة، حتى إن كلمة «فن» كانت تعني الثلاث معاً، والفنان في القرن السابع عشر هو طالب الفن، وبقيت هذه الكلمة حتى القرن الثامن عشر، تعني «الحرفي». ففي عام 1932 استعمل الكاتب الفرنسي المعروف بلزاك[ر] Balzac كلمة «فني» مقابل «حرفي». والفن في اللغة اللاتينية يعني «موهبة»، وعلم ومعرفة الصنع، ومهارة نوعية، فكرية ومادية، وهي ميزة وفضيلة الأصول الجيدة للتنفيذ والترتيب، وهو ضد السيء والفوضى، والفنان هو الحرفي، لكن هناك حرفاً دنيا كاللحام والخباز، وفنوناً نبيلة كالعمارة والرسم والخطابة، وهناك معارف حرة كالأدب والفنون الجميلة.

والحقيقة أن ماهية الفن كانت وماتزال، تشكل حالة من السجال بين الفنانين وعلماء الفن والجمال والحرفيين، ولاسيما علاقة الفن بالحرفة أو الصنعة التي يرى غالبية الباحثين ضرورتها للفن، فيها تستقيم لغته التعبيرية، وبوساطتها يبلّغ مضامينه إلى الآخرين، ويبقى حياً من جيل إلى جيل.

الحرفة ضرورية للفن كضرورة الفن لها، فبالفن تتصعد قيمة الحرفة الجمالية والتعبيرية، مما يزيد في حضورها وثرائها في عين المتلقي وأحاسيسه، وبه تتكرس أهميتها وأصالتها وتفردها.

وهكذا فإن الفن بحاجة إلى الحرفة ليتجسد ويحتل أبعاده الصحيحة والسليمة في الواقع، ويستمر مع الأجيال، والحقيقة لايوجد أي تناقض بين أن يكون المرء فناناً وحرفياً في آنٍ معاً، بل على العكس، هكذا يجب أن تكون الحال إذا كنا ننشد فناناً أصيلاً وحقيقياً.

على هذا الأساس، تعني الفنون الحرفية حالة من التماهي الإيجابي بين الفن والحرفة، والإبداع والتقانة، والابتكار والخبرة العملية المتراكمة بفعل الممارسة المستمرة، ومعالجة خامات ومواد وموضوعات محددة، يصعدها ويطورها باستمرار الحرفي المسكون بروح الفنان، أما الحرفي الصانع، فعادةً مايقع أسير النمطية والتكرار.

والفنون الحرفية تتعدد وتتنوع شكلاً وخامةً ووظيفة من بلد إلى آخر، ومن زمن لآخر أيضاً تبعاً لجملة من الأسباب الموضوعية والطبيعية والإنسانية، منها وفرة المواد والخامات، ونوعية الحاجات، وملاءمتها مع المناخ السائد، وتوافقها مع العادات والتقاليد، وغير ذلك. فالحرفة في الأساس، ترضي حاجة استعمالية يومية للإنسان، والفن يرضي حاجة جمالية روحية مواكبة.

لقد ارتبطت الفنون الحرفية ومازالت، بمواد وخامات محددة، شكلت القاعدة الأساسية لقيامها واستمرارها، عبر أحقاب زمنية عدة، منها الأشجار والنباتات والحجر والرخام والفخار والخزف والزجاج والعاج والمعادن المختلفة والصدف وقرون الحيوانات وجلودها والنسيج والألوان وغيرها. وهذه الفنون الحرفية، يتداولها الناس اليوم، بكثير من الحرص والاعتزاز، لأنها أصبحت جزءاً حميماً من حياتهم وبيوتهم وتاريخهم الشخصي، كذلك المتاحف وصالات العرض العالمية التي تتسابق للفوز بالأصيل النادر والمتقن الرائع لما لها من قيمة فنية وجمالية وحضارية وتاريخية ومادية، مع ماتحمل من رموز وقيم ودلالات روحية وأسطورية رفيعة، تشير إلى فرادة وخصوصية الشعوب المنتجة لها.

والفنون الحرفية في العادة، تقوم على الجهد العضلي لصانعها وأسرته التي تتناقلها جيلاً بعد جيل، لذلك فهي يدوية، وقيمتها وأصالتها تأتي من هذا الجانب، ومن براعة وموهبة وخبرة صانعها التي شكلت المقياس الأبرز لجودتها وأهميتها. وككل الإبداعات في الحياة، هناك فنون حرفية أصيلة وأخرى مقلدة، جيدة ومتواضعة، غالية ورخيصة، نادرة وسائدة، فريدة وكثيرة، مصنوعة للعامة وأخرى للملوك والرؤساء والدول والمتاحف، وهي ماتسمى بالتحفة النادرة والثمينة.

وبما أن الطلب ازداد على الفنون الحرفية في دول العالم كافة، بسبب تطور حركة السياحة وازدهارها وانتشارها، وإقبال السياح الشديد عليها، واقتنائها كهدايا وتذكارات، فقد بدأت تتخلى عن أصولها التقليدية، وصناعتها اليدوية، بدخول الآلة إليها، وتأديتها لجانب من صناعتها، بغية تحقيق الوفرة في إنتاجها، لتغطي الطلب المتزايد عليها في سوق السياحة الداخلية والخارجية على حد سواء، مما قلل من أهميتها وعراقتها، ذلك لأن الجهد الإنساني الذي كان ينصبّ مباشرة في تلك الفنون، مانحاً إياها إحساساً إنسانياً خاصاً، قضمته الآلة الباردة، معطبة جانباً من قيمته التعبيرية والحرفية في آن معاً.

وهكذا بدأت غالبية الفنون الحرفية تتحول من عمل يدوي إلى صناعة آلية، غزيرة الإنتاج، قليلة القيمة الفنية والمادية والدلالية.

تأخذ الفنون الحرفية أكثر من شكل ومهمة، وتُنفّذ بأكثر من مادة وخامة وطريقة، فهناك أدوات الزينة، والطواطم والأقنعة التي تستخدم لأكثر من مهمة دينية وسحرية، والتماثيل، والرقى المانعة للشر والحسد، والشعارات والرموز والرسوم الشعبية والأيقونات، وعلب الزينة والمجوهرات، وأدوات الأكل والشراب، وإطارات المرايا والنوافذ والكراسي والطاولات، والسيوف والخناجر والمزهريات واللوحات المنفذة بتقانات مختلفة، والزخارف المتعددة الأشكال والمهام والقناديل والأسرجة والجرار المتعددة الاستخدامات، والخزفيات المتنوعة، والزجاج والزجاج المعشّق، والخط العربي، والخيط العربي، والعجمي، والنحت بالحجر والخشب، والمعادن والطرق على النحاس، والحفر بالخشب والجص، والقاشاني، والموزاييك، والأرابيسك، وصناعة المنابر والأثاث والمشبكات، وطباعة الأقمشة بوساطة القوالب والأختام، والأنسجة المختلفة، وصناعة السيراميك، والسجاد، وفنون الكتاب، والفنون المعدنية، والفسيفساء، والفنون الحرفية المتعلقة بالعمارة الداخلية والخارجية كافة، وغير ذلك مما يصعب حصره هنا.

كل هذه الفنون الحرفية، وُجدت في البداية من أجل غايات استعمالية بسيطة، ثم مالبثت أن تصعدت شكلاً وطريقة استخدام، بالفن والتزيين والتزويق، لتلبي حاجة مُستجدة في النفس البشرية، محورها الجمال والبحث عن الأكمل والأمثل والأجمل، بالتوافق مع البيئة مناخاً ومواد ومعتقدات.

فالفنون الحرفية في المناطق الحارة، جاءت أسيرة حاجة الإنسان إلى الرطوبة والظل والتأقلم مع الواقع، بعكس صناعات المناطق الباردة التي تنشد الدفء للإنسان، يُضاف إلى ذلك، ارتباطها الوثيق بمواد وخامات البيئة والمعتقدات المتوارثة والذائقة الجمالية السائدة، وكانت نوعية المواد والخامات المتوافرة تفرض على الصانع أو الحرفي، طرائق التشكيل والتعبير، وأساليب المعالجة، وأشكال الزخارف والمنمنمات والألوان وحتى المضمونات والموضوعات التي كانت تتناول في العادة، ما في البيئة الأقرب: حيواناً ونباتاً وموروثاً شعبياً ومعتقدات. فكثيراً ما يسمع المرء عن السيف الدمشقي المتميز بتصميمه، والمنفرد بتقنيته وزخارفه وحسن إنجازه، وعن الموزاييك الشاميّة، وخنجر اليمن، وعن فنون حرفيّة تفردت بها هذه المدينة أو تلك، أو هذا البلد أو ذاك. إذ يكفي ذكر «ماموشكا» لإدراك هذا الرمز الروسي المعروف والشائع في أصقاع العالم كلها. ويكفي ذكر «مدينة مايسن» الألمانية للاهتداء إلى خزفها الشهير، والصين لتذكّر خزفها العريق الذي ضُرب به المثل، وإيران التي ارتبط اسمها بفنون السجاد والمنمنمات، وغير ذلك من المدن والبلدان.

وكما ارتبطت بعض الفنون الحرفية بالمدن والبلدان، ارتبطت أيضاً باسم صانعها الماهر وأسرته، فالرسوم الشعبية السورية، عُرفت من خلال «أبو صبحي التيناوي» وقبله من خلال والده، وبعده انحصرت بأسرته. كذلك عائلة «أبو القاسم عبد الله بن أبي طاهر القاشاني» التي اشتغلت بالقاشاني، كذلك المعلم «غيبي الشامي» الذي ذاعت شهرته في العشرينات والثلاثينات من القرن الخامس عشر ميلادي، بوصفه أهم المشتغلين في فن الخزف والقاشاني، وقد تأثر كثير من الخزفيين في مصر بأسلوب «غيبي الشامي» ومنهم «غزال» و«دهين» و«القرمزي» و«أبو العز».

وفي مجال فنون طباعة الأقمشة بوساطة القوالب والأختام الخشبية، برزت أسماء عدة منها أحمد خميس ومحمد عبدو العلبي وعبد الرزاق الدقاق وإبراهيم وعمر كلش وسعيد الكوكو ومحمد حوا وأحمد المرابط. وفي الفنون الزخرفية برز محمد علي الخياط (أبو سليمان) وأحمد محفوظ ومروان أوضه باشي ومحي الدين الشلبي (أبو صياح). وفي مجال الزخرفة على الخشب برز خالد الدوجي، وفي مجال المشقف محمد عوض وحمود اللاذقاني. ومن معلمي المقرنص «واكيك واكيم»، ومعلمي النحت بالحجر نواف عزام، وديب وفا. وفي مجال الرسم والتصميم وابتكار العناصر الزخرفية، برز وفا الدجاني وكان لويس صراف أول من ابتكر صناعة زخرفة المينا على النحاس، وفي مجال زخرفة الأثاث الخشبي وتزيينه بطريقة «القيصري» برز الخياط وأولاده.

عاشت الفنون الحرفية العربية والإسلامية، حالة كبرى من التقدم والازدهار والتألق، إبان ازدهار الدولة الإسلامية وانتشارها، حيث كانت حرية التنقل متاحة أمام الفنان الحرفي، بين أصقاع الدولة المترامية الأطراف. كما عمد الخلفاء والملوك والسلاطين، إلى البحث عن هؤلاء واستقدامهم إلى عواصمهم، وتكليفهم إقامة الورشات والمحترفات، لإنتاج هذه الفنون وتطويرها، بعد أن يوفروا لهم المستلزمات من مواد وخامات وأيدٍ عاملة، مما وفر لهم فرص الإبداع والابتكار، ونقل معارفهم وخبراتهم إلى الأجيال الشابة، فتواصلت هذه الفنون واستمرت، إنما بوتائر مختلفة، ارتبطت بحالة الأمن والاستقرار والرخاء الاقتصادي الذي تعيشه الدولة.

بعد ذلك، وتحت ظل الاستعمار المتعدد الجنسيات والأشكال الذي حكم البلاد العربية، تراجعت هذه الفنون الحرفية، واندثر بعضها بموت المشتغلين بها، أوتاه واختلط بفنون غربية وأجنبية وافدة، فضاعت أصالته، وتشوهت هويته، خاصة بدخول الآلة إليه، وإغراق السوق بمنتجاته الرخيصة، من أجل إرضاء السياح وتلبية حاجاتهم المتزايدة إليه.

من هنا، لابد من القيام بدراسة مستفيضة، علمية وموضوعية، للواقع الحالي لهذه الفنون الحرفية والمشتغلين فيها، والبحث عن السبل الكفيلة بتطوير مراكز إنتاجها، وإحلالها المكانة اللائقة بها في السياسة الاقتصادية والثقافية، وإرجاعها إلى منابعها وأصالتها، والعمل على تطويرها، بالشكل الذي يحمي أصالتها، ويؤكد عراقتها وتفردها، ويكرس قيمها الفنية الجمالية والدلالية، وقيمها التقانية الحرفية في آنٍ معاً.

محمود شاهين

 

 

 


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلدالثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 178
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1084
الكل : 45600817
اليوم : 1500

ري كيجونغ

ري كيجونغ (1895 ـ 1984)    يُعدّ ري كيجونغ Ri Kijòng، أو يي كي ـ يونغ Yi Ki-Yòng، عميد الأدب الكوري المعاصر. ولد في بلدة هورجونغ Hoerjòng وتوفي في مدينة بيونغيانغ P’yongyang. منذ يفاعته جاب ري كيجونغ مناطق جنوبي كوريا، متنقلاً من عمل إلى آخر بحثاً عن لقمة العيش، وبهدف التعرف إلى بلده وناسها، إلى أن تسنى له السفر في عام 1922 إلى اليابان حيث قضى سنتين، درس فيهما الآداب الأوربية، واطلع على الأدب الروسي/ السوڤييتي الذي ترك في نفسه أثراً عميقاً، ولاسيما أعمال مكسيم غوركي[ر] المبكرة.
المزيد »