logo

logo

logo

logo

logo

الخلود

خلود

Immortality - Immortalité

الخلود

 

الخلود immortality في اللغة: معناه الدوام والبقاء، يقال «خلَد في النعيم» و«خَلَد في السجن» أي دام وبقي، ويراد به في الفلسفة والدين: عدم الفناء بعد الموت، ودار الخلود: الجنة، وخلود النفس: بقاؤها بعد الموت بقاءً غير محدود محتفظة بصفات الذات الفردية.

وخلود الروح أو النفس مبدأ أساسي مقرر في الأديان، والقول بخلود النفس الفردية: مذهب المؤمنين بالدين السماوي، ومذهب الفلاسفة الروحانيين.

يعتقد الصينيون بفكرة الخلود الشخصي، دون أن يعدوا الوجود ممهداً لحياة أخرى في عالم آخر، لكن الطاويين والكونفوشوسيين لم يثيروا مشكلة الخلود الشخصي إلا «موتي» Moti الذي كان تأثير تعاليمه بسيطاً.

ويؤكد «تشوانغ- تسو» أن فكرة الخلود تتمثل في اغتباط «الحكيم»، بأنه لا يمكن أن يتلاشى قط، ولكنه يستمر في المعاناة. ولخص «لين يوتانغ» Lin Yutang نظرة الطاوية الفلسفية بعودة الكل أخيراً إلى الأحد الأولي، وإلى العقل الإلهي، إلى ينبوع الأشياء جميعها. أما الزرادشتية[ر] فتعتقد في الخلود.

وفي الهند تهتم «الأوبنشاد» اهتماماً واضحاً بالموت، وبما يأتي بعد الموت، وتتساءل: هل ينتهي تاريخ الإنسان بموته؟ أما الديانات الهندية (الهندوكية والبوذية والجانسية) فيعد أتباعها خلود الأفراد أمراً غير مرغوب فيه، ويعتقدون بتناسخ الأرواح البشرية تناسخاً تتصل حلقاته حتى ينتهي إلى الاتحاد باللامتناهي وتلك هي النرفانا.

وكان بعض قدماء العرب لا يميزون بين الأحياء والأموات، ويعتقدون باستمرار حياة الموتى وعلاقاتهم بالناس. وآخرون منهم في الوسط الوثني أو المادي في الجاهلية لا يعرفون شيئاً عن الخلود، وهم الدهرية الذين يعتقدون بالفناء بعد الموت، كما حكى القرآن عنهم: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاّ الدَّهْرُ (الجاثية: 24).

وخلافاً لذلك، كان اليونان والرومان الأقدمون يعتقدون في حياة أخرى تحيا فيها الأنفس البشرية، أما الخلود الحق فهو من خصائص الآلهة وحدها، فهم مشركون لقولهم بتعدد الآلهة.

والأورفية من اليونان، خلافاً للهنود، تؤمن بوحدة الوجود (زيوس واحد): إله في كل شيء، وحيثما كان. ويختلط الهدف الأخير للأورفية بالاحتفاظ بالحقيقة الروحية، لا التلاشي البسيط في صميم اللانهاية، والروح منفصلة عن الجسد، ويمكن أن يكون للنفس تجسدات سابقة في الدنيا، وتجسدات أخرى في المستقبل، كما يمكن للنفس فيما بين تجسدات مختلفة أن تقيم في الجحيم.

وأسهمت «الفيثاغورية» في تحويل انتباه اليونانيين إلى حياة تأتي بعد الموت، لأن الموت بالتأكيد يقود إلى الخير.

وكان أفلاطون أبرز الذين تحدثوا عن خلود النفس، وقد بيّن ذلك في محاورة «فيدون»، التي ربط فيها بين سعادة النفس الأخروية وتحرر الإنسان في حياته من شهوات البدن وملذاته. وقد ساق أفلاطون براهين كثيرة لتأييد فكرة خلود النفس، مازالت تيارات الفكر الفلسفي تتناقلها إلى اليوم.

وكان لسقوط «اينيه» بطل فرجيل في الجحيم علاقة عند الرومان بما سيأتي بعد الموت، ويعبر عن تطلع النفس إلى حياة فيما وراء هذه الحياة الحاضرة، وجعل هذه الحياة الحاضرة توطئه لتلك الحياة الأخرى.

والقول بخلود النفس عند «ديكارت» من مسلّمات العقل العملي، وهو أن الإنسان المتناهي يستطيع أن يحقق كماله الخلقي، وأن يرتقي حتى يبلغ درجة القداسة. وقد فرق «غوبلو» بين خلود النفس والحياة الثانية بالقول: إن الحياة الثانية ذات ديمومة تبتدئ عند انفصال النفس عن البدن، على حين أن خلود النفس حياة مستقلة عن الزمان ليس لها قبل ولا بعد. ولكن معنى الخلود المستقل عن الزمان لا يختلف عن معنى الأبدية، والأفضل أن لا ينفصل معنى الخلود عن معنى الزمان، وأن يكون معناه ومعنى الأبدية متميزين.

وتوجد فكرة الخلود أيضاً في المذهب الكانتي، وهي مما يقضي به العقل العملي. وفي رأي كَنْت أن من الممكن للكائن المحدود أن يحقق التكمل الأخلاقي في صورة تقدم غير محدود نحو القداسة، وهذا يقتضي الخلود.

واتفقت الشرائع السماوية (اليهودية والمسيحية والإسلام) على أن خلود الروح مبدأ أساسي، وركزت آيات القرآن الكريم على إثبات خلود الإنسان بعد الموت في عالم البعث والقيامة، وتأيد ذلك بالدليل العقلي، على أن الروح الإنسانية لا تفنى بفناء البدن، وإنما تظل خالدة متصفة بما اكتسبت في الحياة الدنيا.

وقد ورد في القرآن 84 آية تؤكد خلود الإنسان في الآخرة، وهذا يعني أن الروح خالدة لا تفنى، وأن الإنسان في عالم القيامة خالد: إما في الجنة إذا كان مؤمناً مستقيماً، وإما في النار إذا كان كافراً ضالاً.

والخلود بالمفهوم من الآيات القرآنية هو للنفس الفردية، لقوله تعالى: ﴿إن الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا خَالِدِينَ فِيهَا لايَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً (الكهف، 107-108) أي تحولاً عنها، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُون لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (الزخرف، 74-75) أي آيسون من النجاة. والخلود للجماعات والأفراد، لقوله عز وجل: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِين (النساء، 13-14).

والقول بتناسخ الأرواح في العقيدة الإسلامية قول باطل، لأن الله تعالى وحده هو المتحكم بالروح الإنسانية عطاء وأخذاً، كما قال سبحانه: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً (الإسراء، 85). ولأن السؤال والعذاب واردان على روح الميت بيقين، وينعكس ذلك على الجسد، فالروح ملازمة لصاحبها، ومشـغولة به، ومحبوسـة له أو عليه، كما قال:﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَة (المدثر، 38) فلا تنصرف عن صاحبها لتسكن جسداً آخر، وبه يتبين أن الإيمان بالتناسخ يتناقض مع الإيمان بما يكون بعد الموت من السؤال والعذاب، ويظل للروح الخلود والبقاء، بالدليل الخبري في القرآن والسنة الدال على بطلان التناسخ، وليس هناك أي دليل آخر على التصديق بالتناسخ، وليس للعقل سلطان على الأمور الغيبية.

غير أن الخلود للنفس في عالم الآخرة مرتبط بمشيئة الله تعالى، لقوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (هود، 107-108) وارتباط الأفعال بالمشيئة سواء في الدنيا أو في الآخرة للدلالة على سلطان الله تعالى، وأنه لا يقع شيء في الكون إلا بمشيئته، حتى لا يكون الله مجبوراً أو مكرهاً على أمر من الأمور، وأن ذلك بقدرته وحكمته موافق لما في علمه.

قال الزمحشري في الكشاف في تأويل «ما دامت السموات والأرض» أحدهما: أن تراد سموات الآخرة وأرضها، والثاني: أن يكون عبارة عن التأبيد ونفي الانقطاع، كقول العرب: ما دام تعارّ (صياح) وما أقام ثبير (جبل في الحجاز) وما لاح كوكب وغير ذلك من كلمات التأبيد. والوجه الثاني هو ما اعتمده فخر الدين الرازي وغيره.

لكن بعض الفلاسفة العقليين ذهب إلى أن الخلود كلي لا فردي، ومعنى ذلك أنه لا بقاء بعد الموت إلا للجوهر العاقل، وهو واحد وكلي، أما النفس الفردية، فإنها إذا فارقت البدن، انضمت إلى هذا الجوهر الكلي واتحدت به، وقريب من ذ لك أيضاً مذهب القائلين بأن البقاء للإنسانية، لا للأفراد.

ففي الفكر الإسلامي يرى «ابن رشد» أن الحكم بالخلود، إنما موضوعه العقل العام الذي هو عقل الإنسانية، وهذا هو المراد بالخلود النوعي، كما أن الحكم بالفناء إنما هو على العقول الجزئية المنفعلة التي توجد مع الإنسان وتفنى بفنائه، أي إن العقل العام الذي هو مشترك بين جميع أفراد البشر هو وحده الأزلي الخالد الذي لا يعتريه تغيير ولا يطرأ عليه فساد، أما العقل المنفعل الذي يفسره ابن رشد بالاستعداد الشخصي، فكما أنه حادث يولد مع الإنسان، هو كذلك، فان «بفناء الإنسان ليس هناك بعد مفارقة النفس للبدن نفوس جزئية متمايز بعضها عن بعض، ومستقل عنه بذاته وجوهره، وإنما هناك عقل واحد كلي هو عقل الإنسانية جمعاء». وعلى هذا الأساس يكون كل ما قرر الخلود من نصوص ابن رشد محمولاً على الخلود الكلي، وكل ما نفاه محمولاً على الخلود الفردي، فكل من طرفي الإثبات والنفي صحيح ما دام الموضوع في أحدهما مختلفاً عنه في الآخر، فالوجود الأخروي في حقيقته روحاني لا جسماني، إذ الأجسام تفنى بما معها من استعدادات وعقول خاصة، ويبقى العقل العام وحده مجرداً من علائق الأبدان التي كانت في هذه الحياة الدنيا.

وهذه الفكرة لا تتفق مع القرآن الكريم حيث تشهد الأعضاء على الإنسان في الآخرة بما اقترف من الذنوب في الدنيا، وهذا دليل على الخلود الروحي والجسدي، ولكن تتغير صفات الأجساد.

والخلاصة: إن الخلود للروح، وكذا للنفس الفردية في الآخرة، لأن نعيم الجنة وعذاب النار للروح والجسد معاً بنص القرآن.

عبد الحميد الصالح 

الموضوعات ذات الصلة:

 

أفلاطون ـ البوذية ـ الجنة ـ الطاوية ـ النار ـ النفس ـ الهندوسية. 

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ الزمخشري، الكشاف (مطبعة البابي الحلبي، 1367ه / 1948م).

ـ محمد سعيد رمضان البوطي، كبرى اليقينيات الكونية (دار الفكر بدمشق 1389هـ /1969م).

 


التصنيف : الفلسفة و علم الاجتماع و العقائد
المجلد: المجلدالثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 887
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 527
الكل : 31881922
اليوم : 1952

إيباربورو (خوانا دي-)

إيباربورو (خوانا دي ـ) (1895 ـ 1979)   خوانا دي إيباربورو Juana de Ibarbourou شاعرة وقاصّة وكاتبة مسرحيات من الأورغواي تعد إلى جانب غابريلا ميسترال [ر] Gabriela Mistral أهم شاعرة في أمريكة اللاتينية. ولدت في مدينة ميلو Melo في الأورغواي، وتوفيت في العاصمة مونتيفيديو Montevideo. نشرت في عام 1919 أول ديوان شعري لها تحت عنوان «لغات الماس» Las lenguas de diamente وقد حقّق لها شهرة منقطعة النظير في أرجاء البلدان الناطقة باللغة الإسبانية. ويُعد ديوانها هذا حدثاً شعرياً مهماً، فقد نظمت قصائده بنَفَسٍ دنيوي إبيقوري ماجن يعشق الحياة ويكلف بها. كما تظهر الميزات عينها في ديوانَيها: «جذور بريّة» (1920) Raïz salvaje، و«الجرّة الباردة»  (1922) El cántaro fresco.
المزيد »