logo

logo

logo

logo

logo

دير سمعان

دير سمعان

Deir Samaan - Deir Samaan

دير سمعان

 

قرية صغيرة تقع على جبل سمعان، على بعد 60كم غربي مدينة حلب، وعلى الطريق الروماني القديم قورش - خلقيس (قنسرين)، ويقول ياقوت الحموي نقلاً عن العمراني إن سمعان اسم وموقع بالشام فيه قبر الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز. ويجب عدم الخلط بين قرية دير سمعان وقلعة سمعان، على الرغم من ارتباط حياة القرية لفترة من الزمن بالقلعة، يبدو أن القرية كانت قائمة قبل قيام قلعة سمعان في العصر البيزنطي، حيث كانت تسمى «تيلانيوس»، وكانت في هذا العصر مركزاً دينياً مرموقاً ترنو إليه أعين طالبي المعرفة والتثقيف بالدين المسيحي، كما وفد إليها الحجاج من بلدان عدة، هذا إلى جانب كونها منتجعاً لأهل مدينة أنطاكية، وهي اليوم قرية في مركز منطقة عفرين تقوم بين أنقاض خرائب تيلانيوس، مما سبب ضرراً بالغاً لبقاياها التاريخية، ويسكنها اليوم بعض العائلات.

ويظهر من دراسة البيئة الجغرافية المحيطة بقلعة سمعان أنها قامت في منطقة مأهولة بالسكان ذات صخور كلسية، كان يزرع أهلها أشجار الكرمة والتين والزيتون، ولا تزال بقايا هذه الزراعة قائمة إلى اليوم. وإضافة إلى ذلك يزرع الأهالي اليوم بعض المحاصيل الصيفية والخضار ويربون الماشية، حيث يوجد بالقرب منها سهل الفاطورة وسهل عفرين. أما مناخ المنطقة فبارد وممطر في الشتاء ومعتدل في الصيف.

قلعة سمعان

تقع قلعة سمعان فوق نتوء صخري في جبل سمعان يرتفع نحو 564م عن سطح البحر. وإن الحديث عن قلعة سمعان يفرض الحديث عن الرجل الذي أعطى اسمه لهذه القرية، فقد ظلت القرية حتى أواسط القرن الخامس الميلادي مركزاً زراعياً فقيراً، وبيوتها متواضعة، ثم ازدهرت وأصبحت ذات شهرة واسعة اكتسبتها في حياة مار سمعان العمودي وبعد وفاته.

ولد القديس سمعان العمودي في قرية سيسان في كيليكيا سنة 389م، كان راعي أغنام، ترهَّب في الثالثة عشرة من عمره، فلازم عدداً من الأديرة وروَّض نفسه على الحياة القاسية والصوم، وذاع صيت ورعه، فأقبل الناس عليه للزيارة والتبرك فضجر منهم وأحب الاعتزال، مما دفعه إلى إقامة عمود لنفسه، وآثر العيش فوقه، ومن هنا جاءت تسميته بالعمودي. وبلغ مجموع ما أقامه من السنين فوق الأعمدة الثلاثة الأخيرة نحو تسع وثلاثين سنة، وظل على حياة التقشف والحياة فوق العمود حتى أدركته الوفاة سنة 459م، ودُفن في مدينة أنطاكية في كنيسة قسطنطين الكبير.

وتكريماً للقديس سمعان، تم تشييد الكنيسة الرهبانية الكبرى في أواخر القرن الخامس الميلادي بين عامي 476 و490م على شكل صليب. وتتألف الكنيسة من أربعة أضلاع يتوسطها شكل مثمن يقوم في وسطه العمود المقدس الذي كان يتعبد فوقه القديس سمعان، ويقوم هذا الشكل المثمن بوظيفة الموزّع لأقسام (لأضلاع) الكنيسة الأربعة عبر أقواس أربع، قوس لكل ضلع، وأرضية المثمَّن مبلَّطة بأحجار كبيرة لازالت بقاياها موجودة. ويلحق بالكنيسة الرهبانية الكبرى الدير لسكن الرهبان وطلاب العلم والمدافن والمعمودية، وهي ذات شكل مثمن وأرضها مرصوفة بالفسيفساء. كما بُنيت الفنادق والفيلات الجميلة والمخازن، وأُنشئ طريق صاعد دُعي بـ «الطريق المقدس» لتيسير وصول الزوار من القرية إلى الكنيسة الكبرى وزيارة العمود، وأُقيمت في بداية هذا الطريق قوس نصر فخمة لا يزال قسمها الغربي سليماً إلى اليوم.

وازداد أيضاً عدد الأديرة والكنائس، إذ شُيّد في القرية ثلاثة أديرة مع كنائسها وكنيسة رابعة على حدة، وتحيط بالقرية من أطرافها الأربعة. كان هذا كله بفضل سخاء الحجاج والزوار والحركة التجارية الناجمة عن ذلك. وحين فتح العرب المسلمون سورية أبقوا الكنيسة الكبرى والدير بيد المؤمنين المسيحيين وفقاً لتقاليدهم. وعندما ضعفت الدولة العربية الإسلامية، استطاع البيزنطيون سنة 969/970م السيطرة على كنيسة سمعان وحصنوها ورصفوها بالفسيفساء، وأجروا عليها بعض الإضافات والإصلاحات فتحولت إلى قلعة منيعة. فقد أُضيفت إليها أسوار وأبراج لا تزال بقاياها إلى اليوم، كما أُضيفت إليها أقسام دفاعية. وبتلك التحصينات أصبحت كنيسة سمعان ذات موقع حصين وسط قلعة منيعة، فأُطلق عليها اسم «قلعة سمعان»، وظلت القلعة بيد البيزنطيين تشكل حصناً دفاعياً منيعاً أمام حدود إمارة حلب الحمدانية. وفي عام 986م استعاد الحمدانيون قلعة سمعان، وفي عام 1017 نجح الفاطميون في السيطرة عليها، وظلت قلعة سمعان لؤلؤة الشرق المسيحي ومحط أنظار الحجاج، شامخة بعمود مار سمعان وبمبانيها الدينية والكنيسة والرهبانية، عامرة بسكانها الرهبان والنسَّاك، مزدهرة بالحجاج والزوار حتى أوائل القرن السابع الميلادي، واستمرت مأهولة بالسكان دون انقطاع حتى نهاية القرن الثاني عشر، وأخيراً استولى نور الدين سنة 1164م على الدير وأخذ كل رهبانه أسرى إلى حلب، فتوقف كل شيء فيه، وهُجرت قرية دير سمعان وقلعة سمعان. وبعد ذلك التاريخ أضحت قلعة سمعان مقفرة خربة تشمخ بأطلالها.

ويتكون مجمع قلعة سمعان الأثري اليوم من حقل خرائب فسيح، ولا تزال بقية من العمود ماثلة حتى اليوم في فناء الكنيسة على قاعدة منحوتة في الصخر. وقلعة سمعان اليوم هي هدف السائحين ومحط إعجابهم ودهشتهم. وتبرز القلعة والكنيسة عبقرية العمارة السورية في العصر الروماني، وتعبران عن ولع وتقى إلهي كبيرين. وقد قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية بترميم القلعة وكنيستها، وحوَّلت القلعة إلى مركز سياحي يقدم الخدمات للزائرين، ولا تزال أعمال المديرية مستمرة في قلعة سمعان.

ممدوح دبس 

مراجع للاستزادة:

ـ شوقي شعث، قلعة سمعان (منشورات المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق 1984).

ـ موسوعة بطريركية أنطاكية التاريخية والأثرية، المجلد الرابع، القسم الثاني (1997).

ـ كتاب دورة الأدلاء السياحيين (وزارة السياحة، دمشق 1996).

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 523
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 503
الكل : 28925929
اليوم : 22325

بيجهوت (والتر-)

بيجهوت (والتر ـ) (1826 ـ 1877م)   والتر بيجهوت Walter Bagehot من كبار رجال الاقتصاد والسياسة في بريطانية، في القرن التاسع عشر. ولد في لونغ بورت بتاريخ 3 شباط 1826م، وكان في طفولته وشبابه طالب علم متفوقاً، حصل على شهادة الإجازة (البكالوريوس) في الأخلاق والفلسفة بدرجة الشرف، وعلى درجة الماجستير مع ميدالية ذهبية، وبعد تخرجه بثلاث سنوات درس مهنة المحاماة، ولكنه لم يمارسها، واتجه نحو الكتابة والأدب، وعمل في أحد المصارف، وحلَّ فيما بعد محل والده نائباً لرئيس مصرف سومرست شاير، وكتب سلسلة من المقالات الأدبية حول ميلتون وشكسبير وغييون ووالتر سكوت، فضلاً عن دراسات حول أبرز القادة السياسيين الإنكليز في القرن الماضي.
المزيد »