logo

logo

logo

logo

logo

الزُجاج (فن-)

زجاج (فن)

GLASS ART - La Verrerie

الزجاج (فن ـ)

 

الزجاج كلمة عربية وردت في القرآن الكريم )مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيها مِصْباحٌ. المِصبَاح في زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَة كَأنهَا كَوكَبٌ دري( (النور:35) وفي المعجم صانع الزجاج يسمى الزجّاج. والزجاج اسم نوع.

صناعة الزجاج

مشكاة ـ قنديل الجامع الأموي

الزجاج مادة مركبة يابسة قصفة سهلة الكسر، ومادتها الأساسية الرمل والقلي. وتتم صناعة الزجاج اليوم بطحن مزيج من الرمل والقلي والحجر الجيري، ثم يسخن المسحوق بدرجة عالية تصل إلى 1500 ْ، حتى يصبح المزيج هلامي القوام، مما يساعد على تشكيله قبل أن يبرد، على شكل ألواح مسطحة أو على شكل أوانٍ مفرغة، ويتم تشكيل ألواح الزجاج بتبسيط المزيج الهلامي على سطح أملس، والضغط عليه بإحكام. وتستعمل اليوم اسطوانات التسوية، لجعل الألواح ذات سماكة واحدة، ثم يجري صقل الألواح لتصبح شديدة الشفافية وناعمة الملمس.

ولتشكيل المزيج الهلامي على هيئة الأواني، مازال الزجاجّون يستعملون الأنبوب المعدني الطويل لنفخ المزيج، وهذه الطريقة قديمة ترجع إلى ألفي عام.

وقد أضيفت إلى مواد الزجاج الأولية أكاسيد متنوعة جعلته ملوناً؛ ويستعمل أكسيد النحاس للون الأخضر، وأكسيد الحديد للون الأحمر، وحامض الانتموان للون الأصفر، وأكسيد القصدير للون الأبيض.

كما أضيفت له اليوم بعض المواد ليصير أكثر مناعة، كالألياف والخيوط المستعملة في صناعة النسيج. وصارت الأواني الزجاجية تصنع اليوم آلياً وبقوالب فولاذية. وأهم المصنوعات الزجاجية وأفخرها البللور الصخري، وأجوده الكريستال البوهيمي ومنه تؤلف الثريات.

الزجاج الفينيقي

ابتدأ الفينيقيون[ر] صناعة الزجاج، وانتشرت صناعته في الألف الأول قبل الميلاد حول شواطئ بلاد الشام المطلة على البحر المتوسط.

تشهد بعض الآثار الفنية الباقية على فن الزجاج الفينيقي ممثلة في الأواني الملونة على شكل أمواج، أو على شكل بقع فسيفساء ملونة، وتسمى الأوراق الألفية millefiori. ويتوافر في متاحف دمشق وبيروت وتونس وغرناطة نماذج من هذه الأواني، التي انتقلت صناعتها إلى العصر الإغريقي الروماني، ولكنها ترسخت على أرض الإسلام، حاملة التقاليد السابقة. ولعل طريقتها أصبحت تعتمد على إضافة خيوط زجاجية ملونة إلى جسم الآنية بآلة تشبه المشط، فتكوّن أشكالاً تموجية شبيهة بأسنان المنشار أو حراشف السمك، كما تختلف بألوانها عن ألوان الزجاج القديم، إذ طغى اللون الأرجواني الفاتح عليها وأصبحت الخطوط أكثر سماكة.

النوافذ الزجاجية

أبريق شارلماني مطلي بالمينا

انتشر الزجاج متأثراً بصناعة الزجاج الإسلامي. ولكن ثمة ألواح تزيينية وفنية أصبحت تغطي نوافذ الكاتدرائيات القوطية في العصور الوسطى، كانت تعتمد على لويحات زجاجية ملونة أو مرسومة تحبك ضمن تشكيل الصورة بوساطة قضبان رصاصية. ولعل أبرز هذه الألواح وأكبرها هي اللوحات الدائرية على شكل وردة متفتحة rosace، التي تتصدر واجهات الكاتدرائيات القوطية التي مازال أكثرها قائماً في فرنسا.

وفي الفنون الإسلامية ولاسيما في العمارة، لم تكن النوافذ في بدايتها مغطاة بقمريات أو شمسيات زجاجية، بل كانت مجرد شباك جصية مفرغة ذات زخارف متنوعة، ومازال بعضها الذي يعود إلى العصر الأموي، ماثلاً في الجامع الكبير بدمشق وفي قصر الحير الغربي في بادية الشام (متحف دمشق).

ثم أضيف إلى هذه النوافذ الشبكية ومنذ القرن الهجري السابع (13م) لويحات زجاجية ملونة محبوكة بالزخارف الجصية، وليس بقضبان الرصاص، وقد أطلق على هذه الألواح اسم الزجاج المعشق[ر].

أشكال الصناعة الزجاجية

ورثت بلاد الشام صناعة الزجاج الأولى التي ابتكرها الفينيقيون، وغدت دمشق عاصمة الأمويين الذين امتدت دولتهم إلى تخوم الصين شرقاً وإلى أوربا غرباً، مصدراً لصناعة الزجاج، تشاركها في إنتاجها مصر منذ العصر الفاطمي. فقد عثر في الفسطاط في مصر، وفي الرقة، وفي الشام على آثار قديمة لهذه الصناعة التي انتشرت بعدها في العراق حيث تبدو آثارها في سامراء، ثم انتقلت إلى فارس حيث تشاهد بقاياها في ري ونيسابور وفي شيراز.

وازدهرت في سمرقند بعد أن انتقل إليها الزجّاجون من أهل الشام، وقد ساقهم تيمورلنك عام 1400م مع الصناع الآخرين لتحقيق نهضته في مسقط رأسه سمرقند. وبعض آيات زجاجيات هؤلاء الصناع محفوظة في متحف جلستان في طهران. وفي المتحف البريطاني صحن ممّوه بالميناء من سمرقند، لاشك في نسبته إلى زجّاج انتقل من أرض الشام.

وفي عهد الشاه عباس (1587ـ1628) أصبحت شيراز أهم مركز لصناعة الزجاج الأبيض والأخضر والأزرق، ولكن ليس فيها زخارف محفورة أو مقطوعة. بل تمتاز بعض الأواني بصور منمنمة لكائنات حيّة أو أسطورية. ويؤكد الرحالة الغربيون، أن صناعة الزجاج في شيراز صارت على قدر كبير من الجودة والإتقان، وأن النوافذ الزجاجية والأواني الشيرازية، كانت مرغوبة جداً في كل مكان في ذلك العصر.

واجهة نافذة زجاجية في كاتدرائية بواتييه

وانتقلت صناعة الزجاج غرباً إلى أوربا حتى الأندلس، وقد عثر في قصر الزهراء في قرطبة على نماذج لاتختلف عن الزجاج الشرقي. وتمركزت هذه الصناعة في جزيرة مورانوMurano من أعمال البندقية، وكانت هذه الصناعة مستمدة من تقاليد الصناعة الشامية، بل إن بعض المشكاوات الشامية قلدت وزورت.

وكان الملوك النورمان في صقلية قد اعتمدوا على المعماريين والفنانين المسلمين في نهضتهم، وقد شوهد فيها أعمال زجاجية إسلامية تحمل كتابات عربية.

وتحتفظ الكاتدرائيات والمتاحف الأوربية بروائع الصناعات الزجاجية، منها كؤوس تنسب إلى القديسة هدويغ Hedwig المتوفاة عام 1242م. وعددها عشرة كؤوس مازالت موزعة في كاتدرائيات أوربا، ويحتار مؤرخو الفن في تحديد هوية هذه الكؤوس؛ فمنهم من ادعى أنها بوهيمية، وآخرون يؤكدون أنها صنعت في مصر. وهذا الاختلاف يدل على مدى انتشار الزجاج الإسلامي أو تأثيره في صناعة الزجاج الأوربي.

على أن أكثر القطع المحفوظة في أوربا، لايُشك بهويتها المصرية أو الشامية، ولعلها انتقلت مع الحجاج الأوربيين العائدين من الأراضي المقدسة. ومن أروع هذه القطع إبريق من البللور الصخري صنع في مصر في القرن الخامس الهجري (11م) محفوظ في متحف فكتوريا وآلبرت في لندن، ويتميز بزخارف مروحية وكتابات كوفية دعائية. وفي متحف بتّى في فلورنسة إبريق مماثل، إضافة إلى أباريق أخرى لايشكك في نسبها إلى العصر الفاطمي أو المملوكي في مصر أو الشام، إذ يتحدث المقريزي عن المحنة التي حلت بكنوز الخليفة المستنصر عام 1062م وخاصة نهب الأواني البللورية والزجاجية النفيسة، والتي خرج أكثرها إلى أوربا، واستقرت في متاحفها وكنائسها.

الزخرفة على الزجاج

لم تكن القطع الزجاجية المعروفة مجردة عن الزخارف. فقد امتدت يد الزجّاج المحترف والفنان، لكي تُزَين الأواني الزجاجية بزخارف كانت أشكالها في البداية مجردة، مؤلفة من دوائر ذات مركز واحد منفوخة أو مختومة أو مصنوعة بملقط أو منقاش على سطح الآنية، أو ملونة بريشة، وكانت هذه الزخارف من الزجاج الهلامي أو الزجاج البارد. ثم استطاع الزجّاج ابتكار البريق المعدني لرصف الزجاج، أو لتذهيبه وتمويهه. وتتم هذه العملية باستعمال ريشة دقيقة لرسم الخطوط ثم تستعمل فرشاة للتلوين الذهبي، وبعد حرق الإناء يطلى بالميناء نصف الشفاف؛ وهو مادة من ذائب الرصاص، ثم يلون بالأكاسيد المعدنية، وأهم الألوان اللون الزمردي المصنوع من مسحوق اللازورد.

وكثيراً ما استعمل البللور الأكثر نقاءً من الزجاج في صناعة الأواني، وثمة اعتقاد أن البللور يجلب السعادة، وأنه رمز للنقاء الروحي لشفافيته.

وصل البللور والزجاج المزيَّن إلى أوج إتقانه في العصر الفاطمي والمملوكي. وكان زجاج الشام المصنوع في دمشق أو حلب أو الرقة قد لفت اهتمام رجال السلطة، والناس يتهادونه تحفة فنية ثمينة، لما يتضمنه من صنعة صعبة دقيقة، ومن زخرفة مذهبة ثمينة، وإذا كانت الزخارف مجردة هندسية أو نباتية في بدايتها، فقد أصبحت تمثل أزهاراً وحيوانات، إلى جانب الكتابات الكوفية الجميلة. مما يُرى في روائع الأواني الزجاجية.

وفي العصر المملوكي وصل الزجاج الممّوه إلى أبدع إنتاجه، ولاسيما في صناعة المصابيح «المشكاوات وهي جمع مشكاة» كما وردت في القرآن الكريم. وهي قناديل زجاجية على شكل أوانٍ ذات عروات ترتبط بها أسلاك لحملها إلى كرة زجاجية مزينة وممّوهة كالمشكاوات، كانت تعلق في سقوف القاعات، وتزين هذه المشكاوات بأشرطة زخرفية ورنوك (شارات) السلاطين والأمراء، وكتابات قرآنية أو تاريخية. وأكثرها يعود إلى القرن الثامن الهجري (14م)، وهي محفوظة في المتحف الإسلامي في القاهرة يعود بعضها إلى مدرسة السلطان حسن (1347ـ1360م). وفي متحف متروبوليتان في نيويورك مجموعة من المشكاوات تعود إلى الشام أو إلى مصر.

لم يقتصر صنع الزجاج في العصر المملوكي على المشكاوات، بل امتد إلى جميع أشكال الأواني، من صحون وأكواب تحمل زخارف مشابهة لزخارف المشكاوات، مع إضافة رسوم آدمية وحيوانية عليها، ولقد صنعت من هذه التحف في القاهرة، مجموعة من الأواني لسلاطين بني رسول في اليمن.

وفي العصر الحديث تطورت صناعة الزجاج في العالم، وأصبحت آلية إلى جانب الصناعة التقليدية اليدوية، وصار استعمال الزجاج في العمارة والصناعة وفي النسيج متطوراً، بعد أن أضيفت إلى خلطته الأصلية مواد مقوية، وقد يستعاض أحياناً عن الزجاج، بمادة بديلة مماثلة ومتميزة مثل البيركس والبيروسيل.

عفيف البهنسي

مراجع للاستزادة:

 

ـ رؤوف النحاس، صناعة الزجاج (دار النهضة العربية، القاهرة 1966).

ـ زكي حمدان، فنون الإسلام (دار الرائد العربي، بيروت 1981).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلد العاشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 265
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 576
الكل : 29662515
اليوم : 42525

سندر (رامون-)

سِنْدِر (رامون ـ) (1901ـ1982)    رامون خوسيه سِنْدِر Ramón José Sender من أبرز الروائيين الإسبان، ومن أكثر من ترجمت أعمالهم إلى اللغات الأجنبية بعد ثِربانتِس. ولد في بلدة تشالامِرا دي سنِكا Chalamera de Cinca، وعمل في شبابه صحفيّاً ومديراً لمجلّة «تِنسور» Tensor. بدأ الكتابة روائياً واقعياً، ضمن حركة التسييس العامة للحياة الأدبية التي قامت في الثلاثينيات من القرن العشرين فركز في أعماله على تاريخ إسبانيا والقضايا الاجتماعية.
المزيد »