logo

logo

logo

logo

logo

الخدمات الطبية العسكرية

خدمات طبيه عسكريه

Military medical services - Services de santé des armées

الخدمات الطبية العسكرية

 

أطروحة الموت والحياة، والصحة والمرض، كانت منذ كانت الحياة على وجه البسيطة، في الزمن الممعن في أعماق التاريخ، ورافقت أحداث حياة الإنسان، من مراحلها الأولى البدائية، إلـى أشكالها الحضارية الأكثر تطوراً، حتى اليوم.

ويكشف علم الأنثروبولوجيا أن تـراث الإنسانية حفظ صوراً عن أساليب البحث الملحّ للإنسان، في دفاعه عن الحياة في مواجهة الموت، ومكافحته لأشكال المرض الذي يأتي من دون سبب معروف، أو يصنعه الأفراد في اقتتال بعضهم مع بعض، بألوان من العلاج، ما تزال تستخدم لدى المجتمعات البدائية حتى اليوم.

ومع تطور المجتمعات الإنسانية، وتنظيماتها، غدت الحاجة ملحّة للخدمات الطبية، ومكافحة الأمراض، وإقامة المستشفيات، وعلاج الإصابات الرضية وغيرها، مما يتعرض له الإنسان، في ممارسته لنشاطه اليومي، على صعيد الحياة المدنيـة، كما غدت الحاجة ملحّة، أيضاً، لمعالجة جرحى الحروب، ومُصابيها، وتقديم ما يمكن، من أجل إنقاذ حياتهم، في حالات الحروب الصغيرة والكبيرة.

والمؤسف أن التقدم الحاصل، في حياة المجتمعات والدول، عبر قرون مديدة، قد وفّر بالعلم والتقنيات، إمكان ازديـاد إصابات الحروب، وعدد ضحاياها، في كوارثها المخيفة. والمؤسف أكثر أن الزمن المعاصر، قد جاد بأسلحة سمّيت بأسلحة الدمار الشامل، تهدم وتحرق كل شيء، وتميت بثوان معدودات مئات الألوف. ومع ازدياد عدد السكان، في المجتمعات الحديثة، على كرتنا الأرضية، واحتدام الصراعات بينها، ازداد عدد القوات المسلحة، في كل أمة، كما ازدادت ضراوة القتال، وارتفع عدد الضحايا، وتنامت بذلك واجبات الخدمات الطبية، في كل جيش.

ولم تعد الأمور تنحصر في التمريض المرافق للجيوش، بل اختلفت حجماً وقيمة، في مراحل التاريخ، واستدعـتْ الضـرورةَ قيـامِ مؤسسات خاصة، تقابل مؤسسات الصحة المدنية، ومستشفيات متعددة الاختصاصات، واحتياطات ومستوصفات وتنظيمات، تعمل أيام السلم وأيام الحرب، ولا يقل دورها في السلم عنه في الحرب.

ذلك أن الحياة التي تحياها هذه التجمّعات العسكرية الكبيرة، في البراري والقفار، وفي ظروف ميدانية غير مريحة، تخلق مشاكل بيئية كبيرة، تساعد على انتشار الأمراض والأوبئة والإصابات الرضية المختلفة، مما يضعف من كفاءة القتال عند الجيوش، ويضع عراقيل في وجه قيادتها، وأداء مهماتها. لقد كان عدد ضحايا الأوبئة، في الجيوش، في الحرب العالمية الأولى، أكبر من عدد ضحايا المعـارك الحربيـة، ومـن هنـا تتبين أهمية المجهود الطبي الوقائي، في الخدمات الطبية العسكرية، في السلم وفي الحرب، مع عدم الإقلال من أهمية واجباتها العلاجية للمصابين في المعارك، والحوادث الرضية.

تبلور مفهوم الخدمات الطبية العسكرية، كما صارت تدعى، في معظم جيوش العالم، في أثناء الحرب العالمية الأولى، وأخذت منذ الحرب العالمية الثانية، موقعها الهام في المؤسسات العسكرية العالمية، ثم اتسعت واكتسبت أهمية خاصة، مستمدّة من أهمية الجيوش واتساعهـا واستمراريـة وجودهـا، لدى أمـم تريدها سياجاً، تدافع بها عن أوطانها، وأخـرى تجعـل من القوة سبيلهـا إلـى الغزو والاحتلال، وضمان الهيمنة والسيطرة وبسط السيادة.

الخدمات الطبية العسكرية هي اليوم، هيئة في تنظيم القيادة العسكرية للجيش، توفر العناية الطبية، بشتى أنواعها، للقوات العسكرية ولأسر العسكريين في زمن السلم والحرب، وللعامليـن المدنييـن فـي وزارة الدفاع، وللمدنيين العاديين من المواطنين في حالات استثنائية وحين تستدعي الحاجة، وذلك في المؤسسات والمستشفيات التابعة لها.

مهام الخدمات الطبية العسكرية

تكوين العاملين الذين يتوزعون كما يأتي:

1- الأطباء من جميع الاختصاصات: إذ يحتاج المجهود الطبي في الجيش إلى تكوين أعلى الكفاءات، في شتى الاختصاصات، وهؤلاء الأطباء العاملون يخضعـون لـدورات وتدريبـات، تجعلهـم قـادرين علـى تفهم الحيـاة العسكريـة، إضافة إلى مهامهم الطبية والعلمية، ويحملـون الرتـب العسكرية، ومطلوب منهم الاهتمـام بـالبحـوث والقيـام بهـا، وتحديـث أساليـب المعالجة، واستخدام التقنيات المبتكـرة، وهم يعملون في المستشفيات العسكرية المستقـرة والميدانيـة، وفـي المستوصفـات، وكذلك في القطعات.

2- المهندسون والفنيون والعمال العاديون: ويحمـل هؤلاء أيضاً الرتب العسكرية، ويخضعون لدورات وتدريبات، تربطهـم بالحياة العسـكرية، وتعرفهم بمسؤولياتهم وأنماط عملهم.

3- الاحتياط، في كل المجالات: ويقصد بذلك أصحاب الاختصاصات المختلفة الذين عملوا في الخدمات الطبية العسكرية، في أثناء أدائهم خدمة العلم الإلزامية، ثم صاروا معبئيـن فـي قوائم إدارة التجنيد، ويُستدعون لدورات تدريبية، من حين لآخر، من أجل تحسين استعدادهم للعمل، وتطوير كفاءاتهم إذا ما استدعوا في حالة الحرب.

المؤسسات الطبية

1- المؤسسات الطبية الميدانية: هي وحدات جمع الجرحى من ميادين القتال، أو مـواقـع الكـوارث الطبيعيـة، حيث ينقلـون منهـا إلـى المشافـي الميدانيـة، المتحركة أو الثابتة، والمنشأة فـي أمكنـة آمنـة تسمـح بتقديـم العـون الطبـي المستعجـل، ليتم، من بعد، تحويـل المصابين، فـي أول فرصـة، إلى المشافـي العسكريـة المتخصصـة في المـدن، بوسائل النقل المتاحة، من سيارات إسعاف وطائرات ومراكب بحرية.

2- مستوصفات التشخيص والعلاج: وتتسلسل من مستوصف القطعة العسكرية، إلى العيادات الاختصاصية، في المستشفيات الاختصاصية. ومهمة هذه المستوصفات استقبال المحتاجين للمعالجة الطبية، من العسكريين وعائلاتهم، والعاملين المدنيين في وزارة الدفاع، وهي تقدم كل ما يلزم مـن عنايـة طبية لهـم، أو تحوّلهم إلى المستشفيات، كلما كان ذلك ضرورياً.

3- المشافي العامة والمشافي الاختصاصية: ويتوافر في هذه المشافي أعلى الكفاءات الطبية، بكافة وسائلها وتقنياتها.

4- المشافي المتخصصة بالتعامل مع ذوي العاهات، والمصابين بأنواع العجز الناشئة بعد انتهاء المعالجات المختلفة، وتحوي على معامل لصنع الأطراف والأعضاء التعويضية، وكل ما شابه ذلك، وتقدم أنواع المعالجة الفيزيائية.

5- مراكز المعالجات السنية بكافة وسائلها واحتياجاتها، وتجهيزاتها.

6- مراكز الطب الوقائي الذي يعد من أهم فروع الطب، في المجهود الذي تقدمه الخدمات الطبية العسكريـة، ويقـوم اختصاصيو هذا الفرع بمراقبة الظروف البيئية والمعيشية التي يعيش فيهـا العسكريون، والعاملون في الجيش، لجعلها مناسبة للاحتفـاظ بالصحة التامة، وللحيلولة دون ظهور الأوبئة، كما يقومون بإعطاء اللقاحات الواقية، وعزل الإصابات، والاهتمام بحسن التغذية، حيث يتأكـدون مـن أن وجبـات الطعـام تحتـوي علـى كل العناصـر الضرورية، وأنها متوازنة التركيب، جيدة الأوصاف، تقدم كل احتياجات الجسم من الطاقة والفيتامين وعناصر الغذاء الضرورية.

ويهتـم الطب الوقائـي، خاصـة، بفحص مياه الشرب، والتأكد مـن نقائهـا، وخاصـة فـي ظروف الحياة الميدانية، إذ يسهم تلوث المياه بانتشار الأوبئة.

7- معاهد التمريض بكافـة مسـتوياتهـا، لتخريـج الممـرض والممرضة، للعمل في المراكز الميدانية، والمستشفيات بكافة أنواعها ومستوياتها.

8- معاهد تخريج المساعدين الفنيين، في أعمال التخدير والمعالجة الفيزيائية، والصيدلة، وطب الأسنان ونقل الدم والأعمال المخبرية.

9- معاهد لتخريج العاملين الإداريين والمحاسبين.

10- معاهد لتدريب عناصر لصيانة الأجهزة من مهندسين ومساعدين.

11- بنوك الدم الحديثـة، بكـل مـا تستلزمـه، من تجهيزات ومخابر وإمكانات، ووسائل حفظ، وإشراف صارم، كي لا يقع أي خطأ يودي إلى العواقب الوخيمة.

دور الخدمات الصحية العسكرية في أثناء الحروب

إن الدور الذي تقوم به الصحة العسكرية بمؤسساتها الطبية الميدانية، في حال وقوع الحرب، دور هام وأساسي جداً، مما يعني ضرورة إيلاء هذه المؤسسات عناية كبيرة، ورسم منهجية عمل لها، وإعداد ملاكاتها، وتوفير مستلزماتها، وعلى ضوء الواقع، وأشكال الحروب، متقدمة أو تقليدية، يمكن أن تطور الخطط وتتحدّد. لكن ثمة أمور أساسية، في كل الظروف، لا يمكن إغفالها، ويمكن أن نلخص بما يأتي:

1- إعداد الطبيب المتمرس، والممرض العالي التدريب، المسؤولين عن تقديم الإسعاف الأولي المباشر لمن يسقطون من أفراد القوات المسلحة في ساح القتال، لأن هذا الإسعاف ولو دعي أولياً، هو الحاسم في دفع المصاب إلى طريق النجاة.

2- توفير أفضل وسائل الاتصال مع القيادة الميدانية، والقيادة الخلفية لأطباء الإسعاف الميداني المتقدم، وفريق الممرضين العاملين بإمرته، في الخطوط الأمامية.

3- كذلك توفير المواد والتجهيزات الطبية المناسبة والكافية لأداء عملهم.

4- وضع وسائل نقل مدرّعة تحت تصرفهم، لضمان الحماية لهم، في خط القتال المتقدم، وتمكينهم من نقل المصاب إلى نقطة التجميع، حيث تقدم المعالجات المستعجلة، تمهيداً لنقل الجرحى إلى أقرب مستشفى ميداني أو اختصاصي لتلقي العلاج المناسب لإصابتهم، بحسب توجيه الطبيب الميداني.

إن كفاءة العاملين في المواقع المتقدمة، وأساليب الإخلاء، وتوفر وسائل النقل والاتصال بأفضل أنواعها وتقنياتها، واستعداد المستشفيات الخلفية، هي الأساس في إنقاذ المصابين والجرحى والمحروقين، وإعطائهم أفضل فرص النجاة.

العلاقة بين الخدمات الصحية العسكرية والمدنية

إن الخدمات الطبية العسكرية مفروض عليها، بحكم طبيعة الأمور، أن تتعـاون وتنسق جهودها مع جهود وزارة الصحة والمؤسسات الصحية المدنيـة، وذلك على الرغم من محافظـة كـلا الطرفيـن علـى استقلالية قراره وعملـه، فالخدمات الطبية العسكريـة لديهـا فائـض فـي مجهودهـا أيام السلم، وتحتاج أن تستمر في التحديث والتطوير، لتكون على كفاءة جيدة أيام الحرب. وهذا يفرض عليها التعاون المنسّق مع وزارة الصحة، وذلك بقبولها معالجـة المدنيين في بعـض المناطق، وضمن اتفاق يضمن المصلحة العليا للبلد، ومع كليات الطب، في المستويات العلمية ومجالات البحث العلمي، ورفع الكفاءة المتواصل. وكذلك يجب التنسيق مع المعاهد التي تدرّب الفنيين،من فئات الأطباء، والمهندسين، والممرضين، والمساعدين الفنيين، وفي الاختصاصات المختلفة.

وفي حالة الحرب، لابد من أن تقدم الخدمات الطبية العسكرية خدماتها للعسكريين، في حين تنهض الجهات الأخرى بأعباء معالجة المصابين من المدنيين، وهم في الحروب الحديثة كثيرو العدد.

ولابد من أن يقوم تنسيق يدعم جهود الطرفين، في مجال تبادل الخبراء والمواد المخزونة ووسائل النقل، بما يرعى المصلحة العامة، ومن دون التدخل في التنظيم الداخلي لكل منهما.

محمد ماجد العظمة

 

التصنيف : الصناعة
المجلد: المجلدالثامن
رقم الصفحة ضمن المجلد : 759
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 513
الكل : 29638292
اليوم : 18302

شتروهايم (إريخ فون-)

شتروهايم (إريخ فون ـ) (1885 ـ 1957)   إريخ فون شتروهايم Erich von Stroheim مخرج وممثل وكاتب وسيناريست أمريكي من أصل نمساوي، وواحد من كبار مخرجي السينما العالمية، الذين تركوا أثراً مهماً في تطور الفن السينمائي. اسمه الكامل: إريخ فون أوزفالد هانس كارل ماريا شتروهايم Erich von Oswald Hans Karl Maria.
المزيد »