logo

logo

logo

logo

logo

الدونمه (يهود-)

دونمه (يهود)

Dunmeh - Dunmeh

الدونْمَة (يهود -)

 

أحدثت سيطرة العثمانيين على العالم الإسلامي تبدلاً جذرياً في السلطة، فقد اقتدى الحاكم العثماني بالخليفة العباسي، وجمع السلطتين الدينية والزمنية.

وقد نتج من التسامح الذي كان سائداً وقتها بروز نفوذ الأقليات الدينية والقومية، وهكذا حظي اليهود برعاية السلاطين واهتمامهم ووجدوا في الدولة العثمانية ملجأً يحميهم من التشرد والضياع.

لكن الضعف المتزايد في نظم الدولة العثمانية وازدهار التصوف الديني رافقه بروز ظاهرة الدجل الديني، وظهر عدة أشخاص من المسلمين والمسيحيين ادعوا النبوة، واستغل اليهود ما هو جار في الدولة على نحو أشد خطورة، فادعى سبتاي زيفي النبوة، وزعم أنه هو المسيح المنتظر الذي سينقذ اليهود ويطهرهم ويعيد لهم أرضهم ويحقق لهم وحدتهم السياسية التي افتقدوها منذ مئات السنين، إلا أن السلطة العثمانية لم تلجأ إلى الرد على الادعاء اليهودي بالقوة، كما فعلت مع بقية الأقليات، بل تعاملت معهم بمنتهى اللين.

كثرت التفسيرات حول مصطلح يهود الدونمة، فبعضهم عرّفها بالعودة أو الرجوع أو الارتداد، وبذلك يكون المصطلح قد حمل أكثر مما يحتمل، ومرد ذلك ببساطة، أن الفئة اليهودية التي تظاهرت باعتناق الإسلام طالبت بمصطلح المؤمنين، فرفض رجال الدين المسلمين والأتراك آنذاك ذلك بشدة وصمموا على تسميتهم بالمهتدين، وبعد جدال عنيف اتفق الطرفان على مصطلح العودة. وبعد سنة 1924م، واعتماد الحرف اللاتيني بدلاً من الحرف العربي حولت كلمة «عودة» العربية إلى ما يقابلها بالتركية الحديثة وهي «الدونمة» dönme، ومنذ ذلك التاريخ أطلق على اليهود الذين أسلموا مصطلح يهود الدونمة (dönme yahudlar).

سبتاي زيفي

ولد سبتاي زيفي Sabatay Zevi سنة 1626، في أزمير من أب يدعى موردخاي، عمل بالتجارة بعد توطنه في أزمير قادماً إليها من اليونان، وهو من يهود إسبانيا. لاحظ عليه والده الطموح وحب الاستطلاع، فأرسله إلى الحلقات السرية التي كانت الحاخامية اليهودية تقيمها وتطالب آباء اليهود بإرسال أبنائهم إليها. فبدأ بدراسة التوراة والتلمود، وفي الثامنة عشرة من عمره حصل على مرتبة الحاخامية بدرجة أستاذ.

عرف عن سبتاي زيفي بعد بلوغه الخامسة عشرة كثرة الاعتكاف والصوم في أوقات يراها هو، وتزوج مرتين بعد بلوغه الثانية والعشرين، ولكنه لم يقرب زوجتيه، إذ بث في روع الناس أن رب بني إسرائيل لم يأذن له بالزواج، وأنه فرض عليه الطهارة، فذاع صيته وتناقل يهود أزمير أخباره إلى جميع المدن التركية. ولم تمض عدة أشهر حتى أسبغ على نفسه صفات النبوة، وبالغ في صيامه وعبادته.

بعد اطمئنان سبتاي زيفي إلى زيادة شعبيته، وإسكات خصومه الدينيين، أعلن نبوته عام 1648م، وصرح في بيان نبوته أنه المسيح المنتظر الذي سينقذ بني إسرائيل مما هم فيه، وأنه سيحكم العالم بإقامته دولة يهودية في «أورشليم» عاصمة تلك الدولة المزعومة.

فور إعلان سبتاي نبوءته وجه بياناً إلى اليهود في كل مكان، جاء فيه «سلام من ابن الله سبتاي زيفي مسيح إسرائيل ومخلصها إلى كل فرد من بني إسرائيل، لقد نلتم شرف معاصرة منقذ بني إسرائيل ومخلصهم الذي بشر به أنبياؤنا وآباؤنا، فعليكم أن تجعلوا أحزانكم أفراحاً وصيامكم إفطاراً ولهواً، فلن تحزنوا بعد اليوم فإن حكمكم لم يقتصر على أمم الأرض بل سيتعداها إلى جميع المخلوقات في أعماق البحار فكل هؤلاء مسخرون لكم ولرفاهيتكم».

وتلاقت الأحداث حين زعمت فتاة يهودية بولونية عام 1666، أنها رأت نوراً يسطع عليها، وأنها ستتزوج من المسيح الذي سيظهر قريبا،ً وحالما سمع بها سبتاي، رد على رؤياها بأن طلبها للزواج وتزوجها في القاهرة، وقد أدت دوراً مهماً في إنجاح دعوته واستمرارها من بعده.

لم يتمكن أعداء سبتاي زيفي من مواجهة نبوءته، وتحول يهود أزمير إلى مؤيدين بل ومدافعين عنه، فغصت مدينة أزمير سنة 1666م ببسطاء اليهود الذين أيقنوا أن مسيحهم (مطهرهم) ظهر وأن عذابهم انتهى، ولاسيما بعد بيان النبوءة الذي أذاعه سبتاي زيفي ووضح لهم مهامه المكلف بها من رب بني إسرائيل.

إزاء ازدياد مؤيديه وأنصاره حُقّ لسبتاي زيفي لبس تاج، فأقيمت المراسيم الرسمية وسط جموع غفيرة، وبعدها حددّ مواعيد لاستقبال الزوار ذكوراً وإناثاً، ثم انصرف ليخطط لبني إسرائيل، فقسم العالم إلى 38 منطقة، وعين لكل منطقة حاكماً يهودياً وألزمه بالنهج الذي رسمه، فاقترب بعمله من الماسونية. وبعد ذلك وجّه رسائل كثيرة إلى الخاصة والعامة داخل المدن التركية وخارجها، وكان يمهرها بإمضائه «ابن الله الوحيد سبتاي زيفي».

وعلى الرغم من النجاح الذي حققه، فإن أعداءه ظلّوا يقاومونه بشدة، ولاسيما الحاخامات الذين لجؤوا إلى السلطة العثمانية متذرعين بأن سبتاي زيفي سيقيم دولة داخل الدولة. وهكذا تقدم قاضي أزمير بشكوى إلى الصدر الأعظم يعرض فيها نشاطات سبتاي وتحركاته، ويلتمس فيها ضرورة اعتقاله، فجاءه أمر الصدر الأعظم باعتقاله وإرساله إلى اسطنبول.

وفي أثناء التحقيق معه زعم أن التهم الموجهة له هي محض افتراءات أشاعها أعداؤه، وأن جهوده لا تتعدى إنقاذ نفسه وأبناء جلدته من معاناتهم، وأنكر البتة ادعاءه إحداث المعجزات.

وقبل أن تتخذ لجنة التحقيق قرارها الحاسم، تدخل السلطان وطلب من اللجنة أن تعرض عليه اعتناق الإسلام، فغدا سبتاي زيفي يقف بين الموت والإسلام، إلا أنه أنهى التحقيق بإعلانه اعتناق الإسلام واتباعه الطريق القويم، وذلك في 16 أيلول 1666م، فنهض إمام القصر ولقنه الشهادة بحضور السلطان ومفتي الإسلام ونائب الصدر الأعظم، واتفق على تسميته بـ (محمد عزيز أفندي)، الذي عرف بالبواب وقد سُرَّ السلطان، محمد الرابع بإسلامه، فكافأه بكيس من النقود، وبعدها أعلنت زوجته سارة إسلامها وتسمت بفاطمة هانم. وبعد فترة تقدم إلى السلطان معلناً الإخلاص والطاعة والولاء، والتمس منه السماح له بالتجول في المدن التركية ليقنع أبناء جلدته باعتناق الإسلام متذرعاً بحجة إسلامه، وإظهار طاعته للسلطان الذي أكرمه، فأذن له فوجَّه سبتاي بياناً إلى أنصاره جاء فيه «لقد جعلني الله مسلماً، أنا أخوكم محمد البواب، هكذا أمرني فامتثلت، لقد ذكرت الكتب اليهودية المقدسة بأن المسيح سيتبع من قبل المسلمين».

وهكذا تمكن سبتاي من إيصال رسالته إلى اليهود الذين فسَّروها تفسيراً دينياً يتلاءم مع نبوءته قبل إسلامه، وقد فسرها أخوه وعامة اليهود أن المسيح عاد إليهم يلبس جبة وعمامة، ومكلف مهمة المسيح المنقذ لليهود.

مبادئ سبتاي زيفي

استغل سبتاي زيفي ثقة الإدارة العثمانية بإسلامه، ولإزالة الشك بدأ يتعلم أركان الإسلام وطلب من أنصاره ومؤيديه اعتناق الإسلام ظاهرياً لتحقيق أهداف اليهود الذين عانوا الكثير من الآلام والمتاعب، وإن خلاصهم لن يتم إلا من خلال محمد البواب الذي ارتدى العمامة والجبة، وليتم لهم تحقيق الأهداف فعليهم:

ـ اعتناق الإسلام ظاهرياً مع الاحتفاظ بالشريعة الموسوية والتمسك بها.

ـ التزام العادات والأعياد الإسلامية من باب التخفي لتحقيق أهداف اليهود.

ـ عدم مخالطة المسلمين إلا لأسباب تخدم اليهود.

ـ يحظر على يهود الدونمة من الذكور الزواج بالمسلمات ويطلب إلى نساء يهود الدونمة الزواج من الشخصيات الإسلامية وأصحاب القرار لتمرير القرارات التي تساعدهم وتمكنهم من تنفيذ مخططاتهم.

ـ على كل يهودي من الدونمة الإخلاص في عمله إذا أسندت الإدارة له أي منصب مهم، وذلك بغية كسب ثقتها مع مساعدة أبناء جلدته، والعمل سراً على تهديمها.

ـ يحق لمسلمي الدونمة العمل خطباء في جوامع المسلمين، كما فعل مسيحيو فرنسا من اليهود سنة 1498م، الذين تمكنوا من تفتيت البنية الدينية المسيحية في فرنسا من باب الاقتداء بالنبي موسى الذي ظل سنوات في قصور الفراعنة.

ـ الاعتماد على النساء لمواجهة المخلصين من المسلمين والذين يعاندون اليهود ويتصدون لهم.

ـ ملاحقة شرفاء المسلمين والسعي لإلصاق التهم الدينية والدنيوية بهم.

ـ توزيع أبناء يهود الدونمة على الأحزاب والتنظيمات التي تسمح بها الدولة أو تقيمها مؤسسات خارجة عن سلطة الدولة، بغية انتهاز الفرصة التي تؤهلهم لتولي مناصب مفصلية في الدولة التي يقيمون بها.

ـ التغلغل بين المسلمين واعتناق المذاهب الدينية السائدة في الإسلام، وكذلك اعتماد الطرق الصوفية ودعمها مادياً بغية توجيه نشاطها بما يخدم اليهود.

ظل سبتاي زيفي لسنوات يلتزم التزاماً شديداً بالإسلام، ويدرب أنصاره على كيفية التعامل مع المسلمين علماء وعامة، ووزع بعضهم على المذاهب الإسلامية، فلم يبق مذهب إسلامي إلا واعتنقه جماعة من يهود الدونمة، وحينما أيقن من نجاح أنصاره مسلمين ظاهرياً ويهوداً باطنياً، توسط لمئات من أنصاره ومؤيديه للعمل في الولايات العربية محاسبين في الصناجق والإيالات، وتفيد المصادر المعتمدة على دفاتر المحكمة الشرعية باسطنبول أن عدد الذين ادعوا الإسلام من اليهود ما بين 1666 ـ 1909م يزيد على 60 ألف يهودي، تظاهر منهم بالإسلام في البلاد العربية وحدها 35 ألف يهودي.

تأفف سبتاي زيفي كثيراً من ارتداء العمامة والجبة، واحترق شوقاً لممارسة نزواته وشهواته، وفي 7 نيسان سنة 1673م كان مجتمعاً مع أنصاره في كنيس «قوري جشمه» وهناك بدأ يشرب الخمر والنساء تحيط به ويرددون الأناشيد اليهودية والنشوة تأخذ منهم كل مأخذ، فألقي القبض عليه مرتدياً الزي اليهودي مع من معه، ووجهت إليه تهمة الارتداد ودعوة المسلمين لترك دينهم، وحُكم عليه بالإعدام، إلا أن شيخ الإسلام تدخل في الأمر معترضاً على إعدامه بدعوى أن أنصاره سيزدادون إيماناً به وسينسبون إليه صفات خارقة، وطلب من لجنة التحقيق نفيه خارج البلاد، فنفي إلى ألبانيا وتوفي هناك في الحادي والعشرين من تموز سنة 1673م.

وانقسم أتباعه بعد وفاته إلى فرق عدة، كان أبرزها:

اليعقوبيون: وتنسب هذه الفرقة إلى يعقوب جلبي أخو زوجة سبتاي زيفي التي دعمته في حركته، وأكدت لأنصاره في سلانيك (سالونيك) أن سبتاي منحه لقب خليفة، وأن روح سبتاي ستظل ترعاه وترعى مؤيديه والشعب اليهودي. وشدد يعقوب على ضرورة الالتزام بالعادات الإسلامية المرئية بغية تنفيذ مبادئ الحركة وتجنباً لملاحقة المسلمين لهم وتحريض السلطات التركية ضدهم.

تأففت فئة من اليهود المتشددين من وصية التظاهر بالإسلام، وعدّوا ذلك انحرافاً عن اليهودية، وبعد جدال استمر أربعة عشر عاماً، حدث انقسام في صفوف اليعقوبيين تزعمه مصطفى جلبي.

القره قاشيون Kara Kaslar: ينتسب القره قاشيون إلى مصطفى جلبي، الذي رفض وصايا يعقوب بضرورة التظاهر بالعادات الإسلامية ومسايرتهم في صيام رمضان والعيدين، والتزموا بالوصايا العشر، كما تسموا بالمؤمنين.

عمل مصطفى جلبي على ابتداع الخرافات والأساطير وتلقب بعثمان بابا، وأنه ابن الدونمة الحقيقي لأنه ولد قبل وفاة سبتاي زيفي بتسعة أشهر فانتقلت روح سبتاي إليه.

طائفة إبراهيم آغا

تسمى أنصار طائفة إبراهيم آغا من القره قاشيين بأصحاب المصيدة أو البابو، لأنهم احتجوا على ادعاءات عثمان بابا الذي توفي سنة 1720م وطالبوا بنبش قبره، ولكن القره قاشيين رفضوا هذه المطالب وعدّوا ذلك إهانة لهم ولعثمان بابا.

احتدم الصراع بين الطوائف اليهودية، ولكن لم يصل إلى حد التشهير فيما بينها، وقد التزمت كل طائفة بتعليمات مؤسسها، ولاسيما فيما يتعلق بإقامة علاقات اجتماعية أو غيرها.

وهكذا، فقد تمكن سبتاي زيفي من تعميق فكرته الدينية، وجسد لدى اليهود فكرة إحياء الدولة اليهودية، وذلك من خلال بث الفرقة المذهبية بين المسلمين، لاعتقاده الراسخ بأن اليهود لن ينظموا لأنفسهم دولة إلا بعد تعميق الخلاف بين المسيحية والإسلام، وتفتيت الإسلام إلى شيع وطوائف متناحرة فيما بينها،وعلى الرغم من الخطر الذي يحيق بهم، وعلى ما يبدو فإن فكرة سبتاي زيفي أوشكت على النجاح.

محمود علي عامر 

مراجع للاستزادة:

ـ بروتوكولات حكماء صهيون (دمشق 1993).

ـ محمود عامر، الماسونية ويهود الدونمة (دمشق 2002).

ـ مصطفى طوران، يهود الدونمة، ترجمة كمال خوجه (القاهرة 1977).

- ABDURRAHMAN KÜGÜK, Donmeeeler Tarihi (Istanbul 1992).

- ZIYASAKIR,Türkiyey,Yahudiler (Istanbul 1984).

 


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 480
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1000
الكل : 58712443
اليوم : 144143

الإبدال اللغوي

الإبدال اللغوي الإبدال لغة: رفع الشيء ووضع غيره في مكانه. والإبدال اللغوي أو الاشتقاق الكبير (ويسمى أيضاً: البدل والمبدل منه، والقلب والمقلوب، والمحوَّل، والمضارعة، والتعاقب، والنظائر) هو ظاهرة لغوية صوتية دلالية تعني إقامة حرف مكان حرف مع الإبقاء على سائر حروف الكلمة، وبذلك قد تشترك الكلمتان بحرفين أو أكثر، ويبدل حرف منهما بحرف آخر يتقاربان مخرجاً أو في المخرج والصفة معاً نحو «قضب وقضم، وقطع وقطم» فقد اشترك الزوج الأول بحرفين منهما القاف والضاد، واختلف بالباء والميم، أحدهما مبدل من الآخر، وكلاهما من مخرج واحد، أي هما حرفان شفهيان. وأما الزوج الثاني فقد اشتركت لفظتاه أو صورتاه بحرفين منهما القاف والطاء، واختلف بالعين والميم، غير أن العين حلقية، والميم شفهية.
المزيد »