logo

logo

logo

logo

logo

الزهراوي (أبو القاسم-)

زهراوي (قاسم)

Al-Zahrawi (Abu al-Qasim-) - Al-Zahrawi (Abu al-Qasim-)

الزهراوي (أبو القاسم ـ)

(…ـ 404هـ/… ـ 1013م )

 

 أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي الطبيب الجراح العالم، ولدفي مدينـة الزهراء الأندلسية التي بنيت مابين سنـة 313ـ325هـ وإليها ينتسب. والأرجح أنه نشأ في قرطبة وقضى حياته فيها. يروى أنه كان طبيب بلاط الخليفة عبد الرحمن الثالث (300ـ350هـ) وأنه عاصر الحكم المستنصر(350ـ366هـ) وهشام المؤيد بالله (366ـ399هـ) ولايوجد مايؤكد خدمته لأي منهم، ويذكر ابن أبي أصيبعة في كتابه «عيون الأنباء في طبقات الأطباء» أنه كان طبيباً فاضلا،ً خبيراً بالأدوية المفردة والمركبة، جيد العلاج. وله تصانيف مشهورة في صناعة الطب أفضلها كتابه الكبير المعروف بـ «التصريف» لمن عجز عن التأليف وهو تام في معناه .

وهناك اختلاف في تحديد سنة مولده ووفاته، ويأخذ الكثيرون برأي المستشرق الفرنسي لوسيان لوكليرك Lucien Leclerc صاحب كتاب تاريخ الطب العربي، الذي حدد تاريخ وفاة أبي القاسم بسنة404هـ ـ1013م قائلاً إنها لا تبعد أبداً عن الحقيقة، ولكنـه لم يستطع تحديد سنة مولده . ويكتب الغربيون اسمه بأشكال مختلفة منها: Alsaharavius و Albucasis وAbulcasis   

إن مصدر شهرة الزهراوي كتابه «التصريف لمن عجز عن التأليف»، وهو موسوعة لشتى المعارف الطبية في عصره، تقع في ألف وخمسمئة ورقة، تبحث في الطب الداخلي والأدوية والأغذية والكيمياء والأقرباذين والجراحة، وهي أهم أقسام الكتاب. وقد أسهم في نشر الجراحة العربية في جميع البلدان الأوربية بعد ترجمتـه إلى اللغـة اللاتينيـة على يد جيرار دو كريمون Gerard De Cremone في طليطلة في القرن الثاني عشر الميلادي

صفحة من كتاب «التصريف» بالألوان المائية من صنع

سبينك spink وليويس lewis (جامعة كاليفورنيا 1973)

يتألف كتاب «التصريف» من ثلاثين مقالةٍ، أطولُها المقالةُ الأولى، وهي تبحث في كليات الطب وأسسه، وفي الثانية يذكر ثلاثمئة وخمسة وعشرين مرضاً بالتسلسل من الرأس إلى القدمين، أما المقالات التالية، الثالثة إلى السادسة والعشرين فهي قصيرة تعنى بالأقرباذين والأدوية المفردة والمركبة وتحضيرها . ويتكلم في المقالة السادسة والعشرين على الحميات والأغذية الملائمة لكل مرض من الأمراض. وفي السابعة والعشرين يتناول الأدوية المفردة مرتبة حسب أحرف الهجاء، ويمتاز هذا الفصل من الكتاب بتصحيح الكلمات المشكوك بصحة لفظها لما تضمنته من أخطاء في وضع الحركات الصوتية على حروفها. وتختص المقالة التاسعة والعشرون بالكلام على الأوزان والمكاييل، وخص المقالة الثلاثين بالجراحة دون غيرها، وهي أهم مافي الكتاب .

 تضمنت هذه الموسوعة الطبية أبحاثاً في مختلف فروع الطب، من طب الفم والأسنان، إلى جراحة البطن والتوليد وأمراض النساء، والعظمية وتجبير الكسور والبولية والعينية والأذنية وغيرها . ففي طب الفم والأسنان وصف الزهراوي سوء الشكل الولادي الذي يصيب الفكين، كما أوصى بتنظيف الأسنان وإزالة القلح عنها، و أشار إلى إمكان إعادة زرع الأسنان السليمة عند سقوطها، وحذّر من طرائق قلع الأسنـان التي يستعملهـا جهّـال الحجامين. وفي جراحة البطن وصف الطريقة التي يستعملها في خياطة جروح الأمعاء واستئصال الأورام، وفي أمراض جهاز البول شرح بإسهاب كيفية قثطرة المثانة وإروائها، أوطريقة استخراج الحصاة المهبلية، وتفكيك الحصيات الإحليلية وثقبها بمثقب خاص من ابتكاره. وفي التوليد وأمراض النساء، يصف أنواعاً عدة من المناظير المهبلية، كما يصف وضعية تراندلنبرغ Trendelenburgواستخراج المشيمة الملتصقة وتوليد التوائم، ويذكـر حالـة من الحمل خارج الرحم الذي انتهى بتكوين خراج كبير استخرجت من خلالـه عظـام الجنين الميت.

ويقترح أبو القاسم معالجة الدوالي بإجراء شقوق متقاربة واستئصال الأوردة من خلالها. ويصف ذات(أي التهاب) العظم والنقي المزمنة ومعالجتها جراحيّاً باستئصال الشظايا والنواسير .

وهو صاحب طريقة تثبيت الكسور بأربطة مشبعة بزلال البيض، وقد درج على إجراء فتحات في ضمادات الكسور بغية التمكن من تنظيفها وتصريف القيح والصديد .

 مارس الزهراوي طريقة رد خلوع الكتف المعروفة اليوم بمناورة كوشير، وهو أول من قام باستئصال الرضفة لمعالجة كسورها المتعددة وهي طريقة أخذ بتطبيقها جراحو العصر الحديث أسوة بأبي القاسم .

ويتميز كتاب «التصريف» بالمنهجية التي اتبعها الزهراوي في كل الموضوعات التي تضمنها كتابه، وبالوضوح الذي زاده وجود رسوم لأكثر من مئتين من الآلات والأدوات التي كان يستعملهـا، وأكثرهـا من ابتكاره، تشتمل على المباضع والمقصات والكلاليب والصنارات والملاقط والمناشير والمبارد والمكاوي والمراود وخافضات اللسان والملاقط والمناظير والقثاطر . وهي مصنوعة إمّا من الخشب أو المعدن أو الجلد أو الزجـاج أو الخزف . وكلها أدوات، على بساطتها تدل على عبقرية مصممها وصانعها .

 امتاز الزهراوي بين جراحي زمانه بتأكيده ضرورة إتقان الجرّاح علمَ التشريح، ومعرفة وظائف الأعضاء وأشكالها وصلاتها بعضها ببعض، وماتحويه من عظام وأعصاب وعضلات وشرايين وأوردة .

ويذكر الزهـراوي أمثلـة عن الكوارث التي شـهدها بسبب جهل الجراحيـن للتشريـح، وهو لاينسى إسداء النصائح للجراحين الشباب ،ويحذرهم من الغرور ويوصيهم بالتروّي والحرص على بذل قصارى الجهد لخدمة المرضى، كل ذلك بأسلوب المعلم العالم الذي ينهل من تجاربه الشخصية الواسعة . وتتضمن المقالة الثلاثون لكتاب «التصريف» وهي أهم فصوله، سبعة وتسعين موضوعاً تكاد تحتوي كلَّ مايمارسه الجراح والكحال والمجبّر في حياته اليومية من عمليات، منها البسيط السهل كالختان والفصادة ومنها المعقد الصعب كاستئصال الأورام الكبيرة وعمليات العيون وأمراض النساء.

بعد ترجمة جيرار دو كريمون في القرن الثاني عشر ترجم الكتاب إلى اللغة العبرية والبروفانسالية، كما ظهرت له بين سنة1494ـ1544م عشر ترجمات أخرى .

وفي عام 1778 قام جون شاننغ John Chening في أكسفورد بترجمة جديدة وضع فيها النص العربي الأصلي إلى جانب الترجمة اللاتينية . ومن المؤكد وجود ترجمة كاملة لكتاب التصريف بمقالاته الثلاثين تحت اسمAlsaharavius، وهو ما أثبته لوسيان لوكليرك ووثقه بتحديد أماكن ترجمة مختلف أقسام الكتاب وأسماء مترجميها والناقلين عنها وتواريخهم ويذكر من بينهم الفرنسيَّين غي دو شولياك Guy de Chauliac الذي استشـهـد بأقـوال الزهراوي أكثر من مئتي مرة في كتابه «الجراحـة الكبرى»، وهنري دوموندفيل Henri de Mondeville جراح ملك فرنسا. إضافة الى الإيطاليين ماتيو دو كراديبوس Mathieu de Gradibus وسانتس دو أردوينيس دو بيزارو Santes de ardoynis de Pesaro، وغيرهـم كثيرون في المـدن الإيطاليـة والفرنسيـة كبـادوا و بولونيـا وفلورنسة ومونبلييه .

وهكذا فقد انتشرت جراحة الزهراوي في كل العالم المسيحي، وأصبح كتابه بين أيدي الأطباء وطلاب الطب في جميع المدارس الطبية الأوربية . وبعد اختراع المطبعـة عام 1450م كان كتاب الزهراوي رابع كتاب طبع في البندقيـة عـام 1471م . وتوالت الطبعات والترجمات المختلفة للكتاب مما جعله مرجعـاً لكل المؤلفين الذين كتبـوا عن الجراحـة بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر . فبعض المؤلفيـن اعتـرف صراحـة بما نقلـه عن الكتاب العربي، وبعضهم آثر السكوت وادّعى ماليس له.

على أن الذين اعترفوا بفضل أبي القاسم أكثر من أن يحددهم إحصاء، منهم غي دوشولياك، وهالر Haller الذي أكد أن أبا القاسم مارس ربط الشرايين قبل أمبرواز باريه Apare، وقال بورتال Portal: إنه أول من استعمل الكلابة لاستئصال اللوزتين والمرجلات الأنفية والسلائل Polyps، ويعده فراند Friend مصلح الجراحة، وينسب إليه الفضل في تنبيه الجراحين الذين يقرؤون كتابه إلى أماكن الخطر في العمليات، وضرورة الحذر الشديد. ويقول سبرانجل Sprengel إن الزهراوي هو أول من طبق طريقة استخراج الحصاة البولية لدى المرأة، كما يقول مالغين Malgaigne إن أول من وضع ضماداً عادياً حول الكسور المفتوحة، وهو القائل أيضًا إن الزهراوي أول من عمل على معالجة الخلوع المزمنة، ويعترف مؤرخو الطب بأن الزهراوي كان سبّاقًا في استعمال القصابة Catgut لخياطة الأمعاء وربط الشرايين، وهو أيضاً صاحب فكرة استعمال القطن في عمل الضمادات وفي قطع النزف بعد قلع الأسنان وفي عمل الدحسات tampons المهبلية في كسور الحوض، وهو أول من ذكر مرض الناعور وحاول معالجته .

وتحتفظ المكتبات الكبرى في العالم باثنتين وأربعين نسخة من المخطوط العربي الأصلي، كما يوجد سبعة وعشرون مخطوطًا من الترجمات اللاتينية تفختر بحيازتها أشهر المتاحف والمكتبات العالمية، وهنالك أيضًا سبعٌ وعشرون طبعـة قديمـة من الكتاب باللغات اللاتينية والعربية والإنكليزية والإسبانية والعبرية هي زينة تلك المكتبات.

لم يتوقف الاهتمام بالزهراوي وبكتابه مع مرور الزمن، إذ شهدت العصور الحديثة عودة لدراسة جراحته ومافيها من إبداع وريـادة . وكان ذلك على يـد الباحث الفرنسـي لوسيان لوكليرك عام 1862م الذي نقل المقالـة الثلاثين إلى اللغة الفرنسية تحت عنوان La chirurgie d’Albucasis وتبع ذلك عشرات الدراسات في القرن الماضي من أهمها أبحاث الدكتور فريد سامي حداد التي يزيد عددها على خمس عشر دراسة شملت أكثر موضوعات كتاب «التصريف» والتي ألقاها في مؤتمرات دولية لتاريخ الطب، أو نشرها في المجلات المتخصصة إضافة إلى أبحاث أبيه سامي حداد. كما ظهر لسامي خلف حمارنة وزميله صوني ديكر كتاب عنوانه «نظرة صيدلانية» إلى أبي القاسم الزهراوي في إسبانيا المسلمة APharmaceuticalView of Abulcasis Al-Zahrawi in Moorish Spain، وتلا ذلك نشره لدراسة عنوانها، «تطور الجراحة في الطب العربي» إبان القرون الوسطى Surgical Development in Medieval Arabic .Medicine

ولعل من أبرز ماقيل في جراحة الزهراوي في العصر الحديث شهادة المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه Sigrid Hunke في كتابها «شمـس العرب تسطع على الغرب» إذ قالت في معرض حديثها عن الجراحة : فهذا الفرع بالذات يدين للعرب بتقدمه وصعوده المفاجىء من مرتبة المهن الحقيرة الدنسة التي تكاد تكون بمنزلة مهن الجلادين والجزارين، إلى القمة التي عرفها على أيدي العرب، وهذا قرار تور البابوي عام 936م يحرم تدريسه في مدارس الطب ويعلن أن كل الأطباء الذين يتعاطونه حقيرون. إذاً فإلى العرب وحدهم يعود الفضل في رفع هذا الفن العظيم إلى المستوى الذي يستحقه، وإليهم يعود الفضل في بقاء هذا العلم فرعَ الطب الوحيد الذي حقق الآمال.

برهـان العابـد ومحسن الخيّر

مراجع للاستزادة:

 

ـ الحافظ الحميدي، جذوة المقتبس (الدار المصرية للتأليف ،القاهرة1966).

ـ بروكلمان، تاريخ الأدب العربي ،ترجمة محمود فهمي حجازي (الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة1993).

ـ عبد الناصر كعدان، الجراحة عند الزهراوي ـ رسالة قدمت لنيل درجة الدكتوراه في تاريخ العلوم الطبية ـ (معهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب).

- LUCIEN LEClERC, La chirurgie d’Albucasis,(Paris 1861).

- E. J. BRILL ,Al-Zahrawi in Moorish Spain (Leiden).

 


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد العاشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 429
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 732
الكل : 32198747
اليوم : 43993

الواقعة القانونية

الواقعة القانونية   الواقعة القانونية fait juridique هي كل حدث يرتب عليه القانون أثراً معيناً، حيث تنصرف إلى الأفعال المادية سواء أكانت من فعل الطبيعة أم من فعل الإنسان؛ فالواقعة الطبيعية، هي التي تحدث بفعل الطبيعة دون أن يكون للإنسان دخل في حدوثها، فتكون سبباً في اكتساب الحقوق أو انقضائها، أما الواقعة القانونية المتأتية من تصرف الإنسان فهي مجموعة الأعمال المادية التي تصدر من الإنسان، فتترتب عليها آثار قانونية بصرف النظر عن نية الشخص مرتكب الفعل.
المزيد »