logo

logo

logo

logo

logo

ديكارت (رونيه-)

ديكارت (رونيه)

Descartes (René-) - Descartes (René-)

ديكارت (رونيه -)

(1596-1650)

 

رونيه ديكارت Descartes فيلسوف وعالم رياضي فرنسي. ولد بمقاطعة تورين Touraine، ودرس بكلية لافليش اليسوعية، وكانت من أشهر مدارس أوربا. درس العلوم والفلسفة والمنطق والأخلاق، ونال إجازة الحقوق من بواتيني عام 1616، وتطوع للخدمة في الجيش الهولندي عام 1618، وفيه التقى شخصية كان لها أثرها في حياته الفكرية، فقد تعرّف العالم الرياضي إسحق بكمان الذي صرفه إلى الرياضيات والطبيعة، بعد أن ملّ دراسة الفلسفة. وقد أعجب بدقة الرياضيات وإحكام براهينها، وتمنى لو يتوصل إلى معالجة المسائل الطبيعية بالطريقة الرياضية، فانصرف لدراسة القوى المحركة وقوانين الميكانيك، واهتم إلى جانب ذلك بالموسيقى والمبارزة.

خلّف ديكارت وراءه إرثاً فكرياً وفلسفيا ثرياً تضمنته مجموعة من الرسائل والأبحاث والمؤلفات، أهمها: «مقال في المنهج» (1637)، و«تأملات في الفلسفة الأولى» (1641)، و«مبادئ في الفلسفة» (1644)، و«انفعالات النفس» (1649).

نظر ديكارت للفلسفة على أنها غاية الحكمة البشرية، وهي نظر وعمل.النظر فيها يوفر للعمل مبادئه، فلا تقتصر على مجرد الفطنة واليقظة في الأمور والأعمال، بل هي معرفة كاملة بكل ما في وسع الإنسان معرفته لهداية سلوكه، وتدبير شؤون حياته، وصيانة صحته، واستكشاف العلوم والفنون.... ولتحقيق الخير، لهذا شبه الفلسفة بشجرة جذورها الميتافيزيقا وجذعها الفيزياء (العلم الطبيعي)، وأغصانها محملة بالعلوم الأخرى جميعها. ولكنه أرجعها على اختلافها إلى أمهات ثلاث كبرى هي الطب، والميكانيك، والأخلاق. والأخلاق أكملها، تصون للنفس توازنها وانسجامها ومسرتها، وتفرض معرفة تامة بسائر العلوم، وتمثل ذروة الحكمة وآخر درجاتها.

 وقد اهتم ديكارت بالرياضيات، لما في براهينها وحججها من اليقين والبداهة والوضوح، فلم يقف عند حدود البحث في مسائلها وموضوعاتها جبراً كان ذلك أم هندسة أو الهندسة التحليلية التي يرجع إليه الفضل في ظهور مبحثها (وخاصة الإحداثيات الديكارتية)، بل كان يرى أن العلم الطبيعي في صميمه هو الكشف عن العلاقات التي يمكن التعبير عنها رياضياً، وأن الرياضيات تقدم نموذجاً للمعرفة اليقينية ومنهج تحصيلها، وآل على نفسه أن يستكشف قوام هذا اليقين، وأن يختبر كل المعتقدات بمعياره، وعبّر عن هذا المعيار بقواعد أربع، تقوم على مبدأي العقل: الحدس والاستنتاج. الأولى: هي البداهة والوضوح «أن لا أقبل شيئاً على الإطلاق على أنه حق ما لم أعرف يقيناً أنه كذلك... وألا أدخل في أحكامي إلا ما يمثل أمام عقلي في جلاء وتميز، بحيث لا يكون لدي أي مجال لوضعه موضع الشك». والثانية: هي التقسيم: «أن أقسم كل واحدة من المعضلات التي سأبحثها إلى أكبر عدد من الأجزاء الممكنة واللازمة لحلها على أحسن وجه». والثالثة : هي التنظيم: «أن أسير بأفكاري بنظام فأبدأ بأبسط الأمور وأيسرها معرفة وأتدرج في الصعود حتى أصل إلى معرفة أكثر الأمور تركيباً.....». وأخيراً: الإحصاء: «أن أعمل في جميع الأحوال من الإحصاءات الكاملة والمراجعات الشاملة ما يجعلني على ثقة من أنني لم أغفل شيئاً».

وقد غلب على هذا المنهج سمتان أساسيتان، الأولى أنه منهج تحليلي، والثانية أنه منهج شكّي يسعى لليقين. مؤكداً في البدء أن الشك عنده ليس مقصوداً لذاته  - كشك الريبيين - إنما «هو وسيلة للوصول إلى اليقين...وتعليق للحكم بغية الوصول إلى حكم صحيح... إنه هدم مؤقت من أجل البناء...». وهذا نفسه هو المنهج الرياضي، فهو يختبر من القضايا ما يعرف أنه صادق، فإذا جاءت النتيجة موافقة لما يعرف كان المنهج صحيحاً.

وهو يبدأ شكّه بتعليق إيمانه بكل شيء يمكن أن يجد فيه مبرراً للشك، بما فيه جسمه هو نفسه، والله، والماضي، وقضايا الرياضيات البسيطة. ويشك في حواسه وعقله، ويتذكر الأحكام الخاطئة التي أسسها على أوهام الحس وأغاليط الأحلام، ويفترض أن هناك روحاً خبيثاً تخدعه بقدرة ومهارة، حتى ليخطئ في أبسط الأمور. وهو قد يستطيع أن يشك في كل شيء ما عدا شكه هو نفسه، والشك تفكير، والتفكير وجود، ومن ثمّ «أنا أفكر إذن أنا موجود»، (الكوجيتو cogito الديكارتي). وهذه حقيقة مؤكدة تضم الوجود والفكر معاً، ولا سبيل للروح الخبيثة أن تخدعه عنها، وهو يتخذها مبدأ أولاً للفلسفة ومعياراً لكل حقيقة.

وإذ يثبت ديكارت حقيقة «أنا أفكر إذن أنا موجود» يتجه للبرهان على وجود الله. وله في إثبات ذلك براهين ثلاثة كبرى تبتعد جميعها عن البراهين التقليدية القائمة على فكرة الحدوث أو العلل الغائية، وتعتمد بمجملها على تأملات متعلقة بفكرة الكمال المطلق. ويقوم الأول على التمييز بين ثلاثة مصادر للأفكار، أفكار مكتسبة من الخارج أو مصطنعة، أو فطرية. ويخلص من ذلك إلى القول : «بالتأكيد لست أنا من اكتسب أو ابتدع فكرة الكمال، لأن المخلوق الناقص لا يسعه أبداً ابتداع شيء كامل، فلا بد أن تكون تلك الفكرة الكاملة من خلق موجود كامل أودعها فيّ منذ بدء التكوين، إن هذه الفكرة ملازمة للعقل البشري، إنها فطرية... إن هناك موجوداً كاملاً لا متناهياً طبع على عقولنا صورة الكمال واللانهاية، وهذا الموجود الكامل اللانهائي هو الله».

وفي البرهان الثاني: يذهب ديكارت للقول: «لو كنت خالق نفسي لكنت منحت نفسي الكمال المتمثل لي في فكرة الكمال ذاتها، لمنحت نفسي الكمالات كلها، لأن الإرادة تتجه إلى الخير دائماً، ولكني مخلوق ناقص، وذلك إثبات على أنني لست خالق نفسي بوصفي حاصلاً على فكرة الكمال. لأن الذي يستطيع أن يهب الوجود يستطيع أن يهب الكمال، فوجودي، وأنا أملك فكرة الكمال تابع إذن لعلة فيها كل ما يتصور من كمال وهذه العلة هي الله.

وفي البرهان الثالث، البرهان الأنطولوجي: وهو الدليل الذي سبق للقديس أنسلم[ر] الإدلاء به. يبرهن ديكارت على وجود الله من معنى الله نفسه، من حيث أن فكرة الله ذاتها هي فكرة تكفي ذاتها بذاتها في كمالها الخاص المطلق، حيث الماهية عين الوجود.

 وقد خلص ديكارت في براهينه على وجود الله إلى القول: «إن الله مصدر كل حقيقة وضمانتها، ليس ثمة نظام ولا قانون ولا سبب خير وحق إلا متعلق به». أما وجود الشر أو الخطأ فلا يرجع إلى الله أبداً، ولا يصدر عنه البتة، «وإنما هو راجع إلينا، ويصدر عنا، عن حماقتنا في استعمال الوسائل التي أمدنا الله بها لكي نسلم دائماً من الوقوع في الخطأ والذي ينشأ عن نقص في المعرفة، إذ يكفي أن نعرف الحق حتى نفعل الخير، أو عن عدم وجود معرفة ما كان ينبغي أن تكون لي».

الديكارتية Dicartesianism

كانت فلسفة ديكارت أثناء حياته وبعد مماته دائماً مثار نزاع وجدل بين المؤيدين والمعارضين، بل وبين المؤيدين أنفسهم بحسب تفسيرهم لآرائه.

وقد ذاعت الديكارتية في فرنسا خارج نطاق الجامعة، بعد قرار حظر تدريسها عام 1671، وتولى أمر الدعاية لها كلود كلير سيليه، بينما آل أمر تطويرها العلمي إلى جاك روهولت، وخلفه بطرس سيلفين ريجيس على رئاسة المدرسة الديكارتية، وبه بلغت الفيزياء الديكارتية أوج تطورها، إلا أن الكشوف التالية في مجال الضوء والحركة برهنت بما لا يدع مجالاً للشك على خطأ نظريات ديكارت العلمية، وأصبح الإصرار على هذه النظريات من قبل الديكارتيين، والدفاع عنها، وإثارة مناقشتها، مسألة معوقة للتقدم العلمي، شأنها شأن أفكار أرسطو العلمية التي سادت العالم لفترة، وأعاقت التقدم العلمي في ذلك الزمان.

أما نظرية ديكارت في الأفكار الفطرية والجواهر الفردية فقد انقسم إزاءها الفلاسفة بين معارضين (أمثال كاسندي ومالبرانش) ومؤيدين (أمثال أرنولد وليبنتز[ر]). وكان لرأي ديكارت أيضاً حول علاقة النفس بالجسد أثر كبير في انقسام الفلاسفة بين مذهبين: الثنائية[ر] والواحدية. فمن أوّله على الفصل ذهب مذهب الثنائيين، ومن أوّله على الوحدة كان على رأي الواحديين، وكان اسبينوزا[ر] واحدياً، وقيل إن مذهبه أقرب المذاهب إلى ديكارت، ووصف أنه الشكل النقي للديكارتية، كما كان ليبنتز كثرياً، والمذهبان، واحدية اسبينوزا وكثرية ليبنتز، هي أقصى ما يمكن أن تفترق إليه فلسفة تحتمل نصوصها كل التفسيرات. لكن هذا لا ينفي القول إن اسم ديكارت كان مرادفاً للعقلانية الحديثة، حتى عدّه هيغل بحق مؤسس الفلسفة الحديثة.

منيرة محمد 

الموضوعات ذات الصلة:

أنسلم (القديس ـ) ـ الثنائية.  

مراجع للاستزادة:

ـ هنري توماس، تراجم لأعلام الفلسفة الغربية، ترجمة محمد بدران (لجنة التأليف والترجمة، القاهرة 1955).

ـ روس لويس جنفيات، ديكارت والعقلانية، ترجمة عبدو الحلو (منشورات عويدات، بيروت).

ـ جان فال، الفلسفة الفرنسية من ديكارت إلى سارتر، ترجمة مارون خوري (منشورات عويدات، بيروت 1968).


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 544
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 485
الكل : 31736651
اليوم : 12112

الخماسي الحديث

الخماسي الحديث   الخماسي الحديث مسابقة مركبة مؤلفة من خمس رياضات هي: ركوب الخيل، ومبارزة السيف، ورماية المسدس، والسباحة، وجري الضاحية. سمي بالحديث للتفريق بينه وبين مسابقة الخماسي التقليدي القديم الذي عرفته الألعاب الأولمبية القديمة في اليونان والذي كان مؤلفاً من رياضات الجري والوثب الطويل، ورمي الرمح، ورمي القرص، والمصارعة.
المزيد »