logo

logo

logo

logo

logo

الإدراك

ادراك

Perception - Perception

الإدراك

 

الإدراك perception هو اختبار المحيط مباشرة عن طريق الحواس، أي إنه العملية التي يختبر بها المرء محيطه المباشر. وتكون نتيجة هذه العملية تمييز ألوان مثلاً أو روائح أو أصوات أو أشكال ثابتة في المكان أو متحركة. ومن الممكن القول إن الإدراك يشير إلى العملية التي تُترجَم بها الإثارة الحسية التي تتعرض لها الحواس إلى خبرة منظمة، أو هو، كما يرد في تعابير علم النفس التجريبي، استجابة الفرد لإثارة خارجية.

وقد عُدت الاستجابة الإدراكية مقدمة ضرورية لتلك الأفعال اللاحقة، أي للأنماط السلوكية التي تكيف بها العضوية ذاتها أو محيطها بحيث تزيد من فرصها في البقاء على قيد الحياة. وهكذا يكون الإدراك تكيفاً في جوهره.

أي إنه الخطوة الأولى في السلوك الضابط الذي يوفق بين الفرد والعالم الخارجي، ويدخل فيه جسم الفرد المدرك، وحاجات الفرد البيولوجية والاجتماعية.

الإدراك والعالم الفيزيائي

يثير المنظِّر العام في الإدراك والعالم الفيزيائي عدة موضوعات تعدّ مقدمة في دراسة الإدراك وهي الموضوعات الآتية:

الخلفية التاريخية للإدراك: كان الفكر المنظم حول الإدراك ينتمي، تاريخياً، إلى قطاع الفلسفة. وقد ظلت بعض المسائل التي بحثها الفلاسفة في موضوع الإدراك من الهموم الشائعة في الفكر المعاصر. ومع أن الإدراك بدأ شاغلاً فلسفياً، فإن البحث فيه نما نمواً خاصاً في علم النفس.

وقد نشأ انشغال الفلسفة بالإدراك عن الاهتمامات المتصلة بنظرية المعرفة. فتساءل منظرو المعرفة عن حقيقة وجود عالم فيزيائي مستقل عن خبرة الإنسان وعن سبل الوصول إلى معرفة خصائصه إذا ثبت وجوده المستقل، وتساءلوا كذلك: أهناك أفكار فطرية أم إن كل خبرة تتكون بالضرورة من اتصال بالعالم الخارجي تتوسطه الحواس؟ وقد تجاوز علم النفس مثل هذه الأسئلة ليركز على مسائل يستطيع معالجتها بمناهجه الخاصة، إلا أنه ما زالت هناك رواسب لهذه المشاغل الفلسفية، وما زال هناك باحثون يعنون، مثلاً، بالإسهامات النسبية للعوامل الفطرية والعوامل المتعلَّمة في العملية الإدراكية.

إن معظم الباحثين العلميين في الإدراك يسلّمون اليوم بحقيقة وجود العالم الفيزيائي الظاهر كما هو موصوف في فروع الفيزياء المعنية بالطاقة، وتكون المسائل التي يتأملونها هي تلك المتصلة بعملية تشكل المدركات من التفاعل بين الطاقة الفيزيائية، كالضوء مثلاً، والعضوية التي تدرك، وبمدى التطابق بين المدركات والأشياء الفيزيائية التي تقابلها.

صدق المدركات: إن العبارة الأخيرة السابقة المتصلة بالتطابق بين المدركات والأشياء تطرح مسألة صدق المدركات، أي مدى توافق محتواها مع العالم الخارجي. لقد جرت العادة، فيما يتصل بالإدراك البصري، على اعتبار المدركات واقعة على خط متصل تقع الصورة الإيهامية في إحدى نهايتيه، والصورة الواقعية المماثلة للواقع في نهايته الأخرى. وبذلك تكون الهلوسات والأحلام والأوهام والإدراكات الخاطئة والناقصة درجات من الإدراك على هذا الخط. ومن طبيعة الاستجابة الإدراكية هذه أن تكون المدركات الواقعة في النهاية الثانية لهذا الخط المستمر في ندرة تلك الواقعة في النهاية الأولى (الصورة الإيهامية) إن لم تكن أندر منها. فالإدراك غير معني بتصور مضبوط وكامل في الوعي لما هو خارج الفرد بقدر ما هو معني بتقديم عالم بصري أو سمعي أو لمسي أو شمي أو ذوقي يسهل عملية التكيف في برهة الإدراك. إنه ليس تصوراً سلبياً لما هو في العالم الخارجي، بل  هو جهد فيه اصطفاء من درجة عالية يسعى نحو معنى يحمل فيه الفرد إلى المعلومات التي توفرها له حواسه بنية معرفية توجهها وتحددها حاجاته واتجاهاته وخبراته السابقة وتكوينه البيولوجي.

الإحساس والإدراك: قبل الكثير من الفلاسفة وعلماء النفس التفريق بين الإدراك والإحساس انطلاقاً من أسس عقلانية. ولكن البرهان الخبري على كون الإدراك مختلفاً عن الإحساس حقاً مسألة أخرى. فغالباً ما قيل، مثلاً: «إن الإحساسات بسيطة والمدركات معقدة».

ولكن هل تستطيع الإجراءات التجريبية أن تبرهن على كون البنود أو العناصر في فئة منها «أبسط» مما هي في الأخرى؟ إن الأساس القبلي لهذا التقسيم الأولي غير قابل للبرهان الخبري.

وهناك أساس آخر للتمييز هو المدلول القائل إن الإدراك، خلافاً للإحساس، خاضع لتأثير التعليم. فيمكن أن يقال إن الإحساسات التي يولدها مثير خاص ستكون هي نفسها، المرة بعد الأخرى، إذا استبعدنا التعب والمرض أو أي تغيرات عارضة أخرى في الحساسية، في حين تتوقف المدركات الناجمة عن المثير نفسه، إلى حد بعيد، على ما جرى تعلمه بين المرة والمرة.

وقد اعتمد بعض علماء النفس أساساً آخر في التمييز حين وصفوا المدركات بأنها متصلة نموذجياً بالأشياء الخارجية، في حين عدوا الإحساسات خبرات ذاتية محددة داخلياً.

وهكذا، فإن ألماً بسيطاً في الإصبع يسمى إحساساً. أما إذا كانت السمة البارزة للخبرة هي خبرة شيء مدبب حاد حدة مؤلمة فإن هذه الخبرة ستسمى إدراكاً.

الإدراك بوصفه تركيباً: نسب بعض العلماء التنظيم الظاهر في المدركات إلى التعلم بوصفه مبنياً من ترابطات عارضة بين عناصر تواقتت وتكراراًت في خبرة الشخص المدرك. وألح آخرون، ولا سيما الغشتالتيون Gestalts (علماء نفس «الشكل أو البنية»)، على كون التنظيم الإدراكي متضمناً في الوجوه الفطرية لعمل الدماغ بدلاً من كونه متوقفاً على تركيب العناصر الأبسط في كليات متكاملة عن طريق التعليم.

وقد تبين للباحثين أن حل النزاع يقتضي حرمان العضوية المدركة من كل خبرة حسية، ومن ثم من كل تعلم حسي، والقيام بتقصي ما يبقى سليماً من الوظائف الإدراكية بعد عودة الوظائف الحسية إلى العمل السوي. وتحقق ذلك واقعياً في حالة أشخاص ولدوا عمياناً  ثم استعادوا الرؤية إثر عملية جراحية. وقد تبين أن هؤلاء يتمتعون بحساسية سوية للتغيرات في حدة الإضاءة واللون وتبين وجود شيء ما أو غيابه. ولكن ظهر أن هؤلاء أشخاص لا يملكون القدرة المناسبة على تمييز حجم شيء ما من حجم شيء آخر أو على تذكر حجم شيء كان معروضاً منذ قليل. ومس النقص لديهم مثيرات بصرية مهمة اجتماعياً كالوجوه والأشخاص، وقد احتاجوا إلى مدة من الخبرة لتمييز مربع من مثلث، في حين كان عليهم قبل ذلك، أن يعدوا الزوايا لإجراء هذا التمييز.

وقد شملت الدراسات على الحيوان نوعين من التجارب: حرمان بعض الحيوانات من الخبرة البصرية منذ الولادة أو ما يقرب منها، وإغناء المحيط ببعض الخبرات أو إفقاره من بعضها. وتبين من هذه التجارب، بنوعيها، أن الخبرات الإدراكية المبكرة تقوم بدور مهم في النمو الإدراكي،كما يمكن أن تحدث تغيرات في وزن الدماغ. وكانت هذه التجارب أساساً للمعالجات القائمة على إغناء محيط الأطفال المعوقين اجتماعيا ًوثقافياً.

ومن جهة أخرى، بينت الدراسات الجارية على حديثي الولادة من الأطفال أن خبراتهم الإدراكية المبكرة ليست مجرد نقاط لامعة وطنين كما ذكر وليم جيمس W.James وأن ابن اليوم أو اليومين يبدو قادراً على تمييزات بصرية دقيقة. فقد أثبت تسجيل التثبيت البصري في أثناء تحرك العينين وجود تفضيل لمثير على آخر، وهو دليل على التمييز.إن هذه المكتشفات تبدو معاكسة لتلك الناجمة عن دراسات المصابين بإعتام العين الولادي الذين استردوا بصرهم، وهي الدراسات التي تذهب إلى أن التمييز البصري ليس فطرياً. والتفسير الممكن لهذا التناقض هو أن المصابين بإعتام العين الولادي يعانون ما هو أكثر من نقص الخبرة البصرية. ويمكن أن لا تكون الخبرة البصرية المبكرة ضرورية لتوليد النماذج الإدراكية بل للمحافظة عليها وتوطيدها بحيث يمكن لقدرات الطفل الإدراكية الفطرية أن تهبط بتأثير الاضطراب المرضي.

وإذا أضيف إلى هذه الدراسات ما تبين من وجود إدراك العمق لدى عضويات لم تتح لها أي خبرة، يمكن استنتاج وجود وظائف بصرية أساسية فطرية تشمل نماذج إدراكية تعمل الخبرة الحسية على توطيدها وإنضاجها.

إدراك الشكل

المدخلات الحسية التي يتلقاها الإنسان تدخل وعيه بوصفها حجوماً وأنماطاً وأشكالاً.

إنه لا يدرك العالم المحيط بقاعاً ملونة، أو تنوعات في البريق، أو أصواتاً مختلفة الارتفاع، بل يرى منازل وجدراناً وأشجاراً، ويسمع بوق سيارة ووقع أقدام وكلمات. فنحن ندرك إذن أشياء ونتكيف معها.

وإدراك الأشياء يطرح مسألة معقدة في علم النفس. فالإدراك البصري يفترض صورة ضوئية للمدرك على الشبكية يمثل الشيء عليها بنمط من الإثارات المتغيرة باستمرار، وسعة الإثارة تتغير من جزء إلى آخر في الشبكية، ومختلف الأشياء الموجودة في المجال البصري تصدر مستويات مختلفة من الإثارة.فكيف تؤدي هذه المركبات المعقدة من الإثارة الواقعية على الشبكية إلى إدراك محيط من الأشياء والموضوعات ثابت نسبياً وغني في تنوعه؟ تلك هي المسألة التي تنصب عليها دراسة إدراك الشكل.

الصورة والخلفية في إدراك الشكل: التعرف على صورة فوق خلفية ما، هو العملية الأساسية في إدراك الشكل. إننا نرى الأشياء والأشكال، في خبرتنا اليومية، بارزة فوق خلفية. فاللوحات معلقة على جدران، والكلمات مرئية على الصفحة، وفي هاتين الحالتين ندرك اللوحة أو الكلمات صورةً، في حين يكون كل من الجدار والصفحة خلفية ما. والقدرة على تمييز شيء من خلفيته العامة عملية أساسية في كل إدراك للشكل.

(الشكل -1) الشكل والخلفية

وإذا ألقى الإنسان نظرة على (الشكل1) فسوف يرى، مباشرة المنطقة الداكنة شكلاً، وقد لا تشبه هذه المنطقة أي شكل سبقت له رؤيته، ولكنه يدركها، مع ذلك، وحدة مستقلة عن خلفيتها، فالصورة تملك شكلاً ما وتتخذ صفة شيء، في حين تنزع الخلفية إلى أن تكون عديمة الشكل. والخلفية تبدو ذات امتداد مستمر وراء الصورة، أي إن هذه الأخيرة تبدو، بعبارة أخرى، أٍقرب إلينا من الخلفية.

يقدم (الشكل2) للناظر علاقة بين الصورة والخلفية قابلة للقلب، فقد يرى الصورة مزهرية كما قد يراها وجهين أنثويين جانبيين. وعندما يرى المزهرية فإنه يدرك المنطقة الفاتحة اللون صورةً فوق خلفية داكنة. ويندر أن تكون رؤية المزهرية والوجهين الجانبيين معاً، أمراً ممكناً.

     (الشكل -2) احتمالان في إدراك العلاقة بين الصورة والخلفية

والعلاقة بين الصورة والخلفية موجودة في أنواع الإدراك الأخرى مثل وجودها في الإدراك البصري. فالمرء يدرك الكلمات الموجهة إليه صورة فوق خلفية من الأصوات والضجات الأخرى، كما يدرك رائحة عطر، مثلاً، صورة فوق خلفية من الجو العديم الرائحة أو المحمل بروائح أخرى.

التنظيم الإدراكي: عندما تقع عدة أشياء في المجال البصري، فإن المرء ينزع إلى إدراكها في أنماط أو تجمعات منظمة. وقد درس هذا التنظيم من جانب علماء النفس الغشتالتيين في بدايات القرن العشرين. وقد ألحوا على أن للخبرة الإدراكية صفات لا يمكن استخراجها من مجرد تحليل لمركباتها. وعبارتهم «الكل أكبر من مجموع أجزائه» التي غدت شهيرة في تاريخ علم النفس تعني أن للإدراك صفاته الجديدة الخاصة بعد حلول التنظيم.

والتنظيم الإدراكي يفسر، جزئياً، إدراكنا لأنماط معقدة بوصفها أشكالاً موحدة أو أشياء.

فالفرد لا يرى الأشياء أشياء إلا لحدوث عمليات تجميع في الإدراك. ومن دون هذا التجميع، لا تترابط الأشياء والأنماط المتنوعة التي يدركها (وجه على شاشة التلفاز، سيارة، شجرة، كتاب، وغيرها) أشياءً وأنماطاً، بل سوف تبدو نقاطاً أو خطوطاً أو بقاعاً محاطة بكفاف أو إطار.

ويخضع التنظيم الإدراكي لمبادئ أهمها ما يلي:

ـ مبدأ التجاور أو التقارب: فالبنود أو الأشياء المتجاورة مكاناً أو زماناً تنزع إلى أن تُدرَك مكوّنة جمعاً منظماً.

ـ مبدأ التشابه: إذا وجدت في المجال الإدراكي أشكال مختلفة (أشخاص، أشجار، عربات، وغيرها)، فإن الأشكال المتشابهة تجنح إلى تأليف مجموعة إدراكية واحدة.

ـ مبدأ التنافر أو الشكل القوي: يشير هذا المبدأ إلى نزوع نحو تنظيم الأشياء لتؤلف شكلاً متوازناً أو متناظراً يضم كل الأجزاء. وهكذا تميل الأشياء الموجودة في المجال الإدراكي إلى التجمع بحيث تؤلف شكلاً قوياً متناظراً.

ـ مبدأ الاستمرار: ويشير إلى نزوع نحو إدراك شكل يبدأ بصورة معينة على أنه مستمر بالصورة نفسها. فالخط الذي يبدأ منحنياً يرى مستمراً في مجراه المنحني ولو تقاطع مع مستقيمات وشكَّل نقاطاً مشتركة معها.

ـ مبدأ المصير المشترك: ويعني أن العناصر التي تُدرك متحركة معاً تؤلف جمعاً منظماً: فالسيارة المموهة مثلاً، لا ترى وهي متوقفة، فإذا تحركت أصبحت شكلاً منظماً مرئياً.

ـ مبدأ الغلق: هذا المبدأ يجعل المدرك أكثر كمالاً من الإثارة الحسية المماثلة. وهو يشير إلى العمليات الإدراكية التي تنظم العالم المدرك بملء الثغرات في الإثارة. وبتأثير هذه العمليات ندرك شكلاً كاملاً لا أجزاء مفككة.

ومع أن الأمثلة التي تمت الإشارة إليها بصرية، فإن مبادئ التنظيم نفسها تلاحظ في الحواس الأخرى. فالإيقاع الذي نسمعه في الموسيقى يتوقف أيضاً على التجمع وفقاً لتجاور النغمات زماناً وتشابهها. والأمر نفسه يلاحظ في كل المجالات الحسية.

إن المبدأ الغشتالتي القائل: «إن الكل أكبر من مجموع أجزائه» عامل في كل قوانين التنظيم الإدراكي. وبعبارة أخرى، فإن للتنظيم المدرك صفاته الخاصة التي لا تكون مجرد محصلة لتجميع ذرات المدخلات الحسية الفردية.

الشروط البصرية الأساسية: ما كان الإدراك ممكناً لولا بعض الصفات الوظيفية للأفاعيل البصرية التي توفر شروط ثبات عالمنا ونجاح تكيفاتنا. وأهم هذه الصفات ما يلي:

ـ التقابل بين الصورة الشبكية والشيء الفيزيائي: إن الرؤية لا تقف عند الصورة الشبكية لأنها مجرد حلقة واحدة من سلسلة الأحداث الضرورية لإدراك شيء ما. ومع ذلك، فلو لم تكن هذه الصورة تمثل، بانتظام، بعض سمات الشيء الفيزيائي لكان وجود عالم بصري ثابت مستحيلاً. فالصورة الشبكية تحافظ على العلاقات المكانية للشيء الفيزيائي. وحوافه الخارجية ممثلة في الحواف الخارجية للصورة الشبكية، والعلاقات بين أجزاء الشيء، تبقى على حالها في تمثيلها على الشبكية. وكون الصورة الشبكية مقلوبة بالنسبة للشيء الفيزيائي لا يؤلف مسألة خاصة في تحليل الإدراك [ر.الاسقاط].

ـ قانون المسافة البصرية: ينص هذا القانون على أن حجم الصورة الشبكية يتناسب عكساً مع المسافة بين الشيء والعين. وهذا لا يعني أننا نرى الأشياء بتوافق مضبوط مع هذا القانون.

فقد يحدث، كما سنرى في مكان آخر، تغير ملحوظ في مسافة شيء ما عن العين من دون تغيرات مقابلة في الحجم المدرك.

ـ قدرة المنظومة البصرية على التحليل: عندما تركز العين على شيئين في المحيط، تتكون صورتان شبكيتان. والمنظومة البصرية تحافظ على هذا التحليل، ولولا ذلك لما أمكن إدراك شيئين ولا إدراك علاقة بينهما، ولكان عالمنا البصري خليطاً مبهماً من الصور.

ثبات الإدراك: العالم الذي ندركه ثابت. فإذا وقف المرء تجاه نافذة، مثلاً، فإن الصورة التي ترتسم لها في شبكيته مستطيلة. وإذا تحرك إلى هذا الجانب أو ذاك، فإن الصورة الشبكية تأخذ شكلاً قريباً من شبه المنحرف. إن هذا مجرد هندسة. فنحن، على الرغم من التغيرات في الصورة الشبكية، نستمر في إدراك النافذة بإسقاط عمودي: فقوامها لم يتغير إدراكياً على الرغم من تغير صورتها الشبكية.

إن عالمنا الإدراكي يتمتع بدرجة عالية من الثبات. فلا تتغير قامة الرجل حين يقترب منا أو يبتعد عنا. وطبق الطعام لا يبدو دائرة حين نراه من زاوية ما وإهليليجي الشكل حين نراه من زاوية أخرى. وموقع الصوت لا يتغير حين نحرك رؤوسنا.

إن ثبات الإدراك يساعد في التكيف مع المحيط. فمن المستحيل التحرك في عالم تتغير فيه الأصوات حين نحرك رؤوسنا، وتغير فيه الأشياء قوامها وحجمها حين نراها من مواقع ومسافات مختلفة. ومن حسن الحظ أن القوام والحجم واللون والبريق تتمتع بقدر مناسب من الثبات.

ـ ثبات الحجم: مر في فقرة سابقة أن حجم الصورة الشبكية يتوقف على المسافة التي تفصل الشيء المرئي عن العين. ومع ذلك فإن الشخص الذي يجتاز الشارع ليلتقي صديقاً لا يدرك أن حجم الصديق يزيد كلما اقترب منه.

إن ما يفسر هذا الثبات في إدراك الحجم وجود قدر كبير من المعلومات التي تضاف إلى المدخلات الحسية لدى الشخص: إنه يعرف شيئاً عن المسافة التي تفصل صديقه عنه، وهو يدرك التغيرات التي تطرأ على الأشياء الأخرى حين يقترب منه، ثم إنه يعرف من قبل حجمه المفترض.

ولكن كيف يحدث كل هذا؟ هناك جواب يقول إن المرء يستخدم، تلقائياً، المعلومات المتوافرة لديه حول المسافة والخلفية من أجل أن «يصحح» حجم الصورة الشبكي محتفظاً، عن هذا السبيل، بالإدراك ثابتاً نسبياً. وثمة تفسير آخر يقول إنه لا ضرورة لأي تصحيح وإن ثبات الحجم يحدث لأن الشيء وخلفيته يتغيران معاً عندما تتغير مسافة الشيء عن العين. ويقول هذا التفسير الغشتالتي إنه لا ينبغي توقع التطابق بين الإثارة الموضعية والاستجابة الموضعية لأن كليهما جزءان من مجال كلي واحد يجب أن نتوقع أن يغير تأثيره من طبيعة الاستجابة لكل إثارة موضعية حالية. فيجب أن نتوقع بقاء الشخص الذي ندركه على طول قامتمهم بوصفه جزءاً من مجال يحتفظ بالكثير من علاقاته في أثناء التغير. ويذهب الغشتالتيون إلى أن الإحساسات موجودة للحصول على معلومات وأنها نمت أنظمة للقيام بهذه الوظيفة. وإحدى الصفات المرغوب فيها في نظام لجمع المعلومات هي أن تستخلص سمات ثابتة من تيار الخبرة الجاري. ومن اللازم أن يتذكر الباحث، قبل كل شيء، أن المتحولات الإعلامية ذات البنية الضوئية ثابتة في ظروف التغيرات اللاحقة بالإثارة وبموقع الملاحظ. فإذا تأمل الباحث فيي التغيرات اللامتناهية في الإثارة والموقع في حياة كائن بشري، فمن الواضح أنه يكتشف أن نظاماً يحتفظ بنتائجِ مثل هذه التغيرات سرعان ما يجد نفسه مغموراً بها، عاجزاً عن استيعابها. وهكذا يرى الغشتالتيون أن ثبات الإدراك لا يحتاج إلى تفسير وأنه موجود ظاهرة واقعية غير قابلة للرد إلى أي نوع من الإحساسات الأبسط. وقد استخدم الغشتالتيون التفسير نفسه من أجل ظاهرة أخرى محيرة هي «الحركة الظاهرة» المسماة ظاهرة فاي phi.

ـ ثبات البريق: تبدو الأشياء البصرية ثابتة في درجة بياضها أو سوادها أو زرقتها.. وذلك مع وجود اختلاف في مقادير الطاقة المنعكسة عنها باختلاف الظروف. والكائن البشري إذن ليس كجهاز التصوير الكهربائي يسجل، بكل بساطة، مقدار الضوء المنعكس عن سطح ما: فخبراته المتصلة بالبريق ثابتة نسبياً على الرغم من التغيرات الكبرى في مقادير الطاقة التي تبلغ العين. وما يبدو أبيض في الضوء الساطع يبقى أبيض في الإضاءة الباهتة. وما يبدو أسود في الإضاءة الباهتة يبقى أسود في الضوء الساطع: فالفحم أسود تحت أشعة الشمس المبهرة، والثلج أبيض حتى في الليل.

ويرجع ثبات البريق إلى كون التغير في الإضاءة يعم، حين يحدث، المجال الكلي: فالتناسب الفيزيائي في الطاقة بين شيء ما ومحيطه يبقى ثابتاً. ومع أن بعض الباحثين لا يكتفون بهذا التفسير، فإنهم يعدونه الخطوة الأولى على درب فهم هذه الظاهرة.

الأوهام الضوئية الهندسية: سادت، خلال مدة طويلة، نظرة تقول إن الصورة الشبكية هي انعكاس موثوق به للمثير الفيزيائي وإن الإدراك، نسخة مضبوطة عن الصورة الشبكية، وبذلك يفسر، في رأي أصحاب هذه النظرية، ضبط الإدراك، ولكن الأوهام الضوئية الهندسية تواجه هؤلاء بمسألة خاصة. فهي خبرات تخفق إخفاقاً واضحاً في التمثيل المضبوط للشيء الفيزيائي وصورته الشبكية.

(الشكل -3) أوهام المدى وأوهام الاتجاه

والأوهام الضوئية الهندسية نوعان: أوهام المدى وأوهام الاتجاه. وفي الشكل (3) أمثلة على النوعين: فالقسم (آ) يمثل الوهم المعروف باسم مولرـ لايير Muller- Lyer، وفيه يبدو المستقيمان المتماثلان، واقعاً، غير متساويين بسبب الصورة التي يتخذها رأس السهم. ويمثل القسم (ب) شكلين للوهم المعروف باسم وهم بونزو Ponzo تبدو فيهما الدائرة العليا أكبر من السفلى والخط الأعلى أكبر من الأسفل، في حين أن هناك في الواقع، دائرتين متساويتين وخطين متساويين أيضاً. ويمثل القسم (د) الوهم المعروف باسم وهم «الأفقي - العمودي» وفيه يبدو العمود أطول من الخط الأفقي في حين أن المستقيمين متساويان واقعاً. والأقسام الثلاثة أمثلة على أوهام المدى، وهي أوهام يحكم فيها على مثيرين متعادلين بأنهما مختلفان.

أما أوهام الاتجاه فتحدث عندما ينحرف شكل هندسي ما عما هو متوقع على أساس اتجاهه الفيزيائي، كما في القسمين (ج) (هـ) من الشكل (3). فالقسم (ج) يمثل الوهم المعروف باسم وهم هيرنغ Heiring وفيه يبدو الخطان الأفقيان منحنيين مع أنهما مستقيمان ومتوازيان. أما القسم (هـ)، فيمثل وهم بوغندورف Poggendorf إذ يقع القطر على مستوى واحد فعلاً، ولكن القطعة اليمنى منه تبدو أعلى من القطعة اليسرى.

وقد تعددت النظريات التي تفسر الأوهام الضوئية الهندسية، وعالجتها بعض الاتجاهات على أنها استثناءات عجيبة من القوانين العامة للإدراك وبحثت عن مبادئ خاصة لتفسيرها.

إن النظرة الحديثة إلى الإدراك ترفض هذه النظرة المبسطة إلى الأوهام. فهناك شيء يبرز بوضوح مما نعرفه عن العمليات الإدراكية: هذا الشيء هو أن الإدراك البصري ليس نسخة عن الصورة الشبكية. فهذه الأخيرة ليست سوى الخطوة الأولى في الأفاعيل الإدراكية، أي أنها، إذا صح التعبير، المادة الخام التي تصاغ الخبرة الإدراكية منها. فإدراك الشيء لا يتوقف على الصورة الشبكية وحدها، بل يتوقف، أيضاً على إثارة السطح الكلي للجوابذ البصرية.

وعندئذ، لا يكون الوهم مسألة أكثر أو أقل مما يكون الإدراك المضبوط المزعوم أنه كذلك. ففي الحالتين صورة شبكية تطلق سلسلة من الأفاعيل التي تنتج الإدراك النهائي المعبر عنه. وهكذا يكون الوهم تعبيراً عن نوع من التنظيم الإدراكي، ويكون كل إدراك من حيث هو إدراك، متوقفاً على عوامل ذاتية كما هو متوقف على المثير، ولكنه يكون وهمياً بقدر ما يقصر في أن يعكس المثير بدقة.

إدراك المكان

الأشياء التي نراها ونسمعها ونلمسها واقعة في مكان: فهي تحتل موقعاً محدداً بالنسبة إلى أجسادنا. ونحن نعد توضع الأشياء في مكان ما أمراً مؤكداً ونجد صعوبة في تخيل عالم غير العالم المكاني. وعندما نتوقف لنتأمل كيف تعمل العضويات الحية على التصرف تصرفاً مناسباً في المكان، والتحرك ضمن ثلاثة أبعاد، وتحديد مواقع الأشياء بدقة مدهشة، فسرعان ما نكتشف التعقيد البالغ لإدراك المكان واقتضاءه أعلى الفعاليات البنائية والتركيبية لدى المدرك.

المنظومات الحسية في إدراك المكان: إن اعتماد الإنسان الكبير على عينيه في تكيفاته المكانية يحمل على المعادلة بين العالم المكاني والبصري.

والمنظومة البصرية هي الأساسية في توجه الإنسان مكانياً، ولكنها ليست الوحيدة: ذلك أن الإنسان يسمع ويلمس وتساعده المنظومة الحركية لديه في تحديد مواقع الأشياء في المكان.

الإطار المكاني: إن عالمنا المكاني مثلث الأبعاد. والإطار المكاني المثلث الأبعاد محدد باتجاهين رئيسيين، العمودي والأفقي، وهما ثابتان ثباتاً عالياً ويساعدان على تحديد مواقع الأشياء. فما هي شروط قيام هذا الإطار؟ وكيف يتكون هذان الاتجاهان الثابتان؟ إننا نلاحظ، أولاً، عدم وجود تطابق مضبوط بين خطوط الصورة الشبكية والاتجاه المدرك لهذه الخطوط.

فالقلم المنتصب في اليد يرى عمودياً مهما كانت الزاوية التي ينظر إليه منها والكتاب المنتصب على رف المكتبة يدرك عمودياً، كما يدرك الكتاب الملقى على الطاولة أفقياً حتى لو اتخذ الإنسان وضعاً تكون معه خطوطها المرسومة على شبكية العين متماثلة.

إن ما يرى عمودياً وما يرى أفقياً يتوقفان على العلاقات بين أجزاء المجال البصري. وفي كل مجال بصري، عادة، خطوط تنظيم رئيسية.

ونوافذ الغرفة وجدرانها وسقفها وأرضيتها أمثلة على خطوط التنظيم الرئيسية، أي على الخطوط التي تستخدم أطراً لأشياء متنوعة. وهذه الخطوط هي التي تتخذ الاتجاهين الأفقي والعمودي واتجاهات الخطوط الأخرى المدركة في المجال البصري تتوقف على العلاقة بينها وبين خطوط التنظيم الرئيسية.

إن الإنسان يتعلم أن يتحرك ويعالج الأشياء داخل هذا الإطار المكاني المحدد بالاتجاهين الأفقي والعمودي. وتسهم المنظومات الحسية المختلفة في تكيفاته المكانية، وهذا التعاون بين الحواس قابل للتعديل ضمن بعض الحدود. فقد قلب ستراتون Straton، عام 1890، مجاله البصري بوضعه عدستين خاصتين بقلب الصورة على عينيه، وكانت النتيجة أن ما يرى يميناً، عادة، بدا له يساراً، وما يدرك في الأعلى بدا له في الأسفل.

إن هذا القلب للمجال البصري خلق ضروباً خطيرة من التباين بين الحواس. فقد رأى ستراتون ساعة جدارية في مكان وسمع دقاتها واردة من مكان آخر، وأحس بقدميه تحته في حين رآهما في الأعلى، واستطاع التكيف ببعض النجاح مع هذا الوضع المضطرب وذلك بتجاهل الإشارات البصرية. وما هو أبعث على الدهشة هو حدوث إعادة تربية للعلاقات بين الحواس: فبقدر ما استمر الباحث في حمل عدستيه، تضاءلت التباينات بالتدريج ورأى الأشياء حيث سمعها ولمسها. وعلى كل حال، فقد استمر في وصف الأشياء بأنها فوق حين تكون في الأسفل، وبأنها إلى اليمين حين تكون إلى اليسار. وبكلمة موجزة، لم تتغير تسمية الاتجاهات بل تغير معناها السلوكي بموجب مقتضيات التحرك والمعالجات الناجحة.

إدراك العمق والمسافة: الصورة الشبكية ثنائية  البعد وهي تحافظ على العلاقات المكانية الصحيحة بين أجزاء المجال البصري. إلا أن الإنسان يرى الأشياء قريبة أو بعيدة، عميقة أو مسطحة. وقد كان إدراك العمق لغزاً أمام العلماء والفلاسفة مئات من السنين: فكيف يمكن إدراك عالم مثلث الأبعاد بوساطة صورة شبكية ثنائية البعد؟ ومن المعروف اليوم أن إدراك العمق لا يبعث على الدهشة أكثر من أي إنجاز إدراكي آخر.فالإنسان قادر على استخدام المعلومات أو المفاتيح التي توفرها المدخلات الحسية. ولكن كيف تم ذلك وما هي مفاتيح إدراك العمق والمسافة؟ الجواب عن هذا السؤال هو أن لدى الإنسان مفاتيح توفرها الرؤية بعين واحدة وأخرى توفرها الرؤية المزدوجة (بعينين).

مفاتيح الرؤية بعين واحدة: إن هذه المفاتيح هي تلك التي تتوافر عندما تجري الرؤية بعين واحدة، وهي مفاتيح يستخدمها الرسامون ليعطونا انطباع العمق في لوحة مسطحة. وأهم هذه المفاتيح ما يلي:

ـ المنظور الخطي: فكلما ابتعدت الأشياء عن المرء صغرت صورها والمسافات التي تفصل بينها. وهذا المفتاح فعال في حال الأشياء المألوفة فقط.

ـ وضوح التفاصيل: تتضاءل تفاصيل الأشياء كلما ابتعدنا عن الشخص. إنه يدرك كل قرميدة في جدار قريب منه، فإدا ابتعد تضاءل تمييزه للقرميدات الفردية إلى أن ينتهي بإدراك الجدار وحدة لا يميز فيها هذه القرميدات.

ـ تداخل الأشياء: إذا حَجَب شيء ما عن رؤية الإنسان شيئاً آخر، فإن الشيء الذي حجب جزء منه يبدو الأبعد.

ـ الأضواء والظلال: إذا عرف الإنسان اتجاه الإضاءة، فإن الظل يبدو على علاقة مكانية محدودة مع الشيء الذي يرسمه. فإذا كان ينظر في اتجاه الشمس، فإن الظل المرتسم على الجانب البعيد، لعدم انتظام الأرض يريه هبوطاً، في حين يرى ارتفاعاً في الحالة المعاكسة.

ـ تباين الحركة: عندما يحرك المرء رأسه، مركّزاً بصره على نقطة ما، فسوف يرى الأشياء الأقرب من نقطة التثبيت تتحرك في اتجاه معاكس لاتجاه حركة رأسه، وهكذا يكون اتجاه حركة الأشياء حين يحرك رأسه مفتاحاً للمسافة النسبية ولا شك في أن الإنسان لا يعالج هذه المعلومات فكرياً بل يستعملها استعمالاً عفوياً.

ـ المطابقة: إن كل المحددات السابقة بصرية في طبيعتها، أي أنها من خصائص المجال البصري. إلا أنه يمكن للإثارات الداخلية أن تقدم مفاتيح مساعدة في إدراك مسافات الأشياء القريبة، وتأتي هذه الإثارات من العضلات التي تضبط مطابقة العدستين للمسافات المتنوعة.

ومن هذه المطابقة تتم الرؤية الواضحة في مختلف المسافات.

مفاتيح الرؤية المزدوجة: يرى معظم الناس بالعينين معاً، وبذلك يكونون قادرين على إضافة مفاتيح الرؤية المزدوجة في إدراك العمق والمسافة إلى مفاتيح الرؤية بعين واحدة. ويتوقف أهم مفاتيح الرؤية المزدوجة على كون كل عين، تتلقى منظراً عن العالم الخارجي يختلف عن المنظر الذي تتلقاه العين الأخرى. وبذلك يكون أهم مفاتيح الرؤية المزدوجة في إدراك المسافة: التباين الشبكي والتوارد أو المطابقة.

ـ التباين الشبكي: هو الفرق بين الصورتين المسقطتين على شبكتي العينين. فبين العين والأخرى ما يقرب من ستة سنتيمترات.

وبذلك، فإن كل عين تتلقى منظراً عن الشيء مختلفاً اختلافاً بسيطاً عن المنظر الذي تتلقاه العين الأخرى، ويزيد تباين الصورتين مع اقتراب الشيء من المرء وهذه العلاقة بين المسافة ومقدار التباين توفر مفتاحاً لإدراك العمق.

ـ التوارد: إن هذا المحدد، كما هو الأمر في الرؤية بعين واحدة، ليس بصرياً بل يتصل بالجوابذ الحسية في العضلات التي تضبط توارد العينين. فكلما اقترب الشيء من الشخص زاد توارد العينين أي اقتراب كل منهما من الأخرى.

وكلما زاد التوارد كبر توتر العضلات التي تضبطه. وهكذا فإن هناك علاقة بين توتر العضلات ومسافة الشيء.

إدراك الحركة

اقتصرت حتى الآن مناقشة إدراك المكان على الأشياء الثابتة. ولكن المجال الإدراكي يشمل، في معظم الأحيان، موضوعات متحركة: الناس السائرين في الشوارع، السيارات الجارية في الطرقات، الطيور الطائرة في السماء، وما شابه ذلك، فإدراك الحركة، إذن هو جزء من إدراك الأشياء في المكان، وهذا ما يجعل مناقشته أمراً ضرورياً.

الحركة الفيزيائية والحركة المدركة: يجب التفريق بين الحركة الفيزيائية والحركة المدركة. فليس هناك تقابل بسيط بين حدوث الحركة الفيزيائية وإدراكها، إذ يمكن أن تحدث هذه الحركة وتبقى غير مدركة،كما في حركة عقارب الساعة. كما يمكن، ضمن بعض الشروط، إدراك حركة حين تكون الأشياء ثابتة فيزيائياً: فالمرء يرى أعمدة الهاتف الثابتة متحركة حين يكون في قطار (أو سيارة) يجري بسرعة. والصور المتحركة، كما هو معروف، لا تتحرك حقاً، بل إن هناك تعاقباً سريعاً للصور الثابتة يعطي انطباعاً بحدوث الحركة.

عتبات الحركة المدركة: يجب أن تبلغ الحركة الفيزيائية سرعة دنيا من أجل أن تكتشف وتدرك، وليست هناك عتبة وحيدة يمكن أن تعد عتبة الحركة المدركة. فهذه القيمة تتغير مع حجم الشيء المتحرك ودرجة وضوحه،وحدة الإنارة، والقسم الذي يستثار من الشبكية، والحالة التكيفية، والمسافة التي تفصل الشيء المرئي عن العين. وضمن أفضل شروط الرؤية، أي مع استثارة المنطقة الحساسة بالضوء في الشبكية، من جانب شيء جيد الإنارة يبعد مترين عن العينين، تؤدي سرعة قدرها (20) مليمتراً في الثانية إلى حركة قابلة للتمييز. وهذه القيمة تعطي فكرة عن مدى بطء رؤية حركة شيء متحرك. ولا يقتصر الأمر على سرعة دنيا، فهناك حد أعلى من السرعة لا تدرك الحركة بعده. فإذا تجاوزت سرعة شيء متحرك يقع على مسافة مترين من العينين (18) متراً في الثانية، فإننا نرى بقعة مضيئة أو بريقاً بدلاً من رؤية حركة.

المفاتيح البصرية في إدراك الحركة: العين أكفأ عضو للإحساس بالحركة. والعين، لدى بعض الحيوانات، حساسة حساسية خاصة للمثيرات البصرية التي تتحرك بطرائق محددة، فالأنماط الكهربائية في عين الضفدع، مثلاً تبين أن بعض عناصر هذا العضو لا تستجيب إلا حين تقارب سرعة المثير سرعة الذبابة. وقد ظهر، بصورة عامة، أن الحيوانات الدنيا تستجيب اصطفائياً لما هو مهم من أجل بقائها. والشبكية، لدى هذه الحيوانات تقوم بمعظم الإدراك البصري.

وهذا الترتيب تشريحي على اعتبار أن الحيوانات تنزع إلى الاستجابة للمثيرات الأساسية فقط.

ولا عمل للدماغ، في هذا المستوى، إلا في ربط الإشارات بالجملة الحركية. أما الحيوانات العليا، فهي تعالج المعلومات بطرائق أكثر نضجاً بحيث تشمل العملية عمل الدماغ. وهكذا تستجيب بعض خلايا الدماغ للمثيرات المتحركة فقط.

وتعمل مجموعات من الخلايا الحساسة بالحركة، كل منها باتجاه في مجال الرؤية. وتوحي سمات الخبرة البصرية البشرية أيضاً، بأن هناك كاشفات للحركة في الدماغ البشري. وقد تبين في تحليل الشبكية البشرية أن الأقسام المحيطية حساسة حساسية فائقة خاصة ببعض المثيرات (إشارات الخطر مثلاً) التي تؤدي إلى تحويل انعكاسين للعينين من أجل إسقاط الصورة على المنطقة الحساسة بالضوء في الشبكية والسماح بتعرف الشيء المتحرك.

أثر المسافة: كلما ابتعد شيء عن العين تباطأت حركة صورته في الشبكية، وإذا افترضنا سرعة فيزيائية ثابتة، فإن القوس الذي تتحرك الصورة الشبكية فيه في وحدة زمنية ما (في الثانية مثلاً) يدل على الحركة. وهكذا يجب أن نتوقع أن تبدو حركة الشيء أبطأ كلما ابتعد عن العين. إلا أن هناك تبايناً بين مقدار التغير الفيزيائي ومقدار التغير المدرك. فالتناقص في السرعة المدركة ليس متطابقاً مع تناقص القوى التي تتحرك في الصورة الشبكية: فهناك مقدار معين من ثبات الحركة مواز لثبات الحجم.

الحركة الظاهرة: يقصد بالحركة الظاهرة إدراك المرء لوجود حركة حين لا تكون هناك حركة فيزيائية فعلاً. ليكن هناك قضيبان متوازيان وعموديان طول كل منهما (20) سنتيمتراً وسماكته سنتيمتر واحد. يرسم القضيبان على بطاقتين ويعرضان بالتناوب بوساطة جهاز العرض السريع بحيث يظهر أحدهما حين يكون الآخر قد زال موضوعياً. فإذا كانت سرعة التناوب ضعيفة، رأى المرء خطين متميزين ومتعاقبين.

وحين تبلغ سرعة التناوب حداً معيناً، يدرك المرء خطاً واحداً ينتقل من موقع إلى آخر، وتلك هي الحركة الظاهرة. أما إذا زادت السرعة إلى حد معين، فإن المرء يرى خطين ساكنين.

وللحركة الظاهرة تطبيق شهير هو الصور المتحركة (السينما والتلفاز والحاسوب). وفضلاً عن ذلك كانت لها أهمية خاصة في تاريخ علم النفس، فقد كانت ظاهرة حيرت علماء النفس أمداً طويلاً، وكانت المسألة هي التالية: كيف نفسر إدراك حركة تنجم عن سلسلة من المثيرات لا يتحرك واحد منها؟ وقد رغب ماكس فرتهايمر Wertheimer أحد مؤسسي مدرسة الغشتالت، في أن يطلق على هذاه الحركة اسماً يبرز طابعها المستقل فأسماها: الحركة «فاي» Phi. وقد رأى أن الحركة الظاهرة لا يمكن أن تنجم عن مجموع الإثارات الفردية لأن جمع موقف ثابت مع موقف آخر لا يمكن أن ينتج إحساساً بالحركة.

وانتهى فرتهايمر إلى إعطاء الحركة الظاهرة تفسيراً على درجة كبيرة من البساطة، وعلى الرغم من براعته، بحيث كان أساساً لمدرسة الغشتالت.

وخلاصة هذا التأويل أن الحركة الظاهرة لا تحتاج إلى تفسير. فهي موجودة، ببساطة، ظاهرة واقعية غير قابلة للرد إلى أي نوع من الإحساسات الأبسط وقال: «ما من سبب داخلي يوجب الاستنتاج القبلي لشيء ديناميكي نفسياً من شيء سكوني».

وقد فسر بياجيه، فيما بعد، الحركة الظاهرة بفعالية النقل الإدراكية. فالعين تستطيع، في سرعة معينة لتعاقب القضيبين، متابعة حركتهما فترى قضيبين متعاقبين. وتتجاوز سرعة التعاقب، في مرحلة ثانية، سرعة العين في المتابعة، فلا يعود القضيبات قابلين للتمييز، فترى قضيباً ينتقل من موقع إلى آخر. ثم تأتي مرحلة تعجز فيها العين عن متابعة التعاقب لسرعته الكبيرة وتتوقف توقفاً تاماً، باستثناء بعض السير الموضعي، فيرى المرء قضيبين متواقتين.

الفروق الفردية في الإدراك: غالباً ما ترد التقريرات النظرية في الإدراك كما لو كانت تنطبق من دون تمييز على كل العضويات أو على كل الناس. إلا أن من البديهي أن هناك فروقاً واضحة في العمل الإدراكي بين الجماعات، وبين الأفراد، وفي الفرد الواحد من وقت إلى آخر. وأكثر ما درس من المتحولات في الإدراك العمر والجنس والثقافة.

العمر: إن تغير العمل الإدراكي مع عمر المدرك أمر متوقع لما هو معروف من أن النمو النفسي ينشأ عن النضج كما ينشأ عن التعلم.

وهناك أدلة كثيرة على التغيرات الإدراكية المتصلة بالعمر. ومن هذه الأدلة تعزز الثبات الإدراكي وزيادة بعض الأوهام الهندسية وتناقص بعضها الآخر مع العمر. وتعكس الأوهام التي تتزايد مع العمر، على وجه الاحتمال، عمل التوقعات. أما تناقص بعض هذه الأوهام، فربما كان ناشئاً عن زيادة قدرة الفرد على تفحص المجال الإدراكي وعلى تحليل الكل المدرك إلى أجزائه. وقد تكون التغيرات التشريحية مسؤولة عن بعض التغيرات الإدراكية المتصلة بالعمر.

الجنس: يصعب تمييز النصيب الذي يعود إلى التركيب البيولوجي لكل من الذكر والأنثى، في الفروق الإدراكية المتصلة بالجنس، من النصيب الذي يعود إلى الفروق التقليدية في الدور الاجتماعي لكل منهما، وهو دور من نتاج الحضارة السائدة. فقد اختلط الجنس البيولوجي بالدور الجنسي (الجنسوي) اختلاطاً كبيراً في معظم التجارب النفسية. ومهما يكن من أمر، فإن الفروق الجنسية في الإدراك ظاهرة في البحوث الجارية حول الأسلوب الذي يدرك به المرء. ويتضح الفرق في الأسلوب في الاستجابات لتأثيرات السياق. فإذا أدرك شخص ما العالم بوصفه متميزاً تميزاً عالياً، فإنه ينزع إلى مقاومة تأثيرات السياق، ويوصف بأنه «مستقل المجال». أما الذي يدرك العالم بأسلوب مبثوث ويوصف بأنه «تابع المجال»، فيبدو قابلاً قبولاً عالياً لتلك التأثيرات. وهكذا فإن «مستقل المجال» متفوق في تعيين موقع شكل بصري بسيط (مثلث مثلاً) ضمن كل معقد.

أما تابع المجال، فهو أقدر، مثلاً، على تكييف قضيب واقع في إطار مائل مع الاتجاه العمودي حين لا توجد هناك مفاتيح بصرية أخرى لتحديد صفة التعامد.

وقد ذكرت معظم الدراسات في هذا الموضوع أن الإناث ميالات إلى الاتصاف بتبعية المجال، ولاسيما بعد البلوغ. وربما كانت هذه الصفة مميزة للإناث في حضارات تدربهن على أن يكن منفعلات وسلبيات إدراكياً، في حين تشجع الذكور على اتخاد موقف فعال وتحليلي في الإدراك.

الثقافة: ركزت الدراسات الأنتروبولوجية على تأثير البيئة الطبيعية في الأسلوب الإدراكي. ومن هذا القبيل ما رواه كولن ثورنبول C. Thornpall عن رجل من أقزام البامبوطي الذين يعيشون في إفريقية اصطحبه في رحلة إلى المدينة عام 1961. وذكر ثورنبول أن هؤلاء الأقزام يعيشون في غابات كثيفة إلى حد لا يرى المرء معه ما هو أبعد من بضعة أمتار في كل اتجاه. وضن هذه الشروط اضطروا إلى استخدام الإشارات الصوتية، في صيدهم. وندر لديهم أن يضطروا إلى إجراء محاكمات إدراكية مبنية على الإشارات البصرية لتمييز العمق. لقد اضطربت الأمور عند هذا القزم الذي يحكي قصته حين وصلت السيارة إلى سهل فسيح لا عوائق فيه للرؤية البعيدة. ورأى قطيعاً من الجواميس، فتساءل أي نوع من الحشرات هي. ولم يصدق أنها جواميس. وعندما اقترب منها، خيل إليه أن روحاً شريرة غيرت من حجمها لتخدعه.

التوقعات والدوافع والصراعات: يحدث الصراع لدى الأفراد بين الكثير من الإثارات الحسية ومع استجابتهم بفرض نظام ومعنى على خبراتهم. وهذا ما يسمح بالتنبؤ بأن إدراك الفرد سوف يتأثر بعوامل من نوع التوقعات والحاجات والقيم والصراعات. وتلح نظرية التحليل النفسي، صراحة، على التأثيرات الدوافعية في وظائف معرفية كثيرة أهمها التذكر والتفكير والإدراك. وهي معنية عناية  خاصة بالدوافع والصراعات اللاشعورية وآليات الدفاع اللاشعورية أيضاً، كالكبت مثلاً، المستخدمة في ضبط هذه الصراعات. ووفقاً لهذه النظرية، يجب أن تكون هناك اختلافات إدراكية واسعة بين الأفراد في استجاباتهم لمثيرات ذات دلالة دوافعية. وقد جرت تجارب كثيرة لبيان ما إذا كان الإدراك يخضع حقاً لمثل هذه التأثيرات اللاشعورية. وقد بينت بعض الدراسات مثلاً، أن الكلمات التي يعدها المفحوصون «فاحشة» يجب أن تعرض على الشاشة مدة أطول مما هو الأمر مع الكلمات الحيادية (مثيرات ضابطة) من أجل أن يستطيع المفحوصون إدراك معناها.

وبينت دراسات أخرى أن أطفال الأسر المعسرة يبالغون في تقدير حجوم القطع النقدية بالمقارنة مع أحكام أطفال الأسر الموسرة.

الإدراك والتعلم: هل يمكن تعديل العمليات الإدراكية  بالتعليم والخبرات الخاصة الأخرى التي تعانيها العضوية؟ هل تتوقف الصورة التي يبدو عليها العالم، بأشكاله وأصواته وروائحه ومذاقاته، على التعلم والخبرات الخاصة إلى حد ما؟ وبعبارة وجيزة: هل الإدراك مرن وقابل للتعديل؟ الجواب هو نعم.

ذكرت إليانور جبسون E.Gibson أكثر من مرة أن التعلم الإدراكي هو القدرة على استخلاص المعلومات من المحيط نتيجة لاختبار الإثارات الواردة منه أو ممارستها. وقد سبقت الإشارة في فقرة سابقة إلى نوع من التعلم الإدراكي وذلك لدى الحديث عن مرونة الإطار المكاني وإعادة تربية العلاقات بين الحواس. والمهم الآن هو التركيز على دلالة التعلم الإدراكي من حيث مرونة الإدراك وقابليته للتعديل. وتعطي جبسون عدداً من الأمثلة التي تبين كيف يعدل التعليم الإدراك، فهي تذكر كفاية أشخاص تدربوا في مشاغل متنوعة على إجراء تمييزات إدراكية يعجز عنها غير المدربين. والمهارة في عدد من المهن مبنية على إجراء مثل هذه التمييزات الدقيقة. والخبرة هي أفضل معلم لهذه المهارات التي لا يمكن تعلمها من الكتب. وتضرب جبسون مثالاً على هذه المهارة قدرة بعض علماء الطيور على تمييز الطيور من أصواتها. ويمكن أن تضاف إلى هذا المثال مهن معروفة تقوم على هذه التمييزات الدقيقة مثل مهنة خبراء العطور الذين يميزون بالشم وخبراء الخمور الذي يميزونها بدقة بالذوق، وتقاس الدقة في التمييز في مختلف الاختصاصات.

إن التعلم الإدراكي يؤدي إلى تعديلات في الوجوه الإدراكية للمثيرات الفيزيائية تتبدى في خفض العتبات بحيث ترتفع حساسية المرء للمثيرات وللفروق بينها، وفي إدراك تفاصيل  أو وجوه جديدة في مجال إدراكي معقد، وفي خفض الأوهام الإدراكية وزيادة القدرة على استخلاص معلومات من المحيط وتشير جبسون، في هذا الصدد، إلى مهارات المكفوفين المدهشة وتعدها مثالاً على التعلم الإدراكي.

وليس الأمر أن حساسيتهم للعالم اللابصري أكبر من حساسية المبصرين، بل إن الحقيقة هي أن المكفوفين يتعلمون طرائق استخلاص معلومات من المحيط لا يستخدمها المبصرون عادة.

ما هي العوامل التي تنجم عنها هذه التعديلات؟ إن بعضها ناجم عن تغيرات في آليات الاستقبال التي تشمل، في معناها الواسع، الموقف الإدراكي على صورة التثبيت وتركيز الانتباه والانتقال من موقف إجمالي إلى موقف تحليلي. وينجم بعضها الآخر عن تأثير الخبرة السابقة، وهو تأثير يؤدي إلى تعديل بعض وجوه منظومة الإثارة. ويتحقق هذا التأثير في صور كثيرة: فقد تكون الخبرة خبرة إثارات سابقة شبيهة بالحالية (تدريب على أشكال إدراكية معينة)، كما قد تكون تصورات أو فرضيات ناجمة عن معارف سابقة (توقعات)، وقد تتدخل الخبرة السابقة على صورة إيحاءات ومعلومات تعطى للفرد في العروض المتكررة لمنظومة واحدة من الإثارات أو على صورة أعمال منفذة من جانب الفرد في العروض التالية للفروض الأولية. وبذلك تتنوع التأثيرات التي تؤدي إلى التعليم الإدركي تنوعاً عظيماً.

أنطون الحمصي

الموضوعات ذات الصلة:

التعلم - الحواس والإحساسات - الذاكرة - الذكاء - الشخصيةـ علم النفس - الوهم - الإسقاط.

مراجع لاستزادة:

ـ أنطون الحمصي، علم النفس العام، ج2 (منشورات جامعة دمشق 1987).

- J. PIAGET et P.ROISSE, Traité de psychologie experiméntale, Tom VII (P.U.F, Paris 1963).


التصنيف : تربية و علم نفس
النوع : صحة
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 695
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 462
الكل : 31651431
اليوم : 6013

البلطيقية (اللغات-)

البلطيقية (اللغات ـ)   تطلق تسمية اللغات البلطيقية Baltic Languages على أحد فروع اللغات الهندية-الأوروبية، وهي تشمل اللغات اللتوانية واللاتفية الحديثة التي تنطق بها شعوب الساحل الشرقي لبحر البلطيق، إضافة إلى لغات انقرضت وحلت محلها السلافية والألمانية كالبروسية القديمة واليَتفنغانية والكورونية والسميغالية والسلونّية. واللغات البلطيقية أقرب إلى اللغات السلافية والجرمانية والهندية ـ الإيرانية، منها إلى فروع اللغات الهندية-الأوربية الأخرى.
المزيد »