logo

logo

logo

logo

logo

سنان (المعمار-)

سنان (معمار)

Sinan (Mi‘mar-) - Sinan (Mi‘mar-)

سنان (المعمار ـ)

(1489م ـ 1588م)

 

ولد سنان في الأناضول، وتوفي في اصطنبول، أي نشأ في العصر الذهبي الثقافي للإمبراطورية العثمانية في عهود السلاطين العظام (سليم الأول 1467-1520، وسليمان القانوني 1494-1566، وسليم الثاني 1524-1574) الذين أرادوا تخليد عهودهم بمبان معمارية.

لا يُعرف شيء كثير عن أسرة سنان وأبيه وأمه، وقد اختلف الباحثون في جذور أسرته. ورأى اليونانيون والألبانيون أن سنان من مواطنيهم، ولكن ولاءه للامبراطورية العثمانية وأهمية منجزاته المعمارية المتميزة جعلت المؤرخين يفخرون به ويعدونه (تركياً قحاً)، اعترفوا بموهبته المعمارية، وأهمية منجزاته التي طبعت جماليتها عمارة عصره بطابعها الإسلامي العثماني.

نشأ الشاب سنان في الأناضول، وتميز بالموهبة والذكاء، ودقة الملاحظة والرغبة في العطاء، مما أثر في تنمية ذوقه الفني وإحساسه المعماري، وأثار في نفسه الرغبة في ممارسة فن العمارة.

بدأت شهرة الشاب سنان، في شبابه، حين كان ضابطاً انكشارياً في حملة حربية تركية، إذ عهد إليه القيام بمهمة بناء قنطرة كبيرة على نهر، فأُنجز المشروع بنجاح حقق لـه الشهرة المعمارية. ومنذئذٍ اكتشف ذاته وقيمة إمكاناته وأهمية قدراته، فوقف حياته كلّها لفن العمارة والمنجزات المعمارية التي بلغ عددها ثلاثمئة وثلاثة وأربعين مبنى، منها المساجد والقصور والجسور والأضرحة والقبور والتكيات والحمامات والأسواق والخانات، مما جعل المعمار سنان طوال القرن السادس عشر الميلادي يُظهر في مبانيه عبقريته المعمارية، وموهبته الفنية.

تأثر المعمار سنان بجمالية التراث المعماري البيزنطي في بلاده، فاقتبس منه كل ما أفاده في إبداع طراز معماري جميل وأصيل شارك في تأسيس مدرسة معمارية إسلامية وعثمانية متميزة، انتشرت منجزاتها المعمارية في الأناضول واصطنبول وسورية والقاهرة والجزائر ومكة.

تحدث المعمار سنان في مذكراته عن تاريخه المعماري وتطوّر خبرته المعمارية، وأنه قد أنجز ثلاثة مبان معمارية مهمة تجسد خبراته المعمارية هي:

1- جامع شاه زاده: بناه في مرحلة تكوينه الفني والمعماري.

2- جامع السليمانية في اصطنبول: بناه في مرحلة شبابه المعماري

3- جامع السليمية في أورفه: بناه في مرحلة كمال نبوغه المعماري.

تأثر المعمار سنان بخبرات معمارية سابقة منها:

- العمارة البيزنطية ولاسيما مبنى كاتدرائية القديسة صوفيا التي بناها المهندسان إيزيدور دو ميليه Isidore de Milet وآنتيميوس دو ترال Anthémios de Tralles للامبراطور جوستنيان (483-565م) وزوجته الامبراطورة السورية الأصل «تيودورا».

- العمارة المحلية وخصوصاً مبنى «جامع السلطان بيازيد الثاني» الذي بناه المعمار خير الدين عام 906هـ - 912هـ/1501م-1507م. واستطاع المعمار سنان أن يترجم جمالية هذه العمارة ويبدع طرازاً معمارياً جميلاً وأصيلاً يلبي متطلبات مجتمع عصره.

شارك المعمار سنان في خلق طراز معماري إسلامي عثماني جديد من شأنه أن يلبي متطلبات العبادة، ويحقق الجمالية المنشودة، ويأخذ في الحسبان قضايا العمارة، فأبدع طرازاً معمارياً إسلامياً عثمانياً وذلك بخبرة ومهارة، وذكاء ورغبة في التجديد والابتكار والإبداع.

وإذا كانت العمارة البيزنطية قدمت للمعمار سنان ومعاصريه عناصرها المعمارية الأساسية وخاصة القبة الكبرى المركزية، فإن المعمار سنان انطلق منها في إبداع طرازه المعماري الإسلامي العثماني الجديد. ويمكن تحديد أهم خصائص هذا الطراز المعماري الإسلامي العثماني الجديد كما يلي:

1- القبة الكبرى المركزية: التي تحقق مساحة واسعة.

2- صحون جانبية تعلوها أنصاف قباب.

3- المآذن الرشيقة والمرتفعة التي تجسّد الطموح الروحي ودرجاته في أسمى معانيهما.

4- الاهتمام بالأنوار والضياء، وامتداد شلال النور، وإيحاءاته الروحية، والحرص على حسن توزيع الإضاءة وتجانسها، وكل ما من شأنه أن يزيد في صفاء البناء ومنطق الهندسة المعمارية الشفافة.

5- حسن استخدام ألواح الخزف في كسوة أعالي الفتحات والنوافذ والأبواب والجدران. والجدير بالذكر أن صنّاع الخزف في القرن الذهبي ونيقيا، وكوتاهية، ورشق، ورودوس كانوا يبدعون أجمل ألواح الخزف المتميزة برسوم ورودها وأزهارها وأغصانها النباتية وألوانها المختارة: الأزرق والأخضر والأحمر. وإن روائع سنان تشكل كتاباً نموذجياً لأجمل هذه الرسوم وألوانها.

أهم منجزات سنان

1- جامع شاه زاده: شيده سنان عام 1543- 1548، اقتبس مخططه من تخطيط جامع محمدية، ولكنه حرص على أن يزيد من خفة المنظر الخارجي لمبنى الجامع، وتأكيد جمال الانسجام في الداخل، وقد نجح في أن يكسب كلاً من القبة الكبرى المركزية وداخل مبنى الجامع طابعاً جميلاً ومتميزاً بالرشاقة وجمال النسب، ويجعل المأذنتين الرشيقتين الشاهقتين غنيتين بالنحت.

كل ذلك جعل الرحالة التركي «أوليا شلبي» (1611- 1679) يقول بأنه من يرى هذا المبنى لابد أن يعجب به كل الإعجاب.

2- جامع السليمانية في اصطنبول: انطلق المعمار سنان في بناء هذا الجامع من جمالية عمارة كاتدرائية القديسة صوفيا في القسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطية. وقد تميز مبنى هذا الجامع بمساحته الكبيرة (أبعاده /225م× 150م)، وجمال موقعه الممتاز المطلّ على القرن الذهبي، وبقبة كبيرة وجميلة ومرتفعة (قطرها 31.5م) وتقوم على أربع دعائم ضخمة. ولها مئذنتان في طرفي المدخل، ومئذنتان عند نهاية الباحة العامة. إضافة إلى:

سنان: جامع السليمانية في اصطنبول

(بناه بين 1569 و1574)

- نصف قبة تعلو كلاً من مقدمة المبنى ومؤخرته.

- تحقيق المساحة الواسعة داخل المبنى، وذلك دون الحاجة إلى أعمدة ودعائم من شأنها أن تحجب الرؤية.

- رواقان جانبيان مسقوفان بقباب صغيرة جملية، يحيطان بالصحن المركزي يجعل المرء يرى الجامع أكثر عرضاً من العمق.

- تحييد ضغط السقوف وذلك بوساطة أكتاف جدارية قوية موزّعة على امتداد الجدران.

- إضافة إلى الحدائق الجميلة.

والجدير بالذكر أن العادة قد جرت بإقامة أضرحة مقببة في الجوامع التي يؤسسها السلاطين، ومبنى هذه الأضرحة وثيق الصلة بالمبنى الديني الملحق به، ونجد في الجنوب الشرقي من مبنى جامع السليمانية مبنى ضريح السلطان سليمان القانوني، وضريح زوجته السلطانة روكسلانا، ويعد هذان الضريحان من أجمل الأضرحة.

وللجوامع ملحقات معمارية أخرى مثل مباني دور الدروس، والمكتبات، والحمامات، ومستشفيات، ومطعم الفقراء، وغرفة استراحة السلطان، وحوانيت سوق. وفي مبنى جامع السليمانية أكبر مجموعة من هذه الملحقات المعمارية (المدرسة والخان والمطبخ وغرفة استراحة السلطان والحمام والمشفى والتربة).

3- جامع السليمية في أدرنه: شيّد المعمار سنان هذا المبنى للسلطان سليم الثاني عام 1570 حتى عام 1574. ويعد مبنى هذا الجامع من أهم منجزات سنان، تبلغ أبعاده 186م×135م، ولقبته اتساع قبة مبنى كاتدرائية القديسة صوفيا، جعلها سنان قائمة على ثماني دعائم لكل منها اثنا عشر ضلعاً جانبياً. وفي هذا المبنى شرفات عديدة فوق أعمدة تحيط بها منصات. ويحيط بهذا المبنى أربع مآذن مرتفعة مناسبة لهذا المصلّى الذي يتقدمه صحن في وسطه بحرة. وقد أكثر سنان من عدد النوافذ رغبة في الإضاءة والتهوية وتخفيف أثر الضغط والثـقل.

ويتحدث مؤرخو العمارة عن أهمية هذا المبنى الذي تحدّى فيه المعمار سنان النسب المقبولة حتى ذلك العصر، وذلك بالنسبة للقبة.

وهناك المباني التي بناها المعمار سنان للشخصيات الرسمية، ومنها:

- جامع رستم باشا في اصطنبول، بناه سنان عام 1561، ويعد هذا المبنى نموذجاً معمارياً فخماً، ورد اسم سنان فيه بخط معلّم خطاط.

- جامع محمد باشا في اصطنبول، بناه سنان عام 1571- 1572م، يتصف بجمال المحراب، وحسن استخدام ألواح الخزف في الكسوة.

تأثير سنان في أجيال المعماريين

كان المعمار سنان مؤسس مدرسة معمارية أصيلة وجميلة أفاد منها كثير من طلابه المعماريين، وطبع بطابعه المعماري عمارة القرن السادس عشر في الأناضول واصطنبول وأرجاء الإمبراطورية العثمانية.

ومن المعماريين الذين تأثروا بمدرسة المعمار سنان، خوجة قاسم ومحمد آغا.

إذا كانت الامبراطورية العثمانية شهدت عصرها الذهبي الثقافي في عهود السلاطين سليم الأول وسليمان القانوني وسليم الثاني، فإن العمارة الإسلامية العثمانية شهدت عصرها في القرن السادس عشر الميلادي بعبقرية المعمار سنان وموهبته.

وحين توفي دفن في الضريح الذي كان قد أعدّه لنفسه في جوار جامع السليمانية في اصطنبول، هذا المبنى هو أحد المباني المعمارية الكثيرة التي حققت له خلود الذكر، وجعلت المؤرخين يعدون المعمار سنان «معمار الامبراطورية العثمانية العبقري» و«ميكلانجلو العثمانيين» و«أعظم مهندسي العمارة قاطبة».

بشير زهدي

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ زكي محمد حسن، فنون الإسلام (دار الرائد العربي ـ بيروت 1401هـ/1981م).

ـ ارنست كونل، الفن الإسلامي، ترجمة أحمد موسى، مراجعة محمود إبراهيم الدسوقي (مطبعة أطلس، القاهرة 1961م).

- G.Marçais, l’Art de L’islam Arts, styles et technique (Lib Larousse, Paris 1946).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلد الحادي عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 157
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 515
الكل : 31812354
اليوم : 11897

مارتينو (بوهوسلاف-)

مارتينو (بوهوسلاف ـ) (1890ـ 1959)   بوهوسلاف مارتينو Bohuslav Martinu، مؤلف موسيقي تشيكي، وُلد في برج كنيسة القديس يعقوب في قرية بوليتشكا Policka، وتوفي في ليستال Liestal. كان والده إسكافياً، وقد تعهّد بمهمة الإشراف على الكنيسة وحراسة البرج وقرع أجراس الكنيسة. نشأ بوهوسلاف في برج الكنيسة وترعرع على صوت أجراسها، وتركت طبيعة الحياة التي عاشها في برج كان يرتفع عن سطح الأرض 35 متراً، أثرها على طباعه وأخلاقه، وجعله منظر القرية الصغيرة والطبيعة الجميلة التي كان يراقبها من نافذة البرج صباح كل يوم أكثر إحساساً بالحرية من أطفال قريته، فلم يستطع قبول الأسر المدرسي.
المزيد »