logo

logo

logo

logo

logo

عمر بن الخطاب

عمر خطاب

Umar ibn al-Khattab - Umar ibn al-Khattab

عمر بن الخطاب

(40ق.هـ ـ 23هـ/584 ـ 644م)

 

أبو حفص، عمر بن الخطاب بن نُفَيل العدوي القرشي، وبنو عدي بطن من بطون قريش اشتهروا بالشرف والمجد، ويجتمع نسبه مع الرسولr من جهة أمه حَنْتمة بنت هشام بن المغيرة المخزومي في الجد السادس (وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة) وخاله أبو جهل، عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي،  كناه الرسول بأبي حفص، لما رأى فيه من الشدة والحزم في الحق.

ولد بمكة قبل حرب الفجار الأعظم بأربع سنين، وبعد الرسولr بثلاث عشرة سنة وكانت تلك الحرب قبل البعثة النبوية بست وعشرين سنة بين قريش وكنانة، وبين هوازن، سميت بالفجار لإشعالها في الأشهر الحرم.

نشأ عمر في البيئة العربية الجاهلية الوثنية على دين قومه، كأمثال أبناء قريش، في بيت عرف بالحزم والشدة والصلابة وقسوة العيش، قال عمر: كان أبي الخطاب فظاً غليظاً يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وتميز عمر من أمثاله لتعلمه القراءة والكتابة، وكان القراء والكتاب في عصره قلائل جداً، فكانوا عند إسلامه سبعة عشر رجلاً من قريش، وكان في شبابه يرعى الإبل لوالده، كغيره من شبان مكة ورجالها، وكان مغرماً بالخمر والنساء، حذق المصارعة وركوب الخيل والفروسية، فكان من أبطال قريش وأشرافهم، وتذوق الشعر ورواه، وكان سفيراً حاذقاً لقريش في المفاوضة بينهم وبين غيرهم في وقائع الحرب، ينافر عنهم وينذر الأعداء، وكان شديد القسوة على المسلمين كبقية المشركين، واشتغل بالتجارة لكنه لم يفلح فيها، وأكسبته رحلاته التجارية في الجاهلية ثقافة في ملاقاة أمراء العرب، وكان له تجارة بين الشام والحجاز.

عرف الرسولr مكانة عمر وهيبته في قريش واعتداده بنفسه، فدعا الله أن يُعز به الإسلام أو بخاله عمرو بن هشام « أبو جهل»، فقال: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام» أو «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر…» فجعل الله دعوة رسوله لعمر، قال ابن عمر: وكان أحبَّهما إليه ـ أي إلى النبي ـ عمر. وكان الرسولr يعلم أنه لم يكن بين القرشيين من يجرؤ على معارضة عمر.

أسلم عمر في مكة، في السنة الخامسة من النبوة، وهو ابن تسع وعشرين سنة، وكان قد أسلم مع رسول اللهr تسعة وثلاثون رجلاً، وامرأة، فصاروا بعمر أربعين، كما ذكر ابن عباس.

وقصة إسلامه مشهورة رواها ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق، موجزها: أنه توشح يوماً بسيفه يريد رسولr، فثناه نعيم بن عبد الله عن مهمته إلى صهره ابن عمه سعيد بن عمرو وأخته فاطمة، لأنهما أسلما، فطرق عليهما الباب وعندهما خبَّاب ابن الأرت معه صحيفة فيها سورة [طه] يُقرئهما إياها، فاختفى خبَّاب، وأخفت فاطمة الصحيفة، فطالبهما بمعرفة الصوت الخفي «الهينمة» ورؤية الصحيفة، فلم يعطياها، فبطش بصهره «خَتَنه» وبأخته، ثم قالا له: نعم لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فقال لأخته: أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفاً، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد، فامتنعت أخته عن تسليمها له حتى يغتسل، لأنه لا يمسها إلا الطاهر، فاغتسل، فلما قرأ منها صدراً، قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فذكّره خبَّاب بدعاء الرسول له بالإسلام، فقال له عمر: دلّني يا خبَّاب على محمد حتى آتيه فأُسلم، فقال له: هو في بيت عند الصفا «أي بيت الأرقم بن أبي الأرقم» معه نفر من أصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول اللهr وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته، قام رجل من الصحابة وهو فزع، فقال: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحاً بالسيف، فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه، فأذن له، ونهض الرسول حتى لقيه بالحجرة، فأخذ بمجمع ردائه، ثم جَبَذه «هزه» جبذة شديدة، وقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى يُنزل الله بك قارعة، فقال عمر: يا رسول الله، جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله، فكبر الرسولr تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب الرسول أن عمر قد أسلم.

ولما وافق إسلام عمر إسلام حمزة، اطمأن المؤمنون، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول اللهr، وينصفانه من عدوه، وبعد إسلامهما صارت الدعوة إلى الله جهرية، فخرج الرسول في صفَّين: عمر في أحدهما، وحمزة في الآخر، حتى دخل المسجد، فأصاب قريشاً كآبة لم تصبهم قط، وسماه رسول اللهr يومئذ الفاروق. قال الرسولr: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، فرق الله به بين الحق والباطل» ذكره ابن الجوزي عن أيوب ابن موسى.

وهاجر عمرt من مكة إلى المدينة المنورة علناً، وكان المسلمون يهاجرون سراً. قال عليt: «ما علمت أحداً هاجر إلا متخفياً إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همًّ بالهجرة تقلّد سيفه، وتنكّب قوسه، وانتقى في يده أسهماً، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعاً، ثم صلى ركعتين عند المقام «مقام إبراهيم» ثم أتى حلَقهم واحدة واحدة، وقال: شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكُله أمُّه، ويُؤتم ولده، ويُرملَ زوجتَه، فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي: فما تبعه أحد».

روى ابن الأثير عن عبد الله بن مسعود قال: «كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت، فلما أسلم عمر، قاتلهم حتى تركونا، فصلينا».

وقال عكرمة بن أبي جهل: لم يزل الإسـلام في اختفاء حتى أسـلم عمر.

تميز عمر ببطولته وجرأته، وحكمته وعقله الكبير، وهيبته، وشدته وحزمه والتزامه بالحق، ونفاذ بصيرته وفراسته ورؤيته المستقبلية، مع رحمته ولينه وعدله في الحق أيضاً، واشتهر بمواهبه العديدة، وإلهاماته النادرة، وغيرته على العرض والشرف والحرمات الدينية والإنسانية كلها، وكان العدل تاج خصاله بالوراثة، لذا كانت له منزلة عالية في الأمة وعند الرسولr الذي قال فيه عدة أقوال، منها: «اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب لغضبه».

ومنها ما تقدم عن أيوب بن موسـى، ومنها ما رواه الطبري عن النبيr أنه قال: «عمر معي، وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان» وفي شدته وحزمه قال عنه أيضاً: «ومثلك يا عمر مثل نوح قال: )وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا( (نوح: 26)، ومثلك كمثل موسى قال: )رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ( (يونس: 88) وفي هيبته قال عنه: «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر» وقالت عائشة رضي الله عنها: «فما زلت أهاب عمر لهيبة الرسولr إياه» وفي عبقريته قال عنه كما ذكر ابن الجوزي: «لم أر عبقرياً يفري فريه» وذكر أيضاً ما في الصحيحين وسنن أبي داود عن أبي هريرة، قال رسول اللهr: «إنه قد كان فيمن مضى قبلكم من الأمم ناس مُحَدَّثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم أحد، فإنه عمر بن الخطاب» وروي ذلك عن عائشة أيضاً، (المُحَدَّث: الرجل الصادق الظن)، وقد نزل القرآن مؤيداً رأي عمر في بضع وثلاثين مسألة، منها الحسم في تحريم الخمر، وحجاب أمهات المسلمين، وعدم أخذ الفداء من أسرى بدر، قال علي بن أبي طالبt: «خير الناس بعد رسول اللهr أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما»، وقال: «ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر».

لم يوص الرسولr لأحد من أصحابه بالخلافة من بعده، بل ترك مسألة الخلافة والشورى بينهم، فلما شاع نعي النبي، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة في المدينة المنورة، وأرادوا أن يبايعوا بالخلافة رجلاً منهم، هو سعد بن عُبادة، سيد الخزرج، فحضر إليهم نفر من المهاجرين، وكاد يقع بينهم خلاف شديد، لولا أن قام إليهم أبو بكر خطيباً، وأورد حديثاً هو أن «الأئمة من قريش» وحذّر من تنافس الأوس والخزرج، وتجدُّد العداوة بينهم، فعَرَض عليهم مبايعة عمر أو أبي عبيدة بن الجراح، فخشي عمر من استحكام الاختلاف بين الصحابة فقام إلى أبي بكر وبايعه بالخلافة، كما ذكر ابن هشـام، وقال لـه: «ألم يأمر النبي بأن تصلي أنت يا أبا بكر بالمسلمين؟ فأنت خليفته، ونحن نبايعك، فنبايع خير من أحب رسول الله منا جميعاً» فبايعه من بعده بشير بن سعد وأبو عبيدة، ثم تتابع المهاجرون والأنصار يبايعونه، وتسمى بيعة السقيفة بالبيعة الخاصة، لأنه لم يبايعها إلا نفر قليل من المسلمين هم الذين حضروا السقيفة، فلما كان الغد، جلس أبو بكر على المنبر في المسجد، وبايعه الناس البيعة الكبرى أو العامة. ثم بايعه الزبير، ثم علي بعد موت فاطمة.

لما مرض أبو بكر سنة 13هـ/634م خشي إن هو قبض، ولم يعهد بالخلافة إلى أحد يوحد كلمة المسلمين، عاد الاختلاف على الخلافة بينهم سيرته الأولى، فيتمكن منهم العدو، فنظر أبو بكر في أصحابه، ليتخير من بينهم رجلاً يكون شديداً في غير عنف، وليّناً في غير ضعف، فوجد أن «من توفرت فيه هذه الصفة من الصحابة أحد رجلين: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، إلا أن الأول ربما يريد الأمر، فيرى في طريقه عَقَبة فيدور إليه، والثاني يرى الاستقامة لايبالي بالعقبة تقوم بين يديه، فهو بهذا إلى الشدة أميل منه إلى اللين».

فوقع اختياره على عمر، وجعل يستشير فيه كل من دخل عليه من الصحابة، مثل عبد الرحمن بن عوف، وعثمان ، وأُسيد بن حضير الأنصاري، ثم دعا أبو بكر عثمان بن عفان فأملاه كتاب عهده لعمر، ونصه: « بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمد عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي الفاجر. إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن برَّ وعدل، فذلك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرئ ما اكتسب: )وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ( (الشعراء: 227)».

ثم بايعه الناس في المسجد النبوي على الخلافة يوم وفاة أبي بكر، بطلب من عثمان على ما في كتاب العهد، وبايعه أبو بكر بموافقة أصحاب الرأي في الاختيار قبل تسميته.

كان لصفات عمر المتقدمة وأهمها نفاذ بصيرته والتزامه قمة العدل البشري أثر كبير في نجاحه الخارق في إدارة الدولة الإسلامية في عهده، وكان أول من لقَّب بأمير المؤمنين باقتراح عمرو بن العاص.

فسار بأحسن سيرة، وأنزل نفسه من مال الله بمنزلة رجل من الناس، وفتحت في أيامه الفتوحات الكبرى في الشام، والعراق وفارس، ومصر، فافتتحت القدس ودمشق والمدائن في عهده، وهو الذي دوَّن الدواوين في العطاء، ورتّب الناس فيه على سوابقهم في الإسلام، كان لا يخاف في الله لومة لائم، وجمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد، وهو أول من أرّخ التاريخ الهجري، وكان العرب قبل ذلك يؤرخون بالوقائع.

واتخذ بيت مال للمسلمين، وأمر ببناء البصرة والكوفة والفسطاط، وكتب إلى عماله: إذا كتبتم لي فابدؤوا بأنفسكم. قال الزهري: كان عمر إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبان فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم، وكان نقش خاتمه: «كفى بالموت واعظاً يا عمر».

كان عمر ذا عبقرية فذة في تنظيم الجيوش وتسييرها، واختيار القادة والأمراء، ووضع الخطط الحربية، وفتح جبهات متعددة في الشمال والشرق والغرب، حتى تغلب على الروم والفرس أقوى دولتين في عصره، فكان الأمراء في الأمصار أبا عبيدة، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد في الشام، وسعد بن أبي وقاص في القادسية ومحاربة الفرس، والمغيرة بن شعبة وسراقة بن عمر في فارس وبلاد الترك، وعمرو في فتح مصر، وغيرهم من قادة الفتح العظام، وأنشأ الجيش الإسلامي وأعده إعداداً جيداً ومتميزاً، ورغب في نظام التجنيد، وأغرى بالمرتبات، ورهّب من التقاعس والتقصير في أداء المهام، وأمد الجيوش بالعدة والعدد، وكان يقود العمليات العسكرية من مقر خلافته بالمدينة.

ونظم عمر شؤون الدولة الإسلامية الإدارية والسياسية، فقسم البلاد إلى أقاليم وولايات، وأحسن اختيار العمال والولاة فيها، يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأنشأ ديوان العطاء الذي عرف في العصر الأموي بديوان الجند، ومنذ أن أسس عمر ديوانه في المدينة وجد في الكوفة والبصرة والشام ومصر ديوانان، أحدهما بالعربية لإحصاء الناس وأعطياتهم، والآخر لوجوه المال بالفارسية في العراق والرومية في الشام، والرومية مع القبطية في مصر. ونظم الحياة الجديدة في الأقاليم للمسلمين وغيرهم، فساد النظام، وعم الأمن والسلام، وشمل العدل كل الناس، وانتعشت التجارة والكسب المشروع، وكثرت الأرزاق، وضمن للناس النقود الشرعية لمزاولة أعمالهم، وعين القضاة لفصل الخصومات والمنازعات بين الناس بالعدل ودون إبطاء. وربط الأقاليم المفتوحة بالمدينة المنورة عاصمة الدولة، وكان من سُنَّة عمر وسيرته أن يأخذ عماله بموافاة الحج في كل سنة للسياسة، وليحجزهم بذلك عن الرعية وليكون لشكاة الرعية وقتاً وغاية ينهونها فيه إليه، فكان عمر رجل الدولة الإسلامية من حيث التنظيم والإدارة والعدالة الاجتماعية من الناحية المدنية، كما كان القائد العسكري الأعلى، فاجتمع في شخصيته المجالان: المدني والعسكري معاً. وعني بمرافق الدولة في المدن والثغور ونحوها.

وكان يعتمد على الشورى فهو أول من منع الصحابة من مغادرة المدينة، لاستشارتهم، ويخضع للحق ويذعن لـه، ويقول على المنبر: «امرأة أصابت وأخطأ عمر» حين أراد تحديد المهور، وكان يطوف في الأسواق منفرداً، ويقضي بين الناس إذا أدركه الخصوم، ويتفقد الرعية ليلاً، ويقمع الغش، ويطارد الجناة، ويفضّل في الأعطيات بحسب ما يقدم المسلم للأمة، ويسوّي بين الناس في القضاء؛ كحادثة القصاص من جبلة بن الأيهم الذي لطم الأعرابي في الطواف وهشم أنفه، ويرفع الجزية عن الشيخ المعاهد الكبير وأمثاله، ويعاقب الشعراء الذين يقذعون في الهجاء، وقد أجلى اليهود من جزيرة العرب ما لم يكن لهم عهد من رسول اللهr، لحديث «لا يجتمع في جزيرة العرب دينان» وأجلى أهل نجران بناءً على طلبهم.

وكان عمر شديداً على ولاته، يشاطرهم ما لديهم، فهو أول من وضع قانون «من أين لك هذا؟» واقتص من عمرو بن العاص والي مصر ومن ابنه الذي ضرب قبطياً، وترك تقسيم أراضي العراق ومصر والشام المفتوحة عنوة، ووضع الخراج عليها ليكون مورداً عاماً لجماعة المسلمين، ووضع العشور على الحربيين، وكانت الدراهم في عصره فارسية زاد في بعضها: «الحمد لله» أو «لا إله إلا الله وحده».

ورسالته لأبي موسى الأشعري في القضاء مشهورة محكمة، وكانت اجتهاداته الفقهية كثيرة، وآراؤه في الأخذ بمقتضى السياسة الشرعية حكيمة.

دامت خلافته عشر سنين وخمسة أشهر أو ستة، وكان شديداً في الحق ولما أسلم أصبح أشد المسلمين مجاهرة برأيه ودفاعاً عن دينه، وكان شديداً على ولاته وعلى كرامة المسلمين وعزة نفوسهم، وأحرص الناس على أموال المسلمين ومصالحهم. طعنه أبو لؤلؤة فيروز الفارسي «غلام المغيرة بن شعبة» غيلة، بخنجر في خاصرته له رأسان، في صلاة الصبح في المسجد النبوي، فعاش بعد الطعنة ثلاث ليال ثم قضى. وذلك يبين مبلغ الاستياء والسخط  الذي استولى على الفرس بعد زوال سلطانهم. توفي ودفن في الحجرة النبوية في المدينة مع أبي بكر.

وهبة الزحيلي

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الخراج ـ الصحابة ـ القضاء ـ أهل الذمة.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن سعد، الطبقات الكبرى (ليدن 1322هـ).

ـ ابن الجوزي ، تاريخ عمر بن الخطاب (دار إحياء علوم الدين ،دمشق).

ـ ابن الأثير الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة (طبع كتاب الشعب بمصر 1390هـ/1970م).

ـ علي الطنطاوي وأخوه ناجي، سيرة عمرة بن الخطابt (المكتبة العربية في دمشق (عبيد إخوان) مطبعة الترقي، دمشق ، 1355هـ).


التصنيف : التاريخ
النوع : دين
المجلد: المجلد الثالث عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 489
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1096
الكل : 39387128
اليوم : 41274

التعلم المستمر وتعليم الكبار

التعلم المستمر وتعليم الكبار   تعددت المصطلحات الدالة على التعلم المستمر، وما يدخل ضمنه من تعليم الكبار continues learning and adult education والذي يعالج ميداناً واسعاً من التعليم والتعلم، يبدأ في سن الخامسة عشرة ويستمر حتى آخر الحياة، كما يبدأ في مستوى محو الأمية[ر] ويستمر بلا سقف أعلى، ولهذا يتم تعليم الكبار ضمن إطار التعلم المستمر من المهد إلى اللحد، ويسعى العلماء إلى تأصيله تحت اسم الأندراغوجية andragogy أو علم تعليم الكبار، المتميز عن التربية والتعليم للصغار المسمى بيداغوجيه pedagogy. وازداد الاهتمام بتعليم الكبار بعد الثورة الصناعية لتعليم العمال المهارات الأساسية والتخصصية، كما ازداد بعد ثورة المعلومات وتأصل علم المعلوماتية informatics إذ تضاعفت المعلومات كل سنتين في أواخر عقد التسعينات من القرن العشرين، مما يستلزم التعلم والتعليم وإعادة التدريب في نظام جديد لم يعد التعليم المدرسي النظامي formal  قادراً على مواجهته، والتلاؤم معه لتغير المعلومات والتقنيات والمهن والشروط الاجتماعية المرافقة. وأقرت المؤتمرات الدولية لتعليم الكبار حق تعليم الكبار وربطه بالواجب والمسؤولية، مثل مؤتمر نيروبي 1976، وباريس 1985، وجوميتان 1990، وهامبورغ 1997. ووضع مؤتمر تعليم الكبار الخامس في هامبورغ تعريفاً شاملاً لتعليم الكبار فجعله «مجمل العمليات التعليمية النظامية وغير النظامية والعَرضية  التي ينمي فيها الكبار قدراتهم ويثرون معارفهم ويطورون مؤهلاتهم التقنية والمهنية، ويسلكون به سبلاً جديدة تلبي حاجاتهم وحاجات مجتمعهم». من أجل تحسين حياتهم في الحاضر والمستقبل. ويتفاعل تعليم الكبار مع أدنى مستويات التعليم للصغار والتعليم الأساسي [ر] ومحو أمية الكبار، والتعليم المستمر مدى الحياة، كما يتحسن تعليم الكبار في المستويات العليا، وخاصة بعد ثورة المعلومات واستخدام التقنيات الإلكترونية، وضرورة إعادة تدريب المتخصصين لمحو الأمية الحاسوبية ونشر ثقافتها واستخدامها في تحسين العمل والتعليم، والرقي بالمهن إلى أقصى فاعليتها، مع تخفيض أثمان المنتجات والخدمات، حتى يتاح لكل فرد، أيّا كان مستواه أو عمره، مزيداً من فرص التعلم والعمل في مجتمع ديمقراطي وإنساني. ولهذا عُني تعليم الكبار في أولى اهتماماته بالتعليم الأساسي للكبار، في مجال محو الأمية الأبجدية، والوظيفية والحضارية، كما اهتم بالتعلم والتعليم للجنسين، وخاصة المحرومين من الريفيين والنساء، والمهاجرين داخل القطر وخارجه والمهجرين بسبب الحروب والنزاعات الداخلية، والفقراء من مستوى اقتصادي منخفض ليحسنوا شروط عملهم، ويزيدوا دخلهم، أو ليواجهوا البطالة في العمل. وتقوم بتعليم الكبار جميع المؤسسات الإعلامية والمعلوماتية والثقافية والخدمية والاجتماعية، حتى يقوم كل فرد بواجباته في تنمية نفسه ومجتمعه معاً. ويصبح مواطناً فعالاً في مجتمعه، ويشارك في مسؤولياته، ويحقق التوازن في بيئته، وفي الوقت نفسه يحافظ على صحته، وصحة أسرته ومجتمعه. وأسهمت وسائل الإعلام المتعددة في تيسير تعلم الكبار تعلماً ذاتياً، ضمن المكتبات والمعارض والمتاحف والإذاعة والتلفزيون والهاتف وشبكات الحاسوب، مما زاد من أهمية المعلومات والإعلام بتقنيات متعددة ليتعلم منها الكبير، وفق حاجاته وشروطه وسرعته. الخلفية التاريخية ركزّت الأنشطة القديمة على تعليم الكبار قبل الصغار، فدعت الديانات إلى التعلم من المهد إلى اللحد، للتمكن من مهارات القراءة والكتابة والحساب، وتعلم أصول الدين وتعاليمه وسلوك الإنسان المتعلم الطرق المناسبة لعصره. وحدثت ثورة معرفية بعد اختراع آلة الطباعة في أوائل القرن السادس عشر على يد غوتنبرغ[ر] ثم في الثورة السمعية البصرية، باختراع آلات التصوير والتسجيل الصوتي. وانتشرت المكتبات العامة والخاصة والمتاحف والمعارض التي أسهمت في شيوع قنوات تعليم الكبار. ولكن ثورة المعلومات الإلكترونية أتاحت للكبار التعلم الذاتي المفتوح، العرضي، والمقصود معاً. وكانت الحاجة لتعليم الكبار تتأثر بالأوضاع الراهنة في كل بلد، ففي الولايات المتحدة الأمريكية جرى التركيز على تعليم اللغة الإنكليزية وتحسين الزراعة، ومنها انتشرت إلى العالم. وخصصت الدروس المسائية والجامعات الشعبية والمفتوحة في كل من إنكلترة والدنمارك، وألمانية والاتحاد السوفييتي (سابقاً)، واليابان ودول شرقي آسيا، وركزت الهند والصين على التعليم الزراعي بالراديو والتلفزيون. وتأسست في مصر وسورية مراكز ثقافية لتعليم الكبار منذ عام 1960، وتوسعت بالمكتبات وبأنشطة الوسائل المكتوبة والمسموعة والمرئية. وتحسن تعليم الكبار في الدول العربية بعد تحسن أسعار النفط عام 1973. وأسهمت المنظمات الدولية في تعليم الكبار مثل اليونسكو والبنك الدولي واليونسيف، والمنظمة العالمية لتعليم الكبار، التي عقدت مؤتمرها الخامس في هامبورغ في تموز 1997. كما قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وجهازها المتخصص «الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار» بأنشطة منوعة، منها وضع استراتيجية عربية لمحو الأمية عام 1976، واستراتيجية عربية لتعليم الكبار عام 1997، وأسهمت الجهود الفردية، والمنظمات الأهلية في ميدان تعليم الكبار وتدارك قصور المؤسسات الحكومية في هذا الميدان، وتأخر التشريعات الملزمة للتعليم الأساسي للكبار، ولكن الدول المتقدمة والنامية بما فيها الدول العربية، وضعت تشريعات ملزمة لإعادة التدريب والتعليم للمتخصصين الكبار في مهن التعلم والطب والهندسة والمحاسبة. أما المؤسسات الخاصة فقد سعت إلى إعادة تدريب موظفيها لمواجهة التغيرات في الأجهزة والبرمجيات والبرامج لتحسين أدائهم المهني ونشطت في إعادة التوازن بين تغير المهن وتغير التعليم. وبعد ثورة المعلومات، أصبحت المعلومات حاجة أساسية، في حياتنا المعاصرة، وغدت خدمة في المنزل والمكتب مما أشاع فكرة العالم الواحد الذي أصبح في متناول كل إنسان، كأنه قرية إلكترونية، أو فندقاً أو مقهى إلكترونياً، يرتاده جميع الناس ليترفهوا ويتعلموا من نظام تعلم  مرن ومفتوح على العالم بكامله. ولذلك عاد العمل والتعلم إلى البيت المنتج أو البيت المدرسي. وأطلق عليه اسم البيت المدرسي school home المزود بالهاتف والفاكس (المثالة) والبريد الإلكتروني electronic mail وأصبح التعلم مفتوحاً  داخل البيت، مما يحتمل أن يزيد من انتشار تعلم الكبير داخل البيت في المستقبل، ويحسن من فاعلية تعليم الكبار، ويقلل من كلفته، ولكنه قد يؤثر في ثقافة الشعوب ولغتها، وانتشار العولمة في الإعلام والمعلومات والاقتصاد. ولكن التعلم بوسائل المعلومات والإعلام الإلكترونية ما زال مكلفاً، ويتخلف الدول النامية والأشخاص الفقراء عن استخدامه وإلى أن تصبح كلفة المواد الإلكترونية أقل من كلفة المواد المطبوعة يبقى التعلم بالمواد المكتوبة والمطبوعة أكثر انتشاراً في تعليم والكبار وتعلمهم. واقع تعليم الكبار ما زال في العالم قرابة ألف مليون أميّ، وفي الوطن العربي أكثر من 60 مليون أميّ و9 مليون طفل في سن الإلزام لا يدخلون المدرسة. وفي القطر العربي السوري قرابة مليون ونصف أمي، ولذلك تبقى الحاجة إلى التعليم الأساسي للصغار والكبار معاً. وركزت البلدان النامية والعربية على محو أمية الكبار، أما البلدان المتقدمة فركزت على تعليم المتخصصين اللغة الإنكليزية وأساليب متطورة في الزراعة والصناعة والمعلومات. وبانتشار شبكات المعلومات أصبح تعليم الكبار أكثر فاعلية وأرخص ثمناً، وأشد انفتاحاً متجاوزاً حواجز المكان والزمان وقيود الحكومات والدول. وأنشأت معظم وزارات الدولة دوائر للتدريب والتدريب المستمر للموظفين، بما فيها وزارات التربية والتعليم العالي، والثقافة والإعلام والخدمات الاجتماعية. وتوسعت الدولة في خدماتها لتعليم الكبار بإنشاء المراكز الثقافية والمعاهد الثقافية، والمكتبات والمتاحف والمعارض الخاصة الدائمة والدورية. ولكن التحكم في تعليم الكبار لم يعد ممكناً من نظام واحد، بل أصبح نظاماً مفتوحاً معمماً على الشبكات العالمية المفتوحة مثل شبكة إنترنت، ونظام الشبكة العنكبوتية العالمية فيها المسماة نظام ويب العالمي WWW (WORLD WIDE WEB). وفي هذا النظام المفتوح يصعب إيراد إحصاءات تقديرية في البلدان النامية لتعليم الكبار. إذ يتم تعليم الكبار المهنة في التلمذة والمهنية وفي التدريب المهني قبل الخدمة وفي أثناء الخدمة، في جميع المهن السائدة. وقد تتغير المهن، فتظهر مهن جديدة، وتزول مهن قديمة، ولذلك أصبح الكبير يغير مهنته أكثر من مرة في حياته المهنية، أو يطور أساليب مهنته لتواكب التغيرات في المعلومات والتقنيات، وتصبح منتجاته المهنية أقدر على المنافسة المحلية والعالمية. وشاعت أنظمة التعلم المفتوح المستمر للتدرب على المهن الجديدة والتقانات الجديدة، كالتعليم بالمراسلة أو بالإذاعة والتلفزيون أو التعليم المفتوح من بعد، وعن بعد، وتأسست جامعات مفتوحة في بريطانية وألمانية، واليابان، واسترالية وكندا وغيرها من البلدان المتقدمة وكذلك في الهند والصين والباكستان والتايلند في البلدان النامية، والتعليم بالإذاعة والتلفزيون في الدول العربية. وسيزداد تعلم الكبار في الشبكة العالمية للحاسوب المسماة «ويب» لأنها تعلم بوسائط وقنوات متعددة مكتوبة ومسموعة ومرئية ومتحركة  متجاوزة معظم الحواجز الاقتصادية والجغرافية والحكومية لجعل التعلم للجميع. ويشترك في نظام الإنترنت أكثر من مئة مليون حاسوب في أواخر عام 1997 يترفهون ويتعلمون فيه أحدث المعلومات وأوسعها شمولاً، مما ربط كثيراً بين المعلومات المفتوحة والتعلم المفتوح للكبار. وعندما توضع لهذه الشبكة أنظمة وحاسوب شبكي يسهل الاتصال بها يصبح التعلم بها أكثر فاعلية وأرخص ثمناً وأكثر مناسبة لحاجات كل إنسان. ويتوقع بل جيتس Bill Giates بعد أن سيطر على نظام المعلومات وشبكات الاتصال في العالم، وكما ذكر في كتابه «الطريق أمامك» The Rood Ahead وبعد إطلاق الأقمار الاصطناعية للاتصالات، أن تقل قيمة خدمة المعلومات، فتصبح خدمة داخل البيت شأن الماء والكهرباء والهاتف. وبذلك تسهم المعلومات في تنمية الفرد والمجتمع والعالم كله إذا أحسن استخدامها في نظام تعليمي لتنمية الإنسان. ويحتاج كل إنسان أن يتعلم كيف يتعلم؟ أي أن لا يضيع وقته بالمعلومات المبعثرة والتافهة، وأن يختار البرامج الملائمة، وأن يوازن بين الترفيه والتعلم، لكي يحسن حياته في الحاضر والمستقبل. مشكلات تعليم الكبار مازال تعليم الكبار يعمل في نظام واسع ومفتوح و يصعب التحكم فيه ضمن نظام مغلق، وينشأ عن ذلك مشكلات وعوائق، وقد أسهمت الحروب والنزاعات في عدم ضبط تعليم الكبار في أدنى مستوياته وهو محو الأمية، ولكن، في الوقت نفسه، أفادت وسائل الإعلام والمعلومات المتعددة في تعلم الكبار الشفاهيين (الأميين) تعلماً يتصل بحياتهم الصحية والبيئية والاقتصادية وحسّنها. ومع أن نسبة الأمية تتناقص عالمياً وعربياً، إلا أن الأمية تزداد كميّاً، بسبب زيادة نسبة المواليد على نسبة من محيت أميتهم. كما أن الفجوة الحضارية قد تزداد بين الدول المتقدمة التي أسرعت في الاستفادة من نظم المعلومات الحديثة وانتهاج استراتيجيات ملائمة لتعليم الكبار، وبين الأمم المتخلفة عن مسايرة الركب السريع في المعلومات والتقانات والمهن. وما زالت التشريعات والاستراتيجيات لتعليم الكبار متخلفة عن نظام المعلومات والمهن سريع التغير. وتتطلب الحاجة إلى إسهام الجميع، والمحرومين منهم، في مجال التعلم والتعليم مدى الحياة، للوصول إلى تنمية شاملة أفضل من السابق. ولذلك فليست المشكلة في ضرورة تعليم الكبار بل في سرعة التعلم والتعليم ليواكب المعلومات التي تغذُّ في سيرها السريع ويحتاج الكبير في هذا العصر أن يتعلم كيف يتعلم من التقانات المتعددة المتوافرة.   فخر الدين القلا   الموضوعات ذات الصلة:   الاجتماع التربوي (علم ـ) ـ التعليم الأساسي والإلزامي ـ الإنترنت.   مراجع للاستزادة:   ـ إعلان مؤتمر هامبورغ لتعليم الكبار (اليونسكو 1977). ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار، علم تعليم الكبار (الأجزاء من 1-5) ـ فخر الدين القلا، محو الأمية وتعليم الكبار (مديرية الكتب الجامعية، جامعة دمشق 1993). - Bill Gates, The Road Ahead (Viking Penguin 1995).
المزيد »