logo

logo

logo

logo

logo

عمر بن الخطاب

عمر خطاب

Umar ibn al-Khattab - Umar ibn al-Khattab

عمر بن الخطاب

(40ق.هـ ـ 23هـ/584 ـ 644م)

 

أبو حفص، عمر بن الخطاب بن نُفَيل العدوي القرشي، وبنو عدي بطن من بطون قريش اشتهروا بالشرف والمجد، ويجتمع نسبه مع الرسولr من جهة أمه حَنْتمة بنت هشام بن المغيرة المخزومي في الجد السادس (وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة) وخاله أبو جهل، عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي،  كناه الرسول بأبي حفص، لما رأى فيه من الشدة والحزم في الحق.

ولد بمكة قبل حرب الفجار الأعظم بأربع سنين، وبعد الرسولr بثلاث عشرة سنة وكانت تلك الحرب قبل البعثة النبوية بست وعشرين سنة بين قريش وكنانة، وبين هوازن، سميت بالفجار لإشعالها في الأشهر الحرم.

نشأ عمر في البيئة العربية الجاهلية الوثنية على دين قومه، كأمثال أبناء قريش، في بيت عرف بالحزم والشدة والصلابة وقسوة العيش، قال عمر: كان أبي الخطاب فظاً غليظاً يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وتميز عمر من أمثاله لتعلمه القراءة والكتابة، وكان القراء والكتاب في عصره قلائل جداً، فكانوا عند إسلامه سبعة عشر رجلاً من قريش، وكان في شبابه يرعى الإبل لوالده، كغيره من شبان مكة ورجالها، وكان مغرماً بالخمر والنساء، حذق المصارعة وركوب الخيل والفروسية، فكان من أبطال قريش وأشرافهم، وتذوق الشعر ورواه، وكان سفيراً حاذقاً لقريش في المفاوضة بينهم وبين غيرهم في وقائع الحرب، ينافر عنهم وينذر الأعداء، وكان شديد القسوة على المسلمين كبقية المشركين، واشتغل بالتجارة لكنه لم يفلح فيها، وأكسبته رحلاته التجارية في الجاهلية ثقافة في ملاقاة أمراء العرب، وكان له تجارة بين الشام والحجاز.

عرف الرسولr مكانة عمر وهيبته في قريش واعتداده بنفسه، فدعا الله أن يُعز به الإسلام أو بخاله عمرو بن هشام « أبو جهل»، فقال: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام» أو «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر…» فجعل الله دعوة رسوله لعمر، قال ابن عمر: وكان أحبَّهما إليه ـ أي إلى النبي ـ عمر. وكان الرسولr يعلم أنه لم يكن بين القرشيين من يجرؤ على معارضة عمر.

أسلم عمر في مكة، في السنة الخامسة من النبوة، وهو ابن تسع وعشرين سنة، وكان قد أسلم مع رسول اللهr تسعة وثلاثون رجلاً، وامرأة، فصاروا بعمر أربعين، كما ذكر ابن عباس.

وقصة إسلامه مشهورة رواها ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق، موجزها: أنه توشح يوماً بسيفه يريد رسولr، فثناه نعيم بن عبد الله عن مهمته إلى صهره ابن عمه سعيد بن عمرو وأخته فاطمة، لأنهما أسلما، فطرق عليهما الباب وعندهما خبَّاب ابن الأرت معه صحيفة فيها سورة [طه] يُقرئهما إياها، فاختفى خبَّاب، وأخفت فاطمة الصحيفة، فطالبهما بمعرفة الصوت الخفي «الهينمة» ورؤية الصحيفة، فلم يعطياها، فبطش بصهره «خَتَنه» وبأخته، ثم قالا له: نعم لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فقال لأخته: أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفاً، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد، فامتنعت أخته عن تسليمها له حتى يغتسل، لأنه لا يمسها إلا الطاهر، فاغتسل، فلما قرأ منها صدراً، قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فذكّره خبَّاب بدعاء الرسول له بالإسلام، فقال له عمر: دلّني يا خبَّاب على محمد حتى آتيه فأُسلم، فقال له: هو في بيت عند الصفا «أي بيت الأرقم بن أبي الأرقم» معه نفر من أصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول اللهr وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته، قام رجل من الصحابة وهو فزع، فقال: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحاً بالسيف، فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه، فأذن له، ونهض الرسول حتى لقيه بالحجرة، فأخذ بمجمع ردائه، ثم جَبَذه «هزه» جبذة شديدة، وقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى يُنزل الله بك قارعة، فقال عمر: يا رسول الله، جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله، فكبر الرسولr تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب الرسول أن عمر قد أسلم.

ولما وافق إسلام عمر إسلام حمزة، اطمأن المؤمنون، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول اللهr، وينصفانه من عدوه، وبعد إسلامهما صارت الدعوة إلى الله جهرية، فخرج الرسول في صفَّين: عمر في أحدهما، وحمزة في الآخر، حتى دخل المسجد، فأصاب قريشاً كآبة لم تصبهم قط، وسماه رسول اللهr يومئذ الفاروق. قال الرسولr: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، فرق الله به بين الحق والباطل» ذكره ابن الجوزي عن أيوب ابن موسى.

وهاجر عمرt من مكة إلى المدينة المنورة علناً، وكان المسلمون يهاجرون سراً. قال عليt: «ما علمت أحداً هاجر إلا متخفياً إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همًّ بالهجرة تقلّد سيفه، وتنكّب قوسه، وانتقى في يده أسهماً، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعاً، ثم صلى ركعتين عند المقام «مقام إبراهيم» ثم أتى حلَقهم واحدة واحدة، وقال: شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكُله أمُّه، ويُؤتم ولده، ويُرملَ زوجتَه، فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي: فما تبعه أحد».

روى ابن الأثير عن عبد الله بن مسعود قال: «كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت، فلما أسلم عمر، قاتلهم حتى تركونا، فصلينا».

وقال عكرمة بن أبي جهل: لم يزل الإسـلام في اختفاء حتى أسـلم عمر.

تميز عمر ببطولته وجرأته، وحكمته وعقله الكبير، وهيبته، وشدته وحزمه والتزامه بالحق، ونفاذ بصيرته وفراسته ورؤيته المستقبلية، مع رحمته ولينه وعدله في الحق أيضاً، واشتهر بمواهبه العديدة، وإلهاماته النادرة، وغيرته على العرض والشرف والحرمات الدينية والإنسانية كلها، وكان العدل تاج خصاله بالوراثة، لذا كانت له منزلة عالية في الأمة وعند الرسولr الذي قال فيه عدة أقوال، منها: «اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب لغضبه».

ومنها ما تقدم عن أيوب بن موسـى، ومنها ما رواه الطبري عن النبيr أنه قال: «عمر معي، وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان» وفي شدته وحزمه قال عنه أيضاً: «ومثلك يا عمر مثل نوح قال: )وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا( (نوح: 26)، ومثلك كمثل موسى قال: )رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ( (يونس: 88) وفي هيبته قال عنه: «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر» وقالت عائشة رضي الله عنها: «فما زلت أهاب عمر لهيبة الرسولr إياه» وفي عبقريته قال عنه كما ذكر ابن الجوزي: «لم أر عبقرياً يفري فريه» وذكر أيضاً ما في الصحيحين وسنن أبي داود عن أبي هريرة، قال رسول اللهr: «إنه قد كان فيمن مضى قبلكم من الأمم ناس مُحَدَّثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم أحد، فإنه عمر بن الخطاب» وروي ذلك عن عائشة أيضاً، (المُحَدَّث: الرجل الصادق الظن)، وقد نزل القرآن مؤيداً رأي عمر في بضع وثلاثين مسألة، منها الحسم في تحريم الخمر، وحجاب أمهات المسلمين، وعدم أخذ الفداء من أسرى بدر، قال علي بن أبي طالبt: «خير الناس بعد رسول اللهr أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما»، وقال: «ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر».

لم يوص الرسولr لأحد من أصحابه بالخلافة من بعده، بل ترك مسألة الخلافة والشورى بينهم، فلما شاع نعي النبي، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة في المدينة المنورة، وأرادوا أن يبايعوا بالخلافة رجلاً منهم، هو سعد بن عُبادة، سيد الخزرج، فحضر إليهم نفر من المهاجرين، وكاد يقع بينهم خلاف شديد، لولا أن قام إليهم أبو بكر خطيباً، وأورد حديثاً هو أن «الأئمة من قريش» وحذّر من تنافس الأوس والخزرج، وتجدُّد العداوة بينهم، فعَرَض عليهم مبايعة عمر أو أبي عبيدة بن الجراح، فخشي عمر من استحكام الاختلاف بين الصحابة فقام إلى أبي بكر وبايعه بالخلافة، كما ذكر ابن هشـام، وقال لـه: «ألم يأمر النبي بأن تصلي أنت يا أبا بكر بالمسلمين؟ فأنت خليفته، ونحن نبايعك، فنبايع خير من أحب رسول الله منا جميعاً» فبايعه من بعده بشير بن سعد وأبو عبيدة، ثم تتابع المهاجرون والأنصار يبايعونه، وتسمى بيعة السقيفة بالبيعة الخاصة، لأنه لم يبايعها إلا نفر قليل من المسلمين هم الذين حضروا السقيفة، فلما كان الغد، جلس أبو بكر على المنبر في المسجد، وبايعه الناس البيعة الكبرى أو العامة. ثم بايعه الزبير، ثم علي بعد موت فاطمة.

لما مرض أبو بكر سنة 13هـ/634م خشي إن هو قبض، ولم يعهد بالخلافة إلى أحد يوحد كلمة المسلمين، عاد الاختلاف على الخلافة بينهم سيرته الأولى، فيتمكن منهم العدو، فنظر أبو بكر في أصحابه، ليتخير من بينهم رجلاً يكون شديداً في غير عنف، وليّناً في غير ضعف، فوجد أن «من توفرت فيه هذه الصفة من الصحابة أحد رجلين: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، إلا أن الأول ربما يريد الأمر، فيرى في طريقه عَقَبة فيدور إليه، والثاني يرى الاستقامة لايبالي بالعقبة تقوم بين يديه، فهو بهذا إلى الشدة أميل منه إلى اللين».

فوقع اختياره على عمر، وجعل يستشير فيه كل من دخل عليه من الصحابة، مثل عبد الرحمن بن عوف، وعثمان ، وأُسيد بن حضير الأنصاري، ثم دعا أبو بكر عثمان بن عفان فأملاه كتاب عهده لعمر، ونصه: « بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمد عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي الفاجر. إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن برَّ وعدل، فذلك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرئ ما اكتسب: )وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ( (الشعراء: 227)».

ثم بايعه الناس في المسجد النبوي على الخلافة يوم وفاة أبي بكر، بطلب من عثمان على ما في كتاب العهد، وبايعه أبو بكر بموافقة أصحاب الرأي في الاختيار قبل تسميته.

كان لصفات عمر المتقدمة وأهمها نفاذ بصيرته والتزامه قمة العدل البشري أثر كبير في نجاحه الخارق في إدارة الدولة الإسلامية في عهده، وكان أول من لقَّب بأمير المؤمنين باقتراح عمرو بن العاص.

فسار بأحسن سيرة، وأنزل نفسه من مال الله بمنزلة رجل من الناس، وفتحت في أيامه الفتوحات الكبرى في الشام، والعراق وفارس، ومصر، فافتتحت القدس ودمشق والمدائن في عهده، وهو الذي دوَّن الدواوين في العطاء، ورتّب الناس فيه على سوابقهم في الإسلام، كان لا يخاف في الله لومة لائم، وجمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد، وهو أول من أرّخ التاريخ الهجري، وكان العرب قبل ذلك يؤرخون بالوقائع.

واتخذ بيت مال للمسلمين، وأمر ببناء البصرة والكوفة والفسطاط، وكتب إلى عماله: إذا كتبتم لي فابدؤوا بأنفسكم. قال الزهري: كان عمر إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبان فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم، وكان نقش خاتمه: «كفى بالموت واعظاً يا عمر».

كان عمر ذا عبقرية فذة في تنظيم الجيوش وتسييرها، واختيار القادة والأمراء، ووضع الخطط الحربية، وفتح جبهات متعددة في الشمال والشرق والغرب، حتى تغلب على الروم والفرس أقوى دولتين في عصره، فكان الأمراء في الأمصار أبا عبيدة، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد في الشام، وسعد بن أبي وقاص في القادسية ومحاربة الفرس، والمغيرة بن شعبة وسراقة بن عمر في فارس وبلاد الترك، وعمرو في فتح مصر، وغيرهم من قادة الفتح العظام، وأنشأ الجيش الإسلامي وأعده إعداداً جيداً ومتميزاً، ورغب في نظام التجنيد، وأغرى بالمرتبات، ورهّب من التقاعس والتقصير في أداء المهام، وأمد الجيوش بالعدة والعدد، وكان يقود العمليات العسكرية من مقر خلافته بالمدينة.

ونظم عمر شؤون الدولة الإسلامية الإدارية والسياسية، فقسم البلاد إلى أقاليم وولايات، وأحسن اختيار العمال والولاة فيها، يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأنشأ ديوان العطاء الذي عرف في العصر الأموي بديوان الجند، ومنذ أن أسس عمر ديوانه في المدينة وجد في الكوفة والبصرة والشام ومصر ديوانان، أحدهما بالعربية لإحصاء الناس وأعطياتهم، والآخر لوجوه المال بالفارسية في العراق والرومية في الشام، والرومية مع القبطية في مصر. ونظم الحياة الجديدة في الأقاليم للمسلمين وغيرهم، فساد النظام، وعم الأمن والسلام، وشمل العدل كل الناس، وانتعشت التجارة والكسب المشروع، وكثرت الأرزاق، وضمن للناس النقود الشرعية لمزاولة أعمالهم، وعين القضاة لفصل الخصومات والمنازعات بين الناس بالعدل ودون إبطاء. وربط الأقاليم المفتوحة بالمدينة المنورة عاصمة الدولة، وكان من سُنَّة عمر وسيرته أن يأخذ عماله بموافاة الحج في كل سنة للسياسة، وليحجزهم بذلك عن الرعية وليكون لشكاة الرعية وقتاً وغاية ينهونها فيه إليه، فكان عمر رجل الدولة الإسلامية من حيث التنظيم والإدارة والعدالة الاجتماعية من الناحية المدنية، كما كان القائد العسكري الأعلى، فاجتمع في شخصيته المجالان: المدني والعسكري معاً. وعني بمرافق الدولة في المدن والثغور ونحوها.

وكان يعتمد على الشورى فهو أول من منع الصحابة من مغادرة المدينة، لاستشارتهم، ويخضع للحق ويذعن لـه، ويقول على المنبر: «امرأة أصابت وأخطأ عمر» حين أراد تحديد المهور، وكان يطوف في الأسواق منفرداً، ويقضي بين الناس إذا أدركه الخصوم، ويتفقد الرعية ليلاً، ويقمع الغش، ويطارد الجناة، ويفضّل في الأعطيات بحسب ما يقدم المسلم للأمة، ويسوّي بين الناس في القضاء؛ كحادثة القصاص من جبلة بن الأيهم الذي لطم الأعرابي في الطواف وهشم أنفه، ويرفع الجزية عن الشيخ المعاهد الكبير وأمثاله، ويعاقب الشعراء الذين يقذعون في الهجاء، وقد أجلى اليهود من جزيرة العرب ما لم يكن لهم عهد من رسول اللهr، لحديث «لا يجتمع في جزيرة العرب دينان» وأجلى أهل نجران بناءً على طلبهم.

وكان عمر شديداً على ولاته، يشاطرهم ما لديهم، فهو أول من وضع قانون «من أين لك هذا؟» واقتص من عمرو بن العاص والي مصر ومن ابنه الذي ضرب قبطياً، وترك تقسيم أراضي العراق ومصر والشام المفتوحة عنوة، ووضع الخراج عليها ليكون مورداً عاماً لجماعة المسلمين، ووضع العشور على الحربيين، وكانت الدراهم في عصره فارسية زاد في بعضها: «الحمد لله» أو «لا إله إلا الله وحده».

ورسالته لأبي موسى الأشعري في القضاء مشهورة محكمة، وكانت اجتهاداته الفقهية كثيرة، وآراؤه في الأخذ بمقتضى السياسة الشرعية حكيمة.

دامت خلافته عشر سنين وخمسة أشهر أو ستة، وكان شديداً في الحق ولما أسلم أصبح أشد المسلمين مجاهرة برأيه ودفاعاً عن دينه، وكان شديداً على ولاته وعلى كرامة المسلمين وعزة نفوسهم، وأحرص الناس على أموال المسلمين ومصالحهم. طعنه أبو لؤلؤة فيروز الفارسي «غلام المغيرة بن شعبة» غيلة، بخنجر في خاصرته له رأسان، في صلاة الصبح في المسجد النبوي، فعاش بعد الطعنة ثلاث ليال ثم قضى. وذلك يبين مبلغ الاستياء والسخط  الذي استولى على الفرس بعد زوال سلطانهم. توفي ودفن في الحجرة النبوية في المدينة مع أبي بكر.

وهبة الزحيلي

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الخراج ـ الصحابة ـ القضاء ـ أهل الذمة.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن سعد، الطبقات الكبرى (ليدن 1322هـ).

ـ ابن الجوزي ، تاريخ عمر بن الخطاب (دار إحياء علوم الدين ،دمشق).

ـ ابن الأثير الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة (طبع كتاب الشعب بمصر 1390هـ/1970م).

ـ علي الطنطاوي وأخوه ناجي، سيرة عمرة بن الخطابt (المكتبة العربية في دمشق (عبيد إخوان) مطبعة الترقي، دمشق ، 1355هـ).


التصنيف : التاريخ
النوع : دين
المجلد: المجلد الثالث عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 489
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1075
الكل : 40475247
اليوم : 5062

تعرف الكلام

تعرّف الكلام   أثار موضوع الواجهات التخاطبية الكلامية بين الإنسان والآلة، منذ قرابة خمسة عقود، اهتمام المهندسين وعلماء الكلام معاً. ذلك لأن الكلام هو طريقة التواصل الأسهل والأكثر طبيعية بين البشر منذ عشرات القرون. وتسمح مثل هذه الواجهات للسواد من الناس، بالتواصل مع الشبكات الحاسوبية والحصول على المعلومات دون الحاجة إلى أن يكونوا معلوماتيين. وتتطلب هذه الواجهات تقنيات إنتاج الكلام من الحواسيب (تركيب الكلام)، وفهم الآلة الكلام أو تعرف الكلام speech recognition. ولتعرّف الكلام تطبيقات كثيرة مثل: إعطاء أوامر صوتية وتحكمية كطلب هتف رقم صوتياً، إدخال معطيات صوتية مثل رقم بطاقة الائتمان، إعداد وثائق بنيوية كالوثائق الطبية...وغيرها الكثير. يُعد تعرّف الكلام إجرائية تُحوِّل الإشارة الصوتية، الملتَقَطة من هاتف أو ميكرفون إلى مجموعة كلمات؛ قد تكون هذه الكلمات هي النتيجة المرجوة النهائية، كما في التطبيقات المذكورة سابقاً، وقد تخدم كدخل إلى نظم معالجة لغوية لاحقة للحصول على فهم الكلام لإعطاء تفسير لهذا الكلام والتصرف على أساسه. وقد صار لدينا خوارزميات ونظم تعرف كلام عالية الأداء. موسطات عملية تعرف الكلام ثمة كثير من الموسطات parameters التي تميز نظم التعرف المختلفة: 1ـ طريقة لفظ الكلام: نميز بين نظم تعرف الكلمات المعزولة (مجموعة مفردات) حيث يتوقف المتكلم عن الكلام برهة بين كلمة وأخرى، ونظم تعرف الكلمات المتصلة (مثل أرقام الهواتف) التي لا تتطلب مثل هذا التوقف، ونظم تعرف الكلام العفوي والارتجالي الذي يتضمن مفردات واسعة وانقطاعات في السلاسة، وهو أصعب من النظم السابقة. 2ـ حجم المفردات المختلفة التي يمكن أن يتعرفها النظام: صغير (حتى مئة مفردة)، متوسط (يصل إلى 1000 مفردة)، واسع (يزيد على 1000 مفردة). 3ـ علاقة النظام بالمتحدثين: يمكن أن نميز ثلاثة أنواع من نظم التعرف: نظم مرتبطة بالمتحدث، وهي تتطلب إدخال عينات من كلام كل مستخدم جديد، نظم مستقلة عن المتحدث speaker independent لا تتطلب العملية السابقة، ونظم متكيفة مع المتحدث قادرة على تحسين أدائها بالنسبة لكل متحدث على حدة في أثناء استخدامه للنظام، مع مرور الزمن. 4ـ مقدار المعرفة الصوتية والمعجمية في نظم التعرف: تراوح من نظم بسيطة لا تتضمن أي معلومات لغوية إلى نظم معقدة تكامل المعرفة الصوتية واللغوية النحوية والدلالية والسياقية. نحتاج لتعرف الكلام المستمر، إلى نماذج لغوية وقواعد صنعية لتقييد تراكب الكلمات. يمكن أن يكون النموذج اللغوي بسيطاً، مثل شبكة حالات منتهية، بحيث نصرح عن الكلمات التي يمكن أن تتلو كلمة معينة. أو أن يكون أكثر عمومية، بحيث نقترب من اللغة الطبيعية باستعمال قواعد حساسة للسياق. يمكن قياس صعوبة هذه المهمة بموسط يسمى الإرباك perplexity، ويعرف على أنه المتوسط الهندسي لعدد الكلمات التي يمكن أن تلي كلمة معينة، بعد تحديد النموذج اللغوي. صعوبات تعرّف الكلام وحلولها تكمن صعوبة مسألة تعرف الكلام في تنوع شكل الإشارة الكلامية الموافقة للكلمة نفسها، ويمكن تصنيف هذه التغيرات كما يأتي: 1ـ  تغيرات تتعلق بالمتحدث نفسه: إذ يمكن أن تنشأ تغيرات صوتية بحسب تغيرات الحالة الفيزيولوجية والنفسية للشخص (هل هو مريض أو صحيح، حزين أو فرح أو غاضب...)، وبحسب معدل كلامه (سريع أو بطيء)، وبحسب جودة صوته (يقصد الإفهام أو يتكلم على نحو عارض). 2ـ تغيرات بين المتحدثين: تتبع الخلفية الاجتماعية ـ اللغوية لهم مثل، اللهجة وأبعاد وشكل جهازهم الصوتي الفيزيولوجي vocal tract. 3ـ التحقيق الصوتي للصوتيمات phonemes: وهي أصغر الوحدات الصوتية التي يمكن أن تتركب منها الكلمات، ويعتمد هذا التحقيق اعتماداً كبيراً على السياق الذي تُلفَظ فيه. على سبيل المثال، يختلف لفظ الصوت /ب/ من الكلمة «باب» إلى الكلمة «سبت»، فهو في الأولى /b/ وفي الثانية /p/. 4ـ اختلاف محيط المتحدث: وهذا ناتج عن وجود إشارات صوتية غير مرغوب فيها (متحدثين آخرين، ضجيج، إغلاق باب...)، أو عن تنوع الميكرفونات المستخدمة ومكان توضعها. توجد عدة نماذج لنظم تعرف الكلام منها النموذج الأكثر استخداماً تجارياً وصناعياً؛ وذلك لأنه يصلح مهما تغيرت المفردات أو تبدل المتحدثون أو مجموعة موسطات التمثيل أو خوارزمية البحث، وكذلك لسهولة برمجته وأدائه الجيد. ويستخدم هذا النموذج للتعرف على الكلمات المعزولة والمتصلة. يبين الشكل الآتي المكونات النموذجية لمثل هذا النظام:     يُعمد في البدء إلى تحليل الإشارة الكلامية بهدف تحويلها إلى تمثيل مضغوط قادر على  تمييز الخصائص properties المتغيرة مع الزمن للكلام (موسطات ترددية أو معاملات ترميز التنبؤ الخطي أو غيرها، تحسب على نوافذ زمنية 10-30 ms بسبب الطبيعة المتغيرة للكلام)، أو إلى توصيف إحصائي لتسلسل الأصوات المختلفة ضمن الكلمات (نموذج ماركوف المخفي Hidden Markov Model (HMM). يتطلب هذا النموذج عملية تدريب تسبق عملية التعرف يجري  ضمنها استخلاص سمات مرجعية للمفرادت التي نرغب في تعرفها. من أجل التعرف على مفردة ما نعمد إلى موازنة سماتها مع السمات المرجعية لجميع المفردات المرجعية للبحث على المفردة الأقرب إليها. وللحصول على تعرف أمثل يمكن الإفادة من التقييدات الصوتية والمعجمية والنماذج اللغوية للغة المستعملة. من الجدير بالذكر أن هناك طرق أخرى للتعرف تعتمد على تحديد القطع الصوتية وتصنيفها ثم استعمالها للتعرف على الكلمات، وذلك بالاستفادة من تقانات الذكاء الصنعي التي تحاول تقليد عملية تعرّف الكلام عند البشر. كما يمكن استعمال تقانة الشبكات العصبونية في التعرف مع نموذج ماركوف المخفي المشار إليه سابقاً. تحاول نظم تعرف الكلام، نمذجة مصادر التغييرات المذكورة سابقاً، على عدة مستويات. فعلى مستوى تمثيل الإشارة، طور الباحثون طرق تمثيل تؤكد السمات الحسية الهامة للإشارة الكلامية، المستقلة عن المتحدث، وتخفف من أثر الصفات المعتمدة على المتحدث. وعلى المستوى الصوتي، جرت نمذجة تغييرات المتحدث باستعمال تقنيات إحصائية مطبَّقة على كم هائل من المعطيات. وكذلك، جرى تطوير خوارزميات مواءمة المتحدث، تناسب النماذج الصوتية المستقلة عن المتحدث لتوائم النماذج الصوتية للمتحدث الحالي أثناء استعماله للنظام. كما جرى تدريب النظم على نماذج مختلفة لمقاطع الأصوات في سياقات مختلفة لأخذ تغيّراتها بالحسبان. أما على مستوى الكلمات، فيجري تدريب النظم على مختلف ألفاظ الكلمات وحسب لهجات متعددة، وجرى استعمال نماذج لغوية إحصائية تعتمد على تقدير تردد ورود سلاسل الكلمات لقيادة البحث عن الكلمات الأكثر احتمالاً. الحالة الراهنة يمكن قياس أداء نظم التعرف بمعدل الخطأ الذي يُعرَّف بالعلاقة: E=(S+I+D)*100/N حيث N هو العدد الكلي لمفردات التعرف، S عدد الاستبدالات (تعرف كلمة مكان أخرى)، I عدد الإدراجات (تعرف كلمات غير ملفوظة أصلاً)، D عدد المحذوفات (عدم تعرف كلمة ملفوظة). وقد تطورت تقانات تعرف الكلام كثيراً في الفترة الأخيرة، وأدى هذا إلى خفض معدل الخطأ السابق بنسبة 50٪ (إلى النصف) كل عامين تقريباً. ويعود هذا التطور إلى عدة عوامل منها: 1ـ تطور تقنيات نموذج ماركوف المخفي HMM التي تساعد على الحصول على أداء أفضل بعد معالجة معطيات التدريب آلياً. 2ـ الجهود المبذولة عالمياً لبناء مدونات قياسية ضخمة، لتطبيقات الكلام، ولعدد من اللغات العالمية. 3ـ تقييس تقويم أداء مختلف نظم التعرف، وهذا ما زاد في وثوقية مراقبة تطور هذه النظم. 4ـ أثر التطور الحاصل في مجال التقانات الحاسوبية تأثيراً غير مباشر في تطور هذا العلم. فحواسيب اليوم أسرع من سابقاتها، وأرخص ثمناً وأكثر  سعة. يزداد الاهتمام، اليوم، بنظم التعرف عبر الشبكات الهاتفية والخلوية، حيث يزيد معدل تعرف الكلمات عبر المحادثات الهاتفية على 50٪. فيما يأتي بعض أسماء نظم تعرف الكلام: ـ تحت نظام ماكنتوش:  Dragon Dictation Products ـ تحت نظام وندوز (ومنها وندوز 95 وNT و3.1(:  AT&T Watson Speech Recognition   Cambridge Voice for Windows  * DragonDictate for Windows ـ تحت نظام دوس  DATAVOX - French  Dragon Developer Tools  ـ تحت النظام Unix  AbbotDemo * BBN Hark Telephony Recognizer * EARS: Single Word Recognition Package*Hidden Markov Model Toolkit (HTK) from Entropic  يختلف أداء نظم التعرف بحسب التطبيق والتقانات المستعملة، وفيما يأتي مثالان عن أداء هذه النظم: ـ نظام تعرف الأرقام باللغة الإنكليزية، مستقل عن المتحدث، الأرقام ملفوظة على نحو مستمر وبعرض حزمة هاتفية، معامل الإرباك 11. معدل الخطأ 0.3٪ حين يكون عدد الأرقام في السلسلة معروفاً. - نظام تعرف لأغراض الإملاء، حجم المفردات يتجاوز 20000، معامل الإرباك نحو 200، لكلام مستمر، مستقل عن المتحدث، كان معدل الخطأ في عام 1994 نحو 7.2٪. التوجهات المستقبلية ومجالات البحث إن محاور البحث الآتية يمكن أن تزيد من أداء نظم تعرف الكلام:  1ـ المتانة والمناعة: عدم تأثر أداء النظام كثيراً حين تتغير حالات استثماره عن حالات تدريبه.  2ـ الحَمُولة: عدم الحاجة إلى إعادة تدريب النظم مع اختلاف التطبيقات، لأن الأمر مكلف مادياً وزمانياً.  3ـ نمذجة اللغة: وضع قيود على النماذج اللغوية، مثل القيود النحوية syntactic والدلالية semantic التي لا يمكن نمذجتها بنماذج إحصائية بحتة.  4ـ كلمات من خارج المفردات: تمكين النظام من اكتشاف الكلمات الجديدة من خارج المفردات، بحيث لا تسبب الكلمة الجديدة الخطأ.  5ـ الكلام العفوي: القدرة على التعامل مع مختلف ظواهر الكلام العفوي مثل، إضافة توقفات، أخطاء، بنى غير قواعدية، تردد وإحجام.  6ـ نمذجة الحركة الديناميكية للعضلات الكلامية: كيف ننمذجها ونكاملها ضمن نظام التعرف.    أميمة الدكاك   الموضوعات ذات الصلة:   تحليل الكلام وتركيبه ـ الترميز ـ تعديل الإشارة.   مراجع للاستزادة:   - S.FURUI, Speaker Independent Isolated Word Recognition Using Dynamic Features of Speec Spectrum (IEEE Trans. Acoustics, Speech, and Signal Processing 1986). - RENE BOITE & MURAT KUNT, Traitement de la parole (Presses Polytechniques Romandes, France 1987). - L.R.RABINER & B.H.JUANG, Fundamental of Speech Recognition (Prentice-Hall, Englewood Cliffs, NJ, 1993). - M.RAHIM, ET AL, Robust Utterance Verification for Connected Digit Recognition (Proc. ICASSP-95, WA02.02 May, 1995).
المزيد »