logo

logo

logo

logo

logo

عمر بن الخطاب

عمر خطاب

Umar ibn al-Khattab - Umar ibn al-Khattab

عمر بن الخطاب

(40ق.هـ ـ 23هـ/584 ـ 644م)

 

أبو حفص، عمر بن الخطاب بن نُفَيل العدوي القرشي، وبنو عدي بطن من بطون قريش اشتهروا بالشرف والمجد، ويجتمع نسبه مع الرسولr من جهة أمه حَنْتمة بنت هشام بن المغيرة المخزومي في الجد السادس (وهو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة) وخاله أبو جهل، عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي،  كناه الرسول بأبي حفص، لما رأى فيه من الشدة والحزم في الحق.

ولد بمكة قبل حرب الفجار الأعظم بأربع سنين، وبعد الرسولr بثلاث عشرة سنة وكانت تلك الحرب قبل البعثة النبوية بست وعشرين سنة بين قريش وكنانة، وبين هوازن، سميت بالفجار لإشعالها في الأشهر الحرم.

نشأ عمر في البيئة العربية الجاهلية الوثنية على دين قومه، كأمثال أبناء قريش، في بيت عرف بالحزم والشدة والصلابة وقسوة العيش، قال عمر: كان أبي الخطاب فظاً غليظاً يتعبني إذا عملت، ويضربني إذا قصرت، وتميز عمر من أمثاله لتعلمه القراءة والكتابة، وكان القراء والكتاب في عصره قلائل جداً، فكانوا عند إسلامه سبعة عشر رجلاً من قريش، وكان في شبابه يرعى الإبل لوالده، كغيره من شبان مكة ورجالها، وكان مغرماً بالخمر والنساء، حذق المصارعة وركوب الخيل والفروسية، فكان من أبطال قريش وأشرافهم، وتذوق الشعر ورواه، وكان سفيراً حاذقاً لقريش في المفاوضة بينهم وبين غيرهم في وقائع الحرب، ينافر عنهم وينذر الأعداء، وكان شديد القسوة على المسلمين كبقية المشركين، واشتغل بالتجارة لكنه لم يفلح فيها، وأكسبته رحلاته التجارية في الجاهلية ثقافة في ملاقاة أمراء العرب، وكان له تجارة بين الشام والحجاز.

عرف الرسولr مكانة عمر وهيبته في قريش واعتداده بنفسه، فدعا الله أن يُعز به الإسلام أو بخاله عمرو بن هشام « أبو جهل»، فقال: «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام» أو «اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بأبي جهل أو بعمر…» فجعل الله دعوة رسوله لعمر، قال ابن عمر: وكان أحبَّهما إليه ـ أي إلى النبي ـ عمر. وكان الرسولr يعلم أنه لم يكن بين القرشيين من يجرؤ على معارضة عمر.

أسلم عمر في مكة، في السنة الخامسة من النبوة، وهو ابن تسع وعشرين سنة، وكان قد أسلم مع رسول اللهr تسعة وثلاثون رجلاً، وامرأة، فصاروا بعمر أربعين، كما ذكر ابن عباس.

وقصة إسلامه مشهورة رواها ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق، موجزها: أنه توشح يوماً بسيفه يريد رسولr، فثناه نعيم بن عبد الله عن مهمته إلى صهره ابن عمه سعيد بن عمرو وأخته فاطمة، لأنهما أسلما، فطرق عليهما الباب وعندهما خبَّاب ابن الأرت معه صحيفة فيها سورة [طه] يُقرئهما إياها، فاختفى خبَّاب، وأخفت فاطمة الصحيفة، فطالبهما بمعرفة الصوت الخفي «الهينمة» ورؤية الصحيفة، فلم يعطياها، فبطش بصهره «خَتَنه» وبأخته، ثم قالا له: نعم لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فقال لأخته: أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون آنفاً، أنظر ما هذا الذي جاء به محمد، فامتنعت أخته عن تسليمها له حتى يغتسل، لأنه لا يمسها إلا الطاهر، فاغتسل، فلما قرأ منها صدراً، قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه فذكّره خبَّاب بدعاء الرسول له بالإسلام، فقال له عمر: دلّني يا خبَّاب على محمد حتى آتيه فأُسلم، فقال له: هو في بيت عند الصفا «أي بيت الأرقم بن أبي الأرقم» معه نفر من أصحابه، فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم عمد إلى رسول اللهr وأصحابه، فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته، قام رجل من الصحابة وهو فزع، فقال: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب متوشحاً بالسيف، فقال حمزة بن عبد المطلب: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه، فأذن له، ونهض الرسول حتى لقيه بالحجرة، فأخذ بمجمع ردائه، ثم جَبَذه «هزه» جبذة شديدة، وقال: ما جاء بك يا ابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى يُنزل الله بك قارعة، فقال عمر: يا رسول الله، جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله، فكبر الرسولr تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب الرسول أن عمر قد أسلم.

ولما وافق إسلام عمر إسلام حمزة، اطمأن المؤمنون، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول اللهr، وينصفانه من عدوه، وبعد إسلامهما صارت الدعوة إلى الله جهرية، فخرج الرسول في صفَّين: عمر في أحدهما، وحمزة في الآخر، حتى دخل المسجد، فأصاب قريشاً كآبة لم تصبهم قط، وسماه رسول اللهr يومئذ الفاروق. قال الرسولr: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه، فرق الله به بين الحق والباطل» ذكره ابن الجوزي عن أيوب ابن موسى.

وهاجر عمرt من مكة إلى المدينة المنورة علناً، وكان المسلمون يهاجرون سراً. قال عليt: «ما علمت أحداً هاجر إلا متخفياً إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما همًّ بالهجرة تقلّد سيفه، وتنكّب قوسه، وانتقى في يده أسهماً، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعاً، ثم صلى ركعتين عند المقام «مقام إبراهيم» ثم أتى حلَقهم واحدة واحدة، وقال: شاهت الوجوه، لا يُرغم الله إلا هذه المعاطس، من أراد أن تثكُله أمُّه، ويُؤتم ولده، ويُرملَ زوجتَه، فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي: فما تبعه أحد».

روى ابن الأثير عن عبد الله بن مسعود قال: «كان إسلام عمر فتحاً، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمارته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت، فلما أسلم عمر، قاتلهم حتى تركونا، فصلينا».

وقال عكرمة بن أبي جهل: لم يزل الإسـلام في اختفاء حتى أسـلم عمر.

تميز عمر ببطولته وجرأته، وحكمته وعقله الكبير، وهيبته، وشدته وحزمه والتزامه بالحق، ونفاذ بصيرته وفراسته ورؤيته المستقبلية، مع رحمته ولينه وعدله في الحق أيضاً، واشتهر بمواهبه العديدة، وإلهاماته النادرة، وغيرته على العرض والشرف والحرمات الدينية والإنسانية كلها، وكان العدل تاج خصاله بالوراثة، لذا كانت له منزلة عالية في الأمة وعند الرسولr الذي قال فيه عدة أقوال، منها: «اتقوا غضب عمر، فإن الله يغضب لغضبه».

ومنها ما تقدم عن أيوب بن موسـى، ومنها ما رواه الطبري عن النبيr أنه قال: «عمر معي، وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر حيث كان» وفي شدته وحزمه قال عنه أيضاً: «ومثلك يا عمر مثل نوح قال: )وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا( (نوح: 26)، ومثلك كمثل موسى قال: )رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ( (يونس: 88) وفي هيبته قال عنه: «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر» وقالت عائشة رضي الله عنها: «فما زلت أهاب عمر لهيبة الرسولr إياه» وفي عبقريته قال عنه كما ذكر ابن الجوزي: «لم أر عبقرياً يفري فريه» وذكر أيضاً ما في الصحيحين وسنن أبي داود عن أبي هريرة، قال رسول اللهr: «إنه قد كان فيمن مضى قبلكم من الأمم ناس مُحَدَّثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم أحد، فإنه عمر بن الخطاب» وروي ذلك عن عائشة أيضاً، (المُحَدَّث: الرجل الصادق الظن)، وقد نزل القرآن مؤيداً رأي عمر في بضع وثلاثين مسألة، منها الحسم في تحريم الخمر، وحجاب أمهات المسلمين، وعدم أخذ الفداء من أسرى بدر، قال علي بن أبي طالبt: «خير الناس بعد رسول اللهr أبو بكر، ثم عمر رضي الله عنهما»، وقال: «ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر».

لم يوص الرسولr لأحد من أصحابه بالخلافة من بعده، بل ترك مسألة الخلافة والشورى بينهم، فلما شاع نعي النبي، اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة في المدينة المنورة، وأرادوا أن يبايعوا بالخلافة رجلاً منهم، هو سعد بن عُبادة، سيد الخزرج، فحضر إليهم نفر من المهاجرين، وكاد يقع بينهم خلاف شديد، لولا أن قام إليهم أبو بكر خطيباً، وأورد حديثاً هو أن «الأئمة من قريش» وحذّر من تنافس الأوس والخزرج، وتجدُّد العداوة بينهم، فعَرَض عليهم مبايعة عمر أو أبي عبيدة بن الجراح، فخشي عمر من استحكام الاختلاف بين الصحابة فقام إلى أبي بكر وبايعه بالخلافة، كما ذكر ابن هشـام، وقال لـه: «ألم يأمر النبي بأن تصلي أنت يا أبا بكر بالمسلمين؟ فأنت خليفته، ونحن نبايعك، فنبايع خير من أحب رسول الله منا جميعاً» فبايعه من بعده بشير بن سعد وأبو عبيدة، ثم تتابع المهاجرون والأنصار يبايعونه، وتسمى بيعة السقيفة بالبيعة الخاصة، لأنه لم يبايعها إلا نفر قليل من المسلمين هم الذين حضروا السقيفة، فلما كان الغد، جلس أبو بكر على المنبر في المسجد، وبايعه الناس البيعة الكبرى أو العامة. ثم بايعه الزبير، ثم علي بعد موت فاطمة.

لما مرض أبو بكر سنة 13هـ/634م خشي إن هو قبض، ولم يعهد بالخلافة إلى أحد يوحد كلمة المسلمين، عاد الاختلاف على الخلافة بينهم سيرته الأولى، فيتمكن منهم العدو، فنظر أبو بكر في أصحابه، ليتخير من بينهم رجلاً يكون شديداً في غير عنف، وليّناً في غير ضعف، فوجد أن «من توفرت فيه هذه الصفة من الصحابة أحد رجلين: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، إلا أن الأول ربما يريد الأمر، فيرى في طريقه عَقَبة فيدور إليه، والثاني يرى الاستقامة لايبالي بالعقبة تقوم بين يديه، فهو بهذا إلى الشدة أميل منه إلى اللين».

فوقع اختياره على عمر، وجعل يستشير فيه كل من دخل عليه من الصحابة، مثل عبد الرحمن بن عوف، وعثمان ، وأُسيد بن حضير الأنصاري، ثم دعا أبو بكر عثمان بن عفان فأملاه كتاب عهده لعمر، ونصه: « بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر خليفة محمد عند آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر، ويتقي الفاجر. إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن برَّ وعدل، فذلك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرئ ما اكتسب: )وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ( (الشعراء: 227)».

ثم بايعه الناس في المسجد النبوي على الخلافة يوم وفاة أبي بكر، بطلب من عثمان على ما في كتاب العهد، وبايعه أبو بكر بموافقة أصحاب الرأي في الاختيار قبل تسميته.

كان لصفات عمر المتقدمة وأهمها نفاذ بصيرته والتزامه قمة العدل البشري أثر كبير في نجاحه الخارق في إدارة الدولة الإسلامية في عهده، وكان أول من لقَّب بأمير المؤمنين باقتراح عمرو بن العاص.

فسار بأحسن سيرة، وأنزل نفسه من مال الله بمنزلة رجل من الناس، وفتحت في أيامه الفتوحات الكبرى في الشام، والعراق وفارس، ومصر، فافتتحت القدس ودمشق والمدائن في عهده، وهو الذي دوَّن الدواوين في العطاء، ورتّب الناس فيه على سوابقهم في الإسلام، كان لا يخاف في الله لومة لائم، وجمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد، وهو أول من أرّخ التاريخ الهجري، وكان العرب قبل ذلك يؤرخون بالوقائع.

واتخذ بيت مال للمسلمين، وأمر ببناء البصرة والكوفة والفسطاط، وكتب إلى عماله: إذا كتبتم لي فابدؤوا بأنفسكم. قال الزهري: كان عمر إذا نزل به الأمر المعضل دعا الشبان فاستشارهم، يبتغي حدة عقولهم، وكان نقش خاتمه: «كفى بالموت واعظاً يا عمر».

كان عمر ذا عبقرية فذة في تنظيم الجيوش وتسييرها، واختيار القادة والأمراء، ووضع الخطط الحربية، وفتح جبهات متعددة في الشمال والشرق والغرب، حتى تغلب على الروم والفرس أقوى دولتين في عصره، فكان الأمراء في الأمصار أبا عبيدة، وعمرو بن العاص، ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة، وخالد بن الوليد في الشام، وسعد بن أبي وقاص في القادسية ومحاربة الفرس، والمغيرة بن شعبة وسراقة بن عمر في فارس وبلاد الترك، وعمرو في فتح مصر، وغيرهم من قادة الفتح العظام، وأنشأ الجيش الإسلامي وأعده إعداداً جيداً ومتميزاً، ورغب في نظام التجنيد، وأغرى بالمرتبات، ورهّب من التقاعس والتقصير في أداء المهام، وأمد الجيوش بالعدة والعدد، وكان يقود العمليات العسكرية من مقر خلافته بالمدينة.

ونظم عمر شؤون الدولة الإسلامية الإدارية والسياسية، فقسم البلاد إلى أقاليم وولايات، وأحسن اختيار العمال والولاة فيها، يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأنشأ ديوان العطاء الذي عرف في العصر الأموي بديوان الجند، ومنذ أن أسس عمر ديوانه في المدينة وجد في الكوفة والبصرة والشام ومصر ديوانان، أحدهما بالعربية لإحصاء الناس وأعطياتهم، والآخر لوجوه المال بالفارسية في العراق والرومية في الشام، والرومية مع القبطية في مصر. ونظم الحياة الجديدة في الأقاليم للمسلمين وغيرهم، فساد النظام، وعم الأمن والسلام، وشمل العدل كل الناس، وانتعشت التجارة والكسب المشروع، وكثرت الأرزاق، وضمن للناس النقود الشرعية لمزاولة أعمالهم، وعين القضاة لفصل الخصومات والمنازعات بين الناس بالعدل ودون إبطاء. وربط الأقاليم المفتوحة بالمدينة المنورة عاصمة الدولة، وكان من سُنَّة عمر وسيرته أن يأخذ عماله بموافاة الحج في كل سنة للسياسة، وليحجزهم بذلك عن الرعية وليكون لشكاة الرعية وقتاً وغاية ينهونها فيه إليه، فكان عمر رجل الدولة الإسلامية من حيث التنظيم والإدارة والعدالة الاجتماعية من الناحية المدنية، كما كان القائد العسكري الأعلى، فاجتمع في شخصيته المجالان: المدني والعسكري معاً. وعني بمرافق الدولة في المدن والثغور ونحوها.

وكان يعتمد على الشورى فهو أول من منع الصحابة من مغادرة المدينة، لاستشارتهم، ويخضع للحق ويذعن لـه، ويقول على المنبر: «امرأة أصابت وأخطأ عمر» حين أراد تحديد المهور، وكان يطوف في الأسواق منفرداً، ويقضي بين الناس إذا أدركه الخصوم، ويتفقد الرعية ليلاً، ويقمع الغش، ويطارد الجناة، ويفضّل في الأعطيات بحسب ما يقدم المسلم للأمة، ويسوّي بين الناس في القضاء؛ كحادثة القصاص من جبلة بن الأيهم الذي لطم الأعرابي في الطواف وهشم أنفه، ويرفع الجزية عن الشيخ المعاهد الكبير وأمثاله، ويعاقب الشعراء الذين يقذعون في الهجاء، وقد أجلى اليهود من جزيرة العرب ما لم يكن لهم عهد من رسول اللهr، لحديث «لا يجتمع في جزيرة العرب دينان» وأجلى أهل نجران بناءً على طلبهم.

وكان عمر شديداً على ولاته، يشاطرهم ما لديهم، فهو أول من وضع قانون «من أين لك هذا؟» واقتص من عمرو بن العاص والي مصر ومن ابنه الذي ضرب قبطياً، وترك تقسيم أراضي العراق ومصر والشام المفتوحة عنوة، ووضع الخراج عليها ليكون مورداً عاماً لجماعة المسلمين، ووضع العشور على الحربيين، وكانت الدراهم في عصره فارسية زاد في بعضها: «الحمد لله» أو «لا إله إلا الله وحده».

ورسالته لأبي موسى الأشعري في القضاء مشهورة محكمة، وكانت اجتهاداته الفقهية كثيرة، وآراؤه في الأخذ بمقتضى السياسة الشرعية حكيمة.

دامت خلافته عشر سنين وخمسة أشهر أو ستة، وكان شديداً في الحق ولما أسلم أصبح أشد المسلمين مجاهرة برأيه ودفاعاً عن دينه، وكان شديداً على ولاته وعلى كرامة المسلمين وعزة نفوسهم، وأحرص الناس على أموال المسلمين ومصالحهم. طعنه أبو لؤلؤة فيروز الفارسي «غلام المغيرة بن شعبة» غيلة، بخنجر في خاصرته له رأسان، في صلاة الصبح في المسجد النبوي، فعاش بعد الطعنة ثلاث ليال ثم قضى. وذلك يبين مبلغ الاستياء والسخط  الذي استولى على الفرس بعد زوال سلطانهم. توفي ودفن في الحجرة النبوية في المدينة مع أبي بكر.

وهبة الزحيلي

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

الخراج ـ الصحابة ـ القضاء ـ أهل الذمة.

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ابن سعد، الطبقات الكبرى (ليدن 1322هـ).

ـ ابن الجوزي ، تاريخ عمر بن الخطاب (دار إحياء علوم الدين ،دمشق).

ـ ابن الأثير الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة (طبع كتاب الشعب بمصر 1390هـ/1970م).

ـ علي الطنطاوي وأخوه ناجي، سيرة عمرة بن الخطابt (المكتبة العربية في دمشق (عبيد إخوان) مطبعة الترقي، دمشق ، 1355هـ).


التصنيف : التاريخ
النوع : دين
المجلد: المجلد الثالث عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 489
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1097
الكل : 34788513
اليوم : 7287

أودن (ويستان هيو)

أودن (ويستان هيو ـ) (1907 ـ 1973)   ويستان هيو أودن Wystan Hugh Auden شاعر ومسرحي وناقد إنكليزي ثم أمريكي، ولد في يورك بإنكلترة لأسرة كاثوليكية، ذات ميول علمية، وتوفي في فيينة. كان أبوه طبيباً وأمه مُمرضة، وقد أثر ذلك في ميول أودن الدراسية وأثار رغبته في دراسة العلوم الطبيعية. تلقى أودن تعليمه في المدارس الخاصة كغيره من أبناء طبقته الميسورين،  ففي الثامنة من عمره أرسل إلى مدرسة سانت أدموند الابتدائية في سَري Surrey، وفي الثالثة عشرة أرسل إلى مدرسة غريشام في هولت بنورفوك. تخصّص أودن في دراسة علوم الأحياء. وظهرت موهبته الشعرية  ونُشرت أولى قصائده في مجلة شعر مدرسية. ولدى التحاقه بجامعة أكسفورد عام 1925 صار معروفاً  بصفته شاعراً وحكيماً ذا تأثير قوي في مجموعة من أعلام الفكر والأدب في تلك المرحلة، منهم ستيفَنْ سبِنْدَرْ[ر] وسيسل د.لويس[ر] ولويس مَكْنيسْ[ر]. وألف هؤلاء جماعة، أطلقت عليها الصحافة اسم «جماعة أودن»، نذرت نفسها للسياسة الثورية. وفور تخرج أودن في أكسفورد أمضى عاماً في برلين بألمانية التي تأثر بلغتها وحياة شعبها وأدبها الشعبي والرسمي. كما التقى فيها الكاتب المسرحي الكبير برتولد بريخت[ر]. ثم عاد إلى بريطانية ليمضي أعوامه الخمسة التالية مدرساً في ثانوياتها. يقسمُ أودن حياته الأدبية إلى أربع مراحل. الأولى تمتد من عام 1927 حتى عام 1932، وقد نشر فيها دواوينه «الخطباء» (1932) The Orators و«مدفوع من الطرفين» Paid on Both Sides  و«قصائد»  (1930) Poems. والأخيران هما سبب شهرته وذيوع صيته، وفيهما تظهر بجلاء موضوعاته الشعرية المتنوعة المُستقاة من قصص البطولة الآيسلندية؛ والشعر الإنكليزي القديم وقصص المدارس. كما يظهر فيهما تأثره بكل من كارل ماركس[ر] وسِيغْمُوند فرويد[ر]. والقصائد متفاوتة في جودتها ويغلب عليها الغموض، وتتوزعها وجهات نظر شخصية وخيالية وتتداخل فيها عناصر من الأسطورة واللاوعي؛ وعناصر موضوعية تسعى للوصول إلى تشخيص لأمراض المجتمع وعيوب الأفراد النفسية والأخلاقية. ومع أن المضمونين الاجتماعي والسياسي يستقطبان جلَ اهتمامه في هذه الأشعار، فإن السمة النفسية أساسية. فأودن يؤمن بأن للشعر دوراً شبيهاً بذلك الذي يقوم به التحليل النفسي. أما المرحلة الثانية فهي تلك التي كان فيها أودن يسارياً، فمع استمراره في تحليل شرور المجتمع الرأسمالي كان يحذر من قيام الحكم الفردي. ففي مجموعته «على هذه الجزيرة» (1937) On This Island صار شعره أكثر انفتاحاً في تركيبه، وأكثر نفاذاً إلى الجمهور. وفي هذه المرحلة كتب أودن مسرحية «رقصة الموت» (1933) The Dance of Death وهي مسرحية موسيقية، تلتها ثلاث مسرحيات كتبها بالتعاون مع كريستوفَرْ إيشروود[ر] هي: «الكلب تحت الجلد» (1935) The Dog Beneath The Skin و«ارتقاء إف 6» (1936) The Ascent of F6 و«على الحدود» (1938) On The Frontier. وفي هذه المرحلة كتب كثيراً من المقالات والقصص الإخبارية، وزار آيسلندة والصين وإسبانية، ونشر بعد هذه الزيارات «رسائل من آيسلندة (1937) Letters From Iceland  و«رحلة إلى الحرب» (1939) Journey to a War. أما المرحلة الثالثة من حياته (1939-1946) فتبدأ مع قراره الإقامة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1939، حين صار مواطناً أمريكياً، ومرَّ بتغيرات حاسمة من المنظورين الديني والفكري. وكتابه «مرة أخرى» (1940) Another Time يحتوي على أفضل شعره الغنائي. أما مجموعته «الرجل المزدوج» (1941) The Double Man فتمثل موقفه على حافة التزام المسيحية. ويحدد أودن مواقفه ومعتقداته الأساسية بعد عام 1940 بثلاث قصائد طويلة: أولاها دينية هي قصيدته «للوقت الراهن» (1944) For The Time Being، والثانية جمالية، في المجلد ذاته، بعنوان «البحر والمرآة» Sea And The Mirror، والثالثة اجتماعية نفسية هي «عصر القلق» (1947) The Age of Anxiety، وهي التي أكسبته جائزة بوليتزر Pulitzer عام 1948. أما المرحلة الرابعة من حياة أودن فتبدأ عام 1948، عندما درج على مغادرة نيويورك كل عام لقضاء سبعة أشهر في أوربة. ومنذ عام 1948 حتى عام 1957 كانت إقامته الصيفية في جزيرة إسكيا الإيطالية؛ وفي السنة الأخيرة اشترى لنفسه منزلاً ريفياً في النمسة حيث كان يقضي فصل الصيف. وقصائده المتسلسلة والطويلة المبنية على مراعاة الشكل الخارجي هي: «درع أخيل» (1955) The Shield of Achilles و«عهد ولاء لكليو» (1960) Homage To Clio و«في المنزل» (1965) About The House  و«مدينة بلا جدران» (1969) City Without Walls  وبالاشتراك مع صديقه الحميم الشاعر الأمريكي تشِسْتَرْ كالمان Chester Kallman نشط أودن في مجال الأوبرا، ومن أشهر أعمالهما في هذا الميدان: «تقدم الخليع» (1951) The Rakes Progress و«مرثية للعشاق الشباب» (1961) Elegy For Young Lovers و«البَسَاريدز» (1966) The Bassarids. في عام 1962 نشر أودن كتاباً في النقد بعنوان «يد الدباغ» The Dyer's Hand، وفي عام 1970 نشر كتاباً بعنوان «عالَم معين» A Certain World؛ وفي هذا الكتاب يتجلى نضجه الفكري فقد جمع فيه مقتطفاته المفضلة. وتطغى على الكتاب روح القلق والاضطراب، فهناك عدة مداخل تتعلق بالجحيم من دون أي مدخل عن الفردوس، سوى ما يتعلق بفردوس العالم الدنيوي، وهناك صفحات كثيرة عن الحرب، ولاشيء عن السلم، وأخرى عن الخطيئة ولاشيء عن الفضيلة. والشيطان هو صاحب اليد الطولى، أما صورة الإله عند أودن فهي مستمدة من التوراة. والعالم الأخلاقي عنده هو عالم المناجم وعالم الأرض الطبيعية المهترئة وعالم البراكين؛ وهذه الصور تظهر بكل قوتها وبدائيتها وانعدام إنسانيتها. أمضى أودن وقتاً طويلاً في الترجمة ونقل إقامته إلى أكسفورد في عام 1972حيث كان عضو شرف في الجامعة، ومن الألقاب والجوائز التي حصل عليها  جائزة بولِنغن Bollingen عام1953، وجائزة الكتاب الوطني عام1956 وكرسي أستاذية الشعر بجامعة أكسفورد بين عامي 1956-1961. وعلى كثرة نقاده فإن معظمهم كانوا ينوهون بمكانته في الوسط الأدبي. ويعده الكثيرون أحد عمالقة الشعر الغربي في القرن العشرين؛ إذ تربع على عرشه بجدارة بعد وليم بتلر ييتس[ر] وت.س.إليوت[ر].   هيثم محفوض   مراجع للاستزادة:   - J.FULLER, A Reader's Guide to W.Hauden (London 1970). - S.SPENDER,(ed.) W.H.auden: A Tribute (London 1975).
المزيد »