logo

logo

logo

logo

logo

الأحوال الشخصية

احوال شخصيه

Personal status - Statuts personnels

الأحوال الشخصية

 

الأحوال الشخصية personal status مصطلح فقهي تشريعي عربي حديث نسبياً، فهو لم يكن معروفاً في الفقه والتشريع العربيين قبل مطلع القرن العشرين، وقد أدخل إلى اللغة العربية بتأثير المصطلحات الأجنبية التي وفدت إلى العالم العربي مع القوانين الأجنبية التي دخلت التشريع العربي بعد الحملة الفرنسية على مصر وقد استحسن الفقهاء العرب هذا المصطلح في نطاق المصطلحات الفقهية والتشريعية، ولعله في أصله اصطلاح إيطالي ابتدعه الفقهاء الإيطاليون في القرنين الثاني عشر والثالث عشر حلاً لمشكلة تنازع القوانين، ثم انتشر بعد ذلك وعم كل القوانين الأجنبية الأخرى. ولعل أول من استعمل هذا المصطلح في الفقه العربي الإسلامي في مطلع القرن العشرين العلامة المصري محمد قدري باشا عندما ألف كتابه «الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية»، وهو كتاب صنفه في مواد قانونية بلغت 647 مادة أخذها كلها من القول الراجح في مذهب الإمام أبي حنيفة من دون غيره تلبية لحاجات القضاء الشرعي الإسلامي في مصر الذي يعتمد هذا المذهب في أحكامه على المصريين المسلمين، ثم شاع هذا الكتاب وانتشر في أكثر الأقطار العربية والإسلامية ومنها القطر العربي السوري واعتمده القضاة في أقضيتهم وإن لم يصدر به قانون ملزم، كما شاع هذا المصطلح بين الفقهاء والقانونيين. وظهرت كتب كثيرة بهذا الاسم أو ما هو قريب منه بعد ذلك، ومنها كتاب «الأحوال الشخصية» للشيخ عبد الرحمن تاج وكتاب «الأحوال الشخصية» للشيخ محمد أبي زهرة، وكتاب «الأحوال الشخصية للوطنيين غير المسلمين، والأجانب في مصر» للدكتور أحمد سلامة، وغيرها. كما صدرت قوانين وتشريعات عربية كثيرة بهذا الاسم أيضاً منها «قانون الأحوال الشخصية السوري» الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 تاريخ 17/9/1953 والمعدل بالقانون رقم 34 تاريخ 31/12/1975م وقانون «الأحوال الشخصية الأردني» الصادر بالقانون رقم 61 تاريخ 5/9/1976م وغيرهما.

وليس معنى هذا أن مضمون هذا المصطلح جديد أيضاً، بل هو قديم قدم التشريع الإسلامي، وقد وردت مفرداته ومشتملاته في القرآن والسنة وسائر المذاهب الفقهية ولكن تحت أسماء أخرى ومصطلحات مغايرة، فقد كان مضمونه جزءاً من فقه المعاملات في الفقه الإسلامي (وهي الأحكام التي تعالج علاقات الناس بعضهم ببعض وتنظمها كالبيع والإجارة والقرض تحت أبواب متعددة معنونة بحسب نوع الأحكام التي تعالجها: أبواب النكاح - الطلاق - العدة - النفقة - الحضانة...) وربما أطلق الفقهاء عليها اسم «المناكحات». وربما صُدّرت بها أبواب فقه المعاملات لدى بعض الفقهاء أو أخرت عن أبواب البيوع والإجارات، وذلك إلى أن صدر كتاب قدري باشا المتقدم ذكره، ومن بعده شاع هذا المصطلح بين الفقهاء، وأُفرد بالتأليف والبحث، وكثرت فيه المنشورات على النحو المشار إليه. هذا مع الإشارة هنا إلى أن بعض مشتملات هذا المصطلح قد أفردها الكثير من الفقهاء في مؤلفات خاصة بها منذ القرن السابع الهجري، وعنونوها بعناوينها الخاصة بها، ومن ذلك أحكام الأوقاف، فقد أفردها الإمام الخصاف في كتاب خاص بها باسم «أحكام الأوقاف وأحكام التركات» وقد أفردها الإمام سراج الدين محمد بن محمد بن عبد الرشيد السجاوندي في كتاب سماه «متن السراجية» وغيرها.

وقد عنيت الجامعات العربية الإسلامية منذ الربع الأول من القرن العشرين بتدريس الأحوال الشخصية في مقرر مستقل خاص بها يحمل اسمها، وذلك في كليات الشريعة والحقوق، وكان أسبقها إلى ذلك الأزهر وجامعة القاهرة ثم تبعهما في ذلك جامعة دمشق (الجامعة السورية سابقاً) بكليتيها الحقوق والشريعة، ويدرس مقرر الأحوال الشخصية فيهما إلى جانب سائر المقررات الأخرى الشرعية والقانونية.

نطاق الأحوال الشخصية

منذ نشوء هذا المصطلح في الفقه الأجنبي والفقهاء مختلفون في تحديد نطاقه ومضمونه، مع اتفاقهم على إطاره العام. فالأحوال عندهم نوعان نوع ذو طابع شخصي ويُسمى بالأحوال الشخصية، ونوع ذو طابع مالي يسمى بالأحوال العينية. وعندما انتقل هذا المصطلح إلى العربية انتقل حاملاً معه الخلاف في مضمونه. وقد اتفق الفقهاء العرب على أن هذا المصطلح يضم سائر الأحكام المنظِّمة للعلاقات الأسرية مثل الزواج والطلاق والولاية، وكذلك الأحكام الخاصة بالإنسان كالأهلية. ولعل أوضح ما يدل على ذلك تسمية القانون العثماني الصادر في عام 1917م المتضمن لهذه الأحكام باسم «قانون حقوق العائلة». إلا أن هنالك أحكاماً أخرى هي محل اختلاف بين الفقهاء إذ يرى بعضهم دخولها في نطاق الأحوال الشخصية ويرى آخرون خروجها عنها ودخولها في الأحوال العينية، ومن ذلك الوصية والهبة والوقف والمهر.

وقد اتجه محمد قدري باشا إلى توسيع نطاق الأحوال الشخصية وأدخل فيها الأبواب الآتية:

ـ الزواج وما يتضمنه من أركان وشروط، وما ينتج عنه من أحكام وآثار كالمهر، والطلاق وما يتضمنه من أركان وشروط وما ينتج عنه من أحكام وآثار كالعدة، وحقوق الأولاد كالنسب والرضاعة والنفقة والولاية والوصاية، والحَجْر وأسبابه وآثاره، والهبة، والوصية، والتركات، والمواريث.

واتجه آخرون إلى إخراج الهبة والوصية والمواريث من دائرة الأحول الشخصية وهم أكثر فقهاء مصر المعاصرين، فقد قصروا كتاباتهم في الأحوال الشخصية على نطاق الزواج والطلاق وآثارهما، وحقوق الأولاد كالنسب والنفقة والولاية والوصاية.

أما الوصية والمواريث والهبة فقد أفردوها ببحوث خاصة بها بعيدة عن عنوان الأحوال الشخصية، وذلك على خلاف الفقهاء السوريين الذين أدخلوا في مؤلفاتهم عن الأحوال الشخصية كل ما أدخله محمد قدري باشا باستثناء الهبة التي اتفقوا على إبقائها خارجها، وهي لدى فقهاء الشريعة الإسلامية من فقه المعاملات ولدى القانونيين من أحكام القانون المدني.

إن هذا الاختلاف في نطاق الأحوال الشخصية مهم وخطر لعلاقته الوثيقة بمبدأ تنازع القوانين واختصاص المحاكم، وخاصة عندما يكون طرفا النزاع أو أحدهما من الأجانب. لهذا فقد حاول المشرع المصري إنهاء هذا الاختلاف فعرف الأحوال الشخصية وبين نطاقها في المادة 4 من القانون المدني المختلط وفيها «تظل المسائل المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم وبالنظام المالي للزوجة وبحقوق الإرث الطبيعية والإيصائية وبالوصاية والقوامة من اختصاص قاضي الأحوال الشخصية».

ولكن بالنظر لعدم دقة هذا التعريف وعدم الحصر الدقيق لنطاق الأحوال الشخصية في هذه المادة، حاولت محكمة النقض المصرية أن تأتي ببيان شاف في ذلك فنصت في حكم لها صدر في 21/6/1934 ما يلي «والمقصود بالأحوال الشخصية هو مجموعة ما يتميز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتب القانون عليها أثراً قانونياً في حياته الاجتماعية ككون الإنسان ذكراً أو أنثى، وكونه زوجاً أو أرملاً أو مطلقاً أو ابناً شرعياً، أو كونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر السن أو عتهٍ أو جنون، أو كونه مطْلق الأهلية أو مقيدها بسبب من أسبابها القانونية». إلا أنه يتبين من ذلك أن الوقف والهبة والوصية والنفقات لم تدخل في نطاق الأحوال الشخصية في هذا الحكم، وذلك موافق لما هو عليه الوضع في التشريع الفرنسي.

إلا أن اتجاه محكمة النقض هذا لم يرق للفقهاء والقضاة في مصر، وكثرت النداءات منهم لتغييره وتوسيع نطاق الأحوال الشخصية.

ولذلك عدل المشرع عن هذا الاتجاه واستجاب لنداءات الفقهاء والقضاة ونص في المادة 28 من لائحة التنظيم القضائي للمحاكم المختلطة الصادرة بالقانون رقم 49 لعام 1937 ما يلي «تُمثل الأحوال الشخصية المنازعات والمسائل المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم أو المتعلقة بنظام الأسرة وعلى الأخص الخطبة والزواج وحقوق الزوجين وواجباتهما المتبادلة والمهر ونظام الأموال بين الزوجين والطلاق والتطليق والتفريق والبنوة والإقرار بالأبوة وإنكارها والعلاقات بين الأصول والفروع والالتزام بالنفقة للأقارب والأصهار وتصحيح النسب والتبني والوصاية والقوامة والحجر والإذن بالإدارة وكذلك المنازعات والمسائل المتعلقة بالهبات والمواريث وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت وبالغيبة وباعتبار المفقود ميتاً».

وبذلك تكون أحكام الهبات والمواريث والوصايا والمهر والنفقات قد دخلت في نطاق الأحوال الشخصية بعد أن كانت خارجة عنه بموجب الاجتهاد السابق لمحكمة النقض المصرية.

وبالنظر لزوال المحاكم المختلطة في مصر وإلغاء هذا القانون، فقد صدر القانون المدني المصري رقم 147 بتاريخ 1949 ونص في المادتين 13- 14 منه تعريفاً للأحوال الشخصية وبياناً لنطاقها كما يلي: المادة /13/ «تشمل الأحوال الشخصية... المنازعات والمسائل المتعلقة بحالة الأشخاص وأهليتهم أو المتعلقة بنظام الأسرة كالخطبة والزواج وحقوق الزوجين وواجباتهما المتبادلة والمهر والدوطة ونظام الأموال بين الزوجين والطلاق والتطليق والتفريق والبنوة والإقرار بالأبوة وإنكارها والعلاقة بين الأصول والفروع والالتزام بالنفقة للأقارب والأصهار وتصحيح النسب والتبني والولاية والوصاية والقوامة والحجْر والإذن بالإدارة وبالغيبة واعتبار المفقود ميتاً وكذلك المنازعات والمسائل المتعلقة بالمواريث والوصايا وغيرها من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت»، المادة 14 «وتعتبر الهبة من الأحوال الشخصية بالنسبة إلى غير المصريين إذا كان قانونهم يعتبرها كذلك».

ومن استعراض هاتين المادتين ومقارنتهما بنص القانون المختلط السابق يتبين أن القانون الجديد أضاف إلى نطاق الأحوال الشخصية موضوعين هما: الولاية والدوطة إلا أنه أخرج من نطاقها الهبة إذا كانت بين المصريين الأجانب وكان قانونهم لا يخالف ذلك.

إلا أن هذا القانون في مصر ألغي بالقانون رقم 43 لعام 1965، ولم يتضمن القانون الجديد بديلاً للأحوال الشخصية، ولهذا بقي العمل في مصر على التعريف السابق على الرغم من إلغائه، إلا أنه سبب اختلافات بين القضاة والفقهاء في بعض الأحيان.

أما المشرع السوري فلم ينص صراحةً على تعريف خاص للأحوال الشخصية ولكنه حسم النزاع بالنص على اختصاص المحاكم الشرعية السورية، وذلك في المادتين 535 و 536 من قانون أصول المحاكمات المدنية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1953 ونصها: المادة 535:»تختص المحكمة الشرعية بالحكم نهائياً في قضايا: أ - الولاية والوصاية والنيابة الشرعية، ب - إثبات الوفاة وتعيين الحصص الشرعية للورثة، ج - الحجر وفكه وإثبات الرشد، د - المفقود، هـ - النسب، وـ نفقة الأقارب من غير الزوجين والأولاد».

والمادة 536 وفيها: «تختص المحكمة الشرعية بالحكم نهائياً في قضايا الأحوال الشخصية للمسلمين وتشمل: أ - الزواج، ب - انحلال الزواج، ج - المهر والجهاز، د - الحضانة والرضاع، هـ - النفقة بين الزوجين والأولاد، و - الوقف الخيري من حيث حكمه ولزومه وصحة شروطه».

وبذلك يكون المشرع السوري قد سار في الاتجاه الذي سار فيه المشرع المصري في تحديد نطاق الأحوال الشخصية نفسه إلا أنه زاد عليه إدخال الوقف بنص صريح.

تشريعات الأحوال الشخصية النافذة في مصر وسورية

كان العالم العربي قبل مطلع القرن العشرين يخضع في محاكمه كافة إلى الشريعة الإسلامية سواء منها الأحكام المدنية أو الجنائية... أما غير المسلمين فكانوا يخضعون إلى شرائعهم الخاصة في أحوالهم الأسرية وكثير من الأحوال الأخرى ذات المساس بالدين، أما باقي الأحوال فكانوا يخضعون فيها إلى ما يخضع له المسلمون من هذه الأحكام بوصفها من النظام العام، وكان المرجع في ذلك كله كتب الفقه من دون تقنين أو تشريع محدد صادر عن سلطة رسمية. وكان كل قطر من أقطار الأمة العربية يرجع إلى المذهب الشائع فيه، فأقطار المغرب العربي كانت تحتكم إلى مذهب الإمام مالك لشيوعه فيها، ودول المشرق العربي إلى مذهبي الإمامين أبي حنيفة والشافعي، وأقطار الجزيرة العربية إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل.

وفي عام 1917، وفي ظل حكم الدولة العثمانية لمعظم أقطار العالم العربي، صدر قانون حقوق العائلة الذي تضمّن أحكام الأسرة للمسلمين وغير المسلمين. وقد استقى أحكامه الإسلامية من مجمل المذاهب الإسلامية الأربعة وهي المذهب الحنفي والمذهب الشافعي والمذهب المالكي والمذهب الحنبلي، وإن كان اعتماده على المذهب الحنفي الذي كان المذهب الرسمي للدولة العثمانية أكثر. أما الأحكام الخاصة بغير المسلمين فقد استقاها من فقه مللهم وطوائفهم. وقد طبق هذا القانون في الأقطار العربية التابعة للدولة العثمانية كافة. إلا أن ازدهار حركة التقنين في العالم العربي في مطلع القرن العشرين. وظهور حركات التمرد على الحكم العثماني حدتا بالسلطات التشريعية العربية إلى الانفصال تشريعياً عن الدولة العثمانية وإصدار تشريعات خاصة بها.

ففي مصر صدر في عام 1920 القانون رقم 25 ويتضمن مواد قليلة تبحث في النفقة والعدة والمفقود والتفريق بالعيب. وفي عام 1929 صدر القانون رقم 25 ويتضمن مواد قليلة أيضاً تبحث في أحكام الطلاق والتفريق للضرر والنسب والنفقة والعدة والمفقود. وفي عام 1943 صدر القانون رقم 77 ويتضمن أحكام المواريث. ثم صدر في عام 1946 القانون رقم 48 ويتضمن أحكام الأوقاف. وفي عام 1946 صدر القانون رقم 71 ويتضمن أحكام الوصية.

أما ما سكتت عنه هذه القوانين من أحكام الأحوال الشخصية فيرجع فيه إلى القول الراجح من مذهب أبي حنيفة وفقاً للمادة 1 من القانون رقم/24/لعام 1949. أما غير المسلمين فإن كانوا مختلفي الملة والطائفة فإنه يطبق عليهم في أحوالهم الشخصية ما يطبق على المسلمين من أحكام،وكذلك المتّحدي الملّة والطائفة إذا لم تكن لهم جهات قضائية مليّة منظمة. أما غير المسلمين من المختلفي الملة والطائفة الذين لهم جهات قضائية منظّمة فإنهم يرجعون إلى شرائعهم الخاصة ما لم تكن مناقضة للنظام العام.

والجهة القضائية المختصة في ذلك هي محاكم مليّة قائمة منذ عهد الدولة العثمانية وقد بقيت مستمرة في ذلك حتى عام 1955 إذ صدر القانون رقم 462 الذي وحّد جهات القضاء في أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين وغيرهم في مصر وجعلها للمحاكم المدنية (دائرة الأحوال الشخصية) وإن اختلفت أحكامهم التي يخضعون لها عن المسلمين، ولا يزال الأمر على هذه الحال في مصر.

وفي سورية صدر في عام 1917، في أواخر الحكم العثماني لسورية، قانون حقوق العائلة الذي مرّ ذكره وتضمن أحكاماً للمسلمين وغير المسلمين، كما صدر في العام نفسه قانون أصول المحاكمات الشرعية الذي جعل المحاكم الشرعية في سورية مختصة بالنظر في جميع قضايا الأحوال الشخصية للسوريين مسلمين وغير مسلمين، وبذلك تم توحيد المرجع القضائي في الأحوال الشخصية للمواطنين جميعاً. غير أن هذه الحال لم تدم طويلاً. ففي عام 1919 صدر قانون عن الملك فيصل، ملك سورية يومئذ، جاء فيه ما يلي: «المحاكم الطائفية للطوائف غير المسلمة تحتفظ باختصاصاتها القضائية وبحقوقها كما في السابق». وبذلك أعيد العمل بنظام المحاكم الطائفية التي تخضع للسلطات الروحية الدينية الخاصة بها. وتمّ توطيد هذا الواقع بالقرار رقم (60ل.ر) الصادر بتاريخ 13 آذار 1936 عن المفوض السامي الفرنسي في سورية (في مرحلة الانتداب الفرنسي) المتعلق بنظام الطوائف الدينية، وترتب على ذلك، من الناحيتين الواقعية والقانونية، استمرار العمل بنظام تعدد الشرائع المطبقة على السوريين في مسائل الأحوال الشخصية من جهة، وتعدد الجهات القضائية المختصة بالنظر في هذه المسائل بتعدد الطوائف المعترف بها من جهة أخرى.

فلقد تضمن هذا القرار (وهو بمنزلة قانون) نوعين من الطوائف: الطوائف ذات النظام الشخصي والطوائف ذات النظام العادي.

والطوائف ذات النظام الشخصي قسمان.

ففي القسم الأول الطوائف التي حدد تنظيمها ومحاكمها وشرائعها في صك تشريعي وهي الطوائف القائمة بتاريخ صدور القرار (60ل.ر) لعام 1936 وتضم:

من المسيحيين: الموارنة، الروم الأرثوذكس، الروم الكاثوليك، الأرمن الأرثوذكس، الأرمن الكاثوليك، الآشوريين الكلدان، الكلدان، اللاتين، البروتستنت.

ومن اليهود: كنيس دمشق، وكنيس حلب، وكنيس بيروت.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الملحق رقم 1 التابع للقرار (60ل.ر) قد أدخل في عداد الطوائف ذات النظام الشخصي الطوائف الدينية الإسلامية إلا أن تطبيق هذا النظام على المسلمين أدى إلى موجة من التذمر والاحتجاجات العلنية حملت السلطات المنتدبة الفرنسية على إصدار قرار مرقم (53ل.ر) لعام 1939 يقضي بعدم تطبيق نظام الطوائف الدينية على المسلمين.

وفي القسم الثاني الطوائف التي لم يكن قد حدد تنظيمها ومحاكمها وشرائعها في صك تشريعي عند صدور القرار رقم (60ل .ر) المشار إليه سابقاً، ولكنها كانت حائزة على بعض ميزات أو كانت متمتعة ببعض الحصانات بموجب أوامر سنية أو قرارات من المفوض السامي أو قرارات من حكومة دولة سورية ولبنان (في ذلك الوقت) أو بمفعول من حيازتها حالة راهنة ناتجة عن تقاليد ترجع إلى أكثر من قرن. ويمكن لهذه الطوائف الحصول على اعتراف بها فيما إذا تقدمت بنظام كامل لها مستخلص من النصوص التي تدار الطائفة بموجبها بشرط أن لا يخالف هذا النظام الأمن أو الآداب أو دساتير الدول والطوائف أو أحكام القرار رقم (60 ل.).

أما الطوائف التابعة للقانون العادي فهي باقي الطوائف من غير المسلمين وكانوا يخضعون في أحوالهم الشخصية للقانون المدني.

وبعد الاستقلال، وفي عام 1953، صدر قانون الأحول الشخصية السوري بالمرسوم التشريعي رقم 59 ونص في مادته 306 ما يلي:

«تطبق أحكام هذا القانون على جميع السوريين سوى ما تستثنيه المادتان التاليتان: المادة 307 وتتضمن بعض الأحكام الخاصة المتعلقة بأهلية الزواج وتعدد الزوجات واللعان والرضاع والمهر والطلاق والوصية والميراث، لأتباع الطائفة الدرزية، والمادة 308 وفيها أنه يطبق على الطوائف المسيحية واليهودية ما لدى كل طائفة من أحكام تشريعية دينية تتعلق بالخطبة وشروط الزواج وعقده والمتابعة والنفقة الزوجية ونفقة الصغير وبطلان الزواج وحله وانفكاك رباطه والبائنة (الدوطة) والحضانة».

وهكذا أصبحت مسائل الأحوال الشخصية في سورية تخضع لعدة تشريعات فقانون الأحوال الشخصية هو بمنزلة قانون عام يسري على جميع السوريين أياً كانت ديانتهم وإلى جانبه تشريعات الطوائف غير الإسلامية التي تطبق بشأنهم في المسائل التي حددتها المادة 308 من قانون الأحوال الشخصية.

وبناء على ذلك يمكن القول: إن القواعد المتعلقة بالنسب ونفقة الأقارب والأهلية والنيابة الشرعية ومعظم القواعد الخاصة بالوصية والتركات التي جاءت في هذا القانون هي قواعد عامة واحدة لجميع السوريين، أما مسائل الأحوال الشخصية الأخرى فتتعدد بشأنها الشرائع في سورية بتعدد الطوائف.

كما تتعدد القوانين الناظمة لمسائل الأحوال الشخصية في سورية تتعدد المراجع القضائية المختصة بشأنها. فبموجب المادة 33 من قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 98 لعام 1965، النافذ اليوم، تؤلف محاكم الأحوال الشخصية من :

أ - المحاكم الشرعية وهي خاصة بالمسلمين، ب - المحاكم المذهبية للطائفة الدرزية، ج - المحاكم الروحية لغير المسلمين التي ما زالت خاضعة للأحكام النافذة قبل صدور القرار رقم (60 ل.ر) تاريخ 13 آذار 1936.

ومن المعروف أن مسائل الأحوال الشخصية في بعض الدول العربية الأخرى كلبنان والعراق والأردن والمغرب تماثل تقريباً من حيث واقعها وتنظيمها ما هو عليه الحال في سورية مع بعض الاختلاف ولاسيما في لبنان حيث لا يوجد قانون عام للأحوال الشخصية.

أحمد الحجي الكردي

الموضوعات ذات الصلة:

الأهلية - التركة - الحضانة - الزواج - الطلاق - القوامة - المهر - النسب - النفقة - الوصاية - الوصية - الوقف - الولاية.

مراجع للاستزادة:

ـ محمد قدري باشا، الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية (المطبعة العثمانية، القاهرة 1347هـ ).

ـ أحمد سلامة، الأحوال الشخصية للوطنيين غير المسلمين والأجانب (المطبعة العالمية1960).


التصنيف : القانون
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 508
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 608
الكل : 31680907
اليوم : 35489

كارناب (رودولف-)

كارناب (رودولف ـ) (1891 ـ 1970)   رودولف كارناب Rudolf Carnap، فيلسوف ومنطقي ألماني، يهودي الأصل، وأحد أبرز زعماء الفلسفة التجريبية المنطقية logical empiricism أو الوضعية المنطقية logical positivism. ولد في رونسدورف Ronsdorf بالقرب من بارمن Barmen في ألمانيا، وتوفي في كاليفورنيا. درس في جامعتي فرايبورغ ويينا      Jenaء(1910ـ1914)، حيث تخصص في الفيزياء والرياضيات والفلسفة. وتأثر كثيراً في يينا بأستاذه الرياضي المنطقي غوتلوب فريغه[ر] Gottlob Frege. وحصل في عام 1929 على الدكتوراه من الجامعة نفسها برسالة عنوانها «المكان: إسهام في نظرية العلم».
المزيد »