logo

logo

logo

logo

logo

الأطلس (جبال)

اطلس (جب)

Atlas Mountains - Massif de l’Atlas

الأطلس (جبال ـ)

 

سلاسل جبلية مهمة تحتل الشريط الشمالي الغربي من قارة إفريقية وتؤلف معظم أراضي المغرب العربي شمال الصحراء الكبرى، وتقع في ثلاثة أقطار عربية هي: المملكة المغربية والجزائر وتونس.

تمتد جبال الأطلس من الجنوب الغربي من ميناء أغادير على المحيط الأطلسي إلى الشمال الشرقي حتى تونس على البحر المتوسط مسافة 2000كم. وتؤلف هذه الجبال حاجزاً طبيعياً بين السهول الساحلية على البحر المتوسط في الشمال والصحراء الإفريقية الكبرى في الجنوب. وتعد خزاناً جيداً للمياه.

التضاريس

تتألف جبال الأطلس من عدة سلاسل تفصلها هضاب وأحواض يختلف عددها من مكان إلى آخر فهي في الغرب ثلاث سلاسل جبلية واضحة المعالم هي: جبال الأطلس الأوسط ثم الأطلس الأعلى ثم الأطلس الصحراوي. أما في الوسط (في الجزائر) فتنتظم في مجموعتين جبليتين بينهما هضاب عالية تسمى النجود العالية وهي الأطلس التلي ثم الأطلس الصحراوي. وتصبح في الشرق مرتفعات هضبية هي الضهرة أو الظهرة التونسية. وشمالها استمرار جبال أطلس التل. كذلك تنتمي جبال الريف إلى الأطلس.

جبال الأطلس الأوسط: تقطع هذه الجبال المملكة المغربية وتقسمها إلى مغرب قاري في الشرق ومغرب محيطي أطلسي في الغرب. وتمتد بين ممر تازة في الشمال الشرقي ووادي نهر العبيد أحد روافد نهر أم الربيع في الجنوب الغربي. وبين وادي الملوية شرقاً، والمائدة (الميزيتا) المراكشية غرباً وشمالاً غربياً وسهل تادلة في الجنوب الغربي. وهي مؤلفة من التواءات من النموذج الجوراسي ذي البنية المنفردة بعضها عن بعض، وتضم أودية عريضة مفتوحة وأحواضاً جبلية أرضها منبسطة السطح. أما صخورها فالغالب عليها الكلس، مع ظهور بعض الصخور البركانية على شكل أغشية تدفقت من المرتفعات، ووصل بعضها إلى الأودية، مما سبب نشوء بحيرات من سدود طبيعية. ويتدرج الأطلس الأوسط في الارتفاع من الغرب باتجاه الشرق من 1000-2000م إلى أعلى من 3000م. وتسمو قمة جبل بوناصر إلى 3340م فوق سطح البحر.

منظر للأطلس الكبير المغربي (منطقة تيزي نْتِشكا)

جبال الأطلس الأعلى: سلسلة جبلية التوائية البنية تؤلف العمود الفقري لجبال المغرب وهي أعلاها قاطبة. وفيها جبل طوبقال (4165م) أعلى قمة في الوطن العربي. تمتد هذه السلسلة من رأس «غِير» في الجنوب الغربي إلى الحدود الجزائرية المغربية في الشمال الشرقي على امتداد الجانب الأيمن (الشرقي) لوادي الملوية بطول نحو 750كم وعرض متوسط قدره 60كم.

يبدأ الأطلس الأعلى من ساحل الأطلسي بسلسلة غربية تتجه نحو الشرق، وترتفع على شكل جدار ضخم يفصل سهل السوس في الجنوب عن باقي أنحاء المغرب. وقممها عالية غير حادة أعلاها جبل طوبقال. وتستمر هذه السلسلة في سيرها شرقاً مع انحراف قليل نحو الشمال بعد ممر تيزي نْتِشْكا حتى هضبة البحيرات، مؤلفة القسم الأوسط من الأطلس الأعلى، ويتكون هذا القسم من قمة جبلية ضخمة أقصى ارتفاع لها في جبل مغون (4071م).

أما في القسم الشرقي فيصبح اتجاه الالتواءات شرقياً شمالياً تتجاور فيه طيات خفيفة تفصل بينها وتسايرها أحواض ومنخفضات متسعة تؤلف أحياناً سهولاً داخلية مأهولة. وتتدرج الأرض بالانخفاض، لكن قمم الجبال تبقى عالية، وتسمو في جبل عياشي حتى 3757م، وتلتحم باتجاه الشرق بالمرتفعات الجزائرية ممثلة ببدايات النجود العليا وهضابها وبسلسلة جبال الأطلس الصحراوي في الجزائر.

تظهر في جبال الأطلس الأعلى بقايا تضاريس كونتها جليديات الحقب الرابع الجيولوجي في صخور قديمة وأخرى جوراسية من الحقب الثاني تغلب عليها الصخور الكلسية. وعلى الرغم من ارتفاعاتها الكبيرة فهناك عدة ممرات تساعد على اجتيازها وهي من الغرب إلى الشرق تيزي (ممر) نْتيسِتْ، وتيزي نتِشكا وتيزي نْتِلغَمت.

جبال ما وراء الأطلس: وتعرف أحياناً بالأطلس الصغير أو المقابل أو الصحراوي أيضاً. وتقابلها في اللغات الأجنبية Anti- Atlas وهي آخر السلاسل الجبلية في الأطلس الغربي وأبعدها جنوباً. وتمتد هذه السلسلة من المحيط الأطلسي في الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي حيث تنتهي بجبل «سروا» الذي يؤلف كتلة جبلية بركانية مستقلة نسبياً تتصل بجبال الأطلس الأعلى، وتسد حوض وادي السوس من جهة الشرق، وتفصله عن حوض وادي درعة في الجنوب. ويعد سهل حوض نهر السوس أهم الأحواض البنائية في غربي إقليم الأطلس تشرف عليه جبال الأطلس الأعلى من ناحية الشمال وجبال ما وراء الأطلس من جهة الجنوب، وينفتح على المحيط الأطلسي في الغرب. وجبال ما وراء الأطلس أقل ارتفاعاً من الأطلس الأعلى وقممها مسطحة لها أشكال أهرامات مقطوعة الرؤوس، تخددها أودية عميقة وخوانق سحيقة. وأعلى قممها يصل إلى 3304م فوق سطح البحر. ويعد جبل صاغرو (2712م) امتداداً شمالياً شرقياً لهذه الجبال. أما جبل باني المساير لما وراء الأطلس فهو آخر سلسلة جبلية على الهامش الجنوبي لجبال الأطلس. وهي سلسلة التوائية منخفضة ذات ارتفاع نسبي يراوح بين 200 و300م، تشرف على وادي درعة من الشمال.

جبال الأطلس التلي: وهي مجموعة الجبال الشمالية للمغرب العربي المحاذية للبحر المتوسط وتمتد من سبتة حتى بنزرت (بيزرته)، وتتألف من سلسلتين متوازيتين من الجبال المتصلة تفصل بينها أودية وأحواض وتقطعها ممرات وفِجاج، تعرف السلسلة الأولى بالساحلية والثانية بالداخلية.

تبدأ السلسلة الساحلية في الغرب بجبال الريف، وهي سلسلة تمتد من سبتة على مضيق جبل طارق حتى مليلة على البحر المتوسط . ولها شكل قوس يساير ساحل المملكة المغربية الشمالي، ويفصلها ممر تازة في الجنوب عن نهايات الأطلس الأوسط، وأعلى قمة فيها تسمو حتى 2456 م في جبل تيديغني، تليها بعد وادي نهر الملوية كتلة جبل طرارة والضهرة وبليدة، ثم سلسلة جبال القبايل الكبرى المؤلفة من عدة زمر جبلية أبرزها جبال جرجرة، وفيها أعلى قمة فوق سطح البحر في أطلس التل (قمة لالا خديجة 2308م ). ثم تأتي بعد ذلك جبال القبايل الصغرى وفيها قمة بابور (2044م)، ثم جبل إيدوغ البركاني. وقد عمل الحت في السلسلة الساحلية لارتفاعها وقربها من مستوى أساسها (البحر المتوسط) الذي تنتهي فيه صخور غالب الجبال باستثناء بعض السهول الساحلية الضيقة حول وهران والجزائر مثل سهل متيجة. وتتألف الجبال من صخور كلسية أو نارية قديمة، أما السهول فمن رسوبيات لحقية رباعية خصبة التربة.

أما السلسلة الداخلية فأهم أجزائها جبال تلمسان في الغرب وجبال سعيدة وونشريس ثم جبال طيطري وبيبان وقسنطينة وسوق أهراس وجبال الحضنة في الشرق حيث تنتهي هذه السلسلة التي تغدو معقدة ومتداخلة باتجاه جبال أوراس ومفازة باتنة (باطنة).

النجود العليا (هضبة الشطوط): وهي الهضاب العالية المنبسطة جنوب جبال أطلس التل وتمتد من الحدود الجزائرية ـ المغربية ونهايات الأطلس الأعلى في الغرب إلى منخفض شط الحضنة في الشرق، وتتبع هذه الزمرة من التضاريس نجود قسنطينة الصغيرة نسبياً. ترقى أرض النجود العليا في الغرب إلى أعلى من 1000م، لكنها تنخفض في الشرق إلى 395م في شط الحضنة، حيث تقترب جبال أطلس التل من جبال الأطلس الصحراوي وتلتحم بجبال أوراس. وتحتل أخفض أجزائها أحواض مغلقة تشغلها سبخات ملحية تعرف بالشطوط، أبرزها شط الشرقي وشط الحضنة. وهذا سبب تسمية النجود العليا بهضبة الشطوط أيضاً. وفي المقابل ترتفع فوق أرض النجود جبال متفرقة وسلاسل صغيرة تقسم الهضبة إلى مناطق صغيرة، ويغلب على صخورها الصخور النارية القديمة المغطاة بطبقات من الصخور الكلسية من الحقبين الثاني والثالث.

جبال الأطلس الصحراوي: وتتألف من ثلاث سلاسل جبلية تمتد من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي موازية محور جبال أطلس التل وهضاب النجود العليا، هي جبال القصور (2336م) وجبال عمور (2008م) وجبال أولاد نايل (1667م). ثم تنخفض الأرض بعدها لتظهر من جديد في جبال أوراس التي تعلو حتى 2328م في قمة شلية، وتتصل في الجنوب بهضبة نمنشة المشرفة على حوضي شط الملغير وشط الجريد.

يعد الأطلس الصحراوي آخر السلاسل الجبلية التي تؤلف نهاية جبال الأطلس وحدودها الجنوبية مع الصحراء الإفريقية الكبرى. وهي ذات طيات التوائية ضربتها الصدوع في أجزائها المختلفة وتشرف على الصحراء بسفوح شديدة الانحدار وصخور كلسية جرداء، ويغلب على بيئتها الطابع الصحراوي الجاف والقاسي.

الظهرة التونسية: وهي جبال وهضاب وأحواض وأودية نشأت عن التقاء نهايات جبال أطلس التل والأطلس الصحراوي ـ أوراس وهضبة الشطوط في شرقي إقليم جبال الأطلس. يغلب على هذه الظهرة المحور الشمالي الشرقي/ الجنوبي الغربي. وتتصف ببساطة المظهر وتغير الاتجاهات في تضاريسها الفرعية. ومن جبالها سلاسل مزيانة وشعامبي (1575م) والكاف وخمير (1200م) في أقصى شمالي تونس. وتنخفض الجبال كلما اتجه المرء شرقاً، وتتداخل مع السهول الساحلية.

النشأة والتكوين الجيولوجي

جبال الأطلس إقليم تماس بين الالتواءات الألبية الحديثة والمجن الإفريقي القديم والثابت. وليس لهذه الجبال مثيل في إفريقية مع أنها تابعة لها جغرافياً ولكنها مع ذلك تعد جزءاً من التضاريس الالتوائية الألبية جيولوجياً. فقد تعرض الهامش الشمالي لإفريقية لحركات بنائية كونت مقعرات أرضية (جيوسانكلينال)، أبرزها المقعر الأرضي الذي امتلأ ببحر التيتس، سلف البحر المتوسط الحالي. وقد امتلأ هذا المقعر برسوبات بحرية خضعت لحركات نهوض وخسف متأخرة أدت إلى ظهور جبال الأطلس في منتصف الحقب الثالث الجيولوجي نتيجة حركة التوائية كبيرة واندفاعات بركانية. ومنذ آخر الحقب الثالث لم يطرأ على هذه الجبال سوى تغييرات قليلة.

الأوضاع الطبيعية البيئية

المناخ: يسود المناخ المتوسطي الجبلي جبال أطلس التل والأوسط والأعلى بخصائصه المعروفة من اعتدال الحرارة مع الجفاف صيفاً وانخفاض الحرارة مع الأمطار الغزيرة شتاء، وتتساقط الثلوج فوق ارتفاع 1000م مع حدوث الصقيع في المناطق العالية. وتتعرض السفوح الشمالية والغربية للرياح الرطبة من البحر المتوسط والمحيط الأطلسي. أما السفوح الجنوبية والشرقية فتهب عليها رياح جافة وحارة لأنها واقعة في ظل المطر من جهة، ولتعرضها للرياح الصحراوية من جهة أخرى. أما جبال الأطلس الصحراوي وما وراء الأطلس وجبلا صاغرو وباني فيسودها نموذج المناخ الصحراوي لبعدها عن البحار ووقوعها وراء جبال أعلى منها وتأثرها بالمؤثرات الصحراوية.

المياه: تتأثر المياه بوضع التضاريس والمناخ، فجبال أطلس التل قريبة من الساحل لذا تكون فيها الأنهار قصيرة ومنها أنهار تفنا والسيق والشلِف (الشليف) وهوالنهر الوحيد الطويل (700كم)، ونهر المجردة وغيره من أنهار تنتهي في البحر المتوسط أو في أحواض داخلية مغلقة. أما جبال الأطلس الأوسط والأعلى فبعيدة عن البحر لذا تكون أنهارها طويلة ومياهها غزيرة لأنها تتغذى من خزان مياه هذه الجبال وينتهي معظمها في المحيط الأطلسي ومنها أنهار السبو وأم الربيع وتنسيفت، أما الملوية فيصب في البحر المتوسط. وتكثر الينابيع في هذه الجبال مثل ينابيع صفرو وآزرو. أما في الأطلس الصحراوي وما وراء الأطلس وتوابعهما فإن الأنهار تندر بسبب قلة الأمطار كما تتراجع غزارة مياهها، ومنها أنهار السوس ووادي الدرعة ورافده دادس. كذلك تكثر هنا الأودية السيلية التي تتجه جنوباً إلى الصحراء مثل أودية زيز وغريس وغِير التي يشترك الأطلس الأعلى والصحراوي في المغرب في تغذيتها، ومثل أودية الناموس والغربي والمزاب والجدي التي يغذيها الأطلس الصحراوي في الجزائر، وتغذي سيول هذه الأودية المياه الجوفية في الواحات التي تسقى من مياه الآبار.

النبيت والوحيش: تبلغ مساحة إقليم الأطلس نحو 750000 كم2، تغطي الغابات منها قرابة 12.6%. وتتبع أنواع النباتات عالم النبيت المتوسطي. وتتدرج بحسب قربها وبعدها عن البحر ومن الشمال نحو الجنوب وبحسب الارتفاع، من نطاق الغابة إلى نباتات السهوب وأشباه الصحارى. وتسود أشجار السنديان الأخضر والفليني والسرو وصنوبر حلب والأرز في الجبال العالية تليها أشجار الطوية والعرعر والشوح والزيتون البري واللوز والتين، ثم الحلفا والأزهار مثل الزنبق والأقحوان وغير ذلك من نباتات تسود المراعي المنتشرة في المستويات الأدنى وفي النجود العليا. أما في الأطلس الصحراوي فتنتشر غابات صنوبر حلب والعرعر، وفي الأوراس شجرة القطلب. وتنعدم النباتات وراء جبال الأطلس الصحراوي وما وراء الأطلس وتوابعهما، إلا في الأودية والمنخفضات حيث تنمو أشجار البطم والصمغ. وقد تعرض الغطاء النباتي في الأطلس إلى قطع أشجار الغابة وتخريب مساحات شاسعة في الماضي والحاضر على يد الإنسان ونشاطاته في استغلال موارد الطبيعة. ولم تتمكن أعمال التشجير في دول المغرب  العربي من تعويض ما خسرته من غطاء أخضر بعد.

أما عالم الوحيش ففقير إلى أنواع الحيوانات المحلية التي انقرض معظمها، فقد اختفى الأسد البربري والفيل من الإقليم، وقلت أعداد النمور والضباع والغزلان والماعز الجبلي. ومن الحيوانات المنتشرة في الإقليم الماعز الجبلي والثعالب والأرانب وأعداد كبيرة من الطيورالمتنوعة. وعلى العموم فإن ما أصاب النبيت من تخريب وتراجع لم تنج منهما المملكة الحيوانية أيضاً.

السكان والتاريخ

يبلغ عدد سكان المغرب العربي نحو 67 مليون نسمة (1999) يعيش أغلبهم في السهول والسواحل وفي أودية الأنهار، ونسبة قليلة منهم في مرتفعات جبال الأطلس حيث تقلل الشروط الطبيعية القاسية والفقر إلى الموارد الاقتصادية من كثافة السكان ونشاطهم في الجبال. وتعد جبال الأطلس الموطن الأصلي والقديم للسكان الأمازيغ (البربر) وقبائلهم. وترتفع نسبة الأمازيغ في جبال الأطلس المغربي حيث يعرفون بالشلوح، كما يكثر عددهم في جبال القبايل والريف والأوراس حيث تزداد نسبة المستعربين والعرب في الشرق والسواحل والمنخفضات. ويتكلم السكان اللغة الأمازيغية بلهجاتها المختلفة: الأطلسية والريفية والسوسية والقبايلية. ويدينون بالإسلام.

يعيش السكان في قرى ودساكر ومداشر (تجمع بيوت فلاحين لا تزيد على 15 بيتاً) وبلدات صغيرة وفي عدد من المدن المتوسطة والصغيرة وأكثرهم ريفيون تزيد نسبتهم على 77% من سكان الأطلس. وأبرز المدن تلمسان وتيزي أوزو وسطيف وقسنطينة وآزرو ويفرَن وخنيفرة وغيرها. وتكثر التجمعات السكانية في الأودية ومصاطب سفوح الجبال وفي رؤوس المرتفعات المنيعة الحصينة. ولسكان الجبال علاقات وثيقة بباقي سكان الإقليم ومدنه الكبرى الداخلية والساحلية. وهناك نسبة مهمة من سكان الأطلس الصحراوي وماوراء الأطلس وتوابعهما، وقسم لا بأس به من سكان الأطلس الأعلى والنجود العليا يعيشون حياة نصف بدوية أو بدوية كاملة في خيام أو أكواخ مؤقتة، ويعملون في الرعي والزراعة المتواضعة ولهم نجعة موسمية بين المرتفعات والمنخفضات. وتهاجر أعداد كبيرة من سكان جبال الأطلس إلى مدن المغرب العربي وإلى أوربة سعياً وراء حياة أفضل.

تشير الآثار واللقى التي كشفت في أماكن كثيرة من الأطلس إلى إعمار الإنسان للإقليم منذ العصر الحجري القديم، وانتشاره الواسع في العصر الحجري الحديث. وترى المصادر الفينيقية (البونية) والرومانية أن أسلاف الأمازيغ ظهروا في المنطقة تحت أسماء مختلفة مثل الغيتول والمور والنوميد. أما الليبو فعاشوا في ليبية الحالية، وخضعت المنطقة لسيطرة القرطاجيين (الفينيقيين) الذين أقاموا فيها مراكز تجارية ومستوطنات ساحلية من 1200ق.م حتى 146ق.م وامتد تأثيرهم من عاصمتهم قرطاجنة إلى الجبال والداخل ونقلوا إلى السكان الأصليين استعمال البرونز والحديد وزراعة الحبوب والكرمة والزيتون. وفي سنة 16 ق.م غزا الرومان المنطقة، ثم غزاها الفندال الذين سيطروا على الإقليم منذ عام 439 للميلاد. وقد قسم الرومان الإقليم إلى ولايات وأقسام عرفت بإفريقية القنصلية (تونس) ونوميدية (شرقي الجزائر) وموريتانية القيصرية (الجزائر) وموريتانية الطنجية (المغرب الأقصى). وفي عام 534م أصبحت قرطاجنة مركز التوسع البيزنطي حتى بداية الفتوحات العربية الإسلامية في القرن الأول الهجري/ السابع للميلاد. ومنذ ذلك التاريخ طبع إقليم الأطلس بالطابع الإسلامي العربي وارتبط تاريخه بتاريخ المغرب العربي والدول المتعاقبة عليه حتى اليوم.

كانت جبال الأطلس في جميع العهود عاملاً مهماً في الحفاظ على هوية السكان. فكانت ملجأ لهم يعتصمون به من الأخطار، ومنها انطلقت ثوراتهم على المستعمرين. كما أن هذه الجبال هي صلة وصل وعامل وحدة بين أجزاء المغرب العربي لامتداد محاورها من الجنوب الغربي نحو الشمال الشرقي والشرق ومسايرة الأودية والهضاب فيها لهذه المحاور، مما يسهل الانتقال من تونس إلى أقصى المغرب. أما باتجاه الجنوب الصحراوي فالحركة تتم عن طريق المفازات والممرات الجبلية وأبرزها مفازة بسكرة.

الأوضاع الاقتصادية

يمتلك إقليم الأطلس ثروات طبيعية كثيرة عدا ثروته الغابية والعشبية، وأبرزها مكامن الفوسفات والحديد وغيرها من ثروات باطنية. وتقع أهم مكامن الحديد على جانبي الحدود الجزائرية التونسية في ونزه (الجزائر) وجريسة (تونس)، وفي مواقع أخرى أقل أهمية قرب بجاية (تِمزريت) وفي وادي الشلف (صَقّار) وبني صاف جنوب غربي وهران وبني بوعفرور قرب مليلة، وتِدسي في أعالي وادي السوس.

ويشتهر جبل العنق وتبسّة وردف على جانبي الحدود الجزائرية التونسية بمكامن الفوسفات في شرقي الإقليم. كما تستثمر مكامنه في الغرب في مواقع كثيرة أبرزها خريبقة واليوسفية. وفي الأطلس مكامن للرصاص والرصاص مع الفضة، والمولبدنيوم والنحاس والمنغنيز والزنك والكوبالت، إضافة إلى أملاح مختلفة. ويعتمد الإقليم في الحصول على الطاقة على نفط الصحراء وغازه، وعلى ما يستخرج من فحم حجري في موقع جنوب وجدة، وما تنتجه المحطات المائية من كهرباء، وعلى الأخشاب في المرتفعات وهوامشها. وتحتل الزراعة وتربية الحيوانات المركز الأول في نشاط سكان الأطلس الذين يغلب عليهم الطابع الزراعي الرعوي الريفي أو البدوي وشبه البدوي. ويرتبط مردود هذا القطاع بالأوضاع الطبيعية (التضاريس والمناخ والتربة والمياه) الجبلية السمة في معظم أنحاء الإقليم. لذلك فإن قسوة الأحوال الطبيعية وفقر الجبال كانا وراء انتشار مهنة الرعي، والرعي مع الزراعة في الجبال وسفوحها. أما في الأودية والأحواض المنخفضة فإن الزراعة الكثيفة هي الغالبة مع بعض العناية بتربية الحيوانات.

تأتي الحبوب وخاصة القمح بأنواعه والشعير، في مقدمة المزروعات، وتعتمد الزراعة في معظم الإقليم على مياه الأمطار إلا في المنخفضات والأودية والسهول الساحلية، حيث تكثر مشاريع الري الحكومية أو الخاصة التي أدت إلى تطور النشاط الزراعي وتنوع المحاصيل كالذرة والخضر والبطاطا والبندورة والبقول وغيرها. وتشغل الكرمة والزيتون مساحات كبيرة من السفوح الجبلية والتلال الشمالية ولاسيما في تونس والجزائر وسفوح الأطلس الأوسط. كذلك تنتشر مزارع الحمضيات في أنحاء الإقليم الشمالية والغربية. وللمحصولات المبكرة من الخضر والثمار أهمية بارزة في زيادة دخل المزارعين.

ويأتي في مقدمة الحيوانات الأهلية الضأن والماعز وتعتمد في تربيتها على «النُّجْعَة» والتنقل الموسمي بين المرتفعات صيفاً والسهول التي يطلق عليها اسم «الأزَغار» شتاءً. وتأتي بعدها الأبقار وحيوانات الجر والنقل.

وعلى العموم فإن قطاع الزراعة في جبال الأطلس قليل المردود، وهي تفتقر إلى الصناعات الحديثة إلا في المدن. وقد أخذ الاصطياف يسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية لسكان الجبال، إذ يساعد اعتدال المناخ وجمال الطبيعة على تنشيط حركة الاصطياف، كما أن بعض المناطق الجبلية تجتذب هواة الرياضات الشتوية والتزلج.

زهير حبش

 

الموضوعات ذات الصلة

 

إفريقية ـ تونس ـ الجزائر ـ المملكة المغربية.


التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
النوع : سياحة
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 708
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 511
الكل : 31643632
اليوم : 78487

محفوظ (عصام-)

محفوظ (عصام ـ) (1939 ـ 2006)   عصام محفوظ، شاعر وكاتب مسرحي وناقد لبناني، يعدُّ رائد المسرح اللبناني الحديث على مستوى التأليف في النصف الثاني من القرن العشرين. ولد محفوظ في جديدة مرجعيون في جنوبي لبنان، كان والده عبد المسيح شاعراً وطبيب أسنان. تلقى عصام تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس بلدته، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية سافر إلى باريس، حيث حصل على دبلوم الدراسات المعمقة من «معهد الدراسات العليا» في الأدب الفرنسي، وعاد إلى الوطن ليعمل في الصحافة المحلية منذ عام 1959، واستقر في بيروت.
المزيد »