logo

logo

logo

logo

logo

أحمد جودت باشا

احمد جودت باشا

Ahmad Jawdat Pasha - Ahmad Jawdat Pasha

أحمد جودت باشا

(1237 ـ1312هـ/1822ـ1895م)

أحمد جودت باشا, رجل دولة تركي عثماني, ومؤرخ شهير, وأديب, من القرن التاسع عشر للميلاد. ولد في لوفجة Lofea شمالي بلغارية, حيث كان والده حاجي إِسماعيل آغا عضواً في المجلس الإِداري للمدينة. وتلقى أحمد مبادئ العلوم الإِسلامية في مسقط رأسه, وتابعها, وتعمق فيها, في إِحدى مدارس اصطنبول, عاصمة الدولة العثمانية, والمركز الأكبر للإِشعاع الفكري فيها, مضيفاً إِليها بعض العلوم العصرية, كالرياضيات, والفلك,والجيولوجية, والفلسفة. وسعى وهو في العاصمة,لإِجادة اللغتين العربية والفارسية, حتى نظم الشعر بهما كما نظمه بالتركية, فأعطي اسم «المخلص جودت» الذي عُرف به. ونال نتيجة دراساته الإِجازة التي تسمح له بالانخراط في سلك القضاء.

ويمكن أن يُمَيَّز في حياة أحمد جودت بعد تخرجه وحتى وفاته,أربع مراحل:

   المرحلة الأولى: وتمتد ثلاثة عشر عاماً(1262-1275هـ/1846-1858م) والمرحلة الثانية: وتمتدّ ثماني سنوات(1275-1283هـ/1858-1866م) والمرحلة الثالثة: وهي أطول المراحل, ودامت ما يقرب من ربع قرن(1283-1307هـ/1866-1890م) والمرحلة الرابعة: ومدتها خمس سنوات (1307-1312هـ/1890-1895م) وهي التي انتهت بوفاته.

المرحلة الأولى:

بزغ نجم أحمد جودت في ميدان الأدب, والفكر التاريخي والتشريعي. ويبدو أنه أظهر في أثناء دراسته فكراً واسعاً وعميقاً, ودقة في تفهم الأمور الشرعية, حتى إِنه عين وهو في الرابعة والعشرين من عمره (1846م) بتوصية من شيخ الإِسلام, مساعداً للصدر الأعظم, مصطفى رشيد باشا, في أثناء إِعداده للقوانين, و«النظام نامه الجديدة», التي كانت الدولة العثمانية بصدد تهيئتها في هذه المرحلة الإِصلاحية من حياتها. وبقي ملازماً للصدر الأعظم ثلاثة عشر عاماً, أي حتى وفاة هذا الأخير عام 1275هـ/1858م. وتحت تأثير رشيد باشا عُيّن لمناصب تعليمية وثقافية لها شأنها, منها إِدارة دار المعلمين المنشأة حديثاً, والسكرتارية الأولى لمجلس المعارف. وفي المنصبين أدى خدمات مفيدة للتربية والتعليم والثقافة. وإِلى هذه المرحلة يرجع إِسهامه الفعال في إِنشاء ما سمي بـ «الإِنجومين دانيش» (1851م), التي كانت أشبه ما تكون بالأكاديمية الفرنسية وتحت تأثير هذه الجمعية, وبدفع من السلطان عبد المجيد
(1255
-1278هـ/ 1839-1861م) شرع أحمد جودت بتأليف عمله التاريخي الكبير الذي عرف فيما بعد باسمه,وهو تاريخ وقائع الدولة العثمانية. وعندما قدم الأجزاء الثلاثة الأولى منه إِلى السلطان كافأه السلطان بتعيينه مؤرخاً رسمياً للدولة (وقعة نويس). وإِلى جانب تأليفه التاريخي ذاك, فإِنه أسهم في وضع «القانون النامه الجزائية», و«قانون نامه الطابو» نتيجة عمله عضواً في مجلس التنظيمات, ثم رئيساً لـ «لجنة الأراضي السنية» وألف كتاباً في القواعد التركية تحت عنوان «قواعدي عثمانية» بالاشتراك مع فؤاد باشا.

المرحلة الثانية:

وتبتدئ بوفاة رشيد باشا, وقد شجعه فيها كل من فؤاد باشا وعالي باشا - وهما أكبر شخصيتين سياسيتين كان لهما دور رئيسي في الإِصلاحيات التي حققتها الدولة العثمانية - على ترك عمله ذي الطابع العلمي, والاتجاه إِلى الأعمال الإِدارية والسياسية. ولثماني سنوات بقي أحمد جودت عاملاً في المنحيين معاً: المنحى العلمي, والمنحى الإِداري الذي أثبت كفاية في مضماره عندما عمل على تهدئة بعض الأقاليم الثائرة بإِدخال الإِصلاحات الضرورية فيها, كمنطقة قُزان في طوروس, وإِقليم البوسنة.

المرحلة الثالثة:

وفيها انصرف أحمد جودت تماماً إِلى الأعمال الإِدارية والسياسية, فترك عمله التاريخي بصفته» وقعة نويس» عام 1866م, ومنح رتبة وزير, ولقب باشا, وتنقل لربع قرن تقريباً, وبالتناوب بين منصبي الولاية والوزارة فعين لمنصب ناظر الحقّانية ( وزير العدل) خمس مرات (1886,1879,1876,1875,1870) ولمنصب ناظر المعارف (وزير التربية) ثلاث مرات (1876,1875,1873) ولمنصب ناظر الداخلية مرة واحدة (1876), وللأوقاف (1877) وللتجارة (1878) مثلها. كما عمل صدراً أعظم مدة عشرة أيام عام 1879, بعد عزل خير الدين باشا.

وقد أظهر جودت باشا, نشاطاً كبيراً في أثناء وزاراته المختلفة, وحماسة للإِصلاح والتقويم, وإِن كانت أفكاره مزيجاً من نزعات تقدمية ورجعية. فهو يريد الإِصلاح, وتقدم المجتمع العثماني, وهو يهاجم بقوة كل مظاهر الجهل, والتعصب, والانصراف وراء المصلحة الخاصة, التي كانت من صفات الهيئات الحاكمة آنذاك كما كان يحارب بشدة الخرافات المنتشرة بين الشعب, إِلا أنه بالمقابل كان لا ينسجم مع أخذ الجديد من الحضارة الغربية. وقد ازدادت أفكاره تقليدية مع تقدمه بالسن, وخصومته لمدحت باشا, فقد كان هذا الأخير يندد دوماَ‎ً بعدم إِجادته اللغة الفرنسية, وبضآلة معرفته بالأفكار الأوربية المعاصرة.

وقد يكون أبرز ما قدمه في أثناء تسلمه منصب ناظر الحقانية تدوينه قانون القضاء أو ما يسمى بـ «مجلة الأحكام العدلية» وقد استند في صياغته إِلى التشريع الإِسلامي على الفقه الحنفي, متجاوزاً الأفكار التي كان يؤيدها عالي باشا التي كانت تطالب بتبني القانون المدني الفرنسي. وقد ثابر على عمله هذا حتى إِنجازه في عام 1877, على الرغم من التحاقه بأعمال ووزارات أخرى.

وفي أثناء وجوده في نظارة المعارف أصلح المدارس الابتدائية للذكور, ووضع البرامج التعليمية للمدارس الرشدية والإِعدادية, وعمل على إِيجاد كتب للطلاب, وألف هو نفسه ثلاثة منها, و أعاد تنظيم دار المعلمين.

ولم يظهر أحمد جودت باشا كفاية في أعماله الوزارية فحسب, وإِنما حقق نجاحاً في أعمال الولاية عندما تسنم منصبها على التوالي, في حلب, وبروصة, ومرعش, ويانينة, والشام مرتين, على الرغم من المدد القصيرة نسبياً التي كان يمكث فيها.

ولكن إِذا كان لأحمد جودت باشا ما يشرّفه في أثناء ممارسته لمناصبه في الوزارة والولاية, فإِن توافقه التام مع نظام السلطان عبد الحميد, وموقفه من قضية مدحت باشا التي جرت في أثناء وزارته الرابعة للحقانية (1879-1882) يجرّحانه ويسيئان إِليه. فقد كان على خلاف وعداء مع مدحت باشا لأن هذا الأخير كان يرى أن موقف جودت باشا من الدستور موقف رجعي, وأن أفكاره بعيدة عن الأفكار المعاصرة. ومن ثمَّ فقد نسب إِلى جودت باشا أنه كانت له يد طولى في اتهام مدحت باشا بالخيانة ومناصرة النصرانية. وهو الذي ذهب بنفسه إِلى إزمير للقبض عليه, وحمله إِلى العاصمة بصفته رئيساً للفرقة التي كلّفت هذا الأمر.

المرحلة الرابعة والأخيرة من حياته:

وفيها اعتزل أحمد جودت باشا العمل السياسي تماماً, بعد أن استقال من النظارة الخامسة للحقانية عام 1307هـ/ 1890م. فاعتكف في بيته لمتابعة ما ابتدأه من تآليف أدبية وتاريخية, حتى وافته المنية في منزله في «بيبك» على شاطئ البوسفور, ودفن في تربة الَسلطَان محمد الفاتح.

خلَّف أحمد جودت عدداً من المؤلفات, بعضها بالعربية, وبعضها الآخر بالتركية. أما الأولى فهي: خلاصة البيان في جمع القرآن, وتعليقات على أوائل المطوّل في البلاغة, وتعليقات على الشافية في النحو.  

ومؤلفاته باللغة التركية أكثر عدداً وتنوعاً. فهناك إِسهاماته القانونية الكثيرة والمهمة, التي أشير إِلى معظمها آنفاً. وهناك ما دونه في ميدان قواعد اللغة التركية وبلاغتها, ومنها «قواعدي تركية» و«بلاغتي عثمانية» وقد ألف الكتاب الأخير لطلاب مدرسة الحقوق. وله في الأدب «آداب سداد», كما له «تقويم أدوار» وقد أثار فيه لأول مرة قضية ضرورة إِصلاح التقويم. وقد كان لأحمد جودت باشا أيضاً إِنتاجه الشعري الذي جمعه في ديوان «ديوانجه» بناء على طلب من السلطان عبد الحميد, وشرح «ديوان صائب» المشهور بين دواوين الشعر الفارسية.

إِلا أن المؤلَّف الذي شغل مكان الصدارة بين مؤلفاته هو «تاريخ وقائع الدولة العثمانية» الذي عرف بـ«تاريخ جودت» وهو في اثني عشر جزءاً, ويتناول من تاريخ الدولة العثمانية, المرحلة الممتدة من معاهدة كوشوك قينارجه عام 1774م. إِلى القضاء على الانكشارية عام 1826م. وقد كتبه على طريقة الحوليات, واستغرق تدوينه له ثلاثين عاماً. وطبع أول مرة في اصطنبول بين 1271و 1301هـ/ 1856و 1884م. وكررت طباعته. ونقل عبد القادر دنا البيروتي الجزء الأول منه إِلى العربية. ويتصف الكتاب بصورة عامة, بوفرة مصادره, واعتماد مجلداته الأولى على الوثائق الرسمية, وبحس صاحبه النقدي, ومحاكمته الصائبة, إِلا أنه بالمقابل زاخر بتحيزاته للدولة العثمانية.

ومن مؤلفاته التاريخية أيضاً: «قصص الأنبياء وتاريخ الخلفاء», وهو كتاب ذو هدف تعليمي تربوي, فقد كان أحمد جودت باشا يؤمن بأهمية التاريخ في التربية. وهو مؤلف من 12 جزءاً, ويبتدئ بآدم وينتهي بعهد السلطان مراد الثاني.

ومن تدويناته التاريخية مجموعة من التقارير قدمها للسلطان عبد الحميد, وتؤرخ المرحلة من 1839 إِلى 1876م, وهي في خمسة أجزاء, وقد نشر منها فقط الجزء الثاني, والثالث, والرابع, وله كذلك مجموعة من الملاحظات, دونها عن حوادث عصره عندما كان «وقعة نويس», وأطلق عليها «تذاكري جودت» وقد اعتمدت ابنته فطمة علية خانم على بعضها في كتابها «جودت باشا وزماني».

ويضاف إِلى مدوّناته التاريخية إِكماله ترجمة مقدمة ابن خلدون التي ابتداها «بيري زاده محمد صائب».

ليلى الصباغ

مراجع للاستزادة:

ـ أديب تقي الدين الحصني, منتخبات التواريخ لدمشق (بيروت 1399هـ/ 1979م).

ـ جرجي زيدان, تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر, الطبعة الثالثة (بيروت).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 489
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1008
الكل : 59401420
اليوم : 33730

تعرف الكلام

تعرّف الكلام   أثار موضوع الواجهات التخاطبية الكلامية بين الإنسان والآلة، منذ قرابة خمسة عقود، اهتمام المهندسين وعلماء الكلام معاً. ذلك لأن الكلام هو طريقة التواصل الأسهل والأكثر طبيعية بين البشر منذ عشرات القرون. وتسمح مثل هذه الواجهات للسواد من الناس، بالتواصل مع الشبكات الحاسوبية والحصول على المعلومات دون الحاجة إلى أن يكونوا معلوماتيين. وتتطلب هذه الواجهات تقنيات إنتاج الكلام من الحواسيب (تركيب الكلام)، وفهم الآلة الكلام أو تعرف الكلام speech recognition. ولتعرّف الكلام تطبيقات كثيرة مثل: إعطاء أوامر صوتية وتحكمية كطلب هتف رقم صوتياً، إدخال معطيات صوتية مثل رقم بطاقة الائتمان، إعداد وثائق بنيوية كالوثائق الطبية...وغيرها الكثير. يُعد تعرّف الكلام إجرائية تُحوِّل الإشارة الصوتية، الملتَقَطة من هاتف أو ميكرفون إلى مجموعة كلمات؛ قد تكون هذه الكلمات هي النتيجة المرجوة النهائية، كما في التطبيقات المذكورة سابقاً، وقد تخدم كدخل إلى نظم معالجة لغوية لاحقة للحصول على فهم الكلام لإعطاء تفسير لهذا الكلام والتصرف على أساسه. وقد صار لدينا خوارزميات ونظم تعرف كلام عالية الأداء. موسطات عملية تعرف الكلام ثمة كثير من الموسطات parameters التي تميز نظم التعرف المختلفة: 1ـ طريقة لفظ الكلام: نميز بين نظم تعرف الكلمات المعزولة (مجموعة مفردات) حيث يتوقف المتكلم عن الكلام برهة بين كلمة وأخرى، ونظم تعرف الكلمات المتصلة (مثل أرقام الهواتف) التي لا تتطلب مثل هذا التوقف، ونظم تعرف الكلام العفوي والارتجالي الذي يتضمن مفردات واسعة وانقطاعات في السلاسة، وهو أصعب من النظم السابقة. 2ـ حجم المفردات المختلفة التي يمكن أن يتعرفها النظام: صغير (حتى مئة مفردة)، متوسط (يصل إلى 1000 مفردة)، واسع (يزيد على 1000 مفردة). 3ـ علاقة النظام بالمتحدثين: يمكن أن نميز ثلاثة أنواع من نظم التعرف: نظم مرتبطة بالمتحدث، وهي تتطلب إدخال عينات من كلام كل مستخدم جديد، نظم مستقلة عن المتحدث speaker independent لا تتطلب العملية السابقة، ونظم متكيفة مع المتحدث قادرة على تحسين أدائها بالنسبة لكل متحدث على حدة في أثناء استخدامه للنظام، مع مرور الزمن. 4ـ مقدار المعرفة الصوتية والمعجمية في نظم التعرف: تراوح من نظم بسيطة لا تتضمن أي معلومات لغوية إلى نظم معقدة تكامل المعرفة الصوتية واللغوية النحوية والدلالية والسياقية. نحتاج لتعرف الكلام المستمر، إلى نماذج لغوية وقواعد صنعية لتقييد تراكب الكلمات. يمكن أن يكون النموذج اللغوي بسيطاً، مثل شبكة حالات منتهية، بحيث نصرح عن الكلمات التي يمكن أن تتلو كلمة معينة. أو أن يكون أكثر عمومية، بحيث نقترب من اللغة الطبيعية باستعمال قواعد حساسة للسياق. يمكن قياس صعوبة هذه المهمة بموسط يسمى الإرباك perplexity، ويعرف على أنه المتوسط الهندسي لعدد الكلمات التي يمكن أن تلي كلمة معينة، بعد تحديد النموذج اللغوي. صعوبات تعرّف الكلام وحلولها تكمن صعوبة مسألة تعرف الكلام في تنوع شكل الإشارة الكلامية الموافقة للكلمة نفسها، ويمكن تصنيف هذه التغيرات كما يأتي: 1ـ  تغيرات تتعلق بالمتحدث نفسه: إذ يمكن أن تنشأ تغيرات صوتية بحسب تغيرات الحالة الفيزيولوجية والنفسية للشخص (هل هو مريض أو صحيح، حزين أو فرح أو غاضب...)، وبحسب معدل كلامه (سريع أو بطيء)، وبحسب جودة صوته (يقصد الإفهام أو يتكلم على نحو عارض). 2ـ تغيرات بين المتحدثين: تتبع الخلفية الاجتماعية ـ اللغوية لهم مثل، اللهجة وأبعاد وشكل جهازهم الصوتي الفيزيولوجي vocal tract. 3ـ التحقيق الصوتي للصوتيمات phonemes: وهي أصغر الوحدات الصوتية التي يمكن أن تتركب منها الكلمات، ويعتمد هذا التحقيق اعتماداً كبيراً على السياق الذي تُلفَظ فيه. على سبيل المثال، يختلف لفظ الصوت /ب/ من الكلمة «باب» إلى الكلمة «سبت»، فهو في الأولى /b/ وفي الثانية /p/. 4ـ اختلاف محيط المتحدث: وهذا ناتج عن وجود إشارات صوتية غير مرغوب فيها (متحدثين آخرين، ضجيج، إغلاق باب...)، أو عن تنوع الميكرفونات المستخدمة ومكان توضعها. توجد عدة نماذج لنظم تعرف الكلام منها النموذج الأكثر استخداماً تجارياً وصناعياً؛ وذلك لأنه يصلح مهما تغيرت المفردات أو تبدل المتحدثون أو مجموعة موسطات التمثيل أو خوارزمية البحث، وكذلك لسهولة برمجته وأدائه الجيد. ويستخدم هذا النموذج للتعرف على الكلمات المعزولة والمتصلة. يبين الشكل الآتي المكونات النموذجية لمثل هذا النظام:     يُعمد في البدء إلى تحليل الإشارة الكلامية بهدف تحويلها إلى تمثيل مضغوط قادر على  تمييز الخصائص properties المتغيرة مع الزمن للكلام (موسطات ترددية أو معاملات ترميز التنبؤ الخطي أو غيرها، تحسب على نوافذ زمنية 10-30 ms بسبب الطبيعة المتغيرة للكلام)، أو إلى توصيف إحصائي لتسلسل الأصوات المختلفة ضمن الكلمات (نموذج ماركوف المخفي Hidden Markov Model (HMM). يتطلب هذا النموذج عملية تدريب تسبق عملية التعرف يجري  ضمنها استخلاص سمات مرجعية للمفرادت التي نرغب في تعرفها. من أجل التعرف على مفردة ما نعمد إلى موازنة سماتها مع السمات المرجعية لجميع المفردات المرجعية للبحث على المفردة الأقرب إليها. وللحصول على تعرف أمثل يمكن الإفادة من التقييدات الصوتية والمعجمية والنماذج اللغوية للغة المستعملة. من الجدير بالذكر أن هناك طرق أخرى للتعرف تعتمد على تحديد القطع الصوتية وتصنيفها ثم استعمالها للتعرف على الكلمات، وذلك بالاستفادة من تقانات الذكاء الصنعي التي تحاول تقليد عملية تعرّف الكلام عند البشر. كما يمكن استعمال تقانة الشبكات العصبونية في التعرف مع نموذج ماركوف المخفي المشار إليه سابقاً. تحاول نظم تعرف الكلام، نمذجة مصادر التغييرات المذكورة سابقاً، على عدة مستويات. فعلى مستوى تمثيل الإشارة، طور الباحثون طرق تمثيل تؤكد السمات الحسية الهامة للإشارة الكلامية، المستقلة عن المتحدث، وتخفف من أثر الصفات المعتمدة على المتحدث. وعلى المستوى الصوتي، جرت نمذجة تغييرات المتحدث باستعمال تقنيات إحصائية مطبَّقة على كم هائل من المعطيات. وكذلك، جرى تطوير خوارزميات مواءمة المتحدث، تناسب النماذج الصوتية المستقلة عن المتحدث لتوائم النماذج الصوتية للمتحدث الحالي أثناء استعماله للنظام. كما جرى تدريب النظم على نماذج مختلفة لمقاطع الأصوات في سياقات مختلفة لأخذ تغيّراتها بالحسبان. أما على مستوى الكلمات، فيجري تدريب النظم على مختلف ألفاظ الكلمات وحسب لهجات متعددة، وجرى استعمال نماذج لغوية إحصائية تعتمد على تقدير تردد ورود سلاسل الكلمات لقيادة البحث عن الكلمات الأكثر احتمالاً. الحالة الراهنة يمكن قياس أداء نظم التعرف بمعدل الخطأ الذي يُعرَّف بالعلاقة: E=(S+I+D)*100/N حيث N هو العدد الكلي لمفردات التعرف، S عدد الاستبدالات (تعرف كلمة مكان أخرى)، I عدد الإدراجات (تعرف كلمات غير ملفوظة أصلاً)، D عدد المحذوفات (عدم تعرف كلمة ملفوظة). وقد تطورت تقانات تعرف الكلام كثيراً في الفترة الأخيرة، وأدى هذا إلى خفض معدل الخطأ السابق بنسبة 50٪ (إلى النصف) كل عامين تقريباً. ويعود هذا التطور إلى عدة عوامل منها: 1ـ تطور تقنيات نموذج ماركوف المخفي HMM التي تساعد على الحصول على أداء أفضل بعد معالجة معطيات التدريب آلياً. 2ـ الجهود المبذولة عالمياً لبناء مدونات قياسية ضخمة، لتطبيقات الكلام، ولعدد من اللغات العالمية. 3ـ تقييس تقويم أداء مختلف نظم التعرف، وهذا ما زاد في وثوقية مراقبة تطور هذه النظم. 4ـ أثر التطور الحاصل في مجال التقانات الحاسوبية تأثيراً غير مباشر في تطور هذا العلم. فحواسيب اليوم أسرع من سابقاتها، وأرخص ثمناً وأكثر  سعة. يزداد الاهتمام، اليوم، بنظم التعرف عبر الشبكات الهاتفية والخلوية، حيث يزيد معدل تعرف الكلمات عبر المحادثات الهاتفية على 50٪. فيما يأتي بعض أسماء نظم تعرف الكلام: ـ تحت نظام ماكنتوش:  Dragon Dictation Products ـ تحت نظام وندوز (ومنها وندوز 95 وNT و3.1(:  AT&T Watson Speech Recognition   Cambridge Voice for Windows  * DragonDictate for Windows ـ تحت نظام دوس  DATAVOX - French  Dragon Developer Tools  ـ تحت النظام Unix  AbbotDemo * BBN Hark Telephony Recognizer * EARS: Single Word Recognition Package*Hidden Markov Model Toolkit (HTK) from Entropic  يختلف أداء نظم التعرف بحسب التطبيق والتقانات المستعملة، وفيما يأتي مثالان عن أداء هذه النظم: ـ نظام تعرف الأرقام باللغة الإنكليزية، مستقل عن المتحدث، الأرقام ملفوظة على نحو مستمر وبعرض حزمة هاتفية، معامل الإرباك 11. معدل الخطأ 0.3٪ حين يكون عدد الأرقام في السلسلة معروفاً. - نظام تعرف لأغراض الإملاء، حجم المفردات يتجاوز 20000، معامل الإرباك نحو 200، لكلام مستمر، مستقل عن المتحدث، كان معدل الخطأ في عام 1994 نحو 7.2٪. التوجهات المستقبلية ومجالات البحث إن محاور البحث الآتية يمكن أن تزيد من أداء نظم تعرف الكلام:  1ـ المتانة والمناعة: عدم تأثر أداء النظام كثيراً حين تتغير حالات استثماره عن حالات تدريبه.  2ـ الحَمُولة: عدم الحاجة إلى إعادة تدريب النظم مع اختلاف التطبيقات، لأن الأمر مكلف مادياً وزمانياً.  3ـ نمذجة اللغة: وضع قيود على النماذج اللغوية، مثل القيود النحوية syntactic والدلالية semantic التي لا يمكن نمذجتها بنماذج إحصائية بحتة.  4ـ كلمات من خارج المفردات: تمكين النظام من اكتشاف الكلمات الجديدة من خارج المفردات، بحيث لا تسبب الكلمة الجديدة الخطأ.  5ـ الكلام العفوي: القدرة على التعامل مع مختلف ظواهر الكلام العفوي مثل، إضافة توقفات، أخطاء، بنى غير قواعدية، تردد وإحجام.  6ـ نمذجة الحركة الديناميكية للعضلات الكلامية: كيف ننمذجها ونكاملها ضمن نظام التعرف.    أميمة الدكاك   الموضوعات ذات الصلة:   تحليل الكلام وتركيبه ـ الترميز ـ تعديل الإشارة.   مراجع للاستزادة:   - S.FURUI, Speaker Independent Isolated Word Recognition Using Dynamic Features of Speec Spectrum (IEEE Trans. Acoustics, Speech, and Signal Processing 1986). - RENE BOITE & MURAT KUNT, Traitement de la parole (Presses Polytechniques Romandes, France 1987). - L.R.RABINER & B.H.JUANG, Fundamental of Speech Recognition (Prentice-Hall, Englewood Cliffs, NJ, 1993). - M.RAHIM, ET AL, Robust Utterance Verification for Connected Digit Recognition (Proc. ICASSP-95, WA02.02 May, 1995).
المزيد »