logo

logo

logo

logo

logo

الفراسة

فراسه

Physiognomy - Physiognomie

الفراسة

 

الفراسة physiognomy في اللغة هي المهارة في تعرف بواطن الأمور من ظواهرها، ويقال تفرَّس في الشيء: نظر وتثبّت. والفراسة هي الاستدلال بالأحوال الظاهرة على الأحوال الباطنة، أو بمظاهر بدن الإنسان مثل شكله وصفاته الجسدية على أحواله الباطنة. وقد ربط العلماء بين صفات الإنسان في المظهر والصفات النفسية والإدراكية، ووجدوا صلة بين الظاهر المادي وبين الداخل المعنوي.

أصبحت الفراسة علماً عندما اتجهت إلى الاستعانة بما ظهر من أحوال الناس وهيئاتهم من ألوان وأشكال وأعضاء على معرفة ما خفي من أخلاقهم وطباعهم. فظاهر الجسم مرآة تنعكس فوقه مكنونات النفس، فالوديع الهادئ وقد حَسُنَ تركيب خلقته وتناسبت أعضاء بدنه ولاحت عليه ملامح النبل، يكون طيب النفس حسن الخُلق نقي السريرة. وأشار رسول الله r إلى هذه الناحية بقوله: «اطلبوا الخير عند حسان الوجوه». وقيل إن الحاجب كثير الشعر يكون صاحبه كثير الهم والحزن، وكثرة شعر الحاجب تدل على استيلاء طبيعة السواد على الدماغ وذلك يوجب الهم والحزن. واتساع الجبين يدل على الذكاء.

ويرى بعضهم الفراسة ملكة لا ينبغ فيها إلا أناس لديهم استعداد خاص لها، فهي كالشِّعر ونحوه من الفنون الجميلة. فقد ينظم غير الشاعر ولكنه لا يكون شاعراً، ولا يبرع في التصوير إلا من كان لديه استعداد فطري له. ومثل ذلك يقال في الموسيقى.

ومما يدل على أن الفراسة ملكة طبيعية يمتاز بها أناس من دون آخرين، أنك تراها في بعض الناس فطرة من دون علم ولا دراسة وهي تشبه الإلهام، وترى آخرين يشقون في دراستها ولا يتقنونها. لقد كان محمد علي باشا وعلي بك الكبير والأمير بشير الشهابي وإبراهيم باشا أصحاب فراسة من دون علم، ولو تعلموه لبرعوا فيه. والفراسة علم يحتاج إلى الذكاء وحدة الذهن ودقة الملاحظة وسرعة الخاطر.

الفراسة نوعان؛ أحدهما يحصل بالتجربة التي دلت على أن الشكل الظاهر ينبىء عن الأخلاق الباطنة، فهي علم أصوله يقينيّة وفروعه ظنية. أما الثاني فيحصل بنور اليقين من خلال تزكية النفس عن الأخلاق الفاسدة، وتنقية القلب عن الصفات الذميمة، حتى ينظر المؤمن بنور الله، فيكون نور الله بصره وسمعه، فالله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. وفي هذا النوع من الفراسة يقع في القلب خاطر يحدد حال الإنسان وصفته، من دون الاستعانة بعلامة جسمانية أو إشارة محسوسة.

   
رسوم توضيحية لخطوط راحة اليد المستخدمة في علم  الفراسة
من كتاب «الجليل في الفراسة» لشمس الدين الدمشقي
   

والحديث عن الفراسة يقود إلى الحديث عن طرائق أخرى لإدراك ضروب من الغيب، عدَّها المؤرخون من فروع الفراسة، ورفض بعضهم التسليم بذلك، أبرزها:

1- القيافة: وهي نوعان: أولهما: قيافة الأثر، وتعرف أحياناً بالعيافة، وهي القدرة على معرفة الهاربين من الناس، والضوال من الحيوان، من خلال تتبع آثار الأقدام والأخفاف والحوافر في الطرق القابلة للأثر، أي القابلة لأن تتشكل عليها. وثانيها: قيافة البشر، وهي الاستدلال بهيئات أعضاء الإنسان، ولاسيما القدمان، على الاشتراك في النّسب والولادة وسائر وجوه الأخلاق والأحوال. وتنشأ هذه الفراسة عن طبيعة في أصحابها، ولا تجيء تعلماً واكتساباً. إنها نوع من الحدس والتخمين، وليست بالاستدلال واليقين.

2- الريافة: وهي معرفة استنباط المياه عن طريق الأمارات الدالة على وجودها، وعلى قربها أو بعدها، بشم رائحة تراب منها أو رؤية نبات أو حيوان معين في منطقتها.

3- الاختلاج: وهو الاستدلال على ما ينتظر أن يصيب المرء من خير أو شر من خلال النظر في دلالة ما يعتري أعضاءه، من الرأس إلى القدم، من اختلاج. ولكنه عند مؤرخيه فراسة ضعيفة الدلالة، غامضة الاستدلال، حتى لقد صنفها بعض الكتاب تحت عنوان: أشباه الفراسة.

عرفت الفراسة عند الأوربيين في حقبة ما قبل الميلاد، فقد نسب إلى الشاعر اليوناني هوميروس صاحب ملحمة «الإلياذة والأوديسة»، أنه كتب شعراً في ترسيتس، نقله البستاني إلى العربية، يبين أنه استدل على أخلاقه الباطنة من أحواله الظاهرة. وأشار أبقراط إلى شيء من هذا العلم سنة 450 قبل الميلاد. وكتب الحكيم اليوناني غالينوس أقلوديوس في القرن الثاني للميلاد فصولاً مطولة في علم الفراسة. ولم تدون الفراسة بوصفها علماً مستقلاً إلا في القرن الرابع قبل الميلاد، على يد الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي خصص له كتاباً من ستة فصول معمقة تُرجِم إلى كثير من اللغات.

وقد لاحظ بعض المؤرخين العرب أن المصريين القدماء كانوا على شيء من علم الفراسة، بدليل ما قرؤوه في بعض قراطيس البردي المكتوبة في عصر العائلة الثانية عشرة في نحو القرن العشرين قبل الميلاد.

وعرف العرب الفراسة في الجاهلية، واشتهروا بالقيافة والعيافة والريافة والاختلاج وسواها.

وقد عني الإسلام بالفراسة، وورد ذكرها في الكتاب والسنة. قال تعالى: )تَعْرفُهَم بِسِيمَاهُم( (البقرة 273)، وقال: )سِيمَاهُم في وُجُوههِم مِنْ أَثَرِ السُّجُود( (الفتح 29)، وفي الحديث «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل» رواه البخاري والترمذي، وروي أن رسول الله r قال: «كان فيمن قبلكم مُحدَّثون، وإنه لو كان أحد فعمر بن الخطاب». والمحدَّث المصيب في ظنه وفراسته كأنه حُدِّث بالأمر، أو هو الملهَم الذي يُلقى في نفسه الشيء فيخبر به حدساً وفراسة. وقد كان عمر يقول: «من لم ينفعه ظنه لم تنفعه عينه».

نقل العرب المسلمون علم الفراسة في جملة ما نقلوه عن اليونان والرومان، من علوم الطب وغيرها. فألَّف بعضهم فيه كتباً مستقلة، وذكره آخرون فيما نقلوه من علوم الطب، على نحو ما فعل الطبيب أبو بكر الرازي الذي لخص كتاب أرسطو وزاد فيه، وابن سينا الذي أشار إلى كثير منه في كتبه، وابن رشد والشافعي وسواهم.

ومن أشهر ما وصل إلينا من كتب العرب في علم الفراسة كتاب: «السياسة في علم الفراسة» لأبي عبد الله شمس الدين محمد بن أبي طالب الأنصاري المعروف بشيخ الربوة، والمتوفى سنة 737هـ. وقد طبع الكتاب في مصر سنة 1882. وعثر في المكتبة الخديوية بالقاهرة على «منظومة خطية في علم الفراسة» لمحمد غرس الدين بن غرس الدين بن محمد بن خليل، خطيب الحرم النبوي، وعلى كتاب مخطوط اسمه: «البهجة الإنسية في الفراسة الإنسانية» للعارف بالله زين العابدين ابن محمد العمري المرصفي، وعلى كتاب اسمه «مختصر في علم الفراسة»، وعلى رسالة «في الفراسة والرمل»، وعلى أخرى باسم «علم الفراسة لأجل السياسة». ولكن هذه الكتب والرسائل كلها وضعت على شكل مختصرات ولأغراض محددة.

 
   

وجرت في بداية القرن التاسع عشر الميلادي ممارسات لتحليل شخصية الإنسان من خلال فحص شكل الجمجمة فنشأ فرع جديد للفراسة سُمي «فراسة الدماغ». واعتقد مؤسسو هذه الفراسة وعلى رأسهم الألماني فرانز جوزيف كول Franz Joseph Gall بأن الدماغ يتحكم في الجوانب المختلفة للسلوك. وبحسب رأيهم يمكن تعرّف سمات الشخص البارزة من نتوءات أو بروزات الرأس. وانتشرت فراسة الدماغ في الأمريكيتين، وأسهمت في إثراء الدراسة العلمية للشخصية وفي علم النفس الحديث.

وفي القرن العشرين ولاسيما في النصف الثاني منه، وفي مطلع القرن الواحد والعشرين، ظهرت مؤلفات عُنِيَت بعلم الفراسة الحديث، فنقّته من كثير من الخرافات والأوهام، وقدمته على أنه علم طبيعي مبني على قواعد ثابتة إلى حد محدود، وبذلت فيه محاولات جادة للإقناع بالدليل والمنطق، وقصرته على الاستدلال على الخُلُق الباطن من النظر إلى الخَلْق الظاهر، وجعلت تلك الأفكار والمؤلفات أهم فروع الفراسة: فراسة الدماغ، وفراسة الوجه، وفراسة الكف، وفراسة المشي، وفراسة الخط، وفراسة المقابلة، إضافة إلى الحكم على أخلاق الناس بالنظر إلى ما يشابه وجوههم من وجوه الحيوانات.

سام عمار 

مراجع للاستزادة:

ـ جرجي زيدان، علم الفراسة الحديث (مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة 2003).

ـ توفيق الطويل، التنبؤ بالغيب عند مفكري الإسلام (دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1945).

ـ عبد الفتاح السيد الطوخي، الدراسة في علم الفراسة (المكتبة الثقافية، بيروت 1992).

ـ الإمام فخر الدين الرازي، الفراسة دليلك إلى معرفة أخلاق الناس وطبائعهم كأنهم كتاب مفتوح، تحقيق مصطفى عاشور (مكتبة القرآن، القاهرة 1987).


التصنيف : تربية و علم نفس
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 343
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 483
الكل : 31739711
اليوم : 15172

بهاء الدين زهير

بهاء الدين زهير (581 ـ 656هـ/1186ـ1258م)   أبو الفضل، بهاء الدين، زهير بن محمد بن علي الأزدي المعروف بالبهاء زهير، الكاتب المجيد والشاعر المبدع، يرتقي نسبه إلى المهلّب بن أبي صفرة الأزدي. ولد بوادي نخلة، قرب مكة، وقضى طفولته وشطراً من أيام صباه في مكة، وتلقى فيها الأدب والحديث عن مشاهير علمائها، وظهرت منذ ذلك الحين براعته الشعرية.
المزيد »