logo

logo

logo

logo

logo

مأرب

مارب

Ma'rib - Ma'rib

مأرب

 

مأرب بهمزة ساكنة، وكسر الراء، والباء الموحدة، اسم المكان من الأرب وهي الحاجة، ومأرب باليمن بين حضرموت وصنعاء وهي على نحو97 كيلومتراً تقريباً إلى الشرق من صنعاء عاصمة المملكة، على علو 136متراً فوق سطح البحر، وكانت ملتقى الخطوط التجارية التي وصلت بلدان اللبان بمرافىء البحر المتوسط، وأخصها غزة. وكانت في القرن السابع الهجري قرية ليس فيها عامر، وبها خرائب مدينة مأرب القديمة، بما فيها من بقايا المعابد الضخمة، والقصور، والأسوار. وكانت عاصمة لمملكة سبأ بعد مدينة صرواح في القرن الثامن قبل الميلاد، وظلت على أهميتها قروناً طويلة بسبب مرور طريق القوافل الكبير بها، واتساع زراعتها، ولعلّها العاصمة السياسية، ومقر الطبقة المتنفذة في سبأ، وصرواح العاصمة الروحية، يوجد فيها معبد الإله الكبير، وبها مقر الحكام الكهنة المكربون الذين وجهوا عنايتهم نحو مأرب، فأقاموا بها معبد المقة الكبير، والقصور الفخمة، وسكنوا بها فترات، وأقاموا عندها سد مأرب جنوب غربي المدينة بين ثلاثة جبال يصب ماء السيل منها إلى موضع واحد يضاف إلى ذلك ماء عيون هناك، وليس لذلك الماء مخرج إلا من جهة واحدة، لذا فقد سد الأوائل ذلك الموضع بالحجارة الصلبة والرصاص، فأصبح الماء خلف السد كالبحر، وكانوا إذا أرادوا سقي زروعهم فتحوا من ذلك السد بقدر حاجتهم بأبواب محكمة وحركات مهندسة فيسقون حسب حاجتهم، ثم يسدونه إذا أرادوا.

 فسد مأرب رمز رقي اليمن فقد عاصر نشوء الحضارة، وشهد شمس ازدهارها، وكان انهياره إيذاناً بأفولها.

ولعلّ سد مأرب من عجائب الفن الهندسي، وكان فيه كما في غيره من مباني سبأ العامة من الرقي الهندسي ماينم على مجتمع محب للسلام عريق في الحضارة، لا في الأمور التجارية فحسب بل في الأعمال الفنية الرائعة أيضاً، فهو واحد من منشآت الري العديدة، بني بسبب حرصهم على استغلال كل قطرة ماء تسقط على أراضيهم التي تنعدم فيها المياه الدائمة الجريان.

تدل الدراسات الأولية الحديثة، والصور الجوية على أن المساحة التي كان يرويها السد شاسعة قدرت بأكثر من اثنين وسبعين كيلومتراً مربعاً، كما تدل آثاره الباقية على أن بناءه قد مر بمراحل عديدة فنما المشروع على مرور الأيام، وأنه تضخم وتجدد مع الزمن، ويستدل من النقوش التي عثر عليها على جدرانه أن الذي بناه أولاً المكرب سمة علي ينوف بن ذمار، وابنه يثع أمر بين، نحو القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد فهما المؤسسان لسد مأرب، وقد تهدّم وتصدع مراراً بعد أن صارع عوادي الزمن والطبيعة، وإهمال الإنسان طوال المدة التي كان قائماً فيها، ولا ريب فإنه تأثر بالتحولات السياسية والاقتصادية التي شهدتها اليمن قديماً، فأصلحه شرحبيل يعفر، وأضيفت إليه إضافات متعددة، حتى اتّخذ شكله النهائي في عهد شمر يهرعش نحو ثلاثمئة قبل الميلاد، ولكن اضطراب الأحوال في آواخر عهد الحميريين أدى إلى إهماله، وحدوث تصدع فيه، وقد حاول أبرهة الأشرم بعد الغزو الحبشي لليمن الذي امتد من عام 525م إلى 571م إصلاحه، وصرف على ترميمه أموالا طائلة أشير إليها في نقش أبرهة. ولكن ذلك لم يجد نفعاً فتخرب السد، وأغرق الأراضي الزراعية وأثر في الزراعة.

 

أطلال بعض منازل مأرب القديمة

 

أعمدة معبد الشمس (أو ما يعتقد أنه عرش بلقيس)

وللعرب روايات متعددة حول خراب السد في عهد عمرو بن عامر مزيقياء تميل إلى الخرافة، ويعزون لهذا الخراب هجرات الغساسنة إلى حوران في سورية، حيث أنشؤوا دولة اصطنعها الرومان في الدفاع عن تخومها وجعلها مجناً يحميها من غارات البدو. ويعزون لهذا الخراب أيضاً نزوح بني لخم إلى أرض الحيرة  في العراق وإنشاء دولة المناذرة الموالية للفرس وللغرض نفسه، وليس من شك في أنهم مغالون في هذا التقدير.

وقد ذُكر هذا السد والخراب  الذي لحق به في القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿فَأَعْرَضُواْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيِهْمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَي أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيل (سبأ 16)، وتناولت مخيلة العرب المتأخرين هذا الحدث الرائع فعللت حالة التأخر، والانحطاط في تاريخ الجزيرة الجنوبية، والتقهقر والانحلال في مرافق الزراعة، وانقضاء عصر الازدهار والتقدم الذي آلت إليه بسبب انفجار السد المنيع.

بقايا بوابة سد مأرب العظيم

ولم تكن مأرب العاصمة أقل شهرة من السد فقد عدّها بطليموس وسط الإقليم المناخي الأول على الأرض، واقترن ذكرها في كل مكان حتى صارت مطمعاً للدول والغزاة، وكانت هدفاً لحملة رومانية كبرى أرسلها الامبراطور أغسطس عام 24ق.م إلا أنها أخفقت أمام أسوار المدينة واضطرت بعد أيام إلى الانسحاب.

وتبين أبحاث معهد الآثار الألماني التي نشرت في عقد الثمانينات أن منطقة مأرب قد شهدت رياً زراعياً منظّماً في الألف الثالث قبل الميلاد، كما تدل خرائب المدينة الباقية على أنها كانت حاضرة كبيرة تحتل مساحتها 110هكتارات، وكان لها سور منيع عرضه نحو متر، وله ثمانية أبواب، ولم تكن مأرب عاصمة سياسية ومحطة تجارية فحسب، وإنما كانت تتمتع بمكانة دينية مرموقة.

أما اليوم فمأرب مدينة عامرة، وهي حاضرة محافظة كبيرة وقد شهدت تطوراً ملحوظاً منذ منتصف الثمانينات، وأقيم على واديها سد جديد سعته 400 مليون متر مكعب، بغرض سقي مساحة زراعية تجاوز عشرة آلاف هكتار. وفي أقاصي أسفل الوادي بمنطقة صافر أقيمت منشآت استخراج النفط، ومدت أنابيبه إلى ساحل اليمن الغربي على البحر الأحمر. وربطت مأرب بالعاصمة صنعاء فشقت طريق حديثة طولها160 كيلومتراً، وامتدت الطريق من مأرب إلى صافر.

شكران خربوطلي

 الموضوعات ذات الصلة:

سبأ (دولة ).

 مراجع للاستزادة:

ـ مطهر الأرياني، نقوش مسندية (مركز الدراسات والبحوث اليمني، 1990م).

ـ جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام (دار العلم للملايين، بيروت 1976م).

ـ محمد بيومي مهرات، تاريخ العرب القديم (دار المعرفة، الإسكندرية 1993م).

ـ الهمداني، صفة جزيرة العرب، تحقيق محمد ابن علي الأكوع الحوالي (دار اليمامة، الرياض، د.ت).


التصنيف : التاريخ
المجلد: المجلد السابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 421
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1080
الكل : 40517597
اليوم : 47412

ديليدا (غراتسـيا-)

ديليدا (غراتزيا -) (1871-1936)   تعد غراتزيا ديليدا  Gratzia Deledda الحائزة على جائزة نوبل للأدب لعام 1926 من أهم الروائيات الإيطاليات، وتنتمي أعمالها إلى المدرسة الطبيعية Naturalism، وقد كتبت أكثر من خمسين رواية. ولدت في نورو Nuoro في جزيرة سردينيا، وكان والدها عمدة القرية ومزارعاً يزرع أرضه بنفسه. عاشت ديليدا في بيئة اجتماعية صاخبة وودية، إذ كان والدها يستضيف الكثير من الزوار في مزرعته، وقد كان لهذه البيئة أكبر الأثر في تعرفها أنماطاً متنوعة من الشخصيات والموضوعات الاجتماعية التي كوّنت فيما بعد نواة لرواياتها.
المزيد »