logo

logo

logo

logo

logo

المودودي (أبو الأعلى-)

مودودي (اعلي)

Al-Mawdudi (Abu al-A’la-) - Al-Mawdudi (Abu al-A’la-)

المودودي (أبو الأعلى ـ)

(1321 ـ 1400هـ/1903 ـ 1979م)

 

أبو الأعلى بن أحمد المودودي، المفكر الإسلامي المتميز في القرن العشرين، ولد في «أورنج آباد» بمقاطعة «حيدر آباد الدكن» من أسرة تنتمي إلى الشيخ قطب الدين مودود الجشتي، مؤسس الطريقة الجشتية في الهند، والمودودي نسبة إلى «مودود» أحد رواة الحديث الشريف، قيل إنه جاء الهند مع الفاتح الشهير محمد بن القاسم الثقفي.

والده أحمد حسن، عابد زاهد، تخرج في جامعة عليكرة الإسلامية، عمل بالمحاماة وبالزراعة - مع ضيق الحال - وجه معظم وقته لدراسة الدين وتدريسه، وللذكر والعبادة، وله ولزوجته التقية الصالحة - أم المترجم - أكبر الأثر في حياة ولدهما أبي الأعلى.

تلقى المودودي تعليمه الأول على يد والده الّذي كان يكره الحكم البريطاني ومؤيديه وأساليبه في السياسة والسلوك والتربية, فآثر أن يعلمه بنفسه ولم يرسله إلى المدارس الإنكليزية. درّسه علوم العربية والقرآن والحديث والفقه واللغة الفارسية والأوردية، وكان قدوة صالحة له، جنّبه ألفاظ السوقة التي كان يلتقطها أحياناً من الشارع وسهر معه الليالي يحكي له قصص الأنبياء والتاريخ الإسلامي، والأحداث التاريخية والقصص والحكايات النافعة التي تحمل العظة والعبرة، ورافقه في زيارته أصدقاءَه من العلماء والصالحين، ليكتسب من صحبتهم ومجالسهم العلم والفضل والسلوك القويم.

ثم التحق بالمدرسة الثانوية في «أورنج آباد»، ثم بالمدرسة العليا فيها، فحصل العلوم الكونية, من فيزياء وكيمياء ورياضيات وغيرها قبل أن يضطر إلى الالتحاق بوالده في «حيدر آباد» الذي فاجأه المرض، ليتفرغ لخدمته وتمريضه مع والدته، إلى أن توفاه الله عام 1338هـ/1919م، وقد بلغ المودودي حينئذٍ السادسة عشرة من عمره.

وفي أثناء إقامته في دلهي، وفي الفترة ما بين 1921 حتى 1928 تهيأت للمودودي فرصة التعمق في الثقافة الإسلامية، إذ التقى نخبة مختارة من أهل العلم فقرأ عليهم علوم المعاني والبلاغة والمنطق، والآداب العربية، والتفسير والحديث والفقه والأصول، وحفظ غيباً موطأ الإمام مالك، وفي «دلهي» وفي مدة أربعة أشهر فقط تابع إتقان اللغة الإنكليزية، وحصل على فرصة الاطلاع على الآداب الإنكليزية، وكذلك التاريخ والفلسفة، والعلوم الاجتماعية الغربية، وقد مكنه ذلك من المقارنة بين ما تنطوي عليه الثقافة الإسلامية من كنوز، وما تتضمنه الثقافة العصرية من فوائد.

وفي الفترة من عام 1929 إلى 1932 أفرغ كما يقول العديد من خزانات الكتب والمراجع في ذهنه، استعداداً للمهمة الغالية التي وطن نفسه للقيام بها، ألا وهي الدعوة إلى الإسلام, في عصر مليء بالأفكار والتيارات والنزعات، بحيث يفرض على الداعية التزود بزاد علمي شامل.

كانت حياته سلسلة متصلة من العمل الدؤوب، والجهد المتواصل في سبيل الدفاع عن دينه الّذي آمن به وتربى عليه، والدعوة إليه بكل الوسائل والأسباب، وقد عايش أحداثاً جساماً شهدها العالم، أفرزت تيارات متعارضة كثيرة، فكرية وسياسية واجتماعية، حصلت بينها نزاعات عنيفة، شارك فيها المودودي بصفته مسلماً واعياً، ومفكراً عظيماً, بكل ما يملكه من فكر وقلم ولسان ومال.

ففضلاً عن الاستعمار الإنكليزي الجاثم على أرض الهند، فقد احتلت جيوش الحلفاء اصطنبول في 13 جمادى الآخرة 1337 16 آذار/مارس 1919 وألغيت الخلافة أو رمزها على الأقل، فلطالما وقفت في وجه الحلفاء، وكانت حاجزاً أمام الغزو الفكري والتبشيري الغربي، يومها بدأت الحركات الإسلامية في جميع أنحاء العالم الإسلامي تنطلق باتجاه مضاد، وقد شارك المودودي وهو في عنفوان الشباب في هذا التوجه مشاركة فعالة، فشارك في أعمال الغوث والمساعدة حين ألمّت بالهند مشكلات البؤس والحاجة، ومن منبر الصحافة أدى المودودي الصحافي الناشئ دوره، فكان لمقالاته الصدى المسموع والأثر المحمود، فجمع القلوب حوله داعية ناشئاً، وصحافياً إسلامياً غيوراً. وقد أسهم فيه بقوة بإصدار مجلته الشهيرة «ترجمان القرآن» التي أنشأها عام 1932 في حيدر آباد، وكانت بحق مناراً للثقافة الإسلامية ومنبراً فكرياً يتحدث من فوقه المودودي وغيره من أعلام الفكر والإسلام، وقام على إثره حزب «الرابطة الإسلامية» بزعامة محمد علي جناح 1876- 1948 ينادي بصراحة باستقلال الولايات ذات الأغلبية الإسلامية،, وذلك في مؤتمره الأول الّذي عقد في مدينة «لنكو» وقد لمع فيه نجم المودودي ولفت أنظار المسلمين وقياداتهم وخاصة الشاعر محمد إقبال، فأرسل إليه يدعوه لزيارة «لاهور» ليبدأا العمل معاً من أجل بعث الإسلام، لكن ذلك لم يتم لأن إقبال مات قبل زيارة المودودي له.

في عام 1941م أنشأ «الجماعة الإسلامية» وقادها بنفسه حين لم يستطع حزب الرابطة تحقيق الآمال التي كان ينشدها، فأعلن رسالة الجماعة الشاملة، واعتمادها لمبادئ الإسلام دستوراً لحياة الإنسان المسلم، واتخاذ الشريعة الإسلامية دستوراً للبلاد.

وقد بدأت هذه الجماعة بقيادة المودودي؛ والرابطة الإسلامية أيضاً بقيادة محمد علي جناح مرحلة جديدة من النضال والكفاح, وقيادة الجماهير المسلمة التي تعرضت لمحن الاضطهاد والمذابح على أيدي الأغلبية في حروب طائفية اشتعلت في كلّ مكان حتى كان التقسيم في عام 1947.

وفي داخل باكستان التي قامت أساساً على الإسلام، ولم يلتزم قادتها مبادئها، طالب المودودي السلطة وقادتها الالتزام بما يأتي:

1- أن تكون الحاكمية فيها لله وحده، وما على الحكومة إلا أن تنفذ أمر الله.

2- أن تكون الشريعة الإسلامية هي القانون الأساسي الوحيد لها.

3- إلغاء وإبطال كل ما يعارض الشريعة من قوانين وأنظمة.

4- ألاّ تتصرف الحكومة إلا ضمن الحدود التي رسمتها الشريعة.

لكن الحكومة رفضت ذلك وردت بهجمة مضادة، وكان الصراع بينه وبينها مريراً، فدخل السجن هو وأعوانه مرات، أولها عام 1948، ثم في عام 1953 عندما نشر كتاب «المسألة القاديانية»، ثم اعتقل في العام نفسه ومثل أمام محكمة عسكرية حكمت عليه بالإعدام شنقاً، وبعد الاستنكار الشديد داخل باكستان وخارجها خُفّف الحكم إلى المؤبد، ثم أُفرج عنه، وبعد مؤتمر طشقند عام 1966 الذي عقد في نهاية الحرب الهندية الباكستانية، وانتصرت فيها الباكستان بالمواقف البطولية التي وقفها المودودي وإخوانه في الدفاع عن البلاد، لم يرضَ عن قرارات هذا المؤتمر الذي عُد انتصاراً سياسياً للهند، ورأى أن نظام الحكم في باكستان يتجه إلى تحجيم النشاط الإسلامي في البلاد، وفي مواجهة ذلك دعا المسلمون وعلى رأسهم المودودي إلى تكوين ائتلاف حزبي باسم «الحركة الديمقراطية الباكستانية»، وانضم إلى هذه الحركة الأغلبية الإسلامية، لكنه مع حرصه الشديد على تجنب المواجهة حدث الصدام الهائل بين القوى الإسلامية ومعارضيها، وانتهى بانتصار المسلمين، غير أن السلطة أعلنت الأحكام العرفية في آذار/مارس 1968 وهوجمت مكاتب «الجماعة الإسلامية» في «لاهور» وأُحرقت المصاحف والكتب الإسلامية، واعتقل المودودي مدة شهرين ثم أُفرج عنه، وتواصلت المواقف المؤسفة التي استهدفت نشاطاته كلها حتى وفاته.

من خلال مقالاته التي كتبها في مجلته «ترجمان القرآن» ومحاضراته التي ألقاها في المناسبات، وخطبه الجُمَعيّة، وبياناته التي وزعت على الجماهير؛ ترك المودودي ما لا يقل عن سبعين مؤلفاً منها تفسير للقرآن الكريم، يقع في ثلاثين جزءاً، كتب معظمه أيام سجنه، وكل مؤلفاته كانت بالأوردية ترجم بعضها إلى العربية.

ومن هذه المؤلفات: «مبادئ الإسلام» و«المصطلحات الأربعة في القرآن» و«البيانات» و«أسس الاقتصاد بين الإسلام والنظم المعاصر» و«نظرية الإسلام الخلقية» و«الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية» و«واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم» و«مسألة ملكية الأرض في الإسلام» و«نظام الحياة في الإسلام» و«الربا» و«نحو الدستور الإسلامي» و«الدين القيم» و«نظرية الإسلام السياسية» و«الجهاد في سبيل الله» و«منهاج الانقلاب الإسلامي» و«الإسلام والجاهلية» و«ومعضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام» و«شهادة الحق» و«المسألة القاديانية» و«الحجاب» و«تفسير سورة النور» و«حقوق أهل الذمة في الدولة الإسلامية» و«الدعوة الإسلامية ومنهاج القيام بها» و«الحضارة الإسلامية ومبادئها» و«تفهيم القرآن» في ثلاثين جزءاً و«ماضي المسلمين وحاضرهم، وخطة العمل لمستقبلهم» و«تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند وباكستان» و«تاريخ إحياء الدين وتجديده» وغيرها.

مثلت هذه الكتب فكر المودودي السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني، وركز فيها على موضوعات «القومية والحاكمية والديمقراطية والدستور الإسلامي والحوار مع الفكر الغربي» وعُدّ بها من أبرز رواد الإصلاح الاجتماعي والسياسي الإسلامي، ويمثّل المحور الفكري للحركة الإسلامية الواعية، ومن أكبر منظّريها. وقد نال أول جائزة عن خدمة الإسلام والمسلمين من مؤسسة جائزة الملك فيصل العالمية.

كان صاحب فكرة إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وصار عضواً في مجلس الجامعة بعد تأسيسها.

كان عضواّ مؤسساً في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي.

محمد هشام برهاني

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ حمد بن صادق الجمال، أبو الأعلى المودودي، حياته وفكره (دار المدني، جدة، د.ت).

ـ أليف الدين الترابي، أبو الأعلى المودودي، عصره وحياته ( دار القلم، الكويت، د.ت).

ـ عبد المنعم الهاشمي، أبو الأعلى المودودي (دار ابن كثير، دمشق وبيروت 1417هـ/1996م).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 855
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 504
الكل : 29633578
اليوم : 13588

لين _ يوتانغ

لين (يوتانغ ـ) (1895ـ 1976)   لين يوتانغ Lin Yü-t’ang (Yutang) كاتب ولغوي صيني، ولد في لُن- تشي Lun-chi  في مقاطعة فو كيان Fu-kien، وتلقى تعليمه ليمشي على خطى والده الكاهن في الطائفة المسيحية المشيخية Presbyterian، إلا أنه تخلى عن الديانة المسيحية وهو في أوائل العشرينيات من عمره. درس في جامعات شانغهاي وهارفرد ولايبزيغ، وصار أستاذاً في فقه اللغة الإنكليزية في جامعة بكين، إلا أنه اضطر إلى ترك هذا المنصب بسبب الاضطرابات التي سادت هناك في الثلاثينيات من القرن العشرين. عاش بدءاً من عام 1936 في الولايات المتحدة، ولم يعد إلى الصين سوى في زيارات لم تدم طويلاً بسبب خلافه مع أقرانه حول مهمة الأدب، التي رأى أنها لا تنسجم وأهداف الحزب الشيوعي الصيني وتعليماته. سمي في عام 1954 رئيساً لجامعة سنغافوره، وتوفي في هونغ كونغ.
المزيد »