logo

logo

logo

logo

logo

النفاخ (أحمد راتب-)

نفاخ (احمد راتب)

Al-Nafakh (Ahmad Ratib-) - Al-Nafakh (Ahmad Ratib-)

النفَّاخ (أحمد راتب ـ)

(1345 ـ 1412هـ/1927 ـ 1992م)

 

أبو عبد الله، أحمد راتب بن فارس ابن مرسي النفّاخ، علامة الشام، انتهت إليه رياسة علوم العربية وعلوم القرآن في عصره، وهو من أعضاء مجمع اللغة العربية بدمشق والمجمع العلمي الهندي.

ولد في دمشق لأسرة عُرفت بالصلاح والتقوى وفَدَتْ إليها من «بعلبك» في أوائل القرن التاسع عشر، وكانت هذه الأسرة من قبل في قرية من قرى حوران اسمها «الغارية الغربية»، وهو حريري كما صرّح لبعض طلابه.

تلقّى علومه الأولى في «الكُتّاب» قرب مسجد الشيخ محيي الدين بن عربي في حيّ الصالحيّة وهو في نحو الخامسة من عمره، وتابع تعليمه في مدرسة «الصاحبة» الابتدائية، ثمّ في ثانوية التجهيز الأولى «جودة الهاشمي». وقد مهر منذ نشأته في العربيّة وبرّز فيها تبريزاً أفرده بين لداته، وطالما فاخر به أستاذه الشاعر محمد البزم وأثنى عليه.

ولمّا التحق بقسم اللغة العربيّة من كليّة الآداب «جامعة دمشق» وجد المجال رحباً لتفتُّح مواهبه والتفوق على أقرانه، فشهد له أساتذته أمثال أمجد الطرابلسي وسعيد الأفغاني بالمقدرة والفضل وأحلّوه المحلّ الأرفع. وتخرَّج في كليّة الآداب عام 1950م وكان مشروع تخرّجه بحثاً أعدّه حول الرافعي، ونال بعد عام شهادة أهليّة التعليم الثانوي من كليّة التربية، وعُيّن مدرّساً للّغة العربيّة في المدارس الثانويّة بحوران.

وفي عام 1953م عُيّن معيداً في كليّة الآداب بجامعة دمشق، ثمّ أوفد إلى جامعة القاهرة حيث نال درجة الماجستير عام 1958م عن رسالته التي كان موضوعها دراسة حياة الشاعر ابن الدمينة وشعره وعصره وتحقيق ديوانه. وفي مصر لازم الشيخ محمود شاكر في بيته، ولقي العلاّمة عبد العزيز الميمني، وقد أجازه هذا الأخير فيما بعد أن يروي عنه الحديث من الكتب الستّة وغيرها.

اختار النفاخ موضوعاً للدكتوراه في القراءات القرآنية مع تحقيق كتاب معاني القراءات للأزهري. وبعد أن أنجز القسم الأكبر من عمله وقدّمه إلى أستاذه المشرف شوقي ضيف بدا له أن يتوقّف عن إتمام ما بدأ، وعاد أدراجه إلى دمشق ليستأنف التدريس في جامعتها زاهداً في الألقاب عازفاً عنها، ولم تُجْدِ محاولات مشرفه الذي صرّح غير مرة أنّ ما أنجزه النفّاخ كافٍ لمنحه درجة الدكتوراه، بل إنه كتب بعد ذلك إلى جامعة دمشق يخبرها أن النفّاخ أنهى بحثه وما عليه إلاّ القدوم إلى مصر لإجراء الامتحان. وكذا لم تُجْدِ محاولات الشيخ محمود شاكر لثنيه عن عزمه هذا.

ولا ريب أن الأسباب التي دعت النفّاخ إلى العدول عن إتمام بحثه أو مناقشته كانت تخفي وراءها وَرَعاً منقطع النظير، وتأنّياً في البحث لا مثيل له، وقد صرّح لبعض طلبته أنّه كان في أثناء بحثه يُمضي أحياناً سنتين كاملتين لا يكاد يكتب فيهما نصف صفحة.

ومهما يكن فقد أمضى «الأستاذ» ـ كما كان يسميه طلابه ـ بعد عودته من القاهرة سبعة عشر عاماً في قسم اللغة العربيّة (1962ـ1979م) برزت فيها عنده صفة «المُعلّم» بأسمى معانيها، فقد فُطر على القراءة والبحث، وكان كما وصفه زملاؤه طُلَعَةً لا يريد أن يفوته شيء في الباب الذي ندب نفسه للقراءة أو للإقراء فيه، فأكبَّ على الكتب المصادر التي ألَّفها علماء العربيّة الأقدمون، ومازال يدارسها حتى كشفت له أسرارها وتبيّن أصولها ومراميها.

ومن تمام صفة «المعلم» فيه حرصه الشديد على أن يذيع بين تلامذته وإخوانه ومريديه أطرافاً من عبقريّة اللسان العربي المبين ليحببه إليهم، فكان لا يكتفي بالمحاضرات التي يلقيها على منبر الجامعة ولا بالحلقات التي كانت تُعْقَد في غرفته بالجامعة، بل كان يستقبل طلابه وزائريه في منزله، حيث يلتقي العالم قد جاء يستفتي في مشكلٍ صادفه، والطالب قد أقبل يريد العون في موضوعٍ تصدّى لمعالجته. والأستاذ النفَّاخ بين هذا وذاك لا يتوانى عن بذل الفوائد العلميّة والنصح والإرشاد في المنهج والتحقيق واقتراح الموضوعات للرسائل الجامعية، ومراجعة بعض ما كتبه طلاّبه أو قاموا بتحقيقه. وكثيراً ما ترى بين يديه كتاباً «أفسده محققه» لكثرة ما فيه من تصحيف وتحريف وسوء ضبط، فيدل طلابه على الوجه الذي ينبغي أن يكون عليه الكلام ويشرح لهم مراد المؤلف مستطرداً إلى مسائل في اللغة والنحو والعروض والقراءات وكأنه من علماء المئة الرابعة، بل إن ذهنه أقرب ما يكون إلى ذهن الخليل بن أحمد شيخ العربيّة في عصره.

وكان من تمام إيمانه بنشر العلم وبثّه أنه وضع مكتبته المترعة بنفائس الكتب بين أيدي طلاّبه وزائريه يبحثون فيها، ولم يكن يضنّ عليهم بإعارتها على ما رُزئ به من ضياع كثير من كتبه النفائس.

وإذا كانت مكتبة «الأستاذ» تغصّ بالنوادر والنفائس فإنّ أغلى ما فيها وأنفسه تلك التعليقات والتصحيحات وقصاصات الأوراق التي امتلأت بها كتبه، حتى غدت بعض الكتب التي علّق عليها مرجعه في معاودة كثيرٍ من المسائل.

كان الأستاذ النفّاخ على خُلُق كريم وفيّاً لأصدقائه محباً لإخوانه، شديد التعلّق بالمثل العليا والقيم الخلقية، قد أخذ نفسه بها أخذاً شديداً، وكان صريحاً صلباً في الحق، لم يعرف الهوادة، ولم يرض عن المصانعة، وفي هذا وحده ـ كما قيل ـ تفسير لمسلكه وصلاته بالناس، وكان هذا المسلك الصارم سبب تنكبه حيناً بعد حين عن أصدقاء خُيّل إليه أنهم دون ما كان يأمله فيهم، وكانت هذه الصدمات تزيده تشبثاً بموقفه وإصراراً على منهجه وابتعاداً عن دنيا الناس وواقعهم وزُهْدَاً فيما يرغبون فيه.

وقد وصفه بعض مَنْ ترجم له بأنه كان حاد المزاج متقلبه شديد الهجوم على خصومه الكثيرين. وهذا الوصف لا يخلو من مبالغة وإساءة؛ ومن يعرف النفّاخ عن قرب يدرك بلا عناء أنه صاحب مواقف ثابتة ظل يجاهر بها كل حياته، وأما حدّة المزاج فما كان يظهرها إلا عند حديثه عن إحساسه بالخطر الذي يستشعره محدقاً بأمته ومقومات وجودها، وإلا عند حديثه عن أولئك الذين يتسترون وراء الألقاب العلميّة ويسيئون فيما ينشرون إلى لغتهم وأمتهم بقصدٍ أو بغير قصد وقلّما كان يسمّي واحداً منهم.

ويكفي للدلالة على صحة مزاجه أن علاقته بطلابه الذين كانوا يقصدونه في بيته هي علاقة الأب بأبنائه، مفعمة بالحنان والمودة، ولا غرابة أن يشوبها شيء من الصرامة حين يقتضي الأمر ذلك.

وبعد إحالة الأستاذ على التقاعد وزع وقته بين عمله في المجمع حيث كان رئيس لجنة الأصول وعضواً في لجنة المجلّة، وبين تصدره في منزله مستقبلاً طلابه وأصدقاءه، زاهداً مترفعاً لا هم له إلا القراءة والإفادة.

لقد أدّاه حبّه للعربية وحرصه على إظهار تراثها المكنون محقَّقاً محرّراً أن يشقّ على نفسه حين يتصدى للتأليف أو التحقيق أو النقد، فكان يروّي في عمله ويتأنّى في خطواته، لا يقبل أول خاطر يهجم عليه بل يقلب وجوه النظر ويأخذ نفسه بالتثبت ويتشوّف إلى بلوغ الكمال.

وتفرّد «الأستاذ» بأسلوب في الكتابة متميّز، فيه من الإشراق والإبانة والعلوّ ما فيه، وكأنما هو صورة صادقة عن معالم شخصيته، ولئن كان أسلوبه يداني أساليب القدماء ولاسيما ابن جني، إنه سهلٌ واضحٌ يكاد يدرك مراميه القارئ المتوسط.

لقد هيّأ النفّاخ وكتب كثيراً ولكنه لم ينشر إلا القليل، وما نشره موزع بين كتبٍ ومقالات، فمن الكتب «ديوان ابن الدمينة» و«مختارات من الشعر الجاهلي» و«كتاب القوافي» و«فهرس شواهد سيبويه».

ومن المقالات: «رسالة الغفران» و«المحتسب» و«كتاب إعراب القرآن» المنسوب للزجاج، و«المعيار في أوزان الأشعار» و«نظرات في نظرات».

ومما لم ينشر من أعماله: «معاني القراءات» للأزهري، و«معاني القرآن» للأخفش، و«معجم لغة أبي العلاء»، و«الصاهل والشاجح» بالاشتراك مع أمجد الطرابلسي. وفي مكتبته دفاتر كثيرة جداً لم تتم فهرستها حتى اليوم.

توفي النفّاخ في دمشق ودفن في مقبرة الروضة على سفح جبل قاسيون مجاوراً ابن مالك (ت672هـ)، ومن الطريف أن الأستاذ كان دائم الانتقاد له ويتهمه بأنه أفسد النحو.

نبيل أبو عمشة

مراجع للاستزادة:

 

ـ مجلة مجمع اللغة العربية (ج1، م 67، 1992).

ـ مجلة مجمع اللغة العربية (ج3، م 72، 1997).


التصنيف : التاريخ
النوع : أعلام ومشاهير
المجلد: المجلد العشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 756
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 572
الكل : 29589126
اليوم : 44042

غنارسون (غنار-)

غُنارسون (غُنار -) (1889-1975)   غُنار غُنارسون Gunnar Gunnarsson روائي وكاتب قصة قصيرة أيسلندي. ولد في بلدة فالتيوفستاذُر Valthjofsstaur وتوفي في العاصمة ريكياڤيك Reykjavik. كان لنشأته في أيسلندا الأثر الرئيس في كتاباته، إذ كانت معيناً لا ينضب من الحكايات والأساطير المحلية التي كونت محور حياة الناس في الجزيرة. نشر مجموعتي شعر قبــل بلوغه السابعة عشرة وقبل مغادرته البلاد عام 1907 للاستقرار في الدنمارك، والدراسة في إحدى مدارسها الشعبية العليا Folkhøjskole.
المزيد »