logo

logo

logo

logo

logo

الدفق (علم-)

دفق (علم)

Rheology - Rhéologie

الدَّفْق (علم -)

 

الدفق rheology علم يدرس تشوه deformation المادة وجريانها، وبشكل خاص جريان السوائل غير النيوتوني، أي الجريان الذي لا تكون فيه إجهادات القص shear تمناسبة مع معدَّل القص مكملاً بذلك فروعاً مختلفة من فروع الميكانيك، هي المرونة elasticity  واللدونة plasticity وميكانيك السوائل hydraulics.

وتأتي أهمية علم الدفق من أن تطور التقنيات الحديثة أصبح يستلزم معرفة دقيقة لسلوك المواد الصنعية في ظروف التصنيع، ومعرفة طرائق استخدام هذه المواد ونقلها، سواء كانت معدنية أو لدنة (بلاستيكية) أو مطاطية أو نواتج بترولية أو دهانية أو عجينية أو حبرية أو صمغية.

وبسبب تنوع المسائل المتصلة بصفات الجريانات وتجددها وارتباطها بموضوعات متداخلة عدة، فإن البحث الدفقي يتطلب تعاوناً وثيقاً بين التقنيين والعلميين ليقوموا بدراسات متوازية سواء من الجانب التجريبي بدراسة العلاقات القائمة بين الإجهادات والتشوُّهات، أو من الجانب النظري بدراسة الشكل الرياضي لقوانين سلوك المواد أو ما يتصل ببنية الأجسام الغروانية colloidal أو الجزيئية molecular ذات الأبعاد العَيانية macroscopic المتعددة. إن موضوع الدفق واسع جداً ولا يمكن الإحاطة به دون العودة إلى الطرائق المستخدمة في تصنيف الأنماط المختلفة للسلوكيات ونماذجها.

فبين الحالتين الحديثتين، وهي حالة الجسم الصلب المطلق غير القابل للتشوه أبداً، وحالة السائل المائع تماماً، يُظهر الدفق سلسلةً طويلة من السلوكيات المختلفة.

ويُذكر في هذا الصدد أن الحالتين الأكثر بساطة، وهما حالة الجسم المرن وحالة المائع اللزج، مألوفتان في الميكانيك التقليدي. ففي حالة الجسم المرن تكون الإجهادات توابع للقيم الآنية للتشوهات العكوسة تلقائياً، والمحدودة والمستقلة عن الزمن الذي خضعت خلاله المادة إلى المؤثر التحريضي، وعن سرعة التشوّهات. وهنا لا علاقة للزمن بالسلوكية طالما بقيت سرعة القص متحكِّمة بقيم الإجهادات التي من شأنها، مهما كانت ضعيفة، أن تسبب جريانات غير عكوسة ومحدودة.

وفي الواقع فإن الحد الفاصل بين الجسم المرن والسائل شديد اللزوجة يكون غير واضح تماماً، وإن الاستجابة بين التحريض والمادة ذاتها يمكن أن يمر بمراحل متوسطة حسب الشروط الحرارية والميكانيكية السائدة.

فعلى سبيل المثال إن الزجاجيات المعدنية، التي تبدو صلبة وكسورة في اختبارات سريعة، تسيل على مر الأيام تحت تأثير قوى خارجية، كثقلها مثلاً، أو بسبب فروق درجات الحرارة، في حين تحافظ المحاليل المركِّزة للمطاط على أشكالها الأولية تقريباً مدة طويلة، ويُبدي الفولاذ في حالة معينة سلوكاً لزجاً، كما يمكن للصخور أن تعاني من تشوهات كبيرة لدنة دون أن تتهشم تحت تأثير ضغوط مرتفعة.

إن تتبُّع الأنماط الممارسة في الصناعة، مثل اختبار القساوة عن طريق قياس الأثر الذي تخلِّفه كريّة، أو عن طريق انغراز موشور مدبب، أو اختبار اللدونة بالسحق بين صحيفتين أو اختبار الرجوعية resilience بارتفاع الارتداد، أو اختبار اللزوجة عن طريق سقوط كرة في أنبوب مملوء بالمحلول المدروس، كل ذلك يسمح بموازنة نوعية العينات وفق المعايير المتفق عليها.

 

الشكل (1)

 
 

غير أن هذه الإجراءات التجريبية لا تسمح بتمييز الخواص الدفقية الذاتية للمواد لأن نتائج هذه التجارب تتأثر بوجه عام بعوامل ثانوية مشوشة مثل الاحتكاك بين السطوح والتسارعات الموضعية وتغيرات درجة الحرارة بمرور الزمن أو تغير المكان. وبالمقابل فإن عدداً قليلاً من التجارب الأساسية تسمح بتجنب هذه التعقيدات وتمكّن من مقارنة السلوكية الحقيقية للأجسام بسلوكية نماذج ميكانيكية بسيطة، والأكثر شيوعاً من بين هذه التجارب هي الاختبارات التي تتم بسرعة تشوه ثابتة، وقياس رد فعل مادة الاختبار سواءً في تمددٍ أو انضغاط وحيد المحور uniaxial، أو في القص البسيط بانزلاق طبقات مختلفة من العيّنات بعضها عن بعض. إلا أن الاختبارات التوازنية تفضل غيرها لأنها توضح ردود الأفعال المطلوب تعقّب تطورها زمناً طويلاً بعد إحداث تشوه بدئي سريع في نموذج. ويجري البحث حينئذ عن تغيرات الأبعاد في كل لحظة، أو عن القوة المطبقة على مادة الاختبار بحسب الحالة المدروسة، مع المحافظة على إجهاد ثابت (كما في اختبار التسيل أو اختبار التأخر) أو على التشوه كما في اختبار الارتخاء relaxation.

وإذا كان الاهتمام ينصب خاصة على الاستجابة الخطية، بدرجة محسوسة، للعينات إلى تحريضات سريعة ذات سعات ضئيلة تخضع فيها المادة تحت التجربة لاختبار توافقي، كالتشوهات التي تتغير مع الزمن على نحو جيبي، فإنه يمكن حينئذ، بالتشابه مع سعة العوازل الكهربائية dielectrics  وضياعها، تعيين مركبتي عامل المرونة وطوره phase  والمطاوعة التحريكية compliance.

إن ردود أفعال العينات، في حالة الأجسام شديدة القابلية للتشوه، بقص غير محدود وبتدرج سرعة ثابت، هي التي تميز اللزوجة.

وعندما تكون التشوهات أو تدرّجات سرعة القص كبيرة، فإن من النادر أن يشاهد التناسب الدقيق بين الإجهادات والتشوّهات (قانون هوك Hooke) أو بين الإجهادات وسرع التشوّه (قانون نيوتن Newton).

إن الانحرافات عن هذين القانونين والملاحظة على المخططات التي تعطي الإجهادات (σ) بدلالة التشوهات (ε) أو بدلالة تدرّجات السرعة (′ε) تسمح بمعرفة مدى ابتعاد السلوكيات الدفقية المختلفة عن سلوكيات جسم هوك الصلب أو سائل نيوتن أو سلوكيات جسم جاسئ rigid لدن الممثلة رمزياً في الشكل (1) على الترتيب بنابض ومخمَّد ومزلاق ذي معامل احتكاك ثابت. وحسب سيطرة هذه المركِّبة أو تلك من هذه السلوكيات، مأخوذة مثنى مثنى، يمكن تمييز ثلاث سلوكيات رئيسة هي السلوكية المرنة اللزجة، والسلوكية اللدنة المرنة، والسلوكية اللدنة اللزجة.

السلوكية المرنة اللزجة

غالباً ما تُعدّ مواد مثل الفولاذ والزجاج مرنة في درجات الحرارة العادية، بيد أن ملاحظتها بدقة تبين أن لها سلوكاً لزجاً أيضاً. ويبدو ذلك على شكل زحف creep زيادة التشوه مع ثبات الإجهاد أو على شكل ارتخاء الإجهاد المرن أو تضاؤله مع ثبات التشوه. ويمكن أن تكون بعض هذه الظواهر هامة ضمن شروط معينة للاستخدام.

إن دراسة هذه النظم الدفقية التي تظهر مزيجاً من ظواهر اللزوجة والمرونة في آن واحد أخذت زخمها من صناعة المطاط الطبيعي والاصطناعي ومن اللدائن والصناعات النسيجية الاصطناعية.

يمكن محاكاة كل سلوكية مرنة لزجة بسلوكية تجمّع للنوابض والمخمّدات على التسلسل أو على التوازي. غير أن النمذجة لا تكون ممكنة للجسم المرن اللزج، مثل البوليمرات العالية كالمطاط أو بعض المواد اللدنة في مدى واسع من الزمن أو الإجهادات، إلا إذا ازداد عدد عناصر النموذج المحاكي إلى ما لا نهاية. وحسبما تكون سلاسل الجزيئات الضخمة الطويلة، التي تؤلف هذه المواد متينة أو قابلة للتجزؤ، تتصرف هذه المواد كجسم صلب مرن أو كسائل لزج فيما إذا خضعت مدة طويلة كافية إلى إجهاد أو إلى تشوه ثابتين (الشكل -2) الذي يوضح مخططات التسيل والارتخاء.

 

الشكل (2)

 

 

الشكل (3)

 

الشكل (4)

السلوكية اللدنة المرنة

هي السلوكية التي يمكن أن تمثل نظرياً بنظم من النوابض والمزالق، (الشكل -3)، وإذا خضع نظام كهذا إلى تشوه متزايد فإن الإجهاد يزداد متناسباً مع التشوه في البدء، ثم يستمر هذا التزايد بدرجة أقل عندما تنزلق المزالق. وإذا تناقص التحريض بعد ذلك فإن مخطط تغير الإجهاد يختلف. إذ يرسم قوساً AB يقع تحت القوس الابتدائي OA، وإذا ما غيرت الجهة مجدداً، فإن النقاط الممثِّلة ترسم قوساً ثالثاً BA شاغلة وضعاً وسطاً. وإذا تكررت هذه العملية دون توقف بحيث يطبق النظام بالتعاقب على كل من الوضعين المعرّفين بالنقطتين A وB، فإن دورة البِطاء المرسومة لا تختلف عن تلك التي كانت في الجولة الأولى، أي أن هناك تكيفاً فورياً.

إن مثل هذه الاستجابة تشبه كثيراً استجابة القطع المعدنية التي لا تعود أبداً إلى أبعادها الأولية إذا ما خضعت إلى قوة تتجاوز حداً معيناً يدعى نقطة الإذعان yield point، دون أن يتعلق التشوه الدائم الحاصل، بوجه عام، كثيراً بمدة التحريض، وذلك في درجات الحرارة العادية على الأقل. وفي الواقع إن نقطة الإذعان السابقة، التي تعبر عن التطريق الميكانيكي المرتبط بتعديلات البنية، ليست محددة بشكل واضح، فهي تعلو مع تعاظم التشوهات المفروضة وتنخفض مع الإجهادات ذات الإشارة المعاكسة. أضف إلى ذلك فإن دورات البِطاء المتعاقبة لا يمكن أن تستقر إلا تدريجياً أو أنها تستمر في الدوران إلى ما لا نهاية.

السلوكية اللدنة اللزجة

إن النماذج القادرة على أن تأخذ بالحسبان سلوكيات لدنة لزجة تتكون من تجمّع مخمّدات ومزالق، ويمثل     الشكل (4) أكثر هذه السلوكيات بساطة.

لا يحصل الجريان في هذه الحالة إلا ابتداء من عتبة إجهاد مميزة، وتزداد سرعة التشوه بعد ذلك خطياً، كدالّة للإجهاد، شأنها في ذلك شأن أي جريان نيوتوني بسيط، ويعطي اختبار التسيل على مثل هذا النظام عند تجاوز عتبة اللدونة مخططاً يبينه الشكل (4). إن اللزوجة الظاهرة، والتي تُعطى بنسبة الإجهاد إلى سرعة التشوه، تقل مع سرعة التشوه، ويؤدي هذا إلى إسالة المادة. ويلائم هذا النوع من النماذج الفلزات في درجات الحرارة القريبة من درجة الانصهار، والعجينة عند التشكل، والزبدة، والإسمنت قبل التصلّب، وبدلاً من الإسالة تشاهد في حالات أخرى، كحالة المعلّقات المائية للنشاء مثلاً، ظاهرة معاكسة هي ظاهرة التجمد، وتزداد اللزوجة الظاهرة حينئذ مع ازدياد السرعة. ويمكن من جهة أخرى أن تزداد الإسالة (أو التجمد) أو أن تقل مع مدة تطبيق السرعة. ويشاهد أيضاً في حالة الأجسام التي تسيل بالرج thisotropic مثل معلّقات الصلصال والدهان، سيلان تدريجي يختفي بعد مدة زمنية معينة من السكون. ويدل هذا على أن إعادة بناء البنية المؤلفة من الجزيئات المبعثرة لا تلي مباشرة التوقّف عن الرج.

يمكن تعميم جميع المخططات الابتدائية السابقة على الأبعاد الثلاثة للفضاء، وهذا ما يسمح بسلوك طريقة المحاكاة في دراسة تغيرات الحجم الآنية أو التدريجية التي ترافق التشوهات أو الضغوط السكونية المائية. ولما كان لابد من إدخال درجة الحرارة كمتحول في هذه النماذج الرياضية العامة، فإنه لا يمكن إلا أن يكون للدفق علاقة مع التحريـك الحراري أو الترموديناميك[ر].

 

فواز الديري 

مراجع للاستزادة:

ـ فواز الديري وفايز فلوح، الجزيئات الضخمة (دار الطباعة الحديثة، دمشق 1982)

- Frederick Eirich, Rheology, 3 vols (New York 1960).

 


التصنيف : الرياضيات و الفلك
النوع : علوم
المجلد: المجلد التاسع
رقم الصفحة ضمن المجلد : 294
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 522
الكل : 29595294
اليوم : 50210

عقراوي (متى-)

عقراوي (متَّى ـ) (1901ـ 1982)   متَّى عقراوي مُرَبٍّ عراقي، بدأ دراسته في العراق، وتابعها في الجامعة الأمريكية في بيروت، فنال درجة البكالوريوس، ثم في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فحاز درجة الدكتوراه في كلية المعلمين بجامعة كولومبيا عام 1942. عمل مديراً للتعليم العالي في العراق، ثم انْتُدِبَ للعمل في قسم التربية باليونسكو في باريس، فاكتسب خبرة واسعة بالتربية المقارنة عن طريق الدراسات الأكاديمية المختصة والزيارات الميدانية المتكررة للمؤسسات التربوية في أوربا وفي الولايات المتحدة الأمريكية.
المزيد »