logo

logo

logo

logo

logo

الموت

موت

Death - Mort

الموت

 

الموت death هو عدم الحياة لما من شأنه أن يكون حيّاً؛ أو هو نهاية الحياة، وضدّ الحياة. أو هو تعطّل القوى عن أفعالها؛ وترك النفس استعمال الجسد. والموت كيفية وجودية تطاُل كل شيء، فلا يتصور إلا في ماله وجود؛ بما فيها الجمادات. وهو نوعان: طبيعي واخترامي، والطبيعي يقال له: الأجل المسمى، وهو انقضاء الحياة بالأسباب اللازمة الضرورية. والموت الاخترامي هو انطفاء الحياة لا للأسباب الضرورية، بل بعارض، كقتل أو غيره.

نشأت مشكلة الموت في وجدان الإنسان منذ أقدم العصور، وشغلت عقله؛ وما تزال، وحار في أمرها وتفسيرها، وعجز عن فهمها باستثناء تفسيرات فلسفية ودينية وعلمية. وأولتها كل حضارة وديانة وثقافة عنايتها، وطالما تطرق الفلاسفة لها، وولجها الأدباء. ولا توجد فكرة حظيت بهذه الأطنان من الكتابات كفكرة الموت، فقد انشغل في حقيقتها الفكر الشرقي القديم ولاسيما فكر المصريين القدماء الذين قالوا - للتخلص من عذابها - بفكرة الخلود والعودة إلى الحياة. وقد انعكس هذا واضحاً في علومهم (التحنيط والكيمياء) وفي فنونهم في بناء المدافن، والعمارة والنحت، وفي أساطير الخلق البابلية كملحمة «غلغامش»[ر]، وأدبيات اليونان كملحمة هوميروس «الإلياذة»[ر].

ولم يغفل فلاسفة اليونان القدامى عن التفكير بالموت، فرأى فيثاغـورس[ر] Pythagoras الذي آمن بالتناسخ أن الموت هو عـملية تطهير من دولاب الولادات المستمر وأن الروح تتطهر قبل أن تغادر الجسد. وذهب أنكسيمندر[ر] Anaximander إلى أن الأشياء تنحل إلى الأصول التي نشأت منها وفقاً لما جرى به القضاء، وأن الموت هو عـقاب عـلى الجريمة الفردية، وأما عـند هيراقليطس[ر] Heraclitus فالموت شيء طبيعي؛ لأن من طبيعة الحياة التغير مع وحدة الأضداد فمن الموت تخلق الحياة.

وكان بارمنيدس[ر] Parmenides ينكر إمكانية الفناء الشامل والنهائي في عـملية الموت؛ لأن مبدأ الثبات عـنده يكشف عن رؤية وحدة الحياة والموت وأن الموت هو وهم بوصفه أكثر ضروب التغير والتكثر والتحول، وأما إمبدوقلس Empedocles، فأكد - مثل فيثاغـورس - تناسخ الأرواح وأصلها الإلهي، وليس الموت سوى تحلل العناصر الأربعة التي يتركب منها الكائن الحي. وجاء أنكساغـوراس Anaxagoras فأراد أن يقـلل من الخوف من الموت، فرأى أنه من الممكن تحقيق الخلود بالبحث الدائم في النظام الذي يسود الكون، وأنه لا يجوز أن يصرفنا الخوف من الموت، عن البحث العقلي في نظام الكون المحكوم بالقوانين الثابتة. وذهب ديموقريطس[ر] Democritus إلى أن الموت تغيّر طبيعي وضروري، والروح فانية لأن ذراتها الدقيقة واللطيفة المؤلفة منها تتحلل وتتبدد عـند الموت.

أما سقراط[ر] Socrates الذي واجه حكم الإعـدام بشجاعـة نادرة؛ فرأى أن الموت ليس شراً، ولكنه خير للفاضلين والأخيار، وأنه رحلة إلى عـالم أجمل وأنقى وأكمل؛ إلى عـالم لا شرور فيه ولا ظلم وذهب أفلاطون[ر] Plato بأن النفس خالدة، وأن غاية التفلسف هو أن نتعلم كيف نتصالح مع الموت؛ بأن نتعلم أن تتصل أسبابنا بما هو أبديّ بوساطة التأمل الفلسفي، وخلافاً لهذا قال أرسطو[ر] Aristotle بفناء البشر، فليس هناك خلود فردي وإنما الخلود للنوع الإنساني، فالعـقـل هو جوهر خالد.

وقللت الفلسفة الرواقية[ر] Stoicism والأبيقورية[ر] Epicureanism من شأن الموت، فكان الرواقـيون ينصحون للتغلب على الخوف من الموت بالتفكير فيه باستمرار بوصفه قدراً، ورأى سينيكا[ر] Seneca أن رهبة الموت لا تليق بالفلاسفة، فقال عن الحياة: «إنها عرس قد دعينا إليه، وينبغي أن ننسحب منه في الوقت المناسب وبكرامتنا، أو إنها رواية نيطت بنا أدوار فيها لم نخترها لأنفسنا، وعلينا أن نحسن القيام بها طبقاً لما هو مطلوب منا» وكان الأبيقـوريون يرجعون الخوف من الموت لما يصاحبه من ألم، فالمرض هو المؤلم، لكن الموت نفسه ليس سوى إغفاءة، فلا وجود للحياة مع وجود للموت.

وفي الفلسفة الحديثة، نصح اسبينوزا[ر] Spinoza بالانصراف عن التفكير في الموت - بوصفه عملاً لا يتناسب وحرية الإنسان - لأنه تفكير يصرفه عن التفكير في الحياة. وعلى العكس من ذلك، ينظر شوبنهور[ر] Schopenhauer إلى فكرة الموت على أنها عروس الفلاسفة: «إن الموت مصدر وحي فلسفي وهو قـوة الدفع الكامنة وراء التفـلسف الذي يهدف إلى السيطرة عـلى الخوف من الموت والتصالح مع حتميته». ويذهب إلى شيء من ذلك نيتشه[ر] Nietzsche؛ فيقول: إنه «على الإنسان الأعـلى أن يسعى للموت وأن يعيش في خطر وأن يحتضن فكرة الموت في فرح وفخر بوصفها النهاية الطبيعية لكل حياة». كما يجد باسكال Pascal أن عـظمة الإنسان تتجلى في وعيه للموت: «فالإنسان قـصبة فارغـة إزاء الموجودات العملاقـة، ولكن هذه القـصبة وحدها تعـلم أنها كائن سيموت».

وغازل الوجوديون من كيركغارد[ر] Kierkegaard حتى سارتر[ر] Sartre فكرة الموت، حتى لقبوا بفلاسفة الموت، وفي ذلك قال كامو Camus «بأن الانتحار هو قمة التفلسف». فإذا كانت الوجودية[ر] Existentialism لا ترى في الواقع الإنساني إلا البؤس، فهي تنصح لتحقيق السعادة أن يقبل الإنسان بفكرة الموت، ويواجهها مباشرة،  فالموت وعي بالحياة. لذلك طلب سارتر «أن ننفتح لفكرة الموت؛ لأننا بها يرهف وعينا للحياة، فطالما نعلم بأننا مائتون؛ سنسعى في إلحاح طلباً للحياة». وأضاف هايدغر[ر] Heidegger «أن الوعي بالموت يستثير في الإنسان وعيه بفرديته؛ ذلك لأن موتي هو الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يؤديه آخرون عني، والوعي بأن الموت موتي أنا يزيد إحساسي بذاتي وبفرديتي، ولامبالاتي بالموت هو رفض لفرديتي وقبول مني بأن أعيش بلا أصالة». ورأى كيركيغارد في الموت «حدّاً لوجودنا في الحياة، فالموت ينهي صيرورتنا، وينهي تفردنا، وينهي أسرارنا وآمالنا، ويجعـلنا نمثل أمام الله». وكذلك طالب يسبرز[ر] Jaspers «أن ننظر إلى الموت من منظور فكرة الاكتمال أو التحقـق، فالموت مشكلة حيوية تمس وجودنا في الصميم لأنه تحقـق واكتمال، لاراحة وسكون».

وقد وجد علم النفس في الموت مشكلة تستحق التصدي لها،  فتطرق لها فرويد[ر] Freud بالدراسة والتحليل، وشبّه الحياة دون الوعي بالموت بقصة حب أفلاطونية لا طائل منها، أو بلعبة تُلعَب دون مخاطر، كما دعت الجمعية السيكولوجية الأمريكية سنة 1950 إلى عقد ندوة تتناول مشكلة الموت.

وتختلف الأديان في نظرتها إلى الموت باختلاف نظرتها إلى مفهوم الروح، ففي حين يؤمن أتباع الديانات الإبراهيمية بأن هناك حياة أخرى بعد الموت تعتمد على إيمان البشر وأفعالهم، فينالون العقاب في النار أو الثواب في الجنّة؛ يؤمن أتباع الديانة البوذية[ر] بدورة من الولادة إلى الموت، وإعادة الولادة لا يخرج منها الإنسان إلا بالوعي الكامل لحقيقة الوجود. وتؤمن ديانات أخرى بتناسخ الأرواح، كما يعتقد الملحدون عموماً أن الموت يؤدي إلى فناء الجسد والروح.

وقـد قـدمت المسيحـية تصوراً «لمشكلة الموت» فيه عـزاء للإنسان. فأتى الكتاب المقدس على ذكر نصوص كثيرة تتحـدث عن ملكوت الرب والحياة الأبدية، والنعـيم الدائم، وعن الـبعـث والحـساب، وقـيامة الأموات في يوم الدينونة، وعن أنواع عديدة للموت، أهمها: الموت الروحي؛ وهو موت الخطيئة: «وأنتم إذ كنتم أمواتاً بالخطايا والذنوب» (إف 2: 1)، والموت الجسدي، والموت الأبدي، وموت الإيمان في حياة الإنسان: «لأنه كما أن الجسد بدون روح ميت هكذا الإيمان بدون أعمال ميت» (يعقوب 2: 26).

ولاحـقـاً تحـدث اللاهوتيون المسيحـيون عـن الموت، فأعـطوه معـاني شتى؛ منها: الموت الطبيعـي الذي هو نهاية الحـياة العـضوية. ثم أخـيراً الموت الصوفـي الذي هو الانتصار الخـالد على الموت العـضوي؛ وبه يتحـقـق الاتصال المباشر بالحـياة الخـالدة.

وقدّم الإسلام في الموت وجهة نظر متكاملة، وجاء ذكر الموت والعـالم الآخـر في أكثر من خـمسين موضعـاً في القـرآن الكريم. قال الله تعالى: )الذي خـلقَ المَوتَ والحَـياةَ ليَبْلوَكم أيُّكم أحسنُ عملاً( (الملك 2). فالروح من أمر الله، وليست من المسائل التي يمكن أن يعيها عقل بشر؛ قال تعالى: )ويسألونَكَ عنِ الرُّوحِ قُل الروح مِنْ أمرِ ربِّي وما أوتيتُم منَ العِلْمِ إلاَّ قليلاً(. (الإسراء 85). )كلُّ نفسٍ ذائقةُ الموت( (الأنبياء 35)، )ولا تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموت( (لقمان 34) و)أينُما تكونًُوا يدركْكُمُ الموتُ ولو كُنْتُم في بروجٍ مشيَّدةٍ( (النساء 78). وقـال سبحانه: )كيفَ تكفـرونَ باللهِ وكُنْتُم أمواتاً فَأَحْـياكم ثمَّ يميتُكم ثمَّ يُحـيِيكم ثمَّ إليهِ تُرجَعُـون( (البقرة 28). والمؤمن حقاً لا تزعجه فكرة الموت؛ لأن الله عزّ وجلّ أنزل السكينة عليه: )يا أيَّتُها النَّفـسُ المطمئنَّةُ ارجـعِـي إلى ربِّكِ راضيةً مرضيةً فادخِلي في عبادِي وادخِلي جنَّتِي( (الفجر27-30).

وقـد فـهم المتصوفة المسلمون الموت انسجـاماً مـع تعـاليم الإسلام، فـرأوا أن الوجود الروحي أبقى وأخـلد وجـدير بالدفـاع عـنه من أيّ وجود، وموت الصوفيّ هو يوم الفـوز والانتصار عـلى الـذات الفـردية بما فـيها من رغـبة وأنانية؛ فبالموت  يتحـقـق الاتصال المباشر بينه وبين الله تعـالى.

هيفرو ديركي

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

التصوف ـ القرآن الكريم ـ الوجودية.

 

 مراجـع للاستزادة:

 

ـ سارتر، الوجـود والعدم، ترجـمة عـبد الرحـمن بدوي (دار الآداب، بيروت 1966).

ـ زكريا إبراهـيم، مشكلة الإنسان (دار مصر، 1964).

ـ مجـدي إبراهـيم، مشكلة الموت عـند صوفـية الإسلام (مكتبة الثقـافـة الدينية، القـاهـرة، ب.ت).

ـ أحـمد محـمد عـبد الخـالق، «قـلق الـموت»، عـالم المعـرفـة، الكويت، عـدد 111، 1987.


التصنيف : طب بشري
النوع : صحة
المجلد: المجلد التاسع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 826
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 580
الكل : 29615295
اليوم : 70211

دوفاليرا (ايمون-)

دوفاليرا (إيمون -) (1882-1975م)   إيمون دو فاليرا Eamon de Valera، رجل دولة وبطل استقلال أيرلندا، ولد في نيويورك في الولايات المتحدة في تشرين أول، لأم أيرلندية وأب إسباني توفي حين كان في الثالثة من عمره، فأرسل إيمون إلى أيرلندا حيث تعهده خاله بالرعاية والعناية. تلقى تعليمه في مدارس دبلن، ثم انتسب إلى الجامعة الملكية عام 1901، حيث أثبت تفوقه وخاصة في دراسة الرياضيات. وبعد تخرجه عام 1904 مارس مهنة التعليم في عدة معاهد كاثوليكية. تزوج عام 1910 امرأة أيرلندية أنجبت له بنتين وخمسة أبناء.
المزيد »