logo

logo

logo

logo

logo

البلازما (في الفيزياء)

بلازما (في فيزياء)

Plasma - Plasma

البلازما (في الفيزياء)

 

البلازما Plasma وسط غازي شديد التأين (التشرد)، يتألف من عددٍ متساوٍ تقريباً من الشحنات الموجبة والشحنات السالبة التي هي إيونات حرة وإلكترونات حرة، فتسبب القوى الكهربائية الفاعلة بين هذه الشحنات سلوكاً مختلفاً لهذا الغاز عن الغاز العادي المعتدل كهربائياً.

يتأين الغاز عندما يسخَّن إلى درجة حرارة عالية كافية، إذ يؤدي تهيجه الحراري إلى تصادمات عنيفة بين ذراته وجزيئاته ينشأ عنها اقتلاع إلكترونات منها تصبح حرة، في حين تتحول الذرات أو الجزيئات التي فقدت إلكترونات إلى إيونات موجبة الشحنة، وتتحول تلك التي اكتسبت إلكترونات إلى إيونات سالبة. وكلما ازداد التأين سيطرت القوى الكهرمغنطيسية ما بين الأيونات والإلكترونات على سلوك الغاز المتأين ليعد حالة جديدة سميت البلازما. وقد وضع هذا المصطلح العالم إيْرِفنغ لنْغموير Irving Langmuir عام 1928، وسمى الاهتزازات الفائقة التواتر التي تظهر في الغازات الشديدة التأين اهتزازات البلازما.

اقتصرت الأعمال التجريبية قبل أربعينات القرن العشرين على دراسة الانفراغ في الغازات الضعيفة التأين، وهي دراسة تركزت في أغلب الأحيان على آلية الاصطدام ولاسيما ظاهرة التأين، مما جعلها أحد ميادين الفيزياء الذرية، كما أن الدراسات التجريبية للآثار الحدية كانت الراجحة، ولكنها لم تفسَّر بأي نظرية عامة وظلت بلا رابطة تربط بينها.

بدأ ازدهار فيزياء البلازما منذ عام 1950 عندما برزت مسألة من أكثر مسائل الفيزياء المعاصرة جذباً وتعقيداً، وهي تفاعل الاندماج النووي الحراري الذي أعطت بحوثه دفعة عظيمة للبحوث النظرية والتجريبية وللتقنيات. وقد برزت صعوبات عدة، ذلك لأن هذا الاندماج النووي يستدعي الحصول على بلازما كثيفة وحارة جداً لابد من احتباسها وحصرها كما لابد من مراقبة الاندماج والسيطرة عليه.

تعد البلازما أكثر الحالات انتشاراً في الطبيعة فأكثر من 90% من مادة الكون في حالة البلازما كماد في النجوم، ولاسيما الشمس التي تتألف من غازات متأينة في درجات حرارة عالية جداً، كما توجد البلازما في أجواء الكواكب السيارة planetes وفي أجواء الأرض العليا كالغلاف المتأين ionosphere، حيث يعود التأين إلى جسيمات سريعة جداً يشع بعضها من الشمس. وتوجد البلازما كذلك فيما بين الكواكب السيارة وما بين النجوم. أما على سطح الأرض فمن النادر أن توجد البلازما في الشروط الطبيعية الأرضية ولكنها توجد في اللهب وفي الانفجارات وموجات الصدم، إذ يحدث التأين بارتفاع درجة الحرارة، كما هو الأمر في مصابيح الإضاءة المتفلورة وفي الأقواس الكهربائية والبرق الجوي، وتعمل الحقول الكهربائية على تسريع الإلكترونات التي تؤين الجزيْئات باصطداماتها. وقد توجد البلازما أيضاً في الإلكتروليتات والأجسام الصلبة من المعادن وأنصاف النواقل[ر].

أما في المختبر فقد ازداد استعمالها أكثر فأكثر في الإلكترونيات وتقانتها بسبب خواصها. فهي مثلاً تستخدم في تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة كهربائية في مولدات تحريك الموائع المغنطيسي Magnetohydrodynamic generators وفي الدفع الإيوني في المحركات النفاثة، ومن أهم تطبيقاتها تحقيق مفاعل الاندماج النووي الحراري المسيطر عليه، وذلك بتحقيق بلازما من الديتريوم deuterium أو من خليط من الديتريوم والتريتيوم [ر: الهدروجين] ويبين الشكل أنماطاً مختلفة للبلازما وكثافة الإلكترونات  كـ أ  فيها ودرجة حرارتها دأ.

خواص البلازما

1ـ السلوك الجماعي

تتصف قوى التفاعل المتبادل interaction بين الجسيْمات في غاز غير متأين بأن نصف قطر فعلها صغير جدا،ً ولا يظهر تأثيرها في مسارات الجسيمات إلا في لحظات قصيرة جداً، وذلك عندما يكون الجسيمان قريبين جداً أحدهما من الآخر. وفيما عدا ذلك يتحرك كل جسيم حركة حرة عملياً. وقد تم التحقق من صحة نموذج الاصطدام الثنائي binary بين جسيمين على نحو جيد، ولاقت النظرية الحركية للغازات المبنية على هذه الفرضيات (أي في حالة كثافات ضعيفة واصطدامات ثنائية) نجاحاً كبيراً.

ويصح ما سبق في حالة البلازما الضعيفة التأين نسبياً، إذ توجد أيضاً التفاعلات المتبادلة الثنائية بين جسيم معتدل وجسيم معتدل أو مشحون، ويكون نصف قطر فعلها قصيراً نسبياً، ويكون الاصطدام الثنائي مُرضياً أيضاً. أما إذا كانت الجسيمات مشحونة فإن قوى التفاعل المتبادل والقوى الكهرمغنطيسية والقوى الكولونية (نسبة إلى الفيزيائي الفرنسي كولون Coulomb) يكون مدى تأثيرها كبيراً جداً ولا يمكن حينئذ وصف التفاعلات المتبادلة على أنها اصطدامات ثنائية، ذلك لأن مسار كل جسيمٍ يتأثر بالحقول الناتجة من سائر الجسيمات التي تولد حقلاً كهربائياً وسطاً يحدد مسار الجسيم المشحون، وهذه الخاصة الجماعية هي خاصة أساسية للبلازما.

2ـ أثر الحجب (الحاجز) واهتزازات البلازما وشروط وجودها

تتعلق خواص البلازما بالتفاعلات الجماعية المتبادلة بين الجسيمات المشحونة، بيد أن هذه التفاعلات لا تُظهر خاصتها الجماعية إلا بعد مسافة حرجة تسمى نصف قطر ديباي Debye (فيزيائي أمريكي 1884- 1966). ويمكن فهم هذه المسافة بتصور شحنة موجبة تحيط بها إلكترونات تخضع لقوتين متعاكستين: قوة التجاذب الكولوني التي تؤثر بها الشحنة الموجبة وقوة أخرى سببها تهيج الإلكترونات الحراري وينجم عنها تدرج الضغط، ويضمن التوازُن بين هاتين القوتين عدم الاتحاد بين الشحنات الموجبة والسالبة في البلازما. وتتحدد في هذه الحالة مسافة حرجة تتعلق بدرجة الحرارة وكثافة الإلكترونات؛ وتتكون في هذه الحالة غمامة من الإلكترونات حول كل إيون، وتقوم بدور حاجز كهرساكن في وجه الشحنات الموجودة خارج كل غمامة، في حين تخضع الإلكترونات دون هذه المسافة لقوة جذب الإيون وتتفاعل معه تفاعلات متبادلة ثنائية. أما الإلكترونات خارج هذه المسافة فتخضع لقيمة متوسطة لحقل كهربائي ناتج من تراكب مختلف الحقول الكهربائية الأخرى التي يولدها كل إيون محاطٍ بغمامته الإلكترونية. وتكون البلازما القليلة الكثافة ودرجة الحرارة في هذه الحالة تصادمية وتشبه الغاز العادي في خواصها، ولكنها تختلف عنه بأنها ذات ناقلية كهربائية. أما إذا تجاوزت هه المسافة، فإن جميع التفاعلات المتبادلة تكون تقريباً جماعية، وتكون البلازما غير تصادمية، وهذا هو حال البلازما الكثيفة التي تزداد كثافتها كلما ازدادت درجة حرارتها.

ومن مظاهر هذه الخاصة الجماعية للتفاعلات وجود اهتزازات في البلازما، إذ عند انزياح جسيماتها المشحونة سلباً (الإلكترونات مثلاً) من وضع توازنها، يحدث نقصان في الشحنة السالبة، يبدو كشحنة موجبة مما يؤدي إلى نشوء حقل كهربائي يحاول إعادة هذه الجسيمات المشحونة إلى وضع توازنها، ولكن هذه الجسيمات تتجاوز، بسبب عطالتها، هذا الوضع وينعكس الحقل الكهربائي فيؤدي ذلك إلى حدوث اهتزازات في البلازما ويعطى تواتر هذه الاهتزازات بالعلاقة   حيث كـ أ عدد الإلكترونات في المتر المكعب.

وتجدر الإشارة إلى أنه تبقى في البلازما القليلة الكثافة الناتجة من تأين غاز معتدل بعض الجسيمات المعتدلة التي تصطدم اصطداماً متواتراً مع الإلكترونات فتقوِّض تماسك اهتزازاتها، ولا يظهر السلوك الجماعي، من ثم، إلا إذا كان عدد التصادمات بين الإلكترونات والجسيمات المعتدلة في أثناء دور الموجة أصغر كثيراً من الواحد.

الظواهر الرئيسية في البلازما

من بين الظواهر الكثيرة الملاحظة في البلازما والتي تميِّز هذه الحالة للمادة، إضافة إلى أثر الحجب واهتزازات البلازما، يمكن ذكر الظواهر التالية:

الحالة المستقرة: تنتثر الإيونات والإلكترونات معاً في حالة الانتثار الثنائي ampipolar diffusion بسبب التجاذب المتبادل أو يكون معامل الانتثار متوسطاً بين معامل انتثار الإلكترونات الحر ومعامل انتثار الإيونات الحر، وتتكون بالتالي مناطق لاتحوي إلا شحنات من نوعٍ واحد فقط في جوار المساري أو الجوانب. ويستخدم مسبار probe لنْغموير الذي يعتمد على خواص هذه المناطق لقياس درجة الحرارة الإلكترونية وكثافة الإلكترونات والإيونات.

وتدور الإلكترونات في مدارات دائرية بتأثير حقل مغنطيسي مستقر ساكن وهي تعادل بذلك مغانط صغيرة، مما يؤدي إلى نزع مغنطة البلازما. وبوجه عام، يتيح تحليل القوى التي تؤثر عند حدود البلازما تعرُّف تشكيلات تراكم الشحنات، ومن ثم، تحديد مواصفات أجهزة الحصر confinement.

الحالات غير المستقرة: تظهر في الأوضاع المضطربة، ولاسيما الدورية منها، مع الزمن، خاصتان متعاكستان تتضحان كلما كانت البلازما غير تصادمية، وهما خاصية الناقلية الجيدة في حالة التواتر المنخفض، وخاصية العازلية الجيدة في حالة التواتر العالي. فحين يكون التواتر منخفضاً تظهر خواص تحريك الموائع المغنطيسي[ر] (MHD) للبلازما وعلى الأخص أمواج فان ألْفِن[ر]  Van Alfvén وكذلك الأمواج المتعلقة بالهيجان الحراري كالأمواج الصوتية الزائفة pseudo sonorous، على سبيل المثال. أما حين يكون التواتر عالياً فيؤدي السلوك العازلي إلى أمواج كهرمغنطيسية ذات خواص مشابهة للأمواج الملاحظة في البلورات المتباينة الخواص anisotropic الوحيدة المحور، ولكن بتواترات حرجة.

الحالات غير الثابتة: يلاحظ، إضافة إلى عدم الثبات في المستوى الجهري macroscopic عدم ثبات في المستوى المجهري microscopic، (الذرّي)، إذ تتدخل مجموعة من الجسيمات ذات سرعة واحدة، وتزوِّد الموجة بالطاقة على حساب طاقتها الحركية، مما يؤدي إلى تضخيمها ومن ثم إلى إصدارات كهربية راديوية.

تطبيقات البلازما في الإلكترونيات والاندماج النووي

استخدمت خواص الانفراغ الكهربائي منذ زمن بعيد في الإنارة، وفي بعض الأجهزة والتقنيات الإلكترونية، مثل مصابيح بخار الصوديوم أو الزئبق وأنابيب النيون والزينون والخلايا الكهرضوئية وعدادات غايْغر والمحولات الحرارية الإيونية. وقد أمكن حديثاً تطوير تطبيقات البلازما في مجال تحويل الطاقة الحرارية، إذ بفضل ناقليتها الحرارية العالية يمكنها القيام بتبادلات حرارية أكثر فعالية مما توفره المواد العيارية الشائعة.

ولا شك في أن أكثر التطبيقات أهمية هو تحقيق مفاعل اندماج حراري مسيطر عليه. ويتطلب هذا إعداد بلازما حارة جداً ذات كثافة كبيرة كي يكون معدل التفاعل عالياً ويمكِّن الاندماج من أن يستمر من تلقاء نفسه، ويستدعي ذلك عزل البلازما عن الوعاء الذي يحويها، وتظهر هنا مشكلة حصر البلازما مع رفع درجة حرارتها إلى درجة عالية جداً (بضع عشرات الملايين) والتقليل ما أمكن من ضياع الطاقة بالإشعاع وفقدان الجسيمات بسبب عدم الاستقرار، وتلاقي مشكلة التسخين صعوبة كبيرة لأن قوى التدافع الكولونية تمنع النوى من أن يقترب بعضها من بعض، ويمكن التغلب على هذه الصعوبة بجعل ضغط البلازما مرتفعاً جداً، وقد أمكن في حالة اندماج مزيج الديتريوم والتريتيوم تحقيق الشروط اللازمة لحصول الاندماج باستخدام جهاز «توكاماك» Tokamak [ر.الاندماج النووي] الذي يسمى جهاز الحصر المغنطيسي للبلازما، وقد وضع أسسه أول مرة في أوائل الخمسينات فريق البحث في معهد الطاقة في موسكو، وفيه حاول الفيزيائيون محاكاة أسلوب الاندماج النووي الذي يتم في النجوم من حيث الضغط الهائل الذي يمكن الحصول عليه في مجال مغنطيسي شديد جداً وحرارة مرتفعة جداً.

ويتألف «التوكاماك» من وعاء مغناطيسي له هيئة أنبوب مغلق على ذاته كالطوق، وهو يضمن بقاء البلازما الحارة جداً بعيدة عن جدران الأنبوب الحلقي المعدني المفرغ من الهواء والشوائب بفضل تأثير حقول مغنطيسية قوية جداً معتمدة على ما يسمى بالمصائد المغنطيسية.

كذلك فإن فهم أصل النجوم، وبقاءها تطلَّب الرجوع إلى التقنيات النووية التي تستطيع وحدها أن تفسِّر تفسيراً مرضياً منابع الطاقة العظيمة. ففي ظل هذه الشروط تكون المادة في حالة تأين كامل تقريباً، وهذا يفسّر الدور الأساسي الذي تقوم به فيزياء البلازما في الفيزياء الفلكية وفي علم الفلك الراديوي. فجو الأرض العلوي متأين، وحقل المغنطيسية الأرضية يحصر ضمن خطوط قوية جسيماتٍ تقع على بعدٍ يراوح بين عشرات الألوف ومئات الألوف من الكيلومترات. لذلك كان لفيزياء البلازما أهمية جوهرية في الجيوفيزياء الخارجي، إضافة إلى أهميتها في أنماط تحريك الموائع المغنطيسي التي اعتُمد عليها لتفسير المغنطيسية الأرضية الداخلية.

 

إلياس أبو عسلي

 

الموضوعات ذات الصلة:

 

الاندماج النووي ـ تحريك الموائع المغنطيسي ـ  فان ألفن.

 

مراجع للاستزادة:

 

L.Artsimoviteh, Physique élémentaire des plasmas (Moscou 1966) مترجم عن الروسية

- B.M.Smirnov, Introduction to Plasma (Mr Publishers, Moscow 1977).


التصنيف : الكيمياء و الفيزياء
النوع : علوم
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 247
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 624
الكل : 31541818
اليوم : 58223

قباذ كسرى

المزيد »