logo

logo

logo

logo

logo

الكتب (تجليد-)

كتب (تجليد)

Book binding - Reliure

الكتب (تجليد ـ)

 

تجليد الكتب bookbinding من أقدم المهن المعروفة، والغاية منها حفظ أوراق الكتاب وضمها بعضها إلى بعض ضمن غلاف يقيها من التلف. أما أصل الكلمة لغوياً فمشتق من الجلد، ويُقصد به وضع الجلد على الكتاب وشدّه. والمجلِّد من يعمل بهذه المهنة، أما المجلَّد فالجزء من الكتاب المنقسم إلى أجزاء. ومرادفات التجليد «التصحيف» (في العراق خاصة) و«التسفير» (في المغرب العربي والأندلس) وصاحب المهنة «المصحِّف» و«المسفِّر» نسبة إلى «المصحَف» و«السِفْر» وهو الكتاب.

لمحة تاريخية

احتل الكتاب منزلة مهمة في تاريخ الحضارة الإنسانية، فقد استحدث منذ عرف الإنسان الكتابة، فكان السومريون يدوِّنون النصوص الطويلة على رُقُم طينية ويرقمونها كما ترقم صفحات الكتاب اليوم، وسبقت مصر منذ الألف الثالث قبل الميلاد إلى ابتكار لفائف ورق البردي بأحجام مختلفة يُلصق بعضها إلى بعض، وتكون الورقة الأولى من اللفيفة أكثر سمكاً من الأوراق الأخرى لتحفظها من التلف، كذلك استعملت في الكتابة ألواح الخشب والعاج المغلفة بالشمع وكانت تجمع وتحفظ في صناديق خاصة، ثم اهتدى الإنسان إلى استعمال الجلد والرق جنباً إلى جنب مع البردي، وتبدّل شكل الكتاب من اللفيفة أو مجموعة الرُّقُم إلى المصحف Codex؛ المؤلف من عدد من الرقوق أو الألواح مرتبة بعضها فوق بعض ومربوطة من طرفها الأيمن أو الأيسر أو من الأعلى بحسب طريقة الكتابة.

كان للمسيحية في بلاد الشام ومصر دور مهم في تطوير شكل الكتاب، ذلك أن انتشارها تطلّب نسخ الكتاب المقدس وتوزيعه على دور العبادة. ويبدو أن فن تسفير الكتب وتجليدها ظهر أول أمره في أديرة الأقباط في مصر، وأقدم ما وصل منها يعود إلى ما قبل الفتح الإسلامي ببضعة قرون، ومن الأقباط اقتبس الروم والعرب المسلمون فن التجليد وطوَّروه. وتفنن المسلمون في تسفير المصاحف من القرآن الكريم والكتب القيمة وبلغوا فيه الغاية في الإتقان والجمال.

مرَّ تغليف الكتاب بمراحل مختلفة فبدأ باستخدام ألواح الخشب غلافاً واقياً، فكان يزخرف ويطعّم بالعاج أو يكسى بصفائح الذهب والفضة، أو بالقماش والحرير المطرز، ويزين بالأحجار الكريمة. ثم استبدل بألواح الخشب الكرتون أو الورق المقوى، واستبدلت بصفائح الذهب والفضة شرائح الجلد التي غدت المادة الرئيسية في فن التغليف ومنحته اسمها. ويعدّ القبط مرة أخرى أول من استعمل الجلد في هذا الميدان، وانتقل على يد النساطرة إلى المشرق العربي وإلى بلاد فارس وما وراءها.

بعد وفاة الرسول r اقترح الصحابة في عهد أبي بكر t جمع القرآن الكريم خوفاً من ضياعه، فكتبوا نسخة منه على صحائف من الرق وضعت بين دفتين لحفظها، ويقول السيوطي في كتابه «الإتقان في علوم القرآن» إن الصحابة أجمعوا على أن تسمى هذه النسخة «مصحفاً» أخذاً بقول أحدهم: «رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف» ويقصد بذلك كتاب الصلاة عند نصارى الحبشة، ويشير الجاحظ في إحدى رسائله إلى أن «المصحف»، الذي يحفظ الكتاب ويسهل استعماله ويصونه في تماسك وجمال، نقله العرب عن الأحباش. وفي عهد الخليفة الراشد عثمان t اقتضت الضرورة أن يعمل من المصحف نسخاً توزع على الأمصار، وتطلب ذلك أن تكون ثمة عناية بتسفير هذه النسخ وتجليدها، وبدأ فن التجليد الإسلامي في المشرق والمغرب مسيرته الطويلة نحو الكمال، وانتقل إلى أوربا عن طريق الحروب الصليبية وعن طريق الأندلس والبندقية (الشكل 1).

 

الشكل (1)

 مبادئ التجليد ومراحله

تجليد الكتاب أو تسفيره هو آخر مرحلة من مراحل صناعة الكتاب، وأكثرها تعقيداً. فتجليد الكتاب تجليداً فنياً يتطلب استعمال ما لا يقل عن عشر مواد مختلفة، ويمر بما لا يقل عن ثماني عشرة خطوة ليصبح جاهزاً للبيع أو التوزيع، وقد ظلت مبادئ فن تجليد الكتب على مرَّ التاريخ إلى اليوم على ما هي لم تطرأ عليها سوى تبدلات قليلة بالموازنة مع ما شهدته أعمال التأليف والطباعة من تطورات. وما تزال عمليات طي الملازم (الكراريس) وجمعها وخياطتها أو لصقها تنفذ على نحو ما كانت عليه في التجليد اليدوي، إلا أنها غدت مؤتمتة تستخدم فيها المكنات جزئياً أو كلياً في عمليات الإنتاج بالجملة. 

يمر تجليد الكتاب بمرحلتين منفصلتين: الأولى جمع أوراق الكتاب المطبوعة وترتيبها وربطها في سفر واحد، والثانية إعداد الغلاف الواقي وتثبيته على السفر، وأكثر الكتب والدوريات التي تصدر اليوم يجلد آلياً. وتتوقف نوعية التجليد على أهمية الكتاب والغاية منه ودرجة زخرفته وتواتر استعماله ومدة حفظه، أما أهم المواد المستعملة في صنع الغلاف فهي القماش والورق والجلد والخيوط المتينة والغراء بأنواعه.

1 ـ جمع أوراق الكتاب وخياطتها: يبدأ تجليد الكتاب بطي الطروس (أطباق الورق) المطبوعة التي تشتمل على صفحات عدة على كلا الوجهين مرتبة بحسب تواليها في الكتاب، فيُحصل على كراس اصطلح على تسميته ملزمة، وتتألف الملزمة الواحدة غالباً من 4 صفحات أو 8 صفحات أو 16 صفحة أو 32 صفحة، وقد تشتمل على 64 صفحة في بعض الأحيان، ويتوقف ذلك على قياس الكتاب والطروس المطبوعة (الشكل 2).

 

الشكل (2)

تستخدم في طي الطروس مكنة خاصة تتألف من أسطوانات تسوية وأنصال معدنية، تثني الورق وتطويه بسرعة كبيرة قد تصل إلى 3000 ـ 4000 طرس في الساعة، ويمكن أن يتم الطي أتماتياً في نهاية عملية الطبع في مكنات الطبع الدوارة الحديثة، وقد يتم يدوياً في حال عدم توافر المكنات المناسبة. وتستخدم في هذه الحالة قطعة عظم مدببة الرأس يسميها المجلدون «عظمة الثني».

توضع نسخ الملازم بعد طيها بعضها فوق بعض في علب مكنة التجميع بحسب ترتيبها في الكتاب، فتتساقط الملازم منها بالتسلسل على سير متحرك، ويتم التحقق من صحة تسلسل الملازم بالاستعانة بعلامة صغيرة تطبع على كعب كل ملزمة في أثناء الطبع، فإذا كان التسلسل صحيحاً ظهرت العلامات على خط مستقيم مائل في كعب الملازم مجمعة.

تدخل الملازم بعد تجميعها ماكينة خياطة خاصة تحدث في حوافها الخلفية (الكعب) بضعة ثقوب ثم تخيطها بعضها إلى بعض. ثم تهصر بعد خياطتها بين فكي معصرة (مكبس) وتغرّى من جهة الكعب، ويدور الكعب لإعطائه شكلاً محدباً ويلصق عليه قماش كتاني لتقويته وضمان إمكان فتح الكتاب بحرية من دون أن ينفرط عقده، ثم تشذب أطراف الصفحات من الأعلى والأسفل والجانب الحر وتضاف ورقة مفردة على كل وجه من وجهي السفر تسمى في اصطلاح المجلدين بطانة أو قميصاً. وفي الكتب المعدة للاستعمال بكثرة، كالكتب المدرسية مثلاً، يمكن أن تكون الخياطة جانبية قريباً من الحواف الخلفية للملازم. وثمة طريقة أخرى تستعمل اليوم لتجليد الكتب من دون خياطة، يسمونها «التجليد الكامل» perfect binding؛ وذلك بقص الحواف الخلفية للملازم وتغريتها تحت الضغط ثم لصق الغلاف. أما إذا كان الكتاب قليل السمك قليل عدد الصفحات فتجمع أوراقه وغلافه معاً بغرز من مشابك سلكية أو بوساطة سلك مرن ملولب، وهو ما اصطلح على تسميته بالتغليف الميكانيكي.

2 ـ تغليف الكتاب: يعتمد في تغليف الكتاب ثلاثة أساليب بحسب طريقة تركيب الغلاف (الجلدة): التجليد الفني (التجليد القاسي) hard cover or case-bound، والتجليد الكرتوني بالورق المقوى paperback or soft cover، والحفظ في حافظات من جلد أو علب كرتونية أو غُلُف بلاستيكية أو غيرها (الشكل 3).

 

الشكل (3)

في التجليد الفني يتم إعداد غلاف الكتاب منفصلاً ثم يربط به من جهة الكعب، فإذا كانت الملازم مخيطة فيكون التجليد بالخياطة الفنية. ويتألف الغلاف من لوحين من الكرتون السميك لوجهي الكتاب وشريط من الكرتون أو الورق للكعب، تغلف جميعها بقماش مشرب بالشمع أو اللدائن، أو بالجلد الطري، أو بالورق المشمع المزخرف. وتتم الكتابة والزخرفة على الغلاف بطبع الكلام المطلوب قبل إعداد الغلاف أو بأسلوب الختم بعد تركيبه، ويستعمل فيه الختم بورق الذهب أو بالأحبار الملونة أو بالختم النافر بالحرارة. ويتم تثبيت الغلاف على الكتاب بتغرية الوجه الداخلي لكل من اللوحين وزوائد قماش التبطين على الكعب ثم وضع الكتاب بين دفتي الغلاف وضغطه بمكبس خاص.

محمد وليد الجلاد

الموضوعات ذات الصلة:

الأوفست ـ الطباعة ـ الورق.

مراجع للاستزادة:

- A.W.LEWIS, Basic Bookbinding (Dover Publications 1957).

- MANLY BANISTER, The Craft of Bookbinding (Dover Publications, Reprint edition 1994).

- JOSEP CAMBRAS, The Complete Book of Bookbinding (Lark 2004).

- HEIDI REIMER-EPP & MARY REIMER, The Encyclopedia of Papermaking and Bookbinding (Running Press Book Publishers 2002).


التصنيف : الصناعة
المجلد: المجلد السادس عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 95
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 555
الكل : 31623518
اليوم : 58373

الإيقاع

الإيقاع   الإيقاع rhythm لغة من الوقع، وهو الضرب بالشيء، وأوقع المغني أي بنى ألحان الغناء على موقعها وميزانها. ويعني الإيقاع عند الفارابي: تحديد أزمنة النغم بمقادير معينة ونسب محدودة. والكلمة الإنكليزية rhythm من اللاتينية rhythmus أو اليونانية rhutmus وتعني ضبط الحركة الزمنية للموسيقى. ويشمل الإيقاع مجموعة الأشياء التي تختص بوحدة الزمن beat، والنبرة accent، والمقياس measure، والسرعة أو الإيقاع الزمني tempo [ر. الموسيقى]، مما يستدعيه الأداء الصحيح في الموسيقى. ولقرب الإيقاع من النفس الإنسانية، ولعلاقته الحميمة بحركة الجسم في العمل والرقص والتعبير وانتظام دقات القلب وحركة التنفس والمشي والحفظ في عهد اللغة الشفوية، اعتقد بعض العلماء أن معرفة الإنسان للإيقاع سبقت معرفته للنغم. ودعموا قولهم بالإشارة إلى تطور الإيقاع المدهش لدى الشعوب البدائية، وتطور الحس الإيقاعي عند الأطفال، وتوالي حركات إيقاعية وإعادتها لدى بعض الحيوانات. وقد ارتبط الإيقاع بالرقص والعمل عند الشعوب القديمة والبدائية؛ كما كان له أثر مهم جداً في تطور اللغة وأوزان شعرها. ومعروف أن الشعر مرّ بمرحلة التصق بها وزنه بإيقاع لحنه، تماماً كما نراه من التزام «المغني/الشاعر» الشعبي القالب الغنائي ليزن به أشعاره التي يرتجلها ببداهة وسرعة كما في الزجل الشعبي. لذلك مرت الإيقاعات بمرحلة كان فيها تزاوج حميم ما بين الزمن والمقاطع اللفظية من قصيرة وطويلة. ولعلّ من الممكن القول إن لهذه المرحلة أثرها في وجود بحور ذات أوزان وقوافٍ معينة في اللغة العربية. حين كان الإنسان يستخدم بعض أدوات الطَّرْق في أعماله اليومية، تعرف أنماطاً إيقاعية تعتمد على اختلاف الأصوات التي تصدر عن هذه الآلات وتنوعها، من حيث طابعها الصوتي أو بحسب موقع الضرب عليها. وقد أطلق العرب على الثقيل منها لفظة «الدمّ»، وعلى الخفيف منها لفظة «التك». وكان لذلك نتائج أهمها ظهور إيقاعات مرافقة للغناء وغير متقيدة بوزن شعره، كما تطورت الإيقاعات تطوراً كبيراً وتنوعت بكثرة. ومن الإيقاعات العربية ما كان معروفاً في الجاهلية، ومنها ما ظهر في الإسلام كالهزَج والرّمل والثقيل. ومنها ما هو معروف في أيامنا كالمصمودي والسماعي الثقيل والمدوَّر الحلبي والنواخت. ومن الإيقاعات عموماً ما يكون «منتظماً» symetrical أو مختلاً non-symetrical أو حرّاً free rhythm أو متعدد الإيقاعات polyrhythm أو متعدد المقاييس polymeter. وقد اضطر تعقيد الإيقاع العلماء الموسيقيين إلى ابتكار طرائق لتدوينه؛ فابتكر صفي الدين الأرموي طريقة استخدام الأرقام لقياس الزمن؛ ومن ثم ظهرت وسائل أخرى أهمها الطريقة الأوربية وبها تحدد وحدة الزمن افتراضاً بسرعة الزمن وتقاس باقي الأزمنة بالنسبة لها. ولقياس هذه السرعة يستخدم جهاز إيقاعي يدعى الموقّتة الموسيقية «المترونوم» métronome يحدد عدد الوحدات الزمنية في الدقيقة الواحدة. ولما كانت الموسيقى تتألف من عنصرين أساسيين، هما اللحن والإيقاع، كانت الآلات الإيقاعية [ر. الآلات الموسيقية] إحدى الأقسام الرئيسة الثلاثة التي تتألف منها الفرقة الموسيقية (الأوركسترا) إضافة إلى الآلات الوترية وآلات النفخ الخشبية والنحاسية، كما أنها كانت عنصراً فعالاً على الدوام في الفرق الموسيقية جميعها على اختلاف أنواعها وجنسياتها. وتعتمد موسيقى الرقص أساساً على الإيقاع، وهو يبث فيها الحيوية. ويطبع الإيقاع الرقص ويسبغ عليه جوه ليتناسب مع هدفه ومعناه، وهذا ما يساعد مثلاً على التفريق بين أنواع الرقص العربي المختلفة، كالدبكة والسماح وحركات المتصوفة والدراويش. وقد دخل الإيقاع الغربي الموسيقى العربية والشرقية، وأكثره ينتسب إلى موسيقى الجاز وموسيقى الرقص مثل «الفالس» waltzer و«الروك» rock وغيرهما. وفي العالم إيقاعات راقصة كثيرة ومتنوعة وتختلف باختلاف البيئة الاجتماعية والثقافية للبلد أو المنطقة، ومنها ما ترافق الإنسان في أعماله. وهكذا يلازم الإيقاع الموسيقي الإنسان في جل نواحي حياته اليومية.   عبد الحميد حمام   مراجع للاستزادة:   ـ الفارابي، كتاب الموسيقى الكبير، تحقيق غطاس عبد الملك خشبة (دار الكتاب العربي، القاهرة 1967). ـ صفي الدين عبد المؤمن الأرموي، كتاب الأدوار، تحقيق هاشم الرجب (بغداد 1980). - JOSEPH MACHLIS, The Enjoyment of Music (New York, Norton and Co 1963). - DUCKWORTH And E .BROWN, Theoretical Foundation of Music (Belmont, California, Wadsworth Publishing Company 1978). - PERCY SCOLES, The Oxford Companion  to Music (London, Oxford University Press 1978).
المزيد »