logo

logo

logo

logo

logo

النهضة الأوروبية (فن عصر-)

نهضه الاوروبيه (فن عصر)

European Renaissance - Renaissance européenne

النهضة الأوربية (فن عصر ـ)

 

نشأ عصر النهضة Renaissance في وسط أوربا وغربيّها، ثم انتشرت أنواره لاحقاً إلى باقي أرجاء القارة. تميز بطابعه المدني ونزعته الإنسانية الكلاسية classical Humanism، وتوجهه نحو إحياء الإرث الثقافي الإغريقي والروماني. وقد تأصلت جذور فكرة الإحياء بإيطاليا منذ عهد جوتو Giotto ت(1266-1337) عندما نعت بهذا الوصف معلماً لجيله وعظيماً عظمة القدامى، ومن ثم كانت فكرة «البعث» أو «الانبعاث» مرتبطة بأذهان الإيطاليين بفكرة إحياء مجد روما القديم. واتسمت الملامح الفنية لهذا العصر بخصوصيتها الشديدة، إذ شكّل مرحلة انتقالية بين العصور الوسطى والأزمنة الحديثة، وفيه تقاطع القديم والجديد، وانصهرا في بوتقة من نوع خاص. لذلك يتعذر فرز أطواره وتصنيفها علاوة على وضع حدود بيّنة لمساحة انتشاره وإبراز الخصائص القومية لكل بلد على حدة، فقد ساد في إيطاليا على سبيل المثال في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، وشاع في بلدان أخرى في مرحلة لاحقة.

فريسكو "مدرسة أثينا" لرافايلو (1509-1510)

وتُبرز كل من العمارة والفن التشكيلي بجـلاء ذلك الانعطاف النوعي الذي حدث في مسيرة فنون العصور الوسطى التي قامت على التقنين المتفق عليه conventional وطمس احتياجات الفرد وكبت مشاعره ودعوته إلى الزهد وهيمنة الفكر الغيبي والجمود العقائدي dogmatique، فبدت تبرز تدريجياً توجهات عملت على وعي الواقع ومحاكاته بلغة تنبض بالحياة، وأخذ يتعزز الإيمان بقوة العقل وقدراته الإبداعية وتأكيد جمال الواقع الموضوعي، كما تبدل الموقف من الإنسان، وصار ينظر إليه كأسمى آيات الوجود، وحلّت كذلك إبداعات الفنان الفرد عوضاً عن المشاركة الجماعية مترجمةً النزعة الفردية Individualism. وتعاظم جانب العمارة المدنية (المباني العامة، القصور، البيوت السكنية) والأجناس الفنية، مثل الصور الشخصية والمناظر الطبيعية. لعل إيطاليا هي المثال الأنسب الذي جسد على نحو رائع السمات المميزة لثقافة هذا العصر، فقد اجتمعت مظاهر الحياة وتنوعها الثري مع المذهب الطبيعي العلمي scientific Naturalism الذي سـارع في تطور الدراسة التحليلية للواقع الموضوعي، ورسخ أسساً نظرية شكلت نظاماً فنياً متكاملاً، فصور العالم على نحو واقعي حيث ينعم الإنسان بسلمه الداخلي ودفء تواصله مع الجماعة وعلاقته الحميمة مع الطبيعة. فكان لابد من أن تستند الدراسة العلمية إلى قوانين المنظور الخطي والهوائي sfumato، وإلى نظرية النسب وقانون النِّسبة الذهبية المثالية golden section والتشــريح وطرق التجسيم بوساطة الظل والنور.

يمكن تصنيف مراحل عصر النهضة في إيطاليا- إذا لم يؤخذ القرن الـرابع عشـر بالحسبان - وفق الآتي: المرحلة المبكرة (القرن الخامس عشر) وأوج عصر النهضة «النهضة الشماء»؛ وتمتد من (خواتم القرن الخامس عشر لتشمل الربع الأول من القرن السادس عشر)، أما المرحلة الأخيرة (الربع الثاني من القرن السادس عشر)؛ فقد شهدت أزمة عميقة نجمت عن انهيار منظومة القيم والمثل التي كانت من بواعث هذا العصر.

كنيسة سانتا ماريا دي لوريتو التي تعد العمود الفقري لأعمال المعماري سالغالو

أبدع فنانو المرحلة المبكرة تشكيلاً متكاملاً انطوى على مفهوم موحد عن العالم، وقادتهم الدراسة والمعاينة المتأنية للواقع إلى إثراء أعمالهم بنفحات حية من الواقع المعيش مما أضفى مسوحاً دنيوية على المشاهد الدينية التقليدية، كما التفت الفنانون إلى الموضوعات الشائعة في الفن الكلاسي القديم، وشدتهم على نحو خاص موضوعة البطولة حيث تتجلى الصلابة الروحية بكل ألقها، وشهد النحت تطوراً كبيراً على أيدي معلمين عظام- مثل غيبرتي Ghibrti ودوناتلو Donatello وڤيروكيو Verrocchio- تناولوا التمثال المنتصب دون دعامات والفارس على صهوة الجواد و(النحت النافر أو الغائر) ذا المنظور التصويري والتمثال النصفي buste، أما من جهة المصورين ففي فلورنسـا مازاتشو Masaccio وبوتِتشِلي Botticelli، وفي أوربينو Urbino بييرو ديلا فرانشِسكا Piero della Francesca، وفي مانتوا Mantoue مانتينا Mantegna، وفي البندقية Venise جوفاني بِلّيني Bellini، فقد تميزت إبداعاتهم بالسعي نحو خلق صورة معممة عن العالم والنفحة الشاعرية التأملية ومثالية النماذج البشرية وروعة التصوير المعتمد على هالة لونية رقيقة ورشاقة الإيقاعات في التكوين والميل نحو السرد القصصي.

غدت فلورنسا في القرن الخامس عشر مركزاً تجارياً وصناعياً مهماً، وأسهمت نزعة الأنسنة Humanism في إذكاء جذوة التجديد في شتى مجالات الفنون، فشيدت فيها صروح معمارية من قبل برونِلسكي Brunelleschi وبارتولوميو Bartolommeo وغيرهما؛ إذ تمثل هؤلاء المعماريون التقاليد الكلاسية على نحو خلاق؛ ولا سيما نظام الأعمدة مما أضفى على أعمالهم الرصانة والجلال والوضوح والانسجام، كما فتحت أفكار المنظرين الإنسانيين مثل ألبرتي Alberti ومارتيني Martini آفاقاً جديدة على صعيد تخطيط المدن، ولاسيما تحقيق الرغبة الطوباوية الدفينة حول موضوع المدينة المثالية «المدينة الفاضلة».

تلقفت روما إشعاعات النهضة، واحتضنتها بتوفير الرعاية الكاملة للمبدعين، مثل ليوناردو دافنشي Leonardo da Vinci وميكلانجلو Michelangelo ورافايلّو (رفائلّو) Raffaello الذين أسهموا في دفع عجلة التطور إلى مستويات راقية.

كما برزت مراكز مهمة مثل البندقية التي قدمت معلمين عظاماً، مثل جورجونِي Giorgione وتنتورِتّو Tintoretto وتِتسيانو Tiziano، وبارما Parma التي أعطت كورِّيجيو Correggio.

وبلغت العمارة في هذه الحقبة أعلى مراتب الانسجام، فاتسمت المجمعات الفخمة بالكمال والتناسق وثراء الحلول في التكوين، مثل أعمال برامانتِه Bramante وسانغالّو Sangallo.

وتبدل الموقف من الفنان المبدع، فتبوأ مركزاً اجتماعياً مرموقاً، وأحاطت تجارب بعضهم بميادين إبداعية متنوعة كشفت عن عبقرية فذة.

عانى الفن في الربع الثاني من القرن السادس عشر انكساراً وشرخاً روحياً نجما عن خيبة الأمل في ذلك الحلم المشرق الذي أضاء بأنواره مطلع عصر النهضة، فظهرت النزعة التكلّفية Maniérisme المعادية في جوهرها للكلاسية. أما أعمال الفنانين الأوفياء للمُثل الإنسانية فقد اتسمت بطابعها الدرامي المعقد.

لم يتزامن عصر النهضة في إيطاليا مع نهضة شمالي الألب، بل إنهما اختلفا من حيث المحتوى الفكري والشكلي. وقد اصطلح على تسميته بـ «عصر النهضة الشمالي» بين عامي 1500- 1580، ويقصد بهذه التسمية أساساً ألمانيا والأراضي الواطئة تحديداً، ثم لحقت بها فرنسا. وتميزت تجربة هذه البلاد بصلتها الوثيقة مع القوطية المتأخرة تحديداً وتفاعل المؤثرات الإيطالية الوافدة مع التقاليد المحلية، مما آل إلى غياب التوافق والوحدة في أطوار مختلف أشكال الفنون، فتخلف النحت والعمارة عن مواكبة مسيرة التصوير.

ويذهب بعضهم في تقصي الولادات الجديدة التي حملت سمات واقعية إلى منطقة بورغونية Bourgogne التي كانت مركزاً للقوطية المتأخرة، وذلك عند حدود القرنين الرابع عشر والخامس عشر، فإلى هذه الفترة تعود نتاجات المصورين مالويل Malouel، بيلّشوز Henri Bellechose، برودِرلام Broederlam، وكذلك النحات كلاوس سلوتِر Sluter، فتفصح أعمالهم عن مساع إلى تجسيد لوحة متكاملة عن الوجود والاهتمام بجمال الوسط المحيط بالإنسان وتنوع صوره وفرادة النماذج البشرية وتحميل أفكار العصور الوسطى البائدة مضامين حياتية جديدة.

شغلت مدرسة الأراضي الواطئة منزلة خاصة في شماليّ أوربا، إذ ابتكرت تعاملاً مميزاً مع التقاليد الروحية لثقافة العصور الوسطى، ويتجلى هذا الأمر في لوحات مذابح الكنائس والصور الشخصية والمنمنمات التي أبدَعها كامبين Campin، وڤان آيك Van Eyck، ودِر غوس der Goes، ودِر ڤايدِن der Weyden.

تأثر عصر النهضة في ألمانيا بالأفكار الإصلاحية والحرب الفلاحية (1524- 1526) مما طبعه بمنحى اجتماعي تجلى في أعمال المصورين دورَر Dürer وكْراناخ الأكبر Cranach وهولباين الأصغر Holbein الذي أسهم في نقل أفكار عصر النهضة إلى إنكلترا إبان إقامته فيها.

  أما في فرنسا فقد تفاعلت التقاليد المحلية مع مستجدات هذا العصر، فتميزت نتاجات القرن الخامس عشر بشاعريتها الرقيقة والغنائية الوادعة (فوكيه Fouquet)، وبلغت الفنون في القرن السادس عشر أوج ازدهارها إبان الحكم المطلق، فتعـاظم الاهتمـام بالإنسان وشخصيته بمقاربات مثالية، ومن ممثلي تلك الحقبة النحات والرسام والمعمار الفرنسي جان غوجونJean Goujon.

فيروز هزي

 

 الموضوعات ذات الصلة:

 

دافنشي (ليوناردو ـ) ـ رافايلو (ستانلي ـ) ـ ميكلانجلو بوناروتي ـ النهضة الأوربية (عصر ـ).

 

 مراجع للاستزادة:

 

ـ ماكس دفورجاك، تاريخ الفن الإيطالي في عصر النهضة (دار الفن، موسكو 1978).

ـ كولبينسكي يو.ك، صورة الإنسان في فن عصر النهضة (دار الفن، موسكو 1941).

- E. PANOFSKY, Renaissance and Renaissances in Western Art (Stockh, Warsaw 1960).

- F.A.HARTT, History of Italian Renaissance Art (London 1980).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلد الواحد والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 88
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 502
الكل : 31893836
اليوم : 13866

بوجيه (بيير-)

بوجيه (بيير ـ) (1622 ـ 1694م)   بيير بوجيه Pierre Puget نحات ومعمار ومصور فرنسي، ولد في بلدة شاتو ـ فوليه Follet ـ Château القريبة من مرسيلية لأب حجَّار. تعلم في البداية عند أحد النحاتين، ونفَّذ بمادة الخشب مجموعة من الأعمال النحتية لأشكال آدمية لتزيين السفن الشراعية في مرسيلية. درس التصوير في رومة على بيير دي كورتونه[ر] Pierre de Cortone في الأعوام (1641 - 1643)، وظل يعمل معه في أوقات متفرقة حتى عام 1647. صوَّر بوجيه لوحات دينية وأسطورية وبعض الشخصيات، ومثّل في أعماله النحتية فن الباروك الفرنسي[ر].
المزيد »