logo

logo

logo

logo

logo

الفن

فن

Art - Art

الفن

 

لتعريف مفهوم الفن l’art لابد من التمييز بين نوعين من العمل الإنساني، عمل عادي نفعي غايته تحقيق وظيفة معينة، وعمل إبداعي يهدف إلى تحقيق صيغة جمالية لا علاقة لها بالمنفعة المادية، وترمي إلى تحقيق السعادة والمتعة، أو تحقيق وظيفة تطهيرية katharsis حسب أرسطو. وقد أطلق على هذا العمل اسم الفن.

على أن العمل الإبداعي كان يتضمن نوعين من الفنون، فنون حرفية وفنون جمالية محضة. وقبل عصر النهضة الإيطالية كان مفهوم الفن يدمج بين النوعين، إذ كان الفنان هو من يصنع جميع الأعمال الجميلة المستظرفة، سواء أكانت استعمالية نفعية أم تزيينيّة. ولكن عصر النهضة وضع امتيازاً للفنون الإبداعية وخاصة بعد أن امتنع العمل الفني عن أن يكون تابعاً للعمارة، واستقلَّ بذاته ضمن لوحة مؤطّرة، أو في تمثال مستقلّ، وصار التمييز ملزماً بين فنون الرسم والتصوير والنحت المسمّاة بالفنون الكبرى les arts majeurs، وفنون الخزف والزجاج والحدادة والصياغة والمسمّاة بالفنون الصغرى les arts mineurs.

ثمَّ ظهرت عبارة الفنون الجميلة[ر] les beaux-arts منذ القرن السادس عشر، وترسَّخت عندما تأسست مدرسة الفنون الجميلة في باريس عام 1793. وهيمنت الأكاديمية الملكية على ممارسة الفن إذ أثارت قضية القواعد التي يقوم عليها هذا الفن، وكان الجواب «الواقع هو القاعدة الأولى، والفكر هو القاعدة الثانية»، وهكذا كان على الأكاديميات أن تتبنى توصيف هندسة القاعدة الفكرية والاهتمام بالنسب، والحركة، والتشريح، والمنظور واللون في الفن التشكيلي وقواعد الهارموني harmony (انسجام الأصوات) في الموسيقى. إذ صار العمل الفني أقرب إلى الحرفة، بل إن إلزام جمالية الفن الكلاسي على الفن الكلاسي المحدث في عهد المصور دافيد[ر] David فرض مشروعية زائفة أُطلق عليها عبارة «الذوق السليم» le bon goût، أي إن مفهوم الجمال صار خاضعاً لجملة من القواعد الأكاديمية الثابتة التي وجب التقيّد بها. ومع ذلك بقي الاهتمام بمبدأ الوحدة، والتوازن والتناظر، سائداً في تحديد معنى الجميل (البديع).

 
 

منمنمة من كتاب الملوك (الشهنامة) للفردوسي

   
 
 

منزل سويدي من الفولاذ والبلاستيك

 

تصنيع شركة بوفورس التجارية عام 1962

ولأن الفن يستمدُّ قيمته من ذاته وليس من المنفعة وغيرها، وأنه يتوجه للتأمل والخيال، وأنه لا توافق حتمي بين الجميل والنافع، ظهرت تفرقة جديدة بين فنون تطبيقية arts appliqués وفنونٍ جميلة لارتباطها بوظيفة جمالية محضة.

ولكن لم يلبث هذا التفريق أن تضاءل بين عامي (1919-1933) على يد جماعة الباوهاوس Bauhaus في ألمانيا، والتي أسسها غروبيوس[ر] Gropius ودعمها ميس فان دير روه Mies van der Rohe، والتي دمجت النوعين من الفنون معاً، تحت عنوان الفنون الصناعية، ورأت الاهتمام بتفعيل العلاقة بين الفكر والمادة، وبين النظري والعملي. ولكن تبيّن بعد ذلك خطورة هذا الدمج، إذ إن المصادفة والوصول إلى ما هو غير متوقع هما فرصتان ذهبيتان لا يمكن إخضاعهما إلى قاعدة نظرية مادية، حتى اللون فإن نظريات علم البصريات optique لا يمكن أن تحوّل الفن إلى علم، ولكنها تبقى وسيلة تحليلية تعليمية. وهكذا استقر الفن على أنه نتيجة علاقة جدلية بين ذات الفنان والموضوع، بصرف النظر عن التوصيفات الأكاديمية جميعها.

يعرّف ب.سوريو[ر] P.Souriau الفن بأنه الفطنة المبدعة، أي الحدس الذي لا ينفي الطاقة والعاطفة، إنه ممارسة جدلية بين الفكر والعاطفة لإنتاج صيغة جمالية، وقد تكون هذه الصيغة مكانية، وقد تكون زمانية، أو مكانية زمانية بوقت معاً، وهكذا فإن كلمة فن تشمل ممارسة الموسيقى والتصوير والنحت والرقص والعمارة. ويرى سوريو أن ثمة أواصر جمالية تجمع جميع أشكال الفنون، الحركية والصوتية والبصرية، مادامت وسيلة لتحقيق الجمال.

من هنا كان علم الجمال الذي تحدث عنه باومغارتنA.G.Baumgarten  ما بين (1714-1762) في كتابه «علم الجمال» Aesthetica acroamatica عام (1750)، وجميع الدراسات الجمالية التي تتالت في الغرب، تشمل جميع أطياف الفن على اختلاف تصنيفاتها.

فمنذ محاورات أفلاطون تبيّن أنّ علم الجمال إنما يبحث في ماهية الجميل وليس في الجزئيات، وتحدث عن المحاكاة mimesis، محاكاة الواقع والطبيعة. وتبعه في ذلك أرسطو. أما هيغل Hegel فإنه يرى أن لا بد من الانطلاق في الفن من الجمال بوصفه فكرة idée أو حقيقة كاملة، ومهمة الفن البحث عن الظاهرة الجمالية. وكان دور الفيلسوف كَنت Kant كبيراً في توسيع نطاق الدراسات الجمالية. ثم ظهرت دراسات برغسون[ر] Bergson، وكروتشه Croce التي ترى الفن مجرد عيان أو حدس intuition.

وثمة قائمة طويلة بالدراسات الجمالية التي قدمها علماء الجمال في الغرب.

وفي البلاد العربية تدخل الكتاب من أمثال توفيق الحكيم وسلامة موسى وزكي نجيب محمود وعبد الكريم اليافي في الحديث عن طبيعة الفن وعلاقته بالجمال، على أن لفظ الفن لم يكن مستعملاً باللغة العربية للتعبير عن الإبداع، بل كانت «الصناعة»، وكان ثمة دمج بين الجمال والمنفعة في ممارسة الفن، لذلك فإن جميع الأعمال الإبداعية التي كانت تظهر على أشكال الأشياء الاستعمالية، الأواني والأدوات ومفردات العمارة، كانت صناعة راقية عبّر عنها المفكرون على أنها نقل آثار الطبيعة بفعل النفس، أي إن هذه الصناعة «الفن» ترتكز بوقت معاً على الموضوع (الطبيعة) وعلى الذات (النفس) حسب أبي حيان التوحيدي الذي يرى أن هذه الصناعة تتمّ بفعل الإنسان وحده.

والصناعة (الفن) تقوم على الإبداع، ويكمن سره في الإلهام، وهي نزعة عفوية تحقق أثراً غير متوقع. وقد يقوم هذا الإبداع على المصادفة على حد تصوّر الصوفيين الذين يرون: الإلهام لوامع وبروق.

ولكن الفن بالمفهوم العربي ليس مجرد إبداع عفوي فطري، بل يقوم على الاجتهاد والنصب، مما يهيئ الإلهام والعفوية ويسدد اتجاههما، فتوهب له تلك اللوامع والبروق.

على أن العمل الفني هو مزيج من الفعل والانفعال. ويشعر الفنان بما لا يشعر به غيره إذ يدخل في مجال الفعل الثقافة، كما يدخل في مجال الانفعال الذاكرة التي تختزن صوراً ومشاعر وآراء سابقة هي من التراث الذي يربط الفن بالأصالة، وهي البيئة الحضارية التي ينتمي إليها الفنان.

وعندما امتدت مظاهر الفنون الغربية، وجماليتها إلى المجتمعات العربية، ودخلت في مسالك الإبداع، تكوّن مفهوم جديد للفن مختلف عن مفهومه التقليدي، فالفن العربي كان مرتبطاً بمعنى التوحيد الإسلامي، فكان الرقش العربي والخط مجال التعبير عن المفهوم الجمالي للفن الإسلامي. ولكن الثقافة الغربية الوافدة، فرضت حضور فن تشخيصي figurative يعتمد على القواعد الأكاديمية، أو يعتمد المنطلقات الجديدة التي فرضتها الحداثة modernité.

وهكذا ظهر مصطلح «الفن» لكي يحل محل مصطلح «الصناعة» التي شملت العمل العادي فقط، وكان مصطلح الفنون الجميلة يشمل مجموعة من الإبداعات الحركية والصوتية. ثم ظهر مصطلح «الفنون التشكيلية» ترجمة للمصطلح الفرنسي les arts plastiques، الذي يشمل الرسم والتصوير والنحت والحفر، وانتشرت جميع تيارات هذا الفن في البلاد العربية وافدة من الغرب، وكان على المبدعين العرب، السعي إلى التخلص من هيمنة النقل والتبعية، والعمل على التحرر والبحث عن الجمالية العربية الأصيلة، لكي تكون منطلق فن حديث معبر عن هوية الثقافة العربية الإسلامية.

عفيف البهنسي 

مراجع للاستزادة:

ـ عفيف البهنسي، جمالية الفن العربي، عالم المعرفة،14 (الكويت).

- E.SOURIAU, La correspondence des arts (Flammarion,Paris1947).

- M.GEMINÉZ, Qu’ est-ce que l’esthétique (Gallimard, Paris 1997).


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 709
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 569
الكل : 31821180
اليوم : 20723

التداعي

التداعي   التداعي association استجابة الفرد لمثير ما بإعطاء أول كلمة أو صورة أو مدرك يخطر في باله. وهو أسلوب من أساليب العلاج النفسي التحليلي يستخدم للكشف عن مكنونات اللاشعور. كما أنه من أساليب الإضفائية projective methods المستخدمة عيادياً في تشخيص الاضطرابات النفسية. أساليب التداعي يرجع تاريخ استخدام هذه الأساليب إلى غالتون Galtone كوسيلة لدراسة العمليات العقلية سنة 1879 و1883. كما استخدمه بعض علماء النفس التجريبي مثل كاتل Cattel وبراينت Bryant سنة 1889.
المزيد »