logo

logo

logo

logo

logo

فرنسا (الفن في-)

فرنسا (فن في)

France - France

فرنسا

 

الفن في فرنسا

يعود الفن في فرنسا إلى ما قبل التاريخ، أي إلى العصور الحجرية، وأولها العصر الحجري القديم Paléolithique الذي استمر ملايين السنين. والعصر الحجري الوسيط Mésolithique وبدايته نحو 12000 قبل الميلاد، ثم العصر الحجري الحديث Néolithique والذي امتد في فرنسا وأوربا كلها إلى ما قبل الميلاد بألفي عام.

وعلى امتداد هذه العصور اكتُشفت آثار الفن في مناطق مختلفة من فرنسا، ابتدأها العالم الأثري بوشيه دي بارت De Parthes، الذي عثر مع زملائه على أقدم آثار الإنسان، وكان إدوار لارته Lartet قد نقب جدياً في منطقة دوردونيا Dordogne مكتشفاً في مغارة مجدولين صورة ماموث (الفيل الضخم)، محفورة على قطعة من العاج، ومنها أطلق على أسلوب المكتشفات منها، اسم الفن المجدوليني Magdalénien. وفي كهوف مناطق بيريغور Périgord ومنطقة البيرِنه Pyrénées عثر على رسوم ملونة، منقوشة على الحجر أو العظام، لعلها تمثل أقدم الوجوه البارزة أو المحفورة، وهي معاصرة لرسوم تصويرية أخرى أنجزت بدقة تثير الإعجاب.

في منطقة دوردونيا اكتشفت مغائر لاسكو Lascaux، وفيها بعض الصور الملونة على جدران الكهوف، تمثل رسوم جواميس وثيران وحشية بيزون bison، وثمة مشهد كامل يمثل ثوراً أمام جثة إنسان يبتعد عنه كركدن، وفي كهوف أخرى عثر على حجر كلسي منقوش عليه صورة امرأة تمسك قرناً.

ولقد عثر على روائع فنية أخرى في مناطق مختلفة تعود كلها إلى العصر الحجري القديم، ومما يثير الإعجاب أن هذه الرسوم والنقوش البارزة كانت ترسم في ظروف صعبة، من حيث الإضاءة، والحذر من مداهمة الوحوش، وكانت تصور من الذاكرة بمهارة عالية.

 
 

 واجهة زجاجية لكاتدرائية القديس بطرس

في العصور الكلاسية: وإذا تم الانتقال إلى العصور الكلاسية، حيث امتد الفن الإغريقي والفن الروماني إلى أطراف واسعة في أوربا وحوض البحر المتوسط، فإن معالم الفن الفرنسي في العصر الروماني ابتدأت منذ أن امتد نفوذ يوليوس قيصر من روما إلى فرنسا (49ق.م). وكان الفن الغالي الروماني gallo-Romains قد بدأ نسخاً وتقليداً للفن الهلنستي والروماني، وفي مدينة أورانج Orange مازال قوس النصر الخاص بقيصر قائماً، وفي سان - ريمي Saint- Rémy نصب ليوليوس قيصر، وكلاهما مزين بنحت بارز لموضوعات تاريخية من العصر الروماني. وقد حفلت بلاد الغال الفرنسية، في القرون الثلاثة التي تلت عصر قيصر، بمجموعات من التماثيل المنسوخة عن الفن الروماني، أو تحمل الطابع ذاته.

في العصر المسيحي: في عام 330م أسس قسطنطين الأول الامبراطورية البيزنطية وجعل دين الدولة المسيحية التي وصلت إلى فرنـسا بعد عـام 450م. وفي منتصف عصر الحديد بين القرنين الخامس والثامن ظهرت الصورة الواقعية في منطقة الغال، المرتبطة بالحضارتين الكلتية Celtique والإتروسكية Etrusque، وكان التبادل الاقتصادي بين الكلتيين والإتروسكيين والإغريق سبباً في صياغة الفن في العصر الميروڤينجي Mérovingien المعتمد على الضوابط التي صارت مرتكز الفن الأوربي منذ عام 700م. وعلى الرغم من توسع النفوذ الروماني على يد قيصر، فإن الشعوب الغالية بقيت محافظة على هويتها الكلتية، ولكنها قدمت فناً مستوحى من الفنون الرومانية.

وفي القرنين السادس والسابع الميلاديين ظهر الفن الكارولينغي Carolingien أيام شارل مارتل Charles Martel وشارلمان Charlemagne، وكان تأثير العرب واضحاً في هذا الفن، إذ كان الغرب جزءاً من الشرق بعد انتشار العرب المسلمين في أكثر مناطق البحر المتوسط حتى المناطق الأوربية. ولكن الفن الفرنسي في هذا العصر حمل طابعاً دينياً بأساليب تقنية خاصة.

وبامتداد تأثير الشرق ظهر الفن الرومي roman أو (الرومانيسك) romanesque، الذي تُرى شواهده بوضوح في رواق مواساك Moissac (لانغدوك) Languedoc حيث النقوش الإسلامية على تيجان الأعمدة. وبانتشار العمارة الرومية romanesque، التي تُشاهد أصولها في كنيسة سمعان العمودي وفي منشآت المدن المنسية في سورية، ازدهر معها الفن الرومي في أوڤِرن Auvergne وبيريغور وبواتو Poitou حيث مازالت كنيسة نوتردام الكبيرة شاهدة مع غيرها من الكنائس على هذا الفن. وعلى واجهات هذه الكنائس الرومية في فرنسا، نهضت التماثيل التي تمثل السيد المسيح. أما التصوير الرومي فإن مجموعات من الرسوم الإيضاحية Enluminures مازالت محفوظة في المكتبة الوطنية في باريس وتعد مقدمة لفن التصوير القوطي[ر] Gothique.

في ذلك العصر ابتدأت معالم ثقافة محلية في فرنسا، ثقافة دينية يهيمن عليها رجال الدين، وظهرت اللغة الفرنسية في أعقاب اللغة اللاتينية، وتأسست أولى الجامعات عام 1120، وظهر الفن القوطي، ومن أبرز المنشآت القوطية في فرنسا، كاتدرائية شارتر Chartres عام (1260) وكاتدرائية ريمز Reims عام (1210) وكاتدرائية أميانAmiens  عام (1230)، وكاتدرائية نوتردام باريس (1240)، ولقد حفلت هذه الكاتدرائيات بمئات التماثيل التشخيصية الدينية، وبالنوافذ المشبكة بالزجاج المعشق Vitrail تمثل موضوعات دينية أو زخرفية وأشهرها في كاتدرائية سانت شابيل Sainte-Chapelle. وفي النهاية حمل أسلوب العمارة القوطية في فرنسا اسم الأسلوب اللاهب المتموج Flamboyant.

وبرز التصوير القوطي في المرقنات الإيضاحية التي خرجت عن الرمزية التي كانت عليها في التصوير البيزنطي، إلى الواقعية والوظيفية والتعبير عن العواطف الداخلية، حسب تعليمات القديس فرانسوا.

في عصر النهضة: بظهور عصر النهضة في إيطاليا على يد كبار المعماريين والنحاتين والمصورين، كان لابد من انتقال تقاليد هذا العصر الفنية إلى فرنسا، فابتدأت بالعمارة على يد المعمار ليسكو Lescot  ما بين (1515-1578) الـذي قدم مشروع الساحـة المربعة في قصـر اللوڤر، والمعمار دولـورم Delorme  ما بين (1510- 1570) الذي نفَّذ قصر سان مور، وابتدأ بتنفيذ قصر التويللري Tuilleries.

في عصر الباروك والروكوكو: في القرن الثامن عشر، ومع انتشار الفن الباروكي baroque في أوربا، ظهر هذا الفن في فرنسا منذ أن استدعى الملك لويس الرابع عشر المعمار الإيطالي برنيني Bernini الذي لم ينجح في بناء جناح اللوڤر الشرقي، وكان المعمار الفرنسي بيرو Perrault قد نفَّذ واجهة الفناء المربع مستغلاً الزخارف الباروكية. ومن أشهر المنشآت المعمارية المعاصرة لذلك العهد مقر المجمع L’institut للمعمار لوفو Le Vau، وبناء السوربون الذي ابتدأ كنيسة في عهد الوزير ريشيليو Richelieu عام (1627) وهي للمعمار لوميرسييه Le Mercier، والبناء نموذج صادق لفن العمارة في عهد لويس الثالث عشر.

 
 

    قصر فرساي - رواق المرايا

 

الذي شيده المعمار جول هاردوان مانسار

أما قصر ڤِرساي Versailles الذي أمر ببنائه هذا الملك، فلقد اشترك بعمارته كل من لوڤو وأورباي Orbay ولو نوتر Le Nôtre، ولقد زيَّن داخله المصور لوبران Lebrun بأسلوب باروكي، ثم حوَّل مانسار Mansart  ما بين (1598-1666) ولوبران طراز القصر عام 1683 إلى الأسلوب الكلاسي العقلاني.

كان الأسلوب الفرنسي قد تميز بالتنميق والزخرفة، وأطلق عليه اسم الروكوكو[ر] Rococo وابتدأ بتصميم الأثاث والأشياء واللباس في عهد لويس الرابع عشر، ويقتصر هذا الفن على تصوير حياة الملوك، والطبقة الرفيعة، وعلى موضوعات الحور والغيد الحسان والحدائق.

ومن أشهر مصوري الروكوكو، أنطوان واطو Watteau  ما بين (1683-1721) الذي تأثر بأعمال روبنز Rubens الموجودة في قصر اللوكسمبورغ قبل أن تنتقل إلى فرساي. ومن أشهر لوحاته «منتزه الشانزيلزيه» و«عند تاجر اللوحات».

والمصور الآخر كان فرانسوا بوشيه Boucher ما بين (1703-1770) وهو من أخصب رسامي الروكوكو إنتاجاً. كان مزيناً ورساماً ماهراً، وكان أول من استعمل الألوان المخففة الشفافة، ومن أشهر لوحاته «المستحمات» وكان شديد التعلق برسم الأساطير.

والفنان الثالث هو فراغونار Fragonard ما بين (1732-1806) الذي عاش في إيطاليا بين عامي 1753 -1756، وتأثر بنجوم عصر النهضة فيها.

كان الملك فرانسوا الأول من أبرز الملوك المهتمين بفن عصر النهضة، وكان ليوناردو دافنشي[ر] Leonardo da Vinci قد مات بين يديه. ومن أشهر المصورين الذين تمثلوا الأسلوب الإيطالي كوزان Cousin  ما بين (1490-1561) ثم تركـز هـذا الأسلوب في مـدرسة فونتِنبلو Fontainbleau وكـان كلوِه Clouet  مـا بين (1485-1541) رسام الملك فرانسوا، من أقوى رسامي تلك المدرسة، وكانت هذه المدرسة استمراراً للتكلُّفية Maniérisme الإيطالية.

واشترك في هذا الاتجاه كل من المصورين كوزان وغوجون Goujon. وانتقل أسلوب كوريجيو Correggio الإيطالي إلى فرنسا بوساطة فالانتان Valentin  ما بين (1594-1632)، وبدأت نهضة الفن في فرنسا بالتزام الواقعية الصرفة، على يد المصورين، لونان Le Nain وهم أخوة ثلاثة، والمصـور شـامبيني Champaigne  ما بين (1602-1674). أما لـوسوور Le Sueur  ما بين (1615-1655) فقد تأثـر بأسلوب رافـايلّو Raffaello. ويبقى نيكـولا بوسـان Poussin  ما بين (1594-1665) نجم عصر النهضة الفنية الفرنسية، متأثراً بالفن الإيطالي مع صديقه لوران Lorrain  ما بين (1600-1682) وكانت موضوعاته مستوحاة من التاريخ والأساطير، وبصورة عامة كان تأثير الأكاديمية الملكية واضحاً في جميع الفنانين.

 
 

     أوغست رودان: «باب الجحيم» (1880-1917)

 

       

 
 

لويس دافيد: «الجنرال بونابرت» (نحو 1797-1798)

 

 

 
 

غوستاف كوربيه:«آنسات ضفاف السين» (1856)

في العصر الامبراطوري: بعد الثـورة الفـرنسية والحـروب النابليونية (1789-1794) حلَّ عالم جديد بفتوحاته على الحضارة في أوربا، ففي فرنسا ظهر التصوير الفوتوغرافي عام 1839، على يد داغير Daguerre، وتقدمت علوم البصريات على يد شيفرول Chevreul وفاراداي Faraday. وابتدأت عمليات التنقيب الأثري تكشف عن معالم الحضارات القديمة، ولاسيما الحضارة الكلاسية التي نهضت تحت اسم الكلاسية المحدثة Néo-classicisme في فرنسا، في أعقاب الأسلوب الامبراطوري Style Empire الذي تمثَّل ببناء أقواس النصر والأعمدة. ومن أشهر المعماريين في ذلك الوقت بِرسييه Percier  ما بين (1764-1838) وسوفلو Soufflo ما بين (1713-1780) الذي أقام بناء البانتيون. وفي عهد نابليون الثالث قام هوسمانHaussmann  ما بين (1809-1891) بإعادة تخطيط مدينة باريس.

الكـلاسية المحدثـة: مـن أبـرز رواد التصويـر الكلاسي المحـدث كـان دافيـد[ر] David  ما بين (1748-1825) الذي درس في روما، وصار من قادة الثورة الفرنسية وفرض هذا الأسلوب بقوة المقصلة على الفنانين. وأعاد إنشاء الأكاديمية تحت اسم الأكاديمية الوطنية وفرض تعاليمها على جميع الفنانين. وتبعه في هذا الاتجاه كل من غرو Gros  ما بين (1771-1835) وهو من أقوى مصوري المعارك مثل معركة «أبو قير» في مصر التي قادها نابليون بونابرت. وأنغر Ingres  ما بين (1780-1867) الذي درس الفن في روما أيضاً عبر ثمانية عشر عاماً، وتعلق برافايلّو، وتمثل في أسلوبه الواقعية مع بعض التحوير. وقد عاصر هذا الفنان بداية الرومانتية Romantisme التي قادها دولاكروا Delacroix  ما بين (1798-1863).

الرومانتية: ظهرت الرومانتية في فرنسا رداً على الكلاسية المحدثة التي قادها دافيد، وكانت كسابقتها شاملة جميع أطياف الفنون والآداب والشعر الذي ظهر في قصائد هوغو Hugo وفي شعر أ. دو موسيه A. de Musset. أما في الفن التشكيلي فلقد كان دولاكروا زعيم هذا الاتجاه بلا منازع، وقامت رومانتيته على التأثر بالموضوعات الشرقية في المغرب العربي.

أما جيريكو Géricault  ما بين (1791-1824) فكان أكثر قرباً من مفهوم الرومانتية، هذا المصطلح المشتق من كلمة Roman أي رواية، وكانت لوحته الشهيرة «طواف ميدوزا» تسجيلاً لقصة البحارة التائهين عبر البحر (1819).

كان اتجاه دولاكروا نحو الشرق بداية لما يسمى بالاستشراق[ر] Orientalisme أو الغرائبية Exotisme. واستطاع دولاكروا في أثناء زيارته للمغرب العربي (1832) والجزائر خاصة، أن يتعرف عالماً مختلفاً بعاداته وتقاليده، مختلفاً بمناخه وشمسه، وفي رسائله أوضح إعجابه بثقافة مختلفة عن الثقافة الكلاسية. ومن أهم أعماله، لوحـة «نسوة من الجزائـر» les femmes d’Alger. واقتدى بدولاكـروا في اتجاهـه الاستشراقي مجموعـة مـن المصوريـن من أمثال فرومانتـان Fromentin  ما بين (1820-1876) وشاسيريـو Chassériau  ما بين (1819-1856).

ومن النحاتين الرومانتيين فرانسوا رود Rude  ما بين (1784-1855) ومن أشهر أعماله لوحة «ذهاب الثائرين» التي أطلق عليها اسم (المارسيلييز)، وهي لوحة نحتية ضخمة في واجهة قوس النصر في ساحة النجمة - باريس. ويعدُّ النحات رودان[ر] Rodin  ما بين (1840-1917) من أشهر النحاتين، ومن أعماله «باب الجحيم» ومجموعة «برجوازيو كاليه» وتمثال «بلزاك». وبعد وفاته جمعت أعماله في متحف خاص في إحدى الكاتدرائيات القديمة.

في عهد الامبراطور نابليون الثالث ظهر أسلوب فني يحمل اسمه، وكان البارون هوسمان من أبرز المعماريين ومنظمي المدن الذين تعاونوا مع الامبراطور، وكان بناء الأوبرا الذي صممه غارنييه Garnier  ما بين (1825-1898) نموذجاً لمفهوم الرومانتية في العمارة.

الاتجاه نحو الطبيعة: في مجال التصوير ظهر اتجاه جماعة الباربيزون Barbizon، ومدرسة الهواء الطلق Pleinairisme، وصارت الطبيعة موئل المصورين المباشر. وكان من أبرز المصورين في هذا الاتجاه تيودور روسو Rousseau  ما بين (1812-1867) من أشد المصورين ثورة على سيطرة الأكاديمية الفرنسية، وكان شديد التطرف بالارتباط بالطبيعة وبتفاصيل مشاهدها.

ومن المصورين الواقعيين الطبيعيين كان جان فرانسوا مييه Millet ما بين (1814-1875)، فبعد التحاقه بجماعة الباربيزون، عاد إلى تصوير الحياة الريفية التي كان قد نشأ فيها.

وكان كامي كورو Corot  ما بين (1796-1876) شديد الارتباط بالطبيعة أيضاً عن طريق جماعة الباربيزون، وامتاز بأسلوبه العاطفي. واشتهر أونوريه دومييه Daumier  ما بين (1808-1879) كفنان ساخر ناقد في مجلة «كاريكاتور» ثم في جريدة «شاريفاري».

ويعد غوستاف كوربيه Courbet  ما بين (1819-1877) زعيم النزعة الواقعية Réalisme. وكان معارضاً لقيود الأكاديمية، ومن أشهر لوحاته «مرسم المصور». وكانت لوحاته رائجة عالية الثمن ولعله أشهر رسام في عصره، وفي عهد الجمهورية عيّن مديراً للفنون الجميلة ومشرفاً على المتاحف، وكان خصماً عنيداً لاتجاه الرومانتية.

الانطباعية: في كهوف المقاهي المنتشرة على ضفة نهر السين اليسرى، كان الأدباء والفنانون والشعراء الناشئون يعبرون عن اعتراضهم على قيود الحركة الفنية. وكان من هؤلاء كل من الشعراء بودلير Baudelaire وغوتييه Gautier، ومن المصورين كوربيه ومانيه Manet.

وكان الفنانون شديدي الاستياء من لجنة التحكيم في المعرض السنوي، ولاسيما بعد أن رَفَضَت في معرض 1863 ما يزيد على أربعة آلاف لوحة لهؤلاء الفنانين الشباب، ثم سمح لهم الامبراطور بعرض بعض أعمالهم في مدخل مقر المتحف في القصر الكبير، وأطلق الصحفيون اسم «صالون المرفوضين» على معرضهم. وأبرز من اشتهر في هذا المعرض إدوار مانيه (1832-1883) زعيم المرفوضين، وكانت لوحته «الغذاء على العـشب» موضع نقد شديد. كما اشـترك كلـود مونيه Monet  ما بين (1840-1926)، وكامي بيسارو Pissarro  ما بين (1830-1903)، وأوغست رنوار Renoir  ما بين (1841-1919)، والمصورة بيرت موريزو Morisot  ما بين (1841-1895) وسيزانCézanne  ما بين (1839-1906). وأطلق الصحفي لوروا Loroy على العارضين اسم الانطباعيين Les impressionnistes، مستعيراً عنوان لوحة مانيه «انطباع شروق الشمس» Impression- soleil levant. وتابع هؤلاء تنظيم معارضهم في عام 1876، وعام 1877. وفي عام 1879 كان الإقبال شديداً على معرضهم هذا، ولقي رنوار نجاحاً كبيراً في حين أخفق سيزان.

    إدوار مانيه: «في القارب» (1874)  

كلود مونيه: «نساء في الحديقة» (1867) 

   

وآخر معرض للانطباعيين هو المعرض الثامن، وفيه شارك جماعة  الانطباعيين المحدثين وهم سينياك Signac  ما بين (1863-1935) وسورا Seurat  ما بين (1859-1891) الذي ابتكر التنقيطية Pointillisme أو التقسيمية Divisionnisme، وسيسلي  Sisleyما بين (1839-1899). وبعد ما يزيد على نصف قرن دخلت أعمال الانطباعيين متحف اللوڤر، وخصصت لهم صالة Jeu de Paume عام 1937.

قامت هذه المدرسة الشهيرة اعتماداً على ألوان الطيف السبعة، مستفيدة من نتائج أبحاث علم الضوء التي أنجزها شيفرول ورود، وهي بذلك مدرسة تجريبية ذاتية. واحتك بالانطباعيين كل من إدغار دِغا (ديغا) Degas  ما بين (1834-1917) بألوانـه الحواريـة (الباستيل)، وهنري دو تولـوز لـوترك Lautrec  ما بيـن (1864-1901) الذي صور حياة الحانات وصالات الرقص وحلبات سباق الخيل.

وبعد الانطباعية برز ثلاثة من كبار المصورين هم بول سيزان وبول غوغان Gauguin  ما بين (1848- 1903) والمصور الهولندي فنسنت ڤان غوغ van Gogh  ما بين (1853-1890).

وكان سيزان المبشر بالمدرسة التكعيبية cubisme، كما كان غوغان مبشر المدرسة الوحشية fauvisme، أما ڤان غوغ فكان رائد المدرسة التعبيرية expressionnisme.

اتسم فن العمارة في القرن العشرين بالحداثة وكان المعمار بيرِه Perret  ما بين (1873-1954) أول من استعمل الإسمنت. ومن عمالقة المعماريين لوكوربوزييه Le Corbusier  ما بين (1887-1965) الذي أنجز الجناح السويسري في باريس، وكنيسة نوتردام رونشان في منطقة السون الأعلى Haute- Saône في فرنسا. وفي بروكسل أقام المعمار جيله Gillet الجناح الفرنسي. وبدت العمارة الحديثة وكأنها كتلة نحتية، إذ اتجه النحت نحو التجريد.

النحت الحديث: من أبرز النحاتين الفرنسيين رودان Rodin الذي ضارع نحاتي مدرسة الفنون الجميلة، وتأثر به بورديل Bourdelle  ما بين (1861-1929) وبدا أسلوبه بتمثال «بينيلوب» Pénélope غنائياً. ومن هذه المدرسة دسبيو Despiau  ما بين (1874-1946) الذي تخلى عن الطابع الدرامي الذي اتصف به رودان. وعارض مايول Maillol  ما بين (1861-1944) هذه الدرامية  بأسلوب مبسط.

هنري ماتيس: «درس البيانو» (1916)

مدرسة الأنبياء: صارت باريس منذ بدايـة القرن العشرين عاصمة الفـن بلا منازع، وفيها ظهرت الحركات الفنية التي كوَّنت انعطافـات في تاريخ الفـن، مثل مدرسة جماعـة الأنبياء Les Nabis وعلى رأسها سيروزيه Sérusier  ما بيـن (1865-1927). ويجمع بيـن هذه الجماعـة أسلوبهم العاطفي الاستشراقي، ومن ممثلي هـذا الاتجاه بونار Bonnard ما بين (1867-1947) الـذي اهتم أيضاً بفـن الديكـور ومسرح العرائس. وسار في الطريـق ذاته ڤويّار Vuillard  ما بين (1868-1940) إضافة إلى أعماله التصويرية الكبيرة.

الوحشية: مجموعـة من الفنانين من أمثال ديـران Derain  ما بين (1880-1954) وڤان دونغن Van Dongen  ما بين (1877-1968) وڤلامنك Vlaminck  ما بين (1876-1958) اشتركوا في معرض واحد عام 1905 فأطلق عليهم الناقد الفني ڤوسيل Vauxcelles اسم الوحشيين Les Fauves. وكان هنري ماتيس (1869-1954) الذي تأثر بالفن العربي في المغرب، قد انفصل بذاته وأصبحت له طريقة خاصة تعتمد على التوصيف التشكيلي المختصر متجاوزاً البعد الثالث.

ومن الفنانين الوحشيين دوفي Dufy  ما بين (1877-1953) ورُوو Rouault  ما بين (1871-1958) الذي تأثر بفن الزجاج المعشق وزاوله.

التكعيبية: ظهرت المدرسة التكعيبية التي اعتمدت على الخط والحجوم رداً على المدرسة الوحشية اللونية. وكانت أعمال سيزان في معرض عام 1908 سبباً في استعمال كلمة التكعيب على أعمال براك Braque  ما بين (1882-1963) وبيكاسو Picasso  مابين (1881-1973) الذي أصبح أشهر مصور في القرن العشرين، وهو إسباني عاش ومات في فرنسا، ومن أشهر أعماله «آنسات آفينيون» ولوحة «الغرنيكا» Guernica التي استوحاها من غارات الألمان على هذه المدينة. استخدم براك وبيكاسو، التلصيق collage، وأنتجا أعمالاً نحتية وخزفية، وانتقل ليجيه  Léger ما بين (1881-1955) من التكعيبية إلى البنائية Constructivisme في موضوعاته.

في عصر الحداثة: بعد الحرب العالمية الأولى، ظهرت في باريس مدرسة الدادا Dadaïsme وعلى رأسها مارسيل دوشان Duchamp المبشر الأول لتيار الأشياء الجاهزة Ready made، وللحداثة الفنية Modernisme التي قامت على القطيعة. وظهرت في أعقاب مدرسة الدادا، المدرسة السريالية Surréalisme ومن ممثليها في فرنسا إيف تانغي Tanguy  ما بين (1900-1955)، أما سـلفادور دالـي Dali  مـا بيـن (1904-1989) الإسباني الأصل، فقد أصبح الممثل الأقوى لهذا الاتجاه الذي انتشر في أوربا والعالم تعبيراً عن عالم اللاشعور.

جورج براك: «البرتغالي» (1911) إيف تانغي: «السيدة الغائبة»

 

إلى جانب هذه المدرسة شجع الشاعر أبولينير Apollinaire  ما بين (1880-1918) الاتجاه الفني الذي مارسه هواة فطريون هم بقالون وقصابون وأطلق على هذا الاتجاه اسم المدرسة البدائية Primitivisme. ومن أهم ممثلي هذا الاتجاه هنري روسو Rousseau  ما بين (1844-1910).

وكان من أهم إفرازات الحداثة، الفن التجريدي Art Abstrait الذي عارض الفن التشخيصي Art représentatif وتجرد العمل الفني من أي مدلول واقعي مألوف.

ابتدأ هذا الفن في فرنسا كاندينسكي Kandinsky ما بين (1866-1944) الروسي الأصل بأسلوبه الروحاني، وموندريان Mondrian  ما بين (1872-1944) الهولندي الأصل بأسلوبه الهندسي الملون. إضافة إلى المصور السويسري بول كلي Klee  ما بين (1879-1940).

تأثير التقانات

في باريس التي أصبحت موئل الفنانين المهاجرين من أنحاء أوربا تشكَّلت مدرسة باريس. كان الهنغاري شوفر Schöffer  ما بين (1908-1992) قد أوجد الفن المتحرك. ثم ظهر الفن البصري Op. Art (Optical Art) الذي ابتكره الهنغاري الأصل ڤازاريللي Vasarely  ما بين (1908-1997). وبتأثير التقانات التي سيطرت على الحياة الاقتصادية والاجتماعية، اعتمد الفن على طاقات الحرارة، والكهرباء، والمغنطيس، والهواء، والمياه الجارية، لابتكار الفن الحركي art cinétique. كما ظهرت تيارات تجاوزت الحداثة أطلق عليها تسميات مختلفة في فرنسا وفي أنحاء أوربا.

عفيف البهنسي

 

 


التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 463
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 493
الكل : 31263033
اليوم : 11221

راي (ساتياجيت-)

راي (ساتياجيت -) (1921-1992)   ساتياجيت راي Satyajit Ray مخرج سينمائي وكاتب سيناريو وموسيقي هندي، سليل أسرة أدبية عريقة. ولد وتلقى تعليمه المدرسي والجامعي في كلكوتا. بدأ حياته المهنية كمصمم إعلانات وأغلفة كتب، وكان أحد مؤسسي أول ناد سينمائي في كلكوتا. عمل مساعداً للمخرج الفرنسي جان رينوار، عام 1950، في فيلم «النهر» الذي صوره في الهند. وفي عام 1955، أنتج وأخرج فيلمه الأول «باتر بانشالي» (أغنية الطريق) الذي حاز على جائزة «أفضل وثيقة إنسانية» في مهرجان كان، والذي صنع لراي بداية شهرته العالمية كمخرج يقدم سينما هندية مختلفة.
المزيد »