logo

logo

logo

logo

logo

أسترالية (التاريخ)

استراليه (تاريخ)

Australia - Australie

تاريخ أسترالية

 

أسترالية قبل الاستعمار الأوربي: تشير الدراسات والتنقيبات الأثرية إلى أن إعمار القارة الأسترالية بدأ منذ نحو 25000 عام. وهناك ثلاث نظريات حول أصول سكان أسترالية الأصليين. ترى الأولى أنهم يتحدرون من عرق قفقاسي قديم، أي إنهم من الأوربيين البدائيين. وتقول الثانية إنهم هجين مكون من ثلاثة عروق: زنوج تسمانيين، وقفقاسيين موراويين (نسبة إلى وادي موراي) وكاربنتاريين (نسبة إلى خليج كربنتارية Carpentaria). وقد يكون الأستراليون الحقيقيون من الأقرباء الحميمين لهنود سيلان والهند الجنوبية.

ويرى الباحثون أن هذه الأرومات الثلاث وصلت إلى أسترالية على موجات في مدى العصر الجليدي الرابع. غير أن تحليل الفصائل الدموية والمعطيات المورفولوجية والأنتروبولوجية ـ الفيزيائية لا تؤيد هاتين النظريتين. أما النظرية الثالثة فتقول بأن الأستراليين الأصليين تمايزوا في منطقة أسترالية ـ ماليزية. ويحتمل أنهم انتشروا فيما بعد شمالاً وشرقاً في شبه جزيرة ماليزية، والهند الجنوبية وسيلان ومالينيزية ثم في أسترالية، ولربما احتفظوا بشخصيتهم بسبب عزلتهم في الأراضي الأسترالية. ولا يمكن الجزم فيما إذا كانوا قد وصلوا أسترالية في مرحلة واحدة أم على مراحل. أو أنهم جاؤوها عن طريق بري ـ بحري فوق الرصيف القاري ساهول Sahul Shelf الذي كان مستوى البحر منخفضاً عنده، أم أنهم استخدموا القوارب والمراكب البدائية في رحلاتهم.

كان السكان الأصليون عند قدوم الأوربيين إلى أسترالية عام 1788 يعيشون حياة بدائية جداً في مجموعات صغيرة على سواحل القارة الشمالية والشرقية، ويعتمدون في معاشهم على جني الثمار والصيد. ولم يكن عددهم يزيد على 000ر300 نسمة وينقسمون إلى 500 قبيلة لكل منها موطن ولغة أو لهجة. وبعد مدة وجيزة من وصول الأوربيين إلى القارة شن هؤلاء حملة إبادة جماعية على السكان الأصليين. استخدموا فيها جميع الوسائل بدءاً من القتل المنظم حتى العزل في الغابة وتسميم المواد الغذائية فيها. وقد تم القضاء على كل السكان الأصليين في جزيرة تسمانية تقريباً، ولم يبق منهم في القارة الأسترالية بكاملها في عام 1966 سوى 45.000 نسمة.

الكشوف الجغرافية وبداية الاستعمار الأوربي

اعتقد الجغرافيون القدماء بوجود أرض جنوبية مجهولة في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، لأن وجودها ضروري للحفاظ على توازن الكتل القارية المعروفة للعالم القديم. وتشير المصادر التاريخية إلى وجود اتصال آسيوي مع أسترالية قبل أن يوثق تاريخها إذ يذكر الفلكيون الصينيون أنهم قاموا بأرصاد لهم في «أرض الجنوب» في القرن السادس ق.م. وثمة دليل لاريب فيه يؤكد أن الصينيين نزلوا سواحل أسترالية قرب ما يعرف اليوم بمدينة داروين سنة 1432. كذلك فإن توغل الإسلام في جنوب شرقي آسيا إلى مناطق لا تبعد أكثر من 480كم عن أسترالية لا بد وأن يكون قد دفع بعض المغامرين إلى ركوب البحر تلك المسافة، أو أن تكون الرياح أو التيارات قد دفعتهم إليها. وتتحدث المصادر العربية والصينية عن «أرض الجنوب» من دون تحديد دقيق يوضح ماهيتها وموقعها. كذلك توجد على بعض خرائط الأوربيين التي تعود إلى القرن السادس عشر أرض جنوبية دعيت «جاو العظمى» Jave la Grande. والثابت لدى الأوربيين أن البحارة البوغيين (جنوبي أندونيسية) كانوا يصطادون السمك عند «آرنهم لند» Arnhem Land شمالي أسترالية منذ القرن الثامن عشر، وربما كانوا يرتادون هذه البحار منذ أجيال. وقد تكون المقاومة العنيدة التي واجه بها سكان أسترالية الأصليون البحارة البوغيين هي التي حفظت أسترالية للاستعمار الأوربي. وقد يكون البحث عن الثروة وعن الأرض الجنوبية المجهولة من الأسباب التي اجتذبت البرتغاليين إلى شواطئ أسترالية ويؤكد ذلك أن جزيرة ملفيل بالقرب من الساحل الشمالي كانت تمد البرتغال بالعبيد، إلا أنه لا يوجد دليل قاطع على اتصالهم بأسترالية. كذلك قام الإسبان من مستعمراتهم في جنوبي أمريكة برحلات استكشافية عثروا فيها على جزر سليمان وجزر الهبريد الجديدة ومضيق تورِس.

ومع بداية القرن السابع عشر شرع الهولنديون بالبحث عن القارة المجهولة، وبدأت عمليات الاستكشاف تأخذ طابعاً منهجياً. فعثر الهولنديون على خليج كاربنتارية (1606) واستكشفوا السواحل الشمالية والغربية للقارة (1616- 1629) وأطلقوا عليها اسم هولندة الجديدة. لكن هذه الرحلات خيبت آمال المستكشفين ومموليهم لعدم عثورهم على التوابل والذهب. وفي عام 1642 جهز الهولندي آبل ج. تسمان Tasman حملة جديدة بتكليف من الحاكم العام لجزر الهند الشرقية الهولندية أنتوني فان ديمن لمعرفة مدى إمكان استغلال أراضي الجنوب الجديدة. فقام بالدوران حول القارة (1642- 1643) واكتشف الجزيرة التي أصبحت تحمل اسمه (جزيرة تسمانية)، كما استطلع نيوزيلندة في طريق عودته، ثم قام بحملة أخرى عام 1644 فنزل على الساحل الشمالي من الأرض الجديدة التي دعيت هولندة الجديدة. ولم يجد الهولنديون في هذه الأرض ما كانوا يسعون إليه فتخلوا عن محاولة استكشافها. وقد عزز هذا العزوف عن متابعة استكشاف القارة رحلتان قام بهما القرصان الإنكليزي وليم دامبيير (1688-1689) Dampier الذي لم يجد هناك إلا أرضاً حفرة نفرة كثيرة الغبار، وظل هذا الانطباع سائداً في أوربة حتى القرن الثامن عشر، عندما عاد العلماء الجغرافيون إلى إثارة موضوع القارة الجنوبية من جديد وكان للتنافس الاستعماري بين فرنسة وإنكلترة أثره في متابعة البحث في بحار الجنوب عن مستعمرات جديدة، اكتشف الرحالة الإنكليزي صموئيل واليس S.Wallis جزر تاهيتي عام 1767، واكتشف الفرنسي لويس أنطوان دي بوغنفيل de Bougainville الحيد المرجاني الكبير في المحيط الهادئ واجتاز مضيق تورس وجانب الساحل الشمالي  للقارة الأسترالية (1768)، فكان أول بحار فرنسي يجوب بحار أسترالية، وخشيت إنكلترة أن تسبقها فرنسة إلى احتلال أراض غنية تعوضها عن فقد كندا فجهزت بعثة علمية استكشافية بقيادة القبطان جيمس كوك عام 1769 جابت الساحل الشرقي لأسترالية ووصلت إلى رأس يورك الحالي، ثم نزلت في خليج بوتاني (1770)، واستولت باسم ملك إنكلترة على جزء من ذلك الساحل فكانت تلك أول مستعمرة إنكليزية في المحيط الهادئ وأطلق عليها اسم نيوساوث ويلز.

لم تفكر لندن في البداية بادعاء ملكية القارة أو عدّها مستعمرة ذات شأن، واكتفت بنفي بعض المعارضين الإيرلنديين إليها. وبعد ثورة المستعمرات الإنكليزية في أمريكة الشمالية (1783) واستقلال الولايات المتحدة، اضطرت إنكلترة إلى نقل سجنائها المحكومين بالأشغال الشاقة والنفي من فرجينية في الولايات المتحدة إلى هذه المستعمرة الجديدة. وفي 26 كانون الثاني سنة 1788 ألقى الكابتن آرثر فيليب مراسيه عند مرفإ جاكسون (سيدني اليوم) وكان يرافقه أكثر من ألف إنسان (منهم 717 محكوماً بالنفي وفيهم 188 امرأة) وكان في جملة حمولته كذلك عدد من الأبقار والأغنام وحيوانات أهلية أخرى. فأقام آرثر في المستعمرة الجديدة ينظم شؤونها وأنشأ فيها نواةً لسلطة تولت إدارتها ، وسرعان ما بدأت الحياة تنتظم تدريجياً بعد أن نجحت المستعمرة بالعيش من إنتاج 800 هكتار من الأرض المتاخمة لها ومن نتاج الحيوانات التي جاءت مع الحملة. وقد أضاف إليها الكابتن جون ماك آرثر عدداً آخر من أغنام المورينوس (1797) وبلغ عدد سكان المستعمرة في آخر القرن الثامن عشر 5217 نسمة.

أسترالية في القرن التاسع عشر

بعد عودة آرثر فيليب إلى بريطانية عام 1792 تولى ضباط المستعمرة السلطة فيها. واستولوا على مساحات شاسعة من الأراضي وأداروها لحسابهم الخاص، ولم يستطع الحكام البريطانيون الذين تعاقبوا على المستعمرة الحد من تسلط هؤلاء الضباط إلى أن جاءها الحاكم لاكلان ماكويري في كانون الأول 1808 على رأس قوة خاصة، فأعاد الأمور إلى نصابها وحكم المستعمرة بيد من حديد، وعمل على شق الطرق وتشييد المباني العامة فيها. وفي عهده ازدهرت تربية الأغنام وتقدمت على زراعة الحبوب، وأصبح الصوف المصدر الأول للاقتصاد في أسترالية. وفي عهده كذلك استؤنفت الاستكشافات في داخل القارة. فتم اجتياز الجبال الزرقاء (غرب سيدني) عام 1813، وأضيف إلى أملاك المستعمرة سهول جديدة ملائمة لتربية المواشي وللاستثمار الزراعي، وتسابق المهاجرون إلى الاستيلاء على الأراضي الجديدة، فتأسست مدينة باثورست (1815) Bathurst وأصبحت أول مدينة قارية داخلية في مستعمرة نيوساوث ويلز، واتسعت الإقطاعات بوضع اليد على حساب إقطاعات المستوطنين. وشجع ماكويري السجناء المحررين على أن يصبحوا مزارعين فأثار بعمله هذا عداء كبار الإقطاعيين، فقاوموه ونجحوا في عزله (1821).

وفي عام 1823 أصبحت مستعمرة نيوساوث ويلز تابعة للتاج البريطاني، لها حاكمها ومجلسها التشريعي من دون تمثيل المستوطنين في هذا المجلس. وفي المدة بين عامي 1820 و1835 أنشئت في أسترالية خمس مستعمرات أخرى مستقلة. لكل منها حاكمها هي: تسمانية، وأسترالية الغربية، وجنوبي أسترالية، وفيكتورية، وكوينزلند. ووزعت الأراضي على المهاجرين لتشجيع الهجرة إلى القارة واستغلالها وشهدت هذه المرحلة تأسيس مدينتي ملبورن (1835) وأديلايد (1836). وفي عام 1840 ألْغت لندن إجراءات نفي السجناء إلى مستعمرة نيوساوث ويلز، ثم أصدرت «قانون حكومة المستعمرات الأسترالية» (1850) Australian Colonies Government Act. الذي حصلت بموجبه أربع مستعمرات، هي نيوساوث ويلز وفيكتورية وجنوبي أسترالية وتسمانية، على حق إقامة مجالس تشريعية منتخبة جزئياً. ومُنح دافعو الضرائب فيها حق الاقتراع. ومنذئذ لم يعد هناك ما يحول دون حصول المستعمرات على الحكم الذاتي، فاكتشاف الذهب (1851) وما تبعه من ازدهار اقتصادي حفز حكومة لندن إلى أن تقترح على المستعمرات تحرير دساتيرها بنفسها. ونصت دساتير المستعمرات على أن يكون لكل منها مجلسان على النمط الإنكليزي. وأصبح لكل مستعمرة حكومة مسؤولة أمام البرلمان، وحاكم يمثل سلطة العاصمة الإنكليزية لندن.

اكتشاف الذهب ونتائجه

اكتشف الذهب بكميات اقتصادية في حقل «أوفير» في مقاطعة «أورانج» (نيوساوث ويلز) في شهر نيسان سنة 1851، فكان ذلك بدء حمى البحث عن الذهب في المستعمرة، وتسابق آلاف المستوطنين إلى التنقيب عنه في مناطق عدة. وقد عثر فعلاً على مناجم ذهب أخرى في «أورانج» وفي مستعمرتي «كوينزلند» (1867) و«أسترالية الغربية» (1883).

وفي عام 1852 بلغ إنتاج الذهب نحو 87 مليون غرام. ولم يقل الإنتاج السنوي من الذهب حتى عام 1920 عن 31 مليون غرام وبلغ الإنتاج ذروته (1040 مليون غرام ذهب) في العقد الأول من القرن العشرين. وكان لاكتشاف الذهب في أسترالية نتائج مهمة جداً. إذ بلغت قيمة الذهب المنتج في مدى عشرين عاماً 190 مليون جنيه، وتضاعف عدد سكان القارة أكثر من أربع مرات فارتفع عددهم من 405.000 نسمة عام 1850 إلى ما يزيد على 2.225.000 نسمة عام 1881 وإلى 4.455.000 نسمة عام 1911.

وكان من نتائج ذلك أيضاً تأسيس أولى النقابات العمالية عام 1874 (اتحاد عمال المناجم) وتبعتها نقابات أخرى أخذ نفوذها يتزايد باستمرار. واستطاعت في مدى ستين عاماً تحقيق الكثير من المكاسب العمالية، كتحديد الراتب الأدنى الحيوي، وتخفيض عدد ساعات العمل، وفرض الإجازات السنوية، وتوفير الخدمات الاجتماعية ومنحها الصلاحيات الواسعة، ومنح المرأة حق التصويت وغير ذلك.

ومن النتائج الأخرى لاكتشاف الذهب نشوء عدد من المدن في مواقع الباحثين عن الذهب (بالارات وبنديغو) وشق الطرق، ومد السكك الحديدية، ونمو التجارة في تلك المناطق، واتساع مجال السوق الداخلية فنشطت الزراعة (ولاسيما القمح) وانتعشت الصناعة ولاسيما الصناعات الغذائية والتعدينية ونشأت طبقة عاملة معظم أفرادها من عمال المناجم.

الازدهار الاقتصادي ونشأة الاتحاد

شهدت أسترالية في أواخر القرن التاسع عشر عهداً من الازدهار الاقتصادي تخللته بعض الأزمات. وكان لرؤوس الأموال الإنكليزية دور مهم في تحقيق هذا الازدهار، إلا أنها أدت إلى زيادة عبء أسترالية من الديون الخارجية. وقد أثارت المشاريع الاستعمارية الفرنسية (كاليِدونية الجديدة) والألمانية (غينية الجديدة) في المحيط الهادئ خوف الأستراليين من تسلط هاتين الدولتين وحفزتهم إلى العمل متحدين. وكان للعمال الأستراليين دور مهم في إذكاء النزعة الاتحادية في القارة، فعقد في عام 1891 أول مؤتمر اتحادي انتهى إلى تأليف لجنة مهمتها وضع مشروع دستور اتحادي، إلا أن الأزمة الاقتصادية التي هزت أسترالية بين عامي 1892- 1896 طغت على الاهتمامات الاتحادية فيها. وقد أدى استقرار الوضع تدريجاً من عام 1895، والشعور المتبادل بالعزلة الذي عانت منه المستعمرات الأسترالية في هذه الأزمة وتفاقم الطموحات اليابانية والألمانية في المحيط الهادئ إلى تنامي الشعور بالحاجة إلى الاتحاد، الذي أضحى يحتل المرتبة الأولى بين اهتمامات الأستراليين، فعادت الجمعية التأسيسية الاتحادية إلى الاجتماع من جديد في عام 1897، ووافق الأستراليون على دستور الاتحاد الفدرالي (استفتاء عام 1899). وصدق البرلمان البريطاني على إقامة الكومنولث الأسترالي (قانون 9 تموز عام 1900)، وأعلن قيام الاتحاد رسمياً في الأول من كانون الثاني عام 1901. واختيرت مدينة كانبرة عاصمة للاتحاد، وصيغ الدستور وسطاً بين النظامين البريطاني والأمريكي وتحتفظ كل ولاية بموجبه باستقلالها الداخلي، وتختص الحكومة الاتحادية بشؤون الدفاع والخارجية والتجارة الخارجية والجمارك والبريد والبرق والاستيطان.

وقد ضم الكومنولث الأسترالي المستعمرات الست السابقة التي غدت ولايات، وبقي الشمال القليل السكان مقاطعة ملحقة بولاية جنوبي أسترالية في أول الأمر، ثم ألحق بالحكومة الاتحادية بعد ذلك. وهذه الولايات هي:

نيوساوث ويلز وعاصمتها سيدني، جنوبي أسترالية وعاصمتها أديلايد، أسترالية الغربية وعاصمتها بيرث، أسترالية الشمالية وعاصمتها داروين، كوينزلند وعاصمتها بِرْسْبان، فكتورية وعاصمتها ملبورن، تسمانية وعاصمتها هوبارت.

ويتبع الاتحاد الأسترالي كذلك عدد من الأقاليم والجزر هي جزر نورفولك (2181 نسمة) وجزر بحر المرجان (كورال) وجزر آشمور وكارتيْير، وجزر كوكو (670 نسمة) وجزر الميلاد (كريسماس 1275 نسمة) وإقليم القطب الجنوبي (80 نسمة).

أسترالية في القرن العشرين

هيأ إنشاء الكومنولث الأسترالي والتقارب بين ولاياته الشروط الملائمة لازدهار الحياة الاقتصادية في القارة ودخلت الحياة السياسية مرحلة جديدة بعد ظهور حزب العمال الإصلاحي الذي تسيطر عليه الأوساط النقابية العمالية، وأدى نشاط هذا الحزب إلى تسلمه السلطة من الليبراليين والمحافظين سنة 1904، فقوي الاتحاد داخلياً، وتبنى سياسة الحماية الاقتصادية والحد من الهجرة. وظل الحزب على رأس السلطة الفدرالية حتى عام 1920 باستثناء بعض المدد القصيرة، وقد حقق حزب العمال في هذه الحقبة إنجازات كثيرة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، فغدا مستوى المعيشة في أسترالية من أكثر المستويات ارتفاعاً في العالم. إلا أن الكومنولث الأسترالي ظل في مجال السياسة الخارجية مرتبطاً بلندن بروابط اقتصادية واستراتيجية، وقدم الدعم لها في مناسبات عدة، ولاسيما في السودان (1895)، وفي حرب البوير في إفريقية الجنوبية (1900)، وشاركت أسترالية بزعامة حكومة حزب العمال في الحرب العالمية الأولى [ر] (1914- 1918)، وبلغ عدد الأستراليين المشاركين فيها 330 ألف متطوع، قتل منهم 60 ألفاً وجرح 150 ألفاً، كذلك تنبه الأستراليون إلى أهمية موقعهم في البحار الجنوبية فعدوا أنفسهم حراساً لها، وقد تجلت قناعتهم هذه في مؤتمر السلام (1919) الذي عقد في باريس، وعارض فيه رئيس الوزراء الأسترالي هوغ Hugues أفكار الرئيس ويلسون فيما يتعلق بدور اليابان في المحيط الهادئ، وحصل من عصبة الأمم على حق الانتداب على الممتلكات الألمانية جنوب خط الاستواء (باستثناء جزر ساموا)، فكان ذلك بداية سياسة أسترالية دولية أصيلة.

 عانت أسترالية مع نهاية الحرب أزمة تحويل الإنتاج الحربي إلى إنتاج سلمي. ولم تسترد ازدهارها الاقتصادي الحقيقي إلا بدءاً من عام 1921. وقد تجلى هذا الازدهار في الريف الأسترالي أكثر من المدن، وأدت سياسة الحماية الاقتصادية الصارمة إلى تطوير صناعة التعدين والصناعات النسيجية وصناعة السيارات وتوظيفها في السوق الوطنية.

 وأدى العجز المتزايد في الميزان التجاري بسبب ارتفاع مستوى المعيشة منذ عام 1926 إلى مضاعفة القروض فازدادت تبعية أسترالية للسوق المالية البريطانية. ولم تحظ الجهود التي بذلت لاجتذاب المهاجرين الإنكليز بين عامي 1921 و 1929 للتغلب على مشكلة قلة السكان إلا بقليل من النجاح (300 ألف مهاجر جديد أغلبهم من العاطلين عن العمل والفقراء).

وكان وقع الأزمة الاقتصادية العالمية (1929- 1930) شديد الوطء على أسترالية لانهيار أسعار الصوف والقمح عالمياً واعتمادها اقتصادياً ومالياً على الخارج وتوافق بدء الأزمة مع وصول حزب العمال إلى الحكم (تشرين الأول 1929) بقيادة جيمس سكالّين Scullin الذي واجهت حكومته صعوبات جمة لافتقارها إلى دعم البرلمان الأعلى، وأدت انتخابات كانون الثاني 1931 إلى تأليف حكومة ائتلافية ضمت حزب الاتحاد الاشتراكي المكون من الحزب الوطني وأقلية من حزب العمال برئاسة ج.أ.ليونز Lyons، ومن بعده منزيس Menzies، واستمرت هذه الحكومة تدير شؤون أسترالية حتى الحرب العالمية الثانية. ومع أن الاقتصاد الأسترالي استرد عافيته شيئاً فشيئاً منذ عام 1933، فقد تركت الأزمة بصماتها، وشهدت الصناعة وتربية المواشي مرحلة جديدة من الازدهار، إلا أن زراعة القمح أصيبت بتدهور نسبي لعدم استقرار الأسعار العالمية. وطرحت معاهدات ويستمنستر (1930) وأوتاوة (1932) شكلاً جديداً للعلاقات بين لندن ومستعمراتها، فلم تعد مصالح الأستراليين تلتقي دوماً مع مصالح لندن، وعمدت الحكومة الفدرالية عام 1933 إلى تكثيف تسليحها ولاسيما الطيران، بعد حصولها على وضع الدومنيون. وأحدثت فيها وزارة للخارجية عام 1935، وافتتحت أول مصنع للطائرات عام 1936، ووضعت خطة للدفاع القومي عام 1939.

أسترالية في الحرب العالمية الثانية وما بعدها

 في أيلول 1939 أعلنت أسترالية الحرب على ألمانية. وفي غضون سنتين شارك 120 ألف جندي أسترالي في الحرب تطوعاً، وأخضع الإنتاج الصناعي الحربي لإدارة جديدة. وبعد أن تسلّم حزب العمال السلطة عام 1941 برئاسة ج.ج.كورتن Curtin احتل المجهود الحربي المرتبة الأولى. وتبنى الحزب سياسة اقتصادية موجهة لتنظيم هذا المجهود. وفي المدة بين كانون الأول 1941 ونيسان 1942 حقق اليابانيون انتصارات مذهلة في جنوب شرقي آسيا فاستولوا على سنغافورة (15 شباط 1941) ووقع في الأسر 15000 أسترالي. وحاق الخطر بأسترالية نفسها، ولم يرتفع هذا الخطر إلا بعد نزول الجنرال الأمريكي ماك آرثر فيها (18 آذار 1942) وانتصاره في معركة بحر المرجان التي استمرت نحو أسبوع (من 4 إلى 8 أيار) وانتهت بهزيمة الجيش الياباني. وبلغ عدد الأستراليين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية 750 ألفاً قتل منهم 30 ألفاً وأسر 20 ألفاً. وكانت مرحلة الحرب لأسترالية منعطفاً مهماً في المستويين الاقتصادي والسياسي إذ أصبحت أسترالية اقتصادياً تملك صناعة مهمة وحديثة. وتحولت إلى شريك سياسي للولايات المتحدة الأمريكية في شؤون جنوب شرقي آسيا.

ونظراً للجهود التي بذلتها أسترالية في الحرب. فقد واجهت بعد الحرب صعوبات شديدة وكان على حزب العمال أن يحل مشكلة التضخم المالي التي عرضت رفاه البلاد للخطر.

ولم يفلح تأميم البنوك في حل هذه المشكلة. فأدت الانتخابات العامة (كانون الأول 1949) إلى فوز مرشحي الائتلاف الوطني من الحزبين الليبرالي والمحافظ الذي غدا نصيراً للإصلاح الزراعي. وقد تولى هذا الائتلاف الحكم إلى عام 1972، واضطرت الحكومة الليبرالية في هذه المرحلة إلى تبني برنامج اقتصادي صارم مكن من السيطرة على التضخم المالي وتجنب الركود الاقتصادي، بل وإلى ازدهار اقتصادي بدأ بالظهور في عام 1963. إلا أن عدم اهتمام الحكومة بالمشكلات الاجتماعية، وتعاقب عدد من رؤساء الوزارة الليبراليين غير الفعّالين بعد استقالة ر.ج. منزيس (1966) حالا دون تمكن الحكومة الائتلافية من مواجهة المعارضة الشديدة لمشاركة أسترالية في الحرب الفييتنامية ولنظام التجنيد الإلزامي، إضافة إلى سوء الأوضاع الاجتماعية وأوضاع السكان الأصليين، فسقط الائتلاف وفاز العمال بزعامة أ.غ. وايتلام Whitlam في انتخابات كانون الثاني 1972.

وكان من أوائل الإجراءات التي اتخذها وايتلام بعد تسلمه سدة الحكم إلغاء التجنيد الإلزامي وتطبيق برنامج واسع للإصلاحات الاجتماعية والثقافية والتربوية. ومنح الأقليات الإثنية والمحلية وعوداً بتحسين أوضاعها. إلا أن التضخم المالي المتسارع وتفاقم البطالة، والتدابير التي اتخذت للحد من دخول رؤوس الأموال الأجنبية الاستثمارية أدى إلى عد الحكومة العمالية مسؤولة عن الجانب الأكبر من سوء الحالة الاقتصادية وإلى انتصار التحالف الليبرالي المحافظ من جديد بزعامة م.فريزر Fraser في انتخابات 1975 العامة. وتأكد هذا الانتصار في انتخابات 1977 و 1980، وفي الأشهر الأخيرة من عام 1982 شهدت البلاد تدهوراً سريعاً للحالة الاقتصادية فخسر الائتلاف في انتخابات 1983 وعاد العمال إلى السلطة الفدرالية.

أما على الصعيد الخارجي فقد تولدت لدى الأستراليين القناعة من حوادث الحرب العالمية الثانية أن أمنهم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بعلاقاتهم مع الولايات المتحدة، وتجسدت هذه العلاقات في الحرب الكورية بإقامة حلف للدفاع المشترك مع نيوزيلندة والولايات المتحدة (أنزوس ANSUS) أصبح الأساس الذي تستند إليه سياسة أسترالية الخارجية، كما اتجهت جهود أسترالية إلى مساعدة جيرانها من الآسيويين وأيدت باستمرار خطة كولومبو (1950) المتعلقة بمساعدة الدول الآسيوية الأعضاء في الكومنولث البريطاني. وأياً كانت السمة الإنسانية لهذه السياسة فإنها كانت تهدف بالأساس إلى إيقاف المد الشيوعي والخدمات المعادية للإمبريالية في القارة الآسيوية.

إلا أن عزلة أسترالية الجغرافية وقوتها العسكرية المتواضعة كانتا تحدان دوماً من أهميتها الدولية. وبعد نهاية الحرب الفييتنامية اتبعت أسترالية سياسة خارجية أكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة فأقامت علاقات دبلوماسية مع الجمهوريات الديمقراطية الشعبية مثل الصين (1972)، وفييتنام (1976). وتعمل أسترالية ما بوسعها من أجل تحقيق استقرار دولي قائم على علاقات الصداقة مع البلدان الخمسة المشتركة في حلف جنوب شرق آسيا وهي ماليزية، والفيليبين، وتايلند، وإندونيسية، وسنغافورة، وهي عنصر فعّال كذلك في منطقة جنوبي المحيط الهادئ، وتسعى إلى تحسين قدراتها في مجال الرصد الساحلي والإقليمي في ذلك المحيط.

وأسترالية اليوم دولة اتحادية فدرالية برلمانية عضو في الكومنولث البريطاني منذ عام 1901، تسير على الدستور الذي وضع في تلك السنة. ولها بموجبه برلمان مؤلف من مجلسين، الأول للنواب عدد أعضائه 148 عضواً ينتخبون لمدة ثلاث سنوات، والثاني للشيوخ عدد أعضاءه 76 عضواً، لكل ولاية 12 عضواً ولكل مقاطعة عضوان ينتخبون لمدة ستة أعوام، مع إجراء انتخابات جديدة لنصف الأعضاء كل ثلاثة أعوام. ويتألف الاتحاد الأسترالي من ست ولايات ومقاطعتين إضافة إلى الأقاليم التي تخضع للسيادة الأسترالية مثل جزر الميلاد وكوكو ونورفولك. ويعد ملك (ملكة) بريطانية الرئيس الأعلى للاتحاد ممثلاً بحاكم عام محلي. ويشار إلى أن الاستقلال الفعلي لأسترالية تم في 1/1/1901، أما الاستقلال الاسمي ففي 11/12/1930 والعيد الوطني للبلاد هو يوم وصول أول المواطنين البيض إليها في 26/1/1788.

صباح كعدان

المظاهر الحضارية في أسترالية

المجتمع الأسترالي وأسلوب الحياة: المجتمع الأسترالي مجتمع لا طبقي، فليس ثمة فروق واضحة المعالم بين طبقاته. وقد حدّت الخدمات الاجتماعية المتطورة من حالات الفقر، وأدت ضرائب الدخل الباهظة إلى تقليص تراكم الثروات، وتمكنت اتحادات العمال المتنفذة من ضمان حقوق العمال، وساعد الوعي الاجتماعي في تحقيق العدالة ورفع الظلم. وأدى ذلك كله إلى نمو الشعور بالمشاركة والزمالة في البلاد، ومال الأفراد إلى التعاون فيما بينهم. ولا يوجد في أسترالية مجتمع «مترف» واضح المعالم ولا أسر ذات نفوذ دائم سياسياً أو اجتماعياً، وربما عُدَّ أصحاب المزارع الكبرى، الذين يطلق عليهم اسم سكواترز (واضعو اليد) مجموعة اجتماعية متميزة، إلا أن تأثيرهم في تقلد المسؤوليات الاجتماعية أو في تولي القيادة السياسية لا يزيد على ما لغيرهم من الفئات الأخرى، ولاسيما محترفي السياسة. وعلى اتساع أسترالية وتنوع أقاليمها الجغرافية فإن الفروق في العادات وأسلوب الحياة ضئيلة لا تذكر باستثناء بعض أنواع اللباس التي تفرضها الأحوال المدارية في الشمال. ويميل الأستراليون في السنوات الأخيرة إلى تقليد الأمريكيين في التخفف من قيود اللباس الرسمي، وينزع أكثر الرجال إلى ارتداء بنطال رمادي وقبعة رياضية والتخلي عن السترة (الجاكيت) في الصيف، إلا في عواصم الشمال حيث ما تزال التقاليد القديمة سائدة. أما النساء فيملن إلى ارتداء ثياب فضفاضة تناسب حياتهن في الشارع والمنزل. وموقف المجتمع الأسترالي من النساء يستحق التأمل، فقد فرض على المرأة أن تهتم بشؤون منزلها أولاً منذ أن شرع بإقامة المستوطنات في أسترالية، وظل هذا التقليد متوارثاً إلى اليوم، فلا دور يذكر للنساء في الحياة السياسية أو النقابية أو الاجتماعية كما يفترض في مجتمع يقوم على المساواة التامة بين المواطنين، مع ازدياد مشاركة النساء في الحياة العامة وفي شغل الوظائف والتجارة. وأول ما يلاحظه الزائر عند قدومه إلى أسترالية ذلك الفصل الواضح بين الجنسين، إذ ينفرد الرجال في الحفلات والمآدب ليتناقشوا في أمور العمل والرياضة، وتخلو النساء إلى أنفسهن للتداول في الشؤون المنزلية.

وللرياضة مكانها الرائد في حياة الأستراليين، يمارسونها كباراً وصغاراً ويبرِّز فيها كثيرون، ويساعدهم في ذلك توافر منشآتها ومعداتها وتشجيع الناس للرياضيين وتقديرهم لهم، ومع أن ساعات العمل في أسترالية لا تقل عما هي عليه في أوربة وأمريكة إلا أن الأستراليين يولون حياة الاستجمام والمتعة رعاية خاصة مع احترامهم الشديد للحرية الفردية. والأستراليون أكثر شعوب العالم أكلاً للحوم فهم يتناولون اللحم في وجباتهم اليومية الثلاث وكل أيام الأسبوع، وشرائح اللحم المقلي مع البيض هي الطبق المفضل، وهم أكثر شعوب العالم شرباً للجعة. وقد بدلت الهجرة الواسعة إلى أسترالية في العقود الأخيرة من عادات الأكل والشرب قليلاً وأغنت الحياة في البلاد وزادت في تنوعها، وتشير الإحصاءات إلى أن كل تاسع شخص في أسترالية هو من القادمين الجدد.

الدين: يضمن الدستور الأسترالي الحرية الدينية ولا ينص على كنيسة محددة أو قانون يمنع ممارسة أي شعائر، وليس ثمة شرط يحدد المذهب أو الدين عند التعيين في وظيفة حكومية في مستوى الاتحاد، وتدل الإحصاءات على أن نحو 85% من السكان هم من المسيحيين، والأستراليون الذين يتحدرون من أصل إنكليزي أو اسكتلندي هم في الغالب من أتباع المذهب الأنغليكاني، وتتبدل النسبة زيادة ونقصاناً بين المذاهب والديانات بسبب الهجرة المتصلة.

 التربية والتعليم: تملك أسترالية شبكة واسعة من المنشآت التعليمية والثقافية على قلة سكانها، وقد أدخل التعليم الإلزامي الابتدائي في الولايات الأسترالية بين عامي 1872 و 1893، والأمية غير موجودة تقريباً، ومناهج التعليم وسنواته مماثلة للنموذج البريطاني، وتتبنى الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات الأسترالية طرائق رائدة في تعليم الأطفال في المناطق النائية، ويأتي في مقدمة هذه الطرائق التعليم بالمراسلة وعن طريق الإذاعة واللاسلكي وبالاتصال المباشر مع التلاميذ كل بمفرده على طريقة شبكة خدمات «الأطباء الطيارين».

أما التعليم الثانوي والعالي فأقل انتشاراً، وتقل نسبة من يتابع الدراسة بعد سن 14-15 سنة عنها في الولايات المتحدة وبريطانية، إلا أن مستويات التعليم والثقافة مرتفعة في أسترالية، ومساعدات التعليم العالي والتعليم التقني (المهني) متوافرة، وتلبي احتياجات الصناعة والمجتمع. وقد تُرِك التعليم العام للولايات الأسترالية الستة تديره محلياً ضمن أطر محددة، ويخضع التعليم في كل ولاية إلى وزير مسؤول وإطار علمي متخصص من الموظفين الحكوميين، وتتولى كل ولاية منها إعداد مدرسيها وتدريبهم إلا في حالات استثنائية، وتدار المنظومة التعليمية في كل ولاية مركزياً وتغطى نفقاتها من موازنتها العامة، مع دعم واسع من المجتمع بمختلف مؤسساته. ومع أن الحكومة الاتحادية غير مسؤولة دستورياً عن إقامة المدارس وإدارتها إلا أن إسهامها في هذه الأمور يزداد يوماً بعد يوم. وقد عمدت الحكومة الاتحادية عام 1943 إلى تأليف لجنة إشراف على الجامعات من أجل تنظيم التعليم الجامعي بعد الحرب وإعادة تأهيل الرجال والنساء الذين سرحوا من الخدمة العسكرية. ثم أصبحت هذه اللجنة دائمة سنة .1945 وتم إحداث مكتب اتحادي للتعليم غدا الهيئة المركزية لتنسيق التعليم.

 وفي عام 1950 أدخل ابتكار جديد إلى منظومة التعليم بالمراسلة لأطفال المناطق النائية دعي مدرسة الجو اللاسلكية، وتستخدم هذه المدرسة أجهزة لاسلكية ذات اتجاهين، وفي أواخر الستينات من القرن العشرين كانت مدارس الجو اللاسلكية تعمل في كل المناطق الداخلية، وتم ربطها مع شبكة التسهيلات الإذاعية لخدمات «الأطباء الطيارين». كما زادت الحكومة الاتحادية إسهامها في ميدان التعليم بتقديم آلاف المنح إلى التلاميذ والطلاب وتقديم المساعدات المالية الإضافية إلى ولايات الاتحاد، وتضم المدارس الحكومية اليوم أكثر من 70% من التلاميذ والطلاب وتقدر نسبة التلاميذ والطلاب إلى المدرسين بنحو 29 طالباً للأستاذ الواحد.

أما التعليم الخاص أو غير الحكومي فقليل الفاعلية، وتسهم المدارس الكنسية الدينية التابعة لبعض الطوائف في التعليم بنسبة ضئيلة، وتخضع لإشراف مجالس مدرسية. والمدارس التي تشرف عليها الكنيسة الكاثوليكية الرومية أكثر تلك المدارس تقارباً والتصاقاً بالكنيسة. ينتقل التلاميذ في أسترالية من المدارس الثانوية العامة إلى الجامعة مباشرة. والجامعات الأسترالية مستقلة تمام الاستقلال، ويتم الانتساب إليها بعد امتحان قبول في مستوى الولاية التي تتبع لها، ولا توجد جامعات خاصة. والدراسة الجامعية مجانية باستثناء جامعة أسترالية الغربية، وتُوفَّر عائدات الجامعات من الضرائب والهبات والأوقاف ومن منح الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية. وأقدم جامعتين في أسترالية هما جامعة سيدني (1850م) وجامعة ملبورن (1853م)، وفي أسترالية اليوم أكثر من 12 جامعة إضافة إلى الجامعة الوطنية الأسترالية التي افتتحت أبوابها في كانبرة عام 1946، وتعد مركزاً للدراسات العليا والبحوث العلمية الاجتماعية والطبية والفيزيائية ودراسات المحيط الهادىء. وقد أدت الزيادة على طلب التعليم العالي منذ الخمسينات إلى حدوث أزمة تطلبت التوسع في الجامعات الموجودة وإحداث معاهد جديدة. وارتفع عدد الطلاب المسجلين في الجامعات إلى أكثر من 75000 طالب في أواخر الثمانينات من القرن العشرين بينهم 30% من الإناث.

كذلك تولي الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية اهتماماً خاصاً بالتعليم التقني والمهني ولاسيما في مجال الزراعة، ولكل ولاية منهاجها في ميدان التدريب المهني. وتبذل جهود كبيرة لرفع مستويات التعليم التقني والصناعي، وتسهم المؤسسات الصناعية والمهنية في هذا المجهود. كذلك يحصل الطلاب الراغبون في شغل مناصب دينية على إعداد خاص في كليات متخصصة. وتولي كل ولاية من ولايات الاتحاد الأسترالي رعاية خاصة لتعليم الكبار تطوعاً في صفوف ليس لها طابع مهني، وتعتمد برامج تعليم الكبار أساساً على نشاط «المنتدى الثقافي العمالي» وهو حركة ثقافية مقتبسة عن إنكلترة، وتعد مؤسسةً تعليمية في المستوى الجامعي وتربطها بالجامعات روابط وثيقة، وقد اتسعت مهماتها فشملت نشاطات أخرى كالمسرح والموسيقى، وامتد نشاطها إلى المناطق الريفية والنائية بإقامة المدارس الصيفية وتنظيم الفرق الجوالة والمعارض وغير ذلك.

العلوم والمخترعات: كان الاهتمام بالعلم والتقنية في أسترالية قبل الحرب العالمية الأولى مقتصراً على الجامعات، وكانت الصناعات القليلة تقنع بالحصول على المعارف العلمية الضرورية لها من وراء البحار، وفي الوقت نفسه كانت الصناعات الزراعية تستعين بالمصادر العلمية المحلية على ضآلتها فتلجأ إليها عند الحاجة. وكانت بعض المخترعات الأسترالية الصرفة قد بدأت تظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وساعدت تلك المخترعات على إنتاج أجهزة أسهمت في تطوير الصناعات الزراعية والرعوية الناشئة، وفي التغلب على نقص اليد العاملة والبعد عن السوق العالمية. ومن تلك الأجهزة حصادة ابتكرها جون رادلي عام 1843، وآلة لجز صوف الغنم، وطريقة للتبريد التجاري بتبخير الأمونيا تم تسجيلها عام 1867، وأصبح في وسع تجار اللحوم الأسترالية بفضلها شحن ذبائح البقر والغنم إلى بريطانية مثلجة. وفي نهاية القرن التاسع عشر توصلت أسترالية بفضل بحوث وليم جيمس فيرر (1854- 1906) إلى تحسين أنواع الحبوب المناسبة للبيئة الأسترالية عن طريق التهجين والاصطفاء، وأمكن بالتالي التوسع في زراعة الحبوب وتصنيعها. كذلك توصلت أسترالية في الوقت نفسه إلى تطوير أسلوب فصل المعادن في مكامن الفضة والرصاص والزنك بطريقة الغمر. وكان لهذا الابتكار أثره الفعال في العمليات التعدينية المنجمية في العالم أجمع.

مؤسسات البحث العلمي: تعد المنظمة الاتحادية للبحوث العلمية والصناعية (سيرو) Commonwealth Scientific and Industrial Research Organization (SCIRO) أهم مؤسسة علمية أُسترالّية، وقد تم تأسيسها عام 1926 تحت اسم «منظمة البحث الوطنية»، ثم صار اسمها «مجلس البحوث العلمية والصناعية». وهي تعرف باسمها الحالي منذ عام 1949. وقد ترك لهذه المنظمة منذ تأسيسها حرية اختيار مناهج البحث في ضوء المشاكل التي تعترض الصناعات الأساسية والثانوية، ومنحت صلاحيات واسعة تخولها القيام بالبحوث الأساسية وتقدم المنح لتدريب العلماء الشباب في داخل البلاد ووراء البحار، وكان أول رئيس لها جورج ألفرد جوليوس (1873- 1946) G.A.Julius وهو مهندس استشاري متميز ومخترع حاسب أتماتي totalizator. وفي خمسينات القرن العشرين تحولت هذه المنظمة إلى أكبر هيئة بحث في أسترالية، وتضم ما يزيد على 1200 عالم يعملون في ثلاثين قسماً وفرعاً ويتناول نشاطهم جميع فروع الصناعة الأساسية والثانوية ومجالات كثيرة في العلوم البحتة والأساسية. كذلك تنوعت مصادر البحث العلمي في الجامعات القديمة وتشعبت وانصب الاهتمام على الكليات العلمية في الجامعات الجديدة. وهناك أيضاً ثلاث وكالات حكومية اتحادية تهتم بالبحث العلمي هي «مكتب المصادر المعدنية والجيولوجية والجيوفيزيائية»، و«لجنة الطاقة الذرية»، و«خدمات العلوم الدفاعية»، وهذه الوكالة الأخيرة مسؤولة عن إسهام أسترالية في برامج مشتركة مع المملكة المتحدة لتطوير الأسلحة البعيدة المدى. وفي خمسينات القرن العشرين أسست عدة شركات صناعية مختبرات للبحث الصناعي وأسهمت في أعمال مركز بحوث الطاقة النووية التابع لجامعة سيدني، كما أسهم المعنيون بصناعة الحبوب والتبغ وصناعة الصوف في تمويل صندوق البحث الوطني لدراسة المشاكل التي تتعلق بصناعاتهم. وفي عام 1953 تم تأسيس أكاديمية (مجمع) العلوم الأسترالية. وقد أثمرت جهود البحث العلمي في أسترالية عن إنجازات باهرة في ميادين الزراعة والبيطرة وعلم الأمراض والفطريات والحشرات، وقد توصلت المنظمة الاتحادية للبحوث العلمية والصناعية بالتعاون مع جامعة أسترالية الغربية إلى الكشف عن أهمية الكوبالت في تغذية الحيوان، كما تبين لها أن من أسباب عدم خصوبة التربة في مساحة نحو 800000 هكتار من الأراضي الصحراوية في جنوبي أسترالية هو فقدان مقادير ضئيلة من الزنك والنحاس تعد ضرورية لنمو النبات ولاسيما البرسيم والبقول. وبينت الدراسات اللاحقة أن الموليبدنيوم مادة أساسية في استقلاب البقول وأن استخدامه مع السوبر فوسفات يمكن من إخصاب التربة وزراعة الأعشاب والبرسيم في مساحات واسعة من الأراضي غير الصالحة.

ومن المنجزات العلمية في أسترالية تطوير صناعة الورق من الخشب القاسي ولاسيما شجر الكينا (الأوكاليبتوس الأسترالي). كذلك حقق البحث العلمي في أسترالية سبقاً عالمياً في مجال إحداث المطر الصنعي وزرع الغيوم وخفض نسبة التبخر في خزانات المياه والسدود بتكاليف بسيطة. وحقق الأطباء الأستراليون منجزات كبيرة في مجال علم الفيروس في معهد «والتر وإليزا هول» للبحث الطبي في ملبورن وحصل مدير المعهد فرانك ماشغارلان بورنيت (1899- ؟) على جائزة نوبل عام 1960 مناصفة مع بيترماور البريطاني لانجازاتهما في مجال المناعة وعلم جينات الفيروس، كما حصل أستاذ التشريح وعلم الأعصاب جون كارو إيكلس (Eccles ( ?-1903 على جائزة نوبل في الطب لعام 1963 مشاركة مع آلن لويد هودكن وأندرو هكسلي لبحوثهم في مجال انتقال الومضان عبر الألياف العصبية. وكان نورمان ماك أليستر غريغ (1892-1966) قد توصل إلى كشف العلاقة بين الإصابة بالسدادة البصرية والعمى وغيرها من التشوهات الخلقية قبل الولادة وبين الحصبة الألمانية التي تصيب الحوامل في أشهر الحمل الأولى. كذلك توصل العالم الأسترالي المولد هوارد ولتر فلوري (1898-1968) بالتعاون مع إرنست بورسي تشين في أثناء الحرب العالمية الثانية في إنكلترة إلى عزل البنسلين وتنقيته. وكان ألكسندر فلمنغ قد اكتشفه في عام 1928. وقد تقاسم الثلاثة جائزة نوبل للطب عام 1945. أدى الاهتمام بالبحث العلمي في أسترالية إلى التوسع في بحوث العلوم الأساسية، وتملك الجامعة الأسترالية مرصداً في مونت ستروملو عالي القدرة لا يتوافر مثيل له في أي مكان آخر من نصف الكرة الجنوبي. وتوصلت مجموعة البحث في علم الفلك الراديوي بإشراف إدوارد جون براون (1911) إلى شغل مكانة رائدة في هذا المجال، وطورت معدات تم تبنيها على نطاق واسع في بلدان أخرى. وكان برنارد بارنتون ميلز (1920) قد صمم تلسكوباً راديوياً  متصالباً حمل اسمه، وأثمرت الجهود الأسترالية في مجال الفلك الراديوي عن قيام تعاون وثيق بين جامعتي كورنِل (الولايات المتحدة) وسيدني (أسترالية) لإحداث وكالة لبحوث الفلك الراديوي والأشعة الكونية.

 

 

التصنيف : التاريخ و الجغرافية و الآثار
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 126
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 998
الكل : 58712412
اليوم : 144112

ديري (تيبور-)

ديري (تيبور -) (1894-1977)   تيبور ديري Tibor Déry روائي ومسرحي ومترجم مجري، ولد وتوفي في العاصمة بودابست. سليل عائلة برجوازية ثرية، درس الاقتصاد وعمل سكرتيراً في غرفة التجارة، ثم التحق بمؤسسة عمه التجارية ليخلفه في إدارتها. ونتيجة لدخوله أجواء التجارة والصناعة احتك عن كثب بالحركة العمالية وانتسب في عام 1919 إلى الحزب الشيوعي المجري، فلاحقته السلطات مما اضطره إلى الهجرة حتى منتصف الثلاثينيات، متنقلاً بين فيينا وبرلين وبيروجيا (إيطاليا) وباريس. ولدى عودته إلى وطنه اعتقل مدة قصيرة ثم أفرج عنه، لكن السلطات منعته من نشر كتاباته، فلم يجد وسيلة للعيش سوى في ترجمة الروايات البوليسية، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، حين بدأت أعماله تشهد انتشاراً واسعاً وتثير جدلاً في الوسط الثقافي والسياسي. وبسبب مشاركته فيما سمي بالثورة المضادة عام 1956 حوكم عام 1957 وأودع السجن إلى أن أعيد له اعتباره وأفرج عنه في عام 1960 فعاود نشاطه المؤثر في الحياة الثقافية المجرية.
المزيد »