logo

logo

logo

logo

logo

الوراثية (المعالجة-)

وراثيه (معالجه)

Gene therapy - Thérapie génique

الوراثية (المعالجة ـ)

 

يعلم الباحثون الوراثيون منذ عدة عقود من السنين أن حدوث تغيرات في المورثات يمكن أن يؤدي إلى أمراض وراثية، مثل التليف الكيسي cystic fibrosis وفقر الدم المنجلي sickle-cell anemia والناعور hemophilia وغيرها، وأن حدوث تغيرات في الصبغيات [ر. الشذوذ الصبغي] يمكن أن يسبب أمراضاً مثل متلازمة داون Down syndrome ومتلازمة تورنَر Turner syndrome. ومن جهة أخرى صار معلوماً أن حدوث تغير في التسلسل الوراثي يمكن أن يجعل المصاب معرضاً لأمراض مثل التصلب العصيدي atherosclerosis والسرطان cancer والفُصام (انفصام الشخصية) schizophrenia وغيرها، وهي أمراض ذات مكوِّنات وراثية، ولكنها تتأثر كذلك بالعوامل البيئية (مثل الغذاء وأسلوب الحياة والتلوث).

 الشكل (1)

المعالجة الوراثية (أو الجينية) genetic (gene) therapy هي تقانة تجريبية وراثية - طبية حديثة سريعة النمو تستخدم فيها المورثات (الجينات) genes لمعالجة مرض ما أو منع حدوثه. وفي المستقبل القريب ستتيح للأطباء فرص إدخال مورثة أو مورثات طبيعية أو محوَّرة وراثياً في خلايا المريض لمعالجته، حيث تنتج هذه المورثات بروتينات تُصلح عمل الخلايا المريضة، وذلك بدلاً من إعطائه عقاقير دوائية لهذه الغاية، أو تعريضه لعمل جراحي أو معالجة بالأشعة أو غير ذلك من طرائق المعالجة المتاحة حالياً (الشكل 1). ومن أجل ذلك يجرى حالياً اختبار عدة توجهات للمعالجة الوراثية أو الجينية، ومن أهمها ما يأتي:

ـ استبدال نسخة سليمة من المورثة بمورثة طافرة سببت المرض.

ـ تثبيط inactivating مورثة طافرة تسبب حالة مرضية معينة.

ـ إدخال مورثة جديدة في الجسم، قادرة على مقاومة المرض.

اسـتخدام المعالجة الوراثية

إن استخدام المعالجة الوراثية واسع جداً، ويعرف حالياً أن أكثر من 4200 مرض ينجم عن تغيرات في المورثات [ر. الأمراض الوراثية]، وأن عدداً غير محدود من الأمراض يتأثر جزئياً بالتكوين الوراثي للفرد، وأن كثيراً من هذه الأمراض والشذوذات لا علاج شاف لها سوى بالمعالجة الوراثية. وعلى سبيل المثال، هناك طفل مصاب بالناعور (سيولة الدم)، وهو مرض تسببه مورثة غير سليمة تجعل الكبد غير قادر على إنتاج عامل تخثر الدم الثامن blood clotting factor VIII. يمكن معالجة هذا الطفل بوضع نسخ سليمة من المورثة التي ترمِّز لإنتاج العامل المذكور في خلايا كبده، فينتج الكبد كميات مناسبة من عامل تخثر الدم VIII ويؤدي ذلك إلى شفاء الطفل. وفي الوقت ذاته فإن المورثات في نطافه تظل كما هي، ومن ثم تنتقل إلى نسله.

تُعد المعالجة الوراثية في الوقت الراهن معالجة واعدة لعدد من الأمراض الوراثية، مثل التليّف الكيسي cystic fibrosis والناعور ومرض ألزهايمر Alzheimer’s disease، وغيرها. ومنها ما هو غير وراثي، مثل بعض حالات مرض السرطان وعدد من الإصابات الڤيروسية مثل مرض عوز المناعة المكتسب acquired immunodeficiency syndrome (AIDS)  والسكري diabetes mellitus والتهاب المفاصل arthritis. ولكنها لا تزال تسبب بعض الأخطار التي تتطلب التغلب عليها كي تكون معالجتها سليمة ومأمونة، فمثلاً في عام 2000 سجل العلماء الفرنسيون استخدام المعالجة الوراثية لعلاج رضيعتين مصابتين بمرض مميت هو نقص المناعة المتجمع الوخيم severe combined immunodeficiency disease (SCID)، وعلى الرغم من نجاح العملية تطور في كل منهما مرض نادر شبيه بابيضاض الدم leukemia، ويُعتقد أنه نجم عن تلك المعالجة. وفي هذا اليوم فإنها تعدّ أساساً لأمراض لا تتوافر علاجات لها. ويُقدر عدد ما أُجري من معالجات وراثية في الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم بأكثر من 4000 معالجة.

كما تستخدم المعالجة الوراثية لدراسة طريقة تغيير عمل الخلايا. فمثلاً تجرى بحوث على تنشيط خلايا الجهاز المناعي في الجسم لمهاجمة الخلايا السرطانية، وعلى إدخال مقاومة لڤيروس نقص المناعة المكتسب AIDS.

أنواع المعالجة الوراثية

 الشكل (2)

للمعالجة الوراثية نوعان: معالجة وراثية «جسمانية» somatic تنقل فيها المورثات «المعالِجة» إلى الخلايا لتصحيح مرض معين في الفرد ذاته، وآثارها عادة تنتهي بانتهاء حياته، وأخرى تُنقل فيها تلك المورثات إلى الأعراس gametes أو الجنين، فتكون آثارها عادة دائمة تنتقل من الفرد المعالَج إلى نسله.

ومن المعلوم أنه لا يمكن إدخال مورثة ما مباشرة إلى خلايا الكائن الحي، إذ لابد من استخدام ناقل أو وسيط vector لهذا الغرض [ر. الهندسة الوراثية]. والڤيروسات هي الأكثر استعمالاً بسبب قدرتها الفريدة على دخول الدنا في الخلايا، وتستعمل الڤيروسات بعد جعلها بحالة غير ممرضة وغير قادرة على التكاثر ضمن الخلايا. وتستخدم ريتروڤيروسات الفأر في دراسات عديدة لإيصال المورثات المرغوبة إلى الخلايا المستهدفة. وتتكون المادة الوراثية في الرتروڤيروس من الحمض الريبي النووي منقوص الأكسجين (الدنا DNA). وهي تنتج أنزيماً يسمى المُنتسخة العكسية reverse transcriptase يستطيع تحويل الرنا إلى الدنا فيصير الأخير بدوره جزءاً من دنا الخلايا المستقبلة (المستهدفة). ولابد من تثبيط الرتروڤيروسات حين استخدامها في المعالجة الوراثية لجعلها مأمونة الاستعمال. كما تستخدم الحُمات الجُدريّة poxviruses للغاية نفسها. يمكن الإشارة أيضاً إلى استخدام أشكال ملطَّفَة من الحُمات الغدية adenoviruses (الشكل 2) في معالجة مرض التليّف الكيسي، إذ تمتلك هذه الڤيروسات انجذاباً طبيعياً نحو الرئتين وتكون مرتبطة مع الأمراض التنفسية. كما يجري اليوم تقصي العلاج المذكور لأمراض أخرى كالسرطان والإيدز AIDS وأمراض القلب الوعائية. ولكبر حجم جينوم ڤيروس القوباء herpes simplex virus فإنه يستعمل لإدخال أكثر من مورثة علاجية واحدة في الڤيروس فيفيد ذلك في علاج أكثر من مرض وراثي، وهذا الڤيروس بالغ الأهمية لقدرته على إصابة عدة أنواع من النسج، بما فيها الكبد والعضلات والرئة والأعصاب والمعثكلة (البنكرياس)، وكذلك الأورام. ولكن هذا الڤيروس يعاني مشكلات مهمة منها أنه يسبب التهاباً للدماغ encephalitis إذا ما تكاثر بحرية في خلاياه، كما أنه يقتل الخلايا التي يصيبها، وتُجرى اليوم بحوث عديدة للتغلب على هذه الآثار.

يحاول الباحثون استخدام المعالجة الوراثية للتغلب على مشكلة مرتبطة بعمل جراحي يُعرف باسم رأب الوعاء بالبالون balloon angioplasty. ويستخدم فيه إِسْتَنت stent (هو في هذه الحالة هيكل أنبوبي) لفتح الشرايين المسدودة. ولكن هذا الإجراء يؤدي إلى رض trauma شرياني، فيباشر الجسم عملية إبلال طبيعية ينجم عنها خلايا عديدة في الشريان المُعالج تؤدي إلى عودة تضيقه أو إغلاقه. والمعالجة الوراثية التي يُعمل على تطويرها لمنع هذا الـتأثير الجانبي هي في تغطية الإستنت بجلّ ذواب يحتوي على نواقل مورثات تُقلِّل نشاط العملية الترميمية للرض.

يجري في معظم التجارب السريرية للعلاج الجيني أخذ خلايا من دم المريض أو نقي عظامه فتحضن في المختبر، وتعرض إلى ڤيروسات تحمل المورثة المرغوبة فتدخل الڤيروسات إلى الخلايا وتصير المورثة جزءاً من دنا الخلايا المذكورة، ومن ثم تعاد الخلايا إلى المريض حقناً في الوريد، وهذه المعالجة من خارج الجسم exvivo. وفي تجارب أخرى تستخدم جسيمات شحمية liposomes لنقل المورثات المرغوبة إلى الخلايا ضمن جسم المريض، وهذه المعالجة من داخل الجسم invivo لأن المورثة تنتقل إلى خلايا المريض ضمن جسمه.

استخدمت المعالجة الوراثية أول مرة عام 1990 في معالجة مرض وراثي نادر يدعى نقص أنزيم نازع أمين الأدينوزين adenosine deaminase (ADA)، وهو أنزيم ضروري لعمل الجهاز المناعي على نحو صحيح. ولا يمتلك المصابون به مورثات ADA طبيعية ومن ثم لا يتم إنتاج الأنزيم المذكور فيهم. وتظهر أعراض نقص مناعي شديد في الأطفال المصابين به ويتعرضون بالتالي لإصابات متعددة وشديدة قد تهدد حياتهم. وهنالك علاج لهذا المرض يدعى PEG-ADA إلا أنه باهظ التكاليف (أكثر من 60 ألف دولار في السنة) ويعطى حقناً في الوريد طوال حياة المريض. وكان من أسباب اختيار هذا المرض للعلاج الجيني كونه مسبباً عن مورثة واحدة مما يزيد من احتمالات نجاح العلاج، إضافة إلى أن كميات الـ ADA لا تحتاج إلى تنظيم دقيق جداً وإن كميات صغيرة من الأنزيم مفيدة في العلاج، كما أن الجسم يتحمل جيداً كميات أكبر منه.

أخطار المعالجة الوراثية

بالرغم من سرعة تطور المعالجة الوراثية عند الإنسان لا تزال هنالك أسئلة تقنية كثيرة تحيط بها، ومن أهمها ما يأتي:

ـ احتمال دخول الڤيروسات الناقلة للمورثات السليمة إلى خلايا أخرى في الخلايا المستهدفة، واحتمال اندماج المورثة المنقولة في مواقع غير صحيحة من دنا الخلايا المستقبلة مما قد يؤدي إلى احتمال حدوث السرطان.

ـ احتمال ضئيل بوصول الدنا إلى الخلايا التناسلية مما يؤدي إلى إحداث تغيرات قابلة للتوريث، مثلاً عند حقن الدنا مباشرة في ورم سرطاني أو عند استخدام جسيم شحمي لنقل المورثة.

ـ احتمال إظهار المورثة المنقولة لأثرها على نحو زائد مما يؤدي إلى إنتاج كمية كبيرة من البروتين الناقص بحيث يؤدي إلى حدوث أضرار، أو أن تسبب المورثات المنقولة ذاتها أضراراً صحية، أو أن يسبب الناقل الڤيروسي التهاباً أو رد فعل مناعي، أو انتقال الڤيروس من شخص إلى آخر أو إلى البيئة.

ومن أهم الصعوبات:

ـ تحديد وسائل أسهل وأفضل لنقل المورثات إلى جسم المريض.

ـ إن العلاج الجيد للسرطان ونقص المناعة المكتسب (الإيدز) وأمراض أخرى يتطلب إيجاد نواقل vectors يمكن حقنها في الجسم مباشرة، فتبحث نفسها عن الخلايا المستهدفة (مثل الخلايا السرطانية) في جميع أنحاء الجسم لتدمج بعد ذلك المورثة المنقولة ضمن دنا الخلايا المذكورة.

ـ كما هي الحال في أي تقنية جديدة أخرى، فإنه لابد من استعمالها بحكمة كبيرة منعاً من احتمال إحداثها أضراراً كبيرة. وتتوافر اليوم تنظيمات جيدة لاستخدام المعالجة الوراثية في تصحيح الأخطاء الوراثية، ولكن هناك اعتراضات اجتماعية وأخلاقية عليها، وأسئلة صعبة ستواجه العاملين في هذا الحقل مستقبلاً وخاصة عندما تصبح تقنيات هذا العلاج أكثر سهولة، وفي مقدمتها:

ـ احتمال تحوير الخلايا الجنسية في الإنسان مما يؤدي إلى نقل ذلك إلى الأجيال القادمة. وفي الوقت الحاضر لا توافق الدوائر المختصة في الدول التي تمارس فيها هذه البحوث على المعالجة الوراثية تناسلياً.

ـ احتمال استخدام التقنية لتطوير قدرات الإنسان مثلاً تحسين الذكاء والذاكرة والقوة البدنية بوساطة التدخل الوراثي؛ مما يؤدي إلى أن تصير هذه المعاملة (رفاهية) موفَّرة للغني وصاحب النفوذ فحسب، مما قد يؤدي إلى ظهور تعريفات جديدة للأفراد الطبيعيين ستستبعد الأفراد المتوسطي الذكاء.

الآفاق المسـتقبلية

إن أفضل ما ينجم عن المعالجة الوراثية توفير معالجة وحيدة (أو متكررة على نحو معقول) تمكّن من إصلاح خلايا كافية لتوفير الشفاء الدائم للمرض الوراثي. ومع أن هذا النجاح الكامل غير متوقع في المراحل المبكرة من استخدام هذه التقنية، إلا أنه سيظل الهدف الرئيسي للعلماء الباحثين في هذا الحقل. وسيؤدي ذلك أيضاً إلى تحسين القدرة على توقع حدوث المرض بدلاً من الانتظار حتى حدوثه، ويكون ذلك من دراسة المعلومات الوراثية الخاصة بالإنسان وخاصة «الأخطاء» في بعضها، ويتوقع أن تتوفر بحلول عام 2020 القدرة العلمية والتقنية لمسح المعلومات لما لا يقل عن 5000 مرض. وقد ذكر فرنسيس كولِنز Francis Collins من المعاهد القومية للصحة في الولايات المتحدة الأمريكية أنه سيصبح بالإمكان أن يخبر الطبيب مريضاً أن احتمال إصابته بالسكري هي أعلى من المعدَّل بخمس مرات، أو أن احتمال إصابته بمرض ألزهايمر Alzheimer أقل بثلاث مرات. وبالتالي فإن هذه التخمينات ستؤدي إلى تركيز الاهتمام بالوقاية من حدوث المرض، وسيستطيع المريض آنذاك تحاشي المرض بوساطة المعالجة الوراثية.

ويتوقع وُلتر غيلبرت Walter Gilbert من جامعة هارفرد Harvard أنه «عند معرفة أن خللاً ما أصاب مورثة ما، مؤدياً إلى حالة مرضية، فإن استبدال مورثة سليمة بها سيمنع حدوث المرض». ويُنتظر أيضاً أن تتوافر في المستقبل مجموعات من المورثات السليمة بحيث يستطيع الطبيب اختيار المناسب منها ومن ثم حقن ملايين من نسخها في الجسم، ولاسيما مع التطور الكبير في تقنية استنساخ المورثات.

إن العديد من السرطانات الشائعة، بما فيها سرطانات الرئة والثدي والقولون مسبب من 5 ـ10 مورثات غير سليمة، ويرى كولِنز أن توافر القدرة على تغيير مورثة أو اثنتين منها قد يمكِّن من إيقاف نمو السرطان وتحسين قدرة الجسم على مقاومته. وبهذا يقول وليم فرِنش آندرسون W.French Anderson من جامعة جنوبي كاليفورنيا أنه بحلول عام 2020 ستُمَكِّن المعالجة الوراثية من توفير العلاج لمجموعة كبيرة من الأمراض المستعصية في الوقت الحاضر. على هذا فإن هذا الطب الوراثي سيُمَكِّن من تحديد مكوِّنات جسم الإنسان الأساسية من جهة ومن معرفة كيف يمكن تغييرها إذا اقتضى الأمر ذلك من جهة أخرى.

أسامة عارف العوا

الموضوعات ذات الصلة:

 

الشذوذ الطبيعي ـ الصبغي (كروموزوم) ـ الهندسة الوراثية ـ الوراثة والأمراض ـ الوراثة (علم ـ).

 

مراجع للاستزادة:

 

- N. R. LEMOINE & R. G. VICE (Eds), Understanding Gene Therapy (Springer 1999).

- J. PAMMO, Targeting Disease by Repairing Genes, (Facts on Life 2004).

 - R. B. SCOBOL & K. J. SCANLON, The Internet Book of Gene Therapy: Cancer Therapeutics (Prentice Hall Health 1996).

 - L. THOMPSON, Correcting the Code: Inventing the Genetic Cure for the Human Body (Simon & Schuster, New York 1994).

 


التصنيف : الزراعة و البيطرة
النوع : صحة
المجلد: المجلد الثاني والعشرون
رقم الصفحة ضمن المجلد : 203
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1848
الكل : 56267575
اليوم : 171765

الرباعي والنماذج الموسيقية المماثلة

الرباعي والنماذج الموسيقية   الرباعي أو الرباعية Quartet مصطلح موسيقي يعني مجموعة من أربعة عازفين أو مغنين، أو قطعة موسيقية تدوّن لأربع آلات موسيقية أو أصوات غنائية. ومن نماذج المجموعات الآلية (الآلات الموسيقية) أو الغنائية: «الثنائي»، و«الثلاثي»، و«الخماسي»، و«السداسي» وغيرها، مسماة حسب عدد أفرادها، والتي تدخل في نطاق موسيقى الحجرة[ر].
المزيد »