logo

logo

logo

logo

logo

تدمر (الفن-)

تدمر (فن)

Palmyra - Palmyre

الفن والعمارة في تدمر   في القرون الثلاثة الأولى التي تركت لنا أجمل المنجزات الفنية والعمائر التدمرية حافظ الفن التدمري على سماته الشرقية السورية المتأثرة بالتقاليد الهلنستية والآسيوية عموماً، وازداد التأثر بالتقاليد الإغريقية الرومانية منذ القرن الثاني الميلادي. ظهرت في تدمر إثر ازدهارها طبقة من التجار وشيوخ القبائل والقوافل وكبار كهان المعابد وسدنتها، وكانت تلك الطبقة تدير المدينة التي استطاعت تأمين استقلالها الذاتي وإدارتها السياسية والمالية، وغدت حليفة لرومة في صراعها المرير مع الفرس. وامتازت هذه الطبقة بترفها وولعها بالبذخ وتشييد المعابد والقصور وقاعات الولائم، ولاسيما المدافن الحافلة بجميل الزخرفة ولطائف النحت. وصار لتدمر فن وعمارة لا تلتبس هويتهما على الناظر. سمات الفن التدمري العامة اتبع الفن التدمري تقاليد الفن السوري ـ الرافدي المعروفة في أقدم عصوره. وقد تأثر تأثراً واضحاً بالفنون الهندية والفرثية (الفارسية القديمة). إضافة إلى تأثيرات كلاسيكية إغريقية ورومانية. وكانت تدمر من الناحية العمرانية متأثرة بالتخطيط اليوناني الروماني إلى حد كبير، وكذلك في شكل الأعمدة والتيجان، لكن الآثار النحتية، كالتماثيل والصور الجدارية، بقيت خاضعة أساساً لقواعد شرقية كالتوجه للأمام والاعتماد على الخطوط الواضحة المحددة للأشخاص والمعالم. يمتاز النحت، أبرز آثار الفن التدمري، بقوة التعبير، وتوحي نماذجه الكثيرة برجولة الرجال وتقشفهم ونبلهم، وجمال النساء وترفهن. وللمنحوتات التدمرية طور عتيق منفذ على الحجر الكلسي الأصفر الطري الذي يسهل تطويعه، وتتسم بسمات مشتركة: ثياب بسيطة مثنّاة على الأذرع كالأساور، ومحورة على الثوب بشكل شعاعي غير خاضع لحركة الجسم. المتجه إلى الأمام وإلى الجانب، فالرأس وحده يحدد اتجاه الحركة، والوجوه حليقة والأنف متصل بخط واحد مع الجبهة، والعينان جفناهما محددان بوضوح، والشعر مصفف بشكل متوازيات، وتجاعيد الرقبة ممثلة بقوسين متوازيين. وفي هذه المنحوتات لا يرتدي الرجال الزي الحربي كما في بعض المنحوتات الأحدث عهداً. النحت الرسمي لم تصل من آثار النحت الرسمي نماذج كثيرة. فأكثرها مما كان قائماً على حاملات التماثيل في الشوارع والساحات قد حطم بعد سقوط تدمر أو رمي في النار لاستصناع الكلس والجبس. ولكن القليل مما بقي منها يدل على أن تماثيل الأشخاص الرسميين والمكرَّمين إجمالاً تتبع أسلوباً تقليدياً، فهم يُمثلون بهيئة وقار، وقامة كل منهم مائلة قليلاً إلى الوراء، وثيابهم طويلة تصل حتى القدمين، وهي كثيرة الثنيّات أو تكون على النسق الفرثي (الفارسي القديم): قميص فوق سراويل مزركشة، أو بالزي المحِّلي، وهو ثوب طويل فوقه عباءة. وتكون اليد اليمنى على الصدر ملقاة على طرف العباءة الملتف، والأخرى مسدلة تمسك بغصن من النبات أو بِرقٍ ملفوف. وتكون رؤوس التماثيل منحوتة مع الجسم أو مركَّبة تركيباً بهيئة الشخص المكرَّم. وتُميز هوية صاحب التمثال بلباس الرأس أو مما يحمل في اليد، ونادراً ما يحمل التمثال اسم صاحبه. النحت الديني تردُّ مبدعات النحت الديني الكثيرة إلى الفئات الرئيسة الآتية: مشاهد أرباب، وتقدمات دينية، وأرباب ومتعبدين بأوضاع مختلفة منقوشة على ألواح، أو مذابح نذرية تُهدى للمعابد. وقد بذل الفنان التدمري جهداً في تمييز معبوداته وجعلها تسوق العربات الحربية، وتلبس الدروع، وتمتطي صهوات الجياد وظهور الإبل، وتُشرع الرماح وتتمنطق بالسـيوف، وتسير أحياناً مواكب أو تقف صفاً واحداً. ولكل من الأرباب رمز، وقد يضاف أحياناً اسم كل واحد من الأرباب حتى تسـهل معرفته على البسـطاء من الناس، إذ لم يكن من السهل في أحيان كثيرة تفريق بعض الأرباب عن الناس العاديين، وذلك بأن شعر الشـبان التدمريين والجنود في المنحوتات كثيف كشعر الأرباب. كما أن الألبسة التي يرتديها الأرباب يرتديها الناس العاديون، وفي ذلك صعوبة جدية للعاملين في الآثار وتاريخ الفن. النحت الجنائزي إن الكثرة الساحقة من المنحوتات التدمرية تدخل في فئة المنحوتات الجنائزية، ومصدرها الوحيد المدافن، وتتوزع في فئات ثلاث: التماثيل النصفية وهي بين التمثال النصفي والنقش البارز على لوح مثبت في واجهة القبور، وألواح مستطيلة عليها شخصان أو أكثر، وتحمل كل واحدة اسم المتوفى وسنه وعبارة وا أسفاه. أما الشيء الأكثر أهمية في النحت التدمري فهو السرير الجنائزي وعليه مشاهد من الوليمة الجنائزية، وكل سرير يتصدر المدفن أو جناحاً منه. أطوار النحت التدمري يمتد الطور الأول من القرن الأول الميلادي إلى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي، وفيه تبدو حدقة العين ممثلة بدائرتين، والحاجب غير مرسوم، والذكور حليقين، وشعور النساء تتدلى على أكتافهن، ويحملن المغازل، وتزين آذانهن بأقراط على شكل عناقيد العنب. وفي الطور الثاني الممتد مبدئياً على النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي، تكون حدقة العين دائرة داخلها نقطة، والحاجبان ظاهرين، والرجال ملتحين، ما عدا الكهّان. والنساء يمسكن بأطراف أوشحتهن، وحِليهن سداسية الشكل. وفي الطور الثالث المقابل للنصف الأول من القرن الثالث صار الأشخاص  منحرفين بعض الشيء، وينظرون إلى أحد الجانبين، والنساء يزحن أوشحتهن بأيديهن، ويكثرن من التزين بالحلي، وقد تتزين إحداهن بخمسة عقود أو أكثر. وظهرت إبان أعمال التنقيب في تدمر منحوتات من الطور العتيق (بين القرن الأول قبل الميلاد والنصف الأول من القرن الأول الميلادي) نفِّذت على حجر أصفر طري، وفيها خصائص قريبة من خصائص الطور الأول. الرسوم الجدارية (الفريسك) برع التدمريون في فن اللوحات الجدارية، ومن بين أشهر الرسوم الجدارية القليلة المكتشفة هي تلك الموجودة في معبد الأرباب التدمريين في دورا أوربوس (صالحية الفرات). وهذه الرسوم التدمرية تتبع التقاليد الشرقية القديمة بإحاطة عناصر اللوحة بخطوط غامقة رغبة في تحديد كل منها وإبرازه، وذلك معروف في رسوم ماري (تل الحريري)، وفي تل برسيب (تل أحمر)، وغيرهما. وفيها يتوجه الأشخاص جميعاً نحو المشاهد بنظراتهم الثابتة، ولا تتبع أوضاع الأيدي والأقدام وثنيات الثياب الحركة، ويحتفظ كل ما في المشهد بفرديته على قيامهم بعمل ديني مشترك، وتنفذ الرسوم على طبقة من الجير ملساء جافة يرسم فوقها بألوان مركبة من أكاسيد معدنية محلولة في الماء. وأغنى المدافن المعروفة في تدمر بالرسوم الجدارية هو مدفن الإخوان الثلاثة، (مطلع القرن الثالث الميلادي)، وجناح الصدر في هذا المدفن مكسو كله بالرسوم الجدارية. وللرسم الجداري التدمري شأن كبير في دراسة تاريخ الفن، إذ إنها من أسلاف الفن البيزنطي المقبل، فالعلاقة بينها وبين الفسيفساء والفريسك والأيقونات المسيحية في ذلك الزمن لا يمكن نكرانها. العمارة التدمرية لم يكن لتدمر في القرنين الأول والثاني الميلاديين المخطط المعماري الذي نعرفه اليوم، بل كانت مجمعة بين نبع «أفقا» الكبريتي، ومعبد «بل» ونبع المياه الحلوة والطريق الموصلة إلى وادي القبور، وعلى مراحل ثلاث، خلال القرنين الثاني والثالث الميلاديين شُق شارع برواقيْن عن يمين وشمال، يؤمّن سير المشاة والقوافل، ويُيسّر الاتصال بين أحياء تدمر ومعابدها. وهو ينطلق من معبد «بل» إلى الموضع الذي بنيت فيه البوابة المسماة خطأً باسم «قوس النصر»، ثم يمتد ليشكل ساحة في موضع «التترابيل» (البناء ذو القواعد الأربع) ويصل بعدها إلى نهايته بساحة أخرى تحت الأكمة التي يقوم عليها البناء المسمى «معسكر ديوكلسيان» وبقربه معبد الربة «اللات». لقد سهل هذا الشارع الاتصال بين معالم المدينة من معبد «بل» إلى معبد «نبو» وإلى الحمامات والمسرح والآغورا «الميدان» ومجلس الشيوخ ومعبد «بعلشمين» وهيكل حوريات الماء. ويحف بهذا الشارع معالم أخرى لم تكتشف حتى الآن. كان هذا المشروع، من الناحية العمرانية الجمالية و الوظيفية، أعظم ما حققته تدمر. وكان التدمريون يبنون مبانيهم العامة بالحجر الكلسي الناصع الوافر في مقالع الجبال المحيطة بمدينتهم. وإن معظم المنازل التدمرية التي اكتشفت، أو ظهرت بعض آثارها فوق الأرض تكون أساساتها اثنان أو ثلاثة من مداميكها من الحجر وتكمل الجدران بالآجر أو الِلبن. وتسقف الحجرات على حوامل عرضانية من جذوع الشجر، وتطلى من الداخل بالكلس، وتزخرف أقسام الجدران العليا وأطر الأبواب والنوافذ بأشكال من الجِبس مقولبة وملصقة بالمونة. والبيوت عموماً ذات طابق واحد، أما البيوت الكبيرة الهامة، كالنموذج الفخم القائم خلف معبد بل، فإن فيها أكثر من باحة مزوّقة وقد فرشت بعض غرفها بالفسيفساء. وفي المنازل حول مسرح تدمر يكون متجر صاحب البيت جزءاً من المنزل المطل على الشارع. العمارة الدينية المعابد: تتجلى في عمارة المعابد التدمرية التقاليد السورية القديمة. وإذا أغفلت أنماط التيجان وبعض التقاليد الاتباعية السطحية، وُجد أن المخطط العام للمعبد التدمري يختلف عن مخطط المعابد اليونانية الرومانية، إذ يتوسط الهيكل المركزي باحة فسيحة معدَّة للطواف، ومحاطة بأروقة لمتابعة الطقوس والمواكب الدينية ومجاورة المتعبدين بيت الرب. وفي الباحة حوض للتطهر ومذبح وغرفة للولائم الدينية. وفي صدر الهيكل المركزي، الذي يتوسط الباحة، حجرة للمعبود، وذلك شيء غير مألوف في المعابد الإغريقية الرومانية، إضافة إلى أن للهيكل المركزي نوافذ وسقفاً مستوياً مع واجهته المثلثة. المدافن التدمرية المدافن التدمرية مجال حلّق فيه الفن التدمري بعامة وفن العمارة خاصة. وقد اشتهرت المدافن التدمرية بحلولها المعمارية التي حققت الغاية من تشييدها، وأسبغت عليها جمالية لاتنكر، إذ صار المدفن أشبه بدارة أنيقة سكانها من منحوتات الحجر الناصع مجتمعون ومتجاورون، وعلى الأرائك متكئون في لقاء أبدي وفوقهم الأقواس المزهرة والأفاريز الأنيقة. من أقدم نماذج المدافن التدمرية  المدفن البرج، ومظهره الخارجي كالبرج المربع تماماً. وفي سورية أبراج دفنية في بعض المواقع الأثرية، ولكن الأبراج التدمرية الدفنية هي الأكثر استيعاباً وإبداعاً. والنماذج الأولى من هذه المدافن العائدة إلى ما قبل الميلاد كانت أكثر بساطة، كما كانت معازب الدفن فيها مفتوحة نحو الخارج. ثم في أواخر القرن الأول الميلادي ازدادت تلك الأبراج إتقاناً وسعة وجمالاً، وأشهرها مدفن ايلابل، وهو بطوابق أربعة وبارتفاع يصل إلى عشرين متراً ويتسع لمئات من القبور. وهناك النموذج المسمى المدفن البيت الذي ظهر في القرن الثاني الميلادي ومنه نماذج في وادي القبور، وفي نهاية الشارع الطويل. ومن أوضح نماذجه مدفن مارونا (المعروف باسم قصر الحية) في المقبرة الشمالية. ويكون المدفن البيت عادة فوق الأرض بطابق واحد فيه باحة متوسطة وحولها معازب الدفن. والنموذج الأكثر انتشاراً في تدمر هو المدفن الأرضي ويعود إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين. ومئات منه توجد في المقابر حول تدمر، نقِّب منها ورمم قرابة عشرة مدافن من أشهرها مدفن الإخوان الثلاثة، ومدفن يرحاي الذي أعيد بناؤه في متحف دمشق الوطني. والمدفن الأرضي محفور في الطبقة الصخرية: جناح في الصدر وجناحان جانبيّان. وثمة مدافن مؤلفة من أربعة أو خمسة أجنحة، ومنها ما هو بجناح واحد. تحفر في جدران الأجنحة صفوف متوازية من المعازب العميقة، وفي كل معزبة نحو ستة قبور بعضها فوق بعض، وكل قبر يسد بتمثال نصفي جنازي، وبين المعازب عضادات أو أنصاف أعمدة متوّجة بتيجان كورنثية أو أيونية. ويدور فوق المعازب عند بدء انحناء السقف طنف بارز من الجص أو الحجر مزين بالزخارف. وفي صدر الجناح الرئيس، وأحياناً في الأجنحة الفرعية تابوت أو اثنان أو ثلاثة فوقها مشاهد جنازية منحوتة. وفي المتحف الوطني بدمشق يتأمل الزائر في مدفن يرحاي المعاد بناؤه تحت الأرض نموذجاً مثالياً للعمارة المتقنة الفاخرة التي وصل إليها المعماريون التدمريون في القرن الثالث الميلادي.   عدنان البني    

اقرأ المزيد »




التصنيف : العمارة و الفنون التشكيلية والزخرفية
النوع : عمارة وفنون تشكيلية
المجلد : المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 230

آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 534
الكل : 29575988
اليوم : 30904

راي (ساتياجيت-)

راي (ساتياجيت -) (1921-1992)   ساتياجيت راي Satyajit Ray مخرج سينمائي وكاتب سيناريو وموسيقي هندي، سليل أسرة أدبية عريقة. ولد وتلقى تعليمه المدرسي والجامعي في كلكوتا. بدأ حياته المهنية كمصمم إعلانات وأغلفة كتب، وكان أحد مؤسسي أول ناد سينمائي في كلكوتا. عمل مساعداً للمخرج الفرنسي جان رينوار، عام 1950، في فيلم «النهر» الذي صوره في الهند. وفي عام 1955، أنتج وأخرج فيلمه الأول «باتر بانشالي» (أغنية الطريق) الذي حاز على جائزة «أفضل وثيقة إنسانية» في مهرجان كان، والذي صنع لراي بداية شهرته العالمية كمخرج يقدم سينما هندية مختلفة.
المزيد »