logo

logo

logo

logo

logo

النفقات العامة

نفقات عامه

public expenditures - dépenses publiques

 النفقات العامة

النفقات العامة

محمد خير العكام

مفهوم النفقات العامة

تبويب النفقات العامة

حجم النفقات العامة

الآثار الاقتصادية للنفقات العامة

 

لعل من الضروري الإشارة إلى أن الإنفاق العام يظهر دور الدولة في النشاط الاقتصادي وتطور هذا الدور، فمع تطور دور الدولة من الدولة الحارسة إلى الدولة المتدخلة تطور الإنفاق العام، وازداد حجمه وتعددت تقسيماته، وغدا من الأدوات الرئيسة للسياسة المالية للدول.

فقد تطورت دراسة النفقات العامة مع تطور طبيعة المالية العامة، من مالية محايدة إلى مالية وظيفية، وأصبح فقهاء المالية العامة يهتمون بدراسة وتحليل النفقات العامة وتقسيماتها وحدودها وضوابطها وآثارها الاقتصادية والاجتماعية، فلم تعد تدرَّس النفقات العامة من الناحية الكمية فقط، بل أصبحت تدرَّس من الناحية النوعية أيضاً، أي من ناحية آثارها في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم استخدامها وسيلةً لإحداث آثار معينة وتحقيقاً للأهداف المرسومة مسبقاً في إطار السياسة المالية للدولة.

أولاً ـ مفهوم النفقات العامة:

تتميز النفقات العامة بخصائص أساسية تفرقها عن النفقات الخاصة، وتتعلق هذه الخصائص بطبيعة كل منهما، بحسبان أن الدولة شخصٌ اعتباريٌ فهي تسعى من وراء نفقاتها إلى إشباع الحاجات العامة للأفراد.

تُعرّف النفقة العامة بأنها مبلغ من النقود يغلب عليه الطابع النقدي يقوم بإنفاقه شخص معنوي عام بهدف تحقيق نفع عام يتعلق بأهداف الدولة العامة،، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومن خلال هذا التعريف فإن العناصر الأساسية للنفقة هي:

1ـ النفقة العامة مبلغٌ من النقود يغلب عليه الطابع النقدي:

إن العنصر الأساسي الأول في النفقة العامة أنها مبلغٌ من المال، ويلاحظ أن الجزء الأكبر من إنفاق الدولة على مختلف نشاطاتها لا بد أن يكون في صورة نقدية، حتى إن بعضهم يرى أنها مبلغ نقدي وليست مبلغاً من النقود، ولكن يجب أن يلاحظ أن النفقة العامة التي تقدمها الدولة للأفراد لا تأخذ دائماً الشكل النقدي، فهنالك نفقات عينية تقدمها الدولة لبعض أفرادها، ولكن حتى يمكن إدخال هذه الإعانات التي تقدمها الدولة في صورة عينية في مجال النفقـات العامة يتعين أن تكون قابلة للتقويم النقدي، كالإعانات التي تقدم في أوقات الأزمات والكوارث، والأراضي التي تخصصها الدولة لبعض نقاباتها.

ولكن مع التطور الحضاري استبعد شيئاً فشيئاً الأسلوب العيني للنفقة العامة لعدم ملاءمته لمتطلبات العصر لاعتبارات عملية وفنية وإدارية وحسابية، وأصبحت النفقة العامة في الغالب نفقة نقدية، وقد جاء ذلك نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل عبر التطور الاقتصادي لعل أهمها:

أ ـ الانتقال من الاقتصاد العيني إلى الاقتصادي النقدي.

ب ـ انتشار الأفكار الديمقراطية التي أدت إلى عدم لجوء الدول إلى إلزام الأفراد بالقيام بأعمال أو تأدية خدمات بلا مقابل.

ج ـ محاولة تحقيق المساواة بين الأفراد في تحمل الأعباء العامة.

د ـ تيسير القيام بعملية الرقابة على النفقات العامة، فهذه الرقابة ستكون أمراً صعباً على النفقة غير النقدية.

2ـ النفقة العامة تصرف من قبل إحدى مؤسسات الدولة أو هيئاتها:

يشترط في النفقة العامة أن تخرج من الذمة المالية للدولة عن طريق أحد الأشخاص المعنوية التابعة للدولة، سواء المركزية منها أم اللامركزية. والواقع أن هذا الشرط يسمح بالتفرقة بين النفقات العامة والخاصة استناداً إلى معيارين أحدهما قانوني والثاني وظيفي.

وطبقاً للمعيار القانوني تتحدد طبيعة النفقات على أساس الجهة التي تقوم بالإنفاق. وبناء على ذلك تعد النفقات عامة إذا قام بها شخص عام، وتعد النفقات خاصة إذا قام بها الأفراد أو الشركات أو المؤسسات الخاصة، كما هو الحال عندما يتبرع أحد الأشخاص لبناء مدرسة أو مشفى. نشاط أشخاص القانون العام يستهدف تحقيق المصلحة العامة ويستخدم أساليب السلطة العامة لذا تكون النفقة عامة، أما نشاط أشخاص القانون الخاص فتستهدف المصلحة الخاصة وتعتمد مبدأ التعاقد أساساً، وهذا ما يميز النفقة الخاصة من النفقة العامة.

ولكن مع تطور دور الدولة وتحولها إلى مفهوم دولة راعية ومتدخلة، أصبح المعيار القانوني غير كافٍ للتفرقة بين النفقات العامة والنفقات الخاصة، لذلك ظهر المعيار الوظيفي من أجل ذلك التمييز.

طبقاً للمعيار الوظيفي تتحدد طبيعة النفقات على أساس طبيعة الوظيفة التي تصدر عنها هذه النفقات، وبناءً على ذلك تعد النفقات عامة إذا قامت بها الدولة بصفتها السيادية أو قام بها بعض الأشخاص الخاصة الذين تفوضهم الدولة بذلك. وتعد النفقات خاصة إذا قامت بها الهيئات والمؤسسات العامة أو شركات القطاع العام في الظروف نفسها التي يقوم فيها الأفراد والقطاع الخاص بالإنفاق فيها.

الواضح من المعيارين السابقين أن المعيار القانوني جاء متماشياً مع مفهوم الدولة الحارسة في قصر النفقات العامة على مصروفات الدولة، وأن المعيار الوظيفي توسع في إدخال بعض النفقات الأخرى إليها، ولكنه استبعد جزءاً من نفقات القطاع العام، إلا أن الواقع يحتم أن يتسع مفهوم النفقة العامة لتشمل جميع النفقات التي تصدر عن الدولة، سواء كان ذلك عن طريق هيئات أم مرافق الدولة الإدارية أم شركات قطاعها العام أو المشترك تحقيقاً لأهدافها، لذلك فالشرط الوحيد للنفقات هنا أن تخرج من الذمة المالية للدولة.

3ـ النفقة العامة تصرف إشباعاً لحاجة عامة:

العنصر الثالث للنفقة العامة هو العنصر الحاسم الذي يتم بموجبه مفهومها، فمن دونه لن تكون النفقة نفقة عامة حتى لو كانت صادرة من أحد أشخاص القانون العام، فلا تصبح كذلك إلا إذا كان هدفها هو إشباع حاجة عامة.

الواقع أن وجود هذا العنصر يرجع إلى سببين:

 أ ـ إن المبرر الوحيد للنفقات العامة هو وجود حاجات عامة تتولى الدولة إشباعها نيابة عن الأفراد، لذلك يجب أن تستخدم النفقات العامة في تحقيق المنفعة العامة.

 ب ـ يجب أن يتساوى المواطنون في تحمل الأعباء العامة، فكما هم متساوون في تحمل عبء الضريبة يجب أن يكونوا متساوين في الانتفاع بالنفقات العامة للدولة في مختلف الأوجه.

وقد ازداد حجم النفقات العامة نتيجة توسع مفهوم الحاجات العامة بانتقال الدولة من مفهوم الدولة الحارسة إلى الدولة الراعية.

وهنا يجب الملاحظة أن هنالك علاقة طردية بين وجود ديمقراطية حقيقية في الدول وبين الحجم المخصص لإشباع الحاجات العامة في موازناتها.

4ـ النفقة العامة تحقق أهداف الدولة العامة:

إن تطور دور الدولة جعلها تتدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات، وجعلها تسعى إلى تحقيق أهدافها العامة من خلال ما تصرفه من نفقات، فتوسع مفهوم المنفعة العامة وشمل المنفعة الناتجة من النفقات العامة في تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عدا عن هدفها المالي كما كانت في السابق.

ثانياً ـ تبويب النفقات العامة:

المقصود بتبويب النفقات العامة هو جمع الفئات المتجانسة منها ضمن زمر منفصلة وفق طبيعتها القانونية أو وظيفتها الاجتماعية أو آثارها الاقتصادية.

وأهمية هذا التبويب في الدراسات المالية الحديثة أصبح ضرورياً من أجل تحليل السياسة العامة للدول ومعرفة أهدافها.

فقد أسهب فقهاء المالية العامة في التقسيمات النظرية للنفقات العامة، واختلفوا في معايير تقسيمها في حين أن الدول أخذت من هذه التقسيمات في تشريعاتها الوضعية ما يلائم حاجاتها وظروفها وما يتناسب مع درجة تطورها ونموها الاقتصادي والاجتماعي.

1ـ التقسيمات الفقهية للنفقات العامة:

الواقع أن الآثار الاقتصادية للنفقات العامة تثير صعوبات عملية عند تبويب النفقات، فكل نفقة عامة لها آثارٌ مباشرة وأخرى غير مباشرة، ولا يمكن تصنيف النفقات إلا تبعاً لآثارها المباشرة، لأن أخذ آثار النفقات غير المباشرة في الحسبان عند التصنيف لا يؤدي إلى نتائج حاسمة، ولأن جميع النفقات العامة مهما اختلفت أهدافها تؤثر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومن ثم لا يمكن الاعتماد على هذه الآثار في عملية تصنيفها، لذلك يمكن تبويب النفقات العامة وفقاً للمعايير التالية:

آ ـ النفقات العادية والنفقات غير العادية:

يتم تقسيم النفقات تبعاً لمعيار الدورية إلى نفقات عادية، وهي النفقات المتكررة ضمن مدة زمنية محددة غالباً ما تكون سنة (لأن موازنات الدول سنوية) وإلى نفقات غير عادية وهي النفقات غير المتكررة والتي لا تظهر إلا في فترات متباعدة غير منتظمة.

وكان سبب تقسيم النفقات إلى عادية وغير عادية هو الحاجة إلى تحديد متى يمكن اللجوء إلى الموارد غير العادية من أجل تغطية النفقات العامة.

وهنالك خمسة معايير للتفرقة بين هذين النوعين من النفقات هي:

(1) ـ معيار الدورية:

أساس التفرقة في هذا المعيار هو إذا كانت النفقة تتم بانتظام، أي تتكرر كل فترة زمنية (سـنة)، تعد هذه النفقة عادية، وإن كانت لا تتم بانتظام أي لا تتكرر على فترات منتظمة تكون النفقة غير عادية.

ويلاحظ أن دورية هذه النفقات لا تعني ثبات حجمها من موازنة إلى أخرى وإنما يكفى تكرارها بنوعها في كل موازنة حتى لو اختلف حجمها من موازنة إلى أخرى، كمرتبات الموظفين ونفقات المرافق العامة. أما النفقات غير العادية فإنها لا تتكرر كل سنة بصفة منتظمة في الموازنة العامة للدولة، أي إنها نفقات عرضية وغير متوقعة، كنفقات مواجهة الكوارث.

وقد وجه إلى هذا المعيار نقدٌ شديدٌ لأن فكرته لا تتوقف على طبيعة النفقة، بل على العامل الزمني الذي تصرف فيه، ومن ثم فإن مدة الموازنة (السنة) هي التي تحدد صفة النفقات العامة فيه. فهنالك نفقات لا تتصف بانتظام خلال فترة الموازنة على الرغم من أنها تتكرر بانتظام خلال فترة أطول.

وغاية هذا المعيار كانت إمكانية تحديد حجم النفقات العامة وتحديد نوع الإيرادات التي ستمولها، فالنفقات العادية تمولها إيرادات عادية؛ لأنه يمكن توقعها أو التنبؤ بها مسبقاً، أما النفقات العامة غير العادية فتمولها الإيرادات غير العادية؛ لأنه لا يمكن توقعها والتنبؤ بها، ولكن تطور دور الدولة جعل الكثير من النفقات غير العادية تتصف بالانتظام والدورية ومن ثم أصبحت نفقات عادية.

(2) ـ معيار الفترة التي تستمر خلالها آثار النفقات العامة:

أساس التفرقة في هذا المعيار هو الفترة التي تنتج فيها الآثار المباشرة للنفقة العامة، فتعد النفقات عادية عندما تستوعب بكامل قيمتها في الأموال المنتجة خلال السنة المالية التي صرفت فيها، وتعد غير عادية عندما تتعدى آثارها المباشرة السنة المالية التي أنفقت فيها.

وبناء على هذا المعيار تم التفريق بين نوعين في النفقات غير العادية:

> الأولى تهدف إلى توليد رأس مال ثابت للمجتمع في المستقبل (كمشروع توليد الطاقة الكهربائية).

> الثانية لا تولد رأس مال ثابت للمجتمع في المستقبل، ولكنها تصرف لمواجهة ظروف غير عادية، كالنفقات المصروفة لمواجهة فيضانات مفاجئة، ومن ثم يجب تقسيمها على فترات مالية مقبلة كيلا تتحملها فترة مالية واحدة.

وترجع أهمية هذا المعيار إلى تبرير تحمل الأجيال المقبلة لأعباء القروض العامة التي تكون قد عقدت في فترات مالية سابقة لمواجهة نفقات تمتد آثارها لعدة فترات مالية مقبلة.

(3) ـ معيار توليد الدخل:

أساس التفرقة في هذا المعيار هو أن النفقات العادية هي التي لا تعطي دخلاً، أما النفقات غير العادية فهي التي تعطي دخلاً. وكان الهدف في هذا المعيار في ظل المالية العامة التقليدية هو الحد من اللجوء إلى القروض التي تمول النفقات العامة التي تعطي دخلاً مستقبلياً فقط، لذلك تم الابتعاد عن هذا المعيار بعد انتصار فكرة الخدمة العامة على فكرة الربح والتوسع في تقديم الخدمات المجانية في ظل الدولة الراعية.

(4) ـ معيار إنتاجية النفقة العامة:

فإن كانت النفقة منتجة تكون غير عادية أما النفقات غير المنتجة فتكون نفقات عادية، وهذا المعيار أوسع من السابق لأنه قد لا تعطي النفقة دخلاً ولكنها تعد نفقات منتجة مثل النفقات الاستثمارية، وهذا يوسع من نطاق النفقات غير العادية ويبرر بعضها في النظرية المالية التقليدية.

وقد وجه إلى هذا المعيار عدة انتقادات أهمها: صعوبة تحديد معنى إنتاجية النفقة العامة، وأن فكرة الإنتاجية ذاتها تتعلق بالآثار غير المباشرة للنفقات العامة على الرغم من أن هذه الآثار لا تؤخذ بالحسبان عند تقسيم النفقات العامة، ففي هذه الحالة ستعد معظم النفقات العامة منتجة، ومن ثم لا يصلح هذا المعيار للتفريق بين النفقة العادية وغير العادية.

(5) ـ معيار المساهمة في تكوين رؤوس الأموال العينية:

فالنفقات العادية وفق هذا المعيار هي التي لا تسهم في تكوين رؤوس الأموال العينية ويطلق عليها اسم النفقات الجارية، كالرواتب والأجور أو قيمة استهلاك الكهرباء والهاتف، أما النفقات غير العادية فهي التي تسهم في تكوين رؤوس الأموال العينية ويطلق عليها اسم النفقات الاستثمارية، كنفقات بناء مصنع ومستلزمات إنتاجه.

والواقع أن التفرقة بين النفقات الرأسمالية والنفقات الجارية لها أهميتها من عدة نواحٍ:

> النفقات الرأسمالية تبرر اللجوء إلى القروض العامة بغرض تغطيتها.

> التفرقة بين النفقات الجارية والنفقات الرأسمالية تبرر من الناحية العملية الأخذ بالموازنة العامة العادية والموازنة غير العادية.

> تتضح أهمية النفقات الرأسمالية في حالة إعادة البناء والتعمير بعد الحروب، وفي إقامة البنية الاقتصادية التحتية اللازمة لزيادة الإنتاج والإنتاجية في الدول النامية.

> تبرز أهمية العمليات الاستثمارية العامة في البلاد التي يسهم القطاع العام فيها بدور فعال في التنمية.

ملاحظات على تقسيم النفقات العامة إلى عادية وغير عادية:

(1) ـ إن التفرقة بين النفقات العادية وغير العادية (الاستثنائية) كانت تهدف أساساً إلى تحديد نطاق اللجوء إلى الإيرادات غير العادية، إذ اقتصر اللجوء إلى القروض على تغطية النفقات غير العادية فقط وحُرَّمت إذا كانت لتغطية نفقات عادية. لذلك يمكن ملاحظة أن هذه التفرقة كانت لها أهمية في ظل النظرية المالية التقليدية وفقدت هذه الأهمية في ظل النظرية المالية الحديثة التي شكَّكت في كون النفقات غير العادية نفقات استهلاكية وأثبتت أنها منتجة في معظم الأحيان.

(2) ـ اعتمد الفكر المالي في هذا التقسيم على معايير تعتمد إما على الزمن وإما على طبيعة النفقات وآثارها في الاقتصاد القومي، وهذه المعايير لم تعد تلائم تطور دور الدولة في المجتمع إضافة إلى عدم وضوحها في بعض الأحيان، لأن حجم النفقات العامة المتزايد أجبر الفكر المالي على تبرير النفقات غير العادية، ومن ثم فقد هذا المعيار أسباب وجوده.

(3) ـ جميع المعايير التي اعتمدت على طبيعة النفقة لم تستطع تصنيف النفقات الحربية أو النفقات المخصصة لقمع الاضطرابات ضمن أي من نوعي النفقات، العادية أو غير العادية.

ب ـ التبويب الإداري للنفقات:

تصنف النفقات العامة في هذا التقسيم تبعاً للوحدات والأجهزة الإدارية الحكومية الرئيسة التي تباشر الإنفاق الحكومي ، ويُعد هذا التقسيم من أقدم أنواع تبويب النفقات العامة، فمن الطبيعي أن تصنف النفقات العامة حسب السلطة التي تتصرف بها، وبواسطته يمكن معرفة مجمل النفقات المخصصة لكل وزارة أو إدارة تابعة لها.

أهمية هذا التصنيف تكمن في أنه يظهر النفقات ذات النطاق القومي التي يستفيد منها أفراد المجتمع كافة كما يظهر النفقات التي تغطي النطاق المحلي لأفراد محافظة أو منطقة أو وحدة إدارية معينة فقط، فهو يفرق بين النفقات المركزية والنفقات اللامركزية.

(1) ـ فالنفقات المركزية: هي التي تهم المجتمع بجميع قطاعاته وأفراده وتقوم بها السلطات الحكومية المركزية، كالوزارات وأقسامها، وخاصة المتعلقة بالخدمات العامة والمرافق العامة، كنفقات الأمن الداخلي والخارجي والعدالة والصحة والتربية والتعليم والتمثيل الدبلوماسي، ومن ثم يتحمل عبء هذه النفقات جميع رعايا الدولة بما يدفعونه من ضرائب.

(2) ـ النفقات اللامركزية: هي التي تهتم بنفقات الوحدات الإدارية اللامركزية المحلية في المجتمع، كالمحافظات والولايات ومجالس المدن والقرى، فهذه النفقات يجب أن يتحمل عبأها السكان القاطنون في تلك المناطق فقط. وتم تخصيص بعض الضرائب المحلية لتغطية بعض النفقات المحلية، كرسم الخدمات في سورية، التي تجنيه المحافظات من أجل إعادة صرفها على تلك المحافظات.

يبدو أن هذا المعيار هو أكثر قبولاً من المعيار الأول، إلا أنه يبقى غير كاف، ويثير بعض الصعوبات الفنية، نظراً لتعقيد الأجهزة الإدارية وتشابكها وتغير هياكلها مع تغير الحكومات أحياناً، كما حدث عند تشكيل الحكومة السورية الأخيرة، إلا أنه يتيح للسلطتين التنفيذية والتشريعية فرصة الرقابة الإدارية والقانونية على نفقات الوحدات الإدارية المركزية واللامركزية، مما يساعد على ضبطها وتوجيهها نحو قنواتها الإنفاقية السليمة.

جـ ـ النفقات الحقيقية والنفقات التحويلية (التقسيم الاقتصادي):

اعتمد الكثير من الفقهاء في تصنيفهم للنفقات العامة على الطبيعة الاقتصادية للنفقة، فقالوا بتقسيم النفقات العامة إلى نفقات حقيقية ونفقات تحويلية من أجل تحليلها والوقوف على آثارها الاقتصادية والاجتماعية.

(1) ـ معايير التفرقة بين النفقات الحقيقية والنفقات التحويلية:

يتم تصنيف النفقات العامة تبعاً لطبيعة النفقة ذاتها من حيث استمرارها وديمومتها أو من حيث علاقتها بالثروة القومية أو من حيث المقابل وعدمه.

> معيار المقابل: تعد النفقة حقيقية سواء كانت جارية أم استثمارية إذا حصلت الدولة على مقابل من السلع والخدمات لإشباع الحاجات العامة بواسطته،ا فراتب العامل يكون مقابل العمل الذي يقدمه في المرفق المعين فيه، أما النفقة التحويلية فإنها تتم بلا مقابل كالإعانات المالية التي تقدمها الدولة لمحدودي الدخل أو للعاطلين عن العمل أو لدعم بعض السلع والخدمات الضرورية.

> معيار الزيادة المباشرة في الإنتاج القومي: تعد النفقات حقيقية إذا أدت إلى زيادة مباشرة في الإنتاج القومي؛ لأنها تؤدي إلى خلق دخول للأفراد نتيجة استخدام الدولة لجزء من موارد المجتمع لإنتاج سلع وخدمات بهدف إشباع الحاجات العامة، وتعد النفقات تحويلية إذا لم تؤدِّ إلى زيادة مباشرة في الإنتاج القومي؛ لأنها لا تستلزم الاستخدام المباشر لجزء من موارد الدولة.

> معيار من الذي يقوم على الاستهلاك المباشر للموارد الاقتصادية للمجتمع: تعد النفقات حقيقية إذا كانت الدولة هي التي تقوم بالاستهلاك المباشر للموارد الاقتصادية للمجتمع، وتعد النفقات تحويلية إذا كان الأفراد هم الذين يقومون بالاستهلاك المباشر لهذه الموارد.

(2) ـ أهمية تقسيم النفقات إلى حقيقية وتحويلية:

إن لهذا التقسيم أهمية في التحليل الاقتصادي والمالي وذلك للأسباب التالية:

> أصبحت النفقات التحويلية تشكل جزءاً كبيراً من النفقات العامة في الدول وخاصة في النامية منها لأن الناتج القومي يزداد بزيادة نسبة النفقات التحويلية أكثر من النفقات الحقيقية في الموازنة وخاصة على المدى البعيد.

> تستمد النفقات التحويلية أهميتها من أنها تعد أداة رئيسة من أدوات السياسة المالية، تحقق بواسطتها الدول أهدافها الاقتصادية والاجتماعية.

> تحتل النفقات التحويلية أهمية من حيث استخدامها في معالجة الحالة الاقتصادية للدول وتحقيق التوازن الاقتصادي العام، بسبب مرونتها العالية بعكس النفقات الحقيقية ذات المرونة الأقل.

(3) ـ أنواع النفقات الحقيقية: تقسم النفقات الحقيقية إلى قسمين:

> نفقات جارية: وهي التي تصرف في وجوه يستلزمها سير الإدارة الحكومية واستمرارها، وغايتها الحصول على سلع وخدمات ضرورية لتسيير المصالح العامة، كالنفقات التي تصرف للرواتب والأجور والتعويضات وفواتير الكهرباء والهاتف وغيرها.

> نفقات استثمارية: وهي التي تستهدف تحقيق زيادة في الموجودات الثابتة للمجتمع، كالنفقات التي تصرف على بناء مصنع.

(4) ـ أنواع النفقات التحويلية: تقسم النفقات التحويلية إلى ثلاثة أقسام هي:

> النفقات التحويلية الاقتصادية: وهي النفقات التي تدفعها الدولة على شكل إعانات بهدف تخفيض أثمان السلع الضرورية، كالنفقات التي تمول دعم الخبز أو المشتقات النفطية.

> النفقات التحويلية الاجتماعية: وهي النفقات التي تدفعها الدولة لبعض الفئات الاجتماعية أو الأفراد بهدف تحقيق التوازن الاجتماعي وتخفيض حدة الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، كالنفقات الصحية أو التعليمية.

> النفقات التحويلية المالية: وهي النفقات التي تدفعها الدولة لسداد أقساط الدين العام وفوائده.

(5) ـ هناك بعض الملاحظات على هذا التقسيم: يمكن ملاحظة أن بعض النفقات العامة تثير الشك من حيث اعتبارها نفقات حقيقية أم تحويلية كـ: المعاشات التقاعدية، فوائد الدين العام، تعويضات الحروب.

د ـ التبويب الوظيفي للنفقات العامة: يمكن تبويب النفقات العامة تبعاً لاختلاف وظائف الدولة، والغاية من هذا التبويب هي إظهار مقدار نشاط الحكومة في أوجه إنفاقها المختلفة، أي إظهار ما تنفقه لتأدية خدماتها لأفراد المجتمع والقيام بوظائفها المتعددة.

هذا التبويب هو تبويب حديث للنفقات العامة وهو تطوير للتبويب الإداري لها، وقد وضعت فكرته في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1947 بقصد تنظيم الإدارات التنفيذية للحكومة، كما طبقت جزئياً في فرنسا منذ عام 1958، وتجدر الإشارة إلى مدى الحرية التي تتمتع بها الدول في تحديد أنواع النفقات العامة تبعاً لوظائفها. فيمكن أن تجمل هذه الأهداف كما يمكن أن تفصّلها، لذا يمكن أن يختلف هذا التقسيم تبعاً للهدف منه أو تبعاً لطبيعة البيانات المتوافرة فعلاً ودرجة تفصيلاتها والتي تسمح بهذا التقسيم أو ذاك.

ويقترح خبراء الأمم المتحدة تقسيم النفقات العامة تبعاً لوظائفها، وتشمل النفقات الإدارية العامة والعلاقات الخارجية والقضاء والأمن، الدفاع والأمن، التعليم، الصحة، الضمان الاجتماعي أو التأمينات الاجتماعية، خدمات الإسكان، الثقافة والشعائر الدينية، الخدمات الاقتصادية، خدمات أخرى، كفوائد الدين العام والدعم والتحويلات المختلفة إلى بقية قطاعات المجتمع.

في الواقع إن صعوبات عملية تنهض أمام اتباع التقسيم السابق، ومكمن الخطر والصعوبة فيه هو احتمال ازدواج الحساب في بعض النفقات العامة لأنها تحقق أكثر من هدف في الوقت نفسه، لذلك كثيراً ما يصاحب تطبيقه تعسف وتحكم في توزيع النفقات العامة، وقد درج الاقتصاديون على التفريق بين ثلاث وظائف أساسية للدولة وهي الوظيفة الإدارية والوظيفة الاجتماعية والوظيفة الاقتصادية، لذلك فتقسيم النفقات العامة وظيفياً غالباً ما يضمن ثلاثة أنواع لها هي الإدارية والاجتماعية والاقتصادية.

النفقات الإدارية: وهي النفقات المتعلقة بسير المرافق العامة واللازمة لقيام الدولة بوظائفها وتشمل نفقات الإدارة العامة والدفاع والأمن والعدالة والتمثيل الدبلوماسي والقنصلي.

2ـ النفقات الاجتماعية: وهي النفقات المتعلقة بالأهداف الاجتماعية للدولة والتي تتمثل في الحاجات العامة التي تؤدي إلى التنمية الاجتماعية للأفراد، وذلك من أجل تحقيق قدر من الثقافة والتعليم والصحة للأفراد وتحقيق قدر آخر من التضامن الاجتماعي فيما بينهم.

3ـ النفقات الاقتصادية: وهي النفقات التي تتعلق بقيام الدولة بالإنتاج وتقديم الخدمات تحقيقاً لأهداف اقتصادية، كالاستثمارات التي تهدف إل تزويد الاقتصاد القومي بالخدمات الأساسية، كالنقل والمواصلات ومحطات توليد الطاقة…إلخ، ويلاحظ على هذا النوع من النفقات أنه يحتل مكاناً أكثر أهمية في الدول النامية عنه في الدول المتقدمة بسبب حاجتها إلى مشاريع البنية التحتية.

لذا يمكن القول: إن الأهمية النسبية لكل نوع من هذه النفقات تختلف باختلاف ظروف كل دولة في نظامها الاقتصادي والسياسي واختلاف درجة النمو الاقتصادي في كل منها والتي تؤثر في بنيان النفقات العامة.

يحقق هذا التقسيم أهدافاً متعددة عملية وتحليلية أهمها:

> يسهّل عملية المقارنة بين الدول في هذا المجال واستخلاص النتائج.

> يحقق رقابة أوسع على البرامج والمشاريع عبر إعلان بيانات الموازنة العامة.

> يمنح صلاحيات واسعة للأجهزة الإدارية في القطاعات المختلفة.

> يبرز الأهداف والقطاعات والوظائف المقابلة للاعتمادات.

2ـ تبويب النفقات العامة في الجمهورية العربية السورية:

كانت سورية تتبع قبل صدور القانون المالي الأساسي رقم /92/ لعام 1967 مبدأ تعدد الموازنات، فإلى جانب الموازنة العامة العادية كان هناك الموازنات الإنمائية والموازنات المستقلة، إلا أنه بصدور القانون المالي الأساسي رقم /92/ لعام 1967، أعيد النظر بصورة جذرية في تنظيم الموازنة العامة للدولة، كما استُبدل بهذا القانون قانون جديد بموجب المرسوم التشريعي رقم /54/ لعام 2006، لذلك يحسن التفريق في تبويب النفقات في سورية بين مراحل ثلاث:

أ ـ تبويب النفقات العامة قبل صدور القانون المالي الأساسي رقم /92/ لعام 1967: قبل صدور هذا القانون كان تبوب النفقات العامة في سورية في موازنتها العامة والملحقة مختلفاً عن تبويبها في موازناتها الإنمائية.

(1) ـ تبويب نفقات الموازنة العامة العادية والموازنات الملحقة:

كان يتم تبويب هذه الموازنات بتقسيم تلك النفقات إدارياً إلى أقسام يشمل كل منها وحدة إدارية لها نشاط متجانس وطبيعة عمل واحدة هي في الغالب إحدى الوزارات، ويتألف كل قسم منها إلى فروع وهي الإدارات والمؤسسات العامة التابعة لها.

وكانت النفقات تقسم نوعياً إلى أربعة أبواب بالترتيب يتضمن كل منها نفقات من طبيعة واحدة. وهذه الأبواب هي: النفقات الإدارية، النفقات العامة، النفقات الخاصة، الديون.

(2) ـ تبويب نفقات الموازنات الإنمائية:

كان تبويب نفقات الموازنات الإنمائية في سورية يتم على أساس قطاعات تمثل وظيفة معينة وتشمل مجمل المشاريع التي يقوم القطاع بأعبائها، وتقسم القطاعات إلى فروع تمثل الإدارات الداخلة في القطاع، ويقسم الفرع إلى أبواب يمثل كل منها مشروعاً معيناً أو عدة مشاريع متجانسة، ويتفرع الباب إلى بنود تحدد اعتمادات جزء من المشروع، ويجري أخيراً توزيع البنود إلى فقرات ست هي: الدراسات، الاستملاكات، الإنشاءات، التجهيزات، الرواتب والأجور، النفقات العامة.

وبذلك يكون التبويب المستخدم في نفقات الموازنات الإنمائية تبويباً وظيفياً عند تقسيمها إلى قطاعات، وتبويباً إدارياً بتقسيمها إلى فروع، وتبويباً نوعياً بتقسيمها إلى بنود وفقرات.

يظهر مما سبق أن التبويب الذي اعتمدته سورية قبل صدور القانون المالي الأساسي عام 1967 يغلب عليه الطابع الإداري بهدف تسهيل وضع الموازنة من دون أي اعتبار لدور الدولة في الاقتصاد القومي، لذلك لم يعد هذا النوع من التقسيم يتناسب ومهمات الدولة الحديثة أو ينسجم مع التحول الاشتراكي الذي بدأته سورية مع ثورة آذار ومع تطور بنية اقتصادها الجديد. وهذا ما دعا إلى إصدار القانون المالي الأساسي بالمرسوم التشريعي رقم /92/ لعام 1967 وصدور المرسوم رقم /1831/ لعام 1968، اللذين حملا في طياتهما مواد تنص على تبويب النفقات العامة من جديد بأسلوب يضمن أداء وظيفة الدولة ضمن الإطار العام للخطة الاقتصادية والاجتماعية وأصبح تبويب الموازنة العامة السورية يستند إلى أسس قانونية وتنظيمية بعيداً عن الأهواء التي كانت تتعرض لها الموازنة سنوياً من قبل واضعيها.

ب ـ تبويب النفقات العامة في ظل القانون المالي الأساسي رقم /92/ لعام1967: تبوب النفقات العامة في الموازنة العامة السورية تبويباً وظيفياً وإدارياً ونوعياً وإقليمياً، وقد تم تطبيق هذه الأنواع من التبويب باستثناء التبويب الإقليمي بدءاً من موازنة عام 1970.

(1) ـ التبويب الوظيفي: عرّف القانون المالي الأساسي التبويب الوظيفي بأنه التبويب الذي يظهر نفقات الموازنة على أساس قطاعات الخطة الاقتصادية. وبسبب عدم ظهور بعض القطاعات، كالأمن والدفاع، في الخطط الخمسية عاد المشرِّع وعرَّف التبويب الوظيفي بأنه الذي يظهر نفقات الموازنة على أساس وظائف الدولة. ومن ثم عاد المشرع في عام 1984 وعرَّفه في المادة الثالثة من قانون الموازنة العامة بأنه: "تبويب اعتمادات النفقات وتقديرات الفوائض حسب القطاعات الاقتصادية الواردة في الخطة…".

وقد تم تحديد التبويب الوظيفي وفق التعريف الأخير بقرار وزير المالية رقم /1215/ لعام 1984 واعتمد الترقيم العشري بحيث لا يتجاوز عدد قطاعات الموازنة العشرة كما في الجدول التالي:

رقم الحساب

اسم الحساب

الخدمات الجماعية والاجتماعية الشخصية

الزراعة والغابات والأسماك

الصناعات الاستخراجية

الصناعات التحويلية

الكهرباء والغاز والمياه

البناء والتشييد

التجارة

النقل والمواصلات والتخزين

المال والتأمين والعقارات

10ـ

اعتمادات غير موزعة

 

(2) ـ التبويب الإداري: وقد عرَّفه القانون المالي الأساسي بأنه: "التبويب الذي يظهر نفقات كل وحدة إدارية على حدة، من وزارة وإدارة أو مؤسسة عامة تابعة لهما بالشكل الذي يخصص فيه لكل وزارة قسم مستقل ولكل إدارة أو مؤسسة عامة تابعة لها فرع مستقل". وقد اعتمد المرسوم /1831/ القطاعات الوظيفية المبينة سابقاً أساساً لجمع مختلف الوزارات والإدارات العامة ضمن زمر محددة بغية إمكان تطبيق الترقيم العشري في التبويب الإداري. فربط بذلك بين التبويب الإداري والتبويب الوظيفي من دون مخالفة النصوص القانونية النافذة، إذ يدل رقم الأساس على رقم حساب التبويب الوظيفي يتبعه رقم القسم المخصص لوزارات الدولة، ثم رقم الفرع المخصص للإدارات والمؤسسات التابعة لوزارة معينة. والمثال التالي يوضح ذلك:

الرقم

العنوان

الرقم

القسم

الفرع

3

 

 

وزارة النفط والثروة المعدنية

 

31

 

وزارة النفط والثروة المعدنية

 

 

331

وزارة النفط والثروة المعدنية

 

فإذا قرأنا الحساب رقم /331/ في التبويب الإداري من اليسار إلى اليمين يكون مدلوله:

ـ الرقم /3/ يدل على قطاع الصناعات الاستخراجية.

ـ الرقم /31/ يدل على إدارة الخدمات التابعة لقطاع الصناعات الاستخراجية.

ـ الرقم /331/ يدل على وزارة النفط والثروة المعدنية التابعة لإدارة الخدمات التابعة لقطاع الصناعات الاستخراجية.

(3) ـ التبويب النوعي: وقد عرَّفه القانون المالي الأساسي بأنه «التبويب الذي يظهر كل وحدة إدارية على أساس طبيعة النفقة وذلك بالشكل الذي يظهر فيه هذا التبويب نفقاتها الاستثمارية وعناصر نفقاتها الجارية والذي يقوم على أساس توزيع النفقات التفصيلية بكل باب إلى بنود وكل بند إلى فقرات».

قُسِّمت نفقات الدولة نوعياً إلى خمسة أبواب لكل منها رقم حساب رئيس هي:

> باب الرواتب والأجور والتعويضات: ويشمل جميع النفقات التي تصرفها الدولة على الموظفين والمستخدمين والخبراء والعمال لقاء قيامهم بعمل لقاء أجر وتعويضاتهم ومكافآتهم.

> باب النفقات الإدارية: ويشمل النفقات الاستهلاكية التي يستلزمها سير العمل في الإدارة، كاللوازم وبدلات الإيجار والقرطاسية والماء…إلخ.

> باب النفقات الاستثمارية: ويشمل النفقات التي تستهدف زيادة الموجودات الثابتة وزيادة الدخل القومي وزيادة الإنتاج ودعم الاقتصاد الوطني. وتعد من أهم أنواع النفقات وأهمها نفقات الإنشاء والتعمير ، وتحديث الآلات وغيرها.

> باب النفقات التحويلية: ويشمل النفقات التي تهدف إلى إعادة توزيع الدخل والإعانات الاقتصادية للمشاريع، التي تنفقها الدولة من دون الحصول على مقابل.

> باب الديون والالتزامات واجبة الأداء: وتشمل أعباء الدين العام ومختلف التزامات الخزينة العامة.

ويقسم كل باب من الأبواب السابقة إلى بنود لكل منها رقم حساب ثانوي، وفق المثال التوضيحي التالي:

رقم الحساب الرئيسي

رقم الحساب الثانوي

اسم الحساب أو العنوان أو النفقة

4

 

النفقات التحويلية

 

41

المساهمات في النشاط الاقتصادي

 

42

المساهمات في النشاط الثقافي

 

43

المساهمات في النشاط الاجتماعي

 

44

مساهمات وحدات الإدارة المحلية

 

45

مساهمات مديرية الأوقاف

 

46

المساهمات والاشتركات في المؤسسات العربية والدولية

 

(4) ـ التبويب الاقليمي: وقد عرّفه القانون المالي الأساسي بأنه التبويب الذي يظهر بصورة مستقلة نفقات الإدارة المركزية في جهاز الدولة ونفقات كل محافظة من محافظات القطر. بحيث تأخذ نفقات الإدارة المركزية فيه رقم /1/ ثم تأخذ محافظات القطر وفق التسلسل التالي: دمشق، حلب، حمص، حماه، اللاذقية، دير الزور، إدلب، الحسكة، الرقة، السويداء، درعا، طرطوس، القنيطرة، الأرقام من رقم /2/ حتى /14/. إلا إن هذا التبويب لم يطبق حتى الآن.

جـ ـ ملاحظات على تبويب النفقات العامة في ظل القانون 92/1967:

يمكن ملاحظة أن تبويب النفقات العامة في ظل القانون المالي الأساسي اعتمد الأسس القانونية والتنظيمية التي تظهر دور الدولة في النشاط الاقتصادي أكثر من السابق، ولكن ما لبث هذا التنظيم القانوني المتكامل للتبويب أن تعرّض للعبث دون اتباع الأساليب النظامية في التعديل، عبر قانون الموازنة العامة لعام 1984 الذي عدّل من أحكام التبويب القائمة في ظل القانون المالي الأساسي، وخاصة في مجال التبويب الوظيفي، فبعد أن كان يعتمد القانون المالي الأساسي وظائف الدولة أساساً لذلك عاد قانون الموازنة العامة لعام 1984 واعتمد القطاعات الاقتصادية الواردة في الخطة الخمسية أساساً لذلك.

ويظهر الجدول التالي التباين الواقع بين ما ورد في المرسوم 1831 وما جاء في القانون رقم /1/ لعام 1984:

التبويب الوظيفي للنفقات العامة في ظل المرسوم /1831/

التبويب الوظيفي للنفقات العامة في ظل القانون رقم /1/ قانون الموازنة العامة لعام 1984

رقم الحساب

اسم الحساب

رقم الحساب

اسم الحساب

1

السلطات العامة والإدارة والقضاء

1

الخدمات الجماعية والاجتماعية والشخصية

2

الأمن القومي

2

الزراعة والغابات والأسماك

3

الثقافة واللإعلام

3

الصناعات الاستخراجية

4

الرعاية والمال

4

الصناعات التحويلية

5

الاقتصاد والمال

5

الكهرباء والغاز والمياه

6

الزراعة والري واستصلاح الأراضي

6

البناء والتشييد

7

الصناعة والتعدين والطاقو والوقود

7

التجارة والوقود

8

المواصلات والمرافق والأشغال العامة

8

النقل والمواصلات والتخزين

 

 

9

المال والتأمين والعقارات

 

 

10

اعتمادات غير موزعة

 

وعلى هذا يمكن القول: إن القانون المالي الأساسي والمرسوم /1831/ أرسيا قواعد لتبويب النفقات العامة في سورية لها خصائص ومميزات مهمة، احتفظ التعديل الجاري بها في القانون رقم /1/ لعام 1984، بمعظمها ولكنه عدل بعضها وأوجد مآخذ وإشكالات شوهت هذه الخصائص والمميزات.

(1) ـ خصائص وميزات هذا التبويب:

> اتبع في ترقيم التبويب الوظيفي والإداري والنوعي الأسلوب العشري.

> قسم التبويب النوعي للنفقات والتبويب النوعي للإيرادات إلى عشرة أبواب رئيسة خصص الأرقام الخمسة الأولى للنفقات والخمسة الأخيرة للإيرادات.

> إن تبويب النفقات العامة بهذا الشكل يسهّل القيام بدراسة تحليلية لهذه النفقات من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.

(2) ـ مآخذ على تبويب النفقات العامة:

التعديل الجاري على تبويب النفقات العامة في القانون رقم /1/ لعام 1984 أوجد الكثير من الإشكالات القانونية والمآخذ الفنية على ذلك التبويب:

أ ـ المآخذ القانونية:

> لم يتبع المشرع في هذا التعديل الأصول والقواعد القانونية في التعديل والتي تقضي بتعديل أحكام القانون المالي الأساسي وتعديل أحكام المرسوم /1831/ الصادر تنفيذاً له على نحو واضح ومباشر وليس انتهاز فرصة إقرار الموازنة العامة للدولة لعام 1984 ليعدل أحكام ذلك القانون والمرسوم ضمناً.

> إن هذا التعديل جاء في قانون الموازنة العامة، والمعلوم أن هذا القانون هو قانون خاص ومؤقت مدته سنة واحدة، ومن ثم لا يجوز من الناحية القانونية تعديل نصوص قانون أساسي ودائم بموجب قانون مؤقت صالح لمدة سنة.

ب ـ المآخذ الفنية: لقد أحدث القانون رقم /1/ لعام 1984 مآخذ فنية على التبويب الوظيفي أهمها:

> إن التبويب المعتمد في موازنة عام 1984 هو تبويب لـ 40% فقط من اعتمادات النفقات العامة، إذ الحساب رقم /1/ فيه، وهو الذي يتضمن قطاعات الخدمات الجماعية والاجتماعية والشخصية يشمل 60% من إجمالي اعتمادات الموازنة، في حين يتم توزيع الـ 40% المتبقية على القطاعات التسعة المتبقية.

> يعجز التبويب الوظيفي المستند إلى قطاعات الخطة الاقتصادية عن معرفة كلفة الخدمات التي تؤديها الدولة في كل قطاع، لأن القطاع الواحد فيها يجمع فعاليات متعددة وتقوم بوظائف مختلفة.

> ليس للتبويب الوظيفي المحدث أساسٌ أو معيارٌ تصنيفيٌ واحد.

> إن ربط التبويب الوظيفي بقطاعات الخطة الخمسية يفقد التبويب الوظيفي أحد أهم خصائصه المتمثلة في المقارنة بين اعتمادات القطاع الواحد في مختلف السنوات.

> كي يتلاءم التبويب الجديد مع وظائف الدولة من جهة وقطاعات الخطة من جهة أخرى، جاء قرار وزير المالية رقم /1215/ تاريخ 14/5/1984، وخالف تعريف التبويب الوظيفي الوارد في المادة الثالثة من القانون رقم /1/ لعام 1984 وأضاف قطاعاً غير موجود في الخطة سماه قطاع الاعتمادات غير الموزعة وذلك كي يشمل بقية وظائف الدولة التي لا تظهر في الخطة الاقتصادية الخمسية. وهذا وإن كان يمثل مخالفة قانونية إلا أنه يشعر بضرورة العودة إلى التبويب الوظيفي على أساس وظائف الدولة لا على أساس قطاعات الخطة، وهذا ما أخذ به المشرع فيما بعد في القانون المالي الأساسي الجديد.

وتجدر الإشارة إلى أنه صدر قرار من وزارة المالية عام 2001 قضى بضرورة تقسيم النفقات العامة إلى جارية وهي: (النفقات التي تشكل الباب الأول والثاني والرابع والخامس وفق التبويب النوعي) واستثمارية وهي التي تشكل نفقات الباب الثالث وذلك من أجل إظهار نسبة النفقات الاستثمارية في الموازنة وقد طبق ذلك بدءاً من موازنة 2002.

د ـ تبويب النفقات في ظل القانون المالي الأساسي رقم 54 لعام 2006:

صدر القانون المالي الأساسي الجديد بتاريخ 1/10/2006 وأصبح نافذاً بموجب المادة (38) منه بدءاً من بداية عام 2008.

لقد أضاف هذا القانون إلى جانب التبويبات الأربعة السابقة تبويباً جديداً هو التبويب الاقتصادي، ولكنه بموجب البند /5/ من المادة (8) منه وقف تطبيقه على صدور قرار من وزير المالية الذي لم يصدر حتى الآن، لذلك يمكن القول: إن النفقات العامة في سورية أصبحت تبوب وظيفياً وإدارياً ونوعياً وإقليمياً واقتصادياً وفق القانون المالي الأساسي الجديد، كما أنه عاد وعرّف التبويب الوظيفي بأنه التبويب الذي يظهر نفقات الموازنة على أساس وظائف الدولة، وبذلك تجاوز معظم الانتقادات الناتجة من التعديلات التي جاءت على مفهوم هذا التبويب في موازنة عام 1984 السابقة الذكر.

ثالثاً ـ حجم النفقات العامة:

يثير حجم النفقات العامة اهتماماً كبيراً من جانب علماء الاقتصاد والمالية العامة، فالزيادة المطَّردة في حجم هذه النفقات في جميع دول العالم جعلهم يتعمّقون في دراسة العوامل التي تؤثر في زيادة حجم هذه النفقات من دولة إلى أخرى، وفي القواعد التي يجب أن تحكم سلوك الدولة وهيئاتها ومؤسساتها العامة عند القيام بالنفقات العامة، فهذه الزيادة في حجم النفقات العامة أجبرت فقهاء المالية العامة على القيام بدراسات لمعرفة الطرق المثلى لتحقيق الدولة لأهدافها بأقل نفقة ممكنة.

1ـ ظاهرة تزايد حجم النفقات العامة:

تعد ظاهرة تزايد النفقات العامة من الظواهر العامة في جميع الدول مهما اختلفت نظمها الاقتصادية والسياسية، ومهما اختلفت في درجة تطورها الاقتصادي. حتى أصبحت إحدى السمات المميزة للمالية العامة في هذا العصر، حتى إن بعض علماء المالية العامة جعلوا من هذه الظاهرة قانوناً عاماً من قوانين التطور المالي والاقتصادي والاجتماعي للدولة.

أ ـ القانون العام للظاهرة:

كان أول من لفت الأنظار إلى هذه الظاهرة الاقتصادي الألماني أودلف فاجنر، في دراسة قام بها في عام 1880 عن تطور نفقات الدول الأوربية خلال القرن التاسع عشر. وانتهى إلى القول بوجود اتجاه عام نحو ازدياد أوجه نشاط الدول مع التطور الاقتصادي للجماعة، وصاغ هذا الاستنتاج في صورة قانون اقتصادي يُعرف باسمه، يتلخص في أنه: "كلما حقق المجتمع معدلاً معيناً من النمو الاقتصادي، فإن ذلك يستتبع اتساع نشاط الدولة، وبالتالي يؤدي إلى زيادة الإنفاق العام بمعدل أكبر من الزيادة الحاصلة في نصيب الفرد من الناتج القومي"، ويعلل فاجنر قانونه بقوله: إن الزيادة في دخل الدولة الصناعية وإنتاجها خلال فترة طويلة تؤدي إلى زيادة نشاط الحكومة في شكله المطلق وبمعدل لا يقل عن معدل الزيادة في دخلها القومي.

وقد بنى استنتاجه هذا على تنبؤاته وشكوكه في تطور النظام الرأسمالي الصناعي، وقال إن زيادة التصنيع توجب على الدولة التدخل لتنظيم النشاطات الاقتصادية التي تشبع حاجات جماعية للمجتمع، كالتعليم والصحة؛ لأن القطاع الخاص لا يقدم على مثل هذه النشاطات، للحد من نشاط الاحتكارات الخاصة وللتخفيف من التقلبات الاقتصادية ومتغيرات الأسعار، وقد تنبأ بذلك في وقت لم يفرز النظام الرأسمالي هذه المشكلات بعد، فتوصل إلى نتيجة أصبح مسلماً بها بعد ذلك مفادها أن تدخل الدولة شرط أساسي لحسن سير اقتصاد السوق.

ومع التسليم بصحة ذلك إلا أنه يؤخذ على هذا القانون:

1) ـ اعتباره أن زيادة النفقات العامة تعود بصورة رئيسة إلى عوامل اقتصادية. والحقيقة أن الإنفاق العام لا يتحدد في بلد ما تبعاً لأسباب اقتصادية فقط، بل هناك العديد من العوامل الأخرى غير العوامل الاقتصادية تتحكم في ذلك.

2) ـ إن قانون فاجنر كان واضحاً في الإشارة إلى ظاهرة النمو المطلق للإنفاق الحكومي، إلا أنه لم يبين اختلاف معدل هذه الزيادة تبعاً لاختلاف الدول في درجات نموها.

3) ـ إن قانون فاجنر أغفل التوقيت الذي يجب على الدولة فيه زيادة نشاطها الحكومي.

4) ـ إن قانون فاجنر يتصف بطابعه الخاص بحيث يصعب تعميمه على جميع الدول، لأن أسباب زيادة حجم النفقات العامة مختلفة من دولة لأخرى.

 على الرغم من هذه الانتقادات لقانون فاجنر، فإنه يصلح إطاراً عاماً للدلالة على هذه الظاهرة، يمكن الإشارة في هذا المجال إلى أنه على الرغم من اتجاه النفقات العامة نحو التزايد على نحو دائم، إلا أنه قد يحدث في بعض الدول وفي بعض السنوات أن يظل حجم النفقات العامة ثابتاً، بل قد يتجه نحو الانخفاض، ولكن ما يلبث أن يتجه بعد ذلك نحو التزايد. لذلك يصلح قانون فاجنر إطاراً للدلالة على هذه الظاهرة في المدى الطويل.

وتجدر الإشارة إلى أن تزايد النفقات العامة لا يعني بالضرورة زيادة المنفعة المترتبة عليها، والتي تتمثل في زيادة أنواع الخدمات التي تؤديها الدولة أو ارتفاع مستوى أدائها، ومن ثم لا يعني بالضرورة زيادة التكاليف العامة على الأفراد، فقد ترجع هذه الزيادة كلها أو بعضها إلى أسباب ظاهرية تؤدي إلى زيادة حجم النفقات العامة من دون أن تعود زيادة هذه المنفعة أو تحسينها على الأفراد، وقد يؤدي تزايد النفقات العامة إلى زيادة المنفعة العامة المترتبة عليها بالفعل، وفي هذه الحالة تكون زيادة النفقات العامة كلها أو بعضها ترجع إلى أسباب حقيقية.

ب ـ الأسباب الظاهرية لتزايد النفقات العامة:

إن تعرّف الأسباب الظاهرية لتزايد حجم النفقات العامة ضروريٌ لتعرّف هذه الظاهرة أكثر ومعرفة مقدار الزيادة الحقيقية من الزيادة المطلقة فيها.

وترجع أسباب الزيادة الظاهرية في حجم النفقات العامة إلى انخفاض القوة الشرائية للنقود، وإلى التغير في طرق المحاسبة الحكومية أو إعداد الموازنات أو إلى النمو السكاني.

(1) ـ انخفاض القوة الشرائية للنقود: يقصد بالقوة الشرائية للنقود سلطانها في المبادلة بجميع السلع والخدمات. فقيمة الليرة السورية هي كمية السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بها، ولما كانت قيمة النقود ليست في الواقع سوى مقلوب مستوى الأسعار، فمعنى ذلك أن ارتفاع الأسعار يعني انخفاض قيمة النقود أي انخفاض قوتها الشرائية، لذلك عند إجراء المقارنة بين النفقات العامة في فترات مختلفة بهدف قياس نوع الزيادة فيها خلال تلك الفترات لمعرفة هل هي ظاهرية أم حقيقية، يكون من الضروري أن يؤخذ في الاعتبار التغيرات التي تحدث في المستوى العام للأسعار من فترة إلى أخرى.

النفقات العامة الحقيقية للسنة = النفقات الحقيقية للسنة ×100/الرقم القياسي للأسعار فيها

ومن الضروري عند إجراء المقارنة استخدام سنة الأساس نفسها للرقم القياسي للأسعار.

(2) ـ اختلاف طرق المحاسبة الحكومية أو طرق إعداد ومبادئ الموازنات العامة: فالدول عادة تأخذ بمبدأ شمول الموازنة، وهذا المبدأ يعني أنه يجب أن يسجل فيها جميع نفقاتها وجميع إيراداتها من دون أي تقاصٍ فيما بينهما، فتظهر جملة هذه النفقات وتلك الإيرادات فيها، ومن الممكن في بعض الحالات وبعض الوحدات الإدارية تسجيل صافي حساب هذه الوحدة بعد إجراء التقاص فيما بين نفقاتها وإيراداتها، وعندما تعدّل الدولة طرق حساباتها وتعتمد مبدأ الشمول بدل مبدأ الصوافي، فإن ذلك سيؤدي إلى زيادة حجم نفقاتها العامة، ولكن في الواقع تكون هذه الزيادة ظاهرية.

كما يمكن للدول تعديل ميعاد بدء سنتها المالية فإذا كان موعد بدء الموازنة في سنة سابقة هو الشهر الأول من السنة وفي السنة التالية هو الشهر السابع، فإن موازنتها في السنة السابقة ستكون عملياً عن سنة ونصف، ومن ثم ستكون نفقات نصف السنة تلك زيادة ظاهرية في حجم نفقاتها العامة، كما حدث في سورية بين عامي 1958/ 1959.

كما يمكن للدول أن تأخذ بمبدأ وحدة الموازنة بدلاً من مبدأ تعدد الموازنات، وهذا يؤدي إلى زيادة حجم نفقاتها العامة ظاهرياً، كما حدث في سورية عام 1970.

(3) ـ التزايد السكاني: يؤدي التزايد السكاني إلى زيادة حجم النفقات العامة وذلك لمواجهة الأعباء الجديدة التي تقع على عاتق الدولة، ولاسيما في مجال الخدمات العامة، كالتعليم والصحة والأمن العام. ولمعرفة إن كانت هناك زيادة نفقات حقيقية أم ظاهرية فإن الأمر يستدعي استبعاد أثر النمو السكاني، وذلك بحساب متوسط نصيب الفرد من النفقات العامة من فترة لأخرى عن طريق تقسيم النفقات العامة في السنة على عدد السكان في السنة نفسها ومقارنتها بذلك المتوسط في سنة أخرى.

جـ ـ الأسباب الحقيقية لزيادة حجم النفقات العامة:

إذا تم استبعاد الأسباب الظاهرية لتزايد حجم النفقات العامة، يمكن إرجاع زيادة حجم النفقات العامة إلى الأسباب التالية:

(1) ـ الأسباب السياسية:

إن التطور الذي شهده دور الدولة في القرن العشرين لم يكن قاصراً على الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، وإنما شمل كذلك الناحية السياسية على المستويين الداخلي والخارجي، أدت إلى زيادة نفقات الدول:

> فعلى المستوى الداخلي: أدى انتشار الأفكار الديمقراطية إلى تقليص الخدمات المأجورة وأصبح للدولة مصلحة في تأمين الكثير من الخدمات العامة لدواعٍ اقتصادية واجتماعية من دون أي مقابل أو بمقابل أكثر من تكلفتها الحقيقية، كما تنفذ أحياناً بعض المشروعات في دوائر انتخابية معينة أو في أوقات معينة (قبل الانتخابات) لا ضرورة كبيرة لها بل لمجرد إرضاء الناخبين، إضافة إلى انتشار النـزعات الاشتراكية في الكثير من الدول، وهذا كله أدى إلى زيـادة حجم النفقات العـامة، كما أن تطور الفكر السياسي أدى إلى نمو فكرة مسؤولية الدولة، وأدت زيادة وظائف الدولة إلى زيادة عدد موظفيها ونفقاتها الإدارية، مما زاد من حجم نفقاتها العامة.

> وعلى المستوى الخارجي: أدى نمو العلاقات الدولية إلى زيادة أهمية التمثيل الدبلوماسي بين الدول، كما أُنشئ العديد من المنظمات الدولية والإقليمية وزيد عدد هذه المنظمات وتوسعت اختصاصاتها وتنوعت، وأسهم واجب التضامن الدولي في زيادة النفقات العامة للدول، مما زاد من حجم نفقاتها عموماً، فكثيراً ما أصبحت الدول تساعد بعضها بعضاً عندما تواجه إحداها كارثة معينة، كزلزال أو فيضان أو بركان مدمر، لأسباب إنسانية أو سياسية أحياناً.

(2) ـ تأثير الحروب:

تعد الحروب من أهم أسباب زيادة حجم النفقات العامة للدول، وخاصة الدول التي تواجه خطراً دائماً من عدو خارجي، فتزداد نفقات الدول بسبب الاستعداد للحرب وفي مرحلة الحرب ذاتها وفي مرحلة ما بعد الحرب لإزالة آثارها.

وقد أصبحت هذه النفقات أكثر من ضرورية في العصر الحديث، فإضافة إلى أنها تتعلق بسيادة الدول، فإن طبيعة النفقات العسكرية في تزايد مطَّرد للأسباب التالية:

> تقدم الفنون العسكرية حديثاً، وتقدم وسائلها، ودخول التكنولوجيا العالية فيها.

> سعي بعض الدول إلى زيادة نفوذها العسكري الخارجي وإلى إقامة قواعد عسكرية خارجية لها، وقيامها بالمناورات العسكرية دورياً.

> النفقات العسكرية تستدعي عادة السرعة والسرية، مما يصعب معه الرقابة عليها، مما يؤدي بدوره إلى التبذير أحياناً.

> إن الحرب تستدعي من الدول تقديم الإعانات إلى منكوبي الحروب وتأمين السلع والخدمات لأفرادها خلالها بأسعار معتدلة على الرغم من ارتفاع أسعارها في ذلك الوقت وتقديم التعويضات للاجئين والأسرى والمجندين، وسداد فوائد القروض التي تلجأ الدولة إلى اقتراضها لتمويل الحرب وهذا يؤدي إلى زيادة النفقات العامة.

(3) ـ تغير الدور الاجتماعي للدولة:

تميز القرن التاسع عشر بظهور تفاوت اجتماعي كبير بين الطبقات في المجتمعات، إذ كانت الفلسفة الاجتماعية السائدة آنذاك تقضي بعدم تدخل الدولة لمساعدة الطبقات الفقيرة، ومن الواضح أن هذه الفلسفة الاجتماعية كانت تتفق والفلسفة الاقتصادية التي كانت سائدة، ولكن تطور الفلسفة الاجتماعية والاقتصادية للدولة وظهور الدولة التدخلية أدى إلى اتساع الدور الاجتماعي لها، فأصبح من واجبها العمل على إعادة توزيع الدخل القومي بطريقة أقرب إلى العدالة لاعتبارات اقتصادية وسياسية واجتماعية.

فانتشر تطبيق نظام التأمينات الاجتماعية وتم التوسع في منح الإعانات الاجتماعية وانتشر نظام دعم أسعار السلع والخدمات الضرورية وأصبحت تقوية التضامن الاجتماعي من أهم واجبات الدولة.

كما يمكن الإشارة هنا إلى أن الزيادة السكانية تؤدي إلى زيادة النفقات العامة، فهي تستلزم توسع الدولة في خدماتها لمواجهة مطالب السكان، خاصة إذا عُلِمَ أن نسبة الزيادة السكانية تتركز في الطبقات الفقيرة، كما أن نفقات حفظ الأمن والاستقرار تتزايد مع زيادة السكان وأن التوسع في الإنفاق العام يتوقف على بنية السكان العمرية وعلى توزعهم جغرافياً أيضاً. فالتزايد السكاني سبب لزيادة حجم النفقات الحقيقية والظاهرية.

(4) ـ الأسباب الاقتصادية:

> زيادة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي: في ظل النظام الرأسمالي التقليدي كان دور الدولة الاقتصادي يقف عند كونها حارسة للنظام والحريات الفردية ووظائفها محدودة تتمثل في إقامة العدالة والدفاع والأمن الداخلي، مما جعل نفقاتها العامة في حدها الأدنى.

ولكن بعد تطور دور الدولة في النشاط الاقتصادي أصبحت دولة تدخلية، إذ تدخلت الحكومات من أجل تأمين الاستقرار الاقتصادي، وتدخلت لتوجيه الاقتصاد والتأثير في بنيانه، كما أن الدول النامية أخذت على عاتقها مهمة التنمية الاقتصادية، هذا كله زاد من نفقاتها العامة.

> زيادة معدلات النمو الاقتصادي في الدول: يمكن إرجاع جزء كبير من زيادة النفقات العامة إلى حركة النمو الاقتصادي طويل المدى التي عرفتها غالبية الدول منذ بداية السبعينات من القرن الماضي.

> انتشار النظام الاشتراكي في الفترات السابقة:

بانتشار المذاهب الاشتراكية، بتأثير الثورة البلشفية في الاتحاد السو&http://arab-ency.com.sy/law/details/25625/7#1700;ييتي السابق، قامت الدولة المنتجة، وأدارت الدولة المشروعات الاقتصادية بنفسها، وازداد حجم القطاع العام وحجم التأميم أكثر مما هو عليه في النظم الرأسمالية بكثير. وهذا ما عكس الأعباء الإضافية التي أصبحت الدولة تتحملها في تلك النظم، مما زاد من نفقاتها العامة، إلا أن تحول الدول عن النظام الاشتراكي لن يؤدي إلى تناقص نفقاتها بقدر ما أدى إلى خفض معدل زيادتها.

(5) ـ الأسباب المالية:

> تطور الفكر المالي: فبعد أن كان هذا الفكر محدداً بواجب المحافظة على مبدأ توازن الموازنة، أصبح مقبولاً فيه بل واجباً عليه ضخ الأموال اللازمة في السوق عبر زيادة النفقات العامة من أجل تحريك عجلة الاقتصاد القومي ولو كان ذلك على حساب ذلك التوازن من أجل إقامة التوازن الاقتصادي العام.

> وجود فائض في إيرادات بعض السنوات: فظهور هذا الفائض يشجع الدولة على زيادة نفقاتها العامة بإنفاقه في وجوه غير ضرورية، وتبدو خطورة هذا الوضع في الأوقات التي توجب فيها السياسة المالية السليمة على الحكومات خفض نفقاتها فتجد صعوبة في ذلك في معظم بنود الإنفاق العام، كبند الرواتب والأجور.

> سهولة الاقتراض: كانت القروض في السابق إيراداً استثنائياً لا يمكن اللجوء إليه إلا في أحوال استثنائية ولتغطية نفقات غير عادية، وفيما بعد أصبحت هذه الوسيلة من وسائل السياسة المالية للدول لتحقيق التوازن الاقتصادي العام، مما جعل عملية الاقتراض الداخلي أو الخارجي أكثر سهولة مما سبق، وهذا ما أغرى الدول في الكثير من الأحيان بالتوسع في الإنفاق العام، ويلاحظ أن عملية الاقتراض ذاتها سواء موّل هذا القرض استثمارات منتجة أم غير منتجة فإنه يرتب زيادة في حجم النفقات العامة نتيجة أقساطه وفوائده في المستقبل.

> الأثر التراكمي: تولد بعض أنواع النفقات العامة وخاصة الاستثمارية منها نفقات إضافية، فعندما ترصد دولة مبلغاً من المال لأتمتة أعمالها الإدارية فإن هذا يتطلب في المستقبل نفقات إضافية لصيانة حواسبها وتطويرها وملحقاتها باستمرار.

د ـ حدود النفقات العامة:

لا بد من الإشارة في هذا المجال إلى أن التزايد المستمر في حجم النفقات العامة أدى إلى التفكير في وضع حدود وضوابط للإنفاق العام بنسبة معينة من الدخل القومي، وبالفعل اقترح بعض علماء المالية العامة نسباً معينة (25% أو 30%)، إلا أنه لا يمكن الاتفاق مع هؤلاء على وضع مثل هذه الحدود وذلك لسببين:

الأول: أن النسب المقترحة هي نسب تحكمية لا تستند إلى أي أساس اقتصادي.

الثاني: أن الفقهاء الذين اقترحوا مثل هذه النسب كانوا ينظرون إلى النفقات العامة على أنها نفقات استهلاكية غير منتجة، إلا أن الدراسات أثبتت أن الكثير من النفقات العامة هي نفقات إنتاجية يمكن أن تزيد من الدخل القومي.

ولكن ذلك لا يعني أنه لا توجد عوامل تحد من حجم الإنفاق العام وتدعو إلى ضرورة مراعاة علاقته بالدخل القومي، وهذه العوامل هي: قدرة الدولة على الحصول على الإيرادات العامة، مستوى النشاط الاقتصادي، ضرورة المحافظة على قيمة النقود، لا بد من أخذها بالحسبان عند زيادة حجم النفقات العامة ولا بد من ترشيد النفقات العامة والتأكد من ضرورتها والابتعاد عن الإسراف والتبذير عند صرفها كي لا تصبح لها آثار سلبية في الدخل القومي.

2ـ تطور حجم النفقات العامة في سورية:

لم تخرج سورية عن القاعدة العامة لتزايد حجم النفقات العامة، بل تحكمت هذه الظاهرة في حياة البلاد المالية وبدت واضحة في مختلف العهود السياسية وإن تفاوتت حدتها من فترة إلى أخرى، ويبين الجدول (1) ازدياد حجم النفقات العامة في سورية لبعض السنوات منذ الاستقلال حتى الآن:

 

السنة المالية

النفقات العامة (مليون)

نسبة التزايد

السنة المالية

النفقات العامة (مليار)

نسبة التزايد

1923

1.656

 

1975

10.445.578

812%

1940

13.562

819%

1980

28.903.000

276%

1945

99.106

760%

1985

43.997

150%

50/1951

234.143

236%

1990

67.497

159%

1955

249.532

106%

1995

162.922

250%

60/1961

500.632

200%

2000

279.155

171%

1965

692.500

138%

2005

460.000

165%

1970

1.168.500

185%

2010

754.000

164%

الجدول (1)

 

أ ـ تزايد حجم النفقات العامة ظاهرة مستمرة:

فقراءة أرقام الجدول السابق تمكن من الاستنتاج أن النفقات العامة في تزايد مستمر في سورية منذ الاستقلال حتى الآن وفي مختلف الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها ويمكن إجمال أسباب هذا التزايد بما يلي:

1) ـ الاستقلال: فالاستقلال السياسي كان السبب الأول في زيادة حجم النفقات في سورية، فقد أدى إلى انتقال مختلف المصالح العامة التي كانت تمارسها السلطة المنتدبة إلى يد الدولة، مما أدى إلى إحداث الوظائف العامة وزيادة أعداد الموظفين، فكان لا بد من بناء أسس الدولة المستقلة وإحداث الأجهزة التنفيذية الأساسية لها، وهذا ما يفسر ارتفاع نسبة التزايد بين العامين (1940ـ 1945) إلى 760%.

2) ـ النفقات العسكرية: تواجه سورية منذ الاستقلال حتى اليوم الاعتداءات الخارجية، فقد خاضت مجموعة من الحروب في الأعوام 1948، 1967، 1973، 1982، من أجل تحرير فلسطين وتحرير الجولان والوقوف في وجه الأطماع التوسعية للعدو الإسرائيلي في الأراضي العربية، وتحملت نفقات يصعب على اقتصاد دولة أن يتحمله نتيجة ذلك، يكفي أن نسبة التزايد في حجم النفقات العامة بين عامي 1970 و1975 ارتفعت إلى 812% بسبب التحضير لحرب تشرين التحريرية وخوضها.

3) ـ تطور الفكر السياسي والنظام الاقتصادي والاجتماعي: شهدت سورية منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي تطوراً في معالم نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي لم يلبث أن ترسخت دعائمه بعد ثورة آذار عام 1963، إذ تبنّت سورية الاشتراكية نظاماً وبدأ التحول الاشتراكي، فتوسع دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي كثيراً عما كان عنه في السابق، وانعكس ذلك كله على حجم النفقات العامة التي بدأت تشهد قفزات كبيرة وخاصة بعد استقرار الحياة السياسية فيها بعد عام 1970 حتى الآن.

ب ـ الأسباب المباشرة لزيادة النفقات العامة: يمكن تقسيم هذه الأسباب إلى ظاهرية وحقيقية:

1) ـ أسباب الزيادة الظاهرية: أدت الأسباب الظاهرية لزيادة حجم النفقات العامة دوراً مهماً في زيادة حجم هذه النفقات في سورية كما يلي:

> انخفاض قيمة النقد: شهدت سورية العديد من موجات الانخفاض في قيمة الليرة السورية لأسباب عديدة عدا نسب التضخم السنوية المقبولة عالمياً، وخاصة في عقد الثمانينات من القرن الماضي، وهذه الموجات أدت وتؤدي إلى زيادة حجم نفقاتها العامة، لذلك فإن أي دراسة لمعرفة قيمة الزيادة الحقيقية للنفقات العامة فيها يقتضي قبل كل شيء حذف أو إلغاء الزيادة الناتجة من انخفاض قيمة النقد وارتفاع الأسعار حتى تصح المقارنة بين السنوات المختلفة. لذلك لا بد من حذف جزء من تلك الزيادة يتناسب طرداً مع نسب التضخم السنوية في الأسـعار، إلا أن الصعوبة في سورية تكمن في هذا المجال في عدم معرفة تلك النسب بدقة لعـدم توافر المعطيات اللازمة لقياسها، لذلك غالباً ما تحددها الدراسات تقديرياً.

> تعديل طرق المحاسبة العامة: كان من الطبيعي أن يكون لتعديل طرق المحاسبة العامة وطرق إعداد الموازنة وبعض مبادئها في سورية أثر بعيد في زيادة حجم النفقات العامة فيها، إذ شهدت سلسلة من القوانين والأنظمة المالية التي عدَّلت من الأصول العلمية لتنظيم الموازنة العامة للدولة، ظهر هذا الأثر في نواحٍ رئيسة هي:

< تعديل بدء السنة المالية: فكانت تزداد النفقات العامة بصورة ظاهرية كلما عدل موعد بدء السنة المالية، فعندما أصبح الأول من تموز في 1950، بدلاً من الأول من كانون الثاني كما كان منذ عام 1923، تضاعفت النفقات العامة تقريباً عن السنة التي سبقتها، وهذا ما حدث أيضاً في السنة المالية لعام 1958/1959. إذ تضمنت نفقات السنة المالية 1950/1951، والسنة المالية 1958/1959 النفقات الفعلية لسنة ونصف بصورة عملية.

< تطبيق مبدأ وحدة الموازنة عام 1970: إذ ازدادت اعتمادات النفقات العامة في عام 1970 بمقدار يتجاوز الضعف عن اعتمادات العام 1969 نتيجة تطبيق مبدأ وحدة الموازنة. إذ أصبحت موازنة الدولة في سورية موحدة تضم جميع نفقات الوزارات والإدارات العامة والهيئات العامة ذات الطابع الإداري، إضافة إلى رصيد موازنات المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي ووحدات الإدارة المحلية ومديريات الأوقاف، بعد أن كانت قبل ذلك مقسّمة على أكثر من موازنة (عادية ـ ملحقة ـ إنمائية).

< التحول من مبدأ الصوافي إلى مبدأ شمول الموازنة في بعض المؤسسات والهيئات العامة: فكان تطبيق مبدأ وحدة الموازنة سبباً لتحول دخول الهيئات العامة ذات الطابع الإداري في الموازنة العامة للدولة وفق مبدأ شمول الموازنة بدلاً من مبدأ الصوافي الذي كانت تعتمدها في موازناتها الملحقة أو المستقلة قبل ذلك.

> التزايد السكاني: سبق أن التزايد السكاني يؤدي إلى زيادة ظاهرية في حجم النفقات العامة، كما يؤدي إلى زيادة حقيقية فيها. لذلك عدّ بعضهم التزايد السكاني سبباً للزيادة الحقيقية النسبية في النفقات العامة، ويمكن استبعاد هذا الأثر بمعرفة متوسط نصيب الفرد من النفقات العامة، فإذا عُلِمَ أن عدد السكان قد تضاعف في سورية بين عامي 1944، 1967، في حين أن حجم النفقات الفعلية في الموازنة العادية تضاعف عشرة أضعاف يمكن أن يستنتج من ذلك معدل تزايد حجم النفقات الزائد على معدل زيادة السكان، وهو زيادة حقيقية في حجم النفقات العامة إذا تم استبعاد الآثار الظاهرية الأخرى، ويمكن الوصول إلى النتيجة نفسها إذا قورن بين متوسط نصيب الفرد من الموازنة العامة بين السنوات، فكان هذا المتوسط (409) ل.س عام 1970، وأصبح (2862) ل.س عام 1980، وتجاوز (23) ألف ليرة سورية في عام 2004.

2) ـ أسباب الزيادة الحقيقية المطلقة:

> تطور الفكر السياسي: تطور الفكر السياسي في سورية تطوراً جذرياً، فقد تغيرت النظرة إلى الدولة فيها منذ نهاية الخمسينات وأصبحت تعتبر مجموعة من المؤسسات العامة الغرض منها إشباع الحاجات العامة للسواد الأعظم من الشعب. وهذا ما أدى إلى توسع عدد الوزارات والمؤسسات والهيئات العامة، وانتشرت الديمقراطية الشعبية، وطبقت الإدارة المحلية، وانتشرت المنظمات الشعبية، ذلك كله زاد من حجم النفقات العامة. كما اتسعت واجبات الدولة على المستوى الخارجي، نتيجة التزامات الدولة بقضايا الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، ونمت علاقاتها الدولية، فتم تدعيم التمثيل السياسي لها في الخارج واشتركت في الكثير من المنظمات الإقليمية والدولية. ذلك كله استدعى زيادة حجم النفقات العامة، وخاصة النفقات الإدارية. يكفي أن نعلم أن 17.02% من اعتمادات الموازنة العامة لعام 2005 في سورية تعود إلى بابي الرواتب والأجور والنفقات الإدارية.

> تطور الفلسفة الاجتماعية: لقد اهتمت الدولة بصورة واضحة بالنواحي الاجتماعية، فقامت بتوسيع المرافق العامة، واهتمت بالرعاية الاجتماعية، وأخذت على عاتقها الضمان الاجتماعي وتثبيت أسعار المواد الأساسية للأفراد، واهتمت بالتعليم بمختلف مراحله، وهذا أدى إلى زيادة نفقاتها الاستثمارية على تلك النواحي، إذ وصلت النفقات الاستثمارية لقطاع التربية والتعليم 7.7% وقطاع الكهرباء 16.3% وقطاع المواصلات 18.1 من إجمالي نفقاتها الاستثمارية التي بلغت 48.28% من إجمالي النفقات العامة في اعتمادات الموازنة العامة للدولة في عام 2005.

> التطور الاقتصادي: أثّر تطور الفكر الاقتصادي في زيادة حجم النفقات العامة في سورية، فبعد أن كانت تنهج نهج اقتصاد السوق بعد الاستقلال مباشرة، نُظم الاقتصاد فيها على أسس اشتراكية فيما بعد، وأصبحت الدولة مسؤولة عن التوازن الاقتصادي، وساد فيها مبدأ الدولة المتدخلة والمنتجة في الوقت نفسه نتيجة اتخاذها مبدأ التعددية الاقتصادية، فاتسع نطاق القطاع العام وازدادت نسبة النفقات الاستثمارية من النفقات العامة الكلية، حتى وصلت في بعض السنوات إلى أكثر من 60% منها، وهذه النسبة لم تقل عن 45% من إجمالي تلك النفقات منذ العام 1970 حتى الآن، إذ بلغت هذه النسبة 48.28% من إجمالي اعتمادات عام 2005. كما يمكن الإشارة في هذا المجال إلا أن سورية التزمت سياسة دعم تثبيت أسعار السلع الأساسية لدواعٍ اقتصادية واجتماعية وتكلف هذه السياسة سورية سنوياً بحدود 5% من إجمالي نفقاتها العامة، لـذلك أصبح هذا العامل من أهم العوامل التي أدت وتؤدي إلى زيادة حجم النفقات العامة في سورية، ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى أن انتهاج سورية مؤخراً مبدأ اقتصاد السوق الاجتماعي بدلاً من منهج الاشتراكية لن يؤدي إلى تناقص معدلات الإنفاق العام فيها بقدر ما سيؤدي إلى جعلها أكثر منفعة وتوجيهاً نحو تحقيقها لأهدافها الاقتصادية والاجتماعية.

> نفقات الأمن القومي: أصبحت هذه النفقات أيضاً من أهم الأسباب التي أدت إلى زيادة حجم النفقات العامة في سورية، بعد أن وجدت نفسها مضطرة إلى زيادة عدد وعتاد جيشها استعداداً لأي مواجهة مع العدو الإسرائيلي، فازدادت نسبتها أكثر من معدل الزيادة الطبيعية في هذا النوع من النفقات كما في غيرها من الدول الأخرى.

رابعاً ـ الآثار الاقتصادية للنفقات العامة:

تتوقف الآثار الاقتصادية للنفقات العامة على عوامل عديدة منها طبيعة النفقات ذاتها، والهدف الذي ترمي إلى تحقيقه، وطبيعة الإيرادات اللازمة لتمويلها والوضع الاقتصادي السائد. ولا شك في أن طبيعة الإيرادات العامة التي تغطي الإنفاق العام تشكل أهم العوامل السابقة في تحديد الآثار الاقتصادية للنفقات العامة، لذلك يجب عند دراسة هذه الآثار أن تؤخذ في الحسبان الآثار الاقتصادية التي تحدثها الإيرادات العامة، ولا يمكن دراسة آثار كل منهما بمعزل عن الأخرى.

1ـ أهم الآثار الاقتصادية المباشرة للنفقات العامة:

تتعدد آثار النفقات العامة باختلاف أنواعها وتبعاً للهدف الذي تسعى إليه، وعلى الرغم من هذا التعدد في مختلف المجالات ونظراً لتزايد أهمية النفقات العامة وتزايد استخدامها في رسم السياسة الاقتصادية للدول بعد تطور دور الدولة في هذا المجال، فإن البحث سيقتصر على أهم الآثار الاقتصادية فقط.

إن الآثار الاقتصادية التي تترتب على النفقات العامة قد تكون آثاراً مباشرة، وهي تلك التي تشكل الآثار الأولية للإنفاق العام وترتبط بتحقيق الهدف الأصلي من النفقة العامة وهو إشباع الحاجات الضرورية للأفراد التي تسمح لهم بممارسة أعمالهم ونشاطاتهم باستمرار وأمان. وقد تكون هذه الآثار غير مباشرة، وهي تلك التي تنتج خلال دورة الدخل، وتؤثر في كل من الاستهلاك والإنتاج والعمالة ومستوى الأسعار من خلال ما يعرف بالأثر المضاعف أو المعجل.

أ ـ آثار النفقات العامة في الإنتاج والدخل القومي:

إن تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية بقصد التأثير فيها أصبح قاعدة عامة، ويظهر هذا التدخل بصورة مباشرة في حجم الناتج القومي، لذلك يقاس الأثر الاقتصادي المباشر للنفقات العامة بأثرها في الإنتاج القومي.

يتوقف الإنتاج القومي على نوعين من العوامل. أولهما القوى المادية للإنتاج، وهي التي تشكل القدرة الإنتاجية القومية، ثانيها العوامل الاقتصادية التي تنصرف إلى الطلب الفعلي:

(1) ـ أثر النفقات العامة في المقدرة الإنتاجية القومية:

تؤدي النفقات العامة بطريق مباشر أو غير مباشر إلى رفع مقدرة الاقتصاد القومي على الإنتاج عن طريق تنمية عوامل الإنتاج كماً وكيفاً.

وتأثير النفقات العامة هنا يختلف تبعاً لاختلاف نوع تلك النفقات، فالنفقات العامة الاستهلاكية وإن أسهمت على نحو فعّال في رفع مستوى المعيشة للطبقات ذات الدخل المنخفض إلا أن تأثيرها في حجم الدخل القومي يكون متواضعاً ولا يظهر إلا على المدى البعيد فالنفقات المصروفة على تعليم جيل (2010) تؤدي إلى زيادة الدخل القومي للجيل القادم في (2025).

أما النفقات الاستثمارية فتؤدي إلى تكوين رؤوس الأموال العينية، وهي إحدى القوى المادية للإنتاج، ومن ثم تؤدي إلى زيادة المقدرة الإنتاجية القومية ونمو الدخل القومي على نحو مباشر وسريع.

(2) ـ أثر النفقات العامة في الناتج القومي من خلال الطلب الفعلي:

إن حجم الدخل القومي يتوقف ـ على فرض ثبات المقدرة الإنتاجية القومية ـ على حجم الطلب الفعلي، أي حجم الإنفاق الكلي على السلع الاستهلاكية والاستثمارية، لأن النفقات العامة أصبحت تشكل جزءاً مهماً من الطلب الفعلي.

لمعرفة تأثير النفقات العامة في الطلب الفعلي، يجب التفرقة بين النفقات الحقيقية والنفقات التحويلية. فالنفقات الحقيقية تؤدي إلى زيادة في الدخل القومي عبر زيادة الطلب الفعلي بمقدار أكبر من مقدار هذا الإنفاق نتيجة للآثار غير المباشرة لها أو ما يعرف بالأثر المضاعف، أما النفقات التحويلية فتتوقف آثارها في الطلب الفعلي ومن ثم في الدخل والإنتاج القومي على كيفية تصرف المستفيدين منها، أي على مدى تسربها في دورة الدخل القومي، فالمستفيد من النفقة التحويلية، كنفقة التعليم، قد ينفق ما وفره من دعم الدولة له في فرصة التعليم على الإنتاج أو الاستهلاك أو يدخرها، ويختلف أثر هذه النفقة في الإنتاج حسب طريقته في الإنفاق أو الادخار.

وعلى ذلك فإن سياسة الإنفاق العام يجب أن تتحدد في ضوء مستوى الطلب الفعلي، ومستوى النشاط الاقتصادي ومرونة الجهاز الإنتاجي، وكقاعدة عامة تؤدي زيادة الطلب الفعلي الناتج من زيادة الإنفاق العام إلى زيادة حجم الإنتاج وذلك بشرط أن يكون مستوى النشاط الاقتصادي أقل من مستوى التشغيل الكامل وأن يتمتع الجهاز الإنتاجي بالمرونة التي تسمح بتنقل عناصر الإنتاج بين النشاطات الاقتصادية المختلفة.

والجدير بالذكر أنه مع إعادة النظر في دور الدولة في النشاط الاقتصادي، والدعوة إلى انحسار هذا الدور وتخلي الدول عن التدخل في بعض المجالات وتركها للقطاع الخاص، وزيادة تدخلها في المجالات الأخرى التي لا تعمل فيها قوى السوق بكفاءة أصبح ينظر إلى إنتاجية النفقات العامة وفاعليتها من ثلاث زوايا:

> نوعية النشاط الذي يقوم به الإنفاق العام وهل يمكن تركه للقطاع الخاص، حيث تعمل قوة السوق بفعالية، ويركز هذا الجانب على تخصيص الموارد العامة.

> مدى تحقيق الأهداف التي تريد الدولة بلوغها من النشاط الذي يتطلب تدخلها بعد إعادة التفكير في دور الدولة، وغالباً ما تتحدد هذه الأهداف بالنظر إلى مدى تحقيقها للتنمية البشرية للأفراد.

> مدى تحقيق الخدمة بأقل تكلفة ممكنة، ويركز هذا الجانب على فاعلية إنتاج النفقة العامة وذلك بتحليل كل من النفقة والعائد.

ب ـ أثر النفقات العامة في العمالة:

تهدف معظم السياسات الاقتصادية في العصر الحالي إلى محاربة البطالة بغية الوصول إلى العمالة الكاملة، وتتحقق هذه الأخيرة إذا لم ترتفع نسب البطالة عن 3ـ4% من مجموع القوى العاملة، ويعود السماح بهذه النسب إلى اعتراف الاقتصاديين بسوء تنظيم سوق العمل. مما يتطلب معه فترة معينة ليجد العامل الوظيفة التي تتفق مع كفاءته.

وقد اهتمت النظرية الكينزية بموضوع البطالة وأسبابها، فانتقد الفكر التقليدي القائم على أن العرض هو الذي يخلق الطلب، وأن علاج البطالة لا يأتي إلا بمضاعفة الإنتاج الخاص، داعياً إلى التركيز على زيادة الإنفاق الحكومي الكفيل حسب رأيه بزيادة الإنفاق الكلي ودفع المنتجين إلى التفاؤل في توقعاتهم، وهذا ما ينعكس إيجاباً في مواجهة انخفاض الطلب وانتشار البطالة، فيؤدي إلى زيادة الطلب، ومن ثم زيادة الإنتاج الذي يرفع من نسبة التشغيل، فيحد من ظاهرة البطالة.

يمكن للدولة تحقيق هذه الزيادة في نسب التشغيل عن طريق إحداث تغيرات في سياسة الإنفاق الحكومي تبعاً لتغيير سياسة الإنفاق الفردي بما يكفل تحقيق التشغيل الكامل. ففي فترة الرخاء الاقتصادي حينما يزداد الإنفاق الخاص إلى درجة تهدد بالتضخم تلجأ الدول إلى الحد من الإنفاق، ولكن في فترة الكساد تلجأ الدول إلى العكس من ذلك، فتزيد من الإنفاق لتعويض النقص الحاصل. وفي هذه الحالة تمول الدولة نفقاتها من القروض التي تمتص بها المدخرات العاطلة أو بواسطة الإصدار النقدي.

يجب الإشارة في هذا المجال إلى أن السياسة السابق ذكرها تؤدي على الغالب في الدول النامية إلى التضخم قبل أن تؤدي إلى زيادة الإنتاج والتأثير الإيجابي في العمالة بسبب خصائص بنيانها الإنتاجي الذي يتصف بالضيق وعدم التطور والتنوع.

جـ ـ أثر النفقات العامة في مستوى الأسعار:

(1) ـ القاعدة العامة: أمام المصاعب الاقتصادية الكثيرة التي يثيرها تضخم الأسعار والإشكالات التي يحدثها في السوق والتي تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي، تسعى معظم الدول إلى المحافظة على مستوى ثابت قدر الإمكان للأسعار. لكن مع المحافظة على مستوى معين من العمالة أيضاً.

وتستخدم التغيرات في الإنفاق الكلي بهدف تحقيق حالة التشغيل الكامل واستقرار الأسعار، فيجب على الدولة أن تستمر في الإنفاق مادام ضرورياً لمزيد من التشغيل للقوى الإنتاجية حتى بلوغ حالة التشغيل الكامل، وإلا فإن زيادة الإنفاق بعد ذلك ستؤدي حتماً إلى ارتفاع مستوى الأسعار، نظراً لأن العمل على زيادة الطلب لن يقابله زيادة في الإنتاج بعد ذلك.

ولكن الأسعار قد لا تتحدد نتيجة العرض والطلب فقط، وإنما بتدخل مباشر أو غير مباشر من الدولة. وتدخل الدولة يكون بالتأثير في العوامل المحددة للأسعار، أي بالتأثير في العرض والطلب، إما بتأثير مباشر في هذا المستوى كأن تعمد الدولة مثلاً إلى تثبيت أسعار بعض السلع التي تعتبرها ضرورية لعامة الشعب، وغالباً ما يتم ذلك عن طريق دعم الدولة لأثمان هذه السلع وتحملها كل زيادة تطرأ عليها، وإما بتأثير غير مباشر عبر دعم صناعة معينة أو تقديم إعانات لها بمساعدتها على البقاء والتطور أو لضمان نسبة من الأرباح لها.

يتجلى تدخل الدولة عبر إنفاقها العام في تحقيق استقرار الأسعار فيما يتعلق بالسلع الزراعية، نظراً لاعتمادها على عناصر غير مؤكدة ومتقلبة، فضلاً عن أن تحديد التكلفة لا يمكن أن يتم إلا بعد حصول المحصول.

الواقع أن آثار النفقات العامة في مستوى الأسعار يتحدد تبعاً لحجم هذا الإنفاق وهدفه وطبيعته وطريقة تغطيته والوضع الاقتصادي القائم. فإذا استطاعت الدولة خلق قوة شرائية جديدة عن طريق تحويل جزء من الإنفاق الخاص إلى العام فإنها ستتمكن من زيادة الناتج القومي مع المحافظة على مستوى الأسعار، ولكن ذلك يستلزم أن تكون حالة التشغيل غير كاملة لتستوعب هذه الزيادة وإلا فإن تلك الزيادة تؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

(2) ـ الوضع في الدول النامية: تدل التجربة في معظم الدول النامية على أنه عندما يتحسَّن وضع الموازنة العامة فيها فإن ذلك يشجعها على زيادة النفقات عبر دعم المستهلكين أو في مشروعات استثمارية مشكوك في جدواها، وبعد انحسار فترة الرواج ووقوعها في عجز لا تستطع إنقاص نفقاتها، مما يوقعها في عجز في موازناتها وارتفاع في مديونياتها الخارجية ويرافق ذلك ارتفاع حاد في مستوى الأسعار، مما يعمّق أزمة تلك الدول.

أمام هذه الصعوبات ـ وتحت ضغط منظمات التمويل الدولية والدول الدائنة ـ بدأت العديد من الدول النامية في اتباع سياسات مالية تهدف إلى تحقيق الاستقرار وإعادة التكيف والهيكلة الاقتصادية. ومن أهم ملامح هذه السياسة الجديدة فيما يتعلق بالنفقات العامة تخفيض مستواها المرتفع، وإعادة النظر في تخصيص النفقات العامة، مما استدعى إعادة النظر في ترتيب أولوياتها في ضوء النظرة الجديدة لدور الدولة في الاقتصاد وتحسين كفاءة الإنفاق العام وفعاليته، ولكن ذلك أثّر سلباً في المستوى العام للأسعار، كما حدث في سورية عندما غيّرت قواعد دعم المشتقات النفطية عام 2008.

د ـ أثر النفقات العامة في توزيع الدخول:

يمكن أن تقوم الدولة بذلك في مرحلتي التوزيع الأولي للدخول، وإعادة توزيعها:

(1) ـ أثر النفقات العامة في عملية التوزيع الأولي للدخول: تستخدم النفقات العامة في هذا المجال:

> من أجل خلق دخول لعوامل الإنتاج، ويتحقق هذا الأثر عن طريق النفقات الحقيقية.

> من أجل تحديد مكافأة عوامل الإنتاج وهي الأجور والفوائد والريع والأرباح، إما بطريق مباشرة كتحديد تلك الأجور بدقة، وإما بطريق غير مباشرة بتحديد أثمان السلع والخدمات التي تؤثر في الأرباح.

(2) ـ أثر النفقات العامة في إعادة توزيع الدخل: النفقات العامة في مجموعها لا تحدث الآثار نفسها في إعادة توزيع الدخل القومي. فالنفقات التحويلية تؤدي عادة إلى إعادة توزيع الدخل القومي بطريق مباشر، أما النفقات الحقيقية فتسهم مباشرة في عملية التوزيع الأولية للدخول وبصورة غير مباشرة في إعادة توزيعها.

هـ ـ أثر النفقات العامة في الادخار القومي:

يتوقف هذا الأثر على حالة الدخل القومي، إذا ما كانت في حالة ثبات أم في حالة زيادة:

1) ـ فإذا كانت في حالة ثبات، فإن زيادة الاستهلاك العام من خلال الإنفاق العام يؤدي إلى انخفاض الادخار، ومن ثم انخفاض الاستثمار، مما يؤثر سلباً في الدخل القومي.

2) ـ وإذا كانت في حالة زيادة، فإن زيادة الاستهلاك العام من خلال الإنفاق العام تؤدي إلى النتيجة السابقة إذا كانت نسبة الزيادة في الاستهلاك القومي أعلى من نسبة الزيادة في الدخل القومي، أو إذا كان الإنفاق العام يزيد بمعدل أكبر من الإيرادات العامة، فإن أثرها سيكون سالباً في الادخار القومي في هذه الحالة أيضاً.

و ـ أثر النفقات العامة في معدل النمو الاقتصادي:

من السهل أن نتوقع أثراً إيجابياً للإنفاق العام في معدل النمو الاقتصادي في حالة زيادة الإنفاق العام الاستثماري الذي يؤدي إلى زيادة التراكم الرأسمالي، الذي يؤدي إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي، والعكس بالعكس إذا انخفض معدل الإنفاق الاستثماري العام. وهذا ما يفسر ضرورة زيادة معدلات هذه الاستثمارات في الدول النامية وخاصة رأس المال البشري.

من خلال ما سبق يتبين أن هذه الآثار الإجمالية مترابطة متشابكة بطبيعتها لذا لا يمكن دراسة أي أثر منها بمعزل عن دراسة الأثر الآخر.

2ـ الأثر الاقتصادي غير المباشر للنفقات العامة:

لا يقتصر الإنفاق العام على الآثار المباشرة السابق ذكرها، وإنما ينتج آثاراً متتالية في الإنتاج والدخل والاستثمار والادخار، وذلك من خلال سلسلة الدخول النقدية التي يثيرها الإنفاق العام الأولي.

ولما كان مستوى الدخل القومي يتحدد وفقاً للتحليل الكينزي بمستوى الطلب الفعلي، وكان الطلب الفعلي يتكون من الطلب العام والخاص على الاستهلاك والاستثمار، فإن أي زيادة في المكونات الأربعة السابقة للطلب الفعلي تؤدي إلى زيادة في الدخل القومي.

فالتشغيل الكامل ليس الحالة العادية التي يعيشها اقتصاد الدول، بل على الدولة أن تتدخل من أجل الوصول إلى هذه الحالة، وقصور الطلب الخاص في هذا المجال يجب أن يعوضه الطلب العام. ولهذا وجدت السياسة المالية الوظيفية أو التعويضية. فما هو دور النفقات العامة في هذا الخصوص؟

في هذه الحالة يجب أن تتوسع الدولة في نفقاتها بصورة عامة بحيث يزيد الطلب الفعلي الإجمالي. ويكون ذلك بالتأثير في كل من الاستهلاك والاستثمار ومن خلال ذلك تؤدي الزيادة في النفقات العامة إلى زيادة في الدخل القومي زيادة تتجه بالمجتمع نحو التشغيل الكامل، وإذا كان حجم الإنفاق العام ملائماً قد تصل إلى ذلك من خلال الأثر المضاعف والمعجل.

أ) ـ الأثر المضاعف:

يؤدي التوسع في النفقات العامة إلى توزيع دخول جديدة في صورة أجور عمال أو مرتبات موظفين أو أثمان سلع تنفقها الدولة للموردين… إلخ، هذه الدخول الجديدة ينفق جزء منها، ويتوقف حجم الجزء المنفق على درجة الميل الحدي للاستهلاك مما يؤدي إلى زيادة الطلب، فزيادة الإنتاج، فيؤدي إلى توزيع دخول جديدة أخرى يستعمل جزء منها في زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية… وهكذا. فالإنفاق الأولي يؤدي إلى ظهور حلقات متتالية من الإنفاق، يتناقص فيها المبلغ المخصص للاستهلاك في كل مرة حتى يكاد يتلاشى. أي إن الإنفاق الأولي يؤدي إلى سلسلة من الإنفاقات تكون في مجموعها قيمة مضاعفة. ومعدل زيادة الدخل القومي يتوقف على هذه القيمة.

فالمضاعف هو المعامل العددي الذي يوضح مقدار الزيادة في الدخل القومي التي تتولد من الزيادة في الإنفاق عن طريق ما تزاوله هذه الزيادة الأخيرة من تأثير في الإنفاق القومي على الاستهلاك. فهو يمثل النسبة بين الزيادة الإجمالية في الدخل والزيادة الأولية في الإنفاق.

إي إن المضاعف= 1/ 1-الميل الحدي للاستهلاك أو 1/الميل الحدي للادخار

فالمضاعف يرتبط ارتباطاً طردياً بالميل الحدي للاستهلاك وارتباطاً عكسياً بالميل الحدي للادخار. فهو يزداد بازدياد الميل الحدي للاستهلاك وينخفض بانخفاضه، والعكس في علاقته بالميل الحدي للادخار.

ومن ثم فالزيادة في حجم الدخل القومي الناتجة من الزيادة الأولية في الإنفاق هي كما يلي:

الزيادة الإجمالية في الدخل القومي = الزيادة الأولية في الإنفاق × المضاعف.

ومن هنا يتضح أنه كلما كبرت النسبة من الدخول الإضافية التي تنفق على الاستهلاك كبر المضاعف، وهذا يرتبط بالميل الحدي للاستهلاك، الذي يختلف من قطاع إلى آخر، ومن طبقة إلى أخرى.

ولكن يجب ملاحظة أن أثر المضاعف يختلف باختلاف درجة مرونة وتوسع الجهاز الإنتاجي في الدولة، فكلما كان مرناً وقادراً على التجاوب مع الزيادات المتتالية في الاستهلاك، أنتج المضاعف أثره في حجم الدخل القومي. وهذا ما يجري عادة في الدول المتقدمة، أما في الدول النامية فيكون أثر المضاعف في حجم الدخل القومي ضعيفاً على الرغم من الميل الحدي للاستهلاك لدى الأفراد، نظراً لعدم مرونة جهازها الإنتاجي وعدم قدرته على التجاوب مع الزيادة في الاستهلاك.

ب) ـ الأثر المعجل (المسارع):

هنالك آثار غير مباشرة أخرى تترتب على النفقات العامة من خلال الزيادة التي تحدثها في الطلب على الاستثمار، وهو ما يعرف بالاستثمار المولّد أو الأثر المعجل أو المسارع. فالمعجل يبين أثر معدل التغير في الإنتاج القومي (أي في الطلب الكلي على الاستهلاك والاستثمار) في تغير معدل الاستثمار في الدولة، ويتوقف الأثر المعجل على ما يعرف بمعامل رأس المال، أي العلاقة الفنية بين رأس المال والإنتاج.

فالزيادة في الإنفاق العام تسمح، بما تحدثه من زيادة في الإنتاج القومي، بإحداث زيادة في الاستثمار بنسبة أكبر من الزيادة فيها، والمعجل هو نسبة تغير الاستهلاك على تغير الاستثمار.

ويختلف أثر المعجل من قطاع إلى آخر ومن صناعة إلى أخرى. فإذا أريد معرفة الآثار الكلية للإنفاق الأولي (الاستثمار الذاتي)، سواء ما يتعلق بالإنفاق على الاستهلاك أو بالطلب على الاستثمار، فلا بد من مراعاة التفاعل المتبادل بين عاملي المضاعف والمعجل. وهذا التفاعل المتبادل هو الذي يحدث آثاراً تراكمية في النواحي الاقتصادية في كل من الدخل والإنتاج والاستهلاك والاستثمار الكلي، أي في الكميات الاقتصادية الكلية للدولة، كما يمكن أن يحدث آثاراً انكماشية تترتب على نقص الاستثمار الأولي عن معدله الطبيعي، مما يحدث نقصاً في الكميات الاقتصادية الكلية.

حتى يمكن استخدام مبدأ المضاعف في تحديد الآثار غير المباشرة للإنفاق العام في الدخل القومي يجب أن تحدد كمية الإنفاق التي سوف تحدث التضاعف المطلوب في الدخل القومي، كما يلزم من ناحية ثانية أن تؤخذ في الاعتبار طريقة تمويل الموازنة.

ومع ذلك يمكن القول إن الأثر الذي يحدثه كل من المضاعف والمعجل يبقى محدداً بعدد كبير من العوامل. لعل أهمها صعوبة قياس الميل الحدي للادخار والميل الحدي للاستهلاك وعدم استقرار هذين الميلين. وكذلك التهرب الذي يحصل من سلسلة دورات الدخل هذه بتخصيص أموال للاكتناز بدلاً من الادخار المنتج أو الاستهلاك. وكذلك عدم تلبية الإنتاج دوماً للزيادة في الاستهلاك، كما يحدث في الدول النامية عادة.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ يوسف شباط، المالية العامة والتشريع المالي، الجزء الأول (جامعة دمشق، كلية الحقوق، 2002ـ3002).

ـ غازي عناية، المالية العامة والتشريع الضريبي (جامعة دمشق ودار البيارق، الأردن، عمان 1998م).

ـ عصام بشور، المالية العامة، التشريع الضريبي (جامعة دمشق، كلية الاقتصاد، ط7، 1997ـ 1998).

ـ رفعت المحجوب، المالية العامة (دار النهضة العربية، القاهرة 1983).

ـ عبد المطلب عبد الحميد، اقتصاديات المالية العامة (الدار الجامعية، الإسكندرية 2004ـ 2005م).

ـ علي لطفي، أصول المالية العامة (مكتبة عين شمس، القاهرة 1997ـ 1998).

ـ سيد عبد المولى، المالية العامة المصرية، دراسة للاقتصاد العام المصري (دار النهضة العربية، القاهرة 1993).

ـ زين العابدين ناصر، علم المالية العامة والتشريع المالي، جامعة عين شمس، كلية الحقوق، 1993/1994م.

ـ يوسف البطريق، المالية العامة (دار النهضة العربية، القاهرة 1984م).

ـ زينب حسين عوض الله، مبادئ المالية العامة (الدار الجامعية، الإسكندرية 1998م).

ـ محمد حلمي مراد، المالية العامة (دار النهضة العربية، القاهرة 1964م).

ـ فوزي فرحات، المالية العامة والاقتصاد المالي (منشورات الحلبي الحقوقية، لبنان، بيروت 2001م).


التصنيف : القانون المالي
النوع : القانون المالي
المجلد: المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام
رقم الصفحة ضمن المجلد : 457
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 536
الكل : 29582193
اليوم : 37109