logo

logo

logo

logo

logo

القياس

قياس

al-qiyas - al-qiyâs

 القياس

القياس

محمد أبو الخير شكري

تعريفه شروط القياس
مشروعيته أدلة اكتشاف العلة
عناصر القياس (أركانه) أقسام القياس
حجيته شرعاً وبداهةً مجال القياس في الأحكام الشرعية
 

أولاً ـ تعريفه:

القياس لغةً: إما التقدير، أي معرفة قدر الشيء بما يماثله، يُقال قست الثوبَ بالذراع أو بالمتر، أي عرفت قدره به. وإما التسوية بين الشيئين تسوية حسية، مثل: قست هذا اللوح بهذا اللوح، أي حاذيته به وسوَّيته، أو تسوية معنوية، يقال: فلان لا يقاس بفلان أي لا يُسوَّى به في الفضل والعلم والشرف.

القياس في اصطلاح الأصوليين:

(هو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر منصوص على حكمه لاشتراكهما في علة الحكم).

والمراد من الإلحاق: هو الكشف والإظهار للحكم، لا الإثبات والإنشاء، لأن الحكم ثابت شرعاً من الأصل، وإنما تأخر ظهوره إلى وقت بيان المجتهد بواسطة العلة، فالقياس مظهرٌ للحكم لا منشئٌ له، والعلة أساس الحكم، وعمل المجتهد إظهار وجود الحكم في الفرع كوجوده في الأصل لاتحاد علة الحكم فيهما.

وطريق الإظهار أو الكشف: أنه إذا ورد نص في الكتاب أو السنة على حكم واقعة معينة ثم عرف المجتهد علة الحكم ثم وجد العلة ذاتها قائمةً في واقعة أخرى شبيهةٍ بالمنصوص عليها، فيغلب على ظنه اشتراك الواقعتين في الحكم، فيلحق ما لم ينص عليه بما ورد فيه نص، ويسمَّى هذا الإلحاق: القياس.

مثال القياس:

حرَّم القرآن الكريم البيع وقت النداء لصلاة الجمعة في قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون﴾ [الجمعة 9] يبين النص القرآني أن العلة في النهي عن البيع وقت صلاة الجمعة هي التشاغل عن الصلاة، وهذا متحقّقٌ في أي عقد أو عمل آخر كالإجارة أو الرهن أو الشراء، فيكون ممنوعاً لتوافر علة منع البيع فيه.

ثانياً ـ مشروعيته:

القياس هو أحد الأدلة الشرعية المتفق عليها بين جمهور العلماء، وهذه الأدلة هي: القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والقياس.

ثالثاً ـ عناصر القياس (أركانه):

أركان القياس أربعة هي:

1ـ الأصل: هو محل الحكم الذي ثبت بالنص أو الإجماع، وهو في المثال السابق: البيع.

2ـ الفرع: هو المحل الذي لم يرد فيه نص ولا إجماع، وهو في المثال السابق: الإجارة أو الرهن أو الشراء.

3ـ العلة: هي الوصف الذي بني عليه حكم الأصل، وهو في المثال السابق: التشاغل عن الصلاة.

4ـ حكم الأصل: هو الحكم الشرعي الذي ورد به النص أو الإجماع في الأصل ويراد تعديته أو نقله إلى الفرع، وهو في المثال السابق: تحريم البيع أثناء الصلاة.

رابعا ًـ حجيته شرعاً وبداهةً:

استدل الجمهور على حجية القياس بأدلة أربعة من القرآن الكريم والسنة النبوية والإجماع والمعقول:

1ـ القرآن الكريم:

في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على حجّية القياس، منها قوله عز وجل: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَار﴾ [الحشر 2] إذ معنى الاعتبار: العبور من الشيء إلى نظيره إذا شاركه في المعنى، ومعنى الآية: بعد أن أخبر الله عز وجل عما حلّ بيهود بني النضير جزاء كفرهم وإيذائهم لرسول اللهr والمؤمنين قال عز وجل: ﴿فَاعْتَبِرُوا﴾ أي فقيسوا أنفسكم بهم واعلموا أن ما يجري على المثيل يجري على مثيله، فلكم عقابٌ مماثلٌ، لأنكم فعلتم مثل فعلهم.

واستدلّ الإمام الشافعي في كتابه «الرسالة» على إثبات القياس بقوله عز وجل ﴿فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ﴾ [المائدة 95] قال: فهذا تمثيل الشيء بعِدله [أي مثله] وقال: ﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ [المائدة 95] وأوجب المثل ولم يقل أيَّ مِثل، فوكَّل ذلك إلينا وإلى اجتهادنا ورأينا.

واستدلوا بقوله عز وجل ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾ [سورة النساء 59] وإلحاق ما لا نص فيه على المنصوص عليه لتساويهما في علة الحكم ردٌّ إلى الله والرسولr وهو معنى القياس.

2ـ السنة:

إنَّ في السنة النبوية ما يدلّ على القياس قولاً وعملاً:

أما القول: فهو إقرار الرسولr العمل بالقياس فقد ورد «أَنَّ رَسُولَ اللهِr لَمَّا بْعَثَ مُعَاذًا [بن جبل] إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ قَالَ: أَقْضِي بِكِتَابِ اللهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلا فِي كِتَابِ اللهِ ؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلا آلُو [أي لا أقصِّر] فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِr صَدْرَهُ وَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ» [رواه أبو داود والترمذي وأحمد] والاجتهاد بالرأي يشمل القياس.

وأما السنة العملية الصحيحة: فهي أن الرسولr قاس في كثير من الأمور:

فقد ثبت «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا، قَالَ: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً، اقْضُوا اللهَ فَاللهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» [رواه البخاري] فقاس رسول اللهr دَين الله عز وجل على دَين العباد في وجوب القضاء.

3ـ الإجماع:

إن الصحابة تكرّر منهم العمل بالقياس من غير إنكار من أحد حتى بلغ التواتر المعنوي عنهم، فكان فعلهم إجماعاً منهم على أن القياس حجة يجب العمل به.

من ذلك:

أنهم قاسوا خلافة أبي بكر على إمامته في الصلاة وقالوا: رضيه رسول الله لديننا أفلا نرضاه لدنيانا؟.

وكتب عمرr إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه حينما ولاه على البصرة رسالةً مشهورةً في القضاء جاء فيها: «اعرف الأشباه والنظائر وقس الأمور برأيك»، وقال عليّ كرَّم الله وجهه: «ويُعرَف الحق بالمقايسة عند ذوي الألباب».

4ـ المعقول بداهةً:

[1] ـ إن الفطرة السليمة وبداهة العقول تقتضي العمل بالقياس، فمن مُنع من فِعل لأن فيه أكلاً لأموال الناس بالباطل أو لأن فيه ظلماً لغيره واعتداء على حقوق الآخرين، فإنه يقيس عليه كل أمر فيه عدوان أو ظلم، ومن مُنع عن طعام فاسد أو شراب سام، يفهم منه ضرورة الامتناع عن كل الأطعمة الفاسدة والأشربة السامة.

[2] ـ إن أحكام الشارع المعقولة المعنى معللة ولم يشرعها الشارع إلا لمصلحة، ومصالح العباد هي الغاية المقصودة من تشريع الأحكام، فإذا تساوت الواقعتان في علة الحكم التي هي مظنة المصلحة تساوتا في الحكم، تحقيقاً للمصلحة التي هي مقصود الشارع من التشريع، ويكفي في ذلك الاعتماد على غلبة الظن في نظر المجتهد، والعمل بالظن أمر واجب فلا يُعقَل تحريم الخمر المسكرة وحدها وإباحة النبيذ المسكر حفاظاً على العقول وصحة الأجسام.

[3] ـ إن نصوص الشريعة من القرآن الكريم والسنة النبوية محدودة محصورة لانقطاع الوحي، وحوادث الناس غير محدودة ولا متناهية، ولا يحيط المتناهي بغير المتناهي إلا إذا فهمت العلل التي لأجلها شرعت الأحكام المنصوصة وطبقت على ما يماثلها، وهذا هو معنى القياس الذي يعرفنا على حكم الوقائع الجديدة الطارئة، وبهذا تكون الشريعة الإسلامية صالحةً للتطبيق في كل زمان ومكان، وافية بحاجات الناس ومصالحهم إلى الأبد، فإنكار القياس في الشريعة يؤدي إلى رميها بالجمود والطعنٌ فيها بعدم وفائها بحاجات الناس، وذلك يتنافى مع جوهر الشرع وروحه العامة، ويتنافى ويناقض المقصود من بعثة الرسل.

خامساً ـ شروط القياس:

أ ـ شروط الأصل:

ذكر الأصوليون شروطاً للأصل، هي في الواقع شروطٌ لحكم الأصل، ولا يوجد شرطٌ خاص بالأصل إلا شرط واحد، وهو ألا يكون فرعاً لغيره، أي لا يكون الأصل فرعاً لأصل آخر، أو ألا يكون الأصل ثابتَ الحكمِ بالقياس.

وعليه، فلا يصح قياس السفرجل على التفاح في تحريم ربا الفضل لكون كل منهما مطعوماً، علماً بأن التفاح مقيس على التمر المذكور في الحديث الدال على تحريم الربا في الأصناف الربوية الستة، فلا يصح القياس لأنه تطويل بلا فائدة.

ب ـ شروط حكم الأصل:

ألا يكون حكم الأصل مختصاً به بنص آخر يدل على اختصاصه وتفرده به؛ لأن مقتضى القياس تعدية حكمِ الأصل إلى الفرع، فإذا ثبت أن الحكم خاص بهذا الأصل فلا تمكن تعديته، مثل الأحكام الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم كإباحة صوم الوصال وحل التزوّج بأكثر من أربع.

ومن الخصوصيات: قبول شهادة خزيمة في قولهr: «من شهد له خزيمة أو شهد عليه فحسبه» [رواه الطبراني والبيهقي وأبو يعلى] والمخصِّص لقوله عز وجل ﴿وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ﴾ [البقرة 282]، أي إن نصاب الشهادة اثنان واستثناء خزيمة من هذا النصاب، فلا يمكن قياس غيره عليه لاختصاصه به وحده.

ألا يكون حكم الأصل معدولاً به عن سَنن القياس: أي ثبت تشريعه استثناءً من القواعد العامة أو القياس، لأن ما ثبت على خلاف القياس فغيره عليه لا يُقاس.

وهذا يدل على أن يكون حكم الأصل مما للعقل سبيلٌ إلى إدراك علته، لأنه إذا كان لا سبيل للعقل إلى إدراك علته لا يمكن أن يعدَّى بواسطة القياس، لأن أساس القياس إدراك علة حكم الأصل وإدراك تحقّقها في الفرع، وعليه فلا يصح القياس على الأحكام التعبدية التي استأثر الله بعلمِ عللها، كتحديد أعداد الركعات في الصلوات ومقادير الزكوات ومقادير الكفارات.

كما لا يصح القياس على ما ثبت كونه مستثنى من قاعدة عامة وإن كان معقول المعنى، كالحكم بصحة صوم من أكل ناسياً في الحديث النبوي المستثنى من القاعدة العامة التي تقضي ببطلان الصوم لدخول شيء إلى الجوف، يتنافى مع معنى الإمساك في الصوم عن المفطرات، لكن الشرع حكم ببقاء الصوم تخفيفاً وتيسيراً وإن كان الحكم معقول المعنى، فلا يُقاس عليه الخطأ في الصوم بتناول المفطر، لأن النسيان أمر لا يمكن الاحتراز عنه، بخلاف الخطأ.

عدم النص على حكم الفرع:

أي ألا يكون حكم الدليل الدال على حكم الأصل دالاً على حكم الفرع وشاملاً له، لأنه إذا كان الدليل شاملاً حكم الفرع، ثبت الحكم بذلك الدليل الأصلي لا بالقياس، فلا حاجة للقياس حينئذ، كأن يُستدلّ على تحريم الخمر بالحديث النبوي لا بالآية، والحديث هو «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» [متفق عليه] فيكون النص دالاً على تحريم النبيذ أيضاً، ولا داعي للقياس.

4ـ تقدّم تشريع حكم الأصل على حكم الفرع:

أي أن يكون حكم الأصل متقدماً في التشريع غير متأخر الثبوت على حكم الفرع، فلا يصح قياس الوضوء على التيمم بجامع الطهارة لاشتراط النية فيه كالتيمم، لأن الوضوء في هذا القياس يكون فرعاً، والتيمم أصلاً له، مع أن الوضوء سابق في التشريع على التيمم لأنه شُرّعَ قبل الهجرة.

ج ـ شروط الفرع:

يُشترَط في الفرع أربعة شروط هي:

أن توجَد في الفرع علة حكم الأصل: وإذا لم توجد امتنع القياس، لأن تعدّي حكم الأصل إلى الفرع إنما هو نتيجة لوجود علة الأصل في الفرع، مثاله: قياس النبيذ على الخمر بعلة موجودة في النبيذ هي عين العلة الموجودة في الخمر وهي الإسكار.

أن يكون الفرع مساوياً للأصل في علة الحكم: فإذا لم يكن مساوياً امتنع القياس، ويُقال للقياس الذي لم يتحقق فيه هذا الشرط قياسٌ مع الفارق وهو قياسٌ فاسد.

ألا يترتب على القياس تقدّم الفرع على الأصل: كقياس الوضوء على التيمم في اشتراط النية، مع أن التيمم متأخر المشروعية على الوضوء فيترتب عليه ثبوت الحكم في الأصل قبل علته، وقد عرفنا أن هذا شرط أيضاً في حكم الأصل.

ألا يكون في الفرع نص أو إجماع يدل على حكم مخالف للقياس: فإذا كان للفرع حكم مخالف للقياس بنص أو إجماع امتنع القياس؛ لأن القياس حينئذ يكون مصادماً للنص أو الإجماع، مثال ذلك: المسافر، فإنه لا يجب عليه الصوم في السفر، فلا يجوز أن يُقال: لا تجب عليه الصلاة قياساً على الصوم، للإجماع على أن الصلاة واجبة في السفر، ويُقال للقياس الذي لا يتحقق فيه هذا الشرط: قياس فاسد الاعتبار.

د ـ شروط العلة:

أن تكون وصفاً ظاهراً: فلو كانت العلة أمراً خفياً، فلا تصلح أن تكون علة، مثل الرضا في العقود، فإنه أمر خفي لا يمكن معرفته ولا العلم به، فلذلك أقيمَ الإيجاب والقبول مكانه وهما أمران ظاهران.

أن تكون وصفاً منضبطاً: ومعنى ذلك: أن يكون الوصف محدداً، أي ذا حقيقة معينة محدودة لا تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، ويمكن التحقق من وجودها في الفرع بحدها أو بتفاوت يسير، مثل القتل العمد والعدوان من الوارث لمورثه حقيقة مضبوطة، وأمكن تحقيقها في قتل الموصى له للموصي، لهذا لا يصح بالأوصاف المرنة غير المضبوطة التي تختلف اختلافاً بيناً باختلاف الظروف والأحوال، فلا تُعلَّل إباحة الفطر في رمضان للمريض أو المسافر بدفع المشقة لأنها علة غير منضبطة بل بالعلة وهي السفر أو المرض.

أن تكون وصفاً مناسباً: أي أن تكون مَظِنّة لتحقيق حكمة الحكم، أي إن ربط الحكم بها وجوداً وعدماً من شأنه أن يحقق ما قصده الشارع من تشريع الحكم من جلب نفع أو دفع ضرر، فالإسكار مناسب لتحريم الخمر، لأن في بناء التحريم عليه حفظ العقول، ولهذا لا يصح التعليل بالأوصاف غير المناسبة وتسمى الأوصاف الطردية التي لا تعقل لها علاقة بالحكم، فلا يصح التعليل لتحريم الخمر بكونه أحمر أو سائلاً، لكونها غير مناسبة.

أن تكون العلة متعدية وليست وصفاً قاصراً على الأصل: أي أن تكون وصفاً يمكن تحققه في عدة حالات ويوجد في غير الأصل، إذ لو كانت قاصرة على الأصل لم يصح القياس، فلا يصح التعليل بالأحكام التي هي من خصائص الرسول[ كصوم الوصال وغيرها لأنها قاصرة عليه لا يمكن تعديتها إلى غيره.

سادساً ـ أدلة اكتشاف العلة:

ويسميها الأصوليون: مسالك العلة: وهي الطرق التي يتوصل بها المجتهد إلى معرفة العلة.

وأهمها ما يلي:

1ـ النص:

أي أن يرد نص من القرآن الكريم أو السنة النبوية على أن وصفاً من الأوصاف علةٌ لحكم شرعي، ويقال لهذه العلة علة منصوصة.

مثال: قوله عز وجل: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء 165].

ويُلاحَظ أن النص على التعليل إما قاطع إذا استُعملَت فيه ألفاظ معينة مثل: كي، لأجل، إذن، لعلة كذا… وإما نص ظاهر إذا استُعملَت ألفاظ قد تُستعمَل للتعليل ولغير التعليل فتكون دلالة النص على العلة ظنية كاللام والباء وأن وإن، مثل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُون﴾ [الذاريات 56] وقوله عز وجل﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُم﴾ [آل عمران 159].

2ـ الإجماع:

هو أن يدل الإجماع على أن وصفاً معيناً هو علةٌ لحكم شرعي، مثل إجماع العلماء على أن علة الولاية المالية على الصغير هو الصغر، فيُقاس عليها الولاية في التزويج.

3ـ السبر والتقسيم:

وهو حصر الأوصاف التي يُظن كونها صالحة للتعليل واختبار كل واحد منها وترديد العلة بينها في كونها صالحة للعلية أم لا.

مثاله: أن يقول المجتهد: إن علة تحريم الخمر كونه من العنب أو كونه سائلاً، أو كونه مسكراً، ثم يستبعد الأول لأنه قاصر غير متعد، والثاني لأنه طردي غير مناسب، ويستبقي الوصف الثالث وهو الإسكار فيقرر أنه علة.

4ـ المناسبة:

وهي أن يكون بين الوصف والحكم ملاءمة، إذ يترتب على تشريع الحكم عنده تحقيق مصلحة شرعية للناس أو دفع مفسدة عنهم، كالإسكار فإنه وصف ملائم لتحريم الخمر ولا يلائمه كونه سائلاً، أو بلون كذا، أو بطعم كذا، وإنما الإسكار هو الوصف المناسب للتحريم دون غيره.

ولا يلجأ المجتهد لهذا المسلك إلا عند عدم النص أو الإجماع على أن الوصف علة.

5ـ تنقيح المناط: هو تعيين السبب الذي أناط الشارع الحكم به من بين الأوصاف المذكورة في النص بحذف ما لا يصلح من الأوصاف غير المعتبرة، ويكون تنقيح المناط حيث يدل نص على علة الحكم، ولكنه مختلط بغيره غير مهذب ولا مخلص مما لا دخل له في العلية.

سابعاً ـ أقسام القياس:

ينقسم القياس إلى قياس أولى وقياس أدنى وقياس مساوٍ:

1ـ القياس الأولى:

وهو ما كانت علة الفرع أقوى منها في الأصل فيكون ثبوت الحكم للفرع أولى من ثبوته للأصل بطريق أولى 

مثاله: قوله عز وجل في حق الوالدين ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء 23] فالنص يحرِّم التأفيف للوالدين فيكون تحريم الضرب للوالدين بالقياس على موضع النص بطريق القياس الأولى.

2ـ القياس المساوي:

وهو ما كانت العلة التي بُني عليها الحكم في الأصل موجودة في الفرع بقدر ما هي متحققة في الأصل، مثاله: قوله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً﴾ [النساء 10] وعلة الحكم: أكل أموال اليتامى، وحرقها أيضاً ظلمٌ يساوي أكلها.

3ـ قياس الأدنى:

وهو أن يكون الفرع فيه أدنى في علة الحكم من الأصل، ففي الأصل تكون العلة أقوى وفي الفرع أضعف، مثل: قياس التفاح على البُر بجامع الطُّعم في كل منهما، لتحريم التفاضل بينهما.

ثامناً ـ مجال القياس في الأحكام الشرعية:

1ـ الحدود والكفارات:

قال معظم علماء الأصول: إنه يثبت فيها القياس واستدلوا على ذلك بدليلين:

الأول: إن أدلة حجية القياس عامة لجميع الأقيسة من حدود وكفارات وغيرها، بشروط القياس المذكورة، فلا وجه لتخصيص هذا العموم بقسم دون قسم.

الثاني: عمل الصحابة: فقد رُوي عن ابن عباس أن أهل شرب الخمر كانوا يُضربون على عهد رسولr بالأيدي والنعال والعصي، حتى توفي.

وكان أبو بكرt يجلدهم أربعين حتى توفي، فلما كان عهد عمرt قال: ما ترون به؟ فقال علي كرم الله وجهه: إذا شرب سَكِر وإذا سَكِر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون، فقد قاس حدَّ السّكر على حد القذف، ووافقه الصحابة الكرام رضي الله عنهم على ذلك، وما يُقال في الحدود يُقال في الكفارات لما بينهما من شَبَه قوي.

2ـ العبادات:

أما العبادات فهي نوعان:

الأول: الأحكام المتعلقة بأصول العبادات وكيفيات أدائها ومقاديرها كالصلوات الخمس وصوم رمضان وغيرهما… فهذه الأحكام لا يجري فيها القياس؛ لأنه لا سبيل لإدراك عللها بالعقل.

الثاني: أحكام متعلقة بما يعرض للعبادات من صحة وفساد وما يتوقف عليه من شروط كالطهارة وغيرها مما هي عوارض ووسائل للعبادات، فهذه يجري فيها القياس؛ لأنه يمكن للعقل إدراك عللها.

3ـ الرخص:

ذهب الحنفية إلى أن أحكام الرخص لا يجوز تعديتها بالقياس؛ لأن ما جاء على خلاف القياس فغيره عليه لا يقاس.

وذهب غيرهم إلى جواز القياس إذا كانت العلة مما يُدرَك بالعقول، من هنا اختلف الشافعية والحنفية في حكم المتكلم في صلاته ناسياً، فالشافعية يحكمون بصحة صلاته قياساً على نسيان الصائم، والحنفية يحكمون ببطلان صلاته بناءً على عدم صحة قياسه على الصوم.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عبد الوهاب خلاف، علم أصول الفقه (الدار المتحدة، القاهرة 1956).

ـ وهبة الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي (دار الفكر، دمشق 1986).

ـ وهبة الزحيلي، الوجيز في أصول الفقه (دار الفكر، دمشق 1995).

ـ عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه (مؤسسة الرسالة، بيروت 2004).

ـ محمد بن علي بن محمد الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول (مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت 1995).

ـ محمد بن محمد الغزالي، المستصفى من علم الأصول (مؤسسة الرسالة، بيروت 1997).

ـ محمد سعيد رمضان البوطي ورفاقه، أصول الفقه الإسلامي (مطبوعات وزارة الأوقاف في الجمهورية العربية السورية، 1989).


التصنيف : العلوم الشرعية
النوع : العلوم الشرعية
المجلد: المجلد السادس: علم الفقه ــ المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان
رقم الصفحة ضمن المجلد : 388
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 589
الكل : 31546038
اليوم : 62443