logo

logo

logo

logo

logo

الجرائم التي تمس الأسرة

جرايم التي تمس اسره

crimes that affect the family - crimes contre la famille

 الجرائم التي تمس الأسرة

الجرائم التي تمس الأسرة

عيسى مخول

 

الأسرة هي قلب المجتمع، فكلما كانت هذه الأسرة مترابطة كان المجتمع قوياً، لذلك سعى المشرع لصيانة مقومات الأسرة وعناصرها بدءاً من الزواج ومروراً باحترام واجبات الأسرة وانتهاءً بحماية البنوة والقاصر والعاجز (المواد 469-488 من قانون العقوبات).

أولاً- الجرائم الماسة بالزواج والأسرة وواجباتها:

عُنِي المشرع السوري بتنظيم عقد الزواج، وتحديد شروطه، وإجراءاته الشكلية، ووضع ضوابط له من خلال إظهار سن المتعاقد ورضاه وموافقة وليّه إن كان بحاجة إلى ولاية، وكذلك الشروط الصحيحة للمتعاقدين. كما حدد حالات بطلانه بحسب أسباب البطلان التي نص عليها قانون الأحوال الشخصية. وعاقب المشرع على:

1- الأفعال الجرمية المتعلقة بعقد الزواج.

2- الإخلال بآداب الأسرة.

3- إهمال واجبات الأسرة.

1- الجرائم المتعلقة بعقد الزواج:

لقد عرفت المادة الأولى من قانون الأحوال الشخصية الزواج بأنه: «عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً، غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل».

ولما كان من شروط عقد الزواج التمتع بالأهلية؛ كان لابد من إظهار سن المتعاقد، وفي حال كونه قاصراً لم يتم الثامنة عشرة من عمره فلا بد من موافقة وليّه. وقد حكمت محكمة النقض بأنه لا ولاية للأم على نفس القاصر وإنما هذه الولاية بحكم المادة (170) من قانون الأحوال الشخصية هي للأب ثم للجد الوصي ثم لغيرهما من الأقارب بحسب الترتيب المبين في المادة (21) من القانون المذكور (نقض سوري، جنحة أساس 3481، قرار 3197 تاريخ 7/12/1967). وبسلطته الولائية هذه له أن يأذن بإجراء عقد زواج القاصر.

ومن هنا أتى قانون العقوبات ونص على عقوبة الغرامة من مئة إلى مئتين وخمسين ليرة سورية لرجل الدين الذي عقد زواج القاصر الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره دون أن يدون في العقد رضا من له الولاية على القاصر أو أن يستعاض عنه بإذن القاضي (المادة 469 من قانون العقوبات). ويمكن أن يُلاحظ أن تطبيق هذه المادة يقتصر على زواج القصر، وبالتالي ليس كل عقد زواج تتوقف صحته على الولي، بل بعض العقود، وبيان ذلك أن الشخص الذي يريد الزواج إما أن يكون صغيراً وإما كبيراً، فالشخص الكبير العاقل يصح زواجه، ويصبح لازماً بلا ولي. وفي هذه الحالة الأخيرة فإن «الزواج ينعقد صحيحاً ولو بدون إذن المحكمة الشرعية، ويترتب عليه جميع نتائجه القانونية وفقاً للمادة (5) من قانون الأحوال الشخصية التي نصت على أن الزواج ينعقد بإيجاب أحد العاقدين وقبول من الآخر، واشترطت المادة (12) لصحة عقد الزواج حضور شاهدين فقط، وأما المعاملات الإدارية فهي قواعد تنظيمية وضعت لحفظ القيود وقيدها في سجلات الأحوال المدنية والمحافظة على الصحة العامة». (ورد هذا القرار لمحكمة النقض في مجلة «المحامون» لعام 1984 عدد 9 الصفحة 1003).

ويعاقب القانون رجل الدين بالغرامة من مئة إلى مئتين وخمسين ليرة سورية الذي يعقد عقد الزواج مع الإخلال بالإعلانات وسائر المعاملات التي ينص عليها القانون، والعقوبة نفسها تلحق رجل الدين إذا عقد زواج امرأة قبل انقضاء عدتها (المادة 470 من قانون العقوبات)، ولما كانت العقوبة المنصوص عليها ليست إلا غرامة؛ فإنها تصبح عقوبة جنحية بالحبس من شهر إلى سنة لمن تزوج امرأة متزوجة لم تزل على عصمة رجل آخر قبل أن تبين منه، أو الرجل الذي تزوج امرأة خامسة دون أن تنقضي عدة إحدى زوجاته الأربع بعد طلاقها منه (المادة 471 الفقرة الأولى من قانون العقوبات). وتطبق العقوبة نفسها أيضاً بحق رجل الدين الذي يتولى عقد الزواج المذكور مع علمه بالرابطة الزوجية السابقة (المادة 471/2 من قانون العقوبات). وينزل منزلة رجال الدين لتطبيق الأحكام السابقة المتعاقدون وممثلوهم والشهود الذين حضروا الزواج بصفتهم هذه (المادة 472 من قانون العقوبات).

2- الجرائم المخلة بآداب الأسرة:

نظم القانون العلاقات الجنسية بقواعد استقاها وأسسها على التعاليم الدينية، وبما أن العلاقة الجنسية محرمة بين الأشخاص الذين لا يربطهم عقد زواج، فإن القانون جرم بناء على ذلك اتصال الرجل المتزوج بغير زوجته، وحرم أيضاً على الزوجة الاتصال الجنسي بغير زوجها؛ وهو ما يسمى بالزنى. كما أن القانون حرم الاتصال الجنسي بين الأشخاص الذين تربطهم صلة قرابة معيّنة؛ وهو ما يسمى بالسفاح. (المواد 473-477 من قانون العقوبات).

أ- الزنى: الزنى آفة خطيرة، ومرض مروع، إذا تفشى في أمة قضى عليها، واختلطت الأنساب فيها، واستشرت الرذيلة في طباعها، وعمت الفاحشة في المجتمع. وللإحاطة بأحكام جريمة الزنى لابد من دراستها من الناحيتين: الموضوعية والشكلية.

(1) القواعد الموضوعية: إن قانون العقوبات السوري عندما وضع النصوص التجريمية لفعل الزنى فقد فرق بين زنى الزوجة وزنى الزوج، حيث وضع لكل منهما شروطاً وأركاناً وعقوبة خاصة (المادتان 473 و474 من قانون العقوبات).

¦ جريمة زنى الزوجة: نصت على هذه الجريمة المادة (473) من قانون العقوبات. ويستفاد من استعراض هذه المادة أن جريمة الزنى لا تتحقق إلا إذا توافرت فيها عناصر ثلاثة؛ وهي فعل الوطء وقيام علاقة الزوجية والقصد الجرمي. (نقض سوري، جنحة أساس485 تاريخ 28/3/1977). وبناء على ذلك فإن هذه الجريمة تتألف من ثلاثة أركان:

q حصول وطء غير مشروع: إن المادة (473) من قانون العقوبات لم تضع تعريفاً لجريمة الزنى، بل تم استقاؤها من الأحكام العامة لفعل الزنى، فهو: التحام مع الأنثى في المكان الطبيعي منها، وعلى ذلك فلا يعد زنى مجرد الخلوة بين رجل وامرأة متزوجة؛ إذا لم تصطحب هذه الخلوة بوطء، كما لا تعدّ من قبيل الزنى الصلات غير الطبيعية التي تأتيها مع امرأة أخرى.

والخلاصة أن المرأة المتزوجة زواجاً شرعياً سليماً، وسلمت نفسها طواعية وبكامل رغبتها لشريك لها، وقد حصل فعل الوطء؛ فإن مثل هذا الفعل يعد جريمة الزنى.

وقد ذهبت محكمة النقض السورية إلى أنه لا يجوز تطبيق فعل الزنى على الضم والتقبيل؛ لأنه لا يجوز التوسع في النصوص القانونية إذ قالت في قرار لها أنه: «ومن حيث إن مجرد تمكين المرأة الرجل من ضمها وتقبيلها دون لمس العورة وإجراء الجماع لا يعتبر فحشاً ولا دعارة، وليس فيه إرضاء كاملاً (كامل) لشهوة الرجل؛ لأن إرضاء هذه الشهوة لا يتم إلا بالجماع والفعل الجنسي». (نقض سوري، جنحة أساس 1867 قرار 274 تاريخ 28/2/1982).

q قيام الرابطة الزوجية: يشترط لحدوث الجريمة أن تكون المرأة مرتبطة بقيد الزواج، فهذا القيد هو الذي يُلزم المرأة بالأمانة والإخلاص لزوجها. كما يمكن وقوع الزنى في حالة الطلاق الرجعي، فللزوج الحق أن يداعي زوجته؛ لأن الطلاق الرجعي لا يرفع أحكام الزواج قبل مضي العدة، بل يعدّ الزواج قائماً ما دامت المرأة في العدة، ويجوز للزوج طلب محاكمة زوجته على جريمة الزنى التي ترتكبها خلال العدة، بعكس ما إذا وقع جرم الزنى في الطلاق البائن، فهي تتحلل من الرابطة الزوجية، وإذا دفعت الزوجة تهمة الزنى بأنها مطلقة أو أنها لم تكن متزوجة الرجل أو أن زواجها باطل وجب على المحكمة المختصة أن توقف النظر في الدعوى حتى يفصل في مسألة الزواج والطلاق من الجهة المختصة.

q القصد الجزائي: يعدّ القصد متوافراً لدى الزوجة متى ارتكبت الفعل وهي عالمة بأنها متزوجة، وهي تواصل شخصاً غير زوجها، فلا عقاب على الزوجة إذا أثبتت أنها ارتكبت الزنى وهي تعتقد أنها حرة من وثيقة الزواج، كما لو اعتقدت أنها مطلقة أو أن زوجها الغائب قد مات.

ولا عقاب على الزوجة إذا أثبتت أنها خُدعت وسلمت نفسها لأجنبي معتقدة أنه زوجها، كما إذا تسلل شخص إلى فراش امرأة في أثناء نومها، واتخذ حيالها المركز الذي يشغله زوجها، فظنت أنه هو وسلمت نفسها إليه.

عند توافر هذه الأركان الثلاثة تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً، أما الأعزب الذي يزني بامرأة متزوجة؛ فيعاقب بالحبس من شهر إلى سنة (المادة 473 من قانون العقوبات الفقرة الأولى والثانية).

يلاحظ أن القانون السوري عاقب الرجل المتزوج الزاني والمرأة المتزوجة الزانية بعقوبة أشد من عقاب الزاني الأعزب.

¦ جريمة زنى الزوج: إن المادة (474) من قانون العقوبات عاقبت الرجل المتزوج الذي يستفرش امرأة أجنبية في البيت الزوجي، وكذلك المرأة التي هي شريكته في جرم الزنى بالحبس من شهر إلى سنة (نقض سوري، جنحة أساس 2839 قرار 2702 تاريخ 30/10/1968). ويشترط لقيام الجريمة فضلاً عن الأركان المكونة لجريمة زنى الزوج؛ وهي حصول وطء منه فعلاً لغير زوجته، وأن يكون ذلك وقت قيام الزوجية، وأن يتوافر قصده الجزائي، ويشترط أيضاً وجود ركن رابع، وهو حصول الزنى منه في منزل الزوجية. كما أن المادة (474) من قانون العقوبات شملت في نصها أيضاً حالة اتخاذ خليلة علناً.

Ÿ الزنى في منزل الزوجية: ولا يقتصر البيت الزوجي على المسكن الذي يقيم فيه الزوجان عادة أو في أوقات معيّنة، بل يشمل كل محل يقيم فيه الزوج ولو لم تكن الزوجة مقيمة فيه فعلاً (نقض سوري، جنحة أساس 1449 قرار 2019 تاريخ 8/10/1980). ذلك لأن للزوجة أن تساكن زوجها حيثما اتخذ لها مسكناً، فكل منزل من هذا القبيل يصح أن يكون محلاً للسكن لها وأن تدخله من تلقاء نفسها، ولزوجها أن يطلبها للإقامة به، ويترتب على هذا أن الزوج الذي يزني في مثل هذا المنزل يحق عليه العقاب لتوافر الحكمة التي توخاها المشرع، وهي صيانة الزوجة الشرعية من الإهانة المحتملة التي تلحقها بخيانة زوجها لها في منزل قد توجد فيه.

وبناء عليه لا يقبل من المتهم الدفع بأن زوجته لا تقيم معه في المنزل الذي يزني فيه مع عشيقته؛ وإن كان يسكن مع زوجته منزلاً آخر، ولا يهم في هذا الصدد أن يحتاط الزوج، فيحرر عقد الإيجار باسم عشيقته أو باسم شخص آخر متى ثبت أن الزوج هو المستأجر الحقيقي.

ولكن لا يعدّ منزل الزوجية المملوك للخليلة أو الذي استأجرته بمالها ولو كان الزوج مقيماً فيه فعلاً، وكذلك لا يعدّ منزل الزوجية المسكن الوقتي الذي يلتقي فيه الزوج عشيقته مهما تكرر تردده عليه، فلا يرتكب الزوج جريمة الزنى في غرفة استأجرها باسمه في فندق مادام لم يسكن فيه بصفة مستمرة إذا كان معتبراً نزيلاً مؤقتاً، وللمحكمة أن تقدر ما إذا كان للمحل صفة الدوام بحيث يعدّ مسكناً مسترشدة في ذلك بمدة الإقامة.

Ÿ اتخاذ خليلة علناً: صيانة لحرمة الرابطة الزوجية حرص القانون السوري على تجريم اتخاذ خليلة علناً بالنسبة إلى الرجل المتزوج، وعاقب على هذا الفعل بالحبس من شهر إلى سنة، واشترط لتحقق الجرم الأركان التالية:

قيام الزوجية: فيجب أن يكون الرجل متزوجاً، أي أن تكون له امرأة تعيش معه شرعاً بوصفها زوجة، ولهذا لا يشمل هذا الجرم كل الحالات التي يكون فيها الرجل غير ملتزم برابطة الزوجية.

اتخاذ الزوج لنفسه خليلة: يقصد بالخليلة الأنثى التي ترافق الرجل، ويحتمل أن يستمتع بها، ولا يشترط أن تكون الخليلة متزوجة، بل يكفي أن يظهر معها أو يصطحبها معه أو يصرح أنه يعيش معها أو يعاشرها.

لابد من التنويه أن ظاهر النص يطول الزوج، ولم يذكر الزوجة التي تتخذ خليلاً جهاراً، وتبرير موقف القانون السوري يكمن في صدور هذا الفعل عن الزوج غالباً، ونادراً ما تتخذ الزوجة خليلاً علناً، ولاسيما إذا أخذنا في الاعتبار الزمن الذي وضع فيه قانون العقوبات السوري.

العلانية والجهر: لا يكتمل الجرم باتخاذ الزوج خليلة له إلا إذا قام بفعله جهاراً وعلانية، فإن فعل ذلك سراً لا يتحقق الجرم. وقصد المشرع من اشتراط العلانية حماية الجمهور والمجتمع من التعرض لعادته وقيمه وخرقها.

بعد دراسة القواعد الموضوعية لهذه الجريمة سيجري تعرف القواعد الإجرائية الخاصة بها.

(2) القواعد الإجرائية: إذا كان من المتفق عليه أن القضاء الجزائي قائم على أساس حرية القاضي في تقدير الأدلة والموازنة بينها والأخذ بما يقتنع به وطرح الأدلة الأخرى؛ فإن حرية القاضي ليست مطلقة في إثبات جريمة الزنى كما أن المشرع حدد قواعد معيّنة في تحريك الدعوى المتعلقة بالزنى.

t إثبات الزنى: قبل إيقاع العقوبة لابد من إثبات الواقعة على الشريك وعلى الزوج أو الزوجة. من الملاحظ أن القضاء يؤدي دوراً هاماً حول تكوين القناعة على أفعال الزنى، فعليه أن يستنتج فعل الزنى بما لا يدع مجالاً للشك أنه قد وقع فعلاً. ولابد من التفريق بين حالتين:

q إثبات الزنى على شريك الزوجة الزانية: أخذ القانون السوري في إثبات جريمة الزنى بالنسبة إلى شريك الزوجة الزانية بنظام الأدلة القانونية، فليس للقاضي أن يثبت الزنى إلا بدليل له وجود بالمادة (473/3) من قانون العقوبات، فإن خرج القاضي عن هذه الأدلة كان حكمه قابلاً للطعن أمام محكمة النقض لمخالفة القانون. (نقض سوري، جنحة أساس 656 قرار 843 تاريخ 9/5/1984). ويمكن فيما يلي استعراض هذه الأدلة:

Ÿ الجنحة المشهودة: استقر الاجتهاد القضائي على أنه «لا يشترط في جريمة التلبس بالزنى أن يشاهد الزاني أثناء ارتكاب الفعل، بل يكفي لقيامه أن يثبت أن الزوجة وشريكها قد شوهدوا في ظروف تنبئ بذاتها وبطريقة لا تدع مجالاً للشك في أن جريمة الزنى قد ارتكبت فعلا». (نقض سوري، جنحة أساس 3802 قرار 3112 لعام 2000 )؛ وذلك لأن الجنحة المشهودة المعتبرة دليلاً على الشريك في الزنى تختلف عن الجرم المشهود المعرف في المادة (28) من قانون أصول المحاكمات الجزائية. (نقض سوري، جنحة أساس 4946 قرار 1230 تاريخ 29/6/1982).

ومثال ذلك مفاجأة الزوجة وشريكها في فراش واحد، ووجود المرأة في ساعة متأخرة من الليل في منزل شخص آخر وكانت في حالة من عدم انتظام ملابسها، ووجود المرأة مع رجل في غرفة مقفلة وقد أحضروا فيها مرتبة للنوم. فهذه المظاهر كلها تحمل على اعتقاد وقوع الجريمة وتوافر عناصرها. وبناء على ذلك فقد حكمت محكمة النقض بأن: «محكمة الاستئناف قد استخلصت وقوع جريمة الزنى من سفر الطاعن مع زوجة المدعي الشخصي من قريتهما إلى المدينة ونومهما في غرفة ليلتين اثنتين ودفعه عنها أجور السفر والفندق وقيمة الأكل واعترافها بأنه زنى بها، وبالتالي فإن حكمها المطعون به جاء موافقاً للأصول والقانون». (نقض سوري، جنحة أساس 375 قرار 1067 تاريخ 13/5/1965).

غير أنه في بعض الأحوال وعلى الرغم من قيام الدليل على الجريمة المشهودة يبقى هناك شك فيما إذا كان الزنى قد ارتكب فعلاً أو أنه سيرتكب. فإذا كان الزوج قد فاجأ زوجته وشريكها في حالة مريبة؛ تنشئ قرينة ضدهما تكفي للحكم بإدانتهما، ولكن يمكن نفي هذه القرينة؛ إذا أمكنهما أن يثبتا بجلاء أن الزنى لم يقع فعلاً.

Ÿ الإقرار القضائي: هو اعتراف الشريك على نفسه، أما اعتراف الزوجة على نفسها وعلى شريكها فإنه لا يمكن قبوله حجة على الشريك. فالإقرار القضائي هو: (اعتراف الخصم بواقعة قانونية مدعى بها عليه، وذلك أمام القضاء أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة، وبالتالي فإن إقرار الزوجة بجرم التزاني لا يعتبر إقراراً بالنسبة للشريك). (نقض سوري، جنحة أساس 2447 قرار 2651 تاريخ 29/12/1953). فإذا لم يتوافر إقرار قضائي، ولم تضبط الواقعة بالجرم المشهود؛ فالوسيلة الأخيرة هي الدليل الكتابي بالنسبة إلى الشريك.

Ÿ الرسائل والوثائق الخطية: لا يشترط أن تتضمن هذه الأدلة الكتابية اعترافاً صريحاً بوقوع الزنى، بل يكفي أن يكون فيها ما يدل على ذلك، والأمر متروك للمحكمة. وفي هذا الصدد يجوز الاستشهاد بالصور الفوتوغرافية للأوراق متى كان القاضي قد اطمأن من أدلة الدعوى ووقائعها إلى أنها مطابقة تمام المطابقة للأحوال التي أخذت منها.

ويجوز للمحكمة أن تبني قناعتها على هذه الأوراق، ولكن الآراء اختلفت حول شرعية طريقة الحصول على هذه الأدلة الكتابية. فالرأي الأول أكد أنه لا يجوز للمحكمة أن تبني قناعتها على هذه الأدلة إذا كان مقدمها قد حصل عليها بطريقة غير مشروعة. وذهب الرأي الثاني - وهو الراجح - أنه يجوز للمحكمة أن تبني قناعتها على هذه الأدلة ولو تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة؛ لأن الزوج في علاقته مع زوجته ليس على الإطلاق بمنزلة الغير في صدد السرية المقررة للمراسلات، فعشرتهما وسكون كل منهما إلى الآخر وما يفرضه عقد الزواج عليهما من تكاليف لصيانة الأسرة في كيانها وسمعتها، كل ذلك يخول كلاً منهما ما لا يباح للغير من مراقبة شريكه في سلوكه وفي مسيره وفي غير ذلك مما يتصل بالحياة الزوجية؛ لكي يكون على بينة من عشيره. وهذا يسمح له عند الاقتضاء أن يقضي على ما يساوره من ظنون أو شكوك فيها. وبالتالي فإذا كانت الزوجة قد حامت حولها شبهات قوية؛ فإنه يكون له أن يستولي على ما يعتقد وجوده من رسائل العشق في حقيبتها الموجودة في بيته، ثم أنه يستشهد بها عليها.

q إثبات الزنى على الزوجة أو الزوج: استقر الاجتهاد القضائي أن إثبات جرم الزنى على الزوجة يصح بطرق الإثبات كافة، إن الأدلة منحصرة في حق الشريك بالنسبة إلى جرم الزنى فيما نص عليه القانون؛ وهو الرجل وحده، وتبقى قواعد الإثبات على إطلاقها بحق الزوجة. (نقض سوري، جنحة أساس 2201 قرار 2308 تاريخ 24/8/1976).

وإن تقدير ثبوت الجرم بحقها يتعلق بأمور موضوعية تستقل بتقديرها محكمة الموضوع. (نقض سوري، جنحة أساس 1478 قرار 2213 تاريخ 17/11/1981). ولكن لا يجوز الاسترسال في التجريم بفعل الزنى ما لم يتم التأكد والاستيثاق من وقوع هذا الفعل، وللقاضي أن يطرح كل دليل رآه غير مستساغ أو لا يمكن أن ينشأ عنه فعل الزنى.

أما الأدلة الحديثة التي يمكن الاسترسال بها والهدي بهديها والتي تأخذ حظاً كبيراً أمام القضاء فهي الأدلة الفنية، وهي ما يصفه أهل الخبرة من آراء واستنتاجات فنية على ضوء المعاينة. والدليل الفني قد يكون تقريراً طبياً شرعياً لاستطلاع حدوث الإيلاج من عدمه، وقد يكون الدليل في صورة تحليل للسائل المنوي.

ويترك لقاضي الموضوع إعطاء القيمة للتقرير الفني، ولكن ليس للمحكمة مسح الدليل الفني أو استنتاج نتائج لا ترشح لها مقدمات التقرير.

t ملاحقة جرم الزنى: إن جريمة الزنى جريمة تمس المجتمع بأسره، ومع ذلك رأى المشرع في مثل جريمة الزنى أنه يجب تقديم مصلحة الفرد على مصلحة الجماعة وأنه من الأنسب ألا تحاكم الزوجة الزانية إلا إذا قدّم الزوج شكواه ضدها، فإذا عفا عنها وجب على المجتمع أن يتغافل عن تحريك الدعوى العامة، ويبرر هذا الاستثناء في أن العقوبة على جريمة الزنى تشهير وفضيحة؛ مما ينتهي أمره إلى هدم كيان الأسرة.

إذاً لابد من تقديم شكوى من الزوج الذي لم يثبت رضاه عن الفعل ضمن مهلة معيّنة، وإلا سقطت الشكوى، وترتب عليها آثار تعفي الفاعلين.

Ÿ الشكوى: اشترط القانون قبل ملاحقة الزوج أو الزوجة بفعل الزنى شرطاً أساسياً، وهو تقديم شكوى من الزوج ضد زوجته الزانية واتخاذه صفة المدعي الشخصي. فإذا لم يقدم الزوج أو الزوجة شكوى، فلا تملك النيابة العامة أن ترفع الدعوى، ويترتب على ذلك أنه إذا رفعت النيابة العامة الدعوى من تلقاء نفسها فإنها تكون باطلة، ولا يصححها دخول الزوج (المجني عليه) بعد ذلك بصفته مدعياً شخصياً أمام المحكمة.

وأما بالنسبة إلى المرأة غير المتزوجة فلا بد من تقديم شكوى من ولي أمر المرأة واتخاذ صفة المدعي الشخصي (المادة 475 الفقرة الأولى من قانون العقوبات).

ولا يمنع الزوج من تقديم الشكوى تثبيت الزواج بين المدعى عليهما بجرم التزاني والذي يتم من قبيل التدارك وبهدف التملص من المسؤولية الجزائية؛ لأن هذا الزواج لا يضفي على فعلهما السابق صفة الشرعية. وقد حكمت محكمة النقض بأنه: «إذا ارتكبت الزوجة جرم التزاني مع الغير، وأقام عليها زوجها دعوى بطلب التفريق، وتزوجت بعد صدور الحكم بالتفريق، فإن الزواج اللاحق لا يمحو جرم التزاني الذي حصل حينما كانت المدعى عليها على ذمة زوجها السابق». (نقض سوري، جنحة أساس 191 قرار 1599 تاريخ 25/7/1981).

وتقدم الشكوى ضد الزوجة أو الزوج، وعندئذٍ تحرك النيابة العامة الدعوى ضد الزوج الخائن وضد الشريك أو الشريكة. وقد أكد الاجتهاد القضائي أن: ملاحقة الشريك في الزنى مرتبطة بملاحقة المرأة الزانية ارتباطاً لا يقبل التجزئة، فليس للزوج أن يدعي على زوجته دون شريكها، فإن فعل ذلك لا تسمع دعواه. (نقض سوري، جنحة أساس 493 قرار 1543 تاريخ 25/8/1982).

إضافة إلى ذلك ووفقاً للمادة (475) الفقرة الثانية من قانون العقوبات فلا يلاحق المحرض والشريك والمتدخل إلا والزوج معاً. وواضح هنا أن القانون حينما نص على لزوم ملاحقة الزوج إنما أراد ذلك إذا كان الزوج محلاً للملاحقة ومباشرة الدعوى ضده، أما إذا كان في حالة يتعذر معها بحكم القانون ملاحقته كالوفاة مثلاً، فإن ذلك لا يعني تعذر ملاحقة المحرض والشريك والمتدخل. (نقض سوري، جنحة أساس 2019 قرار 2129 تاريخ 2/9/1965).

Ÿ ثبوت عدم رضا الشاكي بالزنى: قد يرضى أحياناً الزوج أو الولي بارتكاب الزنى من قبل زوجته أو من هي تحت ولايته لأسباب كثيرة مثل خشية الفضيحة، أو قبول عطاءات أو تنازلات، وبعد ذلك لسبب طارئ أو خلاف قد يتقدم بشكواه للضابطة العدلية أو القضاء بغية الانتقام مثلاً. في هذه الحالة لا تقبل الشكوى من الزوج أو الولي الذي تم الزنى برضاه وفقاً للمادة (475/3) من قانون العقوبات. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هو معيار الرضا؟ وكيف يتم إثباته؟

Ÿ مهلة الشكوى وقرينة الرضا: أشار المشرع إلى احتمال علم الشاكي بفعل الزنى وسكوته عنه مدة طويلة، واتخذ من طول السكوت مع العلم معياراً لذلك، فلا تقبل الشكوى بانقضاء ثلاثة أشهر على اليوم الذي اتصل فيه الجرم بعلم الزوج أو الولي وفقاً للمادة (475/4) من قانون العقوبات. وقد هدف المشرع من تحديد هذه المدة القصيرة إلى تحقيق الاستقرار القانوني الذي يتأذى من جعل شكوى الزوج أو الولي سيفاً مسلطاً على الزوجة فترة طويلة. وأراد المشرع من تحديد المدة أيضاً أن يحث المجني عليه على تقديم الشكوى في وقت مناسب حتى لا يساء استعمالها وفقاً لأهواء الشاكي. ولذلك أكدت محكمة النقض أنه: «لا تجوز الإدانة بالزنى قبل التثبت من تاريخ علم الزوج بالواقعة المدعى بها». (نقض سوري، جنحة أساس 555 قرار 716 تاريخ 23/3/1976).

وإن القول: إن استمرار جرم التزاني يقطع التقادم لا يستقيم مع صراحة المادة (475) من قانون العقوبات (نقض سوري، جنحة أساس 2486 قرار 2459 تاريخ 22/10/1965). فجرم التزاني من الجرائم الآنية لا المستمرة، ويتم بمجرد الوطء. (نقض سوري، جنحة أساس 100 قرار 41 تاريخ 6/2/1978). كما أن مدة ثلاثة الأشهر هي مدة سقوط، وليست مدة تقادم، وبالتالي فإنها لا تقبل انقطاعاً أو إيقافاً، ولا تمتد بسبب العطلة أو المسافة.

إضافة إلى قرينة الرضا المتعلقة بمرور مهلة الشكوى فقد اعتمد الاجتهاد القضائي قرينة أخرى، فاستنتاج الرضا يمكن أن يكون من كل عمل يدل على عفو المدعي أو تصالح المدعين؛ وبناء على ذلك حكمت محكمة النقض بأن: «وقوع المصالحة في دعوى التفريق يستدل منه على رضى الزوج باستئناف الحياة الزوجية» (نقض سوري، جنحة أساس 2090 قرار 2047 تاريخ 9/12/1962).

Ÿ سقوط الشكوى وأثرها: تسقط الملاحقة عن الزوج أو الزوجة بتنازل الشاكي عن حقه سواء بشكل خطي أم فعلي، كأن يعود الزوج لمعاشرة زوجته بشكل طبيعي على حسب ما أشار قانون العقوبات في المادة (475/6) من قانون العقوبات.

إن التنازل عن الشكوى جائز في أي وقت إذا كانت الدعوى لا تزال بين يدي النيابة والقضاء، ويشترط في التنازل أن يكون باتاً غير معلق على شرط، ويعدّ التنازل بالنسبة إلى أحد المتهمين تنازلاً بالنسبة إلى الباقين، فإن إسقاط الحق عن الزوج أو الزوجة يسقط دعوى الحق العام والدعوى الشخصية عن سائر المجرمين (نقض سوري، جنحة أساس 1757 قرار 1611 تاريخ 30/10/1954)، ويُستنتج أن حالة الاشتراك الجرمي في الزنى مشمولة بهذا النص، ويستفيد عندئذٍ جميع الشركاء مع الزوج الزاني. إذ أن سقوط الشكوى لا يتجزأ باختلاف الفاعلين.

فقصد المشرع من الفقرة (6) من المادة (475) من قانون العقوبات هو إعطاء فرصة للزوجين، وغالباً ما يكون ذلك في مصالح أطفالهما أن يصطلحا، فتسقط الشكوى برضا استئناف الحياة المشتركة. وهذا الرضا ليس إعلاناً مجرداً عن الرغبة (نقض سوري، جنحة أساس 5501 قرار 4042 تاريخ 23/10/1963)، وإنما حكمة الشارع فيه أن تستأنف الحياة الزوجية فعلاً، وعلى محكمة الموضوع أن تتحقق من وقوع المصالحة فعلاً. فتصريح الزوج وحده بأنه على استعداد لإعادة زوجته إلى بيته لا قيمة له ما دامت الزوجة رفضت العودة إليه. (نقض سوري، جنحة أساس 2639 قرار 2552 تاريخ 31/10/1965).

ب- السفاح: تمثل العلاقات الجنسية حرمة لدى كل فرد في المجتمع؛ الأمر الذي يحتم أن تكون ممارستها على الوجه المتفق مع الكرامة الإنسانية، وتوافقاً مع ذلك كان تدخل القانون ضرورياً لحماية الأخلاق وخصوصاً في مجال جرائم الجنس بين الأقارب من درجة معيّنة، والذي اصطلح المشرع السوري على تسميته جرم السفاح. هذا الجرم - الذي يبدو أنه زنى لا أكثر من ذلك - يتميز من جرم الزنى ببعض القواعد الموضوعية والقواعد الشكلية.

(1) القواعد الموضوعية: سيُبحث في هذه القواعد أركان جريمة السفاح، ثم تُستعرض العقوبة وظرف التشديد الواقع عليها.

أركان الجريمة: وهي:

الركن المفترض، وهو صلة القرابة بين الفاعلين بدرجة معيّنة، والركن المادي، والركن المعنوي.

Ÿ الركن المفترض: صلة القربى: إن جرم السفاح من الجرائم التي يدخل في تكوينها ركن مفترض، وهو صلة القرابة. فلا يمكن القول بوجود الجرم واعتباره سفاحاً ما لم تتوافر صلة القرابة تلك، وبالتالي كل فعل يقع خارج صلة القرابة لا يعدّ سفاحاً، ولكن يمكن توصيفه بوصف جرمي آخر كالزنى أو الاغتصاب إذا توافرت الشروط الخاصة لأحدهما، فانعدام صلة القرابة لا ينفي الصفة الجرمية للفعل إذا أمكن إخضاعه لنص آخر. وصلة القرابة منصوص عليها في المادة (476/1) من قانون العقوبات: فالسفاح هو الاتصال الجنسي بين الأصول والفروع شرعيين كانوا أو غير شرعيين أو بين الأشقاء والشقيقات أو الأخوة والأخوات لأب أو لأم أو من هم بمنزلة هؤلاء جميعاً من الأصهرة. فهو إذاً الاتصال الجنسي مع إنسان محرم عليه.

Ÿ الركن المادي: يقع الفعل الجرمي بالوطء فلا بد من وجود ذكر يجامع أنثى جماعاً غير شرعي، وأما الخلوة غير المقترنة بالوطء وأعمال الفحش والصلات غير الطبيعية فلا تشكل السفاح. ومما يجدر ذكره أن الوطء يعدّ صحيحاً حتى لو كان الطرفان أو أحدهما لا يسمح بحصول الحمل أو يجعله مستحيلاً كذلك في حال وجود مرض أو عقم. فيعاقب على الوطء متى حصل ولو كان من شيخ طاعن في السن أو صبي لم يبلغ الحلم أو امرأة في سن اليأس.

الرضا: لعنصر الرضا أثر كبير في تكييف الجرم ووصفه القانوني، فبتوافر الرضا لدى الطرفين يمكن القول: إن الجرم سفاح، أما بانعدام الرضا فلا يمكن القول بأن الجرم سفاح ولو وجدت صلة القربى، وفي هذه الحالة يعدّ الفعل اغتصاباً، ويعاقب الفاعل بموجب إحدى المادتين (489) أو (490) من قانون العقوبات، وذلك بحسب الحال.

Ÿ الركن المعنوي: هذا الركن يتطلب علم الطرفين مرتكبي الجرم بما يأتيانه من أفعال مجرمة قانوناً ومن اتجاه إرادتهما إلى ارتكاب الفعل، ولا بد من معرفة كلا الفاعلين بصلة القرابة بينه وبين الفاعل الآخر.

العقوبة: عاقب المشرع على السفاح بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، ولما كان تقدير العقوبة بين سنة وثلاث سنوات، فإن الحد الأدنى الذي يلزم القاضي بالحكم به هو سنتان إذا كان لأحد المجرمين على الآخر سلطة قانونية أو فعلية.

والسلطة القانونية هي السلطة المستمدة من القانون، ويمارسها أحد المجرمين على الآخر، ومثال ذلك ارتكاب السفاح من قبل الأب مع ابنته بحكم ولايته الشرعية عليها.

وأما السلطة الفعلية فهي التي تمارس بموجب العرف والعادة والواقع، فكل من يملك سلطة على الآخر وتكون غير مستمدة من نص القانون يكون صاحب سلطة فعلية يمارسها دون تفويض بموجب القانون، ومثال ذلك ارتكاب الجرم من قبل الأخ الأكبر على الأخت الصغرى.

ومما تجدر الإشارة إليه هو إثبات كل من السلطتين، ففي حالة السلطة القانونية يكفي إثبات الصفة التي تتفرع منها هذه السلطة، عندئذٍ تقوم قرينة على أن صاحب هذه الصفة له سلطة على المجني عليه. أما بالنسبة إلى السلطة الفعلية فلا تفترض، بل يجب إثباتها وبيان الظروف التي جعلت للجاني على المجني عليه تلك السلطة، وقد حـــــــــــــــــــــكمت محكمة النقض بأنه: «يتعين استثبات السلطة الفعلية التي يمارسها المتهم على المجني عليه». (نقض سوري، جــــــــــــــناية أساس 883 قرار 755 تاريــــــــــــــــــــخ 21/9/1982).

ويترتب في كلتا الحالتين أن يمنع المجرم من حق الولاية على القاصر، فيحرم الأب أو الجد من حق الولاية على القاصر، ويتم فرض هذا التدبير على المحكوم عليه لحرمانه من حقوقه على الشخص الخاضع للولاية بعد أن ثبت تقصيره وإهماله بحق القاصر، وفرض التدبير في جريمة السفاح وجوبي، وليس جوازياً لكون المشرع لم يترك للقاضي فرضه بسلطة تقديرية وفقاً للفقرة الثالثة من المادة (476) من قانون العقوبات.

(2) القواعد الإجرائية: تكمن أهمية دراسة جرم السفاح من الناحية الشكلية في كونه من الجرائم التي تتقيد حرية النيابة العامة بإقامة الدعوى العامة فيها بقيد محدد هو الشكوى، كما سيشار إلى الحالة التي تتحرر فيها النيابة العامة من هذا القيد وهي حالة الفضيحة.

q الشكوى: يتم ملاحقة السفاح بناء على شكوى قريب أو صهر لأحد المجرمين حتى الدرجة الرابعة. ويشترط المشرع من أجل العقاب على هذه الأفعال تقديم شكوى من شخص ذي صفة. إذ إنه في كثير من الأحيان تحاول الأسرة كتمان الواقعة التي حصلت بين أفرادها صيانة لسمعة العائلة واتقاء للفضيحة. لكن لو شاع الأمر خارج دائرة الأقرباء أو الأصهار، وآل الأمر إلى العامة، ووصل إلى أسماع الناس، عندئذٍ تباشر الملاحقة بلا شكوى، إذا أدى الأمر إلى الفضيحة وفقاً للمادة (477/2) من قانون العقوبات. ومعنى ذلك إذا بلغ الأمر علم السلطة القضائية؛ فتبدأ الملاحقة دون انتظار شكوى أحد الأقارب. فعندما تتحقق الفضيحة، وينتشر الخبر؛ فلا يمكن التحدث عن خشية الفضيحة، ولا مبرر لتقييد حرية النيابة العامة في إقامة الدعوى في هذه الحالة، فإذا افتضح الأمر، وانكشف المستور؛ لم تعد سمعة العائلة وشرفها مكنوناً يخشى المساس به.

ولا يوجد شروط محددة قانوناً للفضيحة، فتحديد الفضيحة وما قصده المشرع منها أمر تقديري تتولاه محكمة الموضوع، ويكفي بشأنها شيوع أمر الجريمة بين عدد غير محدود من الناس في المحيط الذي وقعت فيه الجريمة، ولا يشترط علم كل أبناء هذا المحيط بأمرها. وهذا ما يقدره القاضي من خلال الاستقصاء والتأكد من ذيوع الخبر لدى طائفة من الناس.

ومن الجدير بالإشارة أن محكمة النقض عدّت الجرم المشهود صورة من صور الفضيحة حيث قالت: إن السفاح بين الأقارب يلاحق بالشكوى أو الجرم الشهود. (نقض سوري، قرار 647 تاريخ 21/1/1970). فإذا تم القبض على مرتكب الفعل من قبل عدد كافٍ من الناس في أثناء ارتكاب الفعل أو عقب ارتكابه بفترة قصيرة؛ فيؤدي ذلك إلى إمكانية تحريك الدعوى العامة بلا شكوى.

q سقوط الشكوى: لم يتعرض المشرع السوري لحالة سقوط الشكوى كما هو الحال في جرم الزنى؛ مما قد يفيد أن الشاكي لا يملك التنازل بعد تقديم الشكوى. ويرى البعض أن المشرع استبعد موضوع إسقاط دعوى الحق العام في حال تنازل الشاكي عن شكواه في جرم السفاح بدليل أنه أعطى الحق للسلطات بمباشرة الدعوى إذا أدى الأمر إلى الفضيحة، وكونه في هذه الحال تباشر الدعوى من دون شاكٍ فإنه لا أحد يستطيع إسقاط الحق فيها؛ لأن الفعل أدى إلى أذية المجتمع كله، وليس لأشخاص محددين. بيد أن هذا الرأي يصح في حالة محددة، والمتعلقة بالفضيحة، كما أنه قد ورد في حكم لمحكمة النقض السورية أن السفاح بين الأقارب يلاحق بالشكوى، ويسقط بالإسقاط. (نقض سوري، قرار 647 تاريخ 21/1/1970).

من الواضح أن المشرع استهدف من خلال هذه الأحكام رغبة المشرع في عقاب كل فعل من شأنه عدم احترام رابطة الزواج في ارتكاب فعل الزنى، أو الإخلال بالآداب على مستوى الأقارب، أو الأصول والفروع في السفاح.

3- جرائم إهمال واجبات الأسرة:

من اللحظة التي تنشأ فيها الأسرة تترتب آثار وواجبات، هذه الواجبات هي معنوية، ومنها مادية. فالمعنوية كالتربية والتعليم والرعاية، والمادية كالإنفاق والرعاية والتزام الابن الراشد بإعالة والديه، إضافة إلى التزامات قضائية بناء على حكم قضائي تلزم بأداء نفقات معيّنة. وعلى الصعيد الجزائي، عدّ المشرع جرماً كل إهمال لأحد هذه الالتزامات (المادتان 487 و 488 من قانون العقوبات).

أ- إهمال واجبات الإعالة العادية: حاول المشرع إجمال هذه الالتزامات كافة؛ لتشمل معظم الحالات التي يلتزم بها الأب أو الأم بأدائها تجاه أولادهم، فنص أن الأب والأم اللذين يتركان في حالة احتياج ولدهما الشرعي أو غير الشرعي أو ولداً تبنياه سواء رفضا تنفيذ موجب الإعالة الذي يقع على عاتقهما أم أهملا الحصول على الوسائل التي تمكنهما من قضائه يعاقبان بالحبس مع الشغل ثلاثة أشهر على الأكثر وبغرامة لا تتجاوز مئة ليرة سورية (المادة 487 من قانون العقوبات). وتتألف هذه الجريمة من الأركان التالية:

(1) صفة الفاعل وصفة الضحية: اشترط قانون العقوبات أن يكون الفاعل الأب أو الأم عموماً، فالأب هو الذي يتولى الإنفاق على أولاده، فإن لم يقم بالواجب تستطع الأم أن تشتكي منه، وترفع أمرها إلى القاضي مدعية أنه مقصر في الواجب. أما الضحية فهو الولد الشرعي أو غير الشرعي أو المتبنى. وإن لفظة الولد استعملت في هذه المادة مطلقة عن التقييد فتشتمل كل ما يتناوله ذلك الإطلاق؛ إذ لو أراد المشرع التخصيص لنص عليه وبعبارة أخرى تشمل أي ولد لم يبلغ الثامنة عشر سنة.

q الركن المادي: يمكن أن ترتكب هذه الجريمة بإحدى الفعلين التاليين:

Ÿ رفض تنفيذ موجب الإعالة: إن موجبات الإعالة العادية تتضمن الطعام والكسوة والسكنى، وكلها واجبة على الأب والأم لولدهما.

Ÿ إهمال الحصول على الوسائل التي تمكن من تنفيذ موجب الإعالة.

q الركن المعنوي: إن الجريمة المنصوص عليها في المادة (487) من قانون العقوبات هي جريمة مقصودة، إذاً لابد من اتجاه الإرادة نحو ارتكاب الجريمة مع العلم بتوافر أركانها.

(2) إهمال واجب الإعالة بحكم قضائي: قد يحدث نزاع بين الرجل وزوجته، فيفصل النزاع بحكم قضائي: على أحد الأبوين - مثلاً- أداء نفقة للطفل أو للزوجة، أو قد يصدر حكم يلزم الرجل بإعالة أصوله (والده، والدته، جدته…). ففي حالة الامتناع عن تأدية هذه النفقة يتعرض للعقوبة المنصوص عليها بالمادة (488) من قانون العقوبات. إذ جاء فيها أن من قضي عليه بحكم اكتسب قوة القضية المقضية بأن يؤدي إلى زوجه أو زوجه السابق أو إلى أصوله أو فروعه أو إلى أي شخص يجب عليه إعالته أو تربيته الأقساط المعيّنة، فبقي شهرين لا يؤديها في المحكمة عوقب بالحبس مع التشغيل من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة توازي مقدار ما وجب عليه أداؤه. وهذه الجريمة تتألف من الأركان التالية:

t صفة الفاعل وصفة الضحية: يمكن أن ترتكب هذه الجريمة من أي شخص يقع عليه عاتق إعالة أحد أفراد عائلته. أما الضحية: فيمكن أن تكون الزوجة الحالية أو الزوجة السابقة، أو الأب أو الأم أو الجد أو الجدة أو الابن أو الابنة، أو أي شخص تجب عليه إعالته.

t الركن المادي: ترتكب هذه الجريمة عندما يمتنع المكلف عن تأدية النفقة المعيّنة لمدة شهرين في المحكمة. وهذا يستوجب صدور حكم باتٍّ، فواجب الإعالة هنا له إطار قانوني مختلف عن واجب الإعالة العادية؛ لأنه ترتب على حكم قضائي قطعي ملزم. وقد عدّ في أحكام الفقرة (2) من المادة (488) من قانون العقوبات أن الحكم الصادر عن محكمة أجنبية المقترن بالصيغة التنفيذية في سورية يكون في حكم القرار الصادر عن القاضي السوري بتطبيق الحكم المكتسب قوة القضية المقضية؛ بأن يؤدي إلى زوجه أو زوجه السابق أو إلى أصوله أو فروعه أو إلى أي شخص يجب عليه إعالته أو تربيته الأقساط المعينة.

t الركن المعنوي: إن الجريمة المنصوص عليها في المادة (489) من قانون العقوبات هي جريمة مقصودة، والقصد المطلوب هنا هو قصد عام، ويعدّ متوافراً في حق الجاني إذا ارتكب الجريمة عن علم وإرادة.

ثانياً- الجرائم الماسة بالبنوة والقاصر والولد والعاجز:

في العصور القديمة كانت ولاية الأب على أولاده غير محدودة ولا مقيدة بشيء. أما الشرائع الحديثة فلا تعدّ حضانة الطفل حقاً مخولاً لمن يقوم بهذه الحضانة، بل على العكس من ذلك تعدّها واجباً مفروضاً عليه لمصلحة الطفل التي تقضي بأن يكون في السنين الأولى من حياته في رعاية أمه. ومن الممكن تصنيف هذه الجرائم على ثلاثة أنواع:

1- المساس بوجود الولد أو نسبه.

2- التعدي على حراسته أو حضانته.

3- إهمال حماية الولد والعاجز.

1- الجرائم المتعلقة بالولد وبنوته:

يتناول هذا النوع من الجرائم الأفعال التي تستهدف وجود الولد أياً كان القصد من وراء هذا الفعل سواء من أجل حرمانه ووالدته من الإرث أم لكتمان نسبه. وقد وردت هذه الجرائم في المواد (478 و479 و480) من قانون العقوبات.

أ- المساس بوجود الطفل أو رابطة البنوة: نص المشرع على هذه الجريمة في المادة (478) من قانون العقوبات، إذ جاء فيها أنه: «من خطف أو خبأ ولداً دون السابعة من عمره أو بدل ولداً بآخر أو نسب إلى امرأة ولداً لم تلده عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات». ويستفاد من هذا النص أنه يشترط لقيام الجريمة توافر الأركان التالية:

(1) الركن المادي: يتكون الركن المادي للجريمة المنصوص عليها آنفاً من الخطف أو الإخفاء، أو تبديل ولد بآخر، أو نسب إلى امرأة ولداً لم تلده.

Ÿ الخطف أو الإخفاء: فالإخفاء يتحقق إذا كان الطفل قد أخفي بحيث لا يمكن الوقوف على محل وجوده ولا العثور عليه، وتربيته سراً وفي ظروف يتعذر معها إثبات شخصيته. أما الخطف فهو نقل الطفل من مكانه في ظروف يفقد معها الأدلة المثبتة لشخصيته.

Ÿ تبديل ولد بآخر: الإبدال هو وضع طفل بدل الطفل الذي ولدته المرأة سواء أحصل ذلك من هذه المرأة أم من غيرها.

Ÿ نسب إلى امرأة ولداً لم تلده: أي أن يعزى طفل إلى امرأة لم تلده سواء أصدر ذلك عن هذه المرأة أم عن غيرها.

(2) صفة الجاني: من الملاحظ أن المادة (478) من قانون العقوبات لم تحدد صفة الجاني، بيد أنه في أغلب الأحيان تقع الجريمة من والد الطفل أو والدته أو جده أو جدته لما تحصل بينهما من إشكالات تنفيذية عند صدور الحكم على أي منهما، ويمتنع الآخر عن تنفيذ حكم الحضانة المقرر للطرف الآخر.

(3) صغر سن المجني عليه: يشترط أن يكون الولد الذي خطف صغيراً حيث حددته أحكام المادة (478) من قانون العقوبات بأنه دون السابعة من عمره.

(4) الركن المعنوي: إن الجريمة المنصوص عليها في المادة (478) من قانون العقوبات هي جريمة مقصودة، ويعاقب الفاعل بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات متى ارتكب الجاني أحد الأفعال الجرمية عن قصد، فيكفي إذاً أن يكون الفاعل قد خطف طفلاً أو أخفاه أو أبدله أو عزاه زوراً إلى غير والدته وهو يعلم أن له نسباً. ولا يهم الغرض الذي يرمي إليه الجاني، فقد يكون الغرض اختلاس الميراث أو إبعاد طفل مولود من سفاح عن عائلته أو ستر فضيحة، وكل هذه الأغراض من البواعث التي لا تهم في تكوين الجريمة.

بيد أنه إذا كان الغرض من الخطف أو الإخفاء إزالة البينة المتعلقة بأحوال الولد الشخصية أو تحريفها أو تدوين أحوال شخصية صورية في السجلات الرسمية أو أدى الخطف عن غير قصد إلى هذه النتيجة؛ فلا تنقص العقوبة عن سنة.

ب- كتمان نسب الولد: نصت على هذه الجريمة المادة (479) من قانون العقوبات، حيث قالت: «من أودع ولداً مأوى اللقطاء، وكتم هويته حال كونه مقيداً في سجلات النفوس ولداً شرعياً أو غير شرعي معترف (معترفاً) به عوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين». وتتألف هذه الجريمة من الأركان التالية:

(1) الركن المادي: يتحقق الفعل الجرمي بإيداع الولد مأوى اللقطاء وكتم هويته حال كونه مقيداً في سجلات النفوس.

(2) صفة الجاني: لم تحدد المادة (479) صفة الجاني، بيد أنه في أغلب الأحيان تقع الجريمة من الأم التي تلد طفلاً سفاحاً كما قد ترتكبها الزوجة الأولى لإخفاء ولد ضرتها لحرمانه من الإرث أو لغاية كيدية أخرى.

(3) سن المجني عليه: يشترط أن يكون الضحية طفلاً، ولكن القانون لم يحدد سن هذه الضحية. ويرى الفقهاء أنه يراد بالطفل من كان حديث السن لا يستطيع القيام بشؤون نفسه، ويحتاج في ذلك إلى ضم أهله ورعايتهم، على أن لقاضي الموضوع السلطة المطلقة في تقدير ما إذا كان المجني عليه يعدّ طفلاً أم لا.

(4) الركن المعنوي: لا ترتكب هذه الجريمة إلا إذا توافر القصد الجرمي لدى الفاعل، ويتوافر هذا القصد متى كان المودع عالماً بأن إيداع الولد وكتم هويته سيؤدي إلى الحيلولة دون قيده في سجلات النفوس.

هذا واستدراكاً لأي فعل مشابه لم يخطر على ذهن المشرع فقد ذكر في المادة (480) من قانون العقوبات أن كل عمل غير الأعمال التي ذكــــــــــــــــرت في المادتين (478 و479) يرمي إلى إزالة البينة المتعلقة بأحوال أحد الناس الشخصية  وتحريفها يعاقب عليه بالحبس.

2- التعدي على حق حراسة القاصر:

يمكن أن يُقسم هذا التعدي إلى جريمتين:

الأولى نصت عليها المادة (481) من قانون العقوبات، وتتضمن خطف القاصر ممن له عليه الولاية.

الثانية نصت عليها المادة (482) من قانون العقوبات، وتتضمن عدم الامتثال لأمر القاضي بإحضار القاصر.

أ- خطف القاصر ممن له عليه حق الولاية: يلاحظ في جريمة المساس بوجود الطفل أن المشرع قد اشترط أن يكون سن المجني عليه دون السابعة من عمره. ولكن إذا وقع الخطف على طفل فوق السابعة؛ فهل ينجو الفاعل من العقاب؟

أشارت المادة (481/1) من قانون العقوبات إلى حالة من خطف أو أبعد قاصراً لم يكمل الثامنة عشرة من عمره ولو برضاه بقصد نزعه عن سلطة من له الولاية أو الحراسة؛ عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة مئة ليرة سورية. و تتألف هذه الجريمة من الأركان التالية:

(1) الركن المادي: الخطف أو الإبعاد: وهو انتزاع المخطوف من محل وجوده ونقله من المكان الذي أخذ منه إلى مكان آخر. ومثال ذلك إقدام الأب على نزع ابنته من مطلقته بعد أن تسلمتها للحضانة من قبل المحكمة الشرعية. (نقض سوري، جناية أساس 320 قرار 244 تاريخ 6/3/1968). هذا وإن جريمة الخطف لا تتم إلا بانتزاع المخطوف ممن لهم حق الولاية عليه وإبعاده عنهم إلى مكان لا سلطان لهم عليه. (نقض سوري، جنحة أساس 223 قرار 1049 تاريخ 26/5/1982). فإذا كان المخطوف هو الذي عرض نفسه على المتهمين؛ ليرتكبوا معه الفجور، وأخذوه معهم، وكان هائماً على وجهه في الطريق، وقد هرب من بيت ذويه؛ فليس في ذلك خطف ولا انتزاع ممن لهم حق رعايته والولاية عليه، ولا يعدّ خاطفاً من اصطحب فتاة، وأبقاها عنده بعيدة عن أهلها؛ إذا كانت هي التي هربت من منزل والدها. (نقض سوري، جنحة، قرار 131 تاريخ 15/2/1982). وقد حكمت محكمة النقض بأن بقاء المجني عليها في بيت المتهمين لتعاطي الدعارة معها لا يدل على الإخفاء والإبعاد عن سلطة ذويها ومن لهم حق رعايتها والمحافظة عليها، فقد كان بإمكانها مغادرة البيت في كل وقت، ولم يكن من مانع لها من ذلك، بل هي التي استطابت الإقامة، ومكثت في المنزل تهيئ الطعام والشراب، وتستجيب لهواها. (نقض سوري، جناية أساس 831 قرار 790 تاريخ 25/11/1963).

(2) سن المجني عليه: يشترط أن يكون المجني عليه لم يكمل الثامنة عشرة من عمره.

(3) الركن المعنوي: إن المادة (481) من قانون العقوبات تتطلب - إضافة إلى الركن المادي للجريمة - توافر قصد خاص لدى الفاعل يتمثل في انصراف إرادته إلى انتزاع القاصر من سلطة وليه وحارسه، ولابد من التحدث عنه وإقامة الدليل على توافره لدى الفاعل على نحو مستقل. (نقض سوري، جناية أساس 50 قرار 119 تاريخ 15/2/1983).

وتشدد العقوبة، ويصبح الوصف الجرمي جناية في حالتين:

الأولى: إذا لم يكن الطفل قد أتم الثانية عشرة من عمره.

الثانية: إذا خطف أو أبعد بالحيلة أو الخداع أو القوة. ويقصد بالخداع: كل أسلوب من شأنه التأثير في إرادة المعتدى عليه، ويسلبه الرضا. وبذلك حكمت محكمة النقض بأن عمل الطاعنين كان الخطف الذي حصل بنقل المعتدى عليها من مكانها وهو مقترن بالخداع الذي تم بوجود الطاعنين بسيارة حكومية تابعة لشرطة النجدة، وقد فقدت رضاها بإركابها بالسيارة بالعنف. (نقض سوري، جناية أساس 320 قرار 244 تاريخ 6/3/1968).

ب- عدم الامتثال لأمر القاضي بإحضار القاصر:

تناول المشرع الحالة الأكثر شيوعاً، وهي امتناع أحد الأبوين أو من في منزلتهما عن تسليم القاصر سواء بغية الإراءة أم لدى انتهاء الحضانة. وعاقب الأب والأم وكل شخص آخر لا يمتثل لأمر القاضي، فيرفض أو يؤخر إحضار القاصر الذي لم يتم الثامنة عشرة من عمره بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين وبالغرامة مئة ليرة سورية (المادة (482) من قانون العقوبات). ويشترط صدور قرار من جهة القضاء، ولا يهم ما إذا كان الحكم غيابياً أو حضورياً، وإنما يشترط أن يكون واجب التنفيذ. وكذلك يقتضي عدم التسليم أن يكون الطفل تحت رعاية المتهم الفعلية؛ أي أن يكون مقيماً في منزله أو في مكان اختاره له، وأخفاه فيه، وبعبارة أخرى: يجب أن يكون الطفل في حوزة المتهم، فلا يعد الأب مرتكبا للجريمة إذا لم يسلم ولداً انتزعه شخص آخر من بين يديه أو هرب من تلقاء نفسه.

لكن على فرض أن شخصاً أقدم على خطف القاصر، أو امتنع عن إحضاره، ثم رجع عن ذلك، فقام بإرجاع القاصر أو قدمه، فهل له من سبيل لتخفيف العقوبة؟ لقد سمح القانون بذلك وبالمقدار المبين في المادة (241) من قانون العقوبات ولو بعد بدء المحاكمة وقبل صدور الحكم ولمرّة واحدة.

يتبين حرص المشرع على صيانة حق الحضانة للطفل، والغاية من ذلك ضمان استقراره وصحته النفسية.

3- إهمال الولد أو العاجز:

من أهم مظاهر حماية الأسرة حماية الأشخاص الأضعف، لذلك حرص المشرع على عقاب أي فعل فيه تعريض الولد أو العاجز للخطر سواء أفضى ذلك إلى مرض أو موت أم لم يفضِ إلى شيء.

أ- تسييب الولد أو العاجز: المقصود بهذا الجرم أن يقوم والد الطفل أو العاجز، أو أمه أو وليّه أو أي مسؤول عن رعايته وعلاجه أو تربيته بتركه دون عناية، مادام غير قادر على حماية نفسه وتوفير حاجاته كالغذاء والدفء ومكان النوم والدواء بالنسبة إلى المريض.

(1) أركان الجريمة: نص قانون العقوبات على هذه الجريمة في المادة (484/1)، وتتألف من الأركان التالية:

Ÿ الركن المادي: الطرح أو التسييب: أي ترك الطفل في مكان عام محروماً من كل عناية. وقد عرفه الفقيه غارو بأنه وضع الطفل في غير المكان الذي يوجد به الأشخاص المفروض عليهم واجب العناية به، فهو إذاً وضعه في غير المكان الذي تقتضيه حالته، وحرم بهذا الترك من العناية والرعاية الواجبتين، ويكفي لقيام الجرم ترك العاجز أو الولد، ولا يشترط حبسه أو حجزه في مكان ما، وكذلك لا يشترط في هذا الجرم أن يكون في التسييب تعريض للولد أو العاجز للأذى، فالجرم قائم بمجرد الترك.

ومن أكثر الحوادث شيوعاً ترك طفل في الطريق العام. فيمكن أن يضع المتهمون الطفل على باب منزل أو ملجأ، ويجب التمييز فيما إذا كان المتهمون بعد أن طرقوا الباب أو دقوا الجرس لاذوا بالفرار قبل التحقق من أن الطفل قد التقط؛ فهنا تنطبق عليهم أحكام المادة (484) من قانون العقوبات. أما إذا حصل الفرار بعد التحقق من التقاط الطفل؛ فلا عقاب لعدم تحقق شرط الترك. ويمكن أن يوضع الطفل في منزل مسكون، فهنا تقوم الجريمة إذا كان الطفل قد وضع في حجرة ليس بها أحد ولو أنها كائنة في منزل مسكون؛ إلا أنه قد حصل التخلي بصفة مؤقتة على الأقل عن عناية الطفل. ولا تقوم الجريمة إذا كان الطفل قد ترك على مرأى من سكان المنزل.

ويمكن أن يُذكر أيضاً مثالٌ آخر: المرأة التي وضعت طفلها في حديقة عامة بعد أن خاطت في ملابسه ورقة بينت فيها اسم الطفل واسمها وعنوانها، وأضافت إلى ذلك قولها: إن فقرها المدقع حملها على ترك طفلها، والتمست ممن يجده أن يعتني به، هذه المرأة لا تعاقب إذا كانت اختبأت، ولم تبتعد عن المكان الذي وضعت فيه الطفل إلا بعد أن تأكدت من التقاط شخص له. ولكنها تعاقب إذا كانت بعد وضعه قد لاذت بالفرار، وأما البيانات المكتوبة في الورقة فلا تمنع من العقاب.

Ÿ الضحية: يشترط أن يكون المجني عليه طفلاً دون السابعة من عمره أو أي شخص آخر عاجز عن حماية نفسه بسبب حالته النفسية أو الجسدية.

ويقصد بحالته النفسية أو الجسدية كون العاجز مريضاً سواء مرض مؤقت أو مرض عضال، أو أنه يعاني عجزاً جسدياً كالمعاق أو الضرير أو الأبكم أو الأصم أو أي عاهة تجعله غير قادر على حماية نفسه أو القيام بحاجاته الضرورية، وكذلك إذا كان يعاني مرضاً نفسياً عارضاً أو دائماً.

Ÿ مدة الترك: لم يحدد القانون مدة الترك، إنما تقدر بحسب حاجة الولد وحاجة العاجز أو المريض الذي يحتاج إلى من يعطيه الدواء أو يقوم بحاجاته من إحضار الطعام و غير ذلك.

(2) العقوبة: يعاقب على هذه الجريمة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة، وإذا طرح الولد أو العاجز في مكان قفر كان العقاب من سنة إلى ثلاث سنوات. والمقصود بالمكان القفر: الصحراء أو الغابة أو قارب في المياه، ففي هذه الحالة شددت العقوبة. في الواقع قد يتم ضبط هذا الجرم عن طريق فاعل خير اهتم بالطفل أو العاجز، وقدم له الرعاية اللازمة، فالجرم يقف عند هذا الحد، لكن بفرض أنه ترك أياماً، وتسبب له ذلك بالمرض أو أدى به إلى الموت، فما هو موقف المشرع؟

ب- التسييب المفضي للإيذاء أو الوفاة: إن ترك الولد أو العاجز مدة طويلة أو قصيرة ربما يفضي ذلك إلى المرض أو الموت، فعن ماذا يسأل الفاعل؟

هنا لابد من التعريف بحالتين:

الحالة الأولى: إذا تم الطرح أو التسييب في مكان غير مقفر، وإذا لم يكن الفاعل قد توقع تلك النتيجة أو اعتقد أن بإمكانه تجنبها؛ فهنا عدّت المادة (485) أن جريمته غير مقصودة وفقاً لأحكام المادة (190) من قانون العقوبات.

الحالة الثانية: إذا تم الطرح أو التسييب في مكان مقفر فهنا عدّت المادة (485) أن الجريمة مقصودة وفقاً لأحكام المادة (188) من قانون العقوبات؛ لأنه من المفترض أن الفاعل قد توقع المرض أو الأذى أو الموت، وقبل بهذه النتيجة.

ويجب الإشارة ختاماً إلى أن عقوبة هذه الجريمة تشدد وفقاً لما نصت عليه المادة (247) من قانون العقوبات إذا كان المجرم أحد أصول الولد أو العاجز أو أحد الأشخاص المتولين حراسته أو مراقبته أو معالجته أو تربيته (المادة 486/1 من قانون العقوبات). ويستثنى من هذا التشديد الأم التي طرحت أو سيبت مولودها من أجل إنقاذ شرفها وفقاً لأحكام المادة (486/2) من قانون العقوبات.

تمثل حماية الأسرة قيمة اجتماعية كبيرة وجزءاً من أخلاق المجتمع وقيمه فضلاً عما للأسرة من دور أساسي في بناء المجتمع السليم. توافقاً مع ذلك كان تدخل القانون الجزائي ضرورياً لحماية هذه الأسرة، وخصوصاً في مجال جرائم السفاح والزنى التي تخدش القيم الأخلاقية.

ولقد نص قانون العقوبات على الجرائم التي تمس الأسرة، وحدد لمرتكبيها عقوبات متعددة بتعدد الأوصاف والحالات التي يرتكب بها الجرم.

مراجع للاستزادة:

- جندي عبد الملك، الموسوعة الجنائية، الجزء الثالث (دار إحياء التراث، بيروت).

- عبد الوهاب بدره، الجرائم المنافية للأخلاق والآداب (الطبعة الأولى، حلب 1999).

- عبد الوهاب حومد، قانون الأصول الجزائية (1987).

- علي حسن، جرائم الجنس والآداب (دار بترا، دمشق 1999).

- فوزية عبد الستار، قانون الأصول الجزائية (القاهرة 1975).

- محمود زكي شمس، شرح قانون العقوبات، الجزء الثاني (مطبعة الداودي، الطبعة الأولى، 2007).

- محمود مصطفى، قانون الإجراءات الجنائية (القاهرة 1964).

 


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة
رقم الصفحة ضمن المجلد : 335
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1101
الكل : 45624501
اليوم : 25184