logo

logo

logo

logo

logo

الربا

ربا

riba / usury - riba / usure

 الربا

الربا

أحمد الحسن

تعريف الربا Usury وبيان أنواعه

ملازمة الربا والفائدة للنظام الرأسمالي

الفرق بين الربا والفائدة

حكمه الشرعي وخطورته

مآله وعيوبه وأضراره الاقتصادية

   

أولاً - تعريف الربا Usury وبيان أنواعه:

1- تعريف الربا:

- تعريف الربا لغةً: الزيادة مطلقاً سواء للشيء في نفسه أم بالنسبة إلى سواه، قال الله تعالى: ]فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ[[فصلت 39]، أي علت وارتفعت، وعلو الأرض وارتفاعها: زيادة لها في ذاتها.

وأخرج مسلم فيما رواه عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أنه قال «فلا والله ما أخذنا من لقمة إلا ربا من تحتها» يعني الطعام الذي دعا فيه النبي r بالبركة، فهي زيادة ذاتية للشيء.

وقال تعالى: ]أَن تَكُونَ أُمَّةٍ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ[[النحل 29]، أي أكثر عدداً، وهذه زيادة نسبية.

- تعريف الربا اصطلاحاً: فضل خالٍ عن عوض بمعيار شرعي مشروط لأحد المتعاقدين في المعاوضة.

2- أنواع الربا:

الربا المحرّم في الإسلام نوعان:

أولهما: ربا النسيئة: وهو المأخوذ لأجل قضاء دين مستحق إلى أجل جديد سواء كان الدين ثمن مبيع أم قرضاً، وهذا هو ربا الجاهلية المعهود عندهم حيث كانوا يتعاملون بنوعين من الربا:

أ- الربا عند تقديم قرض معين حيث يشترط المقرض زيادة على قرضه.

ب- إذا حلّ أجل الدين وعجز المدين عن أداء الدين زاد في الدين مقابل زيادة الأجل.

وقد سئل الإمام أحمد عن الربا الذي لا شك فيه فقال: هو أن يكون له دين فيقول له: أتقضي أم تربي؟ فإن لم يقضه زاده في المال وزاده هذا في الأجل.

الثاني: ربا البيوع أو ربا الفضل: ويكون في أصناف ستة هي الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والملح، ويقاس على الذهب والفضة كل موزون عند الحنفية والحنابلة، وكل ثمن غالب عند المالكية والشافعية، ويقاس على الحنطة والشعير والتمر والملح كل مكيل عند الحنفية والحنابلة، وكل مطعوم عند المالكية والشافعية على تفصيل في ذلك.

ويكون ربا البيوع عند جمهور الفقهاء ربا فضل أو ربا نسيئة.

وقد عرف الحنفية ربا الفضل الذي هو بيع بأنه: زيادة عين مال في عقد بيع على المعيار الشرعي (وهو الكيل أو الوزن) عند اتحاد الجنس.

وأما ربا النسيئة الذي هو بيع، فقد عرفه الحنفية بأنه: فضل الحلول على الأجل، وفضل العين على الدين في المكيلين أو الموزونين عند اختلاف الجنس، أو في غير المكيلين أو الموزونين عند اتحاد الجنس.

وربا البيع عند الشافعية ثلاثة أنواع:

أ- ربا الفضل: وهو البيع مع زيادة أحد العوضين على الآخر، أي إن الزيادة مجردة عن التأخير. وهو لا يكون إلا في بدلين متحدي الجنس كالقمح مقابل القمح.

ب - ربا اليد: وهو البيع مع تأخير قبض العوضين ،أو قبض أحدهما من غير ذكر أجل، أي أن يتم بيع مختلفي الجنس كالقمح بالشعير من غير تقابض في مجلس العقد. وهذا النوع داخل في تعريف ربا النسيئة عند الحنفية.

ج- ربا النسيئة: هو البيع لأجل، أي البيع نسيئة إلى أجل ثم الزيادة عند حلول الأجل، وعدم قضاء الثمن في مقابلة الأجل، أي إن الزيادة في أحد البدلين من غير عوض في مقابلة تأخير الدفع.

ثانياً- ملازمة الربا والفائدة للنظام الرأسمالي:

يرى النظام الاقتصادي الرأسمالي حتمية العمل بنظام الفائدة، وهناك عدة مسوغات اقتصادية يستندون إليها، منها أنها مقابل الانتظار، أي إن المقرض يفعل الانتظار، وهو عمل مسوغ لحصول الفائدة، فالفائدة جزاء يستحقه المقرض نظير التفاوت بين الإقبال السريع على الاستهلاك والانتظار إلى أمد معين، فالمقرض لا ينتفع بنقوده حالاً في استهلاكها بل إنه يقرضها للآخرين مدة معينة بحيث لو كانت عنده فإنه ينتفع بها، لذا فإنه يستحق الفائدة على نقوده؛ لأنه فوَّت على نفسه منفعتها العاجلة في الاستهلاك، واستفاد المقترض منها في مدة زمنية معينة، لذا كان على المقترض أن يردّ إلى المقرض فائدة، والفائدة هي ثمن الادخار، والادخار هنا هو تأجيل الاستهلاك، والفائدة: هي الفرق بين الاستهلاك العاجل والاستهلاك المستقبلي، وهذه هي النظرية الكلاسيكية.

والحقيقة أن الانتظار موقف سلبي وليس عملاً إيجابياً، بمعنى أن الانتظار لا يعد عملاً، وهناك فرق بين من يقرض أمواله ويضمن رأسماله وفوائده، وبين من يشارك برأسماله، فمن يشارك برأسماله يتحمل المخاطرة ويشارك في العمل برأسماله وهو عمل إيجابي، بخلاف الانتظار فإنه كف عن العمل.

ثم جاء التحليل الكينزي فخطأ الكلاسيك في تسويغهم للفائدة من أنها ثمن الادخار، فالادخار تحكمه عوامل متعددة بعيدة عن سعر الفائدة، وإنما تسوغ الفائدة على أنها ثمن عدم الاكتناز أو ثمن التضحية بالتفضيل النقدي، لأن الفرد يتخذ قرارين مستقلين، فهو أولاً يتخذ قرار الادخار الذي يتمثل عند كينز في الامتناع عن استهلاك جزء من الدخل، فعملية الامتناع هذه تتم نتيجة عوامل متعددة لا مدخل لوجود الفائدة فيها، ثم بعد ذلك يتخذ قراراً آخر يتعلق بتوجيه هذا الجزء الذي لم يستهلك من الدخل، فهل يوجه للاستثمار أو يوجه للاكتناز؟

هنا تؤدي الفائدة دورها، إذ هي في نظر كينز العامل المحدد والموجه الذي يجعل الفرد لا يكتنز ما امتنع عن استهلاكه، ومن ثم فإن الفائدة هي ثمن عدم الاكتناز، وبعبارة أخرى هي ثمن التضحية أو التخلي المؤقت عن النقود للغير.

كذلك فإن التحليل النقدي يسوغ الفائدة على أنها تأمين لمخاطر عدم السداد Risk default، وكذلك مخاطر تدهور قيمة القرض، أو مقابل المعدل المتوقع للتضخم Expected inflation.

والحقيقة أن الفائدة لو كانت في مقابل مخاطر عدم السداد لزالت مع  تأمين تلك المخاطر عن طريق الكفالة والرهن، ولو كانت مقابل التضخم النقدي لزالت عند عدم وجود التضخم النقدي، بل لو كانت مقابل التضخم النقدي لارتبطت به ارتفاعاً وانخفاضاً، وهو ما لا يقوم عليه نظام الفائدة، فقد يكون معدل التضخم في بعض البلدان 30% في حين أن سعر الفائدة لم يتجاوز 12%، وإذا كانت الفائدة تعدّ تعويضاً للتضخم النقدي فكيف تفسر حالات الانكماش؟

ومن مسوغات الفائدة النظر في مجال التوزيع، وهو إعطاء كل عامل من عوامل الإنتاج حقه من الناتج المشترك، فإن الاقتصاد الرأسمالي يرى قيمة الفائدة على أنها عائد على رأس المال، إذ إن عناصر الإنتاج هي: الأرض، والجهد العضلي والذهني أو العمل، ورأس المال.

أما الأرض: فعائدها الريع، وأما الجهد العضلي والذهني أو العمل: فالأجر، وأما رأس المال: فعائده الفائدة، ورأس المال عنصر منتج، ومن حقه الحصول على عائد مثله في ذلك مثل بقية عناصر الإنتاج، ويعرف هذا العائد بسعر الفائدة الصافي Pure rate.

وفي الحقيقة لا يتحمل رأس المال في النظام الاقتصادي الرأسمالي المخاطرة؛ لأن رأس المال بالنسبة للمقرض مضمون على المقترض حيث يرد رأس المال مع الفائدة، سواء ربح مشروع المدين أم لم يربح.

إذاً لا يتحمل المقرض في النظام الرأسمالي شيئاً من المخاطرة، بل إنه يخطط لنفسه بحيث يرفع سعر الفائدة بقدر ما يخشاه في عمليات الإقراض من احتمال ضياع بعض الأموال المقدمة في صورة قروض، وهذا النظام مجافٍ للعدالة التي تقتضي توزيع المخاطر على طرفي عملية الاستثمار، بحيث يشترك كل من صاحب رأس المال وصاحب العمل في الغنم والغرم، لا أن يتحمّل صاحب العمل كل الغرم المحتمل، وأما ربّ المال فإنه آمن مطمئن في حصول رأسماله مع فوائده بغض النظر عن نتيجة المشروع ربحاً أو خسارة.

ثالثاً- الفرق بين الربا والفائدة:

في هذا العصر تدثر الربا برداء حضاري زائف فتسمى باسم الفائدة، وحاول أنصاره التخفيف من مضاره، فجعلوا له تسعيرة محددة سموها سعر الفائدة، وابتكروا له وظيفة أطلقوا علها مسميات شتى كالربح والتعويض وثمن استخدام النقد، وانطلت الحيلة على بعض المسلمين، فإذا حكوماتهم واقتصادهم ومصارفهم ومعاملاتهم تقوم عليه من أول يوم إلا من عصمه الله تعالى، وإذا بعض العلماء ينخدعون بهذا الطلاء الغربي للربا فيتسابقون إلى تقديم المسوغات الشرعية له.

إن مصطلح الفائدة هو مفهوم اقتصادي مستحدث نشأ في الميدان الاقتصادي ثم في القانون الغربي، ولا وجود له في كتب الفقه الإسلامي ومصادره المعتمدة.

تعريف الفائدة:

الفائدة في اللغة: اسم من أفاد يفيد وجمعها فوائد، وتطلق على كل ما يستفيده الإنسان مما يفيئه الله عليه من مال أو غيره بطريق الربح أو غيره وتتضمن معنى التملّك، يقال: استفاد المال أي ملكه.

الفائدة في الاصطلاح الاقتصادي: مقدار مضاف إلى رأس المال المقترض، أو هي أجر نقدي يدفعه المقترض نظير استعماله لمبلغ نقدي في فترة من الزمن.

وقد عرفها الاقتصادي الإنكليزي مارشال بأنها: «أجر نقدي يدفعه المقترض نظير استعماله لمبلغ نقدي في فترة زمنية».

إن سعر الفائدة هو ثمن اقتراض القرض، ويكون عادة نسبة مئوية تدفع سنوياً إضافة إلى استرجاع أصل القرض، وهي بعبارة أخرى: ربح ناجم عن التجارة في النقود، فالمصرف أو مالك النقود يبيع ما معه من مال بثمن من جنسه بزيادة نظير الأجل. فالعملية في حقيقتها تجارة في شيء واحد هو النقد فيدفعه المقرض للمقترض إلى أجل ليسترده مع زيادة مشروطة.

الفائدة إذاً: ظاهرة اقتصادية لا تقوم إلا على عقد القرض وترتبط بنموذج معين من الصفقات هي صفقات الائتمان، وقد ظهرت الفائدة نتيجة الاعتراف بنظام الملكية الخاصة وإمكان تخزين بعض السلع الاقتصادية وخاصة النقود، فلكي توجد الفائدة يتعين أن يكون ثمة مالك من جانب، ومحتاج من جانب آخر، ولدى المالك فائض يقوم بتحويله إلى المحتاج ليستفيد منه فترة من الزمن، ثم يقوم بسداده بعدها مضافاً إلى رأس المال مبلغ معين متفق عليه ابتداءً.

هذه العملية تسمى (القرض)، والمقدار المضاف إلى رأس المال يسمى (الفائدة)، وتحسب الفائدة عادة على أساس نسبة مئوية في السنة من قيمة رأس المال المقترض، وتسمى بسعر الفائدة أو معدلها، وهي الزيادة المحددة ابتداء على رأس المال المقترض وتحسب بنسبة معينة منه وتضاف إليه عند السداد.

إن من الأمور المهمة استخدام المصطلحات الصحيحة من حيث اللغة ومن حيث الشرع، لا تسمية الأشياء بغير حقيقتها، وتحريفها عن معناها، ومن بين تلك المصطلحات التي دخلها التلاعب مصطلح (الفائدة)، وهذا المصطلح الذي ترجم من اللغة الإنكليزية من مصطلح يسمى (the interest)، وهنا مغالطات عديدة ترتبت عليها نتائج خطرة جداً فكرياً وتطبيقياً، فباعتراف الغربيين أنفسهم أن استخدام مصطلح (interest) فيه الكثير من التحكم ويتضح ذلك من التطور التاريخي لهذا الاستعمال، فقد كانوا في الماضي يحرِّمون الربا، وكان يسمى عندهم (usury)، وتحت ضغط الفلسفة المادية التي سادت لديهم حاولوا استخدام الربا وتطبيقه، ولكي يتاح لهم ذلك بشيء من السهولة ابتعدوا عن كلمة (usury) ذات الوقع النفسي المؤلم لديهم، وبحثوا عن كلمة بديلة، فاستعملوا كلمة (interest) مع أنها لم توضع في الأصل لهذا المقصود، أي الربا.

وعندما كانوا يُنتَقدون يتذرعون بأن لفظ (usury) هو الثمن المغالى فيه لاستخدام النقود، أما لفظ (interest) فهو ذلك الثمن المعقول الذي يخضع للقانون وهو ليس بمحرم بزعمهم.

وهذا هو التحكم، فالمعقولية أمر نسبي، وما هو معقول اليوم ربما لا يكون كذلك غداً، إن الفائدة في حقيقتها هي ثمن استخدام النقود، وهي عين الربا، لذلك انحرفوا متعمدين عن استخدام المصطلح الصحيح وهو (usury).

والأمر في اللغة العربية وفي الفقه الإسلامي مغاير لذلك، فالمستخدم هو مصطلح (الربا)، وقد استعمله العرب في حياتهم ولكنهم ذكروه باسمه وهو الربا، ولم يتحايلوا على تسميته، فقالوا: إنما البيع مثل الربا، وجاء الإسلام فاستخدم المصطلح نفسه لكنه حرمه.

وفي الحقيقة لا فرق بين الربا والفائدة؛ لأن الربا هو إقراض النقود مع اشتراط ردّ زيادة عليها، والفائدة كذلك، ولا عبرة باختلاف التسمية، إذ من القواعد الفقهية: «العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني».

نبذة تاريخية عن الفائدة وأصل نشأتها:

من المسلم به لدى الباحثين أن الفائدة نشأت في البلاد الأوربية على سبيل التحايل على تحريم الديانة المسيحية للربا، وذلك تحت ضغط العوامل الاقتصادية، ومن الثابت في الدراسات التاريخية للفائدة أنها بدأت واستقرت على النحو التالي:

1- أول ما بدأت ظهرت في صورة تقاضي جمعيات القرض الحسن لفائدة يسيرة بوصفها تعويضاً عن المصاريف الإدارية.

2- أبيح للمقرض أن يتقاضى فائدة بشروط مقيدة، بحجة تأمين خطر الضياع، ثم بوصفها شرطاً جزائياً عن التأخير في وفاء الدين.

3- أعقب هذه الخطوات العملية النظريات القانونية المسوغة للفائدة.

4- شيوع الحيل الصريحة للتعامل بالفائدة تحايلاً على الربا في مجال الاستثمار، مثل أن ينشئ رب المال مع العامل شركة توصية يشترك فيها رب المال بماله والعامل بعمله، ويشتركان في الربح والخسارة، ثم يعقب عقد الشركة عقدٌ آخر يتنازل فيه رب المال عن جزء من أرباحه المتوقعة مقابل عدم اشتراكه في الخسارة، يتلوه عقد ثالث يبيع فيه رب المال ربحه المتوقع مقابل مبلغ محدد من المال هو الفائدة، فإذا كان ربح المال المتوقع بموجب عقد الشركة 30%، يتنازل رب المال عن 10% مقابل عدم مشاركته في الخسارة، ثم يتنازل عن 10% أخرى لينقلب ربحه المحتمل وهو 20% إلى ربح مضمون بمقدار 10%، وهذه هي الفائدة لرأس المال.

5- ثم كان خاتمة المطاف بقيام الثورة الفرنسية، فأقرت مشروعية الفوائد من الناحية القانونية، وتضمنت مجموعة قوانين نابليون إباحة الفائدة بنص صريح في القانونين المدني والتجاري. هذا العرض التاريخي يلقي ضوءاً قوياً على علاقة الفائدة بالربا، وعلى الفرق بينهما وبين الربح على النحو التالي:

1- إن الفائدة في أصلها ربا، فهي مجرد وسيلة من وسائل التحايل على الربا، بمعنى ستر حقيقة الربا بمظهر آخر، لإضفاء اسم آخر غير اسم الربا.

2- إن الربح يتميز بخاصتين أساسيتين: أولهما: أنه احتمالي، فقد يتحقق وربما لا يتحقق، وقد يكون كثيراً أو قليلاً، وثانيهما: أن رأس المال غير مضمون، بل معرض للربح والخسارة. وهاتان الخاصيتان ملازمتان لنظام المشاركة، في حين تتميز الفائدة بخاصتين مضادتين تماماً لخاصتي الربح، أولهما: أن الفائدة زيادة محددة سلفاً، وثانيهما: أن رأس المال مضمون واجب الرد، وهذه الخاصية تقلب مضمون رأس المال من كونه حصة في شركة إلى اعتباره دَيْناً في الذمة واجب الرد، وتقلب مركز صاحب رأس المال من شريك إلى دائن، أو من المشاركة إلى ما يعبّر عنه الاقتصاديون بالائتمان.

3- يفسر هذا التطور ميل الإنسان دائماً وخاصة أرباب الأموال إلى الهروب من القرض الحسن وهو نوع من الصدقة، ومن نظام الاستثمار بالمشاركة إلى نظام الربا أو الفائدة الذي يعد بدلاً أنانياً عن هذين النظامين.

هذا ويرى بعض الباحثين أن الربا الذي حرمه الإسلام هو الفائدة التي تحصل عليها المصارف في القروض الاستهلاكية فقط، أما القروض الإنتاجية أو الاستثمارية التي يحصل عليها الأغنياء القادرون، والشركات المختلفة - ويستثمرونها في مشروعات زراعية أو عمرانية أو صناعية أو إنتاجية تدرّ عليهم ربحاً كبيراً، وتحقق لهم المزيد من المكاسب - فإن الزيادة عليها ليست من الربا المحرم. وهذه تفرقة يهودية المنشأ.

وساق بعضهم الحجة على أن الربا الذي حرمه القرآن هو ما كان سائداً في الجاهلية، وأن العصر الجاهلي لم يكن أهله يعرفون القروض الاستثمارية.

والحقيقة: إن تسمية الربا بالفائدة لا يغير من طبيعته، فالفائدة ليست إلا زيادة في رأس المال المقترض، وكل زيادة عليه فهي ربا.

وإذا استعرض التاريخ وجد أن الطائف كانت تصدِّر في الشتاء إنتاجها الزراعي إلى مكة، وكانت تستورد مقابل ذلك السلع التي كانت تأتي بها قريش من رحلاتها الصيفية إلى الشام ورحلاتها الشتوية إلى اليمن، وهذا التبادل التجاري كانت تموله الأموال الربوية.

فلما جاء الإسلام وحرَّم الربا قالوا: «إنما البيع مثل الربا»، ويقصدون بذلك أن الربا هو إجارة رأس المال أي أجرة استخدام المال وهو القرض الممنوح للتاجر الذي يشتري البضائع، وأن البيع فيه زيادة عن ثمن الشراء، فخلطوا بين الفائدة الثابتة لصاحب المال الذي لا يعمل وبين الربح غير المحدد والمجهول للتاجر الذي يكدّ ويشقى ليخدم المجتمع، وقد حرّم الإسلام أسلوب القرض بفائدة وأباح المضاربة والمشاركة.

رابعاً- حكمه الشرعي وخطورته:

1- حكمه الشرعي:

حرّم الله تعالى الربا بنصوص محكمة قطعية في القرآن الكريم، وجاء تحريمه على نسق يماثل تحريم الخمر، وهو نهج استنّه الإسلام في معالجة المفاسد الإنسانية المزمنة، تهيئة للنفوس والعقول لتلقِّي الأحكام الشرعية بالقبول والرضا الوجداني والاقتناع العقلي، فبدأ سبحانه ببيان عدم نفع الربا في قوله تعالى: ]وَمَا آتَيْتُم مِن رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِندَ اللّهِ[[الروم 39] ثم أخبر عن تحريمه على اليهود بقوله: ]فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحلَّتْ لَهُمْ وَبِصدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً  &وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عنهُ[[النساء 160-161] وهو تحريم بالتلويح والإشارة، لأن المقرر أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ، ثم أشار إلى مضار الربا، وأن من شأنه أن يتزايد أضعافاً مضاعفة، فقال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافَاً مُضَاعَفَةً[[آل عمران130]، وبعد أن تهيأت النفوس والعقول تنزلت الآيات وفيها النهي الصريح القاطع، قال تعالى: ]الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ من الْمَسِّ ذَلِكَ بأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّما الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّم الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِن رَّبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ & يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيم& إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ& يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُؤْمِنِيَن& فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِه ِوَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ& وَإنِ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم تَعْلَمُونَ[[البقرة 275-280].

وثبتت حرمة الربا بالسنة أيضاً، فقد أخرج مسلم عن عبادة بن الصامت t أن رسول الله r قال: «الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبُرّ بالبُرّ والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواءً بسواء، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا ًبيد».

وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: «اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».

وروى مسلم في صحيحه عن رسول الله r أنه قال: «لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه» وقال: «هم سواء».

وأخرج الحاكم وصححه عن عبد الله بن مسعود t عن النبي r أنه قال: «الربا ثلاثة وسبعون باباً، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه».

وأجمع الفقهاء على حرمة الربا، قال الماوردي: «حتى قيل: إنه لم يحلّ في شريعة قطّ لقوله تعالى ]وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ[[النساء 161] يعني في الكتب السابقة».

وأكدت الاجتهادات الجماعية حرمة الفائدة، من ذلك قرار المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة سنة 1385هـ الموافق في أيار/ مايو 1965م وهذا نصه:

1- الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي، لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين.

2- كثير الربا وقليله حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافَاً مُضَاعَفَة[[آل عمران 130].

3- الإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك ولا يرتفع إثمه عن المقترض إلا إذا دعت الضرورة، وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته.

ومن ذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في جدة في 10-16 ربيع الأول 1406هـ في موضوع تفشي المصارف الربوية وتعامل الناس معها وقد جاء في قراراته:

أولاً: يجب على المسلمين كافة أن ينتهوا عما نهى الله تعالى عنه من التعامل بالربا أخذاً وعطاءً والمعاونة عليه بأي صورة من الصور، حتى لا يحل بهم عذاب الله ولا يأذنوا بحرب من الله ورسوله.

ثانياً: ينظر المجلس بعين الارتياح والرضا إلى قيام المصارف الإسلامية التي هي البديل الشرعي للمصارف الربوية.

كما أن الربا محرم في الشرائع السماوية السابقة للإسلام فهو محرّم عند اليهود، حيث ورد في الإصحاح الثاني والعشرين من سفر الخروج: «إذا أقرضت الفقير من شعبي ممن عندك فلا تكن كالمرابي ولا تقيموا عليه الربا».

وجاء في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر التثنية: «لا تقرض أخاك بربا فضة أو طعام شيء مما يقرض بربا، بل الأجنبي إياه تقرض بالربا وأخاك لا تقرضه».

وقد ورد في سفر المزامير نص ينهى عن الربا مطلقاً سواء كان المتعامل معه يهودياً أم غير يهودي وهذا نصه: «الذين يتقون الربا ويحلف للمسيء إليه، ولا يحلف ولا يعطي فضة بالربا، ولا يقبل الرشوة على البريء، من عمل بذلك لن يتزعزع إلى الأبد».

والربا محرم أيضاً عند النصارى، فقد ورد في إنجيل لوقا الفقرة 34- 35: «إذا أقرضتم لمن تنتظرون منهم مكافأة فأي فضل يعرف لكم، ولكن افعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائداتها وإذن يكون ثوابكم جزيلاً».

وقد اتفقت جميع الكنائس على تحريم الربا من أوائل عهود المسيحية حتى قيام حركة الإصلاح وانشقاق الكنائس عن كنيسة روما البابوية.

2- خطورته:

الربا أداة تدمير في كل سياسة اقتصادية، سواء كانت النظرة إلى الربا من زاوية التوزيع، أم من زاوية الإنتاج، والربا هو أخطر مسائل الاقتصاد في العصر الحديث، فهو حجر الأساس في دولاب الاقتصاد العالمي المعاصر بكل ما يحمله من أضرار، وهو أداة الدول الكبرى لاستنزاف الدول الأخرى خاصة الإسلامية منها، وامتصاص خيراتها، ثم الاستيلاء على مقدراتها، وموقع الربا من جرائم الأموال في الشريعة الإسلامية هو موقع الزنا ذاته من الأعراض، كلاهما يشيع الفاحشة، ويهدم الأخلاق ويقوّض الأسر ويدمّر المجتمع.

خامساً- مآله وعيوبه وأضراره الاقتصادية:

عاقبة الربا المحق، فقد تكثر أموال المرابين ويمدّ لهم، إلا أنه تأتيهم ساعة يصيرون فيها إلى الفقر المدقع لأنهم محاربون من قبل الله تعالى.

قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِيَن آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُؤْمِنِيَن& فَإِن لَّمْ َتْفَعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَربٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمونَ[ [البقرة 278- 279].

وهذا إضافة إلى العيوب والأضرار الاقتصادية، ومنها:

1- الفائدة والتضخم النقدي:

استناداً إلى التحليل الاقتصادي فإن سعر الفائدة يمارس تأثيراً قوياً في التضخم، وذلك من ناحيتين: من حيث تأثير الفائدة في كمية النقود، ومن حيث تأثيرها في حجم تكلفة الاستثمار. ومن المعروف عند الاقتصاديين أن للتضخم النقدي أنواعاً عديدة بحسب مصدره، منها تضخم الطلب الذي ترجع زيادته إلى عوامل، منها كمية النقود وسرعة دورانها، وهنا الفائدة تؤدي دورها في إيجاد هذا النوع وتعاظمه من حيث تأثيرها في كمية النقود المعروضة، وخاصة منها النقود الائتمانية التي توجدها المصارف بهدف الحصول على الفائدة أو على فروق الفائدة.

وبهذا يمكن أن يفهم كيف أن سعر الفائدة يقف وراء التضخم من حيث تأثيره في كمية النقود، ومن ثم في مقدار الطلب، ولذلك لم يكن مستغرباً أن يجتاح العالمَ التضخمُ بمجرد خروجه عن النظام الذهبي ودخوله في نطاق النظام النقدي المصرفي.

هذا عن تضخم الطلب، وهناك نوع آخر يعرف بتضخم التكاليف، ومضمونه زيادة متتالية في تكلفة الإنتاج تنعكس بدورها على أسعار المنتجات، وتأثير سعر الفائدة في هذا النوع من التضخم واضح من حيث إن الفائدة تمثل عنصراً أساسياً من عناصر التكلفة التي تنعكس في ارتفاع أسعار المنتجات، وبذلك فإن سعر الفائدة يؤثر تأثيراً جوهرياً في إيجاد التضخم، ويعود فيتأثر به فيزداد سعر الفائدة كلما كانت معدلات التضخم عالية مما يوقع الاقتصاد القومي والعالمي في الهاوية، ولا بد من إلغاء الفائدة بوصفها مدخلاً أساسياً لعلاج التضخم لأن الآثار السيئة له تدمّر الاقتصاد.

2- الفائدة والتمويل والاستثمار:

من حيث التمويل لاحظ الاقتصاد الوضعي تأثيراً جوهرياً لسعر الفائدة في تسهيل عملية التمويل سواء من حيث تأثيره في الادخار في التصور الكلاسيكي، أو في الاكتناز في التصور الكينزي، ولكن كثيراً من الدراسات العلمية كشفت عن عدم وجود ارتباط بين قرار الادخار وسعر الفائدة، حيث إن أغلب قرارات الادخار تتم في غياب سعر الفائدة كليّاً.

ومن ناحية أخرى فإن الفائدة تمارس تأثيراً سلبياً في المدخرات من حيث تأثيرها في التضخم الذي يحدث آثاراً سلبية في المدخرات الاختيارية والإجبارية معاً، لأن التضخم يجعل الأفراد يقبلون على إنفاق المزيد مما لديهم على الاستهلاك نظراً لارتفاع الأسعار، كذلك فإنه يضعف لديهم الرغبة في الادخار، حيث إن القيمة الحقيقية للمدخرات تتآكل بفعل التضخم.

أما عن علاقة سعر الفائدة بالاستثمار فتبدو على مستوى حجم الاستثمارات وعلى مستوى هيكلها، فمن المعروف أن المستثمر يتوقف قراره الاستثماري على ما يتوقعه من ربح، وفي ظل سيادة نظام الفائدة يقارن المستثمر بين الربح المتوقع وبين سعر الفائدة، حيث إن سعر الفائدة يمثل الفرصة البديلة التي يمكن للمستثمر أن يوظف أمواله فيها، كما أن سعر الفائدة يمثل تكلفة المال الذي يقترضه لإقامة مشروعه الاستثماري، ومعنى ذلك أن عليه أن يغطي بربحه هذه التكلفة و يفضل عنها، وهكذا يضع سعر الفائدة قيداً أمام الاستثمارات حيث عليها أن تدر أرباحاً تساوي على الأقل سعر الفائدة، ويترتب على ذلك أن هناك مساحة كبيرة على خريطة الاستثمار تظل فارغة خالية، لأن عائداتها لا تغطي سعر الفائدة، وعادة ما تكون تلك الاستثمارات على درجة كبيرة من الأهمية لتحقيق التنمية الاقتصادية.

وهكذا يتبين أن نظام التمويل بالفائدة يحدث من الآثار السلبية في عمليات التمويل والاستثمار ما يجعله غير مقبول اقتصادياً.

3- إقامة العلاقة بين رأس المال وعناصر الإنتاج المختلفة على الأثرة والعداوة لا على التعاون، فالعلاقة بينهما علاقة مقامرة مستمرة، فإذا قلت الحاجة إلى رأس المال دفعه المرابون على أوسع نطاق وخفضوا من سعر الفائدة، أما إذا اشتدت الحاجة إلى رأس المال ضنّوا به ورفعوا من سعره، كذلك يعمل المرابون على رفع معدل الفائدة بإمساك رأس المال حتى يصلوا به إلى الحد الذي يستنفد كل ربح للمنتجين، فينقص الطلب على المال أو يتوقف فيضطر المرابون إلى خفض معدل الفائدة مما يتسبب في خلق الأزمات الاقتصادية ونوبات الكساد بصفة دورية.

4- يقوم الإنتاج على عنصرين العمل والمال، والعمل هو الأساس الأول لأنه الذي يوجد المال في الأصل، فالمال يتكون بدءاً من فائض ناتج العمل، وموجب ذلك أن يتحمل كل من العنصرين نصيبه من الربح والخسارة، فإذا أشرك صاحب المال في الربح وجب أن يشترك في الخسارة النازلة، وذلك هو مقتضى الفطرة السويّة، غير أن نظام الفائدة يهدم هذا النظام الطبيعي ويسخر العمل لحساب رأس المال، لأن المنتج وهو المدين يضمن للمرابي رأس ماله ونصيبه من الفائدة من دون أن يشارك في الخسارة.

5- يضيف المنتجون الفائدة الربوية التي يقدمونها للمرابين إلى أسعار السلع، مما يؤدي في النهاية أن يتحمل عامة الناس المحتاجين لهذه السلع عبء الفائدة، كذلك يتحمل المجتمع عبء الفوائد الربوية للقروض الحكومية من بيوت الإقراض في صورة زيادة للضرائب المختلفة، وتؤدي زيادة أسعار السلع إلى نتائج أخرى فقد ينقص الطلب عليها بسبب زيادة الأسعار، وينحسر الاستهلاك مما يؤدي إلى فائض من المنتجات بغير تصريف فتحدث عواقب اقتصادية خطرة، وقد يلجأ المنتجون إلى تخفيض أجور العمال أو للاستغناء عن بعضهم.

6- يمسخ الربا مهمة النقود ويصرفها عن وظيفتها بوصفها وسيطاً للتبادل ومعياراً لتقويم السلع والخدمات إلى الاتجار بها في ذاتها، واتخاذها سلعة تقوّم بثمن هو سعر الفائدة.

يقول الإمام الغزالي رحمه الله: «إن كل إنسان محتاج إلى أعيان كثيرة، وقد يعجز عما يحتاج إليه، ويملك ما يستغني عنه، فلا بد للناس من معاوضة، ولا بد في مقدار العوض من تقدير، وهذه الأعيان غالباً ما تكون متباعدة متنافرة فافتقرت إلى متوسط يحكم فيها بحكم عدل، فخلق الله الدنانير والدراهم حاكمين ومتوسطين بين سائر الأموال حتى تقدر الأموال بهما.

وحكمة أخرى هي التوسل بهما إلى سائر الأشياء، لأنهما عزيزان في أنفسهما ولا غرض في أعيانهما ونسبتهما إلى سائر الأموال نسبة واحدة، فمن ملكهما فكأنه ملك كل شيء، كالمرآة لا لون لها وتحكي كل لون، وكذلك النقد لا غرض فيه، وهو وسيلة إلى كل غرض، فكل من عمل فيهما عملاً يخالف الغرض المقصود بالحكم فقد كفر بنعمة الله تعالى، فمن كنزهما فقد ظلمهما وأبطل الحكمة فيهما، وكل من اتجر في عينهما فقد اتخذهما مقصوداً على خلاف وضع الحكمة فمن معه نقد لو جاز له أن يبيعه بنقد، فيتخذ التعامل على النقد غاية عمله لبقي النقد متقيداً عنده وينزل منزلة المكنوز، ولا معنى لبيع النقد بالنقد إلا اتخاذ النقد مقصوداً بالاتجار وهو ظلم».

ومعنى ذلك بوضوح أن النقود غير مهيأة بطبيعتها أن تنتج بذاتها ربحاً، وأنه لا يجوز اتخاذها سلعة للاتجار فيها.

7- تركّز الثروة عند فئة قليلة من الناس غير المنتجين تعيش على إنتاج الآخرين.

8- الربا يؤدي إلى الإفلاس: فقد أثبتت أحداث العصر أن الربا معول هدم للاقتصاد العالمي، وما الأحداث التي تمر بها دول العالم اليوم في القرن الحادي والعشرين سنة 2008م إلا شاهد على ذلك، فدول عديدة هي في حكم الإفلاس، وذلك نتيجة الديون المتراكمة عليها التي وصلت إلى حد أن جميع الدخل القومي لا يكفي لخدمة الدين، وباتت هذه الدول تحت ضغط المقرضين الذين يتدخلون تدخلاً مباشراً في إدارة ثروات البلاد.

والربا وراء الأزمات المالية العالمية، فقد أصيب العالم بكساد كبير سنة 1929م، وفي مطلع هذا القرن الحادي والعشرين ظهرت الأزمة المالية العالمية، وقد ارتبطت بوادر الأزمة بصورة أساسية بالارتفاع المتوالي لسعر الفائدة من جانب البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي سنة 2004م، وهو ما أوجد زيادة في أعباء القروض العقارية من حيث خدمتها وسداد أقساطها، وتفاقمت الأزمة بحلول النصف الثاني من عام 2007م حيث توقف عدد كبير من المقترضين عن سداد الأقساط المالية المستحقة عليهم، وقد أعلن مصرف ليمان براذرز رابع أكبر بنك في الولايات المتحدة الأمريكية إفلاسه، حيث انخفضت قيمة أسهمه بقيمة 94% منذ بداية سنة 2008م، ووصلت خسائره إلى مليارات الدولارات بسبب استثماراته في سوق الرهن العقاري.

ولانهيار هذا البنك الربوي وقع كبير في القطاع المالي العالمي، لأن عمره يتجاوز قرناً ونصف القرن، ولطالما ضرب به المثل في القوة سالماً من أزمات مالية تاريخية ضخمة.

وقد سارعت البنوك المركزية في العالم إلى ضخ عشرات المليارات من الدولارات، وعرضت على البنوك التجارية قروضاً بمعدلات فائدة منخفضة لتأخير حدوث انخفاض حاد في قطاع الائتمان.

إن نظام الفائدة هو أساس المشكلة وجوهرها، وهذا باعتراف الاقتصاديين الغربيين، ولذلك بدأت الدعوات منهم للعودة إلى نظام الاقتصاد الإسلامي في التمويل والاستثمار.

9- يقود الربا إلى ظهور طبقة مترفة لا تحبذ العمل وهي طبقة المرابين، حيث تتضخم الأموال لدى هذه الطبقة من دون جهد يذكر، وذلك على حساب الطبقة العاملة.

10- في ضمان الفائدة تشجيع للاكتناز على المستوى الفردي كأسلوب لتنمية المال، بدلاً من استمرارية استثماره، لأن الفرد قد يلجأ إلى الاحتفاظ بأمواله سائلة منتظراً الارتفاع في سعر الفائدة، أو قاصداً بذلك رفع الفائدة في السوق.

11- يقود التعامل بالفائدة (الربا) إلى الظلم والاستغلال، سواء كان في القرض الإنتاجي أم في القرض الاستهلاكي، فأخذ الفائدة على القرض الاستهلاكي يخل بالوظيفة الاجتماعية للثروة، حيث يجب ألا يستغل المحتاج من قبل أصحاب رؤوس الأموال، فالمقترض هنا لا يسعى إلى تحقيق كسب مادي بل إلى سدّ حاجة، والإسلام يحض المسلم على مساعدة أخيه المسلم المحتاج، وذلك عن طريق القرض الحسن، ولا يعرف النظام الربوي مبدأ القرض الحسن.

أما الظلم في القرض الإنتاجي فينشأ بسبب ضمان عائد محدد ومعروف في ظل ظروف غير مؤكدة فيتضرر المقترض، وتتضاعف الفائدة عليه كلما تأخر عن سداد القرض، وربما لا تغطي أرباحه التي يجنيها من استثماراته الفوائد المترتبة على القرض الذي أخذه من المرابي، وقد يصل إلى الإفلاس كما هو واقع كثير من الشركات.

12- قد يؤدي التعامل بالفائدة إلى نزوح أموال المسلمين واستقرارها في أيدي أعدائهم، كما قد تكون سبباً في اتجاه الاستثمارات إلى قطاعات غير منتجة وغير مرغوب فيها.

مراجع للاستزادة:

- شوقي أحمد دنيا، تمويل التنمية في الاقتصاد الإسلامي دراسة مقارنة (مؤسسة الرسالة).

- فتحي لاشين، «مضار الفائدة»، مجلة الاقتصاد الإسلامي، بنك دبي الإسلامي، العدد 15، صفر 1403 الموافق ديسمبر 1982.

- الغزالي، إحياء علوم الدين (دار الخير، 1993).

- عبد الله عبد الرحيم العبادي، «الربا محرم في سائر الديانات»، مجلة الاقتصاد الإسلامي، بنك دبي الإسلامي، العدد 36، ذو القعدة 1404هـ الموافق أغسطس 1984م.

- عبد اللطيف جناحي، «تحريم الربا وآثاره الاقتصادية»، مجلة الاقتصاد الإسلامي، بنك دبي الإسلامي العدد 91، جمادى الثاني 1409هـ الموافق يناير 1989م.

- وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (دار الفكر، دمشق 1989م).

- عيسى عبده، الربا ودوره في استغلال موارد الشعوب (دار الاعتصام، القاهرة 1976م).

- الكاشاني، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (دار الكتب العلمية، بيروت).

- ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد (دار إحياء التراث العربي، بيروت 1992م).

- الدسوقي، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (دار الفكر، دمشق).

- ابن قدامة، المغني (دار الكتب العلمية، بيروت).

- ابن عابدين، رد المحتار على الدر المختار (دار إحياء التراث العربي، ط1، بيروت 1992م).

- الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (مطبعة مصطفى الباجي الحلبي، القاهرة 1985م).

- الشربيني، مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج (دار الفكر، دمشق).

- سعيد سعد مرطان، مدخل الفكر الاقتصادي في الإسلام (مؤسسة الرسالة، بيروت 1986م)

- حسن شحاته، «الفائدة الربوية وقود التضخم النقدي وليست تعويضاً عنه»، مجلة الاقتصاد الإسلامي، بنك دبي الإسلامي العدد 6، جمادى الأولى 1402هـ الموافق مارس 1982م.

- حسن عباس زكي، «البديل الإسلامي عن الربا»، مجلة الاقتصاد الإسلامي، بنك دبي الإسلامي، العدد 7، جمادى الثانية 1402هـ الموافق إبريل 1982م.

- فتحي السيد لاشين، «الربا وفائدة رأس المال بين الشريعة الإسلامية والنظم الوضعية»، مجلة الاقتصاد الإسلامي، بنك دبي الإسلامي، العدد 13، ذو الحجة 1402هـ الموافق أكتوبر 1982م.

- سامر قنطقجي، ضوابط الاقتصاد الإسلامي في معالجة الأزمات المالية العالمية (دار النهضة، دمشق 2008م).

- أحمد حسن، الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي (دار الفكر، دمشق 1999م).

- عبد الحميد العلي، «سبل العلاج وبرامج الإصلاح المطلوبة للخروج من الأزمة الاقتصادية الكبرى»، مجلة الاقتصاد الإسلامي، بنك دبي الإسلامي، العدد 236 ، 1430هـ الموافق 2009م.

- بسيوني الحلواني، «الغرب الرأسمالي أنصف الاقتصاد الإسلامي»، مجلة الاقتصاد الإسلامي، بنك دبي الإسلامي، العدد 238 ، 1430هـ الموافق 2009م.

 


التصنيف : العلوم الشرعية
النوع : العلوم الشرعية
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 549
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1044
الكل : 45617065
اليوم : 17748