logo

logo

logo

logo

logo

داء كرون

داء كرون

Crohn's disease - maladie de Crohn



داء كرون

نظام الدين الحاج

سريريات داء كرون 

استطبابات الجراحة في داء كرون

داء كرون عند الشيوخ

 

في عام 1891 وصف دالزيل Dalzeil التهاب اللفائفي والقولون الناحي regional ileocolitis. وفي عام 1932 وضع كرون Crohn وغينزبرغ Ginzburg وأوبنهايمر Oppenheimer الصورة السريرية لالتهاب اللفائفي الناحي regional ileitis أو ما يعرف بداء كرون Crohns disease. وهو مرض ذو طبيعة التهابية مزمنة, يصيب أي قسم من الأنبوب الهضمي من الفم حتى الشرج؛ شاملاً جميع الطبقات النسيجية لجدار القسم المصاب. يترافق الداء ومظاهر خارج هضمية غاية في التنوع، لكنه في غالبية الحالات يتظاهر بآلام بطنية تترافق وإسهالات مزمنة، وقد يتضاعف بنواسير أو انسداد أمعاء، وتعدّ الإصابة اللفائفية والقولونية الأكثر مصادفة.

الوبائيات

لوحظ مؤخراً زيادة في نسبة حدوث داء كرون في شماليّ أوربا (6 لكل 100ألف)، وفي شماليّ أمريكا (10 لكل 100ألف)، مع ثبات نسبة الحدوث في جنوبيّ أوربا (0.9 لكل 100ألف في إسبانيا و3.4 لكل 100ألف في إيطاليا). ويبدو أنه كلما اتجهنا جنوباً وشرقاً تأخذ نسبة الحدوث بالتناقص؛ فهي في اليابان (0.5) وفي أستراليا (1.7-2.1)، والمرض نادر جداً في جنوب إفريقيا وأمريكا الجنوبية.

هناك ذروتان لحدوث داء كرون: الأولى في العقد الثالث من العمر؛ والثانية في العقد السابع. يبدو أن نسبة إصابة الإناث أعلى قليلاً من إصابة الذكور 1.2:1 وقد عُزي السبب في ذلك إلى التأثيرات الهرمونية عند النساء في سن النشاط التناسلي.

الأسباب والآلية المرضية

1- العوامل التمهيدية والارتكاس النسيجي:

من الثابت أن الداء المعوي الالتهابي (داء كرون والتهاب القولون التقرحي) هو حالة التهابية سببها استجابة مناعية مستمرة لمحرضات غير طبيعية خارجية, أو لمحرضات طبيعية داخلية.

عُدّ العديد من العوامل الخمجية مثل: المتدثرات والليستريات والزوائف وڤيروس الربو وڤيروس الحصبة، والمتفطرات الطيرية نظيرة السلية عوامل مسببة ومطلقة للحدثية الالتهابية في داء كرون, ولكن التجارب السريرية والمخبرية المختلفة لم تثبت ذلك ولم تنفِه.

أظهرت التجارب المجراة على حيوانات التجربة ذات الاستعداد الجيني للإصابة بالداء المعوي الالتهابي أنه بوجود الاستعداد الجيني عند الثوي فإن إطلاق الاستجابة الالتهابية المزمنة يمكن أن يحدث بوجود محرضات ممرضة خاصة إضافة إلى النبيت (الفلورا) المعوي المطاعم commensal غير الممرض.

بالنظر إلى اختلاف المواد والجراثيم وتنوعها ضمن لمعة الأمعاء, تكون الأمعاء ملتهبة على الدوام، بيد أن الالتهاب يبقى مكبوحاً ومسيطراً عليه، ويشار إلى ذلك بما يسمى التحمل المناعي.

عند حدوث تبدل في المستضدات الداخلية أو الخارجية أو عندما تتبدل حالة التحمل المناعي تنحرف الاستجابة المناعية باتجاه المناعة المتواسطة بالخلايا, أو باتجاه المناعة الخلطية مع إنتاج شلال نوعي من السيتوكينات الالتهابية مثل عامل النخر الورمي - ألفا والإنترلوكين - 12 والإنترلوكين - 18. يحدث هذا الشلال عادة عند الأشخاص الطبيعيين الذين يتعرضون لأذية التهابية, وهو محدد لنفسه عند الأصحاء. أما عند الأشخاص المستعدين وراثياً فإن اضطراب هذا التنظيم يؤدي إلى الداء المعوي الالتهابي؛ ولاسيما داء كرون. تكون الطفرات الحاصلة في الجين CARD15/NOD2 مسيطرة في داء كرون، وقد تتواسط سوء تنظيم المناعة الخلقية.

2- الوراثيات: بدأ اعتقاد وجود استعداد جيني للإصابة بالداء المعوي الالتهابي من ملاحظة إصابة عدة أفراد في العائلة الواحدة. إن خطر الإصابة بالداء يرتفع عند أقرباء الدرجة الأولى إلى نحو 14-15 ضعفاً عما هو عليه عند عامة الناس.

يبدو أن للعرق دوراً في ظهور الداء المعوي الالتهابي كما يلاحظ عند اليهود الأشكيناز. ويلاحظ دور الجينات كذلك عند التوائم وحيدة البيضة، حيث تترافق الإصابة وداء كرون بين التوائم بنسبة تصل حتى 67%، و13-20% في التهاب القولون التقرحي.

تم تعرف جينات خاصة بالداء المعوي الالتهابي، وأشيع هذه الجينات ما وجد على الصبغي 16، ودعي الجين المسؤول عن داء كرون NOD2 أو CARD15. إن الأشخاص الحاملين لهذا الجين معرضون لخطر الإصابة بداء كرون بمقدار40 ضعف تعرض الأشخاص الذين لا يحملونه.

أظهرت الدراسات أن المصابين بداء كرون ولديهم الجين NOD2/CARD15 يملكون صفات معيّنة، إذ تظهر الإصابة في عمر مبكر، ويتوضع الداء في اللفائفي الانتهائي مع زيادة الميل إلى حدوث تضيقات في الأمعاء المصابة.

إن نسبة وجود الجين NOD2/CARD15 عند مرضى داء كرون هي بحدود 20-30% فقط، ويمكن أن يوجد هذا الجين عند أشخاص ليسوا مصابين بداء كرون؛ مما يشير إلى دور العوامل البيئية في إحداث الداء.

 3- العوامل البيئية: تؤدي العوامل البيئية دوراً مهماً في إطلاق الداء المعوي الالتهابي؛ إذ أظهرت معظم الدراسات الدور المهم للإرضاع الوالدي في الوقاية من حدوث الداء، وربما يعود ذلك إلى دور الإرضاع الوالدي في البرمجة الباكرة للارتكاس المناعي في الأنبوب الهضمي.

يبدو أن داء كرون يكثر في المجتمعات ذات المستوى الاجتماعي والاقتصادي المرتفع. وقد يعزى ذلك إلى عدم التعرض للمستضدات البيئية في مراحل الطفولة. كما تبين أيضاً انتشار داء كرون عند النساء اللواتي يتناولن مانعات الحمل الفموية.

إن استخدام مضادات الالتهاب اللاستيروئيدية لا يحرض هجمة التهابية للداء المعوي الالتهابي فحسب، بل قد يكون العامل المطلق للداء، وربما كان ذلك بسبب زيادة النفوذية المعوية.

تبين من خلال الملاحظات السريرية كثرة حدوث داء كرون عند الأشخاص الذين يتناولون السكر المنقى بكثرة، مع قلة تناولهم للفواكه والخضار الطازجة.

يكثر حدوث داء كرون عند المدخنين، ويكثر عند هؤلاء التداخلات الجراحية والنكس عقب الجراحة. وقد يعزى ذلك إلى تأثير التدخين في النفوذية المعوية وسوء وظيفة البالعات الكبيرة وتأذي عملية البلعمة وإنتاج سيتوكينات معيــّنة مطلقة للحدثية الالتهابية وتثبيط عملية الموت الخلوي المبرمج للخلايا التائية، إضافة إلى حدوث الخثرات في الأوعية الدقيقة.

يذكر الكثير من المرضى وجود علاقة بين هجمات المرض وحالات الكرب stress. ومع أن القلق والاكتئاب هما ارتكاسان شائعان للمرض، فقد تبين أن داء كرون لا يحدث نتيجة للكرب أو القلق.

سريريات داء كرون

1- الأعراض: تختلف من مريض إلى آخر وذلك بحسب توضع المرض وشدة الالتهاب. إن أشيع الأعراض هي: الألم البطني، والإسهال، ونقص الوزن، والنزف الهضمي السفلي، والحمى، والآفات ما حول الشرج، والتظاهرات خارج الهضمية، وانسداد الأمعاء.

2- التوضع: يمكن لداء كرون أن يصيب أي جزء من الأنبوب الهضمي بدءاً من الفم حتى فوهة الشرج.

عند تشخيص داء كرون للمرة الأولى تكون الإصابة متوضعة في اللفائفي الانتهائي فقط في 25-40% من الحالات، وفي 25% منها في القولون فقط، وفي 40 -55% منها في اللفائفي الانتهائي والقولون معاً.

إن وجود الآفات القافزة وعدم إصابة المستقيم يمكن أن يعدّ عاملاً مساعداً على التشخيص التفريقي مع التهاب القولون التقرحي, ولكن إصابة المستقيم في 20-50% من الحالات تجعل هذا الأمر غير مؤكد. إن إصابة السبيل الهضمي العلوي تحدث في 1-10% من الحالات.

وتشير التظاهرات المختلفة لداء كرون عادة إلى مكان الإصابة:

- التبدلات الالتهابية المشاهدة في الغشاء المخاطي للفم: يمكن أن يكون التهاب الفم القلاعي، وضخامة الشفاه، والمظهر الرصفي؛ التظاهرة الأولى أو متشاركة مع إصابة اللفائفي والقولون.

- يمكن لإصابة المريء أن تتظاهر بعسر البلع والبلع المؤلم أو الألم خلف القص.

- تتظاهر إصابة المعدة والعفج بالغثيان والقياء والألم الشرسوفي.

- يمكن لإصابة العفج ومنطقة حليمة أودي أن تؤدي إلى أعراض انسدادية في العفج أو التهاب المعثكلة المتكرر (نادر جداً).

- قد تكون إصابة القولون واللفائفي الانتهائي السبب في حدوث الآفات حول الشرج.

- تحدث النواسير المعوية المعوية أو المعوية الجلدية عند وجود إصابات في اللفائفي الانتهائي والقولون.

- يلاحظ الألم البطني المعاود وأعراض انسداد الأمعاء عادة في إصابة اللفائفي الانتهائي والصائم.

- يشير وجود الخراجات البطنية إلى إصابة في الأمعاء الدقيقة؛ ولاسيما في اللفائفي الانتهائي وما فوقه.

3- تقييم الشدة: في الممارسة السريرية: إن مناسب فعالية المرض المعقدة التي تستند إلى السريريات والمخبر غير ضرورية؛ لذلك يمكن للتقييم السريري الذي يقوم به الطبيب أن يكون كافياً لتحديد شدة المرض وفعالية العلاج. وأبسط مناسب فعالية داء كرون هو منسب هارڤي- برادشو Harvey-Bradshaw الموضح في الجدول (1):

الأعراض

الشدة

النقاط

الحالة العامة

جيدة

0

منزعج قليلاً

1

منزعج

2

منزعج جداً

3

منتهى السوء

4

الألم البطني

غائب

0

خفيف

1

متوسط

2

شديد

3

الإسهال

 

نقطة لكل براز سائل في اليوم

كتلة بطنية

غير موجودة

0

مشكوك فيها

1

مؤكدة

2

مؤكدة مع ألم

3

المضاعفات

الألم المفصلي,التهاب العنبية, الحمامى العقدة نقطة لكل مضاعفة تقيح الجلد المواتي, التقرحات القلاعية، النواسير الشرجية, نواسير حديثة أو خراج

 

نقطة لكل مضاعفة

منسب فعالية داء كرون

مجموع النقاط:    ٭ أقل من 4 = هدأة أو هجوع

             ٭ 5-8 = فعالية متوسطة

               ٭ أكثر من 9 = فعالية شديدة

الجدول (1)

4- السير السريري: داء كرون مرض مزمن يؤثر في النواحي الحياتية والنفسية والاجتماعية للمرضى. والسير السريري مختلف على نحو واسع: لدى نحو20% من المرضى مرض شبه مستمر وفعالية التهابية متواصلة، وفي نحو 35% مرض ذو فعالية نوبية متقطعة، والمرض عند 45% من المرضى وبعد 5-10 سنوات من التشخيص الأولي غير فعال سريرياً. وقد تكون هذه النسب في عصر المعالجات البيولوجية قد تبدلت، وأصبحت السيطرة على المرض أفضل.

يأتي القلق والخوف عند المرضى المصابين بداء كرون من مجموعة من العوامل:

الألم البطني المزمن الناكس، والإسهال المتكرر الذي يحدد حركة المرضى، وسير المرض المزمن الذي لا يمكن التنبؤ به، والتأثيرات الجانبية للأدوية، ونقص الفعالية الحركية، والحاجة إلى التداخلات الجراحية، والخوف من تطور السرطان.

5- التظاهرات خارج المعوية

التشخيص

عند الشك في وجود داء كرون إن للتشخيص خمسة أهداف أساسية؛ هي:

1- وضع التشخيص النوعي للداء المعوي الالتهابي: التهاب القولون التقرحي أو داء كرون.

2- نفي الأسباب الأخرى المؤدية إلى سوء الامتصاص وسوء الهضم.

3- تقييم شدة داء كرون.

4- تحديد امتداد الداء وتوضعه.

5- تقييم وجود تظاهرات خارج معوية للداء.

تشمل الإجراءات التشخيصية ما يلي:

1- القصة السريرية وموجودات الفحص الفيزيائي.

2- الفحوص المخبرية.

3- الدراسة التنظيرية والخزعات.

4- التشريح المرضي.

5- الدراسة الشعاعية.

1- الفحوص المخبرية:

لا يوجد فحص مخبري نوعي لتشخيص داء كرون.

- يشير ارتفاع تعداد الكريات البيض وتعداد الصفيحات مع ارتفاع بروتينات الطور الحاد (البروتين المتفاعل C (CRP) إلى فعالية التهابية شديدة في الأمعاء.

- يشير فقر الدم إلى خسارة الدم وإلى طول مدة الالتهاب في الأمعاء المصابة، ويمكن أن يكون فقر الدم ناقص الصباغ صغير الكريات؛ وعندها لابد من معايرة الحديد ومستويات الترانسفيرين والفيريتين، أو كبير الكريات ويكون ناجماً عن نقص امتصاص الڤيتامين B12 في اللفائفي الانتهائي (لإصابته أو نتيجة لاستئصاله).

- اختبارات وظائف الكبد إضافة إلى مشعرات الركودة الصفراوية ضرورية للتقييم الشامل للداء (إصابة كبدية مرافقة، تأثير الأدوية…).

- معايرة البروتين الكلي والألبومين ضرورية في حالات سوء الامتصاص المديدة.

- في حالات الإسهال المزمن تُتمم الدراسة المخبرية بإجراء اختبارات وظائف الدرق.

- لا ضرورة لإجراء الواسمات الورمية كاختبار للنخل في الداء المعوي الالتهابي.

 - فحص البراز: ضروري لتحري العوامل الممرضة الجرثومية والڤيروسية والطفيلية، ولابد من تحري ذيفان المطثيات العسيرة لتمييز الداء المعوي الالتهابي من التهاب القولون الخمجي والتهاب القولون الغشائي الكاذب.

الشكل (1) داء كرون كما يبدو بالتنظير الداخلي
أ- قرحة قلاعية الشكل نموذجية قطرها عدة مليمترات
ب- قرحة متقدمة من داء كرون. تبدي المخاطية احتقاناً ووذمة ومنظر الحجارة المرصوفة
جـ- قرحة نجمية الشكل في اللفائفي النهائي

 

- الواسمات المصلية: هنالك العديد من الواسمات المصلية التي تدعم تشخيص الداء المعوي الالتهابي، وأهمها:

ـــ أضداد السُّكيراء الجعوية (ASCA) anti-Saccharomyces cerevisiae antibodies، وهي موجهة ضد المبيضات البيض الموجودة في الأمعاء.

ـــ أضداد الهيولى المحيطة بالنواة للعدلات (pANCA) perinuclear antineutrophil cytoplasmic antibodies

إن إيجابية ASCA مع سلبية pANCA لها حساسية في تشخيص داء كرون بنسبة 55-60% مع نوعية 93%. أما إيجابية pANCA فلها حساسية 55-60% ونوعية 89% في تشخيص التهاب القولون التقرحي.

تفيد التوصيات العالمية باستخدام ASCA مع pANCA وسيلة إضافية إلى الوسائل التشخيصية الأخرى للتفريق بين التهاب القولون التقرحي وداء كرون القولوني؛ وكذلك اختباراً تشخيصياً في طب الأطفال.

2- الدراسة التنظيرية:

إن التنظير الهضمي هو حجر الأساس في تشخيص داء كرون.

إن الإجراء الأساسي للتشخيص هو تنظير القولون واللفائفي الانتهائي مع أخذ خزعات على نحو منتظم من اللفائفي الانتهائي والأعور والقولون المعترض والقولون الأيسر والسين والمستقيم.

بعد تشخيص داء كرون يجرى تنظير للقسم العلوي من أنبوب الهضم، ويتطلب الأمر في بعض الحالات الخاصة إجراء تنظير كامل للأمعاء الدقيقة بوساطة الكبسولة أو عن طريق تنظير الأمعاء الدقيقة بمساعدة البالون. تميز المظاهر التنظيرية (انتشار الآفات وشكلها) في معظم الحالات بين التهاب القولون التقرحي وداء كرون في القولون.

في حالات داء كرون يمكن أن تشمل الإصابة كامل الأنبوب الهضمي من الفم حتى الشرج. وعلى نحو وصفي تكون الإصابة مبعثرة، ويفصل الآفات بعضها عن بعض مخاطية طبيعية. نموذجياً تكون الموجودات التنظيرية على شكل تقرحات صغيرة وعميقة وطولانية ومشرشرة, وقد تكون قلاعية أو بشكل قرحات عميقة. وفي الحالات المزمنة يكون المظهر الرصفي موجوداً؛ ولاسيما في اللفائفي الانتهائي.

3- التشريح المرضي:

- إن أبكر الإصابات النسيجية وأكثرها مصادفة هي أذية الخبيئات، وتتلخص بظهور رشاحة التهابية تخترق ظهارة الخبيئات، وتشكل خراجة خبيئات مشابهة لما يحدث في التهاب القولون التقرحي باستثناء توزعها البؤري. يتلو ذلك تشكل جراب لمفاوي يعلوه تقرح مجهري. ومع زيادة عدد الخلايا الالتهابية يبدأ اجتياح الصفيحة المخصوصة وتشكل الأورام الحبيبومية غير المتجبنة ذات الخلايا نظيرة البشروية والخلايا العرطلة.

ومع تأصل المرض يصبح الجدار المعوي سميكاً، ويتليف ويتصلب، وتضيق اللمعة بحيث يبدو المعي عند التصوير الشعاعي الظليل بشكل أنبوب رصاص. أما المساريق فتثخن بشدة لتوذمها وارتشاحها بالشحم، وتزداد توعيتها، وتتوسع أوعيتها اللمفاوية كما تتضخم عقدها. تتليف المساريق مع استمرار الإصابة، فتضغط الأمعاء، وتزويها، وتحدد حركتها ممهدة لتشكل التضيقات وحدوث الانسداد. وأخيراً تلتهب سطوح كل المساريق ومصلية الأمعاء؛ لتصبح دبقة، وتؤهب لالتصاق العرى المتجاورة بعضها مع بعض مكونّة النواسير فيما بينها.

4- الدراسة الشعاعية:

الشكل (2) صورة شعاعية ظليلة تظهر تضيقات متعددة في اللفائفي (آفات قافزة - الأسهم)
 
الشكل (3) صورة شعاعية ظليلة للقولون تبين تضيقات متعددة في القولون الصاعد والمعترض والسيني تفصلها مناطق سليمة (الأسهم السوداء) ووجود آفات التهابية في اللفائفي النهائي (السهم الفارغ)

أ- الصورة الشعاعية البسيطة للبطن: تفيد في تشخيص توسع القولون السمي (قطر القولون المعترض يتجاوز 6 سم)، أو وجود مظاهر لانسداد معوي أو انثقاب حشى أجوف.

ب- تخطيط الصدى عن طريق البطن والتصوير المقطعي المحوسب: يفيدان في كشف التجمعات القيحية داخل جوف البطن، ويسهلان تمييزها من الكتل البطنية. ويمكن لتخطيط الصدى أن يظهر تبدلات الجدار المعوي الملتهب بنسبة تصل حتى 90% من الحالات، ويوجه إلى مكان توضع الإصابة؛ ولاسيما في اللفائفي الانتهائي والقولون.

ج- الصورة الظليلة للأمعاء الدقيقة: لها دور أساسي في داء كرون، فهي تسمح بالوصول إلى جميع أقسام الأمعاء الدقيقة، وتكشف تعدد الإصابات وتباعدها والنواسير والتضيقات.

د- الصورة الظليلة للقولونات: تراجع دورها بوجود التنظير الهضمي الداخلي، ويلجأ إليها في حال تضيقات القولون ولكشف امتداد النواسير السينية اللفائفية والسينية الأعورية والنواسير ما بين القولون المعترض والعفج حين الإصابة بداء كرون.

هـ- التصوير بالرنين المغنطيسي: يحتاج إلى خبرة كبيرة ويفيد في دعم التشخيص وكشف المضاعفات البطنية؛ ولاسيما التبدلات الالتهابية في الجدار المعوي والخراجات والتضيقات وامتداد النواسير.

و- التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني P.E.T: ويفيد في التمييز بين التضيقات الالتهابية والتضيقات التليفية  في الأمعاء المصابة.

التشخيص التفريقي

- يلتبس داء كرون بالتهاب القولون التقرحي في بعض الحالات، حتى إن التفريق بينهما قد يكون عسيراً أحياناً.

- أما الأمراض الأخرى التي يجب تفريقها عن داء كرون فتتضمن:

1- الأمراض الخمجية مثل: التدرن المعوي والخمج باليرسينية والفيروس المضخم للخلايا وداء المستخفيات والورم الأميبي.

2- الأورام ولاسيما سرطان الأعور واللفائفي الانتهائي واللمفومات والنقائل الدرقية.

3- التهاب الزائدة الدودية الحاد ومضاعفاته.

4- أمراض الجهاز التناسلي عند النساء مثل: التهاب الملحقات المزمن وكيسات المبيض الأيمن وانفتال المبيض والحمل الهاجر والانتباذ البطاني الرحمي.

العلاج الدوائي لداء كرون

إن تقييم شدة داء كرون أكثر صعوبة منها في التهاب القولون التقرحي.

- المبادىء الأساسية التي يجب أن تؤخذ بالحسبان قبل أن يوضع القرار العلاجي هي:

- التوضع (دقاقي/دقاقي قولوني/قولوني/توضعات أخرى).

- النموذج (التهابي، مضيق، متنوسر).

- الفعالية (خفيفة، متوسطة، شديدة).

- وجود أسباب أخرى يمكن أن تفسر فعالية المرض مثل: فرط النمو الجرثومي وسوء امتصاص الأملاح الصفراوية والاضطرابات الحركية والحصيات الصفراوية والكلوية.

- يجب إثبات فعالية المرض بوساطة تفاعلات الطور الحاد مثل البروتين المتفاعل C (CRP) أو سرعة التثفل (ESR).

- تتضمن أهداف المعالجة: إحداث هدأة في الأعراض والمحافظة على هذه الهدأة وتحسين نوعية حياة المرضى وعلاج المضاعفات والوقاية من حدوثها وتقليل نسبة الاستشفاء.

ويبدو أن أهداف المعالجة هذه سوف تتبدل بعد فهم معظم الآليات الإمراضية وبعد تطبيق المعالجات البيولوجية في علاج الداء المعوي الالتهابي؛ إذ تشير آخر الدراسات والأبحاث أن الهدف الأساسي في علاج الداء المعوي الالتهابي سيكون الشفاء الكامل للمخاطية المصابة والذي غالباً ما يتحقق عن طريق المعالجات البيولوجية وبنسبة جيدة.

والجدول (2) يوضح أسس المعالجة.

التوضع

اللفائفي

اللفائفي+القولون/القولون

السبيل الهضمي العلوي

فعالية خفيفة إلى معتدلة

5-ASA/budesonide

5- ASA/SASP/budesonide

الستيروئيدات القشرية

ثم AZA أو 6-MP

+ مثبطات مضخة البروتون

أخيراً infliximab

فعالية شديدة

5-ASA/budesonide

+ستيروئيدات +المترونيدازول +/- التغذية الوريدية الكاملة

ستيروئيدات

+ SASP/ 5-ASA

المحافظة على هدأة الأعراض

AZA أو 6-MP

AZA أو 6-MP

عدم الاستجابة للعلاجات السابقة + نواسير

infliximab

العلاج الداعم

الفيتامينات B12, A, D, E, K, مركبات الحديد, الكلسيوم, أليندرونات, مضادات الإسهال (لوبراميد)

الجدول (2)

العلاج الجراحي

يتعرض نحو ثلاثة أرباع مرضى داء كرون للجراحة في مرحلة من مراحل حياتهم، وبسبب الميل إلى النكس بعد الجراحة وكون استئصال حواف سليمة واسعة لا يمنع النكس؛ فإن الأساس في الجراحة هو المحافظة قدر الإمكان على الأمعاء السليمة.

استطبابات الجراحة في داء كرون:

- انسداد الأمعاء.

- الانثقاب.

- التضيقات التي لم تستجب للعلاجات الأخرى.

- النواسير التي لم تستجب للعلاجات الأخرى.

- النزف الصاعق غير المسيطر عليه.

- ضخامة القولون السمية التي لم تستجب للعلاجات المحافظة.

- وجود السرطان.

- الخراجات البطنية الناجمة عن الداء.

حالات خاصة

1- داء كرون عند الأطفال واليفعان: يقع نحو 25% من حالات داء كرون المشخصة أول مرة بين من هم أقل من 20 سنة من العمر. إن الملامح السريرية والإمراضية لداء كرون عند الأطفال مشابهة لما هي عند الكهول. تتمثل العقابيل الخاصة لإصابة الأطفال واليفعان بداء كرون بتعرض هؤلاء لاضطرابات في النمو الجسمي والجنسي والنفسي الاجتماعي.

قد يسبق تباطؤ النمو وتأخره ظهور الأعراض الهضمية في 20% من الأطفال المصابين. يؤدي استخدام الستيروئيدات القشرية إلى ظهور تأثيرات جانبية تنعكس على الوضع النفسي والاجتماعي للأطفال المصابين بداء كرون، وتؤدي معدلات المناعة حالياً دوراً مهماً في التقليل من استخدام الستيروئيدات القشرية وبالتالي الحد من تأثيراتها الجانبية.

2- الحمل والإنجاب والوظيفة الجنسية: يصيب داء كرون عادة الأشخاص في ذروة النشاط التناسلي, وتكون وظيفة الإنجاب عند النساء طبيعية أو ناقصة قليلاً، وغالباً ما ترتبط بفعالية المرض ومضاعفاته كالنواسير. إن نقص الشهوة الجنسية عند الجنسين شائع، ويعود ذلك إلى أعراض المرض كالألم البطني والإسهال والتعب. وباستثناء نقص تعداد النطاف القابل للعودة والناجم عن العلاج بالسلفاسالازين, إن لدى الرجال المصابين بداء كرون قدرة طبيعية على الإنجاب.

يتعلق تأثير الحمل في سير داء كرون بفعالية المرض في أثناء الحمل:

في حالات المرض الخفيف والهاجع، تعادل نسبة الإسقاطات تلك المشاهدة عند النساء العاديات. أما في حالات المرض الفعال فتنطبق قاعدة ثلاثة الأثلاث: ثلث النساء يتحسن، والثلث الثاني يسوء، وفي الثلث الأخير لا يحدث أي تبدل في سير المرض.

يكون الحمل لدى معظم النساء الحوامل والمصابات بداء كرون طبيعياً. يحدث لدى القلة منهن إملاص (ولادة جنين ميت) أو إجهاض عفوي أو ولادة باكرة، ويكون المرض فعالاً في أثناء الحمل لدى ثلثي هؤلاء النسوة.

لم يلاحظ زيادة في عمليات الولادة القيصرية أو المضاعفات المهبلية الناجمة عن الولادة الطبيعية عند النساء المصابات بداء كرون.

3- داء كرون عند الشيوخ: مشابه لما هو عند الكهول والشباب مع ملاحظة سيطرة الإصابة القولونية والأعراض خارج المعوية لديهم مع تأخر التشخيص في العديد من الحالات. والعلاج مشابه لعلاج مرضى الأعمار الأخرى مع أعراض جانبية للأدوية المستخدمة على نحو أوسع.

 

 

علينا أن نتذكر

> داء كرون مرض التهابي مزمن معاود، يصيب أي قسم من الأنبوب الهضمي من الفم حتى الشرج؛ شاملاً جميع الطبقات النسيجية لجدار القسم المصاب.

> يكثر حدوث الداء في شماليّ أوربا وشماليّ أمريكا، وتقل نسبة حدوثه في العالم جنوباً وشرقاً.

> ذروة الحدوث في العقد الثالث من العمر مع ذروة حدوث أخرى في العقد السابع.

> أعراض الداء متنوعة حسب توضع الداء؛ وأشيعها: الألم البطني والإسهال ونقص الوزن.

> يميز وجود الآفات حول الشرج داء كرون من التهاب القولون التقرحي.

> التظاهرات خارج المعوية متعددة ومشابهة لما يحدث في التهاب القولون التقرحي.

> تكون أشيع توضعات الداء في اللفائفي الانتهائي والقولون، وتشير التظاهرات المختلفة للداء عادة إلى مكان الإصابة.

> ما يميز داء كرون تنظيرياً هو الآفات القافزة وغير المتمادية مع تقرحات عميقة طولانية، وفي حالة الإزمان تأخذ المخاطية شكلاً رصفياً؛ ولاسيما في اللفائفي الانتهائي.

> أكثر المظاهر مصادفة بالتشريح المرضي هي أذية الخبيئات واجتياح الارتكاس الالتهابي لكامل طبقات الأنبوب الهضمي مع وجود الحبيبومات غير المتجبنة.

> إن أهداف العلاج في داء كرون هي إحداث هدأة للأعراض والمحافظة عليها. وسيكون هدف العلاج في المستقبل القريب الشفاء الكامل للمخاطية المصابة تنظيرياً.

> استطبابات الجراحة هي المضاعفات الناجمة عن الداء على نحو أساسي، وهي غير شافية.

 

 


التصنيف : أمراض المعي الدقيق والقولونات
النوع : أمراض المعي الدقيق والقولونات
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 255
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1083
الكل : 40582556
اليوم : 112371