logo

logo

logo

logo

logo

الاعتلال الدماغي الكبدي

اعتلال دماغي كبدي

hepatic encephalopathy - encéphalopathie hépatique



مضاعفات التشمع

ثالثاً ـــ الاعتلال الدماغي الكبدي

رائد أبو حرب

 

 

ينجم اعتلال الدماغ الكبدي hepatic encephalopathy عن نقص - قابل للتراجع والتحسن- في وظائف الجملة العصبية، تالٍ لأمراض كبدية.

يحدث غالباً عند المرضى المصابين بفرط ضغط وريد الباب، بسبب عبور الدم المعوي إلى الدوران الجهازي من دون أن يُصفى في الكبد.

يكون بدء اعتلال الدماغ الكبدي مخاتلاً insidious في أمراض الكبد المزمنة؛ إذ يتظاهر بحدوث تبدلات بسيطة أو مترددة إما في ذاكرة المريض وإما في شخصيته وإما في تركيزه أو في ردود أفعاله.

تكون التبدلات العصبية في الحالات الوصفية من الاعتلال الدماغي الكبدي في سياق أمراض الكبد المزمنة - تحت سريرية - وتدعى عندها باعتلال الدماغ الكبدي البسيط. ويتم تعرف هذه التبدلات البسيطة بصورة استرجاعية retrospective، كما يمكن تعرفها عند نصف المرضى المصابين بتشمع معاوض، عن طريق إجراء اختبار ربط الأعداد number connection test، كما يحدث اضطراب في اختبارات قياس العمليات النفسية psychometric tests لدى أكثر من نصف هؤلاء المرضى.

مع تقدم حالة الاعتلال الدماغي تصبح التبدلات العصبية أكثر وضوحاً، وتصنف عادة هذه التبدلات حسب مقياس رقمي، يدل على درجات مترقية من اضطراب الوظيفة العصبية، توزع حسب المراحل السريرية للاعتلال الدماغي الكبدي، بحسب التصنيف التالي:

الشكل (1)
رعاش خافق يكشفه الانثناء الظهراني للرسغ مع تثبيت الساعد

1- المرحلة تحت السريرية: يكون الفحص السريري العصبي طبيعياً، ولكن قيام المريض ببعض الأعمال الدقيقة كقيادة المركبات يبدي بعض الاضطراب، كما يظهر لدى المريض تبدلات بسيطة في اختبارات قياس العمليات النفسية أو اختبارات ربط الأعداد.

2- المرحلة 1: يحدث في هذه المرحلة من الاعتلال الدماغي الكبدي اضطراب في الانتباه، وهيوجية، واكتئاب وتبدلات بشخصية المريض، كما تتبدل الوظائف العضلية العصبية وتتجلى بالرُّعاش الخافق flapping tremor، وعدم تناسق الحركات العضلية، وتعذر الأداء (اللاأدائية) apraxia.                   

3- المرحلة 2: يحدث لدى المريض ميل للنعاس، وتبدلات في السلوك وضعف في الذاكرة واضطرابات في النوم ورجفان خافق asterixis وبطء بالكلام slow speech ورنح ataxia.

4- المرحلة 3: يحدث في هذه المرحلة من الاعتلال الدماغي الكبدي لدى المريض التخليط الذهني، والتوهان الزماني والمكاني، والنيمومة somnolence، والنساوة amnesia. ويجد الطبيب بفحص المريض سريرياً زيادة في نشاط المنعكسات الوترية ورأرأة عينية ورمعاً عضلياً وصَملاً عضلياً muscular rigidity. يمكن لهذه المرحلة من الاعتلال الدماغي الكبدي أن تتراجع كلياً بالمعالجة الملائمة، ولكن عادة ما تعبر هذه المرحلة من الاعتلال الدماغي عن وجود أذية كبدية متقدمة.

5- المرحلة 4: يحدث لدى المريض ذهول stupor، وسبات coma، بالفحص السريري يجد الطبيب الفاحص توسع الحدقتين، ويأخذ المريض وضعية مفصول المخ decerebrate، كما يظهر منعكس عين الدمية doll’s eye، ومع تقدم حالة الاعتلال الدماغي على نحو أعمق، يحدث غياب تام باستجابة المريض لمختلف أشكال التنبيهات.

تخطيط كهربائية الدماغ: يبدي تخطيط كهربائية الدماغ للمريض المصاب باعتلال دماغي كبدي في المرحلة 1 مخططاً طبيعياً عادة، ويمكن ببعض الحالات أن يظهر بطء بسيط في تواتر الأمواج الدماغية.

في المرحلة 2 من الاعتلال الدماغي الكبدي يلاحظ في تخطيط كهربائية الدماغ بطء شامل بالنظم الدماغي، كما يبدأ ظهور الموجات ثلاثية الطور، في المناطق الجبهية.

في المرحلة 3 و4 من الاعتلال الدماغي الكبدي يشاهد على تخطيط كهربائية الدماغ بطء شديد بالموجات الدماغية، مع ظهور موجات «تيتا» theta وموجات «دلتا» delta.

إن الصورة السريرية للاعتلال الدماغي الكبدي ليست نوعية لوجود أذية كبدية؛ إذ يمكن مشاهدة هذه التبدلات في حالات مرضية أخرى لا علاقة لها بوجود مرض كبدي ، كما هو الحال عند مرضى نقص الأكسجة الدماغية، وعند المرضى المصابين بالحماض وبعض الانسمامات الدوائية، وأيضاً ببعض الحالات الاستقلابية والسمية الأخرى ، لذا يجب نفي هذه الحالات بالاختبارات المناسبة.

تكون التبدلات العصبية التالية للمرض الكبدي متناظرة، وثنائية الجانب في غالب الحالات، وعند ملاحظة الطبيب الفاحص وجود اضطرابات عصبية بؤرية سواء كانت اضطرابات حركية أو حسية، كاضطراب في أحد الأعصاب القحفية، أو خدر موضع، فإنه يتوجب على الطبيب إجراء استقصاءات عصبية معمقة لنفي وجود آفة عصبية ناجمة عن سبب مرضي آخر غير الاعتلال الدماغي الكبدي كوجود نزف داخل القحف مثلاً.

إن الدراسة النسيجية لدماغ المرضى المصابين بآفة كبدية مزمنة - ولديهم اعتلال دماغي سواء كان هذا الاعتلال مستمراً أم متردداً- قد أظهرت وجود عدة تبدلات، أكثرها مشاهدة وجود انتباج بالخلايا العصبية، وتبدلات بالخلايا النجمية astrocytes الدماغية  تشابه التبدلات الملاحظة بهذه الخلايا عند المرضى المصابين بعته ألزهايمر Alzheimer؛ مما يدل أن الاعتلال الدماغي الكبدي يؤذي كلاً من العصبونات والخلايا النجمية معاً.

ولم يجزم الباحثون حتى الآن حول ما إذا كانت التبدلات النسيجية العصبية المشاهدة في سياق الاعتلال الدماغي الكبدي تحدث نتيجة للاعتلال الدماغي أو أنها سبب له.

الآلية الإمراضية

ليست الآلية الإمراضية لحدوث الاعتلال الدماغي الكبدي محددة وواضحة تماماً حتى الآن. ولكن هناك فرضيات ونظريات يمكن أن تفسِّر جزئياً هذه الآلية الإمراضية.

فعبور الدم من الدوران البابي إلى الدوران الجهازي من طريق المفاغرات الوعائية الجانبية (تكون هذه المفاغرات في الحالة الفيزيولوجية الطبيعية موجودة منذ الحياة الجنينية، ولكنها مغلقة وظيفياً وتنفتح في حالات فرط ضغط وريد الباب) ومن دون مروره في الكبد- حيث تتم تصفيته من السموم التي يحملها بوساطة الخلايا الكبدية كما يحدث في الحالات الطبيعية - يؤدي إلى حدوث اعتلال دماغي مترقٍ يمكن أن يوصل إلى مرحلة  السبات والوفاة. وهذا يُفسَّر بامتصاص مستقلبات المركبات الآزوتية الناجمة عن استقلاب البروتينات في القولون بفعل الجراثيم المعوية الموجودة طبيعياً في النبيت الجرثومي المعوي enteral flora، وتعد هذه المستقلبات سموماً للجملة العصبية وللعضوية ولها دور أساسي في إحداث الاعتلال الدماغي الكبدي.

وتعد النشادر (الأمونيا) ammonia حالياً أحد السموم المسؤولة عن الاعتلال الدماغي الكبدي، إلا أن ارتفاع مستوياتها لا يشاهد إلا في 60-80% فقط من حالات الاعتلال الدماغي الكبدي، وقد تأكد حالياً وجود اضطرابات استقلابية متعددة تتشارك فيما بينها لإحداث الاعتلال الدماغي الكبدي.

ومن هذه السموم حمض الغاما أمينوبوتيريك الذي ينتج من تأثير الجراثيم المعوية ويؤدي دوراً مثبطاً للجملة العصبية، بسبب نقص تصفيته من الدم البابي في سياق التشمع. وهذه النظرية تحمل تطبيقات علاجية في تدبير الاعتلال الدماغي الكبدي.

1- فرضية الأمونيا في إحداث الاعتلال الدماغي الكبدي: يعد الأنبوب الهضمي المُنتِج الأول للأمونيا، حيث تتحول المركبات النتروجينية الواردة إلى القولون بتأثير الجراثيم القولونية إلى أمونيا، وتمتص هذه الأخيرة من جدار القولون إلى الدوران البابي، فيكون تركيز الأمونيا في الدوران البابي أعلى بعشرة أضعاف مما هو في الدوران الجهازي. وعند عبور الأمونيا من خلال أشباه الجيوب الكبدية تقوم الخلايا الكبدية باستخلاص الجزء الأعظم منها وتحوله إلى بولة (يوريا) تعود ثانية  إلى الدوران لتطرح عن طريق الكليتين.

وقد تبين أن الآلية الأساسية في ارتفاع أمونيا الدم عند المرضى المصابين بالتشمع ناجم عن عبورها مباشرة من الجملة البابية إلى الجملة الوريدية الجهازية (الدوران الوريدي الأجوفي)،عبر الدورانات الجانبية التي تنفتح بسبب ارتفاع الضغط ضمن وريد الباب التالي للتشمع.

إن الفرضية القائلة إن فرط أمونيا الدم هي السبب في حدوث الاعتلال الدماغي الكبدي تلقى بعض الاعتراضات ومن أهمها عدم وجود تناسب طردي بين مستوى ارتفاع أمونيا الدم ودرجة الاعتلال الدماغي الكبدي. بالرغم من ذلك فإن الإجراءات الطبية العلاجية المؤدية إلى خفض مستوى أمونيا الدم الشرياني عند مرضى الاعتلال الدماغي الكبدي لا تزال تعد ركناً أساسياً من أركان معالجة حالات السبات الكبدي.

2- فرضية حمض الغاما أمينو بوتيريك: لا يعلل ارتفاع الأمونيا بمفرده الشذوذات الحاصلة في عمل الجملة العصبية المركزية عند المصابين بالاعتلال الدماغي الكبدي. وقد دلت الدراسات التي أجريت لإيضاح الآلية الإمراضية لهذه الحالة على أن حمض الغاما- أمينوبوتيريك يؤدي دوراً مهماً في تثبيط العصبونات عند المصابين بالاعتلال الدماغي. يحتوي الكبد في الحالة السوية كمية كبيرة من هذا الحمض ومن إنزيم ناقلة أمين هذا الحمض أيضاً. ويعتقد أن إصابة الكبد بآفة شديدة تؤدي إلى ارتفاع مقادير حمض الغاما- أمينوبوتيريك في الدم ويسهم بدوره في إحداث الاعتلال الدماغي الكبدي.

نظراً للتداخل والتشارك بين كلٍ من الأمونيا والحمض المذكور والنواقل العصبية المثبطة المختلفة التي تتآزر فيما بينها لإطلاق الاعتلال الدماغي الكبدي، فإن الدور الوظيفي لكلٍ منها على المستوى الخلوي في إحداث الاعتلال الدماغي الكبدي لايزال بحاجة إلى مزيد من الإيضاح.

التشخيص

     يتظاهر الاعتلال الدماغي الكبدي بطيف واسع من الاضطرابات العصبية غير النوعية، كاضطرابات الذاكرة البسيطة، واضطرابات الوعي، وتبدلات الشخصية الطفيفة. ربما لا ينتبه لهذه التبدلات في المراحل الأولى لأنها ضئيلة وخاصة في حال عدم معرفة سابقة بوجود آفة كبدية عند المريض، في حين أنَّ الصورة السريرية للاعتلال الدماغي الكبدي المتقدم، ووجود الرعاش الخافق لدى المرضى المعروف إصابتهم بالتشمع أو فرط ضغط وريد الباب تعد مميزة لتشخيص الاعتلال الدماغي الكبدي، وأن تلازم وجود الرعاش الخافق وارتفاع مستوى أمونيا الدم مع باقي الصورة السريرية للاعتلال الدماغي الكبدي تسمح بتأكيد تشخيص الاعتلال الدماغي الكبدي.

لقد اهتم الأطباء السريريون باضطرابات الوظيفة الدماغية عند مرضى التشمع ولاسيما تلك الوظائف التي تحتاج إلى استجابة عصبية عضلية معقدة، إضافة إلى مهارة التعرف الفراغي، كقيادة السيارة مثلاً، إذ أبدت اختبارات المقايسة النفسية أنَّ 60% من المصابين بالتشمع غير قادرين نهائياً على قيادة السيارات، وأنَّ 25% من المصابين بالتشمع مشكوك في جودة قدرتهم على القيادة. كما تبين أنَّ استخدام اللاكتولوز لدى هؤلاء المرضى قد حسَّنَ اختبارات المقايسة النفسية لديهم.

 لقد صنفت الحالات السريرية الواضحة للاعتلال الدماغي الكبدي في نمطين:

1- اعتلال دماغي كبدي ذي البدء الحاد: وفيه يحدث لدى المريض تراجع واضح وسريع في الوظائف الدماغية، مع تطور حالته باتجاه السبات، من دون أن يكون لديه أعراض أو اضطرابات عصبية سابقة.

2- اعتلال دماغي كبدي مزمن: وهذا النمط متردد وناكس، وهو الغالب عند مرضى التشمع.

يوجد في هذه الحالة أسباب مؤهبة لتدهور حالة المريض، وحدوث النكس المتردد في الاعتلال الدماغي الكبدي لديه، ومعظم الأسباب المؤهبة تعمل بتأثير فعلها على زيادة تركيز الأمونيا بالدم.

وقد صُنفت هذه الأسباب حسب ترتيب متناقص لتواتر إحداثها الاعتلال الدماغي الكبدي عند مرضى التشمع في:

أ- حالات فرط نتروجين الدم.

ب- استخدام المهدئات.

ج- النزف الهضمي.

د- القلاء ناقص البوتاسيوم.

هـ- زيادة الوارد الغذائي من البروتينات.

و- الخمج.

ز- الإمساك.

ح- النخر الكبدي.

إنَّ تعرف الطبيب المعالج على هذه الأسباب المؤهبة لإطلاق الاعتلال الدماغي الكبدي وتدبيرها يعد حجر الزاوية في معالجته، لإعادة المريض المتشمع إلى حالته قبل انكسار المعاوضة لديه.

هناك زمرة محدودة من المرضى المصابين بالتشمع ينجم الاعتلال الدماغي الكبدي لديهم بسبب فقدٍ غير عكوس في وظيفة التصفية والتصنيع لكتلة الخلايا الكبدية لديهم.

يجب طلب عيار أمونيا الدم لكل مريض يشك في إصابته باعتلال دماغي كبدي، بقصد التشخيص وتوجيه المعالجة. كما يجب التذكير بأنَّ المستوى الطبيعي للأمونيا في الدم عند مريض يشتبه في إصابته باعتلال دماغي كبدي لا ينفي هذا التشخيص لديه.

عملياً تعاير الأمونيا في عينة دم وريدي وذلك لسهولة الحصول عليها، وأيضاً لعدم وجود دليل طبي قوي يؤكد أنَّ معايرتها في عينة دم شرياني المصدر له فائدة أعلى في توجيه المعالجة.

إنَّ استخدام تخطيط كهربائية الدماغ يمكن أن يعطي تأكيداً للانطباع السريري بوجود اعتلال دماغي كبدي، مع تأكيد أن هذا الاختبار يعد منخفض الحساسية والنوعية في هذه الحالة.

إنَّ اختبار وصل الخط trail making test يعد الاختبار القادر على قياس نصف كمي للاعتلال الدماغي الكبدي. في هذا الاختبار يقوم المريض برسم خط يصل بين دوائر مرقمة من 1-25 بصورة متسلسلة، حيث تكون دوائر الأرقام موزعة بصورة عشوائية، كما يؤخذ في الحسبان عدد الثواني التي يستغرقها المريض في وصل هذه الدوائر. يعد هذا الاختبار موثوقاً، وقابلاً للإعادة والمقارنة، وبوساطته يمكن كشف الحالات تحت السريرية من الاعتلال الدماغي الكبدي لدى 48% من مرضى التشمع.

المعالجة

المبدأ الأساسي في معالجة الاعتلال الدماغي الكبدي هو استكشاف السبب الذي أهَّبَ لحدوث الاعتلال الدماغي الكبدي، ثم بدء العلاجات التي تخفض أمونيا الدم، والحد من مضاعفات التشمع وتدني وعي المريض.

يجب على الطبيب الانتباه منذ بدء مقاربة المريض لاحتمال وجود نزف هضمي، وعلاجه بالعلاج الملائم في حال وجوده. كما يجب معرفة قائمة الأدوية المتناولة من قبل المريض ولاسيما التأكد فيما إذا كان المريض قد تناول أدوية مهدئة أو مركنة، أو أياً من أنواع المسكنات، وكذلك معرفة ما إذا كان المريض قد تناول أياً من المدرات البولية. ويجب إيقاف كل دواء يمكن أن يسهم في إحداث الاعتلال الدماغي الكبدي. كما يجب توجيه الاهتمام إلى مستوى «غلوكوز» المصل وإصلاحه وكذلك الانتباه لأكسجة المريض وكذلك التوازن الحامضي القلوي.

الخطوة الثانية من العلاج توجه لخفض مستوى أمونيا الدم، ويتم ذلك بإزالة مصدر الأمونيا من الأنبوب الهضمي، بإجراء غسيل معدي بوساطة أنبوب أنفي معدي لإزالة الدم من الأنبوب الهضمي بحال وجوده، وإعطاء أدوية تعمل على احتجاز الأمونيا ضمن القولون، ومنع امتصاصها، وبالتالي إطراحها، ويتم ذلك باستخدام رحضات شرجية لغسل القولون أو تناول اللاكتولوز فموياً، وهو ينقص إنشاء الأمونيا وامتصاصها كما ينقص محرضات مستقبلات البنزوديازيبين من القولون.

يعد كل من الاستهلاك الزائد للبروتينات الغذائية والإمساك سبباً لارتفاع الأمونيا الدموية، وبالتالي إحداث الاعتلال الدماغي الكبدي بنمطه المزمن لدى مرضى مصابين بالتشمع، من دون أن يكون لديهم نزف هضمي. ففي هذه الحالة يجب الحد من الوارد الغذائي اليومي من البروتينات، بمعدل لايتجاوز 60غراماً من البروتين في 24 ساعة، إضافة إلى وضع المريض على اللاكتولوز، أو أي مُسْهِلٍ آخر لطرح البروتينات من القولون. كما تبين أن الاستعاضة من البروتينات ذات المصدر الحيواني في النظام الغذائي لهؤلاء المرضى بروتينات نباتية تقلل من حدوث زيادة أمونيا الدم، وبالتالي يفضل الحصول على الحاجة اليومية من البروتينات لدى هؤلاء المرضى من البروتينات ذات المصدر النباتي.

في حالات الاعتلال الدماغي الكبدي الوخيم يتوجب استبعاد البروتينات من النظام الغذائي بصورة كاملة عند هؤلاء المرضى حتى يتحسن الاعتلال الدماغي لديهم لدرجة كافية، عندها يسمح للمريض بإعادة إدخال البروتينات للنظام الغذائي اليومي بمقادير محددة.

يستخدم اللاكتولوز بهدف إحداث وسط حامضي بالبراز يؤدي إلى نقص امتصاص الأمونيا حيث يعطى بجرعة 160 غراما/يوم، لإحداث 4 مرات براز لين/يوم. ومن تأثيراته الجانبية إحداث تطبل البطن ومغص بطني وإسهال.

إن العلاج باستخدام الزمرة الجرثومية من نوع العصيات اللبنية التي تعدل الزمرة الجرثومية القولونية يؤدي إلى زيادة الجراثيم المعوية التي لا تنتج اليورياز، وبالتالي خفض مستوى الأمونيا، وتحسن الاعتلال الدماغي الكبدي.

كما تبين أيضاً أنَّ استخدام بعض أنواع الصادات، كالنيوميسين- عن طريق الفم- يفيد في خفض أمونيا الدم، إذ تعمل هذه الصادات عن طريق تخفيض عدد الجراثيم القولونية وبالتالي خفض فعالية اليورياز والبروتياز الجرثوميتين، وهما الإنزيمان الرئيسيان لإنتاج الأمونيا في الأمعاء، كما أنَّ خفض عدد الجراثيم المعوية ينقص إنتاج لجين مستقبلات البنزوديازبين benzodiazepine receptor ligands، التي لها دور في إحداث الاعتلال الدماغي الكبدي. لكن الاستخدام طويل الأمد لهذه الصادات بغاية إنقاص الاعتلال الدماغي الكبدي أمر غير منصوح به؛ لأن قسماً من هذه الصادات يمكن أن يدخل الدوران الجهازي، وبالتالي هناك احتمال حدوث انسمام بالصادات كالأذية الأذنية أو الكلوية باستخدام النيوميسين، كما أنَّ استخدام الصادات المزمن يُغَيِّر النبيت الجرثومي القولوني مما قد يسبب الإسهال، وسوء الامتصاص، إضافة إلى فرط نمو المكورات العنقودية وما ينجم عنها من أعراض متلازمة فرط التكاثر الجرثومي.

لذا يجب أن يقتصر استخدام الصادات المديد وقاية من الاعتلال الدماغي الكبدي على المرضى الذين لا يتحملون استخدام اللاكتولوز الفموي، وبهذه الظروف يجب تجنب اختيار النيوميسين تجنباً لآثاره السمية الجهازية الخطرة.

إنَّ علاج المرضى المصابين باعتلال دماغي كبدي من دون أن يكون لديهم ارتفاع في أمونيا الدم يشمل كل إجراءات العلاج التقليدي للاعتلال الدماغي الكبدي المترافق بارتفاع أرقام الأمونيا الدموية، وهذه المعالجة تؤدي إلى تحسن واضح في الاعتلال الدماغي الكبدي لدى هذه الزمرة من المرضى.

لا يوجد اتفاق حول فائدة استخدام الفلومازينيل flumazenil، وتعميم استخدامه بصورة منوالية في علاج حالات الاعتلال الدماغي الكبدي، لذلك يقتصر استخدامه على:

1- المرضى الذين تلقوا مركبات دوائية من زمرة بنزوديازيبين.

2- استخدامه أداة مساعدة في تشخيص سبب الاعتلال الدماغي.

3- إعطاء بعض المعلومات حول إنذار الاعتلال الدماغي الكبدي.

إضافة إلى وجود العديد من التجارب السريرية في استخدامات دوائية مختلفة لعلاج الاعتلال الدماغي الكبدي كاستخدام الليڤودوبا levodopa، والحموض الأمينية ذات السلسلة المتفرعة واستخدام جزيئات الادمصاص adsorbent molecules، لكنها جميعاً لم تدخل بعد في إطار المعالجات المعتمدة لحالات الاعتلال الدماغي الكبدي.

 

 

علينا أن نتذكر

> الاعتلال الدماغي الكبدي هو اضطراب قابل للتراجع والتحسن في وظائف الجملة العصبية لدى مريض مصاب بمرض كبدي، يحدث بسبب فرط ضغط وريد الباب أو قصور الخلية الكبدية.

> يصنف الاعتلال الدماغي الكبدي في مراحل أربع متدرجة في شدتها، بدءاً من مرحلة تكون فيها الأعراض زهيدة جداً (تحت سريرية)، وصولاً إلى المرحلة الرابعة التي تتميز بسبات عميق، وعدم استجابة لجميع أنواع المنبهات.

> يعد الرعاش الخافق موجِهاً لوجود اعتلال دماغي كبدي لكنه ليس واسماً له.

> لا توجد علامات توضع عصبي في سياق الاعتلال الدماغي الكبدي، ووجودها يوجب البحث عن سبب آخر أو مشارك للاعتلال الدماغي الكبدي.

> يحدث الاعتلال الدماغي الكبدي بسبب عبور مواد سامة للجملة العصبية من الدوران البابي إلى الدوران الجهازي من دون أن تصفى في الكبد، إما عبر أشباه الجيوب الكبدية في كبد ناقص الوظيفة نتيجة أذية الكبد، وإما عبر الدورانات الوعائية الجانبية، وعلى رأس هذه المواد الأمونيا، إضافة إلى مواد أخرى مثبطة للجملة العصبية.

> يتوجب تحري الأسباب المؤهبة لحدوث الاعتلال الدماغي الكبدي أو اشتداده وعلاجها.

> يجب عيار أمونيا الدم عند الشك في وجود اعتلال دماغي كبدي بقصد التشخيص وتوجيه المعالجة.

> إنَّ عيار الأمونيا الطبيعي لا ينفي وجود اعتلال دماغي كبدي.

> يجب الانتباه للأدوية التي يتناولها المريض المصاب باعتلال دماغي كبدي، وإيقاف تلك المشكوك في إحداثها الاعتلال الدماغي.

> تعد الحمية عن البروتينات الغذائية، واستخدام الأدوية التي تنقص امتصاص الأمونيا من الجهاز الهضمي- وتزيد طرحها كاللاكتولوز - إحدى دعائم العلاج الطبي.

> إنَّ علاج اعتلال الدماغ الكبدي مع عدم ارتفاع أرقام الأمونيا بالدم يماثل علاج الاعتلال الدماغي الكبدي المترافق بارتفاع أمونيا الدم.

 

 


التصنيف : أمراض الكبد
النوع : أمراض الكبد
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 454
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1106
الكل : 40562208
اليوم : 92023