الألم البطني
الم بطني
abdominalgia - douleur abdominale
زياد درويش
الألم البطني أكثر الأعراض الهضمية شيوعاً، وهو الذي يدفع المريض عادة لاستشارة الطبيب، ويشير غالباً إلى وجود أذية في أحد الأنسجة البطنية. ويعدّ الألم البطني من أهم المشكلات التي تواجه الطبيب، ويتطلب حلها أحياناً اتخاذ تدابير سريعة طبية أو جراحية من دون أن يتاح للطبيب الوقت الكافي لإجراء الدراسات المخبرية والتصويرية والتنظيرية اللازمة. لذلك يأخذ الاستجواب والفحص السريري الدقيقان أهمية كبرى في دراسة هذه الحالات وتدبيرها.
التشريح والفيزيولوجيا
ينتقل حس الألم عادة بوساطة الألياف الواردة من النوعين C و A-delta التي تتوزع في مختلف أنسجة الجسم. توجد الألياف C في العضلات والأحشاء والصفاق، وهي التي تنقل حس الألم البطني الذي يتميز بأنه ألم كليل dull سيئ التوضّع، يبدأ بشكل متدرج، ويستمر مدة أطول، أما الأجسام الخلوية لهذه الألياف فتوجد في عقد الجذور الخلفية للنخاع الشوكي. تسير الألياف الألمية الواردة ضمن الأعصاب الودية، وتصل إلى النخاع حيث تتشابك مع العصبونات الحسية الواقعة في القرون الخلفية للنخاع. تنتقل المنبهات الألمية من النخاع إلى الدماغ عن طريق السبيل الشوكي المهادي الجانبي lateral spino-thalamic tract والسبيل الشوكي الشبكي المهادي، وتنتهي في التشكلات الشبكية في البصلة والدماغ المتوسط أو في العقد المهادية التي تنقل هذه المنبهات إلى الناحية الجبهية من قشرة الدماغ وإلى الجهاز الحوفي limbic system الذي يعدّ مركز إدراك الألم وتفسيره.
خلافاً لما هو عليه الأمر في الجلد لا يؤدي قطع الأحشاء أو هرسها أو تمزيقها إلى الشعور بالألم، وإنما تتنبه الألياف الألمية الحشوية بالتمطط والتوتر tension الذي يصيب جدار الأحشاء. قد يكون التمطط والتوتر ناجمين عن الجر الواقع على جدار الصفاق (البريتوان) كما هي الحال في الأورام، أو عن تمدد الأحشاء المجوفة (القولنج المراري) أو تقلص contraction العضلات الشديد كما في انسداد الأمعاء. تتوضع المستقبلات الألمية nociceptors في القميص العضلي للأحشاء المجوفة وفي المساريق. أما في الأحشاء المصمتة فإن المستقبلات الألمية تتوضع في محافظ هذه الأحشاء، وتتنبه عند تمدد المحفظة التالي لتورم هذه الأحشاء، بيد أن توتر جدار الأحشاء المجوفة ومحافظ الأحشاء المصمتة يجب أن يكون سريعاً حتى يحدث الألم، أما التوتر البطيء فلا يؤدي عادة إلى الشعور بالألم.
تتنبه المستقبلات الألمية الحشوية أيضاً بالمواد الكيميائية. تتوضع المستقبلات الألمية الكيميائية في الطبقة المخاطية وتحت المخاطية من الأحشاء المجوفة، وتنبهها المواد التي تنطلق استجابة للحدثيات الالتهابية الموضعية أو الإقفار أو النخر أو الأذيات الحرارية أو الشعاعية، نذكر من هذه المواد المنبهة الهيستامين والسيروتونين والبروستاغلاندين والبراديكنين bradykinin، وغيرها، ويبدو أن تراكم هذه المواد يخفض عتبة الشعور بالألم مما يدعو لشعور الشخص بالألم بعد تعرضه لمنبهات غير مؤذية عادة، ومن الأمثلة على ذلك أن تعريض مخاطية المعدة لأحد المخرشات الكيميائية لا يسبب الألم عادة. وإنما يصبح هذا التعريض مؤلماً إذا كانت المخاطية المعدية ملتهبة.
من المتفق عليه أن الوظائف الدماغية العليا لها تأثير قوي في إدراك الألم، فالخلفية الثقافية والاثنية والتعليمية للمريض وسجاياه النفسية psychological trait ونمط شخصيته إضافة إلى الظروف المحيطة بالأذى الذي يتعرض له كلها عوامل تسهم في تعديل استجابته للمنبهات الألمية. ومن المعروف أن القلق والاكتئاب يخفضان عتبة الشعور بالألم التي ترتفع عندما تزول هذه الأعراض، كما أن الأدوية الغفل placebo تخفف الألم على نحو محسوس في 30% من الحالات.
أنماط الألم البطني
يصنف الألم البطني مدرسياً في ثلاثة أنماط هي: الألم الحشوي والألم الجسدي والألم الرجيع.
الشكل (1) يبين هذا الشكل أماكن توضع الألم الحشوي. يتوضع الألم الناشيء من الأعضاء المبينة في الصور 1 و2 و3 في الشرسوف ومنتصف البطن والناحية الخثلية على التوالي كما هو مبين في الصورة العلوية (أ) |
الشكل (2) يبين هذا
الشكل آلية حدوث الألم الرجيع. يؤدي الخراج المتوضع تحت الحجاب إلى تنبيه
الألياف الواردة التي تعصب الحجاب. تتشابك هذه الألياف الواردة (أ) مع
المرتبة الثانية من العصبونات الكائنة في النخاع الشوكي (ب) على نفس مستوى
تشابك الألياف الواردة الجسدية (ج) الآتية من ناحية المنكب (الجذورة
الرقبية 3 حتى 5). يفسر الدماغ الألم على أنه جسدي المنشأ متوضع في المنكب أ - عصبون حشوي وارد من المرتبة الأولى ب- عصبون من المرتبة الثانية كائن في النخاع الشوكي ج- عصبون جسدي وارد من المرتبة الأولى |
1- الألم الحشوي visceral pain: يشعر الشخص بالألم الحشوي عندما تتناول الأذية أحد الأحشاء البطنية. يتصف الألم الحشوي بأنه ألم كليل dull يشعر به المريض على الخط المتوسط من البطن في الناحية الشرسوفية أو السرية أو الخثلية، وذلك لأن الألياف الحسية للأحشاء البطنية تذهب إلى جانبي النخاع الشوكي، كما أنه ألم غير متوضّع بدقة بسبب التعصيب متعدد القطع للأحشاء البطنية من جهة وقلة المستقبلات الألمية في الأحشاء البطنية إذا قورنت بمثيلاتها في الجلد من جهة أخرى. يأخذ الألم الحشوي شكلاً ماغصاًً أو قارضاً gnawing أو حارقاً، وكثيراً ما يترافق بأعراض ناجمة عن تأثر الجملة العصبية المستقلة كالغثيان والقياء والتململ والشحوب والتعرق (الشكل 1).
2- الألم الجسدي أو الجداري somatic pain أو parietal pain: ينشأ الألم البطني الجسدي من أذية الوريقة الجدارية للصفاق. يتصف الألم الجسدي بأنه ألم مستمر يتوضع بدقة فوق المنطقة الملتهبة من الصفاق، يشتد الألم الجسدي عند تغيير التوتر في جدار الصفاق سواء كان سببه الجس أم الحركة أم السعال، لذلك يرقد المريض ساكناً في فراشه متجنباً الحركة خشية إثارة الألم. يتميز الألم الجسدي أيضاً بوجود تشنج spasm انعكاسي في عضلات البطن فوق مكان الالتهاب، بيد أن شدة التشنج تختلف بحسب مكان الالتهاب وسرعة حدوثه وحالة الشخص العامة، فقد لا يؤدي التهاب الصفاق الحاد التالي لانثقاب القرحة الهضمية إلى تشنج واضح (تقفع) في عضلات البطن أو إيلام صريح فيه عند المسنين أو المهزولين بسبب آفة مرضية أخرى منهكة.
3- الألم الرجيع referred pain: وهو الألم الذي يشعر به المريض في مكان بعيد عن الحشا المصاب إلا أنه معصب بالقطع العصبية التي تعصب ذلك الحشا، ويعود ذلك إلى أن المنبهات الحسية الواردة من المحيط (أي من الحشا المصاب ومن المكان الذي يشعر فيه المريض بالألم) تسلك السبيل نفسه في انتقالها إلى الجملة العصبية المركزية. يشعر المريض بالألم الرجيع في الجلد أو في الأنسجة العميقة، ويتصف بأنه يتوضع بدقة، وقد يترافق بفرط الحس في الناحية المؤلمة. يحدث الألم الرجيع عندما تبلغ المنبهات الألمية شدة عالية، مثال ذلك: إن الألم الذي يشعر به الشخص عند نفخ بالون موضوع في أمعائه يكون ألماً حشوياً في البدء، ثم يشعر المريض بالألم الرجيع في ظهره عندما يشتد تمدد الجدار المعوي بالبالون المنفوخ (الشكل 2).
مقاربة المريض الذي يشكو ألماً بطنياً حاداً
يعرّف الألم البطني الحاد بأنه الألم الذي لم يمض عليه أكثر من أربع وعشرين ساعة، وكثيراً ما يكون الألم البطني الحاد العرض الرئيسي الذي يشكوه المريض، ويتم تقييم الحالة حينئذ اعتماداً على الاستجواب والفحص السريري المتبوعين بالفحوص المخبرية والتصويرية والتنظيرية التي يراها الطبيب ضرورية لوضع التشخيص الصحيح، بيد أنه على التطور الكبير في وسائل الاستقصاء الذي شهدته العقود الأخيرة فإن التوصل لمعرفة السبب الحقيقي لألم البطن مايزال متعذراً في بعض الحالات، مما يدفع الطبيب أحياناً إلى فتح البطن الاستقصائي بغية معرفة سبب الألم.
1- الاستجواب:
يأخذ الاستجواب أهمية كبيرة في تدبير الألم البطني الحاد لأنه كثيراً ما يكون كافياً لوضع التشخيص اعتماداً على الصفات التي يتميز بها الألم الذي يعانيه المريض وأهمها:
أ- بدء الألم: يختلف بدء الألم من حالة إلى أخرى، فقد يبدأ الألم البطني الشديد على نحو مفاجئ (آني) أو سريع (يبلغ الألم ذروته في بضع دقائق أو ساعات). يوحي الألم فائق الشدة الذي يبدأ على نحو مفاجئ بوجود حالة بطن حادة تهدد حياة المريض، وقد تستدعي مداخلة جراحية عاجلة مثل انثقاب القرحة الهضمية أو الاحتشاء المساريقي. كما أن تطور الألم ذو أهمية في هذا المجال، فالألم الناجم عن التهاب المعدة والأمعاء الحاد يتراجع ذاتياً مع مرور الوقت، في حين يستمر ألم الزائدة، وتتصاعد شدته تدريجياً، ويمكن القول: إن الألم الحاد الذي يستمر مدةً تتجاوز ست ساعات يشير إلى وجود حالة جراحية في البطن.
ب- موضع الألم وانتشاراته: يتميز الألم البطني حشوي المنشأ بأنه غير متوضّع تماماً poorly localized، ومع ذلك فقد أمكن اعتماداً على الملاحظات السريرية والتجارب المخبرية التوصل إلى عدد من النتائج المتعلقة بموضع الألم ذات الفائدة في توجيه التشخيص.
- يتوضع الألم الناشئ من المريء خلف القص، وإذا كان شديداً فإنه ينتشر على نحو ثابت إلى الظهر أو إلى الذراع اليسرى.
- يتوضع الألم الناشئ من المعدة والعفج على الخط المتوسط في الناحية الشرسوفية مع انتشارات ظهرية في الغالب، وقد يتوضع الألم الناشئ من البصلة العفجية إلى أيمن الخط المتوسط للشرسوف.
- قد يتوضع الألم الناشئ من الكبد أو المرارة أو الطرق الصفراوية في الشرسوف إلا أنه يتوضع عادة في الربع العلوي الأيمن من البطن، وقد ينتشر ألم المرارة والطرق الصفراوية إلى ذروة الكتف (أي ذروة عظم اللوح) كما أن الألم الناجم عن خراج في الكبد أو خراج تحت الحجاب قد ينتشر إلى ذروة المنكب shoulder.
- يتوضع ألم المعثكلة على الخط المتوسط من الشرسوف أو في القسم الأيسر منه، ويترافق عادة بألم رجيع في منتصف الظهر.
- أما الألم الناشئ من اللفائفي والصائم فيتوضع حول السرة، بيد أن ألم القسم الأخير من اللفائفي قد يشعر به في الربع السفلي الأيمن من البطن.
- وأخيراً يتصف ألم القولون بتوضّعه السيئ، ويشعر به عادة في القسم السفلي من البطن في الناحية الخثلية كما هو الأمر في الآلام الناشئة من أعضاء الحوض، بيد أن ألم القولون المعترض قد يتوضع في الربع العلوي الأيسر من البطن، ويأخذ شكل الألم الذبحي angina like. كما أن الألم المتوضع في القسم الأيسر من الظهر والورك الذي يشبه ألم الجذر القطني الرابع قد يكون منشؤه القولون المعترض أو النازل، أما ألم المستقيم فقد يشعر به في الناحية العجزية.
ج- شكل الألم: يأخذ الألم البطني في بعض الحالات صفات معيّنة قد تكون مفيدة في التشخيص، فالألم الناجم عن الجزر المعدي المريئي يوصف عادة بأنه ألم حارق، أما الألم القرحي فيغلب أن يصفه المريض بأنه على شكل فرك أو عرك أو مرت.
يأخذ الألم الناجم عن انسداد الأمعاء شكلاً ماغصاً يأتي على هيئة موجات تفصلها فترات من الهجوع التام أو الألم الخفيف، أما المغص الصفراوي (القولنج الصفراوي) فهو ألم مستمر، وليس متقطعاً كما يوحي بذلك اسمه.
يتصف الألم الناجم عن التهاب الصفاق الجداري بأنه ألم موضع إذا كان تخرش الصفاق بؤرياً بسبب وجود عضو مريض تحته مثل الزائدة أو المرارة الملتهبتين، وقد يكون معمماً في حالة تسرب بعض المواد إلى جوف الصفاق، مثل العصارة المعدية أو محتوى الأمعاء، أما الألم الناجم عن الإقفار فهو ألم مستمر سواء كان الإقفار ناجماً عن آفة وعائية أم عن انسداد اختناقي في الأمعاء. وعلى الطبيب في جميع الأحوال أن يتذكر أن وصف المرضى للألم الناجم عن آفة معيّنة يختلف من مريض إلى آخر لذلك لايمكن الاعتماد على هذه الصفات بمفردها في توجيه التشخيص.
د- مثيرات الألم ومسكناته: يثار الألم الحارق الناجم عن الجزر المعدي المريئي عندما يأخذ المريض وضعيات معيّنة كالانحناء الأمامي أو الاستلقاء، كما أن زيادة الضغط في جوف البطن يثير الألم (رفع الأثقال). ويتميز الألم القرحي بأنه يسكن بعد تناول الطعام أو مضادات الحموضة، ويثار عندما تفرغ المعدة من الطعام، أما الألم المعثكلي فإنه يخف قليلاً بالانحناء والضغط على الناحية الشرسوفية، ويتجنب المصاب بالتهاب الصفاق الحركة لأنها تثير الألم، في حين يتقلب المصاب بالقولنج في فراشه محاولاً اتخاذ وضعية مريحة تخفف الألم.
هـ- الأعراض المرافقة: يجب أن يتناول استجواب المريض الذي يشكو ألماً بطنياً الاستفسار عن الأعراض الهضمية المرافقة كالغثيان والقياء والإمساك والإسهال وعن الأعراض العامة كالحمى والعرواء والتعرق ونقص الوزن إضافة إلى أعراض إصابة الأجهزة الأخرى؛ ولاسيما الجهاز البولي التناسلي، ولاسيما عند المرأة، والجهاز الكبدي الصفراوي (اليرقان).
فالقياء عرض كثير الحدوث عند المصاب بالألم البطني الحاد، وسببه الغالب تخريش مركز القياء في البصلة على نحو انعكاسي، وقد يكون سببه انسداد لمعة المعي، ويتصف في هذه الحالة بتكرره وتفاقمه التدريجي، وإذا ترافق الألم البطني بالإسهال المائي فإنه يوحي بالإصابة بالتهاب المعدة والأمعاء الحاد أو بالتهاب القولون الخمجي، أما الإسهال المدمى المرافق للألم فيجب أن يوجه الانتباه إلى إمكانية الإصابة بهجمة حادة من الداء المعوي الالتهابي inflammatory bowel disease.
و- السوابق الشخصية والعائلية: إن وجود آلام بطنية مماثلة في سوابق المريض يوحي أن السبب في الألم الحالي قد يكون نكس الحالة المرضية السابقة، كما هو الأمر في القولنجات المرارية والكلوية التي تتصف بتكررها.
تسبب بعض الأمراض الجهازية أحياناً آلاماً بطنية شديدة، مثل فقر الدم المنجلي والذئبة الحمامية والبورفيرية وغيرها، وإن معرفة الإصابة بأحد هذه الأمراض يساعد كثيراً على وضع التشخيص الصحيح.
وإذا بينت السوابق العائلية وجود آلام بطنية مشابهة عند أحد أقارب المريض من سكان منطقة البحر المتوسط ساعد ذلك على تشخيص الإصابة بالتهاب الصفاق الدوري أو حمى البحر المتوسط العائلية.
2- الفحص السريري:
يجب أن يكون الفحص السريري كاملاً يتناول جميع الأجهزة؛ ولاسيما تلك المجاورة للبطن والتي قد تكون آفاتها سبباً في الألم البطني الذي يشكوه المريض (القلب، الجهاز التنفسي، الجهاز البولي التناسلي).
بالتأمل يبدو المريض الذي يشكو ألماً من النمط الحشوي متململاً كثير الحركة، في حين يبقى المريض المصاب بالتهاب الصفاق المعمم أو الموضع ساكناً في فراشه تجنباً لإثارة الألم. ويجب الانتباه في أثناء التأمل إلى حركة جدار البطن المرافقة لحركات التنفس إذ تكون الحركة معدومة أو محدودة جداً في حالة التهاب الصفاق البطني. يكشف التأمل أيضاً وجود تمدد في البطن قد يكون سببه انسداد الأمعاء أو الحبن.
وينتقل الطبيب بعد ذلك إلى جس البطن الذي يجب أن يكون لطيفاً، ويبدأ من مكان بعيد عن ناحية الألم. يفتش بالجس عن التقفع العضلي (أو الصمل وهو تشنج عضلي لا إرادي) في جدار البطن أو الدفاع العضلي guarding (وهو تقلص عضلي إرادي). يدل التقفع على وجود التهاب في الصفاق الجداري في تلك الناحية كما هي الحال في التقفع الشديد الذي يتناول النصف العلوي من البطن، ويظهر مبكراً بعد انثقاب القرحة الهضمية، أما التقفع الموضع أو الدفاع العضلي فيشاهدان في منطقة الزائدة أو المرارة الملتهبتين. وتجدر الإشارة إلى أن الشيوخ والمثبطين مناعياً والمصابين بالداء السكري القديم قد لا يبدون علامات صريحة دالة على تخرش الصفاق كالدفاع العضلي والتقفع في حالة انثقاب أحد الأحشاء المجوفة.
قد يكشف الجس كتلة التهابية أو ورمية في البطن أو وجود ضخامة في أحد الأحشاء. يفتش الطبيب في أثناء الجس أيضاً عن الإيلام البطني tenderness، ويحدد بدقة مكان توضعه. يترافق التهاب الصفاق الشامل بإيلام معمم في البطن مع تقفع شامل فيه، أما الإيلام الخفيف غير المترافق بعلامات تخرش الصفاق فيشاهد في بعض الحالات المرضية التي لا تتطلب معالجة جراحية، مثل التهاب المعدة والأمعاء الحاد أو التهاب الملحقات. ويحدث في المرحلة المبكرة من التهاب الزائدة الحاد والتهاب المرارة الحاد والتهاب الرتج الحاد إيلام موضع في منطقة محددة من جدار البطن يمكن تعيينها بدقة اعتماداً على الجس اللطيف بالإصبع الواحدة.
يفتش الطبيب أيضاً عن الإيلام الارتدادي rebound tenderness بالضغط العميق والبطيء على المنطقة المؤلمة من جدار البطن ثم رفع اليد بسرعة عنها مما يثير ألماً حاداً في حالة وجود التهاب الصفاق الجداري في تلك المنطقة، بيد أنه يمكن الحصول على المعلومات نفسها بالقرع اللطيف للمنطقة المؤلمة أو الطلب من المريض أن يسعل دون إزعاج كبير للمريض.
قد يكون إصغاء صوت الحركات المعوية مفيداً في تشخيص الألم البطني. تضعف الأصوات المعوية، أو تنعدم في التهاب الصفاق الحاد المعمم كالذي يحصل في انثقاب أحد الأحشاء المجوفة، وبالمقابل تشتد الأصوات المعوية في حالات انسداد الأمعاء أو التهابها.
لا يعدّ فحص المريض الذي يشكو ألماً بطنياً كاملاً إلا إذا أُتبع بفحص أعضاء الحوض عن طريق المس الشرجي والمس المهبلي، قد يكشف هذا الفحص وجود كتلة التهابية أو ورمية في الحوض أو انفتالاً في كيسة مبيضية أو ورماً في المستقيم أو خراجاً حوله.
3- الفحوص المتممة:
يكفي الاستجواب والفحص السريري الدقيقان لتشخيص سبب الألم البطني الحاد في أكثر الحالات، بيد أن ذلك لا يعفي من إجراء الفحوص المتممة التي تدعم التشخيص السريري الذي وضعه الطبيب، أو توجهه وجهة أخرى مغايرة. تشمل الفحوص المخبرية فحص البراز والبول لكشف العناصر المرضية فيهما والفحوص الدموية المنوالية (تعداد الكريات البيض والصيغة، تعداد الكريات الحمر الهموغلوبين والهماتركريت، سرعة التثفل…). أو تلك الموجهة لكشف إصابة بعض الأعضاء المعيّنة (إنزيمات الكبد، إنزيمات المعثكلة، الكرياتينين، البيليروبين الدموي، سكر الدم).
يأخذ تصوير البطن البسيط بالأشعة السينية في وضعيّتي الوقوف والاستلقاء أهمية كبيرة في تشخيص بعض حالات البطن الحادة ولاسيما انثقاب أحد الأحشاء المجوفة حين يكشف وجود الهواء الحر في جوف الصفاق، والانسداد المعوي حين يكشف وجود مستويات سائلة- غازية في مختلف نواحي البطن، كما أن تصوير القولونات بالباريوم ذو فائدة كبيرة عند من يشتبه بإصابته بانسداد في القولون.
تفيد دراسة البطن بتخطيط الصدى (الإيكو) في كشف الآفات الكبدية والصفراوية كالحصيات الصفراوية والتهابات المرارة كثيرة المصادفة في الممارسة الطبية، إضافة إلى كشف وجود السائل في جوف البطن وآفات الأحشاء المصمتة (الكبد، الطحال، المعثكلة، الكلية) التي قد تكون سبباً في الألم البطني، كما يمكن بهذه الطريقة كشف الآفات الحوضية؛ ولاسيما آفات الجهاز التناسلي عند المرأة التي قد تكون مصدر الألم البطني، مثل كيسات المبيض والحمل خارج الرحم والتهاب الملحقات القيحي، كما يسمح تخطيط الصدى بطريقة الدوبلر بدراسة أوعية البطن وبيان ما فيها من آفات كأمهات الدم والخثرات الوريدية.
يعدّ التصوير المقطعي المحوسب من أهم الوسائل لتصوير الأحشاء البطنية والكشف عن آفاتها الالتهابية (التهاب الزائدة الدودية، التهاب المعثكلة، التهاب الرتوج، الخراجات) والورمية (أورام المعثكلة وأورام الكبد وأورام القولون السادَّة) والرضية (رضوض الطحال والكلية والكبد)، إضافة إلى الآفات الوعائية (أمهات الدم، الخثرات الوريدية). كما أن التصوير بالمرنان MRI والتنظير الهضمي العلوي والسفلي يفيدان في دراسة حالة المصاب بآلام بطنية حادة.
قد تخفق كل الوسائل السابقة في تشخيص سبب الألم البطني الحاد، ويستطب في هذه الحالة اللجوء إلى تنظير البطن لمعرفة السبب ومعالجته إن أمكن، أما فتح البطن الاستقصائي فيندر أن يلجأ إليه إلا في حالات البطن الصاعقة التي يعرف سببها عادة، وتتطلب المداخلة الجراحية العاجلة التي تؤكد التشخيص، وتنقذ حياة المريض (تمزق الطحال، تمزق أم دم الأبهر البطني).
التشخيص
يسمح الفحص السريري والفحوص المتممة آنفة الذكر بوضع التشخيص الصحيح لسبب الألم في الغالبية العظمى من الحالات، وتبقى مع ذلك حالات يخطئ فيها الطبيب في تحديد سبب الألم البطني، وهو أمر أكثر مصادفة عند النساء؛ ولاسيما في سن الشباب. ولذلك يجب على الطبيب استجواب المرأة التي تشكو ألماً بطنياً حاداً عن حالة جهازها التناسلي وتحري وجود الحمل مخبرياً إذا كانت في سن النشاط الجنسي، إضافة إلى فحص جهازها التناسلي سريرياً ودراسة الأعضاء الحوضية بتخطيط الصدى. أما أهم الآفات النسائية التي تسبب ألماً بطنياً حاداً فهي تمزق الحمل خارج الرحم وانفتال كيسات المبيض والتهاب الملحقات الحاد الذي كثيراً ما يلتبس بالتهاب الزائدة الحاد. وتزداد صعوبة تشخيص سبب الألم البطني الحاد عند النساء في حالة الحمل؛ لأن الحمل يدفع الأحشاء بعيداً عن موقعها الطبيعي، مثال ذلك الزائدة الدودية التي تندفع تدريجياً من مكانها في الربع السفلي الأيمن من البطن باتجاه الأعلى إلى أن تستقر في الربع العلوي الأيمن منه في الأشهر الأخيرة من الحمل، وتبتعد الزائدة في الوقت نفسه عن جدار البطن مع تقدم الحمل، مما يؤدي إلى غياب علامات تخرش الصفاق الجداري المقابل لها في حالة التهابها.
يكثر الخطأ في تشخيص سبب الألم البطني الحاد أيضاً عند المسنين والأطفال، فالحمى وارتفاع عدد الكريات البيض كثيراً ما تفقد عند المسنين على الرغم من إصابتهم بآفات التهابية صريحة، كما أن العلامات السريرية الدالة على وجود آفة التهابية في البطن قد تكون طفيفة. ومن الأسباب التي تزيد من صعوبة تشخيص الألم البطني الحاد، وتدعو إلى ضلال التشخيص كون المريض مكبوت المناعة كما هي حال المرضى الذين يعالجون بالستروئيدات القشرية مدة طويلة، أو الذين يتلقون معالجة كيميائية للسرطان، أو يعالجون بكابتات المناعة بعد غرس أحد الأعضاء في أجسامهم، إذ إن الألم البطني والتقفع العضلي والألم المرتد والحمى قد تكون مفقودة عند هؤلاء المرضى على الرغم من إصابتهم بالتهاب الصفاق الحاد، وكثيراً ما تكون الصدمة الإنتانية المظهر الأول لالتهاب الصفاق لديهم.
تختلف أسباب الألم البطني عند الأطفال باختلاف العمر، فالأسباب الشائعة عند الرضع هي التهاب الأمعاء الجرثومي أو الفيروسي والتهاب الحويضة والكلية، وانغلاف الأمعاء والتهاب رتج ميكل Meckel، يضاف إلى هذه الأسباب عند الأطفال الأكبر سناً التهاب العقد اللمفاوية المساريقية والتهاب المثانة والتهاب الرئتين، أما السببان الأكثر شيوعاً للألم البطني عند الأطفال في جميع الأعمار فهما التهاب الزائدة ورضوض البطن.
ولابد من التشديد مرّة أخرى على أن الاستجواب الدقيق والفحص السريري المنظم ركنان أساسيان لوضع التشخيص الصحيح، ومن أهم النقاط التي يكشفها الاستجواب، وتساعد على معرفة سبب الألم هي كيفية بدء الألم، فالألم البطني الشديد ذو البدء المفاجئ ينجم عادة عن انثقاب أحد الأحشاء البطنية كالقرحة الهضمية أو تمزق الحمل خارج الرحم أو وقوع حادث وعائي بطني مثل الاحتشاء المساريقي أو تمزق أم الدم الأبهرية. أما الألم البطني ذو البدء السريع فينجم عن حالة التهابية في البطن أو انسداد أحد الأحشاء المجوفة، وأكثر الأمراض التي تسبب هذا النوع من الألم هي القولنج المراري، والتهاب المرارة الحاد والتهاب المعثكلة الحاد وانسداد الأمعاء والقولنح الكلوي والتهاب الزائدة الحاد. قد ينجم الألم البطني ذو البدء المتدرج الذي يبلغ ذروته في 12-14 ساعة عن معظم الآفات التي ذكرت في الفئتين السابقتين إضافة إلى بعض الآفات الأخرى كالتهاب المعدة والأمعاء الحاد والقرحة الهضمية والتهاب العقد المساريقية وداء كرون والتهاب الحويضة والكلية والتهاب الملحقات. وقد يكون البدء المتدرج للألم مضللاً إذ يدعو للاعتقاد خطأً أن الحالة المرضية غير مستعجلة، ولا تتطلب مداخلة سريعة، بيد أن وضع المريض تحت المراقبة الطبية وإعادة فحصه المتكرر في الساعات الأولى التالية لبدء الألم تجنب الطبيب الوقوع في الخطأ.
يأخذ موضع الألم والإيلام أيضاً أهمية كبيرة في معرفة الآفة المسببة للألم، فإذا توضع الألم في القسم العلوي من البطن كانت الأسباب المرجحة لهذا الألم هي القولنج الصفراوي والتهاب المرارة الحاد والقرحة المنثقبة والتهاب المعثكلة الحاد، في حين يوحي الألم المتوضع في منتصف البطن بوجود انسداد معوي أو انسداد الأوعية المساريقية، أما الألم المتوضع أسفل البطن فيشير عادة إلى التهاب الزائدة الحاد أو التهاب الرتج الحاد أو تمزق الحمل خارج الرحم أو انفتال كيسة المبيض أو القولنج الحالبي.
ومن الواجب الانتباه دوماً إلى أن الألم البطني الحاد قد يكون ناجماً عن آفة خارج البطن؛ ولاسيما آلام القسم العلوي من البطن التي كثيراً ما يكون سببها آفة في التجويف الصدري، مثل التهاب الفص السفلي لإحدى الرئتين أو الريح الصدرية العفوية أو احتشاء الرئة أو احتشاء العضلة القلبية السفلي أو استرخاء القلب الاحتقاني؛ لذلك وجب نفي هذه الآفات اعتماداً على الفحص السريري وتصوير الصدر الشعاعي وتخطيط كهربائية القلب، ويبين الجدول (1) أهم الآفات خارج البطن التي يمكن أن تسبب ألماً حاداً في البطن. ويبين الجدول (2) أهم الأمراض التي تسبب ألماً حاداً في البطن.
أسباب قلبية:
|
- إقفار العضلة القلبية واحتشاؤها. - التهاب العضلة القلبية. - التهاب الشغاف - استرخاء القلب الاحتقاني . |
أسباب صدرية:
|
- ذات الرئة - الصمة الرئوية واحتشاؤها. - الريح الصدرية. - تقيح الجنب EMPYEMA - التهاب المري - تشنج المري - تمزق المري |
أسباب دموية:
|
- فقر الدم المنجلي( نوبة تمنجل) - فرفرية هنوخ شونلاين HENOCH-SCHONLEIN - ابيضاض الدم الحاد |
أسباب استقلابية:
|
- الحماض الخلوني السكري - نوبة داء أديسون ( قصور الكظر الحاد) - البورفيريا - فرط شحميات الدم |
أسباب عصبية:
|
- التهاب الجذور العصبية - تنكس المفاصل الفقرية - داء المنطقة |
أسباب أخرى:
|
- حمى البحر المتوسط العائلية F.M.F - الانسمام بالرصاص - متلازمة سحب المخدرات |
الجدول (1) الأسباب خارج البطنية لألم البطن الحاد |
اسم المرض |
بدء الألم |
موضع الألم |
صفات الالم |
شكل الالم |
انتشارات الالم |
شدة الالم |
التهاب الزائدة |
متدرج |
حول السرة في البدء ثم في الربع السفلي الأيمن |
منتشر في البدء ثم يصبح موضعاً بعد ذلك |
ألم كليل مستمر |
إلى الربع السفلي الأيمن من البطن |
++ |
التهاب المرارة الحاد |
سريع |
الربع العلوي الأيمن من البطن |
موضع |
ألم قابض |
إلى الكتف (عظم اللوح) |
++ |
التهاب المعثكلة الحاد |
سريع |
الشرسوف، الظهر |
موضع |
ألم ثاقب |
منتصف الظهر |
++/+++ |
التهاب الرتج الحاد |
متدرج |
الربع السفلي الأيسر من البطن |
موضع |
ألم كليل مستمر |
/ |
+/++ |
قرحة منثقبة |
مفاجئ |
الشرسوف |
موضع في البدء منتشر بعد ذلك |
حارق |
/ |
+++ |
انسداد الأمعاء الدقيقة |
متدرج |
حول السرة |
منتشر |
ماغص |
/ |
++ |
إقفار مساريقي/ احتشاء |
مفاجئ |
حول السرة |
منتشر |
ألم مبرح |
/ |
+++ |
تمزق أمدم الابهر البطني |
مفاجئ |
البطن/الظهر/الخاصرة |
منتشر |
ألم ممزق |
إلى الظهر والخاصرة |
+++ |
التهاب المعدة والأمعاء |
متدرج |
حول السرة |
منتشر |
تشنجي |
/ |
+/++ |
التهاب أعضاء الحوض |
متدرج |
حوضي أو أحد الربعين السفليين من البطن |
موضع |
ألم كليل مستمر |
إلى أعلى الفخذ |
++ |
تمزق حمل خارج الرحم |
مفاجئ |
أحد الربعين السفليين أو حوضي |
موضع |
|
/ |
++ |
الجدول (2) أهم الأمراض التي تسبب ألماً حاداً في البطين |
المعالجة
تختلف معالجة الألم البطني الحاد باختلاف الآفة المرضية المسببة. تستدعي بعض حالات الألم البطني الحاد المداخلة الجراحية السريعة، وإن أهم واجبات الطبيب أمام حالة ألم بطني حاد هي التفريق بين هذه الحالات الجراحية وتلك التي يمكن معالجتها دوائياً. إذا لم يستطع الطبيب تشخيص هذه الحالات الجراحية على نحو جازم منذ البدء اعتماداً على الفحص السريري والفحوص المخبرية والتصويرية وجب وضع المريض تحت المراقبة وإعادة الفحص السريري والفحوص المتممة الأخرى في الساعات التالية إلى أن يتضح التشخيص. أما الحالات القليلة التي يبقى الشك فيها قائماً فيما يتعلق بطبيعة الآفة المسببة للألم فيستطب فيها إجراء تنظير البطن laparoscopy الذي يكشف الآفة المسببة، وكثيراً ما يسمح بمعالجتها، وذلك بعد أن تطورت الأجهزة المستخدمة في التنظير، واتسعت الخبرة الطبية باستعمالها، وبعد أن استخدم تخطيط الصدى عبر تنظير البطن laparoscopic ultrasonography الذي أمكن بوساطته دراسة الأحشاء البطنية المصمتة وتشخيص آفاتها.
وقد بينت الدراسات أن دقة تنظير البطن في تشخيص سبب الألم البطني الحاد تراوح بين 93-98%، وأمكن معالجة هذه الحالات في أثناء التنظير في 57-77% من الحالات.
ومع ذلك تبقى هناك حالات نادرة يلجأ فيها الطبيب إلى فتح البطن الاستقصائي exploratory laparotomy، وذلك عندما يكون سبب الحالة واضحاً، ويستدعي مداخلة جراحية إسعافية مما يسمح بتأكيد التشخيص وإنقاذ حياة المريض، وهو ما يرى في حالة تمزق الطحال الرضي أو تمزق أم دم الأبهر البطني.
يغلب أن يكون الألم البطني شديداً مما يمنع من استجواب المريض بدقة، ويعوق فحصه السريري على نحو مقبول، ومع ذلك يفضل بعض الأطباء عدم إعطاء المريض مسكناً للألم قبل التوصل إلى معرفة التشخيص ووضع خطة للعلاج، بيد أن الدراسات الحديثة بينت أن إعطاء المسكنات لا يمنع الطبيب من وضع التشخيص الصحيح إضافة إلى أنه يخفف كثيراً من معاناة المريض؛ لذلك يتفق أكثر الأطباء في الوقت الحاضر على أن من واجب الطبيب إعطاء المسكنات لتخفيف آلام المريض الذي يشكو ألم بطن شديداً في أثناء تقييم حالته وقبل التوصل إلى معرفة الآفة المسببة.
كثيراً ما يمتد الألم البطني أشهراً عدة أو سنوات، ولا تنفع المعالجات المختلفة في وضع حدٍّ له على الرغم من تعدد الأطباء الذين يتناوبون على دراسة الحالة. يغلب أن يكون الألم في هذه الحالات خفيفاً أو معتدلاًً لا يعيره المريض كبير اهتمام، بيد أنه قد يكون شديداً أو مزعجاً ينعكس أثره السيئ على حياة المريض المهنية والعائلية وعلاقاته الاجتماعية، وكثيراً ما يترافق باضطرابات نفسية؛ ولاسيما القلق والاكتئاب.
يكشف الفحص السريري والفحوص التصويرية والتنظيرية والمخبرية في كثير من الحالات السبب العضوي الكامن وراء هذه الآلام. قد يكون الألم العضوي المزمن متقطعاً يتظاهر بعارضات episode من الألم تدوم ما بين عدة دقائق وعدة أيام يتلوها فترات متفاوتة المدة من الهدوء التام، أو أنه يكون ألماً مستمراً دون هوادة، ويوحي في هذه الحالة بوجود آفة عضوية مهمة في البطن؛ ولاسيما إذا ترافق ببعض الأعراض العامة كالحمى أو نقص الوزن أو فقر الدم.
يأخذ استجواب المريض المصاب بألم بطني مزمن أهمية كبيرة في توجيه التشخيص، ويتناول بالتفصيل تحديد موضع الألم وشكله وانتشاراته وشدته ومواعيده والعوامل المثيرة للألم وتلك التي تخففه والأعراض المرضية الأخرى التي ترافقه، إضافة إلى سوابق المريض الطبية والجراحية على اختلافها، ويتلو ذلك فحص سريري دقيق يتناول جميع أجهزة الجسم دون استثناء، ومن ثم إجراء الفحوص المخبرية والتصويرية والتنظيرية التي تتطلبها الحالة. وكثيراً ما تخفق هذه الفحوص في كشف السبب العضوي للألم، مما يدعو لتكرارها مرات متعددة، وقد يتطلب الأمر في بعض الحالات اللجوء إلى تنظير البطن أو فتح البطن الاستقصائي لكشف الآفة المرضية المسببة، ويبين (الجدول3) أهم الآفات العضوية التي تسبب آلاماً بطنية مزمنة متقطعة أو مستمرة.
الألم البطني المزمن المتردد | الألم البطني المزمن المستمر |
1- أسباب ميكانيكية - انسداد معوي متردد( فتوق- إنغلاف معوي -التصاقات -انفتال معوي) - حصيات صفراوية - تضيق مجل فاتر |
- الخباثات الأولية والثانوية - الخراجات - التهاب المعثكلة المزمن |
2- أسباب التهابية - الداء الالتهابي المعوي - انتباذ بطاني رحمي ENDOMETIRIOSIS - التهاب المعثكلة الحاد الناكس - حمى البحر المتوسط العائلية |
|
3- أسباب أخرى - البورفيريا - اعتلال الجذور العصبية السكري - إقفار مساريقي مزمن |
|
الجدول (3) أسباب الألم البطني المزمن |
وتبقى هناك مع ذلك حالات كثيرة من الألم البطني المزمن التي لا تكشف فيها الفحوص المتممة المختلفة أي آفة عضوية، وتعزى الآلام حينئذ إلى اضطرابات وظيفية في عمل الجهاز الهضمي، وقد أمكن تمييز ثلاثة أنواع من الآلام الوظيفية المزمنة هي:
1- متلازمة الأمعاء الهيوجة: وتتميز الآلام في هذه الحالة بتوضعها في النصف السفلي من البطن، وتترافق عادة باضطراب في عادات التغوط وانتفاخ البطن.
2- عسر الهضم الوظيفي: وفيه تتوضع الآلام في النصف العلوي من البطن، وتترافق بأعراض هضمية علوية كالغثيان والقياء والتجشؤ والحرقة pyrosis والقهم وحس الامتلاء.
3- متلازمة الألم البطني الوظيفي functional abdominal pain syndrome: تصيب هذه المتلازمة خصوصاً النساء في أواسط العمر، وتأخذ شكل ألم مستمر في البطن يعود إلى سنوات مضت. قد يكون الألم موضعاً أو أنه ألم معمم في غالب الأحيان ومتفاوت الشدة يعطيه المريض أحياناً أوصافاً غير مألوفة، ولا يستجيب للعلاج بمضادات التشنج أو المسكنات العامة. يستأثر الألم باهتمام كبير من قبل المريض حتى إنه يصبح المركز الذي تدور حوله حياته.
يكشف الاستجواب في سوابق المريض قيامه باستشارات عديدة للأطباء لمعالجة الألم، وأن الفحوص المخبرية والتصويرية والتنظيرية المختلفة التي تعرض لها على نحو متكرر كانت سلبية دوماً، ولم تكشف عن أي آفة عضوية، وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى إجراء عمليات جراحية في البطن بحثاً عن سبب الألم ومعالجته دون جدوى.
كثيراً ما يكشف الاستجواب أيضاً تعرض المريض في الماضي لاعتداءات جسدية أو جنسية أو صدمات عاطفية شديدة كفقد أحد الأقارب، كما يظهر أن العلاقات الاجتماعية للمريض محدودة جداً، وأنه يعاني اضطرابات نفسية تأخذ في أكثر الحالات شكل الاكتئاب أو القلق، أما الفحص الفيزيائي فهو سلبي عادة.
يعتمد التشخيص على نفي الأسباب العضوية للألم بعد إجراء فحص سريري كامل وإجراء مختلف الفحوص المتممة الأخرى، وقد وضعت لجنة من الخبراء المعايير الضرورية لتشخيص هذه المتلازمة وهي:
- ألم بطني مستمر أو شبه مستمر.
- استمرار الألم مدة ستة أشهر على الأقل.
- لا علاقة للألم بالوظائف الفيزيولوجية للجسم كتناول الطعام أو التغوط أو الطمث.
- لا توجد معايير كافية كي ينسب الألم إلى اضطرابات وظيفية أخرى مثل متلازمة الأمعاء الهيوجة أو عسر الهضم الوظيفي.
- لا توجد بينات على أن الشكوى مختلقة (التمارض).
ويفضّل أن يسترشد الطبيب بهذه المعايير عند وضع التشخيص.
المعالجة
إن من أهم النقاط اللازمة لنجاح المعالجة إقامة علاقات ثقة وتعاون بين المريض والطبيب، ومما يساعد على ذلك تعاطف الطبيب مع المريض والاهتمام بشكواه، وعليه أن يشرح له طبيعة مرضه، ويبين له أن الحالة ليست مجرد علة نفسية، وإنما هي حالة مرضية حقيقية تنجم عن الإحساس المفرط بالإشارات العصبية الواردة من الأحشاء، سببه الخلل الوظيفي القائم في عمل المحور الدماغي - المعوي، وإن بالإمكان تعديل هذا الخلل بالمعالجات النفسية والدوائية التي تؤثر في تنظيم عملية الشعور بالألم.
يخشى معظم المصابين بهذه المتلازمة من أن يكون السبب في آلامهم وجود حالة مرضية خطرة في البطن؛ ولاسيما الأورام الخبيثة وما تتطلبه من مداخلات جراحية واسعة ومعالجات طويلة كثيراً ما تكون غير مجدية، لذلك كانت طمأنة المريض ونفي وجود آفة عضوية يعدّ جزءاً أساسياً من المعالجة، ولا يمكن إقناع المريض بذلك إلا بعد إجراء تقييم شامل لحالته باستخدام جميع وسائل الاستقصاء آنفة الذكر.
كثيراً ما تتحسن الآلام المعتدلة الشدة بالمعالجة النفسية؛ ولاسيما إذا أظهر الاستجواب أن لها علاقة بالكروب النفسية، أما الآلام الشديدة والمستمرة فيفيد فيها إعطاء المسكنات ذات التأثير المركزي مثل مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة (ومنها amitriptyline) أو مثبطات قبط السيروتونين الانتقائية selective serotonin reuptake inhibitors (SSRI)، إذ إن لها تأثيراً مسكناً مركزياً إضافة إلى تأثيراتها المضادة للاكتئاب، وهي تعطى بمقادير أقل من تلك المستعملة في معالجة الاكتئاب. أما المسكنات ذات التأثير المحيطي كالأسبيرين ومضادات الالتهاب غير الستروئيدية NSAID فلا تفيد في هذه الآلام كما أن مركّبات البنزوديازبين قليلة الفائدة في هذا المجال أيضاً.
علينا أن نتذكر: > الألم البطني هو من أكثر الأعراض الهضمية شيوعاً، وهو إما أن يكون ألماً حاداً حديث العهد وإما ألماً مزمناً. > يقسم ألم البطن إلى ثلاثة أصناف استناداً إلى آليته: وهي الألم الحشوي، وهو ألم غير متوضع بدقة يشعر به المريض عادة على الخط المتوسط للبطن، والألم الجداري الذي يتوضّع بدقة، ويتميز بوجود تشنج انعكاسي في عضلات البطن فوق مكان الآفة (الدفاع العضلي والتقفع)، والألم الرجيع الذي يشعر به المريض في مكان بعيد عن الحشا المصاب. > قد ينجم الألم البطني الرجيع عن آفة خارج البطن كالأحشاء الصدرية (مثل احتشاء الرئة، التهاب الجنب، احتشاء العضلة القلبية، التهاب التأمور، آفات المريء) أو الفقرات. > يأخذ الاستجواب أهمية كبيرة في تدبير الألم البطني، وقد يكون كافياً بمفرده لوضع التشخيص. يتناول الاستجواب كيفية بدء الألم وموضعه وانتشاراته وتوقيته ومحرضات الألم ومسكناته إضافة إلى الأعراض المرضية الأخرى المرافقة له. > الفحص الفيزيائي بالغ الأهمية أيضاً، ويجب أن يكون تاماً يتناول جميع الأجهزة؛ ولاسيما الأعضاء المجاورة للبطن. وعلى الطبيب أن يقوم دوماً بفحص الأماكن المعتادة للفتوق وتحري التقفع العضلي أو الدفاع والإيلام الارتدادي في البطن، ولا يعدّ الفحص تاماً إلا إذا أتبع بإجراء المس الشرجي وفحص الجهاز التناسلي عند المرأة. > على الطبيب أن يدعم التشخيص السريري بإجراء الفحوص المتممة المخبرية (فحص البول، تعداد عام لكريات الدم، عيار إنزيمات الكبد والمعثكلة، فحص البراز) والتصويرية المختلفة (تصوير الصدر الشعاعي، تخطيط صدى البطن، التصوير المقطعي المحوسب) التي قد تدعم التشخيص السريري أو تستبعده.
|
التصنيف : أعراض المرض الهضمي
النوع : أعراض المرض الهضمي
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 39
مشاركة :اترك تعليقك
آخر أخبار الهيئة :
- صدور المجلد الثامن من موسوعة الآثار في سورية
- توصيات مجلس الإدارة
- صدور المجلد الثامن عشر من الموسوعة الطبية
- إعلان..وافق مجلس إدارة هيئة الموسوعة العربية على وقف النشر الورقي لموسوعة العلوم والتقانات، ليصبح إلكترونياً فقط. وقد باشرت الموسوعة بنشر بحوث المجلد التاسع على الموقع مع بداية شهر تشرين الثاني / أكتوبر 2023.
- الدكتورة سندس محمد سعيد الحلبي مدير عام لهيئة الموسوعة العربية تكليفاً
- دار الفكر الموزع الحصري لمنشورات هيئة الموسوعة العربية
البحوث الأكثر قراءة
هل تعلم ؟؟
الكل : 60684032
اليوم : 32377
المجلدات الصادرة عن الموسوعة العربية :
-
المجلد الأول
-
المجلد الثاني
-
المجلد الثالث
-
المجلد الرابع
-
المجلد الخامس
-
المجلد السادس
-
المجلد السابع
-
المجلدالثامن
-
المجلد التاسع
-
المجلد العاشر
-
المجلد الحادي عشر
-
المجلد الثاني عشر
-
المجلد الثالث عشر
-
المجلد الرابع عشر
-
المجلد الخامس عشر
-
كتاب أمراض الشيخوخة
-
المجلد السادس عشر
-
المجلد السابع عشر
-
كتاب علم المناعة
-
المجلد الثامن عشر