logo

logo

logo

logo

logo

أمراض القلب والجراحة غير القلبية

امراض قلب وجراحه غير قلبيه

heart diseases and non-cardiac surgery - cardiopathies et chirurgie non cardiaque



أمراض القلب والجراحة غير القلبية 

عبد الساتر الرفاعي

تقييم الخطورة الجراحية على المرضى المصابين بأمراض قلبية وعائية

تدبير المرضى بعد العمل الجراحي

الخطط المتبعة للتخفيف من المضاعفات القلبية

 

 

 

يمكن للمداخلات الجراحية غير القلبية أن تكون سبباً في حدوث وفاة قلبية أو في حدوث مضاعفات قلبية خطرة كاحتشاء العضلة القلبية أو توقف القلب غير المميت. وتزداد هذه الخطورة عند المرضى المصابين بأمراض قلبية أو الذين لديهم عوامل مؤهبة للإصابة القلبية الوعائية. ولا يقتصر تأثير هذه المضاعفات في فترة ما بعد العمل الجراحي، بل يمكن أن يتعداها إلى سنوات لاحقة.

وقد حدثت تطورات معرفية مهمة في العقود الثلاثة الماضية ساعدت على تشخيص المرضى ذوي الخطورة القلبية العالية، كما ساعدت على تحسين العناية الطبية في فترة ماحول العمل الجراحي للتخفيف من حدوث المضاعفات القلبية الوعائية.

تقييم الخطورة الجراحية على المرضى المصابين بأمراض قلبية وعائية

1- داء القلب الإقفاري ischemic heart disease: يعطي بعض المرضى قصة صريحة لداء إكليلي سابق كاحتشاء عضلة قلبية أو إجراء مجازات إكليلية أو رأب وعائي إكليلي coronary angioplasty أو قثطرة قلبية تظهر تضيقات مهمة في الشرايين الإكليلية. ومن ناحية ثانية يمكن أن تجد مرضى لديهم داء إكليلي متقدم غير مشخص وذلك إما لتظاهره بأعراض غير وصفية؛ أو لأن المريض محدود الفعالية بسبب إصابات مفصلية أو إصابات وعائية محيطية مما يحول دون ظهور أعراض قلبية لديه. وهنا تأتي أهمية القصة السريرية والفحص السريري والاستقصاءات المتممة للبحث عن الداء الإكليلي الخفي لتقييم شدة الداء الإكليلي ومدى استقراره. فوجود سوابق لاحتشاء عضلة قلبية يزيد من نسبة حدوث احتشاء عضلة قلبية بعد العمل الجراحي.

 أما مرضى خناق الصدر فإن الجهد اللازم لظهور الأعراض عندهم يمكن أن يساعد على تحديد إنذار العمل الجراحي. فخناق الصدر المستقر الذي يتطلب جهداً كبيراً لظهوره لا يسبِّب عادة خطورة مهمة، في حين يسبِّب خناق الصدر غير المستقر- والذي يظهر بعد جهود بسيطة أو مع الراحة أو يترافق بسوء وظيفة البطين الأيسر- خطورة عالية للمضاعفات القلبية الوعائية والوفاة بعد العمل الجراحي. ويحتاج هؤلاء المرضى إلى استقصاءات متممة وإلى مداخلات علاجية للوصول إلى حالة مستقرة قبل العمل الجراحي. أما في الجراحات الإسعافية فيمكن اللجوء إلى استخدام بعض الوسائل العلاجية المعقدة مثل استخدام البالون داخل الأبهر إضافة إلى تكثيف المعالجة الدوائية وذلك للحماية القلبية وتخفيف المضاعفات ما حول العمل الجراحي عند هؤلاء المرضى غير المستقرين.

2- ارتفاع الضغط الشرياني: لا يعدُّ وجود ارتفاع في الضغط الشرياني خفيف أو معتدل الشدة (ضغط شرياني انقباضي أقل من 180ملم زئبق وضغط شرياني انبساطي أقل من 110ملم زئبق) عامل خطورة للمضاعفات القلبية الوعائية ما حول العمل الجراحي. ولكن كثيراً ما يرافق ارتفاع الضغط الشرياني وجود مشاكل قلبية وعائية أخرى كالداء الإكليلي، أو مشاكل استقلابية كالداء السكري أو القصور الكلوي. وإذا ما تم نفي هذه الأمراض أمكن إجراء العمل الجراحي من دون تأجيل. وإذا ما كان المريض يتناول خافضات للضغط الشرياني فيجب عدم إيقافها بل لابد من الاستمرار بها طوال فترة ما حول العمل الجراحي. وهنا يجب الانتباه بصورة خاصة لحاصرات بيتا وللكلونيدين؛ إذ ربما أدى إيقافهما المفاجئ إلى حدوث ظاهرة الارتداد rebound phenomenon مع ما يرافقها من تسرعات قلبية وارتفاع في الضغط الشرياني. وفي حال عدم تمكن المريض من تناول الأدوية المذكورة عن طريق الفم يمكن إعطاء حاصرات بيتا تسريباً بالوريد، أو إعطاء الكلونيدين بشكل لصاقات عبر الجلد.

أما لدى مرضى ارتفاع الضغط الشرياني الشديد (ضغط شرياني انقباضي أكثر من 180ملم زئبق وضغط شرياني انبساطي أكثر من 110ملم زئبق) فإن تأجيل العمل الجراحي إلى أن يضبط الضغط الشرياني جيداً يجب أن يقارن بالمخاطر المحتملة لتأجيل الجراحة. ولعل توافر خافضات الضغط سريعة التأثير والتي تعطى تسريباً وريدياً يمكن أن يساعد على ضبط الضغط الشرياني في ساعات. وإذا ما كان العمل الجراحي ممكن التأجيل فإن استخدام حاصرات بيتا قبل العمل الجراحي يبدو مفيداً لما تحمله من وقاية قلبية في فترة ماحول العمل الجراحي إن من حيث الوقاية من اضطرابات النظم أو من حيث تخفيفها لنوب نقص التروية القلبية.  

ومن الأمور التي يجب الانتباه لها أن مرضى ارتفاع الضغط الشرياني أكثر عرضة لحدوث هبوط في الضغط الشرياني في أثناء العمل الجراحي مقارنة بأقرانهم من ذوي الضغط الشرياني الطبيعي، وخاصة إذا كان المريض يتناول مثبطات الإنزيم المحوِّل للأنجيوتنسين ACE inhibitors أو حاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين ARBs. وقد يؤدي هبوط الضغط هذا إلى مضاعفات قلبية وكلوية أكثر من ارتفاع الضغط الشرياني. ويعزى هبوط الضغط هنا إلى نقص حجم الدم المشاهد كثيراً في أثناء العمل الجراحي. لذا ينصح الكثير من الباحثين بإيقاف هذه الأدوية صباح يوم العمل الجراحي وعدم العودة إلى تناولها عقب العمل الجراحي إلا بعد التأكد من أن المريض لا يعاني نقص حجم وأنه في حالة سواء حجمي.

3- استرخاء القلب: تزداد نسبة المضاعفات القلبية بعد العمل الجراحي عند مرضى استرخاء القلب. وإن وجود واحد من الأعراض أو العلامات التالية (قصة مرضية لاسترخاء قلب احتقاني أو وذمة رئة أو زلة ليلية اشتدادية - سماع صوت ثالث مخبب S3 gallop أو خراخر بالقاعدتين الرئويتين - صورة شعاعية للصدر تبدي عودة توزع التوعية الرئوية) يعد دليلاً مهماً على التنبؤ بحدوث مضاعفات قلبية. لذا يجب على الطبيب بذل الجهد اللازم للبحث عن تلك الأعراض والعلامات بالقصة المرضية المفصلة والفحص السريري الدقيق؛ كما يجب على الطبيب البحث عن السبب المحتمل لاسترخاء القلب؛ إذ إن إنذار المريض المصاب باسترخاء قلب تالٍ لارتفاع ضغط شرياني يختلف عن إنذار المريض المصاب باسترخاء قلب تالٍ لداء إكليلي.

4- اعتلال العضلة القلبية: يعدُّ تخطيط صدى القلب أساسياً في تحديد سبب اعتلال العضلة القلبية وتقييم الوظيفة الانقباضية والانبساطية للبطين الأيسر. وهذه المعلومات تساعد على تدبير المريض في أثناء العمل الجراحي وفي فترة ما بعد العمل الجراحي. فمرضى اعتلال العضلة القلبية الإقفاري قد يتعرضون لنوب جديدة من نقص التروية في أثناء العمل الجراحي مع ما يرافق ذلك من تنخر في العضلة القلبية وتدهور في وظيفتها. وإن قثطرة الشريان الرئوي أو تخطيط صدى القلب عبر المريء في فترة العمل الجراحي ربما يساعد على مراقبة هؤلاء المرضى وتدبيرهم بالشكل المناسب. أما مرضى اعتلال العضلة القلبية الضخامي فيتعرضون لمشاكل خاصة بهم حين العمل الجراحي؛ إذ إن نقص حجم الدم ونقص المقاومة الوعائية المحيطية وزيادة الوساعة الوريدية venous capacitance يمكن أن يسبب نقص حجم البطين الأيسر ويالتالي زيادة انسداد مخرج البطين الأيسر مع ما يرافق ذلك من ازدياد المضاعفات القلبية. كما أن نقص ضغط الامتلاء filling pressure يمكن أن يؤدي إلى نقص الحجم المقذوف stroke volume بسبب نقص مطاوعة البطين الأيسر المتضخم. وهنا يجب تجنب استخدام الأدوية المقوية لمستقبلات بيتا الأدرينيرجية لأنها يحتمل أن تزيد من شدة الانسداد الهيموديناميكي لمخرج البطين الأيسر وتنقص فترة الامتلاء الانبساطي. وعلى الرغم من ذلك لا تحدث وفيات عند هؤلاء المرضى بعد العمل الجراحي بالتخدير العام، وشوهدت نسبة قليلة من المضاعفات تظاهرت بانكسار في المعاوضة القلبية وخاصة بعد العمليات الجراحية الكبرى التي تتطلب وقتاً طويلاً. ويرى بعضهم تجنب التخدير القطني عند هؤلاء المرضى لما قد يرافقه من هبوط في الضغط الشرياني ونقص في النتاج القلبي.

5- داء القلب الصمامي: كثيراً ما يسمع الطبيب نفخة قلبية عند المرضى المحضرين لإجراء عمل جراحي غير قلبي. وعلى الطبيب تحديد مصدر هذه النفخة، وما إذا كانت عضوية أم وظيفية، وهل هي ناجمة عن إصابة صمامية شديدة. ويعتمد الطبيب على جميع المعلومات المتوافرة لديه عن القصة المرضية والفحص السريري والاستقصاءات المتممة للإجابة عن الأسئلة السابقة واتخاذ التوصيات المناسبة لتحضير المريض للعمل الجراحي.

يمثل تضيق الصمام الأبهري الشديد أكبر خطورة في العمليات الجراحية غير القلبية؛ إذ تصل نسبة الوفيات فيه إلى 10%. وإذا ما كان هذا التضيق عرضياً (وجود قصة ألم صدري أو إغماء أو استرخاء قلب) وجب تأجيل العمل الجراحي إلى حين معالجة التضيق الأبهري إما بالجراحة وإما على الأقل بتوسيع الصمام بالبالون إن لم تكن حالة المريض تسمح بالجراحة القلبية، وإن كانت نتائج التوسيع بالبالون غير مرضية بسبب ارتفاع نسبة النكس. إن وجود تضيق شديد في الصمام الأبهري -حتى عند المرضى اللاعرضيين - يحتاج إلى تأجيل العمل الجراحي أو إلغائه إلى أن يتم تدبير هذا التضيق إما بالجراحة وإما بالتوسيع. وفي حال رفض المريض العمل الجراحي القلبي تجرى الجراحة غير القلبية بخطورة مرتفعة.

أما تضيق الصمام التاجي فهو أقل خطورة من تضيق الصمام الأبهري. وإذا كان التضيق خفيفاً أو معتدل الشدة أمكن إجراء العمل الجراحي مع الانتباه لتجنب حدوث تسرع في القلب؛ إذ إن تسرع القلب يؤدي إلى قصر زمن الامتلاء الانبساطي مما قد يسبب احتقاناً رئوياً شديداً. أما التضيق التاجي الشديد فيزيد من خطر حدوث استرخاء القلب. ولا حاجة عادة إلى إجراء جراحة قلبية لإصلاح التضيق التاجي قبل العمل الجراحي، وإن كان إجراء توسيع الصمام التاجي بالبالون ممكناً وبنتائج جيدة عند مرضى التضيق التاجي الشديد والمعرضين لعمل جراحي عالي الخطورة.

وفي حالة قصور الصمام الأبهري يوصى بإنقاص الحمل البَعْدي afterload وتجنب زيادة الحجم. وعلى عكس التضيق التاجي، إن تبطيء النبض يمكن أن يفضي إلى زيادة حجم الدم القالس في القصور الأبهري بسبب زيادة مدة الانبساط، ويؤدي تسرع النبض هنا إلى إنقاص مدة القصور عند مرضى قصور الأبهر الشديد.

أما مرضى القصور التاجي الشديد فيمكن أن يستفيدوا من إنقاص الحمل البَعْدي ومن استخدام المدرات، وذلك لإحداث استقرار هيموديناميكي قبل الجراحة عالية الخطورة. وعلى الطبيب أن يتذكر أن نقصاً خفيفاً في الجزء المقذوف ejection fraction عند هؤلاء المرضى يعدّ دلالة على سوء شديد في وظيفة البطين الأيسر؛ إذ يكون الجزء المقذوف عندهم مرتفعاً بصورة لا تعكس القوة الحقيقية للعضلة القلبية.

يحتاج مرضى الصمامات الصنعية إلى عناية خاصة، إن من حيث الوقاية من التهاب الشغاف أو من حيث تدبير المعالجة بالمميّعات. وعلى الطبيب الموازنة بين خطر النزف في حال استمرار تناول المميّعات وبين خطر حدوث مضاعفات خثرية عند إيقاف تناولها. وقاعدة عامة يمكن إيقاف المميّعات قبل ثلاثة أيام من موعد الجراحة، وهذا يؤدي عادة إلى انخفاض النسبة الدولية للتميّع INR إلى أقل من 1.5، ويستأنف إعطاء المميّعات في اليوم الأول بعد الجراحة. أما عند المرضى الذين لديهم خطورة عالية للنزف من استمرار استعمال المميّعات ولديهم خطورة عالية للمضاعفات التخثرية في حال إيقافها فيمكن استخدام الهيبارين غير المجزأ unfractionated أو المنخفض الجزيء LMWH في فترة إيقاف المميّعات الفموية قبل العمل الجراحي. ومن هذه الحالات: صمام تاجي معدني، صمام معدني من نموذج بيورك-شايلي، قصة خثار حديث، وجود ثلاثة أو أكثر من عوامل الخطورة التالية (رجفان أذيني، صمة سابقة، حالة فرط خثار، صمام صنعي معدني، جزء مقذوف أقل من 30%).

6- اضطرابات النظم: تكثر مشاهدة اضطرابات النظم في فترة ما حول العمل الجراحي وخاصة عند المرضى المتقدمين في العمر. وإن وجود اضطرابات نظم بطينية لاعرضية لم يزد من نسبة حدوث مضاعفات قلبية بعد العمل الجراحي، إلا أن وجودها يجب أن يحث الطبيب على البحث عن سبب محتمل لها كوجود داء قلبي رئوي أو داء قلبي إكليلي أو تسمم دوائي أو اضطرابات استقلابية.

إن وجود بعض اضطرابات النظم التي تبدو سليمة نسبياً يمكن أن يؤدي إلى الكشف عن مشكلات قلبية غير مشخصة سابقاً؛ فحدوث تسرع فوق بطيني أو رجفان أذيني قد يسبب نقص تروية قلبية بسبب زيادة حاجة العضلة القلبية إلى الأكسجين. كما أن وجود الرجفان الأذيني يؤهب لحدوث مضاعفات صمية تخثرية. أما حدوث اضطرابات النظم البطينية كالتسرع البطيني المستمر وغير المستمر فيجب أن يكون دافعاً لإجراء استقصاءات قلبية لتقييم وظيفة البطين الأيسر والبحث عن داء إكليلي محتمل.

    إن استخدام الأدوية الحاصرة لمستقبلات بيتا على نحو وقائي قبل العمل الجراحي عند المرضى المؤهبين لحدوث اضطرابات نظم فوق بطينية وبطينية يبدو مفيداً جداً. إذ إن العديد من الدراسات أظهرت فائدة هذه الأدوية في إنقاص نسبة الوفيات والمضاعفات القلبية الوعائية بعد العمل الجراحي.

ربما أدى وجود اضطراب شديد في النقل الكهربائي - كحصار القلب التام أو حصار الغصن الأيسر مع تطاول مسافة PR، أو حصار حزمتين فرعيتين مع تطاول مسافة PR- إلى زيادة خطورة العمل الجراحي، وهو يتطلب زرع صانع خُطاً pacemaker دائم أو مؤقت عبر الوريد. ولعل وجود صانع خُطاً جلدي حديثاً خفف من الحاجة إلى استخدام صانع الخطا عبر الوريد. أما بالنسبة إلى اضطرابات النقل الكهربائي الأقل شدة مثل تأخر النقل الكهربائي داخل البطين أو حتى حصار الغصن الأيسر أو الأيمن من دون تطاول مسافة PR فلا يلزمها صانع خُطاً.

إن المرضى الذين سبق أن زرع لديهم صانع خُطاً دائم أو جهاز صدمة ICD يحتاجون إلى عناية خاصة؛ إذ إن استخدام المخثر الكهربائي electrocautery في أثناء الجراحة قد يسبب خللاً في عمل هذه الأجهزة مع ما يمكن أن يحمله ذلك من خطورة قلبية. لذا يفضل تجنب استخدام المخثر الكهربائي عندهم، وفي حال الحاجة الملحة إليه ينصح باستخدام مخثر كهربائي ثنائي القطب ولفترات قصيرة جداً وبأماكن بعيدة عن مكان الجهاز المزروع. وتحتاج أجهزة الصدمة المزروعة إلى إعادة برمجتها قبل العمل الجراحي من قبل متخصص في فيزيولوجية كهربائية القلب كي لا يسبب حدوث صدمة كهربائية للمريض بسبب التشويش المحدث في تخطيط القلب في أثناء استخدام المخثر الكهربائي.

7- أمراض القلب الولادية: إن طبيعة التشوه التشريحي المرافق لأمراض القلب الولادية والإصلاح الجراحي لتلك التشوهات يمكن أن يزيد من نسبة المضاعفات في فترة ما حول العمل الجراحي غير القلبي. ويشمل ذلك حدوث أخماج ونزوف ونقص أكسجة دموية وهبوط ضغط شرياني وانصمام تناقضي paradoxical embolization. ويبقى الارتكاس الوعائي الرئوي غير طبيعي بعد مرور خمس سنوات على الإصلاح الجراحي للفتحة بين البطينين أو إغلاق القناة الشريانية المفتوحة؛ مما يؤدي إلى ارتفاع الضغط الرئوي إذا ما حدث نقص في الأكسجة. ولذا قد لا يتحمل مثل هؤلاء المرضى نقص الأكسجة في أثناء العمل الجراحي أو بعده كما يتحمله الأشخاص الآخرون. إن ارتفاع الضغط الرئوي ومتلازمة آيزنمنغر Eisenmenger هما مصدر قلق كبير عند مرضى الآفات القلبية الولادية؛ إذ إن نسبة الوفيات بعد الجراحة غير القلبية وبعد الولادة مرتفعة جداً. ويجب الانتباه عند هؤلاء المرضى لتجنب حدوث هبوط في الضغط الشرياني الجهازي؛ لأن ذلك يزيد من مرور الدم عبر التحويلة shunt من الأيمن إلى الأيسر، وهذا يؤهب لحدوث حماض مع ما يحمله ذلك من نقص في المقاومة الوعائية الجهازية وبالتالي الدخول في حلقة معيبة تتطلب تدخل الطبيب لتشخيصها وتدبيرها على النحو المناسب.

تدبير المرضى بعد العمل الجراحي

إن وجود وحدات العناية المشددة والمدارة من قبل اختصاصيين في طب العناية المشددة قد أسهم في خفض نسبة الوفيات وفي إنقاص مدة الإقامة في المستشفيات عند المرضى القلبيين بعد العمليات الجراحية. وإن تسكين الألم على نحو كاف بعد العمل الجراحي يعد أمراً أساسياً للتخفيف من المضاعفات القلبية الوعائية؛ لأن الألم قد يسبب تسرع القلب وزيادة إفراز الكاتيكولامين، مما يؤهب لحدوث نقص تروية قلبية أو تمزق لويحة عصيدية.

ينجم عن الكرب المرافق للعمل الجراحي حدوث تسرع في القلب وارتفاع في الضغط الشرياني، مما يساعد على ظهور نقص تروية قلبية عند المرضى المصابين بتضيقات في الشرايين الإكليلية. ويمكن لنوب نقص التروية القلبية أن تسبب حدوث احتشاء عضلة قلبية وزيادة نسبة الوفيات. لذا فإن تشخيص هؤلاء المرضى قبل العمل الجراحي يساعد على تطبيق العلاجات الوقائية كاستخدام الأدوية الحاصرة لمستقبلات بيتا التي تحول دون حدوث تسرع القلب أو ارتفاع الضغط الشرياني.

يغلب أن ينتج احتشاء العضلة القلبية من تمزق لويحة عصيدية في مكان تضيق خفيف أو معتدل الشدة في الشرايين الإكليلية مع ما يتلو ذلك من خثار إكليلي. ولأن فترة ما بعد العمل الجراحي تترافق بحالة من فرط التخثر إضافة إلى ازدياد تسرع القلب وارتفاع الضغط الشرياني؛ فإن حدوث تمزق في اللويحات العصيدية كثير المشاهدة نسبياً. وعادة لا تستطيع الفحوص المتممة التقليدية قبل العمل الجراحي اكتشاف التضيقات الخفيفة أو المعتدلة الشدة في الشرايين الإكليلية.

 غالباً ما يكون نقص التروية القلبية واحتشاء العضلة القلبية بعد العمل الجراحي صامتاً بسبب تداخل تأثير المسكنات المستخدمة وبسبب الآلام المتوقعة بعد العمل الجراحي. كما أن الاعتماد على الإنزيم القلبي CK-MB لتشخيص احتشاء العضلة القلبية هو أقل نوعية لأنه ربما ارتفع بعد العمليات الجراحية الأبهرية وبعد نقص التروية المساريقية. ومما يزيد الأمر تعقيداً أن معظم الاحتشاءات بعد العمل الجراحي هي من دون موجة Q وأن التبدلات غير الوصفية بوصلة ST وموجة T كثيرة المشاهدة بعد العمل الجراحي سواء مع وجود احتشاء عضلة قلبية أم من دونه. لذا فإن تشخيص احتشاء العضلة القلبية بعد العمل الجراحي يكون صعباً بالاعتماد على وسائل التشخيص التقليدية، وإن معايرة التروبونين T أو التروبونين I تمتاز بنوعية عالية في تشخيص احتشاء العضلة القلبية بعد العمل الجراحي.

تشاهد النسبة الكبرى من الاحتشاءات القلبية في اليوم الأول التالي للعمل الجراحي، كما قد تشاهد في اليوم الثاني أو الثالث.

يعد تدبير احتشاء العضلة القلبية بعد العمل الجراحي معقداً بسبب عدم إمكانية تطبيق حالاّت الخثرة خشية حدوث نزف مرافق للعمل الجراحي. ولعل استخدام القثطرة القلبية لإجراء رأب وعائي بدئي للشريان الإكليلي المسبب للاحتشاء يعد الوسيلة المفضلة شرط الأخذ في الحسبان مخاطر استخدام الهيبارين والأدوية المضادة لتجمع الصفيحات الدموية. وهنا لابد من عدم إغفال استخدام الأدوية القلبية العديدة من حاصرات بيتا ومثبطات الخميرة القالبة للأنجيوتنسين ومركبات الستاتينات statins الخافضة للكوليسترول وغيرها.

الخطط المتبعة للتخفيف من المضاعفات القلبية

1- إجراء مجازات إكليلية: إن مرضى الداء الإكليلي المحضرين لإجراء جراحة غير قلبية والذين لديهم إصابات إكليلية عالية الخطورة - كتضيق شديد في الشريان الإكليلي الأيسر الأصلي أو تضيقات شديدة في الشرايين الإكليلية الثلاثة - يجب أن تجرى لهم عملية مجازات إكليلية قبل إجراء الجراحة غير القلبية إذا كانت تلك الجراحة غير إسعافية وكانت في الوقت نفسه عالية الخطورة القلبية أو متوسطة الخطورة القلبية (انظر جدول تصنيف الخطورة القلبية).

2- المداخلات الإكليلية عبر الجلد: يؤلف المرضى الذين سبق وأجري لهم رأب وعائي إكليلي مع زرع دعامة (استنت) stent معضلة طبية مهمة عند حاجتهم إلى جراحة إسعافية وخاصة من حيث تدبير الأدوية المضادة لتجمع الصفيحات؛ إذ يغلب أن يتناول هؤلاء المرضى دواءين مضادين لتجمع الصفيحات هما الأسبيرين والكلوبيدوغريل clopidogrel. وقد أوضحت بعض الدراسات فائدة الرأب الوعائي الإكليلي بالبالون فقط ومن دون زرع دعامة قبل العمل الجراحي غير القلبي حيث يكتفى في هذه الحالة باستخدام الأسبيرين وحده مضاداً لتجمع الصفيحات. ويمكن إجراء العمل الجراحي بعد نحو 2-4 أسابيع من هذا الإجراء، وهي المدة اللازمة لشفاء الأذية الوعائية الناجمة عن نفخ البالون في الشريان الإكليلي. وينصح بالاستمرار بتناول الأسبيرين في فترة ما حول العمل الجراحي. ويجب الموازنة بين مخاطر النزف الناجم عن استمرار تناول الأسبيرين ومخاطر إيقاف الأسبيرين من الناحية القلبية الوعائية.

أما بالنسبة إلى الرأب الوعائي الإكليلي المدعّم بزرع دعامة فيجب التمييز بين نوعين من هذه الدعامات: الدعامات المعدنية bare metal stent والدعامات الدوائية drug-eluting stent. وتمتاز الأولى بعدم الحاجة إلى استخدام الكلوبيدوغريل مدة طويلة مع الأسبيرين، إذ إن قابلية هذه الدعامات للتخثر تبدو أقل من الدعامات الدوائية. لذا قد يكون من المفضل استخدامها في المرضى المحضرين لعمل جراحي، حيث يمكن إيقاف الكلوبيدوغريل بعد أربعة أسابيع من الرأب الوعائي الإكليلي مع الاستمرار بالأسبيرين وحده. أما الدعامات الدوائية والتي تتفوق على الدعامات المعدنية بإنقاصها نسبة عودة التضيق الإكليلي فإنها تؤدي إلى تأخر اندمال البطانة الوعائية وإلى فرط تحسس من المادة الدوائية أو من المكوثر polymer الحامل للدواء مع ما يمكن أن يرافق ذلك من ازدياد في حدوث خثار مكان الدعامة. وقد تبين أن هذا الخثار قد يحدث متأخراً بعد نحو سنة ونصف من زرع الدعامة، وخاصة إذا ما توقف المريض عن تناول الأدوية المضادة لتجمع الصفيحات. لذا لا ينصح باستخدام هذا النوع من الدعامات عند المرضى المحضرين لعمل جراحي غير قلبي.

3- استخدام الأدوية الحاصرة لمستقبلات بيتا: يجب الاستمرار بتناول هذه الأدوية إلى يوم العمل الجراحي عند المرضى الموضوعين عليها لمعالجة خناق صدري أو ارتفاع ضغط شرياني أو اضطراب نظم قلبي؛ إذ تفيد هذه الأدوية في إنقاص الوفيات واحتشاء العضلة القلبية ونقص التروية القلبية في فترة ما حول العمل الجراحي عند ذوي الخطورة القلبية. أما المرضى غير المعالجين بحاصرات بيتا والمعرَّضون لمداخلة جراحية وعائية أو مداخلة جراحية عالية الخطورة القلبية فينصح بوضعهم على حاصرات بيتا قبل العمل الجراحي غير الإسعافي بنحو أسبوع مع زيادة تدريجية في الجرعة حتى الوصول إلى نبض أقل من 65/دقيقة.           

 يبين الجدولان التاليان علاقة الخطورة القلبية بالعمل الجراحي غير القلبي حسب توصيات جمعية القلب الأمريكية ACC ورابطة القلب الأمريكية AHA.

 

 

نسبة الخطورة

أمثلة عن المداخلات الجراحية

خطورة قلبية مرتفعة

 (أكثر من 5%).

جراحة وعائية على الأبهر أو على أوعية كبيرة أخرى.

 

 

خطورة قلبية متوسطة

 (بين 1% إلى5%).

- جراحة صدرية أو جراحة داخل الصفاق (البريتوان).

- استئصال بطانة الشريان السباتي.

- جراحة على العنق أو الرأس.

- جراحة عظمية.

- جراحة الموثة.

 

 

خطورة قلبية قليلة

 (أقل من 1%).

- الإجراءات التنظيرية.

- الإجراءات السطحية.

- جراحة الساد.

- جراحة الثدي.

- الجراحة السيارة (لا تتطلب استشفاء).

(الجدول1) "التصنيف حسب طبيعة الجراحة غير القلبية"، نسبة الخطورة القلبية (وفاة بسبب قلبي أو احتشاء عضلة قلبية أو قصور قلبي) في المداخلات الجراحية غير القلبية:

 

نسبة الخطورة

الحالة المرضية

 

 

 

خطورة قلبية مرتفعة (أكثر من 5%).

- احتشاء عضلة قلبية حديث (منذ 7-30 يوماً).

- خناق صدري شديد أو غير مستقر (التصنيف الكندي IV- III).

- قصور قلب احتقاني غير معاوض.

- اضطراب نظم قلبي مهم (اضطراب نظم بطيني أو تسرع فوق بطيني مع استجابة بطينية غير منضبطة).

- اضطراب شديد في الحزم الناقلة (اضطراب النقل الأذيني - البطيني).

- إصابة صمامية شديدة.

 

خطورة قلبية متوسطة (بين 1% إلى5%).

- خناق صدري متوسط الشدة (التصنيف الكندي II-I).

- احتشاء عضلة قلبية سابق أو موجة Q على تخطيط القلب.

- قصور قلب احتقاني معاوض أو سابق.

- الداء السكري.

 

 

 

خطورة قلبية قليلة (أقل من 1%).

- العمر المتقدم.

- مخطط كهربائية القلب غير سوي (ضخامة بطين أيسر، حصار غصن أيسر، اضطراب وصلة ST-T.

- أي نظم غير النظم الجيبي (كالرجفان الأذيني مثلاً).

- نقص السعة الوظيفية القلبية (مثل عدم القدرة على الصعود إلى أول طابق والمريض يحمل أغراضاً منزلية عادية).

- قصة نشبة دماغية سابقة.

- ارتفاع ضغط شرياني غير منضبط.

(الجدول2) "التصنيف حسب حالة المريض" المؤشرات السريرية لتقييم الخطورة القلبية المحتمل حدوثها (وفاة بسبب قلبي أو احتشاء عضلة قلبية أو قصور قلبي).

 

 

التصنيف : قلبية
النوع : قلبية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد : 258
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 544
الكل : 31200542
اليوم : 25699