logo

logo

logo

logo

logo

العصيات

عصيات

bacilli - bacilles



الأدواء الناجمة عن الجراثيم الهوائية سلبية الغرام

العصيات

زياد درويش

الشيغلات الإشريكيات القولونية
campylobacter العطيفات   klebsiella الكليبسيلة  
الحلزونية البوابية المتقلبة
  السلمونيلة

 

 

1ً- الإشريكيات القولونية

الإشريكية القولونية Eschericha coli عصيات سلبية الغرام متحركة غالباً، يمكن زرعها بسهولة من البراز، ويمكن تأكيد نوعها  species  بالفحوص الحيوية الكيميائية، وأهمها اختبار الإندول   indol test.

الإشريكية القولونية ساكن طبيعي للأمعاء في الإنسان والحيوان، وتؤلف نحو 80% من النبيت الجرثومي المعوي الهوائي في الإنسان الكهل، (علماً بأن اللاهوائيات تؤلف 99% من النبيت المعوي). وتصبح الإشريكيات ممرضة حين تكتسب بعض المواد الوراثية بوساطة البلازميدات plasmid أو العاثيات أو الينقولات  transposon، وتصنف بحسب المتلازمات السريرية التي تسببها.

ولتمييز الذراري الممرضة من هذه العصيات وتفريقها عن الذراري غير الممرضة الموجودة على نحو طبيعي في الأمعاء يجب اللجوء إلى اختبارات أخرى لا تتوفر إلا في المخابر الاختصاصية مثل تحديد النمط المصلي serotype أو المقايسات الحيوية bioassay أو تحديد هوية المادة الوراثية باختبار البوليمراز المتسلسل P.C.R.

تتصف الأنماط الممرضة من الإشريكيات بأنها تحمل على سطحها عضيات تدعى عضيات الارتباط organelle of attachment، ويدعى البروتين الذي يجعل هذه العضيات دبقةً اللصوق  adhesin الذي يتعرف المستقبلات النوعية الموجودة في خلايا المضيف. يتجمع اللصوق في أكثر الأحيان على شكل لويفات تشبه الأشعار تدعى الشعيراتPili . تسبب الإشريكيات الممرضة أخماجاً في أعضاء مختلفة من الجسم أهمها الأخماج المعوية، وقد أمكن تمييز خمسة أنماط منها أعطيت أسماء مختلفة باختلاف آلية تأثيرها في الأمعاء والمتلازمات السريرية التي قد تنتج من تأثيرها.

-1 الإشريكيات القولونية المذيفنة (المولدة للذيفان)(E.T.E.C) Enterotoxigenic E.C.    

تلتصق هذه الجراثيم بعد وصولها إلى المعي الدقيق بالظهارة المعوية، يساعدها على ذلك عضيات الارتباط آنفة الذكر التي تأخذ شكل شعيرات أو خمل .fimbria تُنتج الجراثيم نوعين من الذيفانات الإفرازية؛ الأول عطوب بالحرارة  heat- labile toxin (L.T)، والثاني مقاوم الحرارة heat stable toxin (S.T). يعد الذيفان العطوب بالحرارة واحداً من مجموعة الذيفانات ذات الصلة بالذيفان الذي تفرزه عصيات الكوليرا (الهيضة). يفعّل الذيفان العطوب بالحرارة إنزيم أدينيلات سيكلاز  adenylate cyclase  داخل الخلايا مما يؤدي إلى زيادة إفراز الكلوريد من الخبيئات المعوية وتثبيط امتصاص كلوريد الصوديوم من ذرا الزغابات، ويتلو ذلك إفراز الماء الحر إلى داخل اللمعة المعوية الذي يتظاهر بالإسهال المائي. أما الذيفان المقاوم للحرارة فيفعّل إنزيم غوانيلات سيكلاز guanilate cyclase  الذي يؤدي أيضاً إلى تحريض إفراز الكلوريد وتثبيط امتصاص كلوريد الصوديوم، وينتج من ذلك إفراز الماء الحر إلى داخل اللمعة المعوية وحدوث الإسهال المائي.

يعد الخمج بالإشريكيات القولونية المذيفنة من أكثر أسباب الإسهال الحاد شيوعاً في سكان البلدان النامية، كما أنه سبب مهم لوفيات الأطفال تحت السنة الخامسة من العمر في هذه الدول، يضاف إلى ذلك أنه سبب شائع لإسهال المسافرين زائري تلك البلدان. ينتقل المرض عن طريق الأطعمة والأشربة الملوثة، ويقدر حجم اللقيحة inoculum التي يجب ابتلاعها كي تسبب الإسهال بـ 10(10) في الشخص السليم، ويستمر المرض عادةً يوماً إلى خمسة أيام.

تبدأ أعراض المرض بعد فترة حضانة مدتها 12-72 ساعة، وتبدو بصورة ضائقة بطنية يتلوها إسهال حاد مائي متفاوت الشدة قد يلتبس في الأشكال الشديدة بإسهال الكوليرا وما يرافقه من تجفاف. أما القياء فهو قليل الحدوث. يتأكد تشخيص هذا النمط من الخمج بالفحوص الجينية التي تكشف الجينات المسؤولة عن إنتاج L.T  أو S.T ، والتي لا يمكن إجراؤها إلا في المخابر المتخصصة أو مخابر البحث العلمي.

المعالجة أساسها تعويض السوائل والشوارد التي يفقدها المريض؛ ويتم ذلك عن طريق الفم أو الوريد بحسب شدة الأعراض، تتحسس هذه الجراثيم بالعديد من الصادات ولكن معظم الحالات المرضية تكون  محددة لذاتها ولا تستدعي استعمال الصادات.

- 2 الإشريكيات الممرضة للمعي  enteropathogenic E.C

( E.P.E.)

بينت الدراسات أن آلية تأثير الإشريكيات الممرضة  EPEC في أمعاء الإنسان تختلف عن آلية عمل الذيفانات المعوية، واتضح أن هذه الجراثيم قد تؤثر في عمل الخلايا المعوية عن طريق الالتصاق بها adherance ويتم ذلك على ثلاث مراحل: (1) تلتصق الجراثيم في البدء على موضع محدد من الخلايا المعوية. (2) تفرز الجراثيم بروتينات إلى داخل الخلايا تحمل إشارات تؤدي إلى تنبيغ transduction هذه الخلايا وإحداث تبدلات في هيكل الخلية. (3) يلي ذلك حدوث التصاق صميم بين الجراثيم والخلايا المعوية. تقوم البروتينات التي تفرزها الجراثيم في الخلايا المعوية بتحريك كلسيوم الخلايا وتفعيل إنزيمات الكيناز kinases وتحريض فسفرة البروتينات، ويؤدي كل ذلك إلى تغيرات في الخلية المعوية وتبدلات في إفراز الماء والكهارل وزيادة في نفوذية المواصل المحكمة tight junction . وقد تبين أن الجينات التي ترمّز  encode  هذه التبدلات تقع في البلازميدات أو <<جزر الإمراضية الصبغية>> chromosomal pathogenicity island  في هذه الجراثيم.

يحدث الخمج بالإشريكيات الممرضة للمعي على نحو خاص في الأطفال دون السنة الثانية من العمر، ويأخذ شكل فاشيات في المستشفيات شوهدت في عدة بلدان من العالم، كما تشاهد حالات إفرادية تصادف في الأطفال والكهول.

يتظاهر الخمج بهذه الجراثيم بعد حضانة تراوح بين 12 و 72 ساعة  بإسهال حاد مترافق بقياء يستمر بضعة أيام، وقد يكون الإسهال شديداً يؤدي إلى التجفاف. إذا استمر الإسهال- كما قد يحدث في بعض البلدان النامية بسبب عدم توفر العناية الطبية- فقد يؤدي إلى سوء التغذية. يعتمد تشخيص الإصابة بهذا النمط من الإشريكيات القولونية على اختبار البوليمراز المتسلسل PCR للكشف عن عامل الالتصاق (E.A.F) EPEC ADHEARING FACTER   الخاص بهذا النمط من الإشريكية، والذي يتوفر فقط في المخابر المختصة.

-3الإشريكية القولونية المنزفة (الدموية)  entero hemorragic E.C

النمط المصلي الأكثر أهمية من الإشريكيات المنزفة هو النمط 0157:H7  ، وهو نمط حديث العهد من الإشريكيات الممرضة، إذ شوهدت حالات الخمج بهذه الجراثيم أول مرة عام 1982 في الولايات المتحدة الأمريكية في أشخاص تناولوا لحم البقر في مطاعم للوجبات السريعة، ثم شوهدت فاشية أخرى من هذا الخمج عام 1983 في إنكلترا وأخرى كبيرة في سكوتلندا. ويبدو أن وقوعات الداء أكثر حدوثاً في البلدان ذات المناخ البارد مثل كندا وسكوتلندا؛ في حين تقل وقوعاته في البلدان المدارية. يفرز هذا النمط من الإشريكيات ذيفاناً يماثل الذيفان الذي يفرزه النمط  I  من الشيغلات الزحاريةshigella dysentariae serotype I،  لذلك يدعى هذا النمط الإشريكية القولونية المفرزة لذيفان الشيغلا (STEC).يسكن هذا النمط من الإشريكيات الممرضة في الأنبوب الهضمي للحيوانات كالأبقار والأغنام، وينتقل الخمج إلى الإنسان عن الطريق البرازي - الفموي كما هو الحال في الفاشيات التي تلي استهلاك الأغذية الملوثة بالسماد الحيواني، كما ينتقل مباشرة من شخص إلى آخر عن طريق الأيدي الملوثة. أما اللقيحة اللازمة لإحداث الأعراض المرضية فهي ضئيلة تقل عن مئة جرثومة.

المظاهر السريرية: تراوح فترة الحضانة بين يومين و 12 يوماً، تبدأ الأعراض في معظم الحالات بعد 3 أيام من الحضانة بالإسهال الذي يكون مدمى في 90% من الحالات، وبالألم البطني الذي يكون شديداً، ويكشف الفحص الإيلام البطني من دون ارتفاع درجة الحرارة. وبعد مضي 5-13 يوماً على بدء الإسهال قد تظهر على المريض فجأة أعراض المتلازمة الانحلالية اليوريميائية وعلاماتها  hemolytic uremic syndrome  التي تتميز بالمثلث التالي:

-1 هبوط مقدار الهموغلوبين الذي يصل إلى أقل من 8 غرامات، ويكون اختبار كومبس coombs test  سلبياً، ويكشف فحص اللطاخة الدموية وجود الفصيمات الكروية (الكريات الحمر المجزأة)schistocyte والكريات الحمر الخوذية helmet cell .

-2 نقص الصفيحات الدموية التي ينخفض عددها إلى نحو 40 ألف /ملم3.

-3 إصابة كلوية حادة تتجلى بشكل بيلة دموية وبيلة بروتينية، وقد يحدث القصور الكلوي مع قلة حجم البول  oligoanuria  الذي يرى في 50%  من الحالات، وكثيراً ما يحتاج هؤلاء المرضى إلى الديال الكلوي  dialysis .

يتعرض نحو 10% من المصابين بهذه المتلازمة لمضاعفات عصبية كالسكتة stroke   والنوب الاختلاجية seizeres  والسبات، كما تحدث لديهم مضاعفات قلبية، وكثيراً ما تكون هذه المضاعفات سبباً للوفاة.

أكثر الفئات عرضة للإصابة بهذه المتلازمة هم الأطفال تحت سن العاشرة، إذ إن 90% من المصابين هم من الأطفال، كما أنها أكثر حدوثاً في المتقدمين بالعمر.

يعد النمط المصلي 0157:H7أكثر أنماط الإشريكية القولونية إحداثاً للمتلازمة الانحلالية اليوريميائية، إلا أن هناك أنماطاً أخرى لها القدرة ذاتها، منها الأنماط  025:H11 و 0103:H2 و 0111:H- و 0157:H21 التي كانت السبب في حدوث فاشيات من هذه المتلازمة في أستراليا وبعض الدول الأوربية.

ومن الجدير بالذكر أن الخمج بالإشريكية   0157:H7 الذي يتوضع في أنحاء أخرى من الجسم ولاسيما في الجهاز البولي قد يتضاعف بحدوث المتلازمة الانحلالية اليوريميائية أيضاً.

التشخيص: يعتمد تشخيص الخمج بهذا النمط من الإشريكية على زرع البراز واستفراد الجرثوم وتحديد نمطه.

المعالجة: لا يوجد معالجة نوعية لهذا الخمج وإنما يعتمد تدبير هذه الحالات على دعم الحالة العامة للمريض. ومن الواجب تجنب استعمال الصادات ومضادات تحرك الأنبوب الهضمي  antimotility agents  ومضادات الالتهاب اللاستروئيدية؛ إذ إنها تزيد خطر الإصابة بالمتلازمة الانحلالية اليوريميائية. قد يتطلب الأمر في بعض الحالات نقل الدم لمعالجة فقر الدم. أما القصور الكلوي فكثيراً ما يستدعي اللجوء إلى الديال الكلوي تحت إشراف اختصاصي بأمراض الكلية.

-4 الإشريكيات القولونية الغازية entero invasive E.C .

يشبه هذا النمط من الإشريكيات من الناحية الكيميائية الحيوية والمستضدية جراثيم الشيغلا، كما يشبهها من حيث قدرته على اجتياح الظهارة المعوية وإنتاج ذيفانات مشابهة لذيفان الشيغلا. يتظاهر الخمج بالإسهال المائي، وقد يصاب بعض المرضى بمتلازمة زحارية تتجلى بالإسهال المخاطي والزحير والحمى والآلام البطنية، ويحتوي البراز في هذه الحالات على العديد من الكريات الحمر والكريات البيض متعددة النوى.

الخمج بهذا النمط من الإشريكيات غير شائع، ويتم التشخيص بالاختبارات الجينية ومنها مسبار الدنا DNA probe.

-5 الإشريكيات القولونية المكدِّسة  entero aggregative E.C. (E.AGG.EC)

استفرد هذا النمط من الإشريكيات القولونية أول مرة عام 1980 في تشيلي من أطفال مصابين بالإسهال المزمن، ثم شوهد في بلدان أخرى كالبرازيل والهند وغيرهما من الدول النامية.

وقد تبين بعد ذلك أن هذا النمط هو السبب في فاشيات من الإسهال الحاد في البلدان المتطورة والنامية على حد سواء. لا تعرف على الضبط الآلية الإمراضية    pathogenesis  في هذا النمط من الإشريكيات، ويبدو أن إطلاق release الأنترلوكين  IL- 8 بفعل هذه الجراثيم له تأثير في إحداث آفة التهابية مزمنة في الأمعاء، وبينت عدة دراسات أن الإسهال تحسّن أو توقف بعد القضاء على هذا النمط من الجراثيم باستعمال الصادات مثل السيبروفلوكساسين.

2ً- الكليبسيلة  klebsiella

الكليبسيلات جراثيم رمامة saprophyte كثيرة الانتشار في الطبيعة، كما تشاهد بحالة مطاعمة في الأنبوب الهضمي والأجواف الطبيعية في الإنسان ولاسيما في السبيل التنفسي العلوي، وفي بعض الحيوانات كالثدييات. تعد الكليبسيلة أحد أجناس genus فصيلة الجراثيم اللامعائية enterobacteriaceae الذي يضم عدة أنواع أهمها، الكليبسيلة الرئوية  K.pnbumoniae، الكليبسيلة الخشَمَية  K.ozanea، الكيبسيلة الحبيبية K.granulomatis، الكليبسيلة التصلبية الأنفية. ويتميز النوعان الأخيران بتوضع الجراثيم داخل الخلايا intracellular k.  وإحداث آفات حبيبية في الأنسجة المصابة في الإنسان.

قد تكون الكليبسيلات الرئوية سبباً في التهابات الرئة المكتسبة في المجتمع، ويحدث ذلك على نحو خاص في المصابين بآفات رئوية مزمنة والسكريِّين والكحوليِّين، ولكنها أكثر مصادفة في مرضى المستشفيات ووحدات العناية المركزة ونزلاء مؤسسات الرعاية المزمنة بسبب ارتفاع معدل استيطانها للسبيل التنفسي العلوي في هذه الفئات ونقص مناعتهم على نحو عام (التهابات الرئة المشفوية). إن أيدي الأفراد الذين يقومون على رعاية المرضى والأوعية التي يجمع فيها البول والأواني التي توضع فيها الأزهار هي الأماكن التي تتوطن فيها الجراثيم بكثرة، ولكن الانتقال يحدث غالباً بالأيدي الملوثة.

تسبب الكليبسيلة الرئوية أيضاً 1-2% من أخماج السبيل البولي في الكهول الأصحاء، وترتفع النسبة إلى 15% في المصابين بآفات تستدعي المداخلات الطبية المتكررة كالتنظير الباطني ووضع القثاطر البولية.

تأخذ التهابات الرئة بالكليبسيلة شكل ذات الرئة الفصية أو ذات القصبات والرئة التي لا تختلف صورتها السريرية عن التهابات الرئة بالجراثيم الأخرى (السعال، القشع،الحمى،الزلة التنفسية، تسرع التنفس وألم جدار الصدر ) ويكشف فحص المريض وجود خراخر (كراكر)crackles  في الصدر، ويؤكد تصوير الصدر الشعاعي وجود الآفة الرئوية. أما أخماج السبيل البولي بالكليبسيلة فتبدو على شكل التهاب المثانة الحاد أو التهاب الحويضة والكلية الحاد التي تماثل أعراضها ما يشاهد في الالتهابات واسعة الانتشار الناجمة عن الإشريكية القولونية.

يتأكد نوع العامل المسبب في الإخماج بالكليبسيلة بزرع الدم حين الشك بتجرثم الدم أو زرع القشع أو البول وغيرها من سوائل الجسم مثل سائل الجنب والسائل الدماغي الشوكي وغيرها حين وجود آفات في هذه الأعضاء.

تؤدي العدوى بالكليبسيلة الحبيبية إلى الإصابة بالورم الحبيبي الأربي granuloma inguinalis ويدعى أيضاً داء الدونوفانيات  donovanosis، وهو داء يصيب الإنسان فقط،  وينتقل عن طريق الاتصالات الجنسية، ويشاهد في الأقاليم الحارة مثل الهند وجنوبي إفريقيا والبرازيل. يتظاهر الداء في البدء بشكل حطاطة papule  تتوضع في الناحية التناسلية الشرجية لا تلبث أن تتقرح، وينتقل الداء في مرحلة لاحقة إلى الناحية الأربية حيث يُحدث تورماً تحت جلد الناحية يطلق عليه اسم <<الدَبْل الكاذب>> pseudobobo الذي يتقرح أيضاً. يدل منظر الآفة غالباً على التشخيص ويتأكد بمشاهدة جسيمات «دونوفان»  في الخزعات أو السحائج scraping  أو الرشافات aspirate المأخوذة

الشكل (1) الورم الصلب الأنفي مع تفلطح الأنف الوصفي وانسداد المنخر الأيسر عند مصاب في الثلاثين من العمر

من الآفات بعد تلوينها بصبغة رايت wright&http://arab-ency.com.sy/medical/details/607/14#39;s stain أو كيمزا giemsa التي تكشف هذه الجسيمات جيداً. تتوضع هذه الجسيمات ضمن الخلايا المنسجة، التي تعدّ تجمعاً للجراثيم. تعالج الآفة بالصادات مثل دوكسي سيكلين بجرعة 100 ملغ مرتين يومياً أو سيبروفلوكساسين بجرعة 750 ملغ مرتين يومياً، ويبدو أن أفضل الصادات هو الأزيترومايسين azithromycine الذي يعطى بشكل حقنة عيارها 1غ مرةً كل أسبوع حتى شفاء الآفة.

- تؤدي العدوى بالكليبسيلة التصلبية الأنفية إلى حدوث الآفة المسماة الورم الصلب الأنفي rhinoscleroma التي تتميز بظهور كتل التهابية في السبيل التنفسي العلوي. تشاهد بؤر

 يسير الداء سيراً مزمناً يمتد عدة سنوات، ويتميز بعدة مراحل بدءاً من التهاب الأنف النتحي exudative.r ثم الالتهاب الضموري، ويحدث في المراحل الأخيرة ارتكاس حبيبي gr.reaction يؤدي إلى ظهور الكتل الالتهابية آنفة الذكر في أي جزء من السبيل التنفسي العلوي بدءاً من المنخرين حتى تشعب الرغامى، وقد يمتد الارتكاس الالتهابي إلى الأنسجة المجاورة بما فيها العظام ويخربها.

يتظاهر الداء بانسداد الأنف والنزف الأنفي وتشوه الأنف مع تبارز كتلة التهابية من أحد المنخرين (الشكل-1). وقد تكون الشكوى نتن الأنف  ozena. يعتمد التشخيص على رؤية الجراثيم المسببة داخل الخلايا المنسجة histocyte في العينات المأخوذة من الآفات الظاهرة.

تعالج الآفة بالسيبروفلوكساسين بجرعة 250 ملغ مرتين يومياً مدة شهر، وقد يتطلب الأمر اللجوء إلى الجراحة واستئصال الكتل الموجودة في السبيل التنفسي العلوي.

3ً- المتقلبة

المتقلبات proteus جراثيم رمامة واسعة الانتشار في التربة والمياه ولا سيما مياه المجاري، وتشاهد في الإنسان في الأنبوب الهضمي واللحافات والفوهات الطبيعية، كما تشاهد في الأنبوب الهضمي في العديد من الحيوانات كالثدييات والطيور والأسماك. ينتمي جنس الجراثيم المتقلبة إلى فصيلة الجراثيم الأمعائية enterobacteriacea، ويضم هذا الجنس عدة أنواع أهمها من الناحية السريرية المتقلبات الرائعة p.mirabilis التي هي السبب في 90% من الأخماج بالمتقلبات، والمتقلبات الاعتيادية p.vulgaris. للمتقلبات شكل عصيات شديدة الحركة سلبية الغرام تملك كغيرها من الأمعائيات مستضدات جسدية o وأخرى سوطية (هدبية) لا أهمية لها من الناحية السريرية، كما أن لها خاصية إفراز إنزيم اليورياز urease شديد الفاعلية الذي يقلون البول ويسهم في تشكيل حصيات السبيل البولي .

يعد السبيل البولي المكان المفضل لحدوث أخماج المتقلبات المكتسبة في المجتمع وفي المستشفيات، وتأتي في المرتبة الثانية بعد الإشريكيات القولونية في إحداث الأخماج البولية. ويقدر أن المتقلبات هي السبب في 15% من الأخماج المتضاعفة في القسم العلوي من السبيل البولي ولا سيما في المرضى الذين تجرى لهم القثطرة البولية المتكررة، وقد تصل نسبة الإصابة بخمج السبيل البولي في هذه الفئة من المرضى إلى 20-45% في وضع القثطرة الدائمة، وتعود هذه النسبة المرتفعة من الأخماج البولية بالمتقلبات إلى قدرتها على إفراز إنزيم اليورياز الذي يُحلْمهhydrolyse   اليورية ويطلق الأمونيا الذي يُقلْون البول، ويؤدي هذا الأمر بدوره إلى ترسب المركبات العضوية وغير العضوية وتشكل بلورات الستروفيت  struvite وبلورات كربونات الأباتيت  apatite carbonate ومن ثم حدوث الحصيات، وكثيراً ما تكون هذه الحصيات سبباً في حدوث الانسداد البولي الذي ينتهي آخر الأمر بحدوث القصور  (الفشل) الكلوي r.failure. تؤدي المتقلبات أحياناً إلى أخماج في نواحٍ أخرى من الجسم كالتهابات الرئة التي تحدث على نحو خاص في نزلاء المستشفيات ومؤسسات الرعاية المزمنة  long-term-care. كما قد تكون السبب في حدوث أخماج السبيل الصفراوي والخرّاجات داخل البطن وتقرحات الاستلقاء  decubitus ulcer والقرحات سكرية المنشأ. ومن النادر حدوث تجرثم الدم بالمتقلبات الذي يكون مصدره عادةً الخمج البولي. تستجيب المتقلبة الرائعة للمعالجة بمعظم الصادات باستثناء التتراسيلكن. أما المتقلبة الاعتيادية فتبدي مقاومة للعديد من الصادات إلا أنها تستجيب جيداً للتري متوبريم - سلفا متو كسازول tmp-sm ومركبات الكينولون في 90% من الحالات.

 4ً- السلمونيلة

يضم جنس   genusالسلمونيلة Salmonella نوعاً واحداً species فقط هو السلمونيلة المعوية salmonella enterica، ويتضمن هذا النوع أكثر من 2000 نمط مصلي يتميز بعضها من بعض بمستضداتها الجسدية O المكونة من عديدات سكريات شحمية تكوّن جزءاً من جدار الخلية وبمستضداتها السوطية H. وهناك مستضد الغلاف ويرمز إليه بـ vi؛ وهما الحرفان الأولان من كلمة virulence  التي تعني الفوعة، ولا يشاهد هذا المستضد إلا في أنماط مصلية نادرة من السلمونيلات منها السلمونيلة التيفية. وقد تم تعرف عوامل مستضدية جسدية عديدة ترقم من 1-67، ويتألف المستضد الجسدي من عدد مختلف من هذه العوامل يشترك بعضها في عدّة أنماط. تؤدي دراسة المستضدات إلى وضع صيغة مستضدية لكل نمط من السلمونيلات ويعد المستضد O أساساً في التصنيف والمستضد H فرعياً.

يحمل بعض الأنماط المصلية اسماً خاصاً كالسلمونيلة التيفية الفأرية  s.typhimorium. أما الآن فيطلق على النمط اسم المكان الذي تم استفراده فيه، كنمط لندن ونمط فيينّا، مرفقاً بالصيغة المستضدية لهذا النمط. يوجد على جدار الجراثيم مستقبلات نوعية للعاثيات  bacteriophage. تستطيع بعض العاثيات أن تثبت نوعياً على بعض الجراثيم وتحلها. ولتحديد النمط الحالّ أهمية في الدراسات الوبائية، إذ توجد ضمن النمط المصلي الواحد من السلمونيلة أنماط فرعية عديدة يمكن كشفها عن طريق العاثية النوعية لكل من هذه الأنماط.

يمكن تقسيم السلمونيلات من الناحية السريرية إلى فئتين:

-1 السلمونيلات التيفية الممرضة للإنسان فقط، وتؤدي العدوى بها إلى الإصابة بالحمى التيفية أو نظيراتها A, B, C.

-2 السلمونيلات اللاتيفية التي تؤدي العدوى بها إلى التهاب الأمعاء والقولون الحاد، ويزيد عدد أنماط هذه الفئة على الألفين منها السلمونيلة التيفية الفأرية والسلمونيلة الملهبة للأمعاء s.enteritidis.

-1 السلمونيلة التيفية

السلمونيلة التيفية s.typhi هي العامل المسبب للحمى التيفية  typhoid، وهي مرض حموي طويل الأمد يتصف بحدوث حمى دقية hectic fever وخمج دموي مستمر ترافقه بأعراض جهازية متفاوتة الشدة وبعض الأعراض الهضمية. تؤدي العدوى ببعض الأنماط المصلية الأخرى من السلمونيلة وهي السلمونيلة نظيرة التيفية A, B, C ؛ إلى حدوث متلازمة سريرية مماثلة للحمى التيفية، وتدعى مجموعة هذه المتلازمات الحمى المعوية enteric fever تختلف شدة أعراض الحمى المعوية من حالة إلى أخرى فقد تكون الحمى خفيفة محددة لذاتها أو تكون شديدة تهدد حياة المريض.

الإنسان هو المستودع الطبيعي الوحيد للسلمونيلات التي تسبب الحمى المعوية، وتتم العدوى عن طريق الأطعمة أو المياه التي تلوثت ببراز المريض أو بوله أو براز الناقهين أو الحاملين المزمنين لهذه الجراثيم أو بولهم، ويبلغ الانتقال أقصاه في الطقس الحار، وتؤدي العدوى إلى حدوث الحمى أو إلى حالة حمل مزمن للجراثيم.

تصل السلمونيلات التيفية ونظيراتها عن طريق الفم إلى المعي الدقيق وتمر منها بسرعة إلى العقد المساريقية  وثم إلى الدم من دون أن تسبب أعراضاً معوية. تقوم البلاعم والكريات البيض وحيدة النواة باحتجاز الجراثيم في الجملة الشبكية البطانية حيث تتكاثر ثم تنطلق منها ثانية إلى المجرى الدموي محدثةً موجات من تجرثم الدم التي تترافق وظهور الأعراض السريرية. تتميز الحمى المعوية بفرط تنسج الجملة الشبكية البطانية التي تشمل الكبد والطحال والعقد اللمفاوية والجريبات اللمفية في الأنبوب الهضمي، وقد تتقرح هذه الجريبات مما يؤدي أحياناً إلى انثقاب المعي أو إلى نزف معوي بسبب تقرح أوعية الجدار المعوي.

تؤدي العدوى (الخمج) إلى حدوث مناعة خلوية سريعة الزوال وظهور راصات دموية جوالة جسدية O وهدبية H تستمر حتى سنتين. وتشير غَلَبة predominance حدوث الحمى المعوية في الأطفال والشباب في مناطق توطن الداء إلى وجود درجة من المناعة المكتسبة. وقد بينت التجارب التي أجريت على المتطوعين الذين مضى عشرون شهراً على شفائهم من الحمى التيفية ؛ أن إعطاءهم لقيحة معيارية inoculum من السلمونيلة التيفية أدى إلى إصابة 25% منهم بالداء مرة ثانية.

يقدر عدد الذين يصابون بالحمى التيفية في العالم كل عام بـ 27 مليون شخص، ويبلغ عدد الوفيات الناجمة عن الداء كل عام 200 ألف حالة. يبلغ معدل الوقوع السنوي incidence في البلدان التي يتوطن فيها الداء كالهند وإندونيسيا و إفريقيا جنوب الصحراء بـ 100-1600 حالة لكل مئة ألف من السكان؛ في حين تجاوز معدل الوفيات 10% في المرضى الذين عولجوا في المستشفيات في إندونيسيا.

التظاهرات السريرية: تراوح فترة الحضانة بين 7 و 14 يوماً في الغالبية العظمى من الحالات ولكنها قد تصل إلى 60 يوماً. الحمى هي العرض الرئيس في التيفية، وهي تستمر أربعة أسابيع إذا لم تعالج الآفة، ترتفع الحرارة تدريجياً في الأسبوع الأول وتصل في نهايته إلى 39ْ - 40ْ، ويرافق الحمى الصداع والألم البطني المعمم إلا أنه قد يتوضع في بعض نواحي البطن. أما الغثيان والقياء فهما نادران. قد يشكو بعض المرضى الإمساك في الأسبوع الأول، لكن الإسهال هو العرض الشائع. تشتد الأعراض في الأسبوعين الثاني والثالث وتستقر الحرارة حوالي 39ْ-40ْ من دون تبدلات نهارية، ويشكو المريض الضعف الشديد والانحطاط كما تضطرب حالته الذهنية.

لا يكشف الفحص السريري علامات مهمة باستثناء الحمى؛ إلا أن ما يلفت النظر وجود افتراق بين درجة الحرارة وسرعة النبض الذي يعده بعضهم علامة مميزة characteristic.وقد يظهر في مطلع الأسبوع الثاني طفح على جدار البطن يدعى البقع الوردية rosespots التي يزول لونها بضغطها، تزول البقع في بضعة أيام وهي قليلة المشاهدة في المرضى ذوي البشرة السمراء. يبدي فحص البطن إيلاماً معمماً وقد يكون موضّعاً في الربع السفلي الأيمن مما يدعو إلى الشبهة بالتهاب الزائدة الدودية الحادّ، كما يكشف الفحص وجود ضخامة كبدية طحالية خفيفة، ويأخذ مظهر المريض في نهاية هذه المرحلة ملامح خاصة تدعى السحنة التيفية typhoid facies . قد تشتد الأعراض كثيراً في الأسبوع الثالث وتتراجع الحالة العامة للمريض، وتظهر لديه أعراض الصدمة الخمجية  septic shock؛ ومن أهم علاماتها انخفاض الضغط الشرياني الانقباضي إلى أقل من 90 ملم، وهي ذات إنذار سيء. كما أن الاضطرابات النفسية الشديدة التي أطلق عليها اسم <<الاعتلال الدماغي معوي المنشأ>> enteric encephalopathy  ذات إنذار سيء جداً، وتتجلى باضطراب الوعي والهذيان والتخليط الذهني، وقد بلغ معدل الوفيات فيها في إحدى الدراسات 55%.

المضاعفات: يتعرض المصابون بالحمى التيفية لكثير من المضاعفات منها المضاعفات القلبية الدورانية (الصدمة، التهاب العضلة القلبية، التهاب التأمور...) والتنفسية (التهاب القصبات، التهاب الرئة...) والعصبية النفسية (التهاب السحايا، الاكتئاب...)؛ إلا أن هذه المضاعفات نادرة جداً وتتظاهر بعد الأسبوع الثاني من المرض، إلا أن أكثر هذه المضاعفات وأهمها هي انثقاب الأمعاء والنزف المعوي.

يحدث الانثقاب في أقل من 5% من الحالات، ويتوضع في اللفائفي، يبدأ على نحو مفاجئ مع علامات ألم بطن حاد، أو تدريجياً مما يزيد صعوبة التشخيص. يكشف تصوير الصدر الشعاعي في هذه الحالة وجود غاز حر تحت الحجاب الحاجز، وقد يكشف تخطيط الصدى وجود سائل في جوف البطن. يعالج الانثقاب جراحياً بسد الانثقاب مع مص المفرزات المعدية بالأنبوب الأنفي المعدي وتعويض السوائل والشوارد وتصحيح انخفاض الضغط. أما النزف الهضمي فقد يكون مفاجئاً وغزيراً يتجلى بوهط دوراني مفاجئ، أو بطيئاً يتجلى بانخفاض مترقٍ في الهيماتوكريت، وكثيراً ما يكون النزف الهضمي محدداً لذاته إلا أنه قد يحتاج إلى نقل الدم. ومما يلفت النظر حدوث هاتين المضاعفتين، النزف والانثقاب، في المريض نفسه، وكثيراً ما ينبئ النزف بقرب حدوث الانثقاب.

التشخيص: يعتمد التشخيص المؤكد للحمى المعوية على استفراد isolation العصيّات التيفية أو نظيراتها من دم المريض أو نخاعه العظمي بعد زرعه. يعطي زرع الدم نتائج إيجابية في 80% من حالات الحمى التيفية إذا أجري ضمن الشروط التقنية الدقيقة؛ في حين يعطي زرع النخاع العظمي نتائج أعلى من ذلك. يكون زرع الدم إيجابياً في 90% من المرضى في الأسبوع الأول من المرض ويبقى إيجابياً عدّة أسابيع إذا لم يعالج المريض، وتكون نتيجة زرع النقي إيجابية بنسبة كبيرة ولو عولج المريض. كما يمكن استفراد الجراثيم من البراز والبول بقصد تشخيص المرض.

الاختبارات المصلية: تظهر الرّاصات الموجهة للمستضدات الجسدية O في دم المريض في مطلع الأسبوع الثاني ويزداد ارتفاعها في الأسابيع التالية، يعد عيار الرّاصات 160/1 مشخصاً للتيفية حين وجود قصة سريرية موجهة (تفاعل فيدال). ويعد ارتفاع الأضداد الجسدية بمقدار أربعة أضعاف أكثر أهمية في التشخيص. قد تكون نتيجة تحري الرّاصات إيجابيةً كاذبة وهو ما يحدث في الأشخاص الذين أصيبوا سابقاً بالداء وفي المصابين ببعض الأخماج المعوية الأخرى أو الذين تلقوا سابقاً لقاحات واقية.

تضطرب بعض الاختبارات الدموية الأخرى في المصابين بالتيفية إذ ترتفع سرعة التثفّل وينخفض عدد الكريات الحمر؛ في حين تبقى الكريات البيض ضمن الحدود الطبيعية، كما ترتفع إنزيمات الكبد أحياناً على نحو يقلد التهاب الكبد الفيروسي الحاد.

المعالجة: غيرت المعالجة المبكرة بالصّادات الصورة السريرية للحمى التيفية التي ذكرت سابقاً؛ ففي كثير من بلدان العالم التي يتوطن فيها الداء يبدأ الأطباء بالمعالجة إذا كانت القصة السريرية موجهة للإصابة بالتيفية ولاسيما حين يشكو المريض حمى استمرت بضعة أيام مع أعراض بنيوية constitutional مرافقة، وفي غياب الأعراض والعلامات التي توحي وجود خمج في إحدى نواحي الجسم الأخرى. تتحسّس السلمونيلة التيفية ونظيراتها من الكلورامفنيكول الذي كان أول الصادات الفعالة في هذا المرض، ويعطى عن طريق الفم بجرعة 50-100مل/كغ من الوزن. كما تبين أن كو - تريموكسازول  co-trimoxazola  بمقدار 10 ملغ/كغ من المكون تريمتوبريم، والآموكسيسيلّين amoxicilline بمقدار 100 ملغ/كغ ذات فعالية مماثلة للكلورامفينيكول  وأقل سمية منه. ويجب أن تستمر المعالجة بكلٍّ من هذه الأدوية مدة أسبوعين. قلّ استعمال هذه الأدوية آنفة الذكر في كثير من البلدان بسبب انتشار الذراري المقاومة للعديد منها في تلك البلدان واستعيض عنها بأدوية فعالة في تلك الذراري ومنها مشتقات الفلوروكينولون fluoroquinoloone مثل السيبروفلوكساسون بجرعة 20 ملغ/كغ من الوزن عن طريق الفم تعطى على دفعتين، والأوفلوكساسين ofloxacin بجرعة 20 ملغ/كغ من الوزن عن طريق الفم على دفعتين. إلا أن المقاومة لهذه الأدوية بدأت بالظهور أيضاً في بلدان شرقي آسيا وإفريقيا، وفي هذه الحالة يمكن استعمال مركبات السفالوسبورين cefalosporin  واسعة الطيف مثل ceftriaxone الذي يعطى حقناً بمقدار 2غ /يوم مرة واحدة أو cefixime الذي يعطى بمقدار 20 - 30 ملغ/كغ من الوزن عن طريق الفم، ويجب أن يستمر العلاج بمختلف هذه الأدوية مابين 7 و 14 يوماً.

أما في الحالات عالية الخطورة من الحمى التيفية ذات الإنذار السيء، والتي يبدي فيها المريض أعراض الصدمة الخمجية أو «الاعتلال الدماغي معوي المنشأ» فقد أدت إضافة الـ dexamethzone إلى العلاج بالصادات وبمقادير عالية جداً (30 ملغ/كغ تسريباً في الوريد يتبعها 1ملغ/كغ في الوريد كل ست ساعات) إلى انخفاض معدل الوفيات إلى 10% مقارنة بمجموعة شاهدة بلغ معدل الوفيات فيها 55%.

معالجة حملة الجراثيم  carriers

يتابع الناقهون من الحمى التيفية طرح السلمونيلة التيفية في البراز مدة قد تصل إلى ثلاثة أشهر، وإذا استمر ذلك حتى السنة عدّ هؤلاء تعريفاً من الحملة المزمنين. وتشير دراسات التقصي إلى أن 25% من الحملة المزمنين لا يوجد في سوابقهم إصابة بالحمى التيفية. ينبغي معالجة الحملة المزمنين والناقهين إذا استمر طرح الجراثيم بعد ثلاثة أشهر من الشفاء، ولاسيما إذا كانت الأوضاع الاجتماعية والمهنية تسهّل انتقال العدوى منهم إلى الآخرين. يتطلب القضاء على الخمج المزمن eradication  معالجة طويلة الأمد وعالية الجرعة من الصادات. وقد استعمل لهذه الغاية الأمبيسلين أو كوتريموكساز بجرعات أعلى من المعتاد مدة ثلاثة أشهر وأعطت بعض النتائج الحسنة. وقد تبين حديثاً أن لاستعمال مركبات فلوروكينولون مثل سبيروفلوكساسين نتائج أفضل وبجرعة قدرها 1500 ملغ يومياً عن طريق الفم على دفعتين ومدة شهر واحد فقط.

اللقاحات: يتوفر الآن نوعان من اللقاحات المستخدمة للوقاية من الحمى التيفية. يتكون الأول من ذرية حية مضعفة ty21-a من الجراثيم، يؤخذ اللقاح 3-4 جرعات عن طريق الفم. إن سلامة هذا اللقاح وسهولة تناوله يجعلانه اللقاح المفضل لدى الكثيرين. ويتألف النوع الثاني من عديد السكاكر المحفظي V1 ويؤخذ بحقنة وحيدة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه اللقاحات لا تقي من العدوى بنظيرات التيفية، كما أنها لا تقي من العدوى بالتيفية إذا كانت اللقيحة الجرثومية كبيرة inoculum .

يفضل إعطاء لقاح التيفية للأطفال والشبان، وهما الفئتان الأكثر إصابة بالخمج التيفي، كما يعطى للمسافرين إلى البلدان التي يتوطن فيها الداء ولو كانت إقامتهم فيها قصيرة الأمد.

-2 داء السلمونيلات اللاتيفية

توجد الأنماط غير التيفية من السلمونيلة على نحو كبير في المملكة الحيوانية؛ فقد تم عزلها في الطيور والثدييات والزواحف والحشرات. تنتقل العدوى بهذه الأنماط إلى الإنسان عن الطريق الشرجي الفموي بعد تماس الحيوانات الحاملة لهذه الجراثيم، ولكن العدوى تحدث في معظم الحالات عن طريق تناول الأغذية الحيوانية الملوثة كالحليب ومشتقاته واللحوم ولاسيما لحوم الدجاج وبيوضه التي زاد استهلاكها كثيراً في العقود الأخيرة، كما قد تحدث العدوى عن طريق العديد من الأغذية الأخرى كالخضراوات والحليب المجفف والشوكولاه وغيرها.

يعتمد حدوث الأعراض المرضية بعد ابتلاع الجراثيم على كمية الجراثيم المبتلعة (اللقيحة)inoculom وفوعتها والحالة المناعية للثوي. تحدث الأعراض بعد ابتلاع كمية كبيرة من الجراثيم؛ فقد بينت الدراسات التي أجريت على المتطوعين أن الجرعة الممرضة تراوح بين 125 ألفاً و50 مليوناً من الجراثيم، تقل هذه الجرعة كثيراً عند تناول الأطعمة الغنية بالدسم كالأجبان والبطاطا المقلية والزبدة والفول السوداني فتصل إلى10-100 جرثومة فقط.

يعد الحمض المعدي والحركات التمعجية (الحوية) المعدية عوامل دفاع تجاه السلمونيلة، ففي حالة نقص الحمض المعدي أو انعدامه- كما يحدث في المسنين - وبعد عملية قطع المبهمين أو تناول مثبطات الإفراز المعدي ومضادات الحموضة؛ تكفي كمية قليلة من الجراثيم كي تحدث الأعراض التي تكون كذلك شديدة. تجتاج الجراثيم الخلايا الظهارية للمعي الدقيق والقولون مما يؤدي إلى ظهور الأعراض المرضية، أو أنها تتكاثر على السطح محدثة خمجاً لا عرضياً.

تتظاهر العدوى بالسلمونيلات اللاتيفية بأحد الأشكال التالية :

-1 حالة الحمل المعوي اللاعرضي: ويقصد بذلك وجود جراثيم السلمونيلات في البراز من دون أن ترافقه أعراض مرضية. ينجم الحمل المعوي اللاعرضي في معظم الأحيان عن خمج غير ظاهر أو عن خمج عرضي سابق. تستمر حالة الحمل المعوي عدة أسابيع أو عدة أشهر. أما إذا استمر وجود السلمونيلة في البراز مدة أكثر من سنة، وهو ما يحدث في 1% من الحالات؛ فمن المتوقع استمرار وجودها في البراز طوال الحياة.

-2 التهاب الأمعاء والقولون الحاد: تستمر الحضانة في هذا النحو من الخمج 8-24 ساعة في أغلب الأحيان لكنها قد تمتد حتى 48 ساعة. يبدأ المرض فجأة بألم بطني ماغص وإسهال يرافقه الغثيان والقياء أحياناً، كما ترتفع الحرارة في معظم الحالات وقد تصل إلى 40 درجة مئوية. يكون الإسهال مائياً ومتفاوت الكمية ولكنه قد يكون مخاطياً أو مدمى. تستمر الأعراض 2-3 أيام وقد تمتد حتى أسبوع. قد تكون الأعراض شديدة في بعض الحالات وتؤدي إلى الإنهاك prostration والتجفاف ولكنها نادراً ما تنتهي بالوفاة التي تنجم عن اضطراب السوائل والشوارد، وهو ما يصادف في الأطفال الرضع وعند الشيوخ المصابين بحالات مرضية أخرى. يكشف فحص البراز وجود الكريات البيض متعددة النوى، مما يدل على إصابة القولون، كما يكشف زرع البراز وجود السلمونيلة ويستمر ذلك 4-8 أسابيع أو أكثر من ذلك في الرضع ويندر أن يستمر أكثر من ستة أشهر.

-3 تجرثم الدم Bacteremia: يحدث تجرثم الدم في بعض المرضى بعد إصابتهم بالتهاب الأمعاء والقولونات، ولكنه قد يحدث من دون أن يسبقه التهاب معوي. يتظاهر تجرثم الدم بالحمى والنوافض التي قد تستمر أياماً أو أسابيع وتترافق والوهن ونقص الوزن والضعف العام. قد يؤدي تجرثم الدم إلى حدوث أخماج انتقالية metastatic تتوضع في الأوعية العصيدية والعظام والمفاصل والبدلات المفصلية  prosthesis. يحدث التهاب العظم والنقي في العظام الطويلة غالباً ويؤهب لحدوث الإصابة انحلال الدم المزمن ولا سيما فقر الدم المنجلي، وقد يتوضع الخمج الانتقالي في السحايا في الأطفال الرضع.

التشخيص: يعتمد التشخيص على عزل الجرثوم من البراز في الشكل الالتهابي المعوي، ومن الدم حين تجرثمه، ومن مكان الخمج في الأخماج الانتقالية. يشمل التشخيص التفريقي لتجرثم الدم بالسلمونيلة كل الأخماج الحادة والأسباب غير الخمجية للحمى.

المعالجة:

أ - يعد الالتهاب المعوي القولوني بالسلمونيلة محدداً لذاته، ويقتصر العلاج على تعويض السوائل والشوارد والمعالجة العرضية حين الضرورة. أما الأدوية التي تخفف من حركة الأمعاء مثل اللوبيراميد وديفنوكسيلات diphenoxilate فهي مضادة للاستطباب؛ إذ إنها تطيل مدة الإسهال، ولا يتطلب الأمر في معظم الحالات المعالجة بالصادات التي يمكن أن تطيل فترة طرح الجراثيم مع البراز بعد الشفاء، ولكنها تستطب في الحالات الشديدة التي يخشى فيها من تجرثم الدم كما هو الأمر في الأطفال في الأشهر الثلاثة الأولى من العمر، وفي مثبطي المناعة، والمصابين بفقر الدم المنجلي أو السرطان. والصاد المفضل في المعالجة هو السيبروفلوكساسين، وتستمر المعالجة مدة 7-10 أيام. كما تُعتمد المعالجة بـ cefotaxime أو ceftriaxone   في معالجة التهاب السحايا بالسلمونيلة في الأطفال الرّضع.

ب - يعالج تجرثم الدم بالسلمونيلة غير التيفية بالصادات التي تعطى في الحمى التيفية ذاتها، فموياً أو وريدياً وتستمر المعالجة مدة أسبوعين حين عدم وجود أماكن توضع انتقالية، ومدة أطول حين توضع الخمج في الأماكن التي تقدم ذكرها.

ج- يستمر وجود السلمونيلة في البراز بعد الشفاء عدة أسابيع أو أشهراً، ولا تحتاج هذه الحالة إلى المعالجة. أما حالة الحمل المزمن التي تستمر بالتعريف أكثر من سنة فتعالج بالأمبيسلين بمقدار 4-6 غ في اليوم مدة ستة أسابيع، كما يفيد في ذلك مركبات الكينولون.

5ً- الشيغلات

الشيغلات shigella جراثيم سلبية الغرام تشبه إلى حد كبير الإشريكيات القولونية، وتتميز منها من الناحية المورفولوجية بأنها غير متحركة، وهي أحد أجناس genus فصيلة الأمعائيات. والشيغلات جراثيم نوعية للسبيل الهضمي والثوي الوحيد لها هو الإنسان وتسبب له حين حدوث العدوى الإصابة بالزحار الذي يوصف بالزحار العصوي أو داء الشيغلات shiguellosis .

أمكن تمييز أربعة أنواع  species  من الشيغلات وهي:

-1 الشيغلة الزحارية  S.Dysenteriae

-2 الشيغلة الفلكسنرية  S.Flexneri

-3 الشيغلة البويدية  S.Boydii

-4 الشيغلة السونية S.Sonnei

ولكل من هذه الأنواع عدة أنماط مصلية باستثناء الشيغلة السونية التي لها نمط مصلي واحد.

تسبب الشيغلة الزحارية من النمط I شكلاً شديداً من الزحار العصوي قد ينتهي بالوفاة ولاسيما في الأطفال. أما الشكل الذي تسببه الشيغلة السونية فهو أقلها شدة. الشيغلة الفلكسنرية هي أكثر الذراري شيوعاً في البلدان المدارية؛ في حين تنتشر الشيغلة السونية في البلدان المتطورة أكثر من الذراري الأخرى.

تتم العدوى بالشيغلات عن الطريق البرازي - الفموي، وقد بينت الدراسات المجراة على المتطوعين أن حجم اللقيحة القادرة على إحداث المرض منخفضة جداً؛ إذ يكفي ابتلاع 10-100 جرثومة لإحداث الأعراض المرضية.

ينتقل الداء في أكثر الأحيان مباشرة من شخص إلى آخر، وهو ما يحدث في الأماكن المزدحمة ولاسيما حين تكون شروط التصححhygiene  متدنية كما في السجون والمدارس الإبتدائية ومستشفيات الأمراض العقلية وغيرها حيث تحدث من آن إلى آخر فاشيات من الزحار العصوي. كما حدثت فاشيات كان السبب فيها تلوث الماء والمواد الغذائية كالحليب والخضراوات بهذه الجراثيم.

ينتشر داء الشيغلات في جميع أنحاء العالم ويتوطن في بعض البلدان ولاسيما الواقعة في المناطق المدارية؛ حيث يصيب على نحو خاص الأطفال من سكانها الذين تراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات، وكثيراً ما يكون خطراً على الحياة في هذه الفئة من المرضى. وتقدر بعض الدراسات أن عدد الإصابات السنوية بهذا الداء يبلغ 165 مليون حالة في كل أنحاء العالم. أما عدد الوفيات التي يسببها سنوياً فيقدر بـ 600 ألف حالة في جميع أنحاء العالم معظمهم من الأطفال.

تتوضع الآفة في داء الشيغلات في القولون، ويندر جداً أن يصاب القسم النهائي من اللفائفي.

تجتاح الجراثيم مخاطية القولون وتتكاثر ضمنها إلا أنها يندر أن تتجاوز المخاطية إلى الطبقات الأخرى من الجدار أو تصل إلى المجرى الدموي إلا في حالات نادرة شوهدت عند مكبوتي المناعة أو الأطفال سيئي التغذية.

يؤدي اجتياح الجراثيم الغشاء المخاطي إلى حدوث وذمة في المخاطية ونخر في خلاياها وتشكل خراجات مجهرية وحدوث تقرحات فيها. تعلل هذه الآفات النسيجية ظهور الأعراض السريرية المميزة لداء الشيغلات؛ وهي الإسهال المخاطي القيحي المدمى.

يفرز النمط I من الشيغلة الزحارية ذيفاناً يدعى ذيفان شيغا shiga toxin، وكما في الإشريكية القولونية المنزفة، يؤدي الخمج بهذا النمط من الشيغلة في بعض الحالات إلى حدوث المتلازمة الانحلالية اليوريميائية H.U.S، ويرجح أن تعود شدة الأعراض في المصابين بهذا النمط من الشيغلة الزحارية إلى تأثير الذيفان في الشبكة الوعائية القولونية.

المظاهر السريرية:

تبدأ الأعراض على نحو مفاجئ بعد حضانة تراوح بين يوم واحد وسبعة أيام وتستمر غالباً يومين إلى ثلاثة أيام، وتتجلى بالألم البطني والتغوط المخاطي المدمى والحمى والإسهال المائي والتوعك، ويقتصر الأمر في كثير من الحالات على هذه الأعراض التي تستمر وسطياً مدة أسبوع ثم تتراجع تلقائياً وهو ما يحدث في العدوى بالشيغلات السونية.

أما في الحالات الشديدة ولاسيما التي تنتج من العدوى بالشيغلات الزحارية نمطفإن الأمر يتطور بسرعة ويزداد عدد مرات التبرز زيادة كبيرة قد يصل إلى 100 مرة في اليوم الواحد ويرافق التغوط آلام حارقة شديدة في المستقيم، كما تشتد الآلام البطنية والحمى، وتتأثر حالة المريض العامة على نحو واضح.

ويبين الجدول التالي نسبة حدوث الأعراض آنفة الذكر في هذا الداء:

- الحمى 30-40%

- الألم البطني 70-93%

- الإسهال المائي 30-40%

- الإسهال المخاطي 70-85 %

- الإسهال المخاطي المدمى 35-55%

يتعرقل سير الداء في الحالات الخطرة ببعض المضاعفات مثل نقص صوديوم الدم  hyponatremia ونقص الغلوكوز في الدم hypoglycemia والصدمة الخمجيةseptic shock والمتلازمة الانحلالية الدموية آنفة الذكر وتوسع القولون السمي toxic megacolon .

وقد تظهر في المريض بعض الأعراض العصبية بصورة اختلاجات أو حالة سحائية  meningismus من دون تبدل السائل الدماغي الشوكي. تحدث الاختلاجات على نحو خاص في الأطفال دون السنة الخامسة عشرة من العمر ويزداد خطر الوفاة في الأطفال المصابين بها.

أما المضاعفات المتأخرة التي تظهر بعد شفاء المريض فأهمها التهاب المفاصل الارتكاسي الذي يتناول المفاصل الكبيرة على نحو خاص ويتلو عادة العدوى بالشيغلة الفلكسنرية.

يعتمد تشخيص داء الشيغلات على المثلث العرضي المؤلف من الآلام البطنية والإسهال ولاسيما الإسهال المخاطي المدمى والألم الحارق في المستقيم، ويدعم التشخيص وجود الكريات الحمر والكريات البيض متعددة النوى بفحص البراز المباشر. إلا أن تمييز هذا الداء من الأمراض الأخرى التي تسبب متلازمة زحارية- كالخمج بالسلمونيلة أو بالعطيفات وغيرها- لا يتم إلا بزرع البراز واستفراد الجرثومة المسببة.

المعالجة:

تعتمد المعالجة على القواعد التالية:

-1 إمهاء المريض rehydration الذي قد يتحقق في معظم الحالات بإعطاء السوائل عن طريق الفم. أما في الحالات الشديدة فقد يكون فقد السائل والشوارد شديداً يتطلب الإمهاء عن طريق تسريب السوائل وريدياً.

-2 يدعو معظم الأطباء إلى إعطاء الصادات ولاسيما في الحالات الشديدة أو المتوسطة الشدة، فقد تبين أن المعالجة بالصادات تنقص الشكوى من الحمى والإسهال مدة يومين، كما أنها تنقص مدة طرح الجراثيم في البراز مما يخفف خطر انتقال الداء المباشر من شخص إلى آخر. يجب البدء بإعطاء الصادات من دون انتظار نتائج زرع البراز واختبارات التحسس ولاسيما في المسنين والأطفال المصابين بأعراض شديدة تستدعي الاستشفاء. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة ذرارٍ من الشيغلات مقاومة لبعض الصادات مثل الأمبيسيلين وتريميتوبريمtrimethoprim  والكلورامفنيكول والتتراسيكلين في البلدان التي يتوطن فيها الداء مثل جنوب شرقي آسيا؛ مما دعا إلى إهمالها في المعالجة التجريبية(التخبرية) empiric واللجوء إلى صادات أخرى أكثر فاعلية.

وقد بينت الدراسات أن مركبات الكينولون quinolones هي أفضل هذه الأدوية ومنها السيبرفلوكساسين   ciprofloxacine وأوفلوكساسين  أو كلاهما معاً التي تعطى عن طريق الفم  ولاسيما أنها فعالة في معالجة الإسهالات الأخرى جرثومية المنشأ مثل التهاب المعدة والأمعاء بالسلمونيلات أو العطيفات. تستمر المعالجة بهذه الأدوية 5-7 أيام. أما في البلدان التي كشفت فيها الدراسات ظهور مقاومة أيضاً لهذه المركبات فيلجأ إلى المعالجة بالجيل الثالث من السفالوسبورين مثل ceftriaxone . يجب تجنب استعمال مضادات الإسهال كالأفيونيات ومثيلاتها مثل دي فنوكسيلات diphenoxilate ولوبيراميد loperamid لأنها قد تطيل مدة المرض وقد تكون السبب في حدوث توسع القولون السمِّي سيء الإنذار.

6ً- العطيفات  campylobacter

يشمل جنس العطيفات genus عدة أنواع من الجراثيم التي تسبب أخماجاً معوية عند الإنسان مثل العطيفة الصائميةc.geguni  والعطيفة القولونية c.coli ومنها العطيفة الجنينية c.fetus التي تسبب أحياناً أخماجاً جهازية في متدني المناعة. أهم هذه الأنواع العطيفة الصائمية وهي جرثومة مطاعمة commensal تعيش في الأنبوب الهمضي لكثير من الحيوانات الداجنة كالأبقار والأغنام والطيور إلا أن مدة بقائها في الوسط الخارجي قصيرة.

تسبب العطيفات جزءاً كبيراً من التهابات المعي والقولون الجرثومية في البلدان الصناعية؛ ففي عام 2010 سجل في إنكلترا أكثر من 62 ألف حالة من الخمج بالعطيفات عند الإنسان، علماً بأن الحالات التي يصرح بها تقدر بواحد من كل تسع حالات. كما بينت بعض الدراسات أن العدوى بالعطيفات كانت السبب في حدوث إسهال المسافرين بنسبة بلغت 15% في بعض الحالات. وهذه الجراثيم- خلافاً للخمج بالسلمونيلة- لا تتكاثر في الأطعمة التي تتلوث بها لذلك يندر أن تكون سبباً في حدوث الفاشيات outbreaks، ومع ذلك شوهدت فاشيات ناجمة عن سوء بسترة pasteurization المياه أو كلورتها chlorination.

الجرعة المعدية من العطيفات منخفضة، إذ إنها تقل عن ألف جرثومة، تجتاج الجراثيم في البدء مخاطية الصائم واللفائفي ثم تنتقل إلى القولون والمستقيم. يؤدي اجتياح الجراثيم جدار المعي إلى احتقان المخاطية المعوية وارتشاحها بالكريات البيض متعددة النوى، ويرافق ذلك تضخم العقد اللمفاوية المساريقية.

التظاهرات السريرية :

تمتد فترة الحضانة وسطياً ثلاثة أيام ويندر أن تتجاوز الأسبوع الواحد. تبدأ الأعراض بالحمى والآلام المعممة والإسهال. يكون الألم البطني معمماً لكنه قد يتوضع في بعض النواحي مما يدعو إلى الالتباس بآفة محددة ولاسيما التهاب الزائدة الدودية. تختلف شدة الإسهال وقد يكون مدمى في بعض الحالات ولكنه يندر أن يتجاوز 2-3 أيام. يكشف فحص البراز وجود الكريات البيض متعددة النوى مما يدل على التهاب القولون.

يحدث في 1% من المرضى التهاب المفاصل الارتكاسي بعد أسبوع حتى ثلاثة أسابيع من بدء المرض. ويعد التهاب الأمعاء بالعطيفات أكثر الحوادث التي تؤدي إلى حدوث متلازمة غيلان باريه guillain-barre؛ إذ تبين أن 26-41% من الإصابة بهذه المتلازمة حدث بعد أسبوع إلى ثلاثة من بدء الإسهال في المصابين بالتهاب الأمعاء بالعطيفات.

يعتمد التشخيص على زرع البراز الذي يتم في أوساط خاصة، وتحضن المزرعة في حرارة ْ43 درجة ونسبة أكسجين في الجو 5-15 % وثاني أوكسيد الفحم بنسبة 1-10%.

المعالجة:

معظم حالات الخمج بالعطيفات محددة لذاتها  self-limiting، ولا يتطلب الأمر في بعض الحالات سوى تعويض السوائل والشوارد. أما المعالجة بالصادات فتستطب في بعض الحالات كالحمى الشديدة والإسهال الشديد والبراز المدمى واستمرار الأعراض مدة تزيد على الأسبوع. تستجيب أكثر ذراري العطيفات للمعالجة بالإريترومايسين erythromycin بجرعة 250 ملغ كل ست ساعات مدة أسبوع. كما أن مركبات fluoroquinolone  فعالة في معالجة هذا الخمج مثل سيبروفلوكساسين بجرعة 500 ملغ مرتين يومياً مدة أسبوع.

7ً- الحلزونية البوابية

الحلزونية البوابية helicobacter pylori  (الملوية البوابية) جرثومة حلزونية الشكل سلبية الغرام أليفة الهواء القليل microaerophylic شديدة الحركة، ويعود ذلك إلى وجود عدد من السياط في أحد قطبيها مما يساعدها على الحركة في الوسط اللزج. وهي بطيئة النمو في  الأوساط الزرعية وقد تأخذ شكلاً عصوياً أو مكوراتياً coccoid إذا كان الوسط الذي تعيش فيه غير مناسب لمعيشتها.

اكتشف «وارن ومارشال» هذه الجراثيم في خزعات من معدة مصابة بالتهاب مزمن عام 1983، وصنفت بادئ الأمر مع جنس العطيفات campilobacter ثم تبين بعد ذلك أنها تعود إلى جنس مستقل من الجراثيم الأمعائية، واتضح تدريجياً علاقتها بعدة أمراض معدية ولاسيما القرحة الهضمية.

تتميز هذه الجراثيم من الناحية الحيوية الكيميائية بقدرتها على إفراز عدد من الإنزيمات أهمها إنزيم اليورياز urease الذي يساعدها على العيش والتكاثر في الوسط المعدي الحامض. يقوم إنزيم اليورياز بحلمهة hydrolyse   اليورية الموجودة في اللمعة المعدية، وينتج من ذلك تشكل ثاني أوكسيد الفحم والأمونيا الذي يعدل حموضة المعدة ويشكل حول الجرثومة ما يشبه الغطاء الواقي الذي يتيح لها العيش ومن ثم اختراق الطلاء المخاطي الذي يغطي الظهارة المعدية ، ومما يساعدها على هذا الاختراق حركتها الشديدة الناجمة عن السياط الموجودة في أحد قطبيها والإنزيمات الحالة للميوسين mucolytic التي تنتجها . تلتصق الجراثيم بعد اختراقها الطلاء المخاطي بخلايا الظهارة المعدية عن طريق ارتباط اللصوق adhesin الموجود على سطح الجرثومة بمستقبلات نوعية في الخلايا الظهارية .

الوبائيات: يعد الخمج بالحلزونية البوابية أكثر الأخماج المزمنة انتشاراً في العالم، ويقدر أن أكثر من 50%   من سكان العالم مصابون بهذا الخمج الذي يشاهد في جميع الدول وفي كل الأعمار، ولكنه أكثر انتشاراً في البلدان النامية مما هو في البلدان المتطورة. تحدث العدوى غالباً في سن الطفولة ويستمر الخمج طوال العمر إذا لم يعالج. ويرتفع معدل الانتشار مع تقدم العمر إلى أن يبلغ 80% في الكهول الذين بلغوا الخمسين من العمر في البلدان النامية.

إن أكثر عوامل خطر حدوث العدوى بهذا الخمج هو انخفاض المستوى الاقتصادي الاجتماعي للعائلة في سن الطفولة والشروط المعيشية المتدنية في هذه المرحلة من العمر. ويؤيد ذلك ما لوحظ من انخفاض معدل الانتشار مع تحسن المستوى الاقتصادي الاجتماعي في بعض الدول.

لا تعرف على الضبط طريقة انتقال العدوى بالحلزونية البوابية، إلا أن المرجح هو الانتقال المباشر من شخص إلى آخر عن الطريق البرازي - الفموي أو الفموي - الفموي، ومما يؤيد ذلك تعدد الإصابات في العائلة الواحدة . ويبدو أن الإنسان هو المستودع الوحيد للجراثيم، إلا أن بعض الدراسات بينت وجود الخمج في الحيوانات المنزلية كالقطط، مما يوحي إمكان انتقال العدوى منها إلى الإنسان، كما كشفت التحريات وجود الجرثومة في المياه المنزلية في بلدان توطن الداء. ومن المؤكد كذلك حدوث الانتقال بالوسائط العلاجية iatrogenic نتيجة استعمال أدوات طبية سيئة التعقيم كالمناظير الهضمية والقثاطر. والعاملون في أقسام الأمراض الهضمية أكثر عرضة من غيرهم للعدوى بسبب تماسهم بالمفرزات المعدية

ومن الجدير بالذكر أن عودة الإصابة بالخمج reinfection  بعد المعالجة الناجحة أمر قليل الحدوث، وأن عودة الخمج يمثل في غالب الأحيان أيبوبة recrudescence المرض بالسلالات السابقة نفسها من الجرثوم.

الأعراض: يؤدي الخمج بالحلزونيات البوابية إلى حدوث تبدلات نسيجية وفيزيولوجية في الغشاء المخاطي للمعدة والبصلة الإثني عشرية تكون السبب في حدوث أمراض متفاوتة الأعراض تبدو بعدة أشكال وهي:

-1 التهاب المعدة المزمن من نمط التهاب المعدة المزمن الفعال chronic active gastritis الذي يبقى لا عرضياً عادةً. قد يتطور التهاب المعدة ويأخذ شكل التهاب المعدة المزمن الضموري الذي يؤهب إلى حدوث الحؤول المعدي metaplasia  ومن ثم سرطانة المعدة الغدية في بعض الحالات .

-2 القرحة الهضمية : إذ تبين أن 95% من المصابين بالقرحة الإثنى عشرية مصابون بالتهاب المعدة بالحلزونيات، كما أن نحو 80% من المصابين بقرحة المعدة مصابون أيضاً بالتهاب المعدة بالحلزونيات. وقد أكدت الدراسات أن القضاء على الخمج بالحلزونيات يؤدي إلى شفاء القرحة كما أنه يخفض معدل النكس إلى أقل من 10% كل عام .

-3 سرطانة المعدة الغدية adenocarcinoma: ويقدر أن ما يقرب من نصف حالات سرطانة المعدة في البلدان النامية تعزى إلى الخمج بالحلزونيات. كما تعد الحلزونية البوابية سبباً في حدوث اللمفومة التي تنشأ على حساب النسيج اللمفاوي في المخاطيات mucosa associated lymphoid tissue (malt)  وتدعى لذلك مالتوما maltoma ، ومما يؤكد العلاقة السببية بين الخمج والمالتوما هو هدأة remisson  المالتوما بعد القضاء على الحلزونيات بالمعالجة الدوائية

التشخيص: يشخص الخمج بالحلزونية البوابية بعدة طرق  منها الطرق الباضعة invasive، وهي التي تحتاج إلى خزعة من المعدة لإجرائها، ومنها الطرق غير الباضعة noninvasive .

أ- الطرق الباضعة:

-1 اختبار إنزيم اليورياز: توضع خزعة المعدة على صفيحة زجاجية مغطاة بطبقة من الأغار تحوي اليورية وكاشفاً للباهاء .pH reagent فإذا كانت الحلزونية موجودة في الخزعة أدى إنزيم اليورياز الجرثومي إلى انشطار اليورية وتحرير الأمونيا الذي يُحدث وسطاً قلوياً يعرف من تغيير لون الأغار وهو الدليل على وجود الحلزونية.

-2 الفحص النسيجي للخزعة: الذي يبين وجود الحلزونيات فيها ولاسيما بعد تلوين المحضر ببعض الملونات الخاصة.

-3 زرع الخزعة: الذي يندر اللجوء إليه لصعوبته، ويستعمل فقط لاختبار حساسية الجرثوم للصادات.

ب - الطرق غير الباضعة:

-1 اختبار النَفَس باليورية  urea breathtest

يعطى المريض عن طريق الفم اليورية المعلّمة بالكربون C13 أوC14 . تقوم الحلزونية في حالة وجودها في المعدة بحلمهة  hydrolysis اليورية وتحرير الأمونيا وثاني أوكسيد الكربون CO2  المعلَّم الذي يطرح مع هواء الزفير ويدل وجوده على الإصابة بالخمج بالحلزونيات البوابية.

-2 الاختبار المصلي: يعتمد على كشف الأضداد النوعية بالحلزونية البوابية من نمط  IgG في دم المريض.

-3 فحص البراز وكشف مستضدات الحلزونية فيه.

المعالجة: يتطلب القضاء على الحلزونيات البوابية في المعدة استعمال بعض الصادات مثل التتراسيكلين والأموكسيسلين مع أحد مثبطات مضخة البروتون PPI مثل اللانسوبرازول . يقترح أكثر المؤلفين المعالجة الثلاثية التالية:

-1 أموكسيسلين 1000 ملغ مرتين يومياً + كلايثروروماسين 500 ملغ مرتين يومياً +لانسوبرازول 30ملغ مرتين يومياً، وتستمر المعالجة 10- 14 يوماً. وحين وجود تحسس من البنسيلين يستبدل الأموكسيسلين بالمترونيدازول ويعطى بمقدار 500 ملغ مرتين يومياً .

-2  أما المعالجة الرباعية فيوصى باستعمالها حين إعادة المعالجة بسبب إخفاق المعالجة السابقة أو بسبب نكس القرحة وتتضمن: تتراسيكلين 500 ملغ أربع مرات يومياً + ميترو نيدازول 250 ملغ أربع مرات يومياً + بزموت بمقدار 500 ملغ أربع مرات يومياً + أحد مثبطات مضخة البروتون مرتين يومياً. وتستمر المعالجة  10 - 14 يوماً.

 

 

                                                                      


التصنيف : الأمراض الخمجية
النوع : الأمراض الخمجية
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 91
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 551
الكل : 29604517
اليوم : 59433