logo

logo

logo

logo

logo

التحمل المناعي والمناعة الذاتية

تحمل مناعي ومناعه ذاتيه

-

 التحمُّل المناعي والمناعة الذاتي

التحمُّل المناعي والمناعة الذاتية

Immunological Tolerance and Autoimmunity

أهميّة التحمُّل المناعي وآلياته المناعة الذاتية
التحمُّل المركزي للمفاوية التائية دور الأخماج والمؤثرات البئية المختلفة
التحمّل المحيطي للمفاوية التائية الخلاصة
تحمل اللمفاويات البائية  
 

إن إحدى المميزات البارزة للجهاز المناعي هي التفاعل مع تنوعات متعددة من مستضدات المكروبات وعدم التفاعل مع مستضدات الذات. ويسمّى غياب الاستجابة لمستضدات الذات التحمُّل المناعي، وتتم المحافظة على هذا التحمُّل على الرغم من حقيقة أنّ الآليات الجزيئية التي تحدّد نوعيّة مستقبلات اللمفاويات لا تعتمد على استبعاد مستقبلات مستضدات الذات؛ أي إنّ اللمفاويات القابلة لتعرّف مستضدات الذات تتكوّن دائماً في أثناء العملية الطبيعية لنضج اللمفاويات. إضافة إلى ذلك؛ فإن مستضدات الذات مُتاحة وجاهزة للوصول إلى الجهاز المناعي، لذلك فإن عدم الاستجابة لهذه المستضدات لا يمكن أن يستمر ببساطة بحجب هذه المستضدات عن اللمفاويات. وثمّة آليات تمنع حدوث الاستجابات المناعية تجاه مستضدات الذات وهذه الآليات مسؤولة عن واحدة من المعالم الرئيسية للجهاز المناعي، وهي قابليته للتمييز بين مستضدات الذات ومستضدات غير الذات (غالباً مكروبية). وإذا فشلت هذه الآليات؛ يمكن للجهاز المناعي أن يهاجِم خلايا الشخص وأنسجته. وتسمى الاستجابات المناعية تجاه مستضدات الذات المناعة الذاتية، وتسمى الأمراض الناجمة عن وجودها أمراض المناعة الذاتية. إضافة إلى تحمُّل وجود مستضدات الذات؛ فإن الجهاز المناعي يتعايش مع المكروبات المطاعِمة التي تعيش في ثويِّها البشري في حالة تكافُل، كما يتقبّل الجهاز المناعي للسيدة الحامل وجود الجنين الذي يحمل مستضدات من الأب. ويكون غياب الاستجابة للمكروبات وللجنين مستديماً بآليات عديدة مشابهة لآليات غياب الاستجابة لمستضدات الذات.

وسيُجاب في هذا الفصل عن الأسئلة التالية:

• كيف يحافظ الجهاز المناعي على عدم الاستجابة لمستضدات الذات؟

• ما العوامل التي تسهم في فَقْدِ تحمّل الذات وحدوث أمراض المناعة الذاتية؟

أهميّة التحمُّل المناعي وآلياته:

التحمُّل المناعي هو غياب الاستجابة لمستضدات تم تعريض اللمفاويات لها. وعندما تلتقي لمفاويات تحمل مستقبلاتٍ لمستضدات محدَّدةٍ بهذه المستضدات يكون للنتيجة عدّة احتمالات ممكنة. ويمكن أن تتفعّل اللمفاويات لتتكاثر وتتمايز إلى خلايا فعّالة وخلايا ذاكرة، ينتج منها الاستجابة المناعية، وتُسمى المستضدات التي تبعث هذه الاستجابة مستمنِعات immunogenic. ويمكن أن تكون اللمفاويات غير فعّالة وظيفياً أو مقتولة؛ مما يؤدي إلى التحمّل، وتُسمى المستضدات التي تحرض التحمّل مولِّدات التحمّل tolerogenic. في بعض الحالات لا تتفاعل اللمفاويات النوعية لمستضد بأي طريقة، وتسمى هذه الظاهرة الجهل المناعي؛ أي إن اللمفاويات ببساطة تتجاهل وجود المستضد. وفي الحالات الطبيعية تكون المستضدات المكروبية مستمنِعات، وتكون مستضدات الذات مولّدات تحمّل.

إن الخَيار بين تفعيل اللمفاويات أو تحمّلها يحدّده غالباً طبيعة المستضد والإشارات الإضافية التي تتكون عندما يُقدَّم المستضد للجهاز المناعي. ويمكن للمستضد ذاته أن يدخل الجسم بطرق مختلفة، فيحرّض على حدوث استجابة مناعية أو تحمّل مناعي. وتم تسخير هذه الملاحظات التجريبية في تحليل العوامل التي تحدّد عواقب التعرض للمستضد فيما إذا كانت تفعيل اللمفاويات أو تحمّلها.

إنّ ظاهرة التحمّل المناعي مهمّة لعدّة أسباب. أولاً- لأن مستضدات الذات في الحالات الطبيعية يجري تحمّلها، وفشل التحمّل هو سبب الأمراض المناعية الذاتية. ثانياً- إذا تعلمنا كيف نحرض تحمّل اللمفاويات النوعية لمستضدات محدَّدة، يمكن أن نتمكن من استعمال هذه المعرفة في منع أمراض التفاعلات المناعية أو ضبطها. وتم اختبار استراتيجيات تحريض التحمّل في معالجة الأمراض الأرجية والأمراض المناعية الذاتية وفي منع رفض الطعوم المزروعة. ويُمكن أن تكون هذه الاستراتيجيات ذاتها قيمة في المعالجة الجينية لمنع الاستجابات المناعية تجاه نواتج التعبير عن الجينات أو حتى تجاه الخلية الجذعية المزروعة إذا كان المتبرِّع بها مختلفاً جينيّاً عن المتلقّي.

ويمكن التحريض على حدوث تحمّل مناعي لمختلف مستضدات الذات عندما تلتقي اللمفاويات في طور النضج هذه المستضدات في الأعضاء اللمفية التوالدية generative (المركزية)، وتسمى هذه العملية التحمّل المركزي، أو عندما تلتقي اللمفاويات الناضجة هذه المستضدات في الأعضاء اللمفية المحيطية (الثانوية) أو الأنسجة المحيطية، وتسمى هذه العملية التحمّل المحيطي (الشكل١). التحمّل المركزي هو آلية تحمّل تحدث فقط تجاه مستضدات الذات التي توجد في الأعضاء اللمفية التوالدية، وهي نقي العظم والتوتة. أما التحريض على تحمّل مستضدات الذات غير الموجودة في هذه الأعضاء والمحافَظة على هذا التحمّل؛ فيجب أن يحدث بآليات محيطية.

الشكل (١): التحمّل المركزي والتحمّل المحيطي لمستضدات الذات. التحمّل المركزي: اللمفاويات غير الناضجة النوعية لمستضدات الذات يمكن أن تلتقي هذه المستضدات في الأعضاء اللمفية التوالدية (المركزية) وتموت أو تُحذَف. تقوم اللمفاويات البائية بتبديل نوعيتها للمستضد (تعديل المستقبل)، وتتطوّر بعض اللمفاويات التائية إلى خلايا تائية منظِّمة. يمكن أن تكمِّل بعض اللمفاويات المتفاعلة مع الذات نضجها. وتدخل الأنسجة المحيطية. التحمّل المحيطي: ويمكن أن تُعَطَّل اللمفاويات الناضجة المتفاعلة مع الذات أو تُحذَف حين تلتقي المستضدات الذاتية في الأنسجة المحيطية أو يتم كبتها بالخلايا التائية التنظيمية.

بعد هذه المقدمة سيتم شرح آليات التحمّل المناعي، وكيفية حدوث الأمراض المناعية الذاتية عند فشل أي آلية منها. سيُناقَش تحمّل الخلايا التائية أولاً، خاصة اللمفاويات التائية المساعدة CD4+؛ لأن العديد من آليات تحمّل الذات يتم تحديدها من قبل هذه الخلايا. إضافة إلى ذلك؛ فإن الخلايا التائية المساعدة CD4+ تقوم فعلياً بتنسيق كل الاستجابات المناعية للمستضدات البروتينية، لذلك فإنّ التحمّل في هذه الخلايا يمكن أن يكون كافياً لمنع الاستجابات المناعية الخلوية والخلطية تجاه مستضدات الذات. وبالعكس؛ فإن فشل التحمّل الذي تبديه الخلايا التائية المساعِدة يمكن أن يسبِّب المناعة الذاتية التي تتظاهر بهجمات متواسطة بالخلايا التائية ضد مستضدات الذات أو بإنتاج أضداد ذاتية ضد بروتينات الذات.

التحمُّل المركزي للمفاوية التائية:

تتضمّن الآليات الرئيسية للتحمّل المركزي للخلايا التائية موت الخلايا التائية غير الناضجة وتكوين خلايا تائية CD4+ منظِّمة (الشكل٢). وتتألَّف اللمفاويات التي تتطور في التوتة من خلايا لها مستقبلات قادرة على تعرّف عدة مستضدات ذاتية وغريبة. وإذا تفاعلت اللمفاويات- التي لم تكمل نضجها- بقوة مع مستضدات الذات المقدَّمة كببتيدات مرتبطة بجزيئات معقدات التوافق النسيجي الكبير MHC الذاتية؛ فإنها تتلقّى إشارات تثير استماتتها. وهكذا تموت الخلايا المتفاعِلة تجاه الذات قبل أن تصبح كفؤاً وظيفياً. وتُسمى هذه العملية الانتقاء السلبي، وهي الآلية الرئيسية للتحمّل المركزي. وتؤثّر عملية الانتقاء السلبي في الخلايا التائية CD4+ والخلايا التائية CD8+ المتفاعلة تجاه الذات؛ التي تتعرّف ببتيدات ذاتية يتم تقديمها في جزيئات معقدات التوافق النسيجي الكبير MHC-I و MHC-II على الترتيب. ولم يُعرَف بعد لماذا تموت اللمفاويات غير الناضجة عند تلقّيها إشارات قويّة متواسطة بمستقبل الخلية التائية TCR في التوتة، في حين تتفعّل اللمفاويات التائية الناضجة التي تتلقى إشارات قويّة في الأعضاء اللمفية المحيطية.

الشكل(٢): التحمّل المركزي للخلية التائية: يمكن أن يؤدّي التعرّف القوي للخلايا التائية إلى مستضدات الذات في التوتة إلى موت هذه الخلايا (انتقاء سلبي أو حذف)؛ أو تطوّرها إلى خلايا تائية منظِّمة تدخل إلى الأنسجة المحيطية.

لا تموت بعض الخلايا التائية CD4+ التي تتعرّف مستضدات الذات بألفة عالية في التوتة؛ لكنّها تتطوّر إلى خلايا تائية تنظيمية (منظِّمة)، وتدخل إلى الأنسجة اللمفية المحيطية (الشكل٢). لم يُعرَف بعد ما الذي يحدّد فيما إذا كانت اللمفاوية التوتية التي تتعرّف مستضدّاً ذاتيّاً ستموت أو ستصبح لمفاوية تائية تنظيمية. ويمكن أن تتفاعل اللمفاويات غير الناضجة بقوة مع مستضد؛ إذا وُجِدَ المستضد بتراكيز عالية في التوتة؛ وإذا عبّرت اللمفاويات عن مستقبلات تتعرّف بألفة عالية هذا المستضد. ويمكن أن تتضمَّن المستضدات التي تحرِّض على الانتقاء السلبي بروتينات وافرة في كل الجسم، مثل بروتينات البلازما والبروتينات الخلوية الشائعة.

ومن المدهش أنّ العديد من بروتينات الذات التي توجد بشكل طبيعي فقط في بعض الأنسجة المحيطية يمكن أن توجد في بعض الخلايا الظِّهارية للتوتة أيضاً. وثمّة بروتين يُسمى المنظِّم المناعي الذاتي AIRE)) autoimmune regulator ، هو المسؤول عن وجود مستضدات الأنسجة المحيطية هذه في التوتة. وتسبب الطفرات في جين AIRE اضطراباً يسمى متلازمة الغدد الصم المتعددة المناعية الذاتية. في هذا المرض لا يعبَّر التعبير عن العديد من المستضدات النسيجية في التوتة بسبب العوز الوظيفي للبروتين AIRE، لذلك لا تُستبعَد الخلايا التائية غير الناضجة النوعية لهذه المستضدات، ولا تتطوّر إلى خلايا تنظيمية، وتبقى قادرة على التفاعل على نحو مؤذٍ ضد مستضدات الذات. وإنّ الانتقاء السلبي غير كامل، وهناك العديد من اللمفاويات المتفاعِلة تجاه الذات في الأشخاص الأصحّاء، ويمكن للآليات المحيطية أن تمنع تفعيل هذه اللمفاويات.

التحمّل المحيطي للمفاوية التائية:

يتم التحريض على التحمّل المحيطي عندما تتعرّف الخلايا التائية الناضجة مستضدات الذات في الأنسجة المحيطية؛ مما يؤدّي إلى استعطال anergy وظيفي أو موت الخلية المتعرِّفة، أو عندما تُكبَت اللمفاويات المتفاعِلة تجاه الذات من قبل الخلايا التائية التنظيمية (الشكل٣). وإنّ التحمّل المحيطي مهمٌّ بجلاء في منع استجابات الخلية التائية لمستضدات الذات غير الموجودة في التوتة، ويمكن أن توفر كذلك آليات مساعِدة لمنع حدوث المناعة الذاتية في الحالات التي لا يكون فيها التحمّل المركزي كاملاً.

الشكل(٣): التحمّل المحيطي للخلية التائية: أ- تتطلَّب الاستجابات الطبيعية للخلية التائية تعرّف المستضد والتنبيه المشارك. ب- ثمّة ثلاث آليات رئيسية للتحمّل المحيطي للخلية التائية: استعطال خلوي داخلي المنشأ، وكبت الخلايا التائية التنظيمية، وحذف (موت خلوي مبرمج).

يُؤدّي تعرّف المستضد من دون تنبيه مشارك كافٍ إلى استعطال الخلية التائية أو موتها، أو إلى جعل الخلية التائية حساسة للكبت من قِبَل الخلايا التائية التنظيمية. وتحتاج اللمفاويات التائية البكر إلى إشارتين على الأقل للتحريض على تكاثرها وتمايزها إلى خلايا فعّالة وخلايا ذاكرة: الإشارة الأولى هي دائماً المستضد، والإشارة الثانية توفرّها المنبّهات المشاركة التي تبدو على سطح الخلايا المقدِّمة للمستضد، كجزء من المناعة الخَلقية innate تجاه المكروبات أو تجاه خلايا الثوي المتأذّية. ويُعتَقَد أن الخلايا التغصُّنية في الأنسجة الطبيعية غير المخموجة وفي الأعضاء اللمفية المحيطية تكون في حالة الراحة (أو غير ناضجة)، فتبدي express القليل من المنبِّهات المشارِكة أو لا تبديها، مثل البروتينات B7. ويمكن لهذه الخلايا التغصُّنية أن تعالِج وتعرض المستضدات الذاتية الموجودة في الأنسجة على نحو دائم (ثابتٍ). وتستطيع اللمفاويات التائية التي تحمل مستقبلات للمستضدات الذاتية أن تتعرَّف هذه المستضدات وأن تتلقَّى من ثَمّ إشارات من مستقبلاتها (الإشارة الأولى)، لكن الخلايا التائية لا تتلقى تنبيهاً مشاركاً قوياً بسبب عدم مرافقة الاستجابة المناعية الخَلقية. وإن وجود التنبيه المشارك أو غيابه هو عامل رئيسي في تحديد إذا كانت الخلايا التائية تفعّلت، أو تحمّلت. وستُشرَح بعض الأمثلة عن هذا المفهوم أدناه.

١- الاستعطال (العطالة):

يشير الاستعطال Anergy في الخلايا التائية إلى عدم استجابة وظيفية طويلة الأمد يتم التحريض عليها عندما تتعرّف هذه الخلايا مستضدات الذات (الشكل ٤). وتُقدَّم مستضدات الذات طبيعيّاً مع مستويات منخفضة من المنبِّهات المشارِكة. ويُعتَقَد أن تعرّف المستضدات من دون تنبيهٍ مشاركٍ كافٍ هو الأساس في التحريض على الاستعطال بآليات ستُشرَح أدناه. وتنجو الخلايا المعطَّلة؛ لكنّها تكون غير قادرة على الاستجابة للمستضد.

الشكل (٤): استعطال الخلية التائية: إذا تعرّفت خلية تائية مستضدّاً من دون تنبيه مشارِك قوي يمكن لمستقبلاتها أن تخسر قدرتها على توفير الإشارات المفعِّلة، أو يمكن للخلية التائية أن تشغِّل مستقبلات مثبِّطة، مثل البروتين 4 المرافق للخلايا التائية السامة (CTLA-4) الذي يحصر التفعيل.

أفضل آليتين محدَّدتين مسؤولتين عن التحريض على الاستعطال هما: التأشير غير الطبيعي من قبل معقد مستقبل الخلية التائية، وحدوث إشارات تثبيط من مستقبلات أخرى غير معقد مستقبل الخلية التائية.

• وعندما تتعرّف الخلايا التائية مستضدات من دون تنبيه مشارِك، يمكن أن يَفقد معقد مستقبل الخلية التائية قدرته على نقل إشارات التفعيل. وفي بعض الحالات يتعلّق هذا الأمر بتفعيل إنزيمات تقوم بتعديل بروتينات التأشير، وتوجِّهها إلى تحطيم الخلية من الداخل بالبروتيازات.

• وعند تعرّف مستضدات الذّات يمكن للخلايا التائية أيضاً أن تستخدم أحد مستقبلات التثبيط من عائلة CD28 مثل CTLA-4 أو البروتين 1 للموت المبرمج (PD-1). ويمكن للخلايا التائية المعطَّلة أن تبدي مستويات أعلى من هذه المستقبلات المثبِّطة التي ستثبِّط الاستجابات الناجمة عن تعرف المستضد في المرات التالية.

تدعم العديد من التجارب على الحيوانات أهمية استعطال الخلايا التائية في استمرارية تحمّل الذات. كما بيّن أن الإجبار على التعبير عن مستويات عالية من المنبِّهات المشاركة B7 في نسيج الفأر باستخدام تقانة نقل الجينات transgenic أدى إلى حدوث تفاعلات مناعية ذاتية ضد مستضدات ذلك النسيج. ولذلك فإن توفير الإشارات الثانية صنعياً يمكن أن يَكسِر الاستعطال ويسبب تفعيل الخلايا التائية المتفاعِلة تجاه الذات.

٢- تنظيم استجابات الخلية التائية بمستقبلات مثبِّطة:

أُثبِتت فرضية أن الاستجابات المناعية تتأثر بالتوازن بين المستقبلات المفعِّلة والمستقبلات المثبِّطة في كل مجموعات اللمفاويات؛ بما فيها الخلايا الفاتكة الطبيعية واللمفاويات البائية والخلايا التائية. أفضل مستقبلات تثبيط تمَّ تحديدها في الخلايا التائية هي CTLA-4 و PD-1.

• CTLA-4: يتم التعبير عن CTLA-4 مؤقتاً على الخلايا التائية CD4+؛ ولا سيّما على الخلايا التائية التنظيمية. ويعمل هذا المستقبل على إنهاء تفعيل الخلايا التائية المستجيبة، وكذلك يتواسط الوظيفة الكابتة للخلايا التائية التنظيمية. ويقلل CTLA-4 التنبيه المشارِك، ويمنع تفعيل الخلايا التائية كما يمكن أن يحرِّر CTLA-4 إشارات تثبيطية للخلايا التائية.

• PD-1: كما يتم التعبير عن PD-1 على سطح الخلايا التائية CD4+ و CD8+ بعد التنبيه بالمستضد. ينهي PD-1 استجابات الخلايا التائية لمستضدات الذات وكذلك للأخماج المزمنة، وعلى نحو ملحوظ الأخماج الفيروسية.

وواحدة من أروع التطبيقات العلاجية وأكثرها فهماً لهذه المستقبلات التثبيطية هي معالجة مرضى السرطان بالأضداد التي تحصر هذه المستقبلات. وتؤدي مثل هذه المعالجة إلى تحسين الاستجابات المناعية المضادة للورم وإلى تراجع الورم في قسم مهم من المرضى. وسُمِّيَ هذا النمط من المعالجة حِصار نقاط التفتيش checkpoint blockade؛ لأن المستقبلات التثبيطية تفرض نقاط تفتيش في الاستجابات المناعية، وتقوم المعالجة بحصر نقاط التفتيش هذه («تزيل الفرملة» “removes the brakes” عن الاستجابات المناعية). ومن المتوقَّع أن تحدث تفاعلات مناعية ذاتية عند المرضى المعالجين بحصار نقاط التفتيش ولقد بينت التجارب في الحيوانات أنه إذا تم حصر الجزيئات CTLA-4 أو PD-1 (بالمعالجة بالأضداد) أو تم استبعادها بـ (by gene knockout) سيحدث عند الحيوانات تفاعلات مناعية ذاتية ضد أنسجتها الخاصة.

تبيّن أن مستقبلات أخرى عديدة على سطح الخلايا التائية غير CTLA-4 وPD-1 تثبط الاستجابات المناعية، وأصبحت حديثاً أهدافاً للمعالجة بحصار نقاط التفتيش. لم يتم اثبات دور هذه المستقبلات في المحافظة على التحمّل لمستضدات الذات بوضوح بعد.

٣- الكبت المناعي بوساطة الخلايا التائية التنظيمية:

تتطور الخلايا التائية التنظيمية في التوتة أو الأنسجة المحيطية عند تعرّف مستضدات الذات، وتكبت تفعيل اللمفاويات النوعية لهذه المستضدات والتي من الممكن أن تكون مُؤذية (الشكل ٥). ومن المحتمل أن تتطور معظم الخلايا التائية التنظيمية المتفاعلة تجاه الذات في التوتة (الشكل٢)؛ لكنّها يمكن أيضاً أن تنشأ في الأعضاء اللمفية المحيطية. ومعظم الخلايا التائية التنظيمية هي CD4+، وتبدي مستويات عالية من CD25، كذلك تبدي هذه الخلايا عامل انتساخ يسمى FoxP3، يكون لازماً لتطوّر هذه الخلايا ووظيفتها. وتسبب الطفرات في الجين المرمّز لعامل الانتساخ FoxP3 عند البشر وعند الفئران مرضاً مناعياً ذاتياً جهازياً متعدد الأعضاء؛ مما يُثبت أهمية الخلايا التائية التنظيمية إيجابية FoxP3 في المحافظة على تحمّل الذات. ويُعرف المرض البشري الذي يصيب الإنسان بالاختصار IPEX)) وهو: متلازمة الخلل التنظيمي المناعي مع اعتلال متعدد للغدد الصم واعتلال الأمعاء المرتبطة بالصبغي X Immune dysregulation, polyendocrinopathy, enteropathy, X-linked syndrome. وإن المناعة الذاتية الشديدة التي تُرى في الفئران والبشر المصابين بعوز FoxP3 هي أفضل دليل على أهميّة الخلايا التائية التنظيمية في المحافظة على استمرار تحمّل الذات.

الشكل (٥): تطوّر الخلايا التائية التنظيمية ووظيفتها: يمكن أن تتمايز الخلايا التائية CD4+ التي تتعرّف مستضدات الذات إلى خلايا تنظيمية في التوتة أو في الأنسجة المحيطية بعملية تعتمد على عامل الانتساخ FoxP3 (تشير الدراسات إلى أن معظم هذه الخلايا من المحتمل أنها تنشأ في التوتة). تثبِّط هذه الخلايا التنظيمية تفعيل الخلايا التائية البكر، وتثبِّط تمايزها إلى خلايا تائية فعّالة بآليات معتمدة على التَّماس أو عن طريق إفراز سيتوكينات تثبِّط استجابات الخلايا التائية. ويتطلَّب تكوّن الخلايا التائية التنظيمية ودوامها الإنترلوكن ٢.

تعتمد بقيا الخلايا التائية التنظيمية ووظيفتها على السيتوكين IL-2. إنّ دور IL-2 يعلِّل تطوّر المرض المناعي الذاتي الشديد في الفئران التي جرى حذف جينات IL-2 أو حذف جينات مستقبلاته فيها. وينبغي الانتباه إلى أن IL-2 الذي تصنعه الخلايا التائية المفعَّلة بالمستضد يحرّض على تكاثر هذه الخلايا. ولهذا فإن IL-2 مثال للسيتوكين الذي يعمل عملين متعاكسين: يشجِّع الاستجابات المناعية بتنبيه تكاثر الخلايا التائية، ويثبِّط الاستجابات المناعية بالمحافظة على الخلايا التائية التنظيمية الوظيفية. أُجريَت تجارب سريرية عديدة على قدرة IL-2 على دعم تنظيم التفاعلات المناعية المؤذية وضبطها، مثل رفض الطعوم والالتهاب في الأمراض المناعية الذاتية.

ويمكن للخلايا التائية التنظيمية أن تكبت الاستجابات بآليات متعددة.

• تنتج بعض الخلايا التنظيمية سيتوكينات (مثل IL-10 و β tumor growth factor TGF) تثبِّط تفعيل اللمفاويات والخلايا التغصُّنية والبلعميات الكبيرة.

• تبدي الخلايا التنظيمية CTLA-4 الذي يمكن أن يحصر أو يزيل جزيئات B7 التي تصنعها الخلايا المقدِّمة للمستضدات؛ مما يجعل هذه الخلايا عاجزة عن توفير التنبيه المشارِك بوساطة CD28 وتنبيه الخلايا التائية.

• يمكن للخلايا التائية التنظيمية أن ترتبط بعامل نمو الخلايا التائية الأساسي IL-2 وتستهلكه عن طريق قدرتها على التعبير عن مستويات عالية من مستقبلات IL-2؛ مما يقلِّل من توفر هذا السيتوكين من أجل استجابة الخلايا التائية الأمر الأكثر إثارةً في الخلايا التائية التنظيمية يأتي جزئياً من النظرية القائلة: إن الشذوذات المستبطنة في بعض الأمراض المناعية الذاتية عند البشر تعود إلى عيبٍ في وظيفة هذه الخلايا أو إلى مقاومة الخلايا التائية المرضية للتنظيم.

٤- الحذف deletion: استماتة اللمفاويات الناضجة:

يمكن أن يثير تعرّف مستضدات الذات سبلاً من الاستماتة تؤدي إلى استبعاد (حذف) اللمفاويات المتفاعِلة تجاه الذات (الشكل ٦). وثمّة آليتان لموت اللمفاويات التائية الناضجة المحرَّضة بمستضدات الذات:

الشكل (٦): آليات استماتة اللمفاويات التائية: تستجيب اللمفاويات التائية للمستضد المقدَّم بالخلايا المقدِّمة للمستضد الطبيعية بإفراز IL-2؛ وبالتعبير عن البروتينات المضادة للاستماتة anti - apoptotic protein، وتخضع للتكاثر والتمايز. وتمنع البروتينات المضادة للاستماتة انطلاق وسائط الاستماتة من المتقدرات. ويمكن أن يؤدي تعرّف الخلايا التائية لمستضدات الذات من دون التنبيه المشارِك إلى عوز نسبي في البروتينات داخل الخلوية المضادة للاستماتة؛ وإلى زيادة في طليعة البروتينات الاستماتية؛ مما يسبب الموت الخلوي بالتحريض على إطلاق وسائط الاستماتة من المتقدرات (الموت بوساطة المتقدرات «السبيل الداخلي للاستماتة»). وبالمقابل يمكن أن يؤدي تعرّف مستضدات الذات إلى التعبير express عن مستقبلات الموت وعن لجائنها، مثل Fas ولجينه FasL على اللمفاويات، ويؤدي استخدام هذه المستقبلات إلى استماتة الخلايا (السبيل الخارجي).

• يحرّض تعرّف المستضد إنتاج طليعة بروتينات استماتية pro – apoptotic protein في الخلايا التائية تحرض على موت الخلية بإحداث تسرُّب لبروتينات المتقدرات خارجاً وتفعيل كاسباسات caspases، وهي إنزيمات من العُصارة الخلوية (السيتوزول) التي تحرض على الاستماتة. في الاستجابات المناعية الطبيعية تُعاكَس طليعة البروتينات الاستماتية هذه ببروتينات مضادة للاستماتة يتم التحريض على إنتاجها بالتنبيه المشارِك وبعوامل نمو يتم إنتاجها في أثناء الاستجابات. ولكن مستضدات الذات التي تتعرَّف عليها من دون تنبيه مشارِك قوي لا تنبّه إنتاج البروتينات المضادة للاستماتة، ويحرِّض العوز النسبي لإشارات البقيا موت الخلايا التي تتعرّف هذه المستضدات.

• يمكن أن يؤدي تعرّف مستضدات الذات إلى تعبير مشارِك عن مستقبلات الموت وروابطها (لجائنها). ويولِّد التفاعل بين اللجائن ومستقبلاتها إشارات من خلال مستقبلات الموت تنتهي بالاستماتة. وأفضل زوج معروف لمستقبل موت ولجينه يعمل في تحمّل الذات هو بروتين يدعى Fas (CD95) يوجد على العديد من الأنماط الخلوية، ولجينه مستقبل الموت (FasL) يُعبَّر عنه غالباً على الخلايا التائية المفعّلة.

• أدَّت الطفرات في مستقبلات الموت ولجينها FasL في الفئران والطفرات في Fas في الأطفال إلى حدوث أمراض مناعية ذاتية مع تراكم اللمفاويات. وتسمى الأمراض البشرية هذه مجتمعةً متلازمة التكاثر اللمفاوي المناعي الذاتي، وهي نادرة، وهي الأمثلة الوحيدة المعروفة عن عيوب الاستماتة التي تسبب نمطاً ظاهرياً معقداً من المناعة الذاتية.

• توجد مستضدات الذات في التوتة، حيث تحرِّض على الحذف وتكوين الخلايا التائية التنظيمية، وبالعكس تميل معظم المستضدات المكروبية للاستبعاد من التوتة؛ لأنه يتم التقاطها التقاطاً مثاليّاً من مواضع دخولها ونقلها إلى الأعضاء اللمفية المحيطية.

• تُقدَّم مستضدات الذات من قبل الخلايا المقدِّمة للمستضد المرتاحة resting في غياب المناعة الخَلقية والإشارات الثانية؛ مما يرجِّح تحريض الخلايا التائية على الاستعطال أو الموت أو الكبت من قبل الخلايا التائية التنظيمية. وفي المقابل تثير المستضدات المكروبية تفاعلات مناعية خَلقية تؤدي إلى التعبير عن منبهات مشاركة وعن سيتوكينات تدعم تكاثر الخلية التائية وتمايزها إلى خلايا فعالة.

• توجد مستضدات الذات طوال فترة الحياة، ولذلك يمكن أن يسبب الاستخدام المتكرر أو طويل الأمد لمستقبلات الخلايا التائية، مما يدعم الاستعطال أو الاستماتة وتطور الخلايا التائية التنظيمية.

تحمل اللمفاويات البائية:

إن عديدات السكاريد والشحوم والحموض النووية للذات هي مستضدات غير معتمِدة على الخلايا التائية، ولا تتعرّفها الخلايا التائية. يجب أن تحرّض هذه المستضدات تحمّلاً في اللمفاويات البائية لمنع إنتاج الأضداد الذاتية. يمكن ألا تثير بروتينات الذات أضداداً ذاتية بسبب التحمّل في الخلايا التائية المساعِدة وفي الخلايا البائية. من المتوقّع أن الأمراض المصحوبة بإنتاج أضداد ذاتية -مثل الذئبة الحمامية الجهازية- سببها خلل في تحمّل كل من اللمفاويات البائية والخلايا التائية المساعدة.

التحمّل المركزي للخلية البائية:

عندما تتفاعل اللمفاويات البائية بقوة مع مستضدات الذات في نقي العظم فإن الخلايا البائية إما أن تبدّل نوعية مستقبلاتها (تعديل المستقبل)؛ وإمّا أنها تموت (تُحذَف) (الشكل٧).

الشكل(٧): التحمّل المركزي في اللمفاويات البائية غير الناضجة: عندما تتعرف الخلايا البائية غير الناضجة مستضدات الذات في نقي العظم؛ فإنها تبدّل نوعية مستقبلاتها (تعديل المستقبل) أو تموت بالاستماتة (الانتقاء السلبي أو الحذف) أو تقلِّل قدرتها على تعرّف المستضدات، وتصبح غير مستجيبة وظيفياً.

• تعديل المستقبل receptor editing: يمكن لبعض الخلايا البائية غير الناضجة التي تتعرّف مستضدات الذات في نقي العظم أن تكشف express عن سلسلة خفيفة جديدة من الغلوبولين المناعي. وترافق السلسلة الخفيفة الجديدة السلسلةَ الثقيلة المعبَّر عنها سابقاً للغلوبولين المناعي، فينتج مستقبل جديد للمستضد لن يكون نوعياً لمستضد الذات. وتسمى عملية تبديل نوعية المستقبل تعديل المستقبل، وتقلّل فرصة مغادرة الخلايا البائية المتفاعِلة للذات self - reactive والمؤذية من نقي العظم. وتُقَدَّر نسبة الخلايا البائية الناضجة التي يمكن أن تخضع لتعديل المستقبلات في أثناء نضجها عند الشخص الطبيعي بنسبة ٢٥٪ إلى ٥٠٪.

• الحذف: إذا فشل تعديل المستقبل؛ فإن الخلايا البائية التي تتعرّف بقوة مستضدات الذات تتلقى إشارات الموت، وتموت بالاستماتة. وتشبه عملية الحذف هذه الانتقاء السلبي للخلايا التائية غير الناضجة. كما هو الحال في الخلية التائية؛ فإن الانتقاء السلبي للخلايا البائية يستبعد اللمفاويات التي تكون مستقبلاتها عالية الألفة للغشاء السيتوبلازمي لمستضدات الذات الذوابة.

• الاستعطال: يمكن أن يجري التعرّف قليل الألفة بعضَ مستضدات الذات- مثل البروتينات الذوابة- في نقي العظم. وتنجو الخلايا البائية النوعية لهذه المستضدات؛ لكن يضعف التعبير عن مستقبل المستضد، وتصبح الخلايا غير مستجيبة وظيفياً (مستعطِلة).

التحمّل المحيطي للخلية البائية:

تصبح الخلايا البائية غير الناضجة التي تلتقي مستضدات الذات في الأنسجة اللمفية المحيطية غير قادرة على الاستجابة لذلك المستضد (الشكل ٨). وتقول إحدى النظريات: إنه إذا تعرّفت الخلايا البائية مستضدّاً، ولم تتلقَّ مساعدة من الخلية التائية (لأن الخلايا التائية المساعِدة استُبعِدت أو أنها متحمِّلة)؛ فإن الخلايا البائية تصبح مستعطلة anergic بسبب تعويق التأشير من مستقبل المستضد. ويمكن أن تخضع الخلايا البائية التي تتعرّف مستضدات الذات في المحيط للاستماتة أيضاً، ويمكن أن تشترك مستقبلات تثبيطية على سطح الخلايا البائية، فتمنع التفعيل. كذلك- وكما ذُكِر سابقاً- يمكن أن تسهم الخلايا التنظيمية في تحمّل الخلية البائية.

الشكل(٨): التحمّل المحيطي للمفاويات البائية: تكون الخلايا البائية الناضجة التي تتعرّف المستضد من دون مساعدة من الخلية التائية غير نشطة وظيفياً، وتصبح غير قادرة على الاستجابة لذلك المستضد (مستعطِلة)، أو أنها تموت بالاستماتة (بالحذف)، أو يُكبَت تفعيلها بوساطة المستقبلات التثبيطية.

تحمُّل المكروبات المطاعمة والمستضدات الجنينية:

بعد دراسة آليات التحمّل المناعي من المفيد النظر في نمطين من المستضدات غير الذاتية، ولكن ينتجان من خلايا أو أنسجة يجب أن يتحمّلها الجهاز المناعي. وهذه المستضدات هي منتَجات المكروبات المطاعِمة المتعايشة مع الجسم البشري والمستضدات الأبوية في الجنين.

يعتمد الحضور المشترك لهذه المستضدات مع الجهاز المناعي على عدة آليات، هي ذاتها المستخدَمة في المحافظة على التحمّل المحيطي لمستضدات الذات. ويأتي عمل الخلايا التائية التنظيمية في مقدمة هذه الآليات.

تحمّل المكروبات المطاعِمة في الأمعاء والجلد:

يتألف العالم المكروبي للبشر الأصحاء من نحو ١٤١٠ من الجراثيم والفيروسات (وهو أكبر من ١٠ أضعاف عدد خلايا الجسم البشري، مما ألهم علماء الأحياء الدقيقة للإشارة إلى أن الناس فقط ١٠٪ بشريون و٩٠٪ مكروبيون). وتستقر هذه المكروبات في السبيلين الهضمي والتنفسي وعلى الجلد، وتؤدي وظائف أساسية في هذه المواضِع. وعلى سبيل المثال: تساعد الجراثيم المطاعِمة في الأمعاء على هضم الأغذية وامتصاصها، وتمنع التكاثر الزائد للمكروبات التي من الممكن أن تكون مؤذيةً. وتستطيع اللمفاويات الناضجة في هذه الأنسجة أن تتعرّف المكروبات؛ لكنها لا تتفاعل تجاهها، لذلك لا يتم استبعاد هذه المكروبات، ولا تتم إثارة التهاب مؤذٍ في الموضِع. يوجد في الأمعاء العديد من الآليات المسؤولة عن عدم قدرة الجهاز المناعي السليم على العمل ضد المكروبات المطاعِمة. وتتضمّن هذه الآليات كثرة الخلايا التائية التنظيمية المنتِجة للإنترلوكن ١٠ (IL-10)؛ وخاصيةً غير عادية للخلايا التغصُّنية مثل إصدار إشارات تسهم في تثبيط الاستجابة المناعية بدلاً من تفعيلها، وبسبب فصل بعض الجراثيم عن الجهاز المناعي المعوي بوساطة الظهارة المعوية لم تُحدَّد آليات تحمّل الجراثيم المطاعِمة في الجلد جيداً بعد.

تحمُّل المستضدات الجنينية:

يسمح تطور تكوّن المشيمة في الأرحام السويّة في الثدييات للجنين بأن ينضج قبل الولادة، لكن تنشأ مشكلة المستضدات الأبوية التي يتم التعبير عنها في الجنين، والتي تكون غريبةً عن الأم، ويجب أن يتحمّلها الجهاز المناعي للأم الحامل. وإنّ تكوّن generationالخلايا التائية التنظيمية المحيطية النوعية لهذه المستضدات الأبوية هي واحدة من آليات هذا التحمّل. وفي الحقيقة، يتعلّق تكوّن المشيمة بقوة في أثناء التطور بالقدرة على تكوين خلايا تائية تنظيمية محيطية ثابتة. وليس واضحاً إذا كانت النساء اللواتي يعانين تكرار فقدان الحمل، يكون لديهن عيب في تكوين هذه الخلايا التائية التنظيمية أو عيب في المحافظة عليها. وتتضمن الآليات الأخرى لتحمّل الجنين استبعاد الخلايا الالتهابية من رحم الحامل وضعف تقديم المستضدات في المشيمة وعدم القدرة على تكوين استجابات مؤذية من قبل Th1 في رحم الحامل السليم.

المناعة الذاتية:

تعرَّف المناعة الذاتية بأنها استجابة مناعية ضد مستضدات الذات (ذاتية المنشأ). وتُعَدُّ المناعة الذاتية سبباً مهمّاً لمرض يصيب ٢٪ إلى ٥٪ من الناس في الدول المتطورة حيث يتزايد انتشار بعض الأمراض المناعية الذاتية. ويمكن أن تكون الأمراض المناعية الذاتية نوعيّةً، تؤثر في عضو واحد أو عدة أعضاء، أو تكون جهازيةً، مع أذية نسيجية منتشرة وتظاهرات سريرية. ويمكن أن يكون سبب الأذية النسيجية في الأمراض المناعية الذاتية الأضداد المتكونة تجاه مستضدات الذات أو عمل الخلايا التائية المتفاعِلة تجاه مستضدات الذات.

الإمراضية:

إنّ العوامل الرئيسية في حدوث المناعة الذاتية هي وراثة جينات الاستعداد، والمُثيرات البيئية مثل الأخماج (الشكل٩). وتم الافتُرض أن جينات الاستعداد تتنافس مع سُبُل التحمّل الذاتي، وتؤدي إلى استمرار اللمفاويات البائية والتائية المتفاعِلة تجاه الذات. ويمكن أن تسبِّب المثيرات البيئية أذيَّةً خلوية ونسيجية والتهاباً وتقوم بتفعيل هذه اللمفاويات المتفاعِلة تجاه الذات self-reactive؛ مما يؤدي إلى تكوين خلايا تائية فعّالة وأضداد ذاتية مسؤولة عن أمراض المناعة الذاتية.

الشكل(٩): الآليات المفتَرَضة للمناعة الذاتية: في هذا النموذج المُقتَرَح للمناعة الذاتية النوعية لعضوٍ ما والمتواسطة بالخلايا التائية، يمكن أن تمنح مواضع locus جينية متنوعة الاستعداد للمناعة الذاتية، ربما من طريق التأثير في المحافظة على تحمّل الذات. وتشجع المثيرات البيئية- مثل الأخماج والمُثيرات الالتهابية الأخرى- دخول اللمفاويات إلى الأنسجة وتفعيل الخلايا المقدِّمة للمستضد (APCs) ومن ثمّ الخلايا التائية المتفاعِلة تجاه الذات؛ مما يؤدي إلى أذيّةٍ نسيجيةٍ.

وعلى الرغم من المعرفة المتنامية بالشذوذات المناعية التي يمكن أن تؤدي إلى مناعة ذاتية؛ فإنّ الأسباب المَرَضيّة لأمراض المناعة الذاتية البشرية الشائعة ماتزال مجهولة. وينجم هذا القصور في فهم الأسباب عن عدّة عوامل: تكون أمراض المناعة الذاتية البشرية عادةً متغايرة (غير متجانسة) ومتعدِّدة العوامل؛ فغالباً ما تكون مستضدات الذات المحرِّضة والمستهدَفة من تفاعلات المناعة الذاتية غير معروفة؛ ويمكن أن تتظاهر الأمراض سريرياً بعد مدة طويلة من بدء التفاعلات المناعية الذاتية. وإن التطورات الحديثة- التي تتضمن تحديد الجينات المرافقة للأمراض، والتقنيات الفضلى في دراسة الاستجابات المناعية النوعية للمستضد عند البشر، وتحليل النماذج الحيوانية التي يمكن أن تساعد على استقراء extrapolation الحالات السريرية- تعِدُ بتوفير إجابات لأحجية المناعة الذاتية.

العوامل الجينية:

يمكن أن يُعزى الخطر الموروث لمعظم الأمراض المناعية الذاتية إلى عدة مواضع جينية، والحِصة الكبرى من هذه المواقع هي جينات معقد التوافق النسيجي الكبير MHC. وإذا حدث مرض مناعي ذاتي في واحدٍ من توأمين حقيقيين؛ فإن احتمال حدوثه في التوأم الآخر أكبر من احتمال حدوثه في أي شخص من عموم الناس وأكثر من ذلك: إن زيادة الوقوع هذه تكون أكبر بين التوائم وحيدة البيضة (التوائم الحقيقية) منها في التوائم ثنائية البيضة. وتُثبت هذه الموجودات أهمية الوراثة في الاستعداد للمناعة الذاتية. ولقد أوضحت الدراسات الموَسَّعة للجينوم أن بعض التنوعات (تعدد الأشكال polymorphism) الشائعة في الجينات يمكن أن تسهم في أمراض المناعة الذاتية المختلفة. وترجِّح النتائج المنبثقة من الدراسات أن تعدُّدات الأشكال المختلفة تكون أكثر تواتراً (تسبب الاستعداد) أو تكون أقل تواتراً (واقية) في المرضى من الشواهد الأصحاء. وتعزِّزت هذه الأهمية بحقيقة أنَّ العديد من تعدُّدات الأشكال هذه يمكن أن تؤثِّر في الاستجابات المناعية، وترافق تعدُّدات الأشكال الجينية هذه نفسها الأمراض المناعية الذاتية المختلفة. ولكن يمكن أن تكون تعدُّدات الأشكال الجينية هذه متكررة في الأشخاص الأصحاء، وتكون مساهَمة كل جين منفرد من هذه الجينات في حدوث المناعة الذاتية صغيرةً جداً.

يرتبط العديد من الأمراض المناعية الذاتية عند البشر والحيوانات المغلقة (inbred) بوجود أليلات محدَّدة لمعقدات التوافق النسيجي الكبير (الجدول ١). ولقد عُرفت المشاركة بين أليلات مستضدات الكريات البيض البشرية (HLA) والأمراض المناعية الذاتية عند الإنسان منذ عدة سنوات، وكانت واحداً من الأدلّة الأولى على أن الخلايا التائية تؤدي دوراً مهماً في هذه الأمراض؛ (لأن الوظيفة الوحيدة المعروفة لجزيئات معقدات التوافق النسيجي الكبير هي تقديم المستضدات الببتيدية للخلايا التائية). ويكون وقوع مرض مناعي ذاتي محدّد بين الأشخاص الوارثين أليلات HLA محددة غالباً أكبر مما هو عند عموم الناس، ويسمّى ازدياد الوقوع نسبة الخطر relative risk لترافق HLA مع المرض. ويمكن تطبيق المصطلح نفسه على ترافق أي جين مع أي مرض. من المهم الإشارة إلى أنَّه على الرغم من أن أليل HLA يمكن أن يزيد خطر حدوث مرض مناعي ذاتي محدد، فإن أليل HLA بذاته ليس سبباً للمرض. وفي الحقيقة لا يظهر المرض أبداً في الغالبية العظمى من الأشخاص الذين يرثون أليلات HLA تشير إلى وجود خطرٍ زائدٍ للمرض.

المرض

أليل MHC

نسبة الخطر

التهاب الفقار المقسِّط

HLA-B27

٩٠

التهاب المفاصل الروماتويدي

HLA-DRB1*01/*04/*10

٤-١٢

داء السكري من النمط ١

HLA-DRB1*0301/0401

٣٥

الفقاع الشائع

HLA-DR4

١٤

الجدول (١): مشاركة الأمراض المناعية الذاتية مع ألّيلات مواضع معقد التوافق النسيجي الكبير MHC: ولقد بيّنت الدراسات على العائلات وصِلات القرابة أن احتمال حدوث أمراض مناعية ذاتية معيّنة في أشخاص يرثون أليلات جينات مستضدات كريات بيضاء بشرية (HLA) محدّدة أكبر منه عند الذين لا يرثون هذه الأليلاتalleles . تم وضع قائمة بأمثلة مختارة من الأمراض المصحوبة بمستضدات الكريات البيض البشرية HLA. مثال: إن احتمال حدوث التهاب الفقار المقسِّط عند الأشخاص الذين يملكون أليل HLA-B27 أكبر بـ ٩٠-١٠٠ ضعف من الأشخاص سلبيي HLA-B27؛ وتُبدي الأمراض الأخرى درجات مختلفة من الحدوث مع أليلات HLA أخرى.

ويرافق تعدُّد الأشكال في غير جينات مستضدات الكريات البيض البشرية HLA أمراضاً مناعيةً ذاتية متنوعة، ويمكن أن تسهم في فشل تحمّل الذات أو في تفعيل شاذ للمفاويات (الجدول ٢). تم وصف العديد من هذه الأمراض المترافقة والتنوّع الجيني:

• يمكن أن يؤدي تعدُّد الأشكال في جين إنزيم فوسفاتاز التيروزين إلى تفعيل غير مُنضبِط لكل من الخلايا البائية والخلايا التائية، ويرافقه العديد من أمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي والذئبة الحمامية الجهازية والنمط الأول لداء السكري.

• يسبب التنوع في المستقبل المكروبي السيتوبلازمي في المناعة الخَلقية NOD-2 تراجعاً في المقاومة للمكروبات المعوية الذي يرافق داء كرون، وهو داء التهابي معوي عند بعض المجموعات الإثنية.

• يُعتَقَد أن بعض تعدُّدات الأشكال الأخرى المرافقة لأمراض مناعية متعددة تتضمن جينات ترمّز إلى السلسلة ألفا α من مستقبل IL-2 (CD25) تؤثّر في التوازن بين الخلايا التائية الفعّالة والتنظيمية.

(أ) جينات يمكن أن تسهم في أمراض مناعية ذاتية وراثية معقدة

الجين (الجينات)

المرض المرافق

الآلية

PTPN22

التهاب المفاصل الروماتويدي RA، وأمراض متعددة أخرى

تنظيم شاذ لفوسفاتاز التيروزين في انتقاء الخلية التائية وتنظيمها

NOD2

داء كرون

عيب في مقاومة المكروبات المعوية أو استجابات شاذة تجاهها

IL23R

داء التهابي معوي IBD، الصداف PS، التهاب الفقار المقسِّط

مكونة من مستقبل IL-23، لها دور في تكوين الخلايا Th17 والمحافظة على استمرارها

CTLR4

داء السكري من النمط 1 (T1D)، التهاب المفاصل الروماتويدي

ضعف في نقاط التفتيش التثبيطية وفي وظيفة الخلية التائية التنظيمية

CD25

(IL-2Rα)

التصلب المتعدد MS، داء السكري من النمط 1

شذوذات في الخلايا التائية الفعّالة و/أو الخلايا التائية التنظيمية؟

C2، C4 (بروتينات المتممة)

الذئبة الحمامية الجهازية SLE

عيوب في تنظيف المعقدات المناعية أو في تحمّل الخلية البائية

FCGRIIB (FCγRIIB)

الذئبة الحمامية الجهازية SLE

عيب في التغذية الراجعة التثبيطية للخلايا البائية

(ب) خلل جين مفرد يسبب مناعة ذاتية (أمراض مندلية)

الجين (الجينات)

المرض المرافق

الآلية

AIRE

المتلازمة متعددة الغدد الصمّ المناعية الذاتية (APS-1)

تؤدي قلة التعبير عن مستضدات الأنسجة المحيطية في التوتة إلى خلل في التخلص من الخلايا التائية المتفاعِلة تجاه الذات

CTLA4

متلازمة خلل التنظيم المناعي الجسدية السائدة

ضعف نقطة التفتيش التثبيطية وضعف وظيفة الخلايا التائية التنظيمية؛ مما يسبب فقد استتباب الخلايا التائية والبائية

FOXP3

خلل التنظيم المناعي، الاعتلال متعدد الغدد الصم والاعتلال المعوي IPEX المرتبط بالصبغي X

عوز الخلايا التائية التنظيمية

FAS

المتلازمة التكاثرية اللمفاوية المناعية الذاتية ALPS

عيب في استماتة اللمفاويات التائية والبائية المتفاعِلة تجاه الذات في المحيط

الجدول (٢) دور جينات أخرى غير جينات معقد التوافق النسيجي الكبير في المناعة الذاتية: أ- أمثلة مُختارة من تعدد أشكال الجينات التي تسبب الاستعداد لأمراض مناعية ذاتية لكنها فرديّاً لها تأثيرات قليلة أو معدومة. ب- أمثلة نادرة لأمراض مناعية ذاتية ذات وراثة مندلية.

دور الأخماج والمؤثرات البيئية الأخرى:

يمكن للأخماج أن تفعِّل اللمفاويات المتفاعلة تجاه الذات، فتثير تطور أمراض مناعية ذاتية. عرف السريريون منذ عدة سنوات أن التظاهرات السريرية للمناعة الذاتية يمكن أن يسبقها أحياناً بوادر prodrome خمجية. تم إثبات المشاركة بين الأخماج والأذية النسيجية المناعية الذاتية أولاً في النماذج الحيوانية. ويمكن أن تسهم الأخماج بالمناعة الذاتية بطرائق عديدة (الشكل ١٠):

الشكل (١٠): آليات يمكن أن تؤهب بها المكروبات لحدوث المناعة الذاتية: أ- على نحو طبيعي يؤدي التقاء الخلايا التائية الناضجة مستضداتٍ ذاتيةً تحملها الخلايا المقدِّمة للمستضد (APCs) النسيجية إلى التحمّل المحيطي. ب- يمكن أن تُفعِّل المكروبات الخلايا المقدِّمة للمستضد لتعبِّر (لتكشف express) عن منبِّهات مشارِكة، وعندما تقدِّم هذه الخلايا المقدِّمة للمستضد المستضدات الذاتية تتفعَّل الخلايا التائية النوعية بدلاً من أن تصبح متحمِّلة. ج- يمكن لبعض المستضدات المكروبية أن تتصالب مناعياً cross - react مع مستضدات الذات. لذلك يمكن أن تصبح الاستجابات المناعية التي ابتدأت بالمكروبات موجَّهةً لخلايا الذات وأنسجته.

• يمكن أن يحرّض خمج النسيج استجابة مناعية خَلقية موضعية، ويمكن أن تؤدي إلى زيادة إنتاج المنبِّهات المشارِكة والسيتوكينات من قبل الخلايا المقدِّمة للمستضد النسيجية كما يمكن أن تكون الخلايا المقدِّمة للمستضد المفعَّلة هذه قادرة على تنبيه الخلايا التائية المتفاعِلة تجاه الذات والتي تلتقي مستضدات الذات في النسيج، أي يمكن للخمج أن يكسر تحمّل الخلية التائية ويدعم تفعيل اللمفاويات المتفاعِلة تجاه الذات.

• يمكن أن تُنتِج بعض المكروبات الخامجة مستضدات ببتيدية مشابهة لمستضدات الذات ومتصالبة معها مناعياً. كما يمكن أن تؤدي الاستجابات المناعية لهذه المستضدات الببتيدية إلى هجوم مناعي ضد مستضدات الذات. وتسمى هذه التفاعلات المتصالبة بين المستضدات المكروبية والذاتية محاكاة جزيئية molecular mimicry. وعلى الرغم من أن مساهَمة المماثلة الجزيئية في المناعة الذاتية سحرت علماء المناعة، فإنّ الأهمية الحقيقية لها في تطوّر معظم الأمراض المناعية الذاتية ما يزال مجهولاً. وفي بعض الاضطرابات النادرة ترتبط الأضداد المنتَجة ضد بروتين مكروبي ببروتينات ذاتية. في حمى الروماتيزم تتفاعل الأضداد المتكونة ضد المكورات العقدية على نحو متصالب مع مستضدات قلبية، وتسبب مرضاً قلبياً.

• يمكن أن تبدّل الاستجابة الخَلقية البنية الكيميائية لمستضدات الذات. مثال: يرافق بعض الأخماج الجرثومية للأنسجة حول السنية التهابُ المفاصل الروماتويدي. ومن المفترض أن الاستجابات الالتهابية الحادة والمزمنة لهذه الجراثيم تؤدي إلى تحوّل الأرجينينات arginine إلى سترولّينات citrullines في بروتينات الذات، ويتم تعرف البروتينات المحتوية على السترولينات كبروتينات غير ذاتية، وتثير استجابات مناعية تلاؤمية.

• يمكن للأخماج أيضاً أن تؤذي الأنسجة وتحرر مستضدات معزولةً طبيعيّاً عن الجهاز المناعي. مثال: بعض المستضدات المعزولة (في الخصية والعين) لا تُرى طبيعيّاً من قِبَل الجهاز المناعي، ويتم تجاهلها. يمكن أن يؤدي تحرير هذه المستضدات (مثلاً برضّ أو خمج) إلى تفاعلات مناعية ذاتية ضد النسيج.

• يمكن لوفرة المكروبات المطاعِمة الطبيعية وتركيبها في الأمعاء والجلد ومواضع أخرى (العالم المكروبي the microbiome) أن تؤثر أيضاً في سلامة الجهاز المناعي وفي المحافظة على تحمّل الذات. أثار هذا الاحتمال قدراً كبيراً من الاهتمام، لكن التنوّعات الطبيعية في العالم المكروبي للبشر والمتعلقة بالتعرّض البيئي وبالحِمية جعلت من الصعب تحديد العلاقة بين مكروبات محدَّدة وتطور أمراض مناعية ذاتية. وعلى النقيض paradoxically يبدو أن بعض الأخماج توفّر حماية من الأمراض المناعية الذاتية. ويعتمد هذا الاستنتاج على بيانات وبائية وعلى دراسات تجريبية محدودة؛ بيد أن أساس التأثير الواقي للأخماج ما يزال مجهولاً.

ويمكن أن تسهم عوامل بيئية أخرى وعوامل متعددة متعلقة بالثوي في المناعة الذاتية. وإن العديد من الأمراض المناعية الذاتية أشيع عند السيدات منها عند الرجال، لكن كيفية تأثير الجنس في التحمّل المناعي وفي تفعيل اللمفاويات بقي مجهولاً. ويُثير التعرُّض إلى ضوء الشمس تطور مرض مناعي ذاتي هو الذئبة الحمامية الجهازية (SLE)، وفيها تنتج أضداد ذاتية ضد الحموض النووية والبروتينات النووية الذاتية. افتُرض أن هذه المستضدات النووية يمكن أن تنطلق من الخلايا الميتة بالاستماتة كعقابيل للتعرض للأشعة فوق البنفسجية الموجودة في ضوء الشمس.

الخلاصة:

• التحمُّل المناعي هو غياب استجابة مناعية نوعية لمستضد، يتم تحريضها بتعريض اللمفاويات إلى ذلك المستضد. ويكون كل الأشخاص متحمِّلين (غير مستجيبين) لمستضداتهم الذاتية. يمكن التحريض على تحمُّل المستضدات بتناول تلك المستضدات بطرائق خاصة، كما يمكن أن تفيد هذه الاستراتيجية في معالجة أمراض مناعية وفي منع رفض الطعوم.

• يتم التحريض على التحمّل المركزي في اللمفاويات غير الناضجة التي تلتقي المستضدات في الأعضاء اللمفية المولِّدة. وينجم التحمُّل المحيطي عن تعرّف المستضدات من قِبل لمفاويات ناضجة في الأنسجة المحيطية.

• ينجم التحمُّل المركزي للمفاويات التائية عن تعرّف المستضدات عالية الألفة في التوتة. وبعض هذه الخلايا التائية المتفاعلة تجاه الذات تبدي (انتقاء سلبيّاً)، وهذا ما يسبب استبعاد معظم الخلايا التائية التي تبدي مستقبلات لمستضدات الذات والتي يمكن أن تكون خطرة. وتتطور الخلايا التائية الأخرى من سلالة CD4؛ لتصبح خلايا تائية تنظيمية تكبت التفاعلية تجاه الذات في المحيط.

• يتم التحريض على التحمُّل المحيطي للخلايا التائية بآليات متعددة. وينجم الاستعطال أو عدم الفعالية الوظيفية عن تعرّف المستضدات من دون منبِّهات مشارِكة (الإشارة الثانية). وتتضمن آليات الاستعطال لجم التأشير أو منعه من مستقبلات الخلايا التائية وتدخُّل المستقبلات التثبيطية مثل CTLA-4 و PD-1. وتكبت الخلايا التائية التثبيطية المتفاعِلة تجاه الذات الخلايا التائية التي من الممكن أن تكون ممرِضة. ويمكن أن يحدث حذف (موت بالاستماتة) عندما تلتقي الخلايا التائية مستضداتِ الذات.

• يحدث التحمُّل المركزي في اللمفاويات البائية عندما تتعرَّف الخلايا غير الناضجة مستضداتِ الذات في نقي العظم. وتقوم بعض هذه الخلايا بتبديل مستقبلاتها (تعديل المستقبل)، وبعضها الآخر يموت بالاستماتة (انتقاء سلبي أو حذف). يتم التحريض على التحمُّل المحيطي عندما تتعرّف الخلايا البائية الناضجة مستضداتٍ ذاتية من دون مساعدة الخلية التائية، مما يؤدي إلى استعطال الخلايا البائية وموتها أو تشغيل مستقبلات تثبيطية فيها.

• تنجم أمراض المناعة الذاتية عن فشل التحمُّل الذاتي. وتسهم عوامل متعددة في المناعة الذاتية، تتضمن جينات الاستعداد الوراثي ومثيرات بيئية مثل الأخماج.

• تسهم عدة جينات في تطور المناعة الذاتية. أقوى علاقة هي بين جينات مستضدات الكريات البيض البشرية وأمراض مناعية ذاتية متنوعة معتمدة على الخلية التائية.

• تُؤهِّب الأخماج للمناعة الذاتية بإحداثها الالتهاب والتنبيه للتعبير عن منبِّهات مشارِكة؛ أو بسبب التفاعلات المتصالبة بين المستضدات المكروبية ومستضدات الذات.

هيام بشارة

 

التصنيف : علم المناعة
النوع : الجهاز المناعي
المجلد: كتاب علم المناعة
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 991
الكل : 31598433
اليوم : 33288